ويختصّ «بلم» لأنّها لنفي الفعل ، وهو معنى لا يتصوّر إلا فيه ، وهي مختصّة بالمضارع كما سيأتي.
حدّ الحرف : «والحرف كلمة معناها غير مستقلّ» بالمفهوميّة ، أي يحتاج في تعقّله والدّلالة عليه بها إلى ضمّ ضميمة ، لأنّه إنّما يكون ملحوظا باعتبار أنّه آلة للغير ، فيحتاج إلى ملاحظة الغير ، من حيث إنّه متبوع له ، فلا يكون مستقلّا كالابتداء الّذي هو مدلول من في قولك : سرت من البصرة ، فإنّه لا يتصوّر ولا يتميّز إلا بذكر السّير والبصرة ، ولا يتعقّل إلا بتعقلهما ، وقس على ذلك سائر معاني الحروف.
وأمّا الابتداء الّذي هو مدلول لفظ الابتداء ، فهو معنى مستقلّ ملحوظ للعقل بالذات ، يمكنه أن يحكم عليه وبه ، ولا ترد الأسماء الموضوعة للنسب ، لأنّ معانيها مفهومات كليّة مستقلة بالمفهوميّة. هذا ، وتحقيق المقام يتوقّف على تمهيد مقدمات :
إحداها : إنّ وضع الحروف كلّها من وضع العامّ (١) لموضوع له خاصّ ، وإنّ وضع الأسماء الموضوعة للنسب إنّما هو من قبيل وضع العامّ (٢) لموضوع له عام.
الثانية : إنّ النسبة بين الأمرين إنّما يتعقّل بتعقّلهما ، إن عاما فعامّا وإن خاصّا فخاصّا ، غايته إنّ افراد النسب ليست إلا حصصا لها لا افرادا حقيقة ، إذ مفهوم الكلية والجزئية مخصوص بالمعاني المستقلّة.
الثالثة : إنّ مدار كون مدلول اللفظ مستقلّا بالمفهوميّة منه على أحد أمرين : إمّا أن يكون ملحوظا بالذات لتعرف أحواله لا بالتّبع بأن يكون آلة لملاحظة ما هو حالة من أحواله ، أو بأن يكون اللفظ الدالّ عليه كافيا في إحضاره في الذهن ، بحيث لا يتوقّف على ذكر ضميمة ، وإن لوحظ بالتبع ، إذا تمهّد هذا فنقول : إنّما كانت مدلولات الحروف غير مستقلّة بالمفهوميّة ، لأنّها لما كانت بموجب المقدّمة الأولى موضوعة لنسب جزئيّة توقّف تعقّلها بمقتضي المقدّمة الثانية على تعقل متعلّقاتها المعيّنة ، ثمّ لمّا كان تعقّلها آلة لملاحظة تلك المتعلّقات ، ولم تكف ألفاظ الحروف في إحضارها في الذهن ، بل لا بدّ معها من الضمائم ، وهي الألفاظ الدالّة عليها لم تكن مدلولاتها بمقتضي المقدّمة الثالثة مستقلّة بالمفهومية منها بخلاف مدلولات الأسماء الموضوعة للنسب ، فإنّها لما كانت موضوعة لنسب كليّة يكفي في تعقّلها تعقّل متعلقاتها إجمالا ، وكانت هي كافية في إحضار تلك المتعلّقات ، كانت مدلولاتها مستقلّة بالمفهوميّة ، لكن لمّا كانت لا تستعمل في
__________________
(١) هذه الكلمة غير موجودة في «ح».
(٢) إنّما هو من قبيل وضع العامّ سقطت في «س».