إنّ الراوي نقل الرواية بالمعنى كي يخفف من شدة الصدمة التي تحصل فيما لو نقل الرواية بألفاظها والشاهد على ما نقول أنّ البخاري نفسه روى الرواية بشكل آخر أيضاً ، فروى عن ابن عباس إنّه كان يقول : يوم الخميس وما يوم الخميس ثمّ بكى حتّى بلّ دمعه الحصى قلت : ياابن عباس ما يوم الخميس؟ قال : اشتدّ برسول اللّه وجعه فقال : « ائتوني بكتف أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده أبداً » فتنازعوا ، ولا ينبغي عند نبي تنازع ، فقالوا : ما له؟ أهجر ، استفهموه ، فقال : « ذروني فالذي أنا فيه خير ممّا تدعونني إليه » فأمرهم بثلاث قال : « أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم » والثالثة خير إمّا أن سكت عنها وإمّا أن قالها فنسيتها » (١).
ولعلّ الثالثة التي نسيها الراوي هو الذي كان أراد النبي أن يكتبه حفظاً لهم من الضلال ولكن ذكره شفاهاً عوض كتابته ، لكن السياسة اضطرّت المحدّثين إلى ادّعاء نسيانه.
ولعلّ النبي أراد أن يكتب في مرضه تفصيل ما أوجبه عليهم في حديث الثقلين وتشهد بذلك وحدة لفظهما ، حيث جاء في الثاني : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا كتاب اللّه وعترتي ».
وقد فهم الخليفة ما يريده رسول الإسلام وحدّث به بعد مدة من الزمن لابن عباس فقال له يوماً : يا عبداللّه إنّ عليك دماء البدن إن كتمتها ، هل بقي في نفس علي شيء من الخلافة؟ قال ابن عباس : قلت : نعم ، قال : أو يزعم أنّ رسول اللّه نصّ عليه؟ قلت : نعم ، فقال عمر : لقد كان من رسول اللّه في أمره ذروة من قول لا تثبت حجّة ، ولا تقطع عذراً ولقد كان يربع في أمره وقتاً ما ، ولقد أراد في مرضه أن يصرّح باسمه
__________________
١ ـ صحيح البخاري ٤ باب اخراج اليهود من جزيرة العرب ٩٩.