ذكرته نظرية شخصية لا صلة لها بنظرية الامامية في البداء فطلب منّي كتاباً لقدماء علماء الشيعة ، فدفعت إليه أوائل المقالات ، وشرح عقائد الصدوق لشيخ الاُمّة محمّد بن النعمان المفيد ( ٣٣٦ ـ ٤١٣ ) فقرأهما بدقة ، وجاء بالكتاب بعد أيام وقال : لو كان معنى البداء هو الذي يذكره صاحب الكتاب فهو من صميم عقيدة أهل السنّة ولا يخالفون الشيعة في هذا المبدأ أبداً.
ولتوضيح حقيقة البداء نأتي بمقدمات :
الأولى : اتفقت الشيعة على أنّه سبحانه عالم بالحوادث كلّها غابرها وحاضرها ، ومستقبلها لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، فلا يتصوّر فيه الظهور بعد الخفاء ، ولا العلم بعد الجهل ، بل الأشياء دقيقها وجليلها ، حاضرة لديه ويدل عليه الكتاب والسنّة المروية عن طريق أئمّة أهل البيت ـ مضافاً إلى البراهين الفلسفية المقرّرة في محلها ـ أمّا الكتاب :
فقوله سبحانه : ( اِنَّ اللّهَ لا يَخْفى عَلَيهِ شَىءٌ فِى الاَرْضِ وَلا فِى السَّماءِ ) (١).
وقوله تعالى ( وَمَا يَخْفى عَلَى اللّهِ مِنْ شَىء فِى الاَرْضِ وَلا فِى السَّماءِ ) (٢).
وقوله سبحانه : ( إنْ تُبْدُوا شيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَاِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَىء عَلِيماً ) (٣) كيف وهو محيط بالعالم صغيره وكبيره ، ماديّه ومجرّده ، والأشياء كلها قائمة به قياماً قيّومياً كقيام المعنى الحرفي بالاسمي والرابطي بالطرفين ويكفي في ذلك قوله سبحانه : ( مَا اَصابَ مِنْ مُصيبَةٍ فِى الاَرْضِ وَلا فِى اَنْفُسِكُمْ اِلاّ فِى كِتاب مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا اِنَّ ذلِكَ عَلَى اللّه يَسيرٌ ) (٤).
__________________
١ ـ آل عمران / ٥.
٢ ـ إبراهيم / ٣٨.
٣ ـ الأحزاب / ٥٤.
٤ ـ الحديد / ٢٢ ـ