وأمّا الثاني : فلأنّه على فرض تسليم استلزامه الظنّ بصدور ذلك الخبر ، قد عرفت أنّه لا دليل على حجّيّة الخبر المظنون الصدور على إطلاقه.
وقد يعلّل منع الكبرى بأنّ جلّهم لا يقولون بحجّيّة الخبر المظنون الصدور مطلقا ، فإنّ المحكي عن المشهور اعتبار الإيمان في الراوي ، مع أنّه لا يرتاب أحد في إفادة الموثّق الظنّ بصدوره ، فإن قيل : إنّ ذلك لخروج خبر غير الإمامي بالدليل الخاصّ ، مثل منطوق آية النبأ ، ومثل قوله عليهالسلام : « لا تأخذنّ معالم دينك من غير شيعتنا » (١).
قلنا : إن كان ما خرج بحكم الآية والرواية خاصّا بما لا يفيد الظنّ فلا يشمل الموثّق ، وإن كان عامّا له ولما يفيده ، كان خبر غير الإمامي المنجبر بالشهرة والموثّق متساويين في الدخول تحت الدليل المخرج ، ومثل الموثّق خبر الفاسق المتحرّز عن الكذب ، والخبر المعتضد بالأولويّة والاستقراء وسائر الأمارات الظنّيّة ، مع أنّ المشهور لا يقولون بذلك.
وبالجملة : فالفرق بين الضعيف المنجبر بالشهرة ، والمنجبر بغيرها من الأمارات ، وبين الخبر الموثّق المفيد لمثل الظنّ الحاصل من الضعيف المنجبر ، في غاية الإشكال ، خصوصا مع عدم العلم باستناد المشهور إلى ذلك الخبر الضعيف.
وقد يدّعى كون الجبر بالشهرة مستفادا من مقبولة عمر بن حنظلة ، ومرفوعة زرارة الآمرين بالأخذ بما اشتهر بين الأصحاب من المتعارضين.
وفيه : نظر ما تقدّم من أنّ ترجيح إحدى الحجّتين في مقام التعارض بالشهرة ، لا يلازم حجّيّة غير الحجّة في نفسه في غير مقام التعارض بالشهرة ، مع أنّ كلامنا في الشهرة في الفتوى ، وهذه شهرة في الرواية ، ولذا فرض الراوي فيما بعد ذلك كون الخبرين معا مشهورين ، وتوهّم التعدّي إلى الشهرة في الفتوى بقوله : « فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه » ، نظرا إلى أنّه من العلّة المنصوصة المفيدة للعموم ، يدفعه ، أنّه عامّ في مورده ، فإنّ المجمع عليه معناه المجمع على روايته ، للقرينة المذكورة من أنّ المتعارضين قد يكونان معا مشهورين.
نعم لو كان الشهرة حاصلة على العمل بالخبر الضعيف ، وقد يقال لها : الشهرة الاستناديّة ، ومعناها كون مستند المشهور في الفتوى هو العمل بذلك الخبر الضعيف ، فقد يقال بكونها جابرة دون ما لم يعلم استنادها إليه.
__________________
(١) الوسائل ٢٧ : ١٥٠ / ٤٢ ، ب ١١ من أبواب صفات القاضي.