وبالجملة : فالبداء في عالم الثبوت يضاد مزعمة اليهود والنصارى المشار إليها في قوله سبحانه : ( وَقَالَتِ اليَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثيراً مِنْهُم مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً ) (١) ، وقد رد سبحانه تلك العقيدة اليهودية الباطلة في هذه الآية كما هو واضح.
ولأجل أنّ يديه سبحانه مبسوطتان ، يزيد في الخلق ما يشاء ، وفي العمر ، وينقص منه ، حسب مشيئته الحكيمة قال سبحانه : ( الحَمْدُ لِلّهِ فَاطِرِ السَّماواتِ والأَرْضِ ... يَزِيدُ فِي الخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلٍّ شَيء قَدِيرٌ ) (٢) وقال سبحانه : ( وَمَا تُحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إلاّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمِّرُ مِن مُعَمِّر ولا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاّ فِي كِتاب إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ ) (٣).
وبناء على ذلك فالبداء بهذا المعنى ، ممّا يشترك فيه كل المسلمين ، على مذاهبهم المختلفة من دون اختصاص بالشيعة ، فليس أحد من المسلمين ينكر أنّه سبحانه كل يوم هو في شأن ، وانّه جلّ وعلا. يبدئ ويعيد ، ويحيي ويميت ، كما أنّه سبحانه يزيد في الرزق والعمر وينقص إلى غير ذلك حسب المشيئة الحكيمة والمصالح الكامنة في أفعاله.
وكما أنّه سبحانه : يداه مبسوطتان ، كذلك العبد مختار ، في أفعاله لا مسيّر ، وحر في تصرفاته (٤) لا مجبور ، له أن يغيّر مصيره ومقدّره بحسن فعله ، وجودة عمله ،
__________________
١ ـ المائدة / ٦٤.
٢ ـ فاطر / ١.
٣ ـ فاطر / ١١.
٤ ـ لا يخفى أنّ المقصود من أفعال الإنسان التي نثبت اختياره فيها هي الأفعال التي تتعلق بها التكاليف لا الأفعال القهرية التي تصدر من جهازه الهضمي مثلا.