من بيت عريق في القضاء وولاية الأحكام بمدينة السّلام وغيرها ، وأهل فضل وعلم وتقدّم ، تولّى منهم قضاء القضاة شرقا وغربا غير واحد.
وأبو القاسم هذا من أهل العلم والمعرفة بالحكم والفرائض والأدب ، مع عفّة فيه ونزاهة تشتمل عليها ، وحسن طريقة عرف بها. تولّى أولا القضاء والحكم بمدينة السّلام في رجب سنة ست وثمانين وخمس مئة ، وخلع عليه خلعة سوداء وطرحة كحلية ، وأذن له في الإسجال عن الخدمة الشّريفة الإمامية النّاصرية ضاعف الله جلالها وأسبغ على كافة الخلائق ظلالها ، وتقدّم إلى الشّهود بحضور مجلسه والشّهادة عنده وعليه فيما يسجله ، وكان قاضي القضاة يومئذ أبو الحسن محمد بن جعفر العبّاسي بمدينة السّلام إلى أن عزل ، أعني العباسي ، في جمادى الآخرة سنة ثمان وثمانين وخمس مئة ، فانفرد القاضي أبو القاسم هذا بالقضاء والحكم بمدينة السّلام إلى أن ولي قاضي القضاة أبو طالب عليّ بن عليّ ابن البخاري المرة الثّانية وهو على حكمه وقضائه. وتوفي قاضي القضاة أبو طالب هذا في جمادى الآخرة سنة ثلاث وتسعين وخمس مئة ، فانفرد القاضي أبو القاسم أيضا بالحكم ببغداد إلى أن عزل في ثامن عشر رجب سنة أربع وتسعين وخمس مئة ، فكانت ولايته ثماني سنين ، فلزم منزله إلى أن ولّي قضاء القضاة شرقا وغربا في يوم الثلاثاء خامس عشري شهر رمضان سنة ثلاث وست مئة ، ولّاه ذلك الوزير يومئذ أبو الحسن ناصر بن مهدي ، وخلع عليه الخلعة السّوداء والعمامة الكحلية والطّرحة الكحلية ، وسلّم إليه العهد بذلك ، فحضر جامع القضر الشريف عصر اليوم المذكور وقرئ عهده بمحضر من خلق من العدول والعلماء والأعيان ، وحضرنا ذلك ، وكان القارئ له القاضي أبو المظفّر ابن الرّطبي المحتسب ، وسمع البيّنة حينئذ وحكم. ثم نهض إلى داره بدرب المطبخ. ثم أسكن بباب العامّة المحروس في دار كانت لابن الصّاحب.
ولم يزل على حكمه وقضائه وقبوله الشّهود ، ونوّابه بمدينة السّلام أخوه القاضي أبو عبد الله محمد والقاضي أبو الحسن عليّ بن روح ابن النّهرواني ،