لكن المنقول عن سيبويه وتبعه الفارسيّ وابن مالك أنّه لا يشترط في ذلك وجود الرابط بدليل قوله تعالى : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) [يس / ٣٩] قرأه أبو عمر (١) والحرميين (٢) بالرفع ، وباقي السبعة بالنصب على العطف على الصغرى من قوله : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي) [يس / ٣٨] ، فعلى هذا لا يحتاج إلى الاعتذار لسيبويه في مثاله بما اعتذر به السيرافيّ ، فالأولى أن يجاب عنه بأنّهم يغتفرون في التوابع ما لا يغتفرون في غيرها ، والسيرافيّ اعتذر له على مذهبه من اشتراط الرابط في المسألة تبعا للأخفش ، فمنع النصب بناء على العطف على الصغرى لما تقدّم ، فالرفع عندهما واجب ، وإن ورد النصب فهو على حدّه في زيدا ضربته ابتداء ، ويكون من عطف جملة فعلية على جملة اسميّة ، وهو جائز عند بعضهم كما تقدّم.
وقد نقل بعضهم عن ظاهر كلام سيبويه موافقة للأخفش والسيرافيّ ، فالنقل عنه مختلف ، والأوّل هو المشهور ، ثمّ الرابط عند مشترطه أمّا الضمير كما تقدّم أو الفاء السببيّة ، نحو : زيد قام فعمرو أكرمته.
وقال هشام : الواو كالفاء في حصول الرابط ، لأنّ فيهما معنى الجمعية ، كما أنّ الفاء فيها معنى السببية بدليل هذان زيد وعمرو ، وردّ بأنّها إنّما يكون للجمع في المفردات ، ولهذا لا يجوز هذان يقوم ويقعد. وقال ابن خروف طبعا لطائفة من المتقدّمين : جميع حروف العطف يحصل بها الربط ، واحتجّوا ببيت أنشده ثعلب [من الطويل] :
٤٠٩ ـ فذرني أجوّل في البلاد لعلّني |
|
أسرّ صديقا أو يساء حسود (٣) |
وخرّج على أن التقدير أو يساء بي حسود.
الوصف العامل كالفعل : الثاني : اسم الفاعل الناصب للمفعول به كالفعل ، فزيد ضارب عمرا وبكرا أكرمته ، مثل زيد قائم وعمرا أكرمته ، فيستوي في بكر الوجهان ، أمّا إذا لم ينصب المفعول به ، نحو : زيد قائم وبكرا أكرمته ، فالرفع أولى ، لأنّ اسمي الفاعل والمفعول إذا لم تنصبا المفعول به ، لم تتمّ مشابهتهما للفعل ، إذ قد يرفع الضعيف المشابهة للفعل ، نحو : زيد زنجيّ غلامه.
__________________
(١) أبو عمرو بن العلاء نحوي من أقدم النحاة في البصرة ، جمع أشعار الجاهلية وهو واحد من القراء السبعة ، مات ٧٧٠ م ، المنجد في الاعلام ص ٢٠.
(٢) الحرميان هما ابن الكثير المكي (١٤٠ ه) ونافع المدني (١٦٩ ه) وكلاهما من القراء السبعة. مغني اللبيب ص ١٨.
(٣) البيت بلا نسبة. اللغة : ذرني : دعني ، اتركني.