وقيمته غير أنّ المسلمين سوى قليل منهم تنكّبوا عن هذا الطريق ، خصوصاً في ما يرجع إلى المعارف العليا ، فصاروا بين مشبّه ومعطّل ، فالبسطاء منهم بنوا عقائدهم على الجمود بالمفردات الواردة في الكتاب والسنّة ، وبذلك استغنوا عن أيّ تعقّل وتفكّر ، إلى أن بلغت جرأتهم إلى حدّ قال بعضهم في الخالق : اعفوني عن الفرج واللحية واسألوني عمّا وراء ذلك (١) ، فهؤلاء هم المجسّمة والمشبّهة ، وأمّا غيرهم فاختاروا تعطيل العقول عن التفكّر في اللّه سبحانه ، فقالوا : اُعطينا العقل لاقامة العبودية لا لادراك الربوبيّة ، فمن شغل ما اُعطي لاقامة العبودية بادراك الربوبية فاتته العبودية ، ولم يدرك الربوبية (٢).
فالأكثرية الساحقة في القرون الاُولى كانوا بين مشبّه ومعطّل ، غير أنّه سبحانه شملت عنايته اُمّة من المسلمين رفضوا التشبيه والتعطيل ، وسلكوا طريقاً ثالثاً ، وقالوا بأنه يمكن للانسان التعرّف على ما وراء الطبيعة بما فيها من الجمال والكمال عن طريقين :
١ ـ النظرة الفاحصة إلى عالم الوجود وجمال الطبيعة كما وردت في القرآن الكريم.
٢ ـ ترتيب الأقيسة المنطقية للوصول إلى الحقائق العليا ، وهذا هو الخط الذي رسمه القرآن الكريم ، ومشى على هذا الخط أئمّة أهل البيت عليهمالسلام من أوّلهم إلى آخرهم.ترى ذلك في كلام الامام علي عليهالسلام بوضوح ، في أحاديثه وخطبه ، ورسائله وكلمه ولا يمكن لنا نقل معشار منه ، ونكتفي بحديث واحد.
__________________
١ ـ الشهرستاني : الملل والنحل ١ / ١٠٥ ط دار المعرفة لبنان.
٢ ـ علاقة الاثبات والتفويض نقلا عن الحجة في بيان المحجة ٣٣.