لا تكفر تدخل إلنار ، ولا يجوز أن يكون التقدير : إن تكفر تدخل النّار ، لأنّ المقدّر يجب أن يكون مثل المظهر نفيا وإثباتا.
هذا مذهب سيبويه وأكثر البصريّين ، وخالف الكسائيّ في ذلك ، قيل : بل الكوفيّون قاطبة ، فأجازوا الجزم في نحو المثال المذكور بتقدير إن تكفر بغير نفي ، واحتجّوا بالقياس على النصب ، نحو : لا تكفر فتدخل النار ، وفي التتريل : (لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ) [طه / ٦١] ، وبقوله : لا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض (١) ، وقوله (ع) من أكل من هذه الشجرة فلا يقرب مسجدنا يوذنا (٢) ، وقول أبي طلحة (٣) للنبي (ص) لا تشرف يصبك سهم ، ويروي لا تطاول يصبك.
وأجاب البصريّون بأنّه لو صحّ القياس على النصب لصّح الجزم بعد النفي قياسا على النصب ويضرب مدغم ، ويؤذنا بدل من يقرب ، ويصبك بدل من تشرف أو تطاول. قال في التصريح : وفي ردّ القياس نظر ، فإنّهم قائلون بجواز الجزم بعد النفي ، نحو : ما تأتينا تحدّثنا ، انتهى.
تنبيهات : الأولّ : ظاهر كلامهم أنّ الخلاف بين الجماعة والكسائيّ معنويّ ، وقال بعض المحقّقين من شرّاح الكافية : الأظهر أنّ الخلاف لفظيّ لا معنويّ ، فالجمهور نفوا صحّة تقدير المثبت بمجرّد وقوعه بعد النهي ، والكسائيّ أثبتها عند قيام قرينة تقدير المثبت ، ولا نزاع للجمهور في هذه الصحّة ، وكيف ينازع في حذف الشرط لقرينة كما لا نزاع له في أنّ سبق النهي لا يستدعي تقدير المثبت.
وفي المغني لابن هشام قال الجمهور : لا تدن من الأسد يأكلك ، بالجزم لأنّ الشرط المقدّر إن قدّر مثبتا ، أي فإنّ تدن لم يناسب فعل النهي الّذي جعل دليلا عليه ، وإن قدّر منفيّا ، أي فإن لا تدن فسد المعنى ، بخلاف لا تدن من الأسد تسلم ، فإنّ الشرط المقدّر منفيّ ، وذلك صحيح في المعنى والصناعة ، وعن الكسائيّ في إجازته الجزم إنّه يقدّر الشرط مثبتا مدلولا عليه بالمعنى لا باللفظ ترجيحا للقرينة المعنويّة على القرينة اللفظيّة ، وهذا وجه حسن ، إذا كان المعنى مفهوما.
الثاني : لا في نحو : إن لا تكفر تدخل الجنّة نافية ، كما جزم به المراديّ وابن هشام وغيرهما ، قيل : وظاهر قول ابن مالك في الألفيه [من الرجز] :
٧٤٠ ـ وشرط جزم بعد نهي إن تضع |
|
إن قيل لا دون تخالف يقع |
__________________
(١) صحيح مسلم ، ١ / ٨٤ ، رقم ٦٦.
(٢) سنن ابن ماجه ، ص ٢٤٦ ، رقم ١٠١٦.
(٣) أبو طلحه زيد بن سهل بن الأسود الأنصاري ، صحابيّ ، وكان جهير الصوت ، وفي الحديث : لصوت أبي طلحه في الجيش خير من ألف رجل ، مات سنة ٣٤ ه. الأعلام للرزكلي ، ٣ / ٩٧.