وزعم بعضهم أنّ إمّا عطفت الاسم على الاسم ، والواو عطفت إمّا على إمّا ، حكاه ابن الحاجب وجوّزه ، وقال : إنّه لا يبعد. قال ابن هشام : وعطف الحرف على الحرف غريب أي غير موجود ، وأورد عليه أيضا أنّ إمّا الأولى إذا لم تكن للعطف فكيف يصحّ عطف الثانية عليها بالواو المفيدة للجمع المستلزم لشركة المعطوف مع المعطوف عليه في الحكم ، انتهى.
ولا خلاف في أنّ إمّا الأولى غير عاطفة لاعتراضها بين العامل والمعمول في نحو :
قام إمّا زيد وإمّا عمرو بين أحد معمولى العامل ومعموله الآخر ، نحو : رأيت إمّا زيدا وإمّا عمرا ، وبين المبدل منه وبدله نحو قوله تعالى : (إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ) [مريم / ٧٥] ، فإنّ ما بعد الأولى بدل ممّا قبلها ، وادّعى ابن عصفور الإجماع على أنّ إمّا الثانية غير عاطفة أيضا كالأولى ، قال : وإنّما ذكروها في باب العطف لمصاحبتها لحرفه ، انتهى.
ولم يعدّها المصنّف في باب العطف من حروفه. قال الجرجانيّ : عدّها من حروف العطف سهو ظاهر.
«وترد» إمّا «للتفضيل» ، نحو قوله تعالى : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) [الإنسان / ٣] ، والظاهر أنّ انتصابها على الحال من الهاء في هديناه ، والمعنى ـ والله أعلم ـ بيّنا له الطريق ، وأوضحناه ، فالحال مقدّرة ، لأنّ المراد بالشكر العمل بما بيّن له ، وبالكفر عدم العمل به ، والعمل بذلك وعدمه ليس مقارنا للتبيين ، فاحتيج إلى الحكم بكون الحال مقدّرة. قال الزمخشرىّ : ويجوز أن يكونا حالين من السبيل ، أى إمّا سبيلا شاكرا وإمّا سبيلا كفورا ، كقوله تعالى : (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) [البلد / ١٠] ، فوصف السبيل بالشكر والكفر مجازا. وأجاز الكوفيّون كون إمّا هذه هي إن الشرطيّة وما الزائدة. قال مكي (١) : لا يجيز البصريّون أن يلى الاسم أداة الشرط ، حتّى يكون بعدها فعل يفسّره ، نحو : (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ) [النساء / ١٢٨] ، وردّ عليه ابن الشجريّ بأنّ المضمر هنا كان بمترلة قوله [من البسيط] :
٩٥٥ ـ قد قيل ذلك إن حقّا وإن كذبا |
|
... (٢) |
وترد «للابهام» على السامع ، وهو الّذى يعبّرون عنه بالتشكيك ، كقوله تعالى : (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ) [التوبة / ١٠٦] ، فإن الله
__________________
(١) مكي بن أبي طالب صاحب الإعراب ولد سنة ٣٥٥ ه ، كان من أهل التبحّر في علوم القرآن والعربية ، صنف : إعراب القرآن ، الموجز في القراءات ، الهداية في التفسير ، ومات سنة ٤٣٧ ه. بغية الوعاة. ٢ / ٢٩٨.
(٢) تمامه «فما اعتذارك عن شيء إذا قيلا» ، وهو للنعمان بن منذر.