الانتظام النقدي في الثقافة العربيّة نفسها ; وذلك بهدف تحريك التغيير فيها من الداخل .. لذلك كانت الحداثة بهذا الاعتبار تعني أوّلاً وقبل كلّ شيء : حداثة المنهج وحداثة الرؤية ، والهدف تحرير تصوّرنا لـ «التراث» من البطانة الايديولوجيّة والوجدانيّة التي تضفي عليه داخل وعينا طابع العامّ والمطلق وتنزع عنه طابع النسبيّة والتاريخيّة ..
من هنا خصوصيّة الحداثة عندنا ، أعني دورها الخاصّ في الثقافة العربيّة المعاصرة ، الدور الذي يجعل منها بحث «حداثة عربيّة» والواقع أنّه ليست هناك حداثة مطلقة ، كلّيّة وعالميّة ، وإنّما هناك حداثات تختلف من وقت لآخر ومن مكان لآخر ..
وبعبارة اُخرى : الحداثة ظاهرة تاريخيّة ، وهي ككلّ الظواهر التاريخيّة مشروطة بظروفها ، محدودة بحدود زمنيّة ترسمها الصيرورة على خطّ التطوّر .. فهي تختلف إذن من مكان لآخر ، ومن تجربة تاريخيّة لاُخرى ..
يقول محمّد أرگون : الحداثة ليست معاصرة زمنيّة أو تزامنيّة ، وإنّما هي موقف فعلي وتوتّر روحي معيّن قد يوجد في أقدم العصور وقد لا يوجد بين معاصريك الذين تأكل معهم وتشرب يوميّاً ..
ويقول الجابري أيضاً : كلاّ ، ليست الحداثة موقفاً فرديّاً إلاّ من حيث ارتباطها بانبثاق روح النقد والإبداع داخل ثقافة ما ، باعتبار أنّ النقد