إنّ تحصين الاُمّة وصيانتها من الحوادث المشؤومة والحيلولة دون مطالبة كل فريق الزعامة لنفسه دون غيره وبالتالي التنازع على مسألة الخلافة والزعامة ، لم يكن متحقّقاً إلاّ بتعيين قائد للاُمّة وعدم ترك الاُمور للأقدار.
إنّ هذه المحاسبة الاجتماعية تهدينا إلى صحّة نظرية « التنصيص على القائد بعد الرسول » ولعلّ لهذه الجهة ولجهات اُخرى طرح الرسول مسألة الخلافة في بدء الدعوة واستمر بذلك إلى آخر ساعة من عمره الشريف كما ستوافيك نصوصها.
ثمّ إنّي بعد ما حرّرت ذلك في سالف الأيّام وأوردته في بعض محاضراتي الكلامية (١) وقفت على تقرير للمحقّق الشهيد السيد الصدر المغفور له فقد بيّن متطلّبات الظروف في تقديمه على كتاب تاريخ الشيعة للدكتور عبداللّه فياض بنحو آخر وهو تقرير رصين نقتطف منه ما يلي :
كان النبي الأكرم يدرك منذ فترة أنّ أجله قد دنى وأعلن ذلك بوضوح في حجّة الوداع ولم يفاجئه الموت مفاجأة ، وهذا يعني أنّه كان يملك فرصة كافية للتفكير في مستقبل الدعوة ، وفي هذا الضوء يمكننا أن نلاحظ أنّه كانت أمام النبي ثلاثة طرق بالإمكان انتهاجها تجاه مستقبل الدعوة.
الطريق الأوّل : أن يقف من مستقبل الدعوة موقفاً سلبياً ويكتفي بممارسة دوره في قيادة الاُمّة وتوجيهها فترة حياته ويترك مستقبلها للظروف والصدف ، وهذه السلبية لا يمكن افتراضها في النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لأنّها انّما تنشأ من أحد أمرين كلاهما لا ينطبقان عليه.
__________________
١ ـ الإلهيات ٢ / ٥٥٤ ـ ٥٨٤ ، لولدنا الفاضل الروحاني الشيخ حسن مكّي العاملي ـ حفظه اللّه ـ.