لقد درسنا متطلّبات الظروف ومقتضيات عصر النبي في مجال القيادة وإدارة دفّة الحكم ووصلنا إلى أنّ مصالح المسلمين كانت تكمن في تعيين القائد دفعاً للأخطار المحدقة بالإسلام والمسلمين بوفاة النبيّ ، ومفاجأة الاُمّة بفراغ مكانه القيادي.
;ويمكن لنا دراسة طبيعة الحكم من زاوية اُخرى وهي ملاحظة الفراغات الهائلة الحاصلة بعد رحلة القائد ، لا من جهة القيادة السياسية والاجتماعية ، بل في جانب حاجة الاُمّة إلى قائد رسالي يسد تلك الفراغات المعنوية فيما يمت إلى صلب الدين وأمر هداية الاُمّة في مجال تفسير الكتاب وشرح مقاصده أوّلاَ ، وتبيين ما لم يبيّنه الرسول في مجال الأحكام ثانياً ، وصيانة الدين الحنيف من محاولات التحريف ثالثاً فالاُمّة تواجه وتفاجئ هذه الفراغات الثلاثة ، فمن الذي يسدّها ، فهل الاُمّة جميعاً أو المهاجرون والأنصار أو أهل الحل والعقد؟ والجواب : لا ، لأن المفروض ـ كما سيأتي ـ قصورهم عن ملء الفراغ ، فما هو الحل لهذا المشكل؟ وهذا هو الذي يستهدفه هذا البحث. فنقول :
إنّ الرسول الأكرم لم تقتصر مسؤولياته علي تلقّي الوحي الإلهي وابلاغ الآيات النازلة عليه بل كانت تتجاوز عن ذلك كثيراً فقد كانت وظائف ثلاث تقع على عاتقه بالاضافة إلى ما يقوم به من سائر الوظائف :
١ ـ كان النبي الأكرم يفسّر الكتاب العزيز ويشرح مقاصده ويبيّن أهدافه ويكشف رموزه وأسراره.
٢ ـ وكان يبيّن أحكام الحوادث الجديدة الطارئة على المجتمع الاسلاميّ عن طريق القرآن الكريم وسنَّته.
٣ ـ وكان يصون الدين من التحريف والدس ، فكان وجوده مدار الحق وتميزه عن الباطل ، وكانت حياته ضماناً لعدم تطرّق الدس والترحيف إلى دينه.