يكون في المورد حكم عقلي ـ إذا لزم فيه اللّغوية ، والمسارعة إلى الخيرات ـ وإن كان من شئون الطاعة ـ يترتب عليه الأثر ، وهو الأجر والثواب ، فليس لغواً ، فليس إرشاديّاً. وأيضاً : فمن الناس من لا ينبعث نحو أوامر المولى بحكم العقل ولا يتّبعون إلاّ الأوامر المولويّة ، فيكون لأمره بالمسارعة نحو الخير والطّاعة أثر ، فليس إرشاديّاً.
الوجه الثالث : إن ظاهر (فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ) تعدّد الخير لأنه صيغة جمع ، وإذا كانت خيراتٌ فيقع التزاحم فيما بينها ، وإذا وقع التزاحم خرجت الأفراد عن الخيرية إلاّ واحداً منها ، لأن المفروض كون العمل واجباً ، لكون الأمر للوجوب والبقيّة مزاحمات للفرد الواجب ، وإذا كانت مزاحمةً خرجت عن الخيريّة ، فلازم حمل الآية على الوجوب هو انحصار الخيرات بخير واحدٍ ، وهذا خلاف الآية المباركة ، فلا مناص من حملها على الاستحباب ، لأن المستحبات لا تخرج عن الاستحباب بالتزاحم .... نقله الأستاذ في الدورة السابقة عن المحقق العراقي ثم أورد عليه :
أوّلاً : إن معنى الآية هو الاستباق إلى أعمال الخير وإنْ كان واحداً ، فهو كما لو قيل : فاستبقوا الواجبات ، فإنه لا يلزم تعدّد الواجب.
وثانياً : لو كان التزاحم في الواجبات يخرج المزاحم عن الخيريّة تمّ ما ذكره ، ولكن المفروض أن التزاحم لا يؤدّي إلى سقوط الملاك وانعدامه ، فالمهمّ يبقى على الخيرية بعد سقوط وجوبه بالمزاحمة مع الواجب الأهم ، ولذا لو عصى الأمر بالأهم وجب الإتيان بالمهم بناءً على الترتّب.
والحاصل : إن التزاحم لا يخرج العمل عن الخيريّة إلى الشرّ ، بل التزاحم وقع بالنسبة إلى وجوبه لا خيريّته. نعم ، إنما يتمُّ ما ذكره بناءً على