العقائد الإسلاميّة - ج ٣

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية

العقائد الإسلاميّة - ج ٣

المؤلف:

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-120-6
ISBN الدورة:
964-319-117-6

الصفحات: ٤٩٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

ـ وقال في ج ٣ ص ١٧

وشفاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إنما هي في إسقاط عقاب العاصي لا في زيادة المنافع ، لأن حقيقة الشفاعة تختص بذلك ، من جهة أنها لو اشتركت لكنا شافعين في النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا سألنا في زيادة درجاته ومنازله . انتهى .

ـ وقال في ج ٢ ص ٢٧٣

الشفاعة : طلب رفع المضار عن الغير ممن هو أعلى رتبة منه ، لأجل طلبه .

ـ وقال أبو الصلاح الحلبي في الكافي ص ٤٦٩

وقلنا : إن الشفاعة وجهٌ عندنا لإجماع الأمة على ثبوتها له صلى‌الله‌عليه‌وآله ومضى إلى زمان حدوث المعتزلة على الفتوى بتخصيصها بإسقاط العقاب ، فيجب الحكم بكونها حقيقة في ذلك ، لانعقاد الإجماع في الأزمان السابقة لحدوث هذه الفرقة .

ـ تفسير التبيان ج ٥ ص ٣٣٤

قوله تعالى : إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ، ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ . . .

وقوله : وما من شفيع إلا من بعد إذنه ، فالشفيع هو السائل في غيره لإسقاط الضرر عنه . وعند قوم أنه متى سأله في زيادة منفعة توصل إليه كان شفيعاً . والذي اقتضى ذكره هاهنا صفات التعظيم مع اليأس من الإتكال في دفع الحق على الشفيع .

والمعنى هاهنا أن تدبيره للأشياء وصنعته لها ، ليس يكون منه بشفاعة شفيع ، ولا تدبير مدبر لها سواه ، وأنه لا يجسر أحدٌ أن يشفع اليه إلا بعد أن يأذن له فيه ، من حيث كان تعالى أعلم بموضع الحكمة والصواب من خلقه بمصالحهم . . .

وإنما ذكر الشفيع في الآية ولم يجر له ذكر ، لأن المخاطبين بذلك كانوا يقولون الأصنام شفعاؤهم عند الله ، وذكر بعدها : ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا

٢١
 &

ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ، وإذا كانت الأصنام لا تعقل فكيف تكون شافعة ! مع أنه لا يشفع عنده إلا من ارتضاه الله .

ـ كنز الدقائق ج ١ ص ٢٣٨

واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون . واستدلت المعتزلة بهذه الآية على نفي الشفاعة لأهل الكبائر .

قال البيضاوي : وأجيب بأنها مخصوصة بالكفار للآيات والأحاديث الواردة في الشفاعة ، قال : ويؤيده أن الخطاب معهم ، والآية نزلت رداً لما كانت اليهود تزعم أن آباءهم تشفع لهم .

أقول : الآية يحتمل أن تكون مخصصة للآيات والأحاديث الواردة في الشفاعة الدالة على عمومها ، كما أن كون الخطاب معهم يحتمل أن يكون مؤيداً للتخصيص بالكفار ، فلا يتم الإستدلال من الجانبين ، فتأمل .

ـ مجمع البحرين ج ٢ ص ٥٢٢

قال تعالى : مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا ، قيل معناه من يصلح بين اثنين يكن له جزء منها . ومن يشفع شفاعة سيئة ، أي يمشي بالنميمة مثلاً ، يكن له كفل منها أي إثم منها .

وقيل المراد بالشفاعة الحسنة الدعاء للمؤمنين ، وبالشفاعة السيئة الدعاء عليهم .

قوله : ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ، دينه ، وهو مروي عن الرضا عليه‌السلام وعن بعض المفسرين ولا يشفعون إلا لمن ارتضى دينه من أهل الكبائر والصغائر ، فأما التائبون من الذنوب فغير محتاجين إلى الشفاعة . قال الصدوق : المؤمن من تسره حسنته وتسوءه سيئته لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن ، ومتى ساءته سيئته ندم عليها والندم توبة ، والتائب مستحق الشفاعة والغفران . ومن لم تسوؤه سيئته فليس بمؤمنٍ ومن لم يكن مؤمناً لم يستحق الشفاعة ، لأن الله تعالى غير مرتضٍ دينه .

٢٢
 &

قوله : فما تنفعهم شفاعة الشافعين قيل في معناه لا شافع ولا شفاعة ، فالنفي راجع إلى الموصوف والصفة ، كقوله لا يسألون الناس إلحافاً .

وفي الحديث تكرر ذكر الشفاعة فيما يتعلق بأمور الدنيا والآخرة ، وهي السؤال في التجاوز عن الذنوب والجرائم ، ومنه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أعطيت الشفاعة .

قال الشيخ أبو علي : واختلفت الأمة في كيفية شفاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم القيامة فقالت المعتزلة ومن تابعهم : يشفع لأهل الجنة ليزيد في درجاتهم . وقال غيرهم من فرق الأمة : بل يشفع لمذنبي أمته ممن ارتضى الله دينهم ، ليسقط عقابهم بشفاعته .

وفي حديث الصلاة على الميت : وإن كان المستضعف بسبيل منك فاستغفر له على وجه الولاية . وفي الخبر : إشفع تشفع ، أي تقبل شفاعتك ، وفيه : أنت أول شافع وأول مشفع ، هو بفتح الفاء ، أي أنت أول من يشفع وأول من تقبل شفاعته . وفي الحديث : لا تشفع في حق امرىء مسلم إلا بإذنه . وفيه : يشفعون الملائكة لإجابة دعاء من يسعى في المسعى كأنهم يقولون : اللهم استجب دعاء هذا العبد .

ـ تفسير الرازي ج ٢ جزء ٣ ص ٥٥

أجمعت الأمة على أن لمحمد ( ص ) شفاعة في الآخرة ، وحمل على ذلك قوله تعالى : عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا ، وقوله تعالى : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ . . . ثم اختلفوا بعد هذا في أن شفاعته عليه‌السلام لمن تكون ؟ أتكون للمؤمنين المستحقين للثواب ، أم تكون لأهل الكبائر المستحقين للعقاب ؟ فذهب المعتزلة إلى أنها للمستحقين للثواب . . . وقال أصحابنا تأثيرها في إسقاط العذاب عن المستحقين للعقاب .

*       *

٢٣
 &

العقائد الإسلاميّة الجزء الثالث ـ مركز المصطفى للدراسات الإسلاميّة

٢٤
 &

الفصل الثاني تحريف اليهود والنصارى للشفاعة

أولاً : مقولاتهم في الشفاعة من مصادرهم

عراقة عقيدة الشفاعة

ـ قاموس الكتاب المقدس ص ٥١٣

شفع ـ شفيع ـ شفاعة : وهي التوسط بين شخص وآخر . وهي دليل محبة الإنسان لأخيه الإنسان . كما أنها مؤسسة على أن معاملة الله للبشر معاملة ليست فردية فحسب بل جماعية أيضاً .

والصلاة الشفاعية قديمة قدم نوح ( تك ٨ : ٢٠ و ٢٢ ) وإبراهيم ( تك ١٧ : ١٨ و ٢٣ ـ ٣٣ ) وموسى ( خر ١٥ : ٢٥ ) .

وخليفة موسى الذي رفع صلواته كقاضي وكاهن ونبي هو صموئيل ( ١ صم ٧ : ٥

٢٥
 &

و ٨ ) وحياة المسيح كانت مليئة بالصلوات الشفاعية . بل إن الصلاة الربانية تحمل روح الشفاعة في طلب الملكوت ومغفرة ذنوب الآخرين .

والصلاة الشفاعية يرفعها الإنسان لأجل صديق أو لأجل عدو ( مت ٥ : ٤٤ ) أما الروح القدس فهو يشفع فينا ( رو ٨ : ٢٦ ) أما المسيح في حياته الشخصية وموته على الصليب فهو شفيعنا الذي ساقته شفاعته للموت على الصليب كفارة لخطايا البشرية . أنظر ( وسيط ) .

ـ قاموس الكتاب المقدس ص ٩٣٣

وكان موسى وسيطاً بين الله وشعب بني إسرائيل وهكذا المسيح هو وسيط بين الله والناس .

ـ العهد القديم والجديد ج ٣ ص ٣٠٧

١٨ ـ لأنه إن كانت الوراثة من الناموس فلم تكن أيضاً من موعد . ولكن الله وهبها لإبراهيم بموعد .

١٩ ـ فلماذا الناموس . قد زيد بسبب التعديات إلى أن يأتي النسل الذي قد وعد له مرتباً بملائكة في يد وسيط .

٢٠ ـ وأما الوسيط فلا يكون لواحد ولكن الله واحد .

شفاعة ابراهيم للمؤمنين ولإسماعيل ولوط

ـ قاموس الكتاب المقدس ص ١١

ثم أعلن الرب لإبراهيم خراب سدوم وعمورة بسبب شرهما فتشفع إبراهيم لأجل الأبرار هناك فأنقذ الرب لوطاً بيد ملاكين ( تك ص ١٨ و ١٩ ) . . . وحيثما سكن إبراهيم كان يقيم مذبحاً للرب ويدعو باسمه ( تك ١٢ : ٧ و ٨ ) وقد قدم صلوات تشفعية لأجل الآخرين ففي تك ١٧ : ٢٠ صلى لأجل إسماعيل وفي تك ١٨ : ٢٣ ـ ٣٢ تشفع لأَجل لوط .

٢٦
 &

شفاعة زكريا لبني إسرائيل

ـ قاموس الكتاب المقدس ص ٤٤١

كما ظهر لزكريا بروح النبوة واقفاً على هذا الجبل شافعاً في شعبه ( زك ١٤ : ٤ )

البشارة بالشفيع الذي سيأتي ( البراقليطس )

ـ قاموس الكتاب المقدس ص ٦٢٧

معز : ( يو ١٤ : ١٦ و ١٥ : ٢٦ و ١٦ : ٧ ) وهو الروح القدس . ولم ترد إلا في إنجيل يوحنا . والكلمة الأصلية اليونانية ( پراكليتيس ) وتعني ( معز ومعين وشفيع ومحام ) وتشير إلى عمل الروح القدس لأجلنا .

توسيع بولس للشفاعة وحصرها بالمسيح

ـ قاموس الكتاب المقدس ص ١٢٤

ومع أن بني الإنسان قد فقدوا الصورة الإلۤهية التي خلقوا عليها ، ومع أنهم وقعوا تحت طائلة العقاب الإلۤهي الرهيب ، إلا أنهم بسبب عمل الفداء أهل لأن ينالوا غفران خطاياهم غفراناً تاماً كاملاً إذا آمنوا بالرب يسوع المسيح ( الشفيع الوحيد بين الله والناس ) وندموا على خطاياهم ندامة صحيحة حقيقية ، وأصبحوا أهلاً للتحرر من عبودية الخطيئة ورقها والإنتقال إلى حرية أبناء الله بالنعمة المجانية .

ـ قاموس الكتاب المقدس ص ٧٩٥

وقد وصف يسوع بأنه رئيس كهنة المؤمنين العظيم الذي نضح قدس الأقداس السماوي بدمه ، والذي جلس عن يمين الآب هناك حيث هو الآن يشفع فيهم ( عب ٤ : ١٤ و ٧ : ٢٥ و ٩ : ١٢ ) الخ .

ـ قاموس الكتاب المقدس ص ٨٦٩

وأعلن لهم أن يهوذا الذي كان واحداً منهم سيسلمه ( مر ١٤ : ١٨ ـ ٢١ ويو ١٣ : ٢١ ـ ٣٠ ) ورسم لهم فريضة العشاء الرباني ( مت ٢٦ : ٢٦ ـ ٢٩ وما يليه ) ثم قدم صلاته

٢٧
 &

الشفاعية العظمى من أجل أتباعه ( يو ١٧ : ١ ـ ٢٦ . من ثم قدم نفسه نهائياً للأب وسلم إرادته تسليماً كلياً له في بستان جثسيماني ( مت ٢٦ : ٣٩ ـ ٤٦ غيره ) .

ـ قاموس الكتاب المقدس ص ٨٨٩

وسيط ١ تي ٢ : ٥ وسيط العهد الجديد عب ١٢ : ٢٤

ـ قاموس الكتاب المقدس ص ٩٠٤

وكذلك يذكر فيلو ( ملكي صادق ) كرمز ومجاز للعقل الصائب الخير ، بينما يذكره كاتب الرسالة إلى العبرانيين رمزاً للمسيح الفادي والوسيط الأعظم .

ـ العهد القديم والجديد ج ٢ ص ٥٧

لأن معاصينا كثرت أمامك وخطايانا تشهد علينا لأن معاصينا معنا وآثامنا نعرفها .

١٣ ـ تعدينا وكذبنا على الرب وحدنا من وراء إلۤهنا . تكلمنا بالظلم والمعصية ، حبلنا ولهجنا من القلب بكلام الكذب .

١٤ ـ وقد ارتد الحق إلى الوراء والعدل يقف بعيداً . لأن الصدق سقط في الشارع والإستقامة لا تستطيع الدخول .

١٥ ـ وصار الصدق معدوماً والحائد عن الشر يسلب ، فرأى الرب وساء .

١٦ ـ فرأى أنه ليس إنسان وتحير من أنه ليس شفيع . . .

٣٤ ـ من هو الذي يدين . المسيح هو الذي مات بل بالحري قام أيضاً الذي هو أيضاً عن يمين الله الذي أيضاً يشفع فينا .

ـ العهد القديم والجديد ج ٣ ص ٣٣٩

٥ ـ لأنه يوجد إلۤه واحد ووسيط واحد بين الله والناس : الإنسان يسوع المسيح .

٦ ـ الذي بذل نفسه فدية لأجل الجميع ، الشهادة في أوقاتها الخاصة .

٧ ـ التي جعلت أنا لها كارزاً ورسولاً . الحق أقول في المسيح ولا أكذب . معلماً للأمم في الإيمان والحق .

٨ ـ فأريد أن يصلي الرجال في كل مكان رافعين أيادي طاهرة بدون غضب ولا جدال

٢٨
 &

ـ العهد القديم والجديد ج ٣ ص ٢٥٦

٢٦ ـ وكذلك الروح أيضاً يعين ضعفاءنا ، لأننا لسنا نعلم ما نصلي لأجله كما ينبغي ولكن الروح نفسه يشفع فينا بأنات لا ينطق بها .

٢٧ ـ ولكن الذي يفحص القلوب يعلم ما هو اهتمام الروح ، لأنه بحسب مشيئة الله يشفع في القديسين .

ـ العهد القديم والجديد ج ٣ ص ٣٥٨

٢٥ ـ فمن ثم يقدر أن يخلص أيضاً إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله ، إذ هو حي في كل حين ليشفع فيهم .

٢٦ ـ لأنه كان يليق بنا رئيس كهنة مثل هذا قدوس بلا شر ولا دنس ، قد انفصل عن الخطاة وصار أعلى من السموات .

٢٧ ـ الذي ليس له اضطرار كل يوم مثل رؤساء الكهنة أن يقدم ذبائح أولاً عن خطايا نفسه ثم عن خطايا الشعب ، لأنه فعل هذا مرة واحدة إذ قدم نفسه .

ـ العهد القديم والجديد ج ٣ ص ٣٦١

١١ ـ وأما المسيح وهو قد جاء رئيس كهنة للخيرات العتيدة ، فبالمسكن الأعظم والأكمل غير المصنوع بيد أي الذين ليس من هذه الخليقة .

١٢ ـ وليس بدم تيوس وعجول ، بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس ، فوجد فداء أبدياً .

ـ العهد القديم والجديد ج ٣ ص ٣٦٢

ولأجل هذا هو وسيط عهد جديد ، لكي يكون المدعوون إذ صار موت لفداء التعديات التي في العهد الأول ، ينالون وعد الميراث الأبدي .

ـ العهد القديم والجديد ج ٣ ص ٣٦٧

٢٢ ـ بل قد أتيتم إلى جبل صهيون ، وإلى مدينة الله الحي أورشليم السماوية ، وإلى ربوات هم محفل ملائكة .

٢٩
 &

٢٣ ـ وكنيسة أبكار مكتوبين في السموات ، وإلى الله ديان الجميع ، وإلى أرواح أبرار مكملين .

٢٤ ـ وإلى وسيط العهد الجديد يسوع ، وإلى دم رش يتكلم أفضل من هابيل .

٢٥ ـ انظروا أن لا تستعفوا من المتكلم . لأنه إن كان أولئك لم ينجوا إذ استعفوا من المتكلم على الأرض ، فبالأولى جداً لا ننجو نحن المرتدين عن الذي من السماء .

ـ العهد القديم والجديد ج ٣ ص ٣٨٦

١ ـ يا أولادي أكتب إليكم هذا لكي لا تخطئوا ، وإن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار .

٢ ـ وهو كفارة لخطايانا . ليس لخطايانا فقط ، بل لخطايا كل العالم أيضاً .

٣ ـ وبهذا نعرف أننا قد عرفناه إن حفظنا وصاياه .

*       *

نفهم من هذه النصوص ملامح حقائق عديدة أهمها :

أولاً : أن أصل شفاعة الأنبياء والأوصياء وخيار المؤمنين للخاطئين ، هي عندهم كما عندنا ، أمرٌ ثابتٌ في الرسالات الإلۤهية من عهد إبراهيم ، بل من عهد نوح عليهما‌السلام .

ثانياً : أنها أخذت في اليهود شكل شفاعة رؤساء الكهنة ومسؤولي القرابين في المعابد ، ثم وصلت إلى ادعاء اليهود أنهم أبناء الله وأحباؤه ، وأنهم شعب الله المختار ، وأنهم لا تمسهم النار إلا أياماً معدودة . . فلا يحتاجون إلى شفاعة !

ثالثاً : أن ( عقيدة الفداء المسيحية ) التي تدعي أن المسيح عليه‌السلام قد شفع في خطايا كل البشر بتحمله الصلب والقتل . . هي توسيع لعقيدة الشفاعة اليهودية ، وقد اخترعها بولس الذي نصَّرَ النصارى ، وعممها لغير القومية اليهودية .

ـ قال الدكتور أحمد شلبي في كتابه مقارنة بين الأديان ج ٢ ص ٢٤٥ تحت عنوان : الله في التفكير المسيحي :

٣٠
 &

ومن أجل هذا كان نقل المسيحية من الوحدانية إلى التثليث ونقل عيسى من رسول إلى إلۤه ، والقول بأن المسيحية رسالة عامة ، والقول بأن عيسى ابن الله نزل ليضحي بنفسه للتكفير عن خطيئة البشر ، وأنه عاد مرة أخرى إلى السماء ليجلس على يمين أبيه ، كان هذا كله عملاً جديداً على المسيحية التي جاء بها عيسى .

كيف انتقلت المسيحية من حال إلى حال ومن الذي قام بذلك ومتى ؟

هذا ما سنحاول إبرازه فيما يلي :

ترتبط هذه الأمور بشخصية مهمة في المسيحية هي شخصية شاؤول ( بولس ) ولذلك يرى الباحثون الغربيون أن المسيحية الحالية بهذه العناصر الجديدة من صنع هذا الرجل . . . !

وبولس كما يقول عن نفسه ( يهودي فريسي ابن فريسي على رجاء قيامة الأموات ـ أعمال الرسل ٢٣ : ٦ ) وكان عدواً للمسيحيين وهو في ذلك يقول ( سمعتم بسيرتي قبلاً في الديانة اليهودية ، إني كنت أضطهد كنيسة الله بإفراط وأتلفها ، وكنت أتقدم في الديانة اليهودية على كثيرين من أترابي في جنسي ، إذ كنت أوفر غيرة في تقليدات آبائي ( غلاطية ١ : ١٣ ـ ١٤ ) .

ويبدو أنه كان من وسائل بولس لتدمير المسيحية أن يحطم معتقداتها واتجاهاتها المقدسة ، ووضع لذلك طريقة تكفل له الوقوف في وجه معارضيه عندما يظهر بأفكاره الجديدة ، فادعى شاؤول أن السيد المسيح ـ بعد نهايته على الأرض ـ ظهر له وصاح فيه وهو في طريقه إلى دمشق : لماذا تضطهدني ، فخاف شاؤول وصرخ : من أنت يا سيد ؟ قال : أنا يسوع الذي تضطهده ! قال شاؤول : ماذا تريد أن أفعل ؟ قال يسوع : قم وكرز بالمسيحية ! !

ويقول لوقا في ختام هذه القصة جملة ذات بال غيرت وجه التاريخ هي :

وللوقت جعل يكرز في المجامع بالمسيح أنه ابن الله ( أعمال ٩ : ٣ ـ ٣٠ ) انتهى .

٣١
 &

رابعاً : أن الإتجاه العام عند محرفي الأديان بعد أنبيائهم هو تسهيل أمر المغفرة الإلۤهية ودخول الجنة لأتباعهم ، والإفراط في ذلك الى حد إلغاء قانون العقوبة الإلۤهية ، وفي المقابل التشدد مع خصومهم ومخالفيهم من التابعين لنفس الدين ، والحكم عليهم بأنهم من أهل النار !

خامساً : بما أنه ثبت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بأحاديث صحيحة عند الجميع ، أن الأمة الإسلامية سوف تتبع سنن اليهود والنصارى في انحرافها عن الإسلام وتحريفها له ، وفي صراعاتها الداخلية . . فإن على الباحث أن يكون حذراً متثبتاً في أحاديث الصحابة في الشفاعة ، لكي يميز بين الثابت منها بنصوص متفق عليها عند جميع المسلمين ، وبين الذي يتبناه صحابي نافذ ، أو فئة حاكمة ، وفي نفس الوقت يوجد في الصحابة من ينفيه أو يكذبه !

ثانياً : مقولاتهم في الشفاعة من مصادرنا

قال الله تعالى : وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ، قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم ، بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ ، يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ . يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَىٰ فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِير . المائدة ١٨ ـ ١٩

ـ تفسير التبيان ج ٣ ص ٤٧٧

وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه . . . روي عن ابن عباس أن جماعة من اليهود قالوا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حين حذرهم بنقمات الله وعقوباته فقالوا : لا تخوفنا فإنا أبناء الله وأحباؤه .

وقال السدي : إن اليهود تزعم أن الله عز وجل أوحى إلى بني اسرائيل أن ولدك بكر من الولد . وقال الحسن : إنما قالوا ذلك على معنى قرب الولد من الوالد .

٣٢
 &

وأما قول النصارى فقيل فيه : إنهم تأولوا ما في الإنجيل من قول عيسى أذهب إلى أبي وأبيكم . وقال قوم : لما قالوا المسيح ابن الله أجرى ذلك على جميعهم كما يقولون : هذيل شعراء ، أي منهم شعراء . . .

وقوله : وأحباؤه ، جمع حبيب فقال الله لنبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله : قل لهؤلاء المفترين على ربهم : فلم يعذبكم بذنوبكم ؟ فلأي شيء يعذبكم بذنوبكم إن كان الأمر على ما زعمتم ، فإن الأب يشفق على ولده والحبيب على حبيبه .

واليهود تقرُّ أنهم يعذبون أربعين يوماً ، وهي عدد الأيام التي عبدوا فيها العجل !

وقوله : بل أنتم بشر ، معناه قل لهم ليس الأمر على ما زعمتم أنكم أبناء الله وأحباؤه ، بل أنتم بشر ممن خلق من بني آدم ، إن أحسنتم جوزيتم على إحسانكم مثلهم ، وإن أسأتم جوزيتم على إساءتكم ، كما يجازى غيركم ، وليس لكم عند الله إلا ما لغيركم من خلقه .

ـ تفسير التبيان ج ١ ص ٤٨٦

أتحاجوننا في الله . . . وكانت محاجتهم له صلى‌الله‌عليه‌وآله أنهم زعموا أنهم أولى بالحق لأنهم راسخون في العلم وفي الدين ، لتقدم النبوة فيهم والكتاب ، فهم أولى بأن يكون الرسول منهم .

وقال قوم : بل قالوا نحن أحق بالإيمان ، لأنا لسنا من العرب الذين عبدوا الأوثان .

وقال الحسن : كانت محاجتهم أن قالوا نحن أولى بالله منكم ، وقالوا نحن أبناء الله وأحباؤه ، وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى ، وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا . وغرضهم بذلك الإحتجاج بأن الدين ينبغي أن يلتمس من جهتهم ، وأن النبوة أولى أن تكون فيهم . وليس الأمر على ما ظنوا ، لأن الله أعلم حيث يجعل رسالته ، ومن الذي يقوم بأعبائها ويتحملها على وجه يكون أصلح للخلق وأولى بتدبيرهم . وقوله : لنا أعمالنا ، معناه الإنكار لاحتجاجهم بأعمالهم ، لأنهم مشركون ونحن له مخلصون . وقيل معناه الإنكار للإحتجاج بعبادة العرب للأوثان ، فقيل : لا حجة في ذلك ، إذ لكل أحد عمله لا يؤخذ بجرم غيره .

٣٣
 &

ـ سيرة ابن هشام ج ٢ ص ٤٠٣

وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نعمان بن أضاء ، وبحرى بن عمرو ، وشاس بن عدي ، فكلموه وكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الله وحذرهم نقمته ، فقالوا : ما تخوفنا يا محمد ؟ ! نحن والله أبناء الله وأحباؤه ، كقول النصارى فأنزل الله تعالى فيهم : وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه ، قل فلم يعذبكم بذنوبكم . . . الخ . ورواه فيالدر المنثور ج ٢ ص ٢٦٩ عن ابن اسحق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل ، عن ابن عباس .

ـ الدر المنثور ج ٢ ص ١٤

عن قتادة : وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون ، حين قالوا : نحن أبناء الله وأحباؤه . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد : وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون ، قال : غرهم قولهم لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة .

ـ الدر المنثور ج ٢ ص ١٧٠

وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله : ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم ، قال : هم اليهود والنصارى ، قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه ، وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى .

وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله : ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم ، قال : نزلت في اليهود قالوا : إنا نعلم أبناءنا التوراة صغاراً فلا يكون لهم ذنوب ، وذنوبنا مثل ذنوب أبنائنا ، ما عملنا بالنهار كُفِّرَ عنا بالليل .

ـ الدر المنثور ج ٣ ص ٣٧

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : وخرقوا له بنين وبنات ، قال كذبوا له ، أما اليهود والنصارى فقالوا نحن أبناء الله وأحباؤه ، وأما مشركوا العرب فكانوا يعبدون اللات والعزى ، فيقولون : العزى بنات الله ، سبحانه وتعالى عما يصفون ، أي عما يكذبون . .

٣٤
 &

وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله : وخرقوا له بنين وبنات ، قال : وصفوا لله بنين وبنات افتراء عليه ، قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال نعم ، أما سمعت حسان بن ثابت يقول :

اخترق القول بها لاهياً

مستقبلاً أشعث عذب الكلام

ـ الدر المنثور ج ١ ص ٨٩

أخرج ابن جرير عن أبي العالية قال : قالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى ، وقالوا نحن أبناء الله وأحباؤه ، فأنزل الله : قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ، فلم يفعلوا .

وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن عباس في هذه الآية قال : قل لهم يا محمد إن كانت لكم الدار الآخرة ، يعني الجنة كما زعمتم خالصة من دون الناس ، يعني المؤمنين فتمنوا الموت إن كنتم صادقين أنها لكم خالصة من دون المؤمنين . فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن كنتم في مقالتكم صادقين قولوا : اللهم أمتنا ، فوالذي نفسي بيده لا يقولها رجل منكم إلا غص بريقه فمات مكانه ، فأبوا أن يفعلوا وكرهوا ما قال لهم ، فنزل : ولن يتمنوه أبداً بما قدمت أيديهم ، يعني عملته أيديهم والله عليم بالظالمين .

وأخرج ابن اسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : فتمنوا الموت ، أي ادعوا بالموت على أي الفريقين أكذب ، فأبوا ذلك ، ولو تمنوه يوم قال ذلك ما بقي على وجه الأرض يهودي إلا مات .

وأخرج ابن اسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ، يعني اليهود ، ومن الذين أشركوا ، وذلك أن المشرك لا يرجو بعثاً بعد الموت فهو يحب طول الحياة ، وأن اليهودي قد عرف ما له في الآخرة من الخزي بما ضيع ما عنده من العلم .

٣٥
 &

وقال الله تعالى : وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ . وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ . البقرة ٨٠ ـ ٨٢

ـ تفسير التبيان ج ١ ص ٣٢٣

قالوا لن تمسنا النار ولن ندخلها إلا أياماً معدودة ، وإنما لم يبين عددها في التنزيل لأنه تعالى أخبر عنهم بذلك وهم عارفون بعدد الأيام التي يوقتونها في النار ، فلذلك نزل تسمية عدد الأيام وسماها معدودة لما وصفنا . وقال أبو العالية وعكرمة والسدي وقتادة : هي أربعون يوماً . ورواه الضحاك عن ابن عباس . ومنهم قال : إنها عدد الأيام التي عبدوا فيها العجل .

وقال ابن عباس : إن اليهود تزعم أنهم وجدوا في التوراة مكتوباً إن ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين سنة ، وهم يقطعون مسيرة كل سنة في يوم واحد ، فإذا انقطع المسير انقطع العذاب ، وهلكت النار .

وقال مجاهد وسعيد بن جبير عن ابن عباس : إنها سبعة أيام ، لأن عمر الدنيا سبعة آلاف سنة ، وإنهم يعذبون بعدد كل ألف سنة يوماً واحداً من أيام الآخرة ، وهو كألف سنة من أيام الدنيا .

ولما قالت اليهود ما قالت من قولها : لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة على ما بيناه ، قال الله تعالى لنبيه : قل أتخذتم عند الله عهداً بما تقولون من ذلك أو ميثاقاً ، فالله لا ينقض عهده ، أم تقولون على الله ما لا تعلمون من الباطل جهلاً وجرأة عليه . . .

قوله تعالى : بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ . . . قوله بلى جواب لقوله لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة ، فرد الله عليهم بأن قال : بلى من أحاطت به خطيئته . . .

٣٦
 &

ـ كنز الدقائق ج ٢ ص ٤٧

بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة : بسبب تسهيلهم أمر العذاب . وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون ، من قولهم السابق ، أو أن آبائهم الأنبياء يشفعون لهم ، أو أنه تعالى وعد يعقوب أن لا يعذب أولاده إلا تحلة القسم ، وتكرير الكذب والإفتراء يصيره في صورة الصدق عند قائله ومفتريه .

ـ تفسير نور الثقلين ج ١ ص ٩٣

في تفسير علي بن ابراهيم قوله : وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة ، قال : قال بنو اسرائيل : لن تمسنا النار ولن نعذب إلا الأيام المعدودات التي عبدنا فيها العجل ، فرد الله عليهم قل : يا محمد لهم أتخذتم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده ، أم تقولون على الله ما لا تعلمون .

ـ سيرة ابن هشام ج ٢ ص ٣٨٠

وقالوا : لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة قل أتخذتم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون .

قال ابن إسحاق : وحدثني مولى لزيد بن ثابت عن عكرمة أو عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة واليهود تقول : إنما مدة الدنيا سبعة آلاف سنة ، وإنما يعذب الله الناس في النار بكل ألف سنة من أيام الدنيا يوماً واحداً في النار من أيام الآخرة ، وإنما هي سبعة أيام ثم ينقطع العذاب ، فأنزل الله في ذلك من قولهم : وقالوا لن تمسنا النار إلا أيام معدودة ، قل أتخذتم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون . بلى كسب سيئة وأحاطت به خطيئته ، أي من عمل بمثل أعمالكم وكفر بمثل ما كفرتم به حتى يحيط كفره بما له عند الله من حسنة ، فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ، أي خلداً أبداً . والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون . أي من آمن بما كفرتم به وعمل بما تركتم من دينه فلهم الجنة خالدين فيها ، يخبرهم أن

٣٧
 &

الثواب بالخير والشر مقيم على أهله أبداً ولا انقطاع له .

قال ابن إسحاق : ثم قال الله عز وجل يؤنبهم : وإذا أخذنا ميثاق بني إسرائيل ، أي ميثاقكم ، لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحساناً وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسناً ، وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ، ثم توليتم إلا قليلاً منكم ، وأنتم معرضون . أي تركتم ذلك كله . . .

ـ الدر المنثور ج ١ ص ٨٤

قوله تعالى : وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ الآية . أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والواحدي عن ابن عباس أن اليهود كانوا يقولون مدة الدنيا سبعة آلاف سنة . . . الخ .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة قال : اجتمعت يهود يوماً فخاصموا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات ، وسموا أربعين يوماً ثم يخلفنا فيها ناس وأشاروا إلى النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ورد يده على رؤسهم : كذبتم بل أنتم خالدون مخلدون فيها لا نخلفكم فيها إن شاء الله تعالى أبداً ، ففيهم أنزلت هذه الآية : وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة ، يعنون أربعين ليلة .

وأخرج ابن جرير عن زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لليهود : أنشدكم بالله وبالتوراة التي أنزل الله على موسى يوم طور سيناء : من أهل النار الذين أنزلهم الله في التوراة قالوا : إن ربهم غضب عليهم غضبة فنمكث في النار أربعين ليلة ثم نخرج فتخلفوننا فيها ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كذبتم والله لا نخلفكم فيها أبداً ، فنزل القرآن تصديقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم وتكذيباً لهم : وقالوا لن تمسنا النار إلى قوله هم فيها خالدون .

ـ مجمع الزوائد ج ٦ ص ٣١٤

قوله تعالى : وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَةً عن ابن عباس أن يهوداً كانوا

٣٨
 &

يقولون هذه الدنيا سبعة آلاف سنة وإنما نعذب لكل سنة يوماً في النار وإنما سبعة أيام معدودات ، فأنزل الله عز وجل : وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَةً ، إلى قوله : فِيهَا خَالِدُونَ .

*       *

وقال الله تعالى : وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ . بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ . البقرة ١١١ ـ ١١٢

ـ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ . وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ البقرة ٤٧ ـ ٤٨

ـ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ آل عمران ـ ٣١

ـ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُم بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَىٰ بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَٰؤُلَاءِ أَهْدَىٰ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا . النساء ٤٨ ـ ٥١

ـ تفسير التبيان ج ٣ ص ٢٢٠

وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى ، تلك أمانيهم . قال الزجاج : اليهود جاؤوا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بأولادهم الأطفال فقالوا : يا محمد أعلى هؤلاء ذنوب ؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا ، فقالوا : كذلك نحن ما نعمل بالليل يغفر بالنهار ، وما نعمل بالنهار يغفر بالليل ، فقال الله تعالى : بل الله يزكي من يشاء .

٣٩
 &

وقال : مجاهد وأبو مالك : كانوا يقدمونهم في الصلاة ويقولون : هؤلاء لا ذنب لهم . وقال ابن عباس : كانوا يقولون : أطفالنا يشفعون لنا عند الله .

ـ كنز الدقائق ج ٢ ص ٥٨

قال الله تعالى : قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ . . .

قال البيضاوي : روي أنها نزلت لما قالت اليهود : نحن أبناء الله وأحباؤه ، وقيل : نزلت في وفد نجران لما قالوا : إنا نعبد المسيح حباً لله . . انتهى .

ـ حقائق التأويل ص ١٢٦

وقال بعضهم إنهم قالوا : نحن أبناء الله وأحباؤه ، فالخلائق غيرنا عبيد لنا ومنخفضون عن علونا ، فليس علينا جناح في أكل أموال عبيدنا ومن هم في الرتبة دوننا . قال صاحب هذا القول : واليهود يتدينون باستحلال أموال كل من خالفهم باستعمال الغش في معاملاتهم ، ويدعون أن ذلك فرض عليهم في دينهم ، وليس تأولهم لذلك على حد ما يتأوله المسلمون في أهل الحرب .

وذهب أبو علي إلى أن قولهم : ليس علينا في الأميين سبيل ، إنما يعنون به ليس علينا لهم سلطان ولا قدرة ، فلا يجب علينا اتباعهم ولا النزول تحت حكمهم ، يريدون بذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه ، فلذلك استحلوا أموالهم . انتهى .

ـ تفسير التبيان ج ١ ص ٢١٣

وقوله : ولا يقبل منها شفاعة ، مخصوص عندنا بالكفار ، لأن حقيقة الشفاعة عندنا أن يكون في إسقاط المضار دون زيادة المنافع . والمؤمنون عندنا يشفع لهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فيشفعه الله تعالى ويسقط بها العقاب عن المستحقين من أهل الصلاة ، لما روي من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي . . .

والشفاعة ثبتت عندنا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وكثير من أصحابه ، ولجميع الأئمة المعصومين ،

٤٠