حلال حتّى تعرف أنّه حرام بعينه (١) ». وكذلك الجلد المطروح المشتبه بين المذكّى والميتة فإنّ بيان أنّه أيّهما ليس من وظيفته ، وأمّا بيان أنّ حكمه الكلّي باعتبار وصف الاشتباه فليس إلاّ من وظيفته.
وحينئذ نقول : إنّ الاستصحاب المدلول عليه بالأخبار حكم كلّي تعرّض لبيانه المعصوم للموضوعات الصرفة والأحكام الجزئيّة والأحكام الكلّية باعتبار اشتباه حالها من حيث البقاء والارتفاع ، فهو حكم كلّي بيّن لموضوع كلّي وإن طرأه الكلّية بالعرض لما اخذ فيه من وصف الاشتباه.
لا يقال : كون الاستصحاب حكما كلّيا لا معنى له إلاّ كون المستصحب في زمان الشكّ حكما ظاهريّا مجعولا كما كان في زمان اليقين حكما واقعيّا مجعولا ، فلا بدّ وأن يكون المستصحب من الامور القابلة للجعل ليكون حكما واقعيّا في زمان وظاهريّا في زمان آخر ، والامور الخارجيّة كحياة زيد الغائب وعدالته ورطوبة ثوبه وكرّيّة الماء وقلّته وما أشبه ذلك ليست قابلة للجعل ، بل هي كنفس زيد وثوبه والماء من الامور الواقعيّة الّتي لا مدخل لجعل الشارع فيها ، فكيف يقال : إنّها في زمان الشكّ أحكام ظاهريّة مجعولة؟
لأنّا نقول : إنّ مدلول قوله عليهالسلام : « لا ينقض اليقين بالشكّ » (٢) ليس كون المستصحب بنفسه في زمان الشكّ حكما مجعولا ليعتبر فيه قابليّة الجعل ، بل مدلوله وجوب ترتيب الآثار الشرعيّة على المستصحب وإجراء اللوازم الثابتة للمتيقّن في زمان اليقين عليه في زمان الشكّ ، على معنى تنزيل القضيّة المشكوكة منزلة القضيّة المتيقّنة ليترتّب على المشكوك فيه من الآثار واللوازم الشرعيّة كلّما كان مترتّبا على المتيقّن. فاستصحاب حياة زيد معناه وجوب ترتيب الأحكام المترتّبة عليها على تقدير كونها متيقّنة من حرمة تزويج امرأته ، وحرمة التصرّف في أمواله. واستصحاب عدالة زيد معناه وجوب ترتيب أحكامها المترتّبة عليها في آن اليقين على زيد في زمان الشكّ في عدالته ، كجواز الائتمام به وقبول شهادته وصحّة الطلاق بمحضره ونحو ذلك ، فهذا هو الحكم الظاهري المجعول للمستصحب باعتبار اشتباه حاله من حيث البقاء والارتفاع. ولا يتفاوت الحال حينئذ بين كونه من الامور الخارجيّة أو من الأحكام الشرعيّة كلّية أو جزئيّة ، فإنّ لكلّ واحد بحسب الشرع آثارا يراد باستصحابه ترتيبها عليه.
__________________
(١) الوسائل ١٢ : ٦٠ ، الباب ٤ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٤ ، مع تفاوت.
(٢) تقدّم آنفا.