ومن حيث الوقوع في الثاني ، فأنّي يتحقّق طريقة القيام فيه ، وأمّا الفعل اللازم فلا يتحقّق فيه إلا المصدر المبنيّ للفاعل ، والحاصل بالمصدر الّذي هو الأثر ، لأنّه لم يتعدّ إلى المفعول ، ويستعمل مجازا في الفاعل ، انتهى.
العامل في الفاعل : تنبيهان : الأوّل : اختلف في العامل في الفاعل الرّفع ، فقيل : هو المسند حقيقة إن خلا من «من والباء» الزائدتين ، وحكما إن جرّ بأحدهما ، نحو : ما قام من رجل ، (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) [النساء / ٧٩] ، أو بإضافة المسند ، نحو : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ) [البقرة / ٢٥١] ، وهو مذهب الجمهور ، وعليه المصنّف ، وقيل : رافعه الإسناد ، وهو مذهب خلف وابن جنيّ ، وذهب بعض الكوفيّين إلى أنّه إحداث الفعل ، وأجابوا عن «تحرّكت الشجر» و «أهلكهم الدهر» و «مرض زيد» ، بأنّه لما صدر من الشجر ما هو كحركة المتحرّك بالإرادة ، وجعل الدهر قائما مقام المهلك وتعاطي زيد أسباب المرض ، جعل كلّ واحد كأنّه فاعل.
نصب الفاعل ورفع المفعول : الثاني : قد ينصب الفاعل شذوذا ، إذا فهم المعنى ، كقولهم : خرق الثوب المسمار ، برفع الثوب ونصب المسمار ، وجعله ابن الطّراوة (١) قياسا مطّردا ، وقراءة بعضهم (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) [البقرة / ٣٧] بنصب آدم ، ورفع كلمات ، فيمكن حمله على الأصل ، لأنّ من تلقّي شيئا فقد تلقّاه الآخر.
انقسام الفاعل إلى ظاهر ومضمر : و «هو» أي الفاعل قسمان : قسم «ظاهر» وقسم «مضمر» ، وسيأتي حدّه أنّه ما وضع لمتكلّم أو مخاطب أو غائب. والظاهر ما عداه ، «فالظاهر ظاهر» أي لا يحتاج إلى بيانه لظهوره ، كجاء زيد ، وأقائم الزيدان. «والمضمر» قسمان : «بارز» ، وهو ما له صورة في اللفظ ، كقمت ، «ومستتر» ، وهو ما ليس له صورة في اللفظ ، بل ينوى ، «والاستتار» أي استتار الضمير «يجب في الفعل في ستّة مواضع».
أحدها : «فعل الأمر للواحد المذكّر» ، كقم ، بخلاف فعل الأمر للمثنى أو المجموع أو الواحدة ، فإنّه يبرز في الجميع ، نحو : قوما وقوموا وقمن وقومي. وذهب الأخفش والمازنيّ إلى أنّ الياء في قومي حرف تأنيث ، والفاعل مستتر كقم. قيل : ويلزمهما الجمع
__________________
(١) سليمان بن محمد ابن الطراوة ، كان نحويّا ماهرا ، أديبا ماهرا ، ألّف : الترشيح في النحو ومات سنة ٥٢٨ ه. بغية الوعاة ١ / ٦٠٢.