العقائد الإسلاميّة - ج ٣

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية

العقائد الإسلاميّة - ج ٣

المؤلف:

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-120-6
ISBN الدورة:
964-319-117-6

الصفحات: ٤٩٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

فاختار العليا منها فسكنها وأسكن سمواته من شاء من خلقه ، وخلق الخلق فاختار من الخلق بني آدم ، واختار من بني آدم العرب ، واختار من العرب مضر ، واختار من مضر قريشاً ، واختار من قريش بني هاشم ، واختارني من بني هاشم ، فأنا من خيار إلى خيار ، فمن أحب العرب فبحبي أحبهم ، ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم .

والثانية :

عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب قال : أتى ناس من الأنصار النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : إنا نسمع من قومك حتى يقول القائل منهم إنما مثل محمد نخلة نبتت في الكبا ( قال حسين الكبا الكناسة ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيها الناس من أنا ؟ قالوا أنت رسول الله ، قال : أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ـ قال فما سمعناه ينتمي قبلها ـ ألا أن الله عز وجل خلق خلقه ثم فرقهم فرقتين ، فجعلني في خير الفريقين ، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة ، ثم جعلهم بيوتاً فجعلني في خيرهم بيتاً ، فأنا خيرهم بيتاً وخيرهم نفساً . . . رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح .

والثالثة :

عن ابن عباس قال توفي ابنٌ لصفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكت عليه وصاحت ، فأتاها النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها : يا عمة ما يبكيك ؟ قالت توفي ابني ، قال : يا عمة من توفي له ولدٌ في الإسلام فصبر ، بنى الله له بيتاً في الجنة . فسكتت ثم خرجت من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبلها عمر بن الخطاب فقال : يا صفية قد سمعت صراخك ، إن قرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم لن تغني عنك من الله شيئاً ! فبكت فسمعها النبي صلى الله عليه وسلم وكان يكرمها ويحبها ، فقال : يا عمة أتبكين وقد قلت لك ما قلت ؟ ! قالت : ليس ذاك أبكاني يا رسول الله ، استقبلني عمر بن الخطاب فقال إن قرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم لن تغني عنك من الله شيئاً ! قال فغضب النبي صلى الله عليه وسلم

٢٨١
 &

وقال : يا بلال هجِّر بالصلاة فهجر بلال بالصلاة ، فصعد المنبر صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ما بال أقوام يزعمون أن قرابتي لا تنفع ! ! كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي ، فإنها موصولة في الدنيا والآخرة !

فقال عمر : فتزوجت أم كلثوم بنت علي رضي الله عنهما لما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ، أحببت أن يكون لي منه سببٌ ونسب .

ثم خرجت من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فمررت على نفر من قريش فإذا هم يتفاخرون ويذكرون أمر الجاهلية فقلت رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فقالوا : إن الشجرة لتنبت في الكبا ( المزبلة ) قال فمررت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته ! فقال يا بلال هجر بالصلاة فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : يا أيها الناس من أنا ؟ قالوا أنت رسول الله ، قال أنسبوني ، قالوا أنت محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، قال أجل أنا محمد بن عبد الله ، وأنا رسول الله ، فما بال أقوام يبتذلون أصلي ! ! فوالله لأنا أفضلهم أصلاً وخيرهم موضعاً !

قال فلما سمعت الأنصار بذلك قالت قوموا فخذوا السلاح ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أغضب ، قال فأخذوا السلاح ثم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم لا ترى منهم إلا الحدق ، حتى أحاطوا بالناس فجعلوهم في مثل الحرة ، حتى تضايقت بهم أبواب المسجد والسكك ! ! ثم قاموا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله لا تأمرنا بأحد إلا أبَّرنا عترته . فلما رأى النفر من قريش ذلك قاموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذروا وتنصلوا ! ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الناس دثارٌ والأنصار شعار ، فأثنى عليهم وقال خيراً . انتهى .

ـ وقال في الدر المنثور ج ٢ ص ٣٣٥

وأخرج الفريابي وابن جرير وابن مردويه عن أبي هريرة قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غضبان محمار وجهه ، حتى جلس على المنبر فقام إليه

٢٨٢
 &

رجل فقال : أين آبائي ؟ قال في النار ! فقام آخر فقال من أبي ؟ فقال أبوك حذافة ، فقام عمر بن الخطاب فقال : رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً وبالقرآن إماماً ، إنا يا رسول الله حديثُ عهدٍ بجاهلية وشرك والله أعلم من آباؤنا ! ! فسكن غضبه ، ونزلت هذه الآية : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ .

ـ وقال في الدر المنثور ج ٤ ص ٣٠٩

وأخرج الزبير بن بكار في الموفقيات عن ابن عباس رضي الله عنهما قال سألت عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه عن قول الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ؟ قال : كان رجال من المهاجرين في أنسابهم شيء فقالوا يوماً والله لوددنا أن الله أنزل قرآناً في نسبنا ، فأنزل الله ما قرأت .

ثم قال لي : إن صاحبكم هذا يعني علي بن أبي طالب إن ولي زهد ، ولكني أخشى عجب نفسه أن يذهب به . قلت : يا أمير المؤمنين إن صاحبنا من قد علمت ، والله ما نقول إنه غيَّر ولا بدل ولا أسخط رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام صحبته ! فقال : يا بن عباس من ظن أنه يرد بحوركم فيغوص فيها حتى يبلغ قعرها فقد ظن عجزاً ! انتهى .

وراجع أيضاً : سنن ابن ماجة ج ١ ص ٥٤٦ ، ومسند أحمد ج ٣ ص ١٦٢ وص ١٧٧ وج ٥ ص ٢٩٦ و ٣٠٣ ، وسنن البيهقي ج ٤ ص ٢٨٦ ، ومصنف عبد الرزاق ج ١١ ص ٣٧٩ ، وكنز العمال ج ٤ ص ٤٤٣ وج ١٣ ص ٤٥٣

*       *

من مجموع هذه النصوص يصل الباحث إلى نتائج قطعية متعددة ، نذكر منها :

أولاً ـ أن القرشيين لم يتركوا حساسيتهم من بني هاشم حتى بعد فتح مكة وإعلان إسلامهم ! غاية الأمر أنهم استثنوا منهم شخص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله !

بل من حق الباحث أن يشك في هذا أيضاً ، فالطلقاء أسلموا مهزومين تحت

٢٨٣
 &

السيف ! ولم يكونوا يستطيعون أن يتفوهوا بحرف على شخص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإلا كفروا وعرضوا أنفسهم لسيوف الأنصار !

ثانياً ـ أن القرشيين كانوا في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وفي عاصمته ، وتحت لواء نبوته ، وتحت سيوف الأنصار . . شرسين على أسرته وعشيرته صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكانت ألسنتهم بذيئة على أصل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعشيرته ، حتى ضجَّ من ذلك الأنصار ، وجاؤوا يشكون إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بذاءة قريش بحقه ، طالبين منه معالجة هذه الألسنة المنافقة ، أو إصدار أمر بتقتيلهم . وقد قال الهيثمي عن حديث شكوى الأنصار : رجاله رجال الصحيح ! !

ثالثاً ـ أن الحوادث التي تكلم فيها القرشيون على أسرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله متعددة ، فقد نقلت كتب الحديث منها أكثر من عشرة حوادث ، ولا بد أن ما لم تنقله أكثر وأعظم ! !

رابعاً ـ أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كانت حساسيته من هذا الموضوع عالية جداً ، وكان رده دائماً شديداً ، فهو يتعامل معه على أنه موضوع ديني وليس موضوعاً شخصياً ، لأن عدم الإيمان بأسرته الطاهرة ، يساوق عدم الإيمان به صلى‌الله‌عليه‌وآله .

خامساً ـ أن إحدى الحوادث كانت كبيرة بذاتها ، أو بالتراكم ، فغضب الله تعالى لغضب نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأمره بالرد على القرشيين ( المسلمين الصحابة ) وإتمام الحجة عليهم ، وأنزل عليه جبرئيل ليكون إلى جانبه يوجهه ويجيبه عن أنساب القرشيين ، وعن مستقبلهم في الجنة أو في النار ! ! ! .

سادساً ـ أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أحضرهم في المسجد وأمر الأنصار بمحاصرتهم بالسلاح ، وخطب خطبةً نبويةً نارية بليغة عاصفة ، صبَّ فيها الغضب الإلۤهي والنبوي على القرشيين ، وتحداهم في أنسابهم وأعمالهم ونواياهم ! فلفُّوا رؤوسهم ! واستغشوا ثيابهم ! وعلا خنينهم وبكاؤهم ! وكان ذلك أشد يوم عليهم ! ! !

فتدارك الموقف زعيمهم وتقدم وبرك على قدمي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ! وقبلها ! وبكى له ! ليعفو عنهم ! ولا يفضح أنسابهم ! وعشائرهم ! ولا يصدر عليهم حكمه بالقتل ، أو

٢٨٤
 &

بالحرمان من الحقوق المدنية حتى أداء الشهادة ! ! فسكت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يقل لهم كلمة قبول أو عفو ! وهدأت عاصفة الإنتقام النبوي في الدنيا ! !

سابعاً ـ إنها قضيةٌ ضخمةٌ في الحساب العقائدي والفقهي والسياسي ، تستحق الدراسة ووضع النقاط على الحروف . . ولكن الخلافة القرشية تعرف كيف تتخلص منها ، فتعتم عليها إن استطاعت ، أو تحولها إلى مجد لقريش ، ولا تسمح لبني هاشم أن يستفيدوا منها !

ومن أجل هذا كانت براعة الخليفة عمر في طريقة روايتها ، ثم كانت براعة الرواة ومصنفي الصحاح في تجزئتها وتقطيع أوصالها وتغييب حقيقتها !

وهذه هي مهمة جيل ما بعد الأنبياء ! !

أما عبد الله بن الزبير الزهري ، فقد كان عنده عقدةٌ من بني هاشم مع أنهم أخوال أبيه ! وقد اشتهر عنه أنه لم يكن يطيق ذكرهم ، وأنه ترك حتى ذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والصلاة عليه في خطبة الجمعة حتى لا تشمخ أنوف بني هاشم بزعمه !

والظاهر أن القرشيين ربَّوه على كره بني هاشم منذ كان غلاماً ، وأن له مشاركة في قصة الغضب النبوي !

ـ فقد روى عنه الهيثمي في مجمع الزوائد ج ٨ ص ٢١٥ افتراء عجيباً على النبي في ذم أهل بيته صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث حول كلام قريش الذي غضب منه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وغضب منه الله تعالى من فوق عرشه كما رأيت . . الى حديث مسند عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ! !

ـ قال الهيثمي : وعن عبد الله ابن الزبير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : مثلي ومثل أهل بيتي كمثل نخلة نبتت في مزبلة . رواه الطبراني وهو منكر ، والظاهر أنه من قول الزبير إن صح عنه ، فإن فيه ابن لهيعة ومن لم أعرفه .

وعن ابن الزبير أن قريشاً قالت : إن مثل محمد مثل نخلة في كبوة . رواه البزار بإسناد حسن ، وهذا الظن به .

٢٨٥
 &

براعة البخاري في تضييع القضية

المحدث العادي ـ فضلاً عن البخاري ـ يعرف أن هذا الحديث قصةٌ واحدةٌ كما ذكر صاحب فتح الباري ، أو اثنتان في الأكثر . . وهنا تظهر براعة البخاري في اختراع العناوين لجعل قطعة الحديث تحتها ، أو عقد باب مناسب لتغطية حقيقة الحديث !

ففي ج ١ ص ٣١

عقد له باباً باسم : باب الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأى ما يكره . فجعله من نوع غضب المدرس والواعظ !

وفي ص ٣٢

جعله من نوع تأدب التلميذ بين يدي معلمه فسمى الباب : باب من برك على ركبتيه عند الإمام أو المحدث !

وفي ص ١٣٦

وضع جزءً منه تحت عنوان : باب وقت الظهر عند الزوال ! بحجة أن خطبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله النارية القاصعة كانت عند الزوال !

وفي ج ٤ ص ٧٣

جعل جزءً منه تحت عنوان : ما جاء في قول الله تعالى وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه . . بحجة أن الراوي قال : قام فينا النبي ( ص ) مقاماً فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم !

وفي ج ٧ ص ١٥٧

عقد له باباً باسم : باب التعوذ من الفتن ! وكأن الموضوع كان حديثاً هادئاً عاماً لكل الأمة عن الفتن الآتية ، وأن عمر قال : رضينا بالله رباً وبمحمد رسولاً . . . نعوذ بالله من الفتن !

وفي ج ٨ ص ١٤٢

٢٨٦
 &

عقد له باباً باسم : باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه وقوله تعالى : لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ . . !

وكان ينبغي له أن يسمي الباب : باب وجوب امتثال أمر النبي إذا أمر بالسؤال ، وأن لا يربط الآية به ، ولا يحشرها في هذا الموضوع أصلاً كما فعلت قريش ، لأن موضوع الآية كراهة السؤال ، وموضوع الحديث أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله المكرر المشدد لقريش أن يسألوه !

اللهم إلا يقصد البخاري بكراهة السؤال : كراهة إلحاح المعلم على تلاميذه بقوله سلوني ! فيكون الخطأ حينئذٍ من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لأنه ألحَّ عليهم بالسؤال ! ويكون موقف عمر تصحيحاً لخطأ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كما هي عادته المشكورة ! !

ماذا قال كبار الشراح ؟

لا خبر عند شراح الصحاح بالقضية ، فلا رأوا شيئاً ولا سمعوا ولا قرؤوا ، ولا شموا رائحة شيء يستوجب التساؤل والبحث ! !

ـ قال ابن حجر في فتح الباري :

قوله سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء . . كان منها السؤال عن الساعة وما أشبه ذلك من المسائل ، كما سيأتي في حديث ابن عباس في تفسير المائدة !

ـ قوله قال رجل : هو عبد الله بن حذافة بضم أوله وبالذال المعجمة والفاء ، القرشي السهمي ، كما سماه في حديث أنس الآتي .

ـ قوله فقام آخر : هو سعد بن سالم مولى شيبة بن ربيعة ، سماه بن عبد البر في التمهيد في ترجمة سهيل بن أبي صالح ، وأغفله في الإستيعاب ولم يظفر به أحد من الشارحين ، ولا من صنف في المبهمات ولا في أسماء الصحابة ، وهو صحابي بلا مرية ، لقوله فقال من أبي يا رسول الله ؟ ووقع في تفسير مقاتل في نحو هذه القصة أن رجلاً من بني عبد الدار قال من أبي ؟ قال سعد : نسبه إلى غير أبيه ، بخلاف ابن

٢٨٧
 &

حذافة ! وسيأتي مزيد لهذا في تفسير سورة المائدة .

ـ قوله فلما رأى عمر . . هو بن الخطاب . . ما في وجهه ، أي من الغضب ، قال : يا رسول الله إنا نتوب إلى الله ، أي مما يوجب غضبك ، وفي حديث أنس الآتي بعد أن عمر برك على ركبتيه ، فقال : رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً ، والجمع بينهما ظاهر ، بأنه قال جميع ذلك فنقل كل من الصحابيين ما حفظ ، ودل على اتحاد المجلس اشتراكهما في نقل قصة عبد الله بن حذافة .

ـ تنبيه : قصر المصنف الغضب على الموعظة والتعليم دون الحكم لأن الحاكم مأمورٌ أن لا يقضي وهو غضبان ، والفرق أن الواعظ من شأنه أن يكون في صورة الغضبان ، لأن مقامه يقتضي تكلف الإنزعاج لأنه في صورة المنذر ! !

وكذا المعلم إذا أنكر على من يتعلم منه سوء فهم ونحوه ، لأنه قد يكون أدعى للقبول منه ، وليس ذلك لازماً في حق كل أحد ، بل يختلف باختلاف أحوال المتعلمين . وأما الحاكم فهو بخلاف ذلك كما يأتي في بابه .

فإن قيل : فقد قضى عليه الصلاة والسلام في حال غضبه حيث قال : أبوك فلان !

فالجواب : أن يقال أولاً ، ليس هذا من باب الحكم ! ! وعلى تقديره فيقال هذا من خصوصياته لمحل العصمة ، فاستوى غضبه ورضاه ، ومجرد غضبه من الشيء دالٌّ على تحريمه أو كراهته ، بخلاف غيره صلى الله عليه وسلم .

ـ قوله باب من برك : هو بفتح الموحدة والراء المخففة يقال : برك البعير إذا استناخ ، واستعمل في الآدمي مجازاً .

قوله خرج ، فقام عبد الله بن حذافة : فيه حذف يظهر من الرواية الأخرى ، والتقدير خرج فسئل فأكثروا عليه ، فغضب ! ! فقال سلوني ، فقام عبد الله .

قوله فقال رضينا بالله رباً . . قال ابن بطال : فهم عمر منه أن تلك الأسئلة قد تكون على سبيل التعنت أو الشك ، فخشي أن تنزل العقوبة بسبب ذلك ! فقال رضينا بالله

٢٨٨
 &

رباً الخ . فرضي النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، فسكت !

ـ قوله وقال سلوني : في حديث أنس المذكور فصعد المنبر فقال : لا تسألوني عن شيء إلا بينته لكم .

وفي رواية سعيد بن بشير عند قتادة عن أبي حاتم : فخرج ذات يوم حتى صعد المنبر ، وبين في رواية الزهري المذكورة في هذا الباب وقت وقوع ذلك ، وأنه بعد أن صلى الظهر ، ولفظه : خرج حين زاغت الشمس فصلى الظهر فلما سلم قام على المنبر فذكر الساعة ، ثم قال : من أحب ( ! ) أن يسأل عن شيء فليسأل عنه ، فذكر نحوه .

ـ قوله فقام رجل فقال يا رسول الله من أبي ؟ بين في حديث أنس من رواية الزهري اسمه ، وفي رواية قتادة سبب سؤاله ، قال فقام رجل كان إذا لاحى أي خاصم دعي إلى غير أبيه ، وذكرت اسم السائل الثاني ، وأنه سعد ، وأني نقلته من ترجمة سهيل بن أبي صالح من تمهيد بن عبد البر .

وزاد في رواية الزهري الآتية بعد حديثين فقام إليه رجل فقال : أين مدخلي يا رسول الله ؟ قال : النار ! ولم أقف على اسم هذا الرجل في شيء من الطرق كأنهم أبهموه عمداً للستر عليه !

وللطبراني من حديث أبي فراس الأسلمي نحوه ، وزاد : وسأله رجل في الجنة أنا ؟ قال : في الجنة ، ولم أقف على اسم هذا الآخر .

ونقل بن عبد البر عن رواية مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته : لا يسألني أحد عن شيء إلا أخبرته ، ولو سألني عن أبيه ، فقام عبد الله بن حذافة ، وذكر فيه عتاب أمه له وجوابه ، وذكر فيه فقام رجل فسأل عن الحج فذكره ، وفيه فقام سعد مولى شيبة فقال من : أنا يا رسول الله ؟ قال أنت سعد بن سالم مولى شيبة . وفيه فقام رجل من بني أسد فقال : أين أنا ؟ قال : في النار ! ! فذكر قصة عمر ، قال فنزلت : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ . . الآية .

٢٨٩
 &

ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قيلٍ وقال ، وكثرة السؤال ( ؟ ! ) وبهذه الزيادة يتضح أن هذه القصة سبب نزول : لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ، فإن المساءة في حق هذا جاءت صريحة بخلافها في حق عبد الله بن حذافة ، فإنها بطريق الجواز أي لو قدر أنه في نفس الأمر لم يكن لأبيه ، فبين أباه الحقيقي لافتضحت أمه ، كما صرحت بذلك أمه حين عاتبته على هذا السؤال ، كما تقدم في كتاب الفتن .

قوله : فلما رأى عمر ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغضب . . بين في حديث أنس أن الصحابة كلهم فهموا ذلك ، ففي رواية هشام فإذا كل رجل لافاً رأسه في ثوبه يبكي ، وزاد في رواية سعيد بن بشير : وظنوا أن ذلك بين يدي أمر قد حضر ! وفي رواية موسى بن أنس عن أنس الماضية في تفسير المائدة : فغطوا رؤوسهم ولهم حنين . . زاد مسلم من هذا الوجه : فما أتى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم كان أشد منه !

قوله : فقال إنا نتوب إلى الله عز وجل . . زاد في رواية الزهري : فبرك عمر على ركبته فقال رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً . وفي رواية قتادة من الزيادة نعوذ بالله من شر الفتن . وفي مرسل السدي عند الطبري في نحو هذه القصة : فقام إليه عمر فقبل رجله وقال رضينا بالله رباً فذكر مثله ، وزاد : وبالقرآن إماماً فاعف عفى الله عنك فلم يزل به . . . حتى رضي .

وفي هذا الحديث غير ما يتعلق بالترجمة مراقبة الصحابة أحوال النبي صلى الله عليه وسلم وشدة إشفاقهم إذا غضب خشية أن يكون لأمر يعم فيعمهم ، وإدلال عمر عليه وجواز تقبيل رجل الرجل ، وجواز الغضب في الموعظة ، وبروك الطالب بين يدي من يستفيد منه ، وكذا التابع بين يدي المتبوع إذا سأله في حاجة ، ومشروعية التعوذ من الفتن عند وجود شيء قد يظهر منه قرينة وقوعها ، واستعمال المزاوجة في الدعاء في قوله اعف عفى الله عنك ، وإلا فالنبي صلى الله عليه وسلم

٢٩٠
 &

معفوٌّ عنه قبل ذلك .

قال ابن عبد البر : سئل مالك عن معنى النهي عن كثرة السؤال ، فقال : ما أدري أنهى عن الذي أنتم فيه من السؤال عن النوازل ، أو عن مسألة الناس المال .

قال بن عبد البر : الظاهر الأول ، وأما الثاني فلا معنى للتفرقة بين كثرته وقلته ، لا حيث يجوز ولا حيث لا يجوز .

قال : وقيل كانوا يسألون عن الشيء ويلحون فيه إلى أن يحرم . قال : وأكثر العلماء على أن المراد كثرة السؤال عن النوازل والأغلوطيات والتوليدات ، كذا .

ـ وقال النووي في شرح مسلم ج ٨ ص ٢٩١ في سبب غضب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كما تصوره أو صوره :

قوله : رجل أتى النبي فقال كيف تصوم فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم . . قال العلماء : سبب غضبه أنه كره مسألته ، لأنه يحتاج إلى أن يجيبه ويخشى من جوابه مفسدة ، وهي أنه ربما اعتقد السائل وجوبه أو استقله أو اقتصر عليه ، وكان يقتضي حاله أكثر منه ! !

ـ وقال في ج ١٥ ـ ١٦ ص ١١١

قوله : غطوا رؤوسهم ولهم خنين ، هو بالخاء المعجمة هكذا هو في معظم النسخ ولمعظم الرواة ولبعضهم بالحاء المهملة . وممن ذكر الوجهين القاضي وصاحب التحرير وآخرون ، قالوا : ومعناه بالمعجمة صوت البكاء وهو نوع من البكاء دون الإنتحاب . قالوا وأصل الخنين خروج الصوت من الأنف كالحنين بالمهملة من الفم . وقال الخليل : هو صوت فيه غنة ، وقال الأصمعي : إذا تردد بكاؤه فصار في كونه غنة فهو خنين . وقال أبو زيد : الخنين مثل الخنين وهو شديد البكاء .

قوله : فلما أكثر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقول : سلوني برك عمر فقال : رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً . فسكت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين قال عمر ذلك . قال العلماء : هذا القول منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم محمولٌ على أنه أوحي إليه وإلا فلا يعلم كل ما سئل

٢٩١
 &

عنه من المغيبات إلا بإعلام الله تعالى .

قال القاضي : وظاهر الحديث أن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سلوني إنما كان غضباً كما قال في الرواية الأخرى سئل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أشياء كرهها فلما أكثر عليه غضب ، ثم قال للناس : سلوني . وكان اختياره صلى الله عليه وسلم ترك تلك المسائل ، لكن وافقهم في جوابها ، لأنه لا يمكن رد السؤال ، ولما رآه من حرصهم عليها ! ! والله أعلم .

وأما بروك عمر رضي‌الله‌عنه وقوله : فإنما فعله أدباً وإكراماً لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشفقةً على المسملمين لئلا يؤذوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهلكوا ! !

ومعنى كلامه : رضينا بما عندنا من كتاب الله تعالى وسنة نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واكتفينا به عن السؤال . ففيه أبلغ كفاية . انتهى .

وأنت ترى أن ابن حجر والنووي غائبان عن كلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأن في كلامهما تهافتاً ونقاط ضعف كثيرة لا نطيل فيها . . وليس كلام غيرهما من الشراح أفضل ، وإن كان فيه مادة مهمة لمن أراد أن يتتبع ملف القضية !

الحادثة في بعض روايات أهل البيت عليهم‌السلام

ـ قال النيشابوري في الفضائل ص ١٣٤

عن سليم بن قيس يرفعه إلى أبي ذر والمقداد وسلمان قالوا : قال لنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب : إني مررت بفلان يوماً فقال لي : ما مثل محمد في أهل بيته إلا كمثل نخلة نبتت في كناسة ! قال : فأتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فذكرت ذلك له ، فغضب غضباً شديداً ، فقام فخرج مغضباً وصعد المنبر ففزعت الأنصار ولبسوا السلاح ، لما رأوا من غضبه ، ثم قال : ما بال أقوام يعيرون أهل بيتي ؟ ! ! وقد سمعوني أقول في فضلهم ما أقول ، وخصصتهم بما خصهم الله تعالى به ، وفضل علياً عليهم بالكرامة وسبقه إلى الإسلام وبلائه ، وأنه مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي !

ثم إنهم يزعمون أن مثلي في أهل بيتي كمثل نخلة نبتت في كناسة ! ألا إن الله

٢٩٢
 &

سبحانه وتعالى خلق خلقه وفرقهم فرقتين ، وجلعني في خيرها شعباً وخيرها قبيلة ، ثم جعلهم بيوتاً فجعلني في خيرها بيتاً ، حتى حصلت في أهل بيتي وعشيرتي وبني أبي ، أنا وأخي علي بن أبي طالب . . . .

أنا خير النبيين والمرسلين ، وعلي خير الوصيين ، وأهل بيتي خير بيوت أهل النبيين ، وفاطمة ابنتي سيدة نساء أهل الجنة أجمعين .

أيها الناس : أترجون شفاعتي لكم ، وأعجز عن أهل بيتي ؟ !

أيها الناس : ما من أحد غداً يلقى الله تعالى مؤمناً لا يشرك به شيئاً إلا أجره الجنة ، ولو أن ذنوبه كتراب الأرض .

أيها الناس : لو أخذت بحلقة باب الجنة ثم تجلى لي الله عز وجل ، فسجدت بين يديه ثم أذن لي في الشفاعة ، لم أوثر على أهل بيتي أحداً .

أيها الناس : عظموا أهل بيتي في حياتي وبعد مماتي ، وأكرموهم وفضلوهم ، لا يحل لأحد أن يقوم لأحد غير أهل بيتي ، فانسبوني من أنا ؟ !

قال فقام الأنصار وقد أخذوا بأيدهم السلاح ، وقالوا : نعوذ الله من غضب الله وغضب رسوله ، أخبرنا يا رسول الله من آذاك في أهل بيتك حتى نضرب عنقه ؟ ! !

قال : أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، ثم انتهى بالنسب إلى نزار ، ثم مضى إلى إسماعيل بن إبراهيم خليل الله ، ثم مضى منه إلى نوح ، ثم قال : أنا وأهل بيتي كطينة آدم عليه‌السلام نكاح غير سفاح !

سلوني ، والله لا يسألني رجل إلا أخبرته عن نسبه وعن أبيه !

فقام إليه رجل فقال : من أنا يا رسول الله ؟ فقال : أبوك فلان الذي تدعى إليه ! قال فارتد الرجل عن الإسلام .

ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله والغضب ظاهر في وجهه : ما يمنع هذا الرجل الذي يعيب على أهل بيتي وأهلي وأخي ووزيري وخليفتي من بعدي وولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي ، أن يقوم ويسألني عن أبيه ، وأين هو في جنة أم في نار ؟ !

٢٩٣
 &

قال فعند ذلك خشي فلان على نفسه أن يذكره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ويفضحه بين الناس فقام وقال : نعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله ، ونعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله ، أعف عنا عفى الله عنك ، أقلنا أقالك الله ، أسترنا سترك الله ، إصفح عنا جعلنا الله فداك . فاستحى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وسكت ، فإنه كان من أهل الحلم وأهل الكرم وأهل العفو ثم نزل صلى‌الله‌عليه‌وآله ! !

ـ وقال فرات الكوفي في تفسيره ص ٣٩٢

حدثنا عبد السلام بن مالك قال : حدثنا محمد بن موسى بن أحمد قال : حدثنا محمد بن الحارث الهاشمي قال : حدثنا الحكم بن سنان الباهلي ، عن ابن جريج ، عن عطاء بن أبي رباح قال : قلت لفاطمة بنت الحسين : أخبريني جعلت فداك بحديث أحدث واحتج به على الناس . قالت : نعم أخبرني أبي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان نازلاً بالمدينة ، وأن من أتاه من المهاجرين مرسوا أن يفرضوا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فريضة يستعين بها على من أتاه ، فأتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقالوا : قد رأينا ما ينوبك من النوائب ، وإنا أتيناك لتفرض فريضة تستعين بها على من أتاك .

قال : فأطرق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله طويلاً ، ثم رفع رأسه فقال : إني لم أؤمر أن آخذ منكم على ما جئتم به شيئاً ، إنطلقوا فإني لم أؤمر بشيء ، وإن أمرت به أعلمتكم .

قال : فنزل جبرئيل عليه‌السلام فقال : يا محمد إن ربك قد سمع مقالة قومك ، وما عرضوا عليك ، وقد أنزل الله عليهم فريضة : قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ .

قال فخرجوا وهم يقولون : ما أراد رسول الله إلا أن تذل الأشياء وتخضع الرقاب ما دامت السماوات والأرض لبني عبد المطلب ! !

قال : فبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى علي بن أبي طالب أن أصعد المنبر وادع الناس إليك ثم قل : أيها الناس من انتقص أجيراً أجره فليتبوأ مقعده من النار ، ومن ادعى إلى غير موإليه فليتبوأ مقعده من النار ، ومن انتفى من والديه فليتبوأ مقعده من النار ! !

٢٩٤
 &

قال : فقام رجل وقال : يا أبا الحسن ما لهن من تأويل ؟ فقال : الله ورسوله أعلم . فأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبره ، فقال رسول الله : ويلٌ لقريشٍ من تأويلهن ! ثلاث مرات . ثم قال : يا علي إنطلق فأخبرهم أني أنا الأجير الذي أثبت الله مودته من السماء ، ثم أنا وأنت مولى المؤمنين ، وأنا وأنت أبوا المؤمنين .

ثم خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا معشر قريش والمهاجرين والأنصار . فلما اجتمعوا قال : يا أيها الناس ، إن علياً أولكم إيماناً بالله وأقومكم بأمر الله ، وأوفاكم بعهد الله ، وأعلمكم بالقضية ، وأقسمكم بالسوية ، وأرحمكم بالرعية ، وأفضلكم عند الله مزية . ثم قال : إن الله مثَّل لي أمتي في الطين ، وعلمني أسماءهم كما علَّم آدم الأسماء كلها ، ثم عرضهم فمر بي أصحاب الرايات فاستغفرت لعلي وشيعته ، وسألت ربي أن تستقيم أمتي على علي من بعدي ، فأبى إلا أن يضل من يشاء ويهدي من يشاء . انتهى .

ـ وقال محمد بن سليمان في المناقب ج ٢ ص ١٢٢

عن عبد المطلب بن أبي ربيعة قال : قال العباس : يا رسول الله إن قريشاً إذا لقي بعضهم بعضاً لقوا ببشر حسن ، وإذا لقونا لقونا بوجوه ننكرها ! فغضب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غضباً شديداً ، ثم قال : والذي نفسي بيده لا يدخل قلب عبد الإيمان حتى يحبكم لله ورسوله . هكذا قال خالد قال أبو خليفة ، فأما أبي فحدثناه عن يزيد بن هارون ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن عبد الله بن الحارث ، عن العباس بن عبد المطلب رضي‌الله‌عنه قال : قلت : يا رسول الله . . فذكر نحوه أو مثله .

وقال في هامشه :

وروى أبو بكر ابن أبي شيبة في الحديث الأول والثالث من فضائل العباس من كتاب الفضائل تحت الرقم : ١٢٢٥٩ والرقم : ١٢٢٦١ من كتاب المصنف : ج ١٢ ص ١٠٨ ـ ١٠٩ قال : حدثنا ابن فضيل ، عن يزيد ، عن عبد الله بن الحارث قال : حدثني عبد المطلب

٢٩٥
 &

بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب أن العباس دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مغضب ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أغضبك ؟ قال : يا رسول الله ما لنا ولقريش إذا تلاقوا بينهم تلاقوا بوجوه مبشرة وإذا لقونا لقونا بغير ذلك ؟ ! قال : فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمر وجهه ، وحتى استدر عرق بين عينيه ، وكان إذا غضب استدر العرق ـ فلما سرى عنه قال : والذي نفس محمد بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله . ثم قال : أيها الناس من آذى العباس فقد آذاني إنما عم الرجل صنو أبيه .

حدثنا ابن نمير عن سفيان عن أبيه عن أبي الضحى مسلم بن صبيح قال : قال العباس : يا رسول الله إنا لنرى الضغائن في وجوه قوم من وقائع أوقعتها فيهم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لن يصيبوا خيراً حتى يحبوكم لله ولقرابتي ، ترجو سلهب شفاعتي ولا يرجوها بنو عبد المطلب ؟ !

أقول : والحديث الأول رواه الحاكم في فضائل العباس من كتاب المستدرك ج ٣ ص ٣٣٢ قال : أخبرنا الشيخ أبو بكر بن إسحاق أخبرنا إسماعيل بن قتيبة حدثنا يحيى بن يحيى وإسحاق بن إبراهيم وأبو بكر بن أبي شيبة قالوا : . . .

وأيضاً الأولان رواهما أحمد بن حنبل في مسند عبد المطلب بن ربيعة من كتاب المسند ، ورواه عنه ابن كثير في تفسير آية المودة من سورة الشورى من تفسيره .

وقد روى الحافظ ابن عساكر معنى الحديث بوجوه وأسانيد في ترجمة العباس من تاريخ دمشق ، كما أورده أيضاً البدران في تهذيبه : ج ٧ ص ٢٣٩ فراجعهما .

وروى عمر بن شبه في عنوان : ذكر فضل بني هاشم . . . من تاريخ المدينة المنورة : ج ٢ ص ٦٣٩ قال : حدثنا يزيد بن هارون قال : حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث عن العباس بن عبد المطلب قال : قلت : يا رسول الله إن قريشاً إذا لقي بعضها بعضاً لقوا ببشر حسن وإذا لقونا لقونا بوجوه لا نعرفها ! فغضب النبي غضباً شديداً فقال : والذي نفس محمد بيده لا يدخل قلب عبد الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله

٢٩٦
 &

حدثنا خلف بن الوليد قال : حدثنا جرير عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث عن المطلب بن ربيعه بنحوه .

حدثنا عمرو بن عون قال : أنبأنا بن عبد الله عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث عن المطلب بن ربيعة قال : كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليه العباس وهو مغضب فقال : يا نبي الله ما بال قريش إذا تلاقوا بينها فتلاقوا بوجوه مبشره وإذا لقونا لقونا بغير ذلك ! قال : فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حتى احمرَّ وجهه وقال : لا يدخل قلب رجال الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله .

وحدثنا عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي قال : حدثني أبي عن أبيه عن جده قال : قال العباس : يا رسول الله إن قريشاً تتلاقى بينهما بوجوه لا تلقانا بها ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما إن الإيمان لا يدخل أجوافهم حتى يحبوكم لي .

حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا سفيان عن أبيه عن أبي الضحى : عن ابن عباس قال : جاء العباس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنك تركت فينا ضغائن منذ صنعت الذي صنعت ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لن يبلغوا الخير ـ أو قال الإيمان ـ حتى يحبوكم لله لقرابتي ، أيرجو سؤلهم شفاعتي من مراد ولا يرجو بنو عبد المطلب شفاعتي . انتهى .

*       *

٢٩٧
 &

وسعوا شفاعة النبي لليهود والنصارى ولم يسمحوا أن تشمل أسرته ! !

شفاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله تتسع لكل المسلمين . . بل لكل الموحدين . . بل لكل الخلق . . هذا ما تقوله مصادر إخواننا السنيين . . ولكن هذه المصادر عندما تصل إلى آباء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأسرته تختلف لهجتها ! فالشفاعة لا تشملهم ، بل هم في النار والعذاب . . وأحسنهم حالاً أبو طالب الذي ( يشفع ) له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لأنه نصره ، فلا تؤثر شفاعته فيه بسبب شرك أبي طالب وكثرة ذنوبه ! فيضعه الله تعالى في ضحضاح ماء ناري يغمر قدميه فيغلي منه دماغه ! !

وفيما يلي نستعرض ما رواه السيوطي في تفسير قوله تعالى : وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ، ولك أن تلاحظ التأثيرات القرشية على هذه الروايات .

وينبغي أولاً أن نشير إلى أن مرحلة ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) هي المرحلة الأولى من دعوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهي مرحلة الدعوة الخاصة لأقاربه بني هاشم ، وقد استمرت هذه المرحلة عدة سنين ، ثم بدأت عدها المرحلة العامة ، عندما أمره الله تعالى بأن يصدع بدعوته لعامة الناس . .

ولكن المؤرخين أتباع الخلافة القرشية يعتِّمون على هذه المرحلة ، أو يسمونها المرحلة السرية ، أو مرحلة ما قبل دار الأرقم . . الخ . وقد أعطوا لدار الأرقم دوراً خيالياً لطمس حقيقة أن الدعوة الإلۤهية اختصت في مرحلتها الأولى ببني هاشم ، وأنهم وحدهم حموا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من فراعنة قريش ، وقد فعل ذلك مسلمهم إيماناً ، وكافرهم حميةً ، وتحملوا جميعاً ما عدا أبي لهب قرار المقاطعة والحصار القرشي ثلاث سنوات بل أربع سنوات . . حتى فك الله حصارهم بمعجزة ! !

ـ قال السيوطي في الدر المنثور ج ٥ ص ٩٥

قوله تعالى : وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ .

أخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان وفي الدلائل عن أبي

٢٩٨
 &

هريرة رضي‌الله‌عنه قال لما نزلت هذه الآية : وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً وعم وخص ، فقال :

يا معشر قريش أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً .

يا معشر بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار ، فإني لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً .

يا معشر بني قصي أنقذوا أنفسكم من النار ، فإني لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً .

يا معشر بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار ، فإني لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً .

يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار ، فإني لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً .

يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار ، فإني لا أملك لك ضراً ولا نفعاً ، إلا أن لكم رحماً وسأبلها ببلالها .

ـ وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لما نزلت وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ، جعل يدعوهم قبائل قبائل . انتهى .

ففي هذه الرواية ( الصحيحة ) في مصادرهم صار معنى ( عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) كل قريش ! وصار تعبير ( الْأَقْرَبِينَ ) غلطاً قرآنياً يلزم على قريش أن تصححه ! لأنه لم يبق معنى لعشيرته الأبعدين والأوسطين !

وصار أول ما قاله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لهم : إن قرابتي لا تنفعكم وشفاعتي لا تنالكم ! وصار كل القرشيين أرحام النبي الذين وعدهم بصلة الرحم والشفاعة يوم القيامة !

ولكن هذا الكلام يناسب منطق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد انتصاره وفتحه مكة مثلاً ، ولا يناسب بداية نبوته ودعوته عشيرته الأقربين للتوحيد والإسلام ! وقد ورد شبيهٌ لذلك عند فتح مكة .

غير أن القرشيين يريدون سلب أي امتياز أعطاه الله ورسوله لبني هاشم ، فالإمتيازات لقريش كلها ، لا لبني هاشم ! وفي نفس الوقت يريدون خلط أنفسهم بعشيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والإستفادة من قرابته أمام العالم !

وقد استفادوا منه فعلاً في مقابل الأنصار في السقيفة ، وقامت خلافة أبي بكر

٢٩٩
 &

وعمر على حق ( قرابتهما ) من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ! بل تجرأ رواة القرشيين ووضعوا على لسان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن عشيرته الأقربين هم كل قريش !

ـ قال في الدر المنثور ج ٥ ص ٩٦

وأخرج ابن مردويه عن عدي بن حاتم أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر قريشاً فقال : وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ، يعني قومي !

ـ وفي مسند أحمد ج ٢ ص ٣٣٣

عن أبي هريرة قال : لما نزلت : وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ، جعل يدعو بطون قريش بطناً بطناً يا بني فلان أنقذوا أنفسكم من النار . . ، حتى انتهى إلى فاطمة فقال : يا فاطمة ابنة محمد ، أنقذي نفسك من النار ، لا أملك لكم من الله شيئاً ، غير أن لكم رحماً سأبلها ببلالها .

ولكن روايات أخرى فلتت منهم واعترفت بأن عشيرته الأقربين تعني بني هاشم فقط !

ـ قال في الدر المنثور ج ٥ ص ٩٨ : قوله تعالى : وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ . . الآيتين ، أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال لما نزلت : وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ، بدأ بأهل بيته وفصيلته ، فشق ذلك على المسلمين فأنزل الله : وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ . انتهى .

فالرواية تعترف بأن عشيرته الأقربين هم أهل بيته وفصيلته ، لكنها تجعل الآية التي بعدها لبقية المسلمين ! ولكن من هم المسلمون الذين شق عليهم ذلك ! وهل كان يوجد مسلم من غير بني هاشم عند نزول الآية ؟ !

لقد كان الأولى بالرواية أن تقول : شقَّ ذلك على قريش قبل إسلامها ، وبعد أن اضطرت للدخول في الإسلام ، فجعلت خلافة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إرثاً لها دون بني هاشم !

روايات أخرى غير منطقية أيضاً

من عادة المفسرين عندما يصلون إلى آية في حق أهل البيت عليهم‌السلام أن يحشدوا

٣٠٠