وغيرهما ممّا يندرج في كيفيّة الإطاعة من فروع الإطاعة ، وكما أنّ وجوب إطاعة الله تعالى في أوامره ونواهيه ليس من مجعولات الشارع بل هو إلزام من العقل ، فكذلك وجوب العمل بالعلم تحصيلا للإطاعة العلميّة أو بالظنّ تحصيلا للإطاعة الظنّية ليس من مجعولاته بل هو إلزام من العقل ، ضرورة أنّ كلّ عبد مكلّف إذا راجع العقل ـ الّذي هو حجّة عليه في الباطن ـ وعرض عليه أنّه توجّه إليه من المولى أحكام إلزاميّة معلومة له بالإجمال يخاطبه العقل بقوله : « أطع مولاك » ، ولو قال له العبد : « كيف أطيعه »؟ ، يخاطبه بأنّه : « حصّل العلم واعمل به » ، ولو قال : « العلم متعذّر لانسداد بابه » ، يخاطبه « حصّل الظنّ واعمل به لأنّه أقرب إلى العلم » ، ولو قال : « لعلّ هنا طريقا آخر مندرجا في كيفيّة الإطاعة » ، يخاطبه : « بأنّه أيّ طريق كان فالعمل به في مقابل طريقي العلم والظنّ إطاعة احتماليّة لا يعدل إليها ، ولا يجترأ بها مع امكان الإطاعة العلميّة أو الإطاعة الظنّيّة ».
وعلى هذه الأحكام العقليّة الّتي كلّها إلزامات من العقل مدار العقلاء في الأوامر العرفيّة ونواهيها.
وعلى قياسها الأوامر الشرعيّة ونواهيها ، ولا ينافي كون وجوب الإطاعة إلزاما من العقل ـ لا حكما مجعولا للشارع ـ ما ورد في الشرع من أوامر الإطاعة ونواهي المعصية ، لأنّها كأوامر الطبيب ونواهيه خطابات إرشاديّة معرّاة عن الطلب ، ولذا لا يترتّب على موافقتها ومخالفتها أزيد ممّا يترتّب على موافقة الأوامر الخاصّة والنواهي الخاصّة ومخالفتهما ، كما أنّه لا يترتّب على موافقة أوامر الطبيب ومخالفتها أزيد ممّا يترتّب على ذات الفعل المأمور به أو المنهيّ عنه ، على معنى نفس الإطاعة والمعصية ، وإن لم يكن هنا أمر أو نهي.
ولقائل أن يقول : كون حكم العقل على وجه الانشاء والإلزام ـ بأن يكون صورة حكمه « إعمل بالظنّ » لا « أوجب الشارع العمل به » ـ لا يلازم إطلاق النتيجة الذي هو عبارة عن عموم حكمه لجميع المسائل المسدود فيها باب العلم ، أو لجميع الظنون أو لجميع الأمارات الظنّيّة ، بل لا ينافي الإهمال والإجمال.
وذلك : لأنّ حكم العقل في جميع موارده سواء كان على وجه الكشف والإدراك ، أو على وجه الجعل والانشاء لابدّ له من وسط فإنّه لا يحكم إلاّ عن وسط ، وهو عبارة عمّا يقع مدخولا للام التعليل ، أو « أنّ » التعليليّة ، فإن كان وسط حكمه قبح تكليف ما لا يطاق اللازم من إيجاب العمل بالعلم ، بأن يقول : « اعمل بالظنّ لأنّ التكليف بما لا يطاق قبيح ، أو