يقول علي أحمد سعيد (أدونيس) : تولّدت الحداثة تاريخيّاً من التفاعل أو التصادم بين موقعين أو عقليّتين ، في مناخ من تغيّر الحياة ، ونشأة ظروف وأوضاع جديدة .. ومن هنا وصف عدد من مؤسّسي الحداثة الشعريّة بالخروج .. كان معظمهم إمّا من أصل غير عربي ، وإمّا أنّهم مولدون من أب عربي واُمّ غير عربيّة ..
ونشؤوا إلى ذلك في وسط اجتماعي فقير ، عبيداً أو موالي ، وهكذا اندفعوا لإثبات وجودهم في المجتمع العربي .. وفي سبيل ذلك تسلّحوا بأقوى الأسلحة العربيّة : اللغة والدين .. أمّا اللغة فأتقنوها أكثر من أهلها ، ممّا كذّب نظريّة الطبع أو الفطرة .. وأمّا الدين ففسّروه تفسيراً يلائم تطلّعاتهم في الحياة التي استجدّت ، نزعوا عنه القرشيّة العروبويّة ، وأعطوه طابعاً إنسانيّاً اُمميّاً (شعوبيّاً) ، قائلين : إنّ الإسلام يؤاخي بين البشر ويتجاوز الأجناس والعصبيّات .. هكذا وجدوا أنفسهم طبيعيّاً في موقع يناقض النظام القائم ، من جهة لأ نّه يقوم على العنصريّة أي على اللامساواة ، ويناقض من جهة ثانية التقاليد التي يتبنّاها النظام ; لأ نّها تقاليد السلطة الموروثة لا تقاليد الحياة الناشئة ، ويناقض أيضاً التقاليد الأدبيّة ; لأ نّها هي أيضاً التقاليد التي يرثها النظام ويشيعها ويرسّخها .. وتبعاً لذلك وجدوا أنفسهم طبيعيّاً في موقع من يبتكر تعبيراً يلائم الحياة الجديدة أو التي يطمحون إليها ويتطابق معها ، أي أنّهم وجدوا أنفسهم في موقع التجديد ..