العقائد الإسلاميّة - ج ٣

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية

العقائد الإسلاميّة - ج ٣

المؤلف:

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-120-6
ISBN الدورة:
964-319-117-6

الصفحات: ٤٩٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

هذا الرجل يذكر آلهتنا بخير أقررناه وأصحابه ، فإنه لا يذكر أحداً ممن خالف دينه من اليهود والنصارى بمثل الذي يذكر به آلهتنا من الشتم والشر ، فلما أنزل الله السورة التي يذكر فيها والنجم وقرأ ( أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّىٰ وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَىٰ ) ألقى الشيطان فيها عند ذلك ذكر الطواغيت فقال : وإنهم من الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهم لترتجى ، وذلك من سجع الشيطان وفتنته ، فوقعت هاتان الكلمتان في قلب كل مشرك وذلقت بها ألسنتهم واستبشروا بها وقالوا إن محمداً قد رجع إلى دينه الأول ودين قومه ، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر السورة التي فيها النجم سجد وسجد معه كل من حضره من مسلم ومشرك غير أن الوليد بن المغيرة كان كبيراً فرفع ملء كفه تراب فسجد عليه ، فعجب الفريقان كلاهما من جماعتهم في السجود لسجود رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأما المسلمون فعجبوا من سجود المشركين من غير إيمان ولا يقين ، ولم يكن المسلمون سمعوا الذي ألقى الشيطان على ألسنة المشركين ، وأما المشركون فاطمأنت أنفسهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وحدثهم الشيطان أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قرأها في السجدة ، فسجدوا لتعظيم آلهتهم ، ففشت تلك الكلمة في الناس وأظهرها الشيطان حتى بلغت الحبشة ! فلما سمع عثمان بن مظعون وعبد الله بن مسعود ومن كان معهم من أهل مكة أن الناس أسلموا وصاروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبلغهم سجود الوليد بن المغيرة على التراب على كفه ، أقبلوا سراعاً ! فكبر ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما أمسى أتاه جبريل عليه‌السلام فشكا إليه فأمره فقرأ له ، فلما بلغها تبرأ منها جبريل وقال : معاذ الله من هاتين ما أنزلهما ربي ولا أمرني بهما ربك ! ! فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم شق عليه وقال : أطعت الشيطان وتكلمت بكلامه وشركني في أمر الله ! ! فنسخ الله ما يلقي الشيطان وأنزل عليه ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ، لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ

٦١
 &

وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ ، وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ) فلما برأه الله عز وجل من سجع الشيطان وفتنته ، انقلب المشركون بضلالهم وعداوتهم ، فذكر الحديث ، وقد تقدم في الهجرة إلى الحبشة . رواه الطبراني مرسلاً وفيه ابن لهيعة ، ولا يحتمل هذا من ابن لهيعة . انتهى .

فتبين من مجموع ذلك أن سند القصة في مصادر السنيين صحيح ، ولا يصح القول بأن الواقدي تفرد بها ، أو أن الصحاح لم تروها ! !

نماذج من ردود علماء مذهب أهل البيت عليهم‌السلام على فرية الغرانيق

ـ قال الشريف المرتضى في تنزيه الأنبياء ص ١٥١

مسألة : فإن قال فما معنى قوله تعالى : وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ .

أو ليس قد روي في ذلك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما رأى تولي قومه عنه شق عليه ما هم عليه من المباعدة والمنافرة وتمنى في نفسه أن يأتيه من الله تعالى ما يقارب بينه وبينهم وتمكن حب ذلك في قلبه ، فلما أنزل الله تعالى عليه : وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ ، وتلاها عليهم ، ألقى الشيطان على لسانه لما كان تمكن في نفسه من محبة مقاربتهم : تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى ، فلما سمعت قريش ذلك سرت به وأعجبهم ما زكى به آلهتهم ، حتى انتهى إلى السجدة فسجد المؤمنون وسجد أيضاً المشركون لما سمعوا من ذكر آلهتهم بما أعجبهم ، فلم يبق في المسجد مؤمن ولا مشرك إلا سجد ، إلا الوليد بن المغيرة فإنه كان شيخاً كبيراً لا يستطيع السجود فأخذ بيده حفنة من البطحاء فسجد عليها ، ثم تفرق الناس من المسجد وقريش مسرورة بما سمعت . وأتى جبرائيل عليه‌السلام إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله معاتباً على ذلك فحزن له حزناً شديداً . فأنزل الله تعالى عليه معزياً له ومسلياً : وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ . . الآية .

قلنا : أما الآية فلا دلالة في ظاهرها على هذه الخرافة التي قَصُّوها ، وليس يقتضي

٦٢
 &

الظاهر إلا أحد أمرين : إما أن يريد بالتمني التلاوة كما قال حسان بن ثابت :

تمنى كتاب الله أول ليله

وآخره لاقى حمام المقادر

أو أريد بالتمني تمني القلب .

فإن أراد التلاوة ، كان المراد من أرسلنا قبلك من الرسل ، كان إذا تلا ما يؤديه إلى قومه حرفوا عليه وزادوا فيما يقوله ونقصوا ، كما فعلت اليهود في الكذب على نبيهم فأضاف ذلك إلى الشيطان ، لأنه يقع بوسوسته وغروره . ثم بين أن الله تعالى يزيل ذلك ويدحضه بظهور حجته وينسخه ، ويحسم مادة الشبهة به .

وإنما خرجت الآية على هذا الوجه مخرج التسلية له صلى‌الله‌عليه‌وآله لما كذب المشركون عليه وأضافوا إلى تلاوته مدح آلهتهم ما لم يكن فيها .

وإن كان المراد تمني القلب ، فالوجه في الآية أن الشيطان متى تمنى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بقلبه بعض ما يتمناه من الأمور يوسوس إليه بالباطل ويحدثه بالمعاصي ويغريه بها ويدعوه اليها ، وأن الله تعالى ينسخ ذلك ويبطله بما يرشده إليه من مخالفة الشيطان وعصيانه وترك استماع غروره .

وأما الأحاديث المروية في هذا الباب ، فلا يلتفت إليها من حيث تضمنت ما قد نزهت العقول الرسل عليهم‌السلام عنه . هذا لو لم يكن في أنفسها مطعونة ضعيفة عند أصحاب الحديث بما يستغني عن ذكره .

وكيف يجيز ذلك على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من يسمع الله تعالى يقول : كذلك لنثبت به فؤادك يعني القرآن ، وقوله تعالى : وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ، وقوله تعالى : سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰ !

على أن من يجيز السهو على الأنبياء عليهم‌السلام يجب أن لا يجيز ما تضمنته هذه الرواية المنكرة لما فيها من غاية التنفير عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لأن الله تعالى قد جنب نبيه من الأمور الخارجة عن باب المعاصي كالغلظة والفظاظة وقول الشعر ، وغير ذلك مما هو دون مدح الأصنام المعبودة دون الله تعالى .

٦٣
 &

على أنه لا يخلو صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وحوشي مما قذف به ـ من أن يكون تعمد ما حكوه وفعله قاصداً أو فعله ساهياً . ولا حاجة بنا إلى إبطال القصد في هذا الباب والعمد لظهوره ، وإن كان فعله ساهياً فالساهي لا يجوز أن يقع منه مثل هذه الألفاظ المطابقة لوزن السورة وطريقها ثم لمعنى ما تقدمها من الكلام ، لأنا نعلم ضرورةً أن من كان ساهياً لو أنشد قصيدة لما جاز أن يسهو حتى يتفق منه بيت شعر في وزنها وفي معنى البيت الذي تقدمه ، وعلى الوجه الذي يقتضيه فائدته ، وهو مع ذلك يظن أنه من القصيدة التي ينشدها . وهذا ظاهر في بطلان هذه الدعوى على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على أن الموحى إليه من الله النازل بالوحي وتلاوة القرآن جبرائيل عليه‌السلام وكيف يجوز السهو عليه ؟ !

على أن بعض أهل العلم قد قال : يمكن أن يكون وجه التباس الأمر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما تلا هذه السورة في ناد غاصٍّ بأهله وكان أكثر الحاضرين من قريش المشركين فانتهى إلى قوله تعالى : أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّىٰ ، وعلم في قرب مكانه منه من قريش أنه سيورد بعدها ما يسوؤهم به فيهن قال كالمعارض له والراد عليه :

تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى ، فظن كثير ممن حضر أن ذلك من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله واشتبه علهيم الأمر ، لأنهم كانوا يلغطون عند قراءته صلى‌الله‌عليه‌وآله ويكثر كلامهم وضجاجهم طلباً لتغليطه وإخفاء قراءته .

ويمكن أن يكون هذا أيضاً في الصلاة لأنهم كانوا يقربون منه في حال صلاته عند الكعبة ويسمعون قراءته ويلغون فيها .

وقيل أيضاً إنه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا تلا القرآن على قريش توقف في فصول الآيات وأتى بكلام على سبيل الحجاج لهم ، فلما تلا : أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّىٰ وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَىٰ قال : تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى ؟ ! على سبيل الإنكار عليهم وأن الأمر بخلاف ما ظنوه من ذلك . وليس يمتنع أن يكون هذا في الصلاة لأن الكلام في الصلاة حينئذ كان مباحاً وإنما نسخ من بعد .

وقيل إن المراد بالغرانيق الملائكة ، وقد جاء مثل ذلك في بعض الحديث فتوهم

٦٤
 &

المشركون أنه يريد آلهتهم .

وقيل إن ذلك كان قرآناً منزلاً في وصف الملائكة فتلاه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فلما ظن المشركون أن المراد به آلهتهم نسخت تلاوته .

وكل هذا يطابق ما ذكرناه من تأويل قوله : إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته ، لأن بغرور الشيطان ووسوسته أضيف إلى تلاوته صلى‌الله‌عليه‌وآله ما لم يرده بها . وكل هذا واضح بحمد الله تعالى .

ـ نهج الحق للعلامة الحلي ص ١٣٩

ذهبت الإمامية كافة إلى أن الأنبياء عليهم‌السلام معصومون عن الصغائر والكبائر ومنزهون عن المعاصي قبل النبوة وبعدها ، على سبيل العمد والنسيان ، وعن كل رذيلة ومنقصة ، وما يدل على الخسة والضعة .

وخالفت الأشاعرة في ذلك وجوزوا عليهم المعاصي . وبعضهم جوزوا الكفر عليهم قبل النبوة وبعدها ، وجوزوا عليهم السهو والغلط ، ونسبوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى السهو في القرآن بما يوجب الكفر فقالوا : إنه صلى يوماً وقرأ في سورة النجم عند قوله تعالى : أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّىٰ وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَىٰ : تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى . وهذا اعتراف منه بأن تلك الأصنام ترتجى الشفاعة منها !

نعوذ بالله من هذه المقالة التي نسب النبي إليها ، وهي توجب الشرك ، فما عذرهم عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ !

ـ مجمع البحرين للطريحي ج ٤ ص ٢٣٩

رووا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان في الصلاة فقرأ سورة النجم في المسجد الحرام وقريش يستمعون لقراءته ، فلما انتهى إلى هذه الآية : أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ، أجرى إبليس على لسانه : فإنها الغرانيق العلى وشفاعتهن لترتجى ! ففرحت قريش وسجدوا وكان في ذلك القوم الوليد بن المغيرة المخزومي وهو شيخ كبير فأخذ كفاً من حصى فسجد عليه وهو قاعد ، وقالت قريش : قد أقر محمد بشفاعة اللات والعزى . قال فنزل جبرئيل فقال له : قرأت ما لم أنزل به عليك ! انتهى .

٦٥
 &

وقد طار أعداء الإسلام بهذه القصة كما أشرنا وشنعوا بها على الإسلام ورسوله ، محتجين بأنها وردت في مصادر المسلمين ! وكان آخر من استغلها المرتد سلمان رشدي والدول التي وراءه ! وقد أخذها من المستشرقين بروكلمان ومونتغمري وأمثالهما ، وأخذها هؤلاء من مصادر السنيين ! !

وقد نقد الباحث السوداني الدكتور عبد الله النعيم في كتابه ( الإستشراق في السيرة النبوية ) ـ المعهد العالمي للفكر الإسلامي ١٤١٧ ، استغلال المستشرقين لحديث الغرانيق ونقل في ص ٥١ ، افتراء بروكلمان حيث قال عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ( ولكنه على ما يظهر اعترف في السنوات الأولى من بعثته بآلهة الكعبة الثلاث اللواتي كان مواطنوه يعتبرونهن بنات الله ، وقد أشار اليهن في إحدى الآيات الموحاة اليه بقوله : تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترجى . . . ثم ما لبث أن أنكر ذلك وتبرأ منه في اليوم التالي ) ! !

ونقل الدكتور النعيم في ص ٩٦ زعم مونتغمري وات ( تلا محمد الآيات الشيطانية باعتبارها جزءاً من القرآن إذ ليس من المتصور أن تكون القصة من تأليف المسلمين أو غير المسلمين ، وأن انزعاج محمد حينما علم بأن الآيات الشيطانية ليست جزء من القرآن يدل على أنه تلاها ، وأن عبادة محمد بمكة لا تختلف عن عبادة العرب في نخلة والطائف . . ولقد كان توحيد محمد غامضاً ( ! ) ولا شك أنه يعد اللات والعزى ومناة كائنات سماوية أقل من الله ) انتهى .

أما نحن فإننا تبعاً لأهل البيت عليهم‌السلام نرفض رواية الغرانيق من أصلها ، ونعتقد أنها واحدة من افتراءات قريش الكثيرة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في حياته وبعد وفاته . . ونستدل بوجودها على أن مطلب قريش كان الإعتراف بآلهتها وشفاعتهن ، وأن منافقي قريش وضعوا هذه الروايات طعناً في عصمة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فخدموا بذلك هدف قريش المشركة ، وهدف أعداء الإسلام في كل العصور !

ومع أن المستشرقين لا يحتاجون إلى الروايات الموضوعة ليتمسكوا بها ، فهم يكذبون على نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى مصادرنا جهاراً نهاراً ، ولكنا نأسف لأن مصادر إخواننا السنيين روت عدة افتراءات على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على أنها حقائق ، منها قصة الغرانيق ،

٦٦
 &

ومنها قصة ورقة بن نوفل في بدء الوحي ، وغيرها من الروايات المخالفة للعقل والتهذيب والإحترام الذي ينبغي لمقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله . .ثم لم يرووا ما ورد في مصادرنا من بغض النبي لأصنام قريش منذ طفولته ، ولم يرووا تكذيب أهل البيت عليهم‌السلام لرواية ورقة بن نوفل ، وتأكيدهم على الأفق المبين الذي نص عليه القرآن وبدأ فيه الوحي .

وقد ذكر الدكتور النعيم في هامش كتابه المذكور المصادر التي روت حديث الغرانيق وهي طبقات ابن سعد ج ١ ص ٢٠٥ وتاريخ الطبري ج ٢ ص ٢٢٦ وتاريخ ابن الأثير ج ٢ ص ٧٧ وسيرة ابن سيد الناس ج ١ ص ١٥٧ . . وقال في ص ٩٧ ( يعتبر الواقدي أول من روج لهذه الفرية ثم أخذها عنه ابن سعد والطبري وغيرهم ) وقال في ص ٩٨ ( ولم يرو ابن إسحاق وابن هشام هذه الواقعة إطلاقاً ، ومهما يكن من أمر فالواقدي هو أصلها . إن ما يدعو للتساؤل هو كيف أمكن تمرير هذه الواقعة مع علم أصحابها بعصمة الرسل ! ) انتهى .

ولكن عرفت أن أصحاب الصحاح رووها ، فعلى الذي يرد سندها أن يرد جميع أسانيدها ، لا سند الواقدي وحده !

ثم نقل الدكتور النعيم نقد القاضي عياض في كتابه ( الشفا ) لحديث الغرانيق سنداً ومتناً ، وكذلك نقد القرضاوي في كتابه ( كيف نتعامل مع السنة النبوية ) ونقل عنه قوله في ص ٩٣ ( ومعنى هذا أن تفهم السنة في ضوء القرآن ولهذا كان حديث الغرانيق مردوداً بلا ريب ، لأنه مناف للقرآن ) انتهى .

وليت بقية الباحثين من إخواننا السنيين يتمسكون بدليل مخالفة القرآن ويردون به المكذوبات التي وضعها المنافقون ، وروجتها الخلافة القرشية ورواتها ، وما زالت الى عصرنا صحيحة أو موثقة ! !

تنبؤ عميق للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حول اللات والعزى

روت مصادر السنيين بأسانيد صحيحة عندهم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أخبر أن العرب سوف يعبدون اللات والعزى مرة أخرى !

٦٧
 &

ـ فقد روى مسلم في صحيحه ج ٨ ص ١٨٢

عن أبي سلمة عن عائشة قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى ! فقلت يا رسول الله إن كنت لأظن حين أنزل الله : هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، أن ذلك تاماً . قال : إنه سيكون من ذلك ما شاء الله انتهى .

ورواه الحاكم في مستدركه ج ٤ ص ٤٤٦ وص ٥٤٩ وقال في الموردين ( هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ) ورواه البيهقي في سنه ج ٩ ص ١٨١ ورواه الهندي في كنز العمال ج ١٤ ص ٢١١ وقال عنه السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ٦١ : وأخرج مسلم والحاكم وصححه . . وقال عن الحديث الأول في ج ٣ ص ٢٣١ أخرج أحمد ومسلم والحاكم وابن مردويه عن عائشة . انتهى .

وإذا صحت هذه الأحاديث فتفسيرها أن بعض العرب سوف يكفرون في المستقبل ، ويرجعون إلى عبادة اللات والعزى !

ولكن الأقرب أن يكون مقصوده صلى‌الله‌عليه‌وآله أن الأمة سوف تنحرف من بعده وتطيع شخصين من دون الله تعالى ، ويكون لهما تأثير اللات والعزى . . لأن من أطاع شخصاً في معصية الله تعالى أو من دون أمره ، فقد عبده من دون الله تعالى ! !

والنتيجة التي نخلص بها من هذا البحث ، أن الشفاعة كانت معروفة عند مشركي العرب ، وكان يهمهم أن يثبتوا هذه المنزلة لأصنامهم . . وهي نقطة تنفعنا في فهم السبب لوضع بعض الأحاديث التي تدعي توسيع شفاعة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله لتشمل كل قريش وكل المنافقين وغيرهم ، وتحل محل شفاعة اللات والعزى ، وتضاهي شفاعة اليهود المزعومة لقوميتهم ! !

*       *

٦٨
 &

الفصل الرابع كليات الشفاعة في القرآن

آيات الشفاعة وعناوينها

الشفاعة الحسنة والشفاعة السيئة في الدنيا

ـ مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا ، وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا ، وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا . النساء ـ ٨٥

الشفعاء يوم القيامة يشفعون بعهد من الله تعالى

ـ لَّا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَـٰنِ عَهْدًا . مريم ـ ٨٧

ـ يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَـٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا . طه ـ ١٠٩

الأولياء المكرمون ينفعون مواليهم بشفاعتهم

ـ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ . إِلَّا مَن رَّحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ . الدخان ـ ٤٠ ـ ٤٢

٦٩
 &

عباد الله المكرمون كلهم شفعاء

ـ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَـٰنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ . لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ . يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ ، وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ . الأنبياء ٢٦ ـ ٢٨

الشهداء بالحق شفعاء

ـ وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ . الزخرف ـ ٨٦

الملائكة يشفعون للناس بإذن الله تعالى

ـ وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَىٰ . النجم ـ ٢٦

الشفيع الأكبر صلى‌الله‌عليه‌وآله

ـ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا . الإسراء ـ ٧٩

ـ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ . الضحى ـ ٥

لا شفاعة من دون الله تعالى

ـ وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ . الأنعام ـ ٥١

ـ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ، ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ، مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ ، أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ . السجدة ـ ٤

لا شفاعة إلا بإذنه ومن بعد إذنه

ـ اللَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ، لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ، لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي

٧٠
 &

الْأَرْضِ ، مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا ، بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ، وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ، وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ، وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ . البقرة ـ ٢٥٥

ـ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ ، أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ، يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ، ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ . يونس ـ ٣

ـ وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ، حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ، قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ . سبأ ـ ٢٣

ـ وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَىٰ . النجم ـ ٢٦

الشفعاء المزعومون لا شفاعة لهم

ـ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ ! قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ . يونس ـ ١٨

ـ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ، وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ ، لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ ، وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ الأنعام ـ ٩٤

ـ وَلَمْ يَكُن لَّهُم مِّن شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ . الروم ـ ١٣

ـ أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَـٰنُ بِضُرٍّ لَّا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنقِذُونِ . يس ـ ٢٣

ـ أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ . قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ . الزمر ٤٣ ـ ٤٤

٧١
 &

لا شفاعة في يوم القيامة كشفاعة الدنيا

ـ وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ ، وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ . البقرة ـ ٤٨

ـ وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ ، وَلَا تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ . البقرة ـ ١٢٣

ـ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ ، وَلَا خُلَّةٌ ، وَلَا شَفَاعَةٌ ، وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ . البقرة ـ ٢٥٤

ـ وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ ، وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَّا يُؤْخَذْ مِنْهَا ، أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا ، لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ . الأنعام ـ ٧٠

ـ فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ ، وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ . الشعراء ١٠٠ ـ ١٠١

ـ فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ . المدثر ـ ٤٨

الكفار يبحثون بحثاً حثيثاً عن الشفعاء

ـ هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ ، يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ ، فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا ، أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ، قَدْ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ . الأعراف ـ ٥٣

ـ يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ ، إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَـٰنُ ، وَقَالَ صَوَابًا . النبأ ـ ٣٨

لا شفاعة للظالمين

ـ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ ، كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ ، وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ . غافر ـ ١٨

ـ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ . حَتَّىٰ أَتَانَا الْيَقِينُ . فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ . المدثر ـ ٤٦ ـ ٤٨

*       *

٧٢
 &

الفصل الخامس شفاعـة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله

تفسير ( المقام المحمود ) لنبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله

قال الله تعالى : أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ، إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ ، وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ، إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا . وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ ، عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا . الإسراء ـ ٧٩

مصادرنا تصف المقام المحمود لنبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله في المحشر

لعل أقوى نص في متنه يبين أهمية المقام المحمود الذي وعد الله رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله بأن يكرمه به يوم القيامة ، ما رواه الصدوق عن علي عليه‌السلام ، فقد بين فيه أن ليوم القيامة مراحل ومراسم قبل الحساب ، وأن المقام المحمود لنبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله يبدأ في أوائل مراحل ذلك اليوم العظيم بتلك الخطبة ( الفريدة ) التي يفتتح بها نبينا المحشر ويلهمه الله تعالى فيها أنواع المحامد لربه تعالى نيابة عن الخلائق ، ويعطى على أثرها لواء الحمد الذي هو رئاسة المحشر ، وذلك قبل الحساب والشفاعة وحوض الكوثر . .

٧٣
 &

ـ قال الصدوق في التوحيد في حديث طويل ص ٢٥٥ ـ ٢٦٢

حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال : حدثنا أحمد بن يحيى عن بكر بن عبد الله بن حبيب قال : حدثني أحمد بن يعقوب بن مطر قال : حدثنا محمد بن الحسن بن عبد العزيز الأحدب الجند بنيسابور قال : وجدت في كتاب أبي بخطه : حدثنا طلحة بن يزيد عن عبيد الله بن عبيد عن أبي معمر السعداني أن رجلاً أتى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقال :

يا أمير المؤمنين إني قد شككت في كتاب الله المنزل .

قال له عليه‌السلام : ثكلتك أمك وكيف شككت في كتاب الله المنزل !

قال : لأني وجدت الكتاب يكذب بعضه بعضاً فكيف لا أشك فيه .

فقال علي بن أبي طالب عليه‌السلام : إن كتاب الله ليصدق بعضه بعضاً ولا يكذب بعضه بعضاً ولكنك لم ترزق عقلاً تنتفع به ، فهات ما شككت فيه من كتاب الله عز وجل .

قال له الرجل : إني وجدت الله يقول : فاليوم ننسيهم كما نسوا لقاء يومهم هذا ، وقال أيضاً : نسوا الله فنسيهم ، وقال : وما كان ربك نسياً . فمرة يخبر أنه ينسى ومرة يخبر أنه لا ينسى ، فأنى ذلك يا أمير المؤمنين !

قال : هات ما شككت فيه أيضاً . . . .

فقال علي عليه‌السلام : قُدُّوسٌ ربنا قدوس ، تبارك وتعالى علواً كبيراً ، نشهد أنه هو الدائم الذي لا يزول ، ولا نشك فيه ، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، وأن الكتاب حق ، والرسل حق ، وأن الثواب والعقاب حق ، فإن رزقت زيادة إيمان أو حرمته فإن ذلك بيد الله إن شاء رزقك وإن شاء حرمك ذلك ، ولكن سأعلمك ما شككت فيه ولا قوة إلا بالله ، فإن أراد الله بك خيراً أعلمك بعلمه وثبتك ، وإن يكن شراً ضللت وهلكت .

أما قوله : نسوا الله فنسيهم إنما يعني نسوا الله في دار الدنيا لم يعملوا بطاعته فنسيهم في الآخرة أي لم يجعل لهم في ثوابه شيئاً ، فصاروا منسسيين من الخير

٧٤
 &

وكذلك تفسير قوله عز وجل : فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَـٰذَا ، يعني بالنسيان أنه لم يثبهم كما يثيب أولياءه الذين كانوا في دار الدنيا مطيعين ذاكرين حين آمنوا به وبرسله وخافوه بالغيب . وأما قوله : وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ، فإن ربنا تبارك وتعالى علواً كبيراً ليس بالذي ينسى ولا يغفل ، بل هو الحفيظ العليم ، وقد يقول العرب في باب النسيان : قد نَسِيَنَا فلان فلا يذكرنا أي أنه لا يأمر لنا بخير ولا يذكرنا به ، فهل فهمت ما ذكر الله عز وجل ؟ قال : نعم ، فرجت عني فرج الله عنك ، وحللت عني عقدة فعظم الله أجرك .

فقال عليه‌السلام : وأما قوله : يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَـٰنُ وَقَالَ صَوَابًا ، وقوله : وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ، وقوله : يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا ، وقوله : إِنَّ ذَٰلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ، وقوله : لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ ، وقوله : الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ، فإن ذلك في موطن غير واحد من مواطن ذلك اليوم الذي كان مقداره خمسين ألف سنة ! يجمع الله عز وجل الخلائق يومئذ في مواطن يتفرقون ويكلم بعضهم بعضاً ، ويستغفر بعضهم لبعض ، أولئك الذين كان منهم الطاعة في دار الدنيا . ويلعن أهل المعاصي الذين بدت منهم البغضاء وتعاونوا على الظلم والعدوان في دار الدنيا ، الرؤساء والأتباع من المستكبرين والمستضعفين يكفر بعضهم بعضاً ويلعن بعضهم بعضاً . والكفر في هذه الآية : البراءة يقول يبرأ بعضهم من بعض ، ونظيرها في سورة إبراهيم قول الشيطان : إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ، وقول إبراهيم خليل الرحمن : كَفَرْنَا بِكُمْ ، يعني تبرأنا منكم .

ثم يجتمعون في موطن آخر يبكون فيه ، فلو أن تلك الأصوات بدت لأهل الدنيا لأذهلت جميع الخلق عن معائشهم ، ولتصدعت قلوبهم إلا ما شاء الله ، فلا يزالون يبكون الدم .

٧٥
 &

ثم يجتمعون في موطن آخر فيستنطقون فيه فيقولون : وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ، فيختم الله تبارك وتعالى على أفواههم ويستنطق الأيدي والأرجل والجلود فتشهد بكل معصية كانت منهم ، ثم يرفع عن ألسنتهم الختم فيقولون لجلودهم : لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا ، قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ .

ثم يجتمعون في موطن آخر فيستنطقون ، فيفر بعضهم من بعض ، فذلك قوله عز وجل : يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ، فيستنطقون فلا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ، فيقوم الرسل صلى الله عليهم فيشهدون في هذا الموطن ، فذلك قوله : فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ شَهِيدًا .

ثم يجتمعون في موطن آخر يكون فيه مقام محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو المقام المحمود فيثني على الله تبارك وتعالى بما لم يثن عليه أحد قبله ، ثم يثني على الملائكة كلهم فلا يبقى ملك إلا أثنى عليه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم يثني على الرسل : بما لم يثن عليهم أحد قبله ، ثم يثني على كل مؤمن ومؤمنة ، يبدأ بالصديقين والشهداء ثم بالصالحين ، فيحمده أهل السماوات والأرض ، فذلك قوله : عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا ، فطوبى لمن كان له في ذلك المقام حظ ، وويل لمن لم يكن له في ذلك المقام حظ ولا نصيب .

ثم يجتمعون في موطن آخر ويدال بعضهم من بعض ، وهذا كله قبل الحساب ، فإذا أخذ في الحساب شغل كل إنسان بما لديه . نسأل الله بركة ذلك اليوم .

قال : فرجت عني فرج الله عنك يا أمير المؤمنين ، وحللت عني عقدةً ، فعظم الله أجرك . انتهى . ورواه في بحار الأنوار ج ٧ ص ١١٩

٧٦
 &

ـ الصحيفة السجادية ج ١ ص ٣٧

اللهم واجعله خطيب وفد المؤمنين إليك ، والمكسو حلل الأمان إذا وقف بين يديك ، والناطق إذا خرست الألسن في الثناء عليك .

اللهم وابسط لسانه في الشفاعة لأمته ، وأَرِ أهل الموقف من النبيين وأتباعهم تمكن منزلته ، وأوهل أبصار أهل المعروف العلى بشعاع نور درجته ، وقفه في المقام المحمود الذي وعدته ، واغفر ما أحدث المحدثون بعده في أمته ، مما كان اجتهادهم فيه تحرياً لمرضاتك ومرضاته ، وما لم يكن تأليباً على دينك ونقضاً لشريعته ، واحفظ من قبل بالتسليم والرضا دعوته ، واجعلنا ممن تكثر به وارديه ، ولا يذاد عن حوضه إذا ورده ، واسقنا منه كأساً روياً لا نظمأ بعده .

ـ وروى في بحار الأنوار ج ٧ ص ٣٣٥ عن تفسير فرات الكوفي :

عن الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله تبارك وتعالى إذا جمع الناس يوم القيامة وعدني المقام المحمود ، وهو وافٍ لي به . إذا كان يوم القيامة نصب لي منبر له ألف درجة فأصعد حتى أعلو فوقه فيأتيني جبرئيل عليه‌السلام بلواء الحمد فيضعه في يدي ويقول : يا محمد هذا المقام المحمود الذي وعدك الله تعالى ، فأقول لعلي : إصعد فيكون أسفل مني بدرجة ، فأضع لواء الحمد في يده ، ثم يأتي رضوان بمفاتيح الجنة فيقول : يا محمد هذا المقام المحمود الذي وعدك الله تعالى ، فيضعها في يدي فأضعها في حجر علي بن أبي طالب ، ثم يأتي مالك خازن النار فيقول : يا محمد هذا المقام المحمود الذي وعدك الله تعالى هذه مفاتيح النار أدخل عدوك وعدو أمتك النار ، فآخذها وأضعها في حجر علي بن أبي طالب ، فالنار والجنة يومئذ أسمع لي ولعلي من العروس لزوجها ، فهي قول الله تعالى : أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ . انتهى .

ويؤيد هذا الحديث أنك لا تجد تفسيراً مقنعاً لتثنية الخطاب في هذه الآية ، إلا هذا الحديث !

٧٧
 &

ـ تفسير القمي ج ٢ ص ٢٥

وأما قوله : عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا ، فإنه حدثني أبي عن الحسن بن محبوب ، عن زرعة ، عن سماعة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن شفاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم القيامة ؟ فقال : يلجم الناس يوم القيامة العرق فيقولون : إنطلقوا بنا إلى آدم يشفع لنا عند ربنا فيأتون آدم فيقولون : يا آدم إشفع لنا عند ربك ، فيقول : إن لي ذنباً وخطيئة فعليكم بنوح ، فيأتون نوحاً فيردهم إلى من يليه ، ويردهم كل نبي إلى من يليه ، حتى ينتهوا إلى عيسى فيقول : عليكم بمحمد رسول الله ، فيعرضون أنفسهم عليه ويسألونه فيقول : إنطلقوا ، فينطلق بهم إلى باب الجنة ويستقبل باب الرحمة ويخر ساجداً فيمكث ما شاء الله ، فيقول الله : إرفع رأسك واشفع تشفع ، واسأل تعط ، وذلك هو قوله : عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا . انتهى . ورواه في تفسير نور الثقلين ج ٣ ص ٢٠٦

ـ تفسير العياشي ج ٢ ص ٣١٤

عن عبيد بن زرارة قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن المؤمن هل له شفاعة ؟ قال : نعم فقال له رجل من القوم : هل يحتاج المؤمن إلى شفاعة محمد يومئذ ؟ قال : نعم إن للمؤمنين خطايا وذنوباً ، وما من أحد إلا ويحتاج إلى شفاعة محمد يومئذ . قال وسأله رجل عن قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا سيد ولد آدم ولا فخر ؟ قال : نعم يأخذ حلقة باب الجنة فيفتحها فيخر ساجداً فيقول الله : إرفع رأسك إشفع تشفع ، أطلب تعط ، فيرفع رأسه ثم يخر ساجداً فيقول الله : إرفع رأسك ، إشفع تشفع واطلب تعط ، ثم يرفع رأسه فيشفع ، فيشفع ويطلب فيعطى .

ـ روضة الواعظين ص ٥٠٠

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : المقام الذي أشفع فيه لأمتي .

وفي ص ٢٧٣ وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا قمت المقام المحمود تشفعت في أصحاب الكبائر من أمتي فيشفعني الله فيهم ، والله لا تشفعت فيمن آذى ذريتي

٧٨
 &

ورواه في تفسير نور الثقلين ج ٣ ص ٣٤

ـ تفسير التبيان ج ٦ ص ٥١٢

وقوله : عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا ، معناه متى فعلت ما ندبناك إليه من التهجد يبعثك الله مقاماً محموداً ، وهي الشفاعة في قول ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة ، وقال قوم : المقام المحمود : إعطاؤه لواء الحمد . وعسى من الله واجبة .

ـ وقال أبو الصلاح الحلبي في الكافي ص ٤٩١

ولرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، صلوات الله عليه وآله في ذلك اليوم المقام الأشرف والمحل الأعظم ، له اللواء المعقود لواء الحمد ، والحوض المورود ، والمقام المحمود ، والشفاعة المقبولة والمنزلة العلية ، والدرجة المنيعة على جميع النبيين وأتباعهم . وكل شيء خص به من التفضيل ورشح له من التأهيل فأخوه وصنوه ووارث علمه ووصيه في أمته وخليفته على رعيته أمير المؤمنين وسيد المسلمين علي بن أبي طالب بن عبد المطلب عليه‌السلام شريك فيه ، وهو صاحب الأعراف ، وقسيم الجنة والنار ، بنصه الصريح وقوله الفصيح .

وأعلام الأزمنة وتراجمة الملة بعدهما صلوات الله عليهم أعوانٌ عليه ومساهمون فيه ، حسب ما أخبر به وأشار بذكره .

ولشيعتهم من ذلك الحظ الأوفر والقسط الأكبر ، لتحققهم بالإسلام ممن عداهم وتخصصهم بالإيمان دون من سواهم .

ـ ونختم ما اخترناه من مصادرنا بحديث طريف ورد عن أهل البيت عليهم‌السلام في مواعظ الله تعالى لنبيه عيسى عليه‌السلام وشاهدنا منه الفقرة الأخيرة المتعلقة ببشارته بنبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله وشفاعته ، لكن نورده كاملاً لكثرة فوائده .

٧٩
 &

ـ فقد روى الكليني في الكافي ج ٨ ص ١٣١

عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن علي بن أسباط ، عنهم عليهم‌السلام فيما وعظ الله عز وجل به عيسى عليه‌السلام :

يا عيسى ، أنا ربك ورب آبائك إسمي واحد ، وأنا الأحد المتفرد بخلق كل شيء ، وكل شيء من صنعي ، وكل إليَّ راجع .

يا عيسى ، أنت المسيح بأمري ، وأنت تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني ، وأنت تحيي الموتى بكلامي ، فكن إليَّ راغباً ومني راهباً ، ولن تجد مني ملجأً إلا إليَّ .

يا عيسى ، أوصيك وصية المتحنن عليك بالرحمة حتى حقت لك مني الولاية بتحرِّيك مني المسرة ، فبوركت كبيراً وبوركت صغيراً حيث ما كنت ، إشهد أنك عبدي ابن أمتي ، أنزلني من نفسك كهمك واجعل ذكري لمعادك ، وتقرب إلي بالنوافل ، وتوكل عليَّ أكفك ، ولا توكل على غيري فآخذ لك .

يا عيسى ، إصبر على البلاء وارض بالقضاء ، وكن كمسرتي فيك ، فإن مسرتي أن أطاع فلا أعصى .

يا عيسى ، أحي ذكري بلسانك ، وليكن ودي في قلبك .

يا عيسى ، تيقظ في ساعات الغفلة ، واحكم لي لطيف الحكمة .

يا عيسى ، كن راغباً راهباً ، وأمت قلبك بالخشية .

يا عيسى ، راع الليل لتحري مسرتي ، واظمأ نهارك ليوم حاجتك عندي .

يا عيسى ، نافس في الخير جهدك ، تعرف بالخير حيثما توجهت .

يا عيسى ، أحكم في عبادي بنصحي ، وقم فيهم بعدلي ، فقد أنزلت عليك شفاء لما في الصدور من مرض الشيطان .

يا عيسى ، لا تكن جليساً لكل مفتون .

يا عيسى ، حقاً أقول : ما آمنت بي خليقة إلا خشعت لي ، ولا خشعت لي إلا رجوت ثوابي ، فاشهد أنها آمنة من عقابي ما لم تبدل أو تغير سنتي .

٨٠