الحال المقدّرة : «ومقدّرة» وهي الّتي تكون بمعنى الاستقبال ، بأن يكون زمان عاملها قبل زمانها ، كقوله تعالى : (فَادْخُلُوها خالِدِينَ) [الزمر / ٧٣] ، أي مقدّرا خلودكم ، لأنّ زمن الخلود لا يتصوّر (١) مقارنته للدخول فلم يبق إلا تقديره ، وقوله تعالى : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ) [الفتح / ٢٧] ، أي مقدّرين للحقّ أو التقصير ، لأنّ زمنهما متأخّر عن زمان الدّخول الّذي تضمّنه العامل في الحال ، فلا تكون مقارنة له ، ولا حاجة إلى جعل الحال الأولى في الآية ، وهي آمنين مقدّرة ، لأنّ الأمن وإن كان مستقبلا فهو قيد للدخول المستقبل ، فيكون من الحال المقارنة لعاملها.
وتوهّم الدمامينيّ في التحفة (٢) أنّ ابن هشام جعلها من الحال المقدّرة ، فتعقّبه بما ذكرنا وليس في كلامه ما يدلّ عليه ، وقد منع بعض المتأخّرين كون محلّقين ومقصّرين في الآية من الحال المقدّرة أيضا ، قال : لأنّها ليسا في معنى الاستقبال فيكونا مقدّرين ، وإنّما هما في معنى الحال ، وذلك أنّ الله تعالى وعدهم دخول المسجد الحرام في حال تحليق وأمن والدخول.
وإن كان بمعنى الاستقبال فإنّما هو واقع في حال الركوب ، فالحال معه بمعنى الحال ، والحال إنّما تعتبر بالعامل فيها ، فإن كان حدوثه في حال حدوثها ، فهي بمعنى الحال ، أو كان قبل حدوثها فهي بمعنى الاستقبال ، أو بعده فهي بمعنى الماضي ، وأيضا فإنّ الحال بمعنى الاستقبال ، هي ما يصحّ تقديرها بالفعل ولام العلّة أعني لام كي ، كقولك : مررت برجل معه صقر صاعدا به غدا ، أي ليصيد به غدا ، وكذا تقول : زيد رقي المنبر خاطبا ، أي ليخطب ، ومنه قوله تعالى : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) [البقرة / ٢١٣] ، فهما حالان لمعنى الاستقبال ، أي ليبشّروا ولينذروا ، ولو قدّرت اللام في الآية الأولى كان خطأ ، لأنّ الله تعالى لم يعدهم دخول البيت ليحلّقوا وليقصّروا ، بل وعدهم أنّهم يدخلون في حال تحليق وتقصير وأمن وغير خوف ، فهي حال بمعنى الحال ، وليست كهي في قولك : مررت برجل معه صقر صائدا به غدا ، أي استقّر معه صقر ليصيد به غدا ، فاستقرار الصقر معه أنّما هو ليصيد به ، انتهى ، فتأمّل.
وسمّيت هذه الحال مقدّرة ، لأنّ النّحويّين يقدّرون لها تقديرا يرجع فيه إلى معنى الحال ، فإذا قلت : هذا زيد صائدا غدا ، كانت الحال على هذا اللفظ بمعنى الاستقبال يدلّ عليه اقترانه بغد ، ولمّا كان هذا عندهم لا يجوز ، قالوا : هذه حال مقدّرة ، وتقديرها أن
__________________
(١) لا يتصف «ح».
(٢) التحفة الشافية لشرح الكافية شرح على الكافية في النحو لابن الحاجب ، كشف الظنون ٢ / ١٣٧٣.