المنصوب في الأمارات الّتي بأيدينا اليوم ، وعدم وجود القدر المتيقّن ، وعدم وجوب الاحتياط نمنع حكم العقل بتعيّن العمل بالظنّ في الطريق ، وحرمة العمل بالظنّ في نفس الحكم الواقعي ، بل يجوز كلاّ منهما نظرا إلى أنّ العلم الإجمالي كما أنّه حاصل بالنسبة إلى الطرق المنصوبة ، فكذلك حاصل بالنسبة إلى الأحكام الواقعيّة ، ونصب الطريق المعلوم بالإجمال يفيد كون مؤدّاه بدلا عن الواقع ، ومقتضى البدليّة هو التخيير ، وجواز الأخذ بكلّ من الواقع ومؤدّى الطريق في صورتي انفتاح باب العلم بهما ـ فيحكم العقل بالتخيير بين إدراك الواقع بتحصيل العلم به ، وإدراك مؤدّى الطريق بتحصيل العلم به ـ وانسداد باب العلم بهما ، فيحكم العقل أيضا بالتخيير بين العمل بالظنّ في الطريق ، والعمل بالظنّ في نفس الحكم الواقعي ، لأنّ كلّ منهما براءة ظنّيّة ولا ترجيح لإحداهما على الاخرى.
نعم لو كان باب العلم مفتوحا بالنسبة إلى الطريق المنصوب ، لا بالنسبة إلى الحكم الواقعي المجعول ، تعيّن الأخذ بمؤدّى الطريق لتقديم البراءة القطعيّة عند العقل على البراءة الظنّيّة ، كما أنّه كذلك في صورة العكس ، وهو انفتاح باب العلم بالأحكام الواقعيّة دون الطرق المنصوبة ، فيؤخذ بالواقع المعلوم دون الطريق المظنون تقديما للبراءة القطعيّة على الظنّيّة.
وبالجملة الطريق المعلوم نصبه إجمالا أمّا إن يكون منصوبا حال انفتاح باب العلم بمعظم الأحكام الشرعيّة أو حال انسداد باب العلم به ، فإن كان الأوّل فجواز العمل به مشروط بالعلم به كالعلم بنفس الواقع ، ومعه لا يحكم العقل إلاّ بالتخيير عملا بمقتضى البدليّة.
وإن كان الثاني فتقديم العمل به في حكم العقل على العمل بالظنّ في نفس الواقع ، مشروط أيضا بالعلم به ، لعدم جواز العدول عن البراءة القطعيّة إلى البراءة الظنّيّة ، وأمّا مع انسداد باب العلم بالطرق كانسداد بابه بالأحكام ، فلا يحكم العقل بتقديم إحراز الطريق بالظنّ على إحراز الواقع بالظنّ ، لعدم الفرق في البراءة الظنّيّة.
وحاصل ذلك يرجع إلى منع رجوع القطعين إلى أمر واحد ، وهو القطع بأنّا مكلّفون تكليفا فعليّا بالعمل بمؤدّى الطريق ، فإنّه ممّا لا قاضي به أصلا إلاّ بتوهّم إلغاء الواقع بالمرّة ، بدعوى : أنّ نصب الطريق ولو مع عروض الاشتباه فيه موجب لصرف التكليف عن الواقع إلى العمل بمؤدّى الطريق ، وهو باطل لفرض العلم الإجمالي الحاصل من الضرورة والإجماع وغيرهما ببقاء التكليف بالواقع ، مع بطلان التصويب ، وسيلحقك مزيد بيان لبطلان ذلك.
فإن قلت : أنّ الشارع إذا عيّن للواقع طريقا يرجع إليه عند انسداد باب العلم ، ثمّ انسدّ