العقائد الإسلاميّة - ج ٣

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية

العقائد الإسلاميّة - ج ٣

المؤلف:

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-120-6
ISBN الدورة:
964-319-117-6

الصفحات: ٤٩٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

النار أساساً عمرها قصير ثم تنتهي وتهلك ! !

وقد تقدم عنهم ذلك في تفسير قوله تعالى ( وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَةً ) في فصل الشفاعة عند اليهود ! !

ونظراً لغرابة هذا الرأي حاول البعض التشكيك في نسبته إلى الخليفة عمر ، ولكنه ثابت عنه عند المحدثين والمؤرخين والمتكلمين كما تقدم ويأتي ! وأكثر أتباع الخليفة لا يعرفون رأيه هذا ، فبعضهم ينكره . . وبعضهم (يستحي ) به . . ولكن بعضهم تجرأ وكتب رداً عليه !

ـ قال في مقدمة فتح القدير ج ١ ص ٩ :

للشوكاني مؤلفات ، منها كتاب نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار . . . وكشف الأستار في إبطال القول بفناء النار . انتهى .

وأكثر المتحمسين لتأييد رأي عمر ابن قيم الجوزية في رسالته حادي الأرواح تبعاً لأستاذه ابن تيمية . ومن المتأخرين الشيخ محمد رشيد رضا في تفسير المنار ج ٨ ص ٦٨ حيث أورد في كتابه رسالة ابن قيم كاملة ، وهي تبلغ نحو خمسين صفحة ، ولم يأت صاحب المنار بجديد سوى المدح والغلو في ابن قيم . . لأنه مفكر إسلامي نابغة استطاع أن يحل المشكلة ويثبت رأي الخليفة بخمس وعشرين دليلاً !

وتدور رسالة ابن قيم على محور واحد هو أن النار تفنى كما يخرب السجن ، فلا يبقى محل لأهلها إلا أن ينقلوا الى الجنة ، وهو كلامٌ لم يقله عمر ! !

قال ابن قيم وهو يعدد الأقوال في الخلود في جهنم :

السابع : قول من يقول بل يفنيها ربها وخالقها تبارك وتعالى ، فإنه جعل لها أمداً تنتهي إليه ، ثم تفنى ويزول عذابها .

قال شيخ الإسلام ( ابن تيمية ) : وقد نقل هذا القول عن عمر وابن مسعود وأبي هريرة وأبي سعيد وغيرهم ، وقد روى عبد بن حميد وهو من أجل أئمة الحديث في

٢٠١
 &

تفسيره المشهور : حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن الحسن ، قال قال عمر : لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج ، لكان لهم على ذلك يوم يخرجون فيه .

وقال : حدثنا حجاج بن منهال ، عن حماد بن سلمة ، عن حميد ، عن الحسن أن عمر بن الخطاب قال : لو لبث أهل النار في النار عدد رمل عالج ، لكان لهم يوم يخرجون فيه . ذكر ذلك في تفسير ثابت عند قوله تعالى ( لَّابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا ) فقد رواه عبد وهو من الأئمة الحفاظ ، وعلماء السنة عن هذين الجليلين سليمان بن حرب وحجاج بن منهال ، وكلاهما عن حماد بن سلمة وحسبك به ، وحماد يرويه عن ثابت وحميد وكلاهما يرويه عن الحسن وحسبك بهذا الإسناد جلالة ، والحسن وإن لم يسمع من عمر فإنما رواه عن بعض التابعين ، ولو لم يصح عنده ذلك عن عمر لما جزم به وقال قال عمر بن الخطاب ، ولو قدر أنه لم يحفظ عن عمر فتداولُ هؤلاء الأئمة له غير مقابلين له بالإنكار والرد ، مع أنهم ينكرون على من خالف السنة بدون هذا ، فلو كان هذا القول عند هؤلاء الأئمة من البدع المخالفة لكتاب الله وسنة رسوله وإجماع الأئمة ، لكانوا أول منكر له .

قال : ولا ريب أن من قال هذا القول عن عمر ونقله عنه إنما أراد بذلك جنس أهل النار الذين هم أهلها ، فأما قوم أصيبوا بذنوبهم فقد علم هؤلاء وغيرهم أنهم يخرجون منها ، وأنهم لا يلبثون قدر رمل عالج ولا قريباً منه ، ولفظ أهل النار لا يختص ( يقصد لا يطلق ) بالموحدين بل يختص بمن عداهم ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( أما أهل النار الذين هم أهلها فهم لا يموتون فيها ولا يحيون ) ولا يناقض هذا قوله تعالى ( خَالِدِينَ فِيهَا ) وقوله ( وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ ) بل ما أخبر الله به هو الحق والصدق الذي لا يقع خلافه . لكن إذا انقضى أجلها وفنيت كما تفنى الدنيا ، لم تبق ناراً ولم يبق فيها عذاب ) . انتهى .

وقد استدل ابن قيم على رأي الخليفة عمر بخمس وعشرين وجهاً ! لا نطيل

٢٠٢
 &

الكلام بسردها وردها ، لأنها ما عدا واحد منها وجوه خطابية استحسانية ، وليست علمية ، ويكفي في جوابها جميعاً أنها لا تنهض بمعارضة الآيات والأحاديث المتقدمة الدالة على خلود بعض الفجار في النار ، ولا على معارضة الإجماع الذي تقدم من الفريقين !

أما الوجه الذي يحسن التعرض له فهو قول ابن القيم :

فصل . والذين قطعوا بدوام النار لهم ست طرق :

أحدها : اعتقاد الإجماع ، فكثير من الناس يعتقدون أن هذا مجمع عليه بين الصحابة والتابعين ، لا يختلفون فيه ، وأن الإختلاف فيه حادث ، وهو من أقوال أهل البدع .

الطريق الثاني : أن القرآن دل على ذلك دلالة قطعية ، فإنه سبحانه أخبر أنه عذاب مقيم ، وأنه لا يفتر عنهم ، وأنه لن يزيدهم إلا عذاباً ، وأنهم خالدون فيها أبداً ، وما هم بخارجين من النار ، وما هم منها بمخرجين ، وأن الله حرم الجنة على الكافرين ، وأنهم لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ، وأنهم لا يقضى عليهم فيموتوا ، ولا يخفف عنهم من عذابها ، وأن عذابها كان غراماً أي مقيماً لازماً . . قالوا وهذا يفيد القطع بدوامه واستمراره .

الطريق الثالث : أن السنة المستفيضة أخبرت بخروج من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان دون الكفار ، وأحاديث الشفاعة من أولها إلى آخرها صريحة في خروج عصاة الموحدين من النار ، وأن هذا حكم مختص بهم فلو خرج الكفار منها لكانوا بمنزلتهم ولم يختص الخروج بأهل الإيمان .

الطريق الرابع : أن الرسول وقفنا على ذلك وعلمناه من دينه بالضرورة من غير حاجة بنا إلى نقل معين ، كما علمنا من دينه دوام الجنة وعدم فنائها .

الطريق الخامس : أن عقائد السلف وأهل السنة مصرحة بأن الجنة والنار مخلوقتان وأنهما لا تفنيان بل هما دائمتان ، وإنما يذكرون فناءهما عن أهل البدع .

٢٠٣
 &

الطريق السادس : أن العقل يقضي بخلود الكفار في النار . وهذا مبني على قاعدة وهي أن المعاد وثواب النفوس المطيعة وعقوبة النفوس الفاجرة هل هو مما يعلم بالعقل أو لا يعلم إلا بالسمع فيه طريقتان لنظار المسلمين ، وكثير منهم يذهب إلى أن ذلك يعلم بالعقل مع السمع كما دل عليه القرآن في غير موضع كإنكاره سبحانه على من زعم أنه يسوي بين الأبرار والفجار في المحيا والممات ، وعلى من زعم أنه خلق خلقه عبثا وأنهم إليه لا يرجعون وأنه يتركهم سدى أي لا يثيبهم ولا يعاقبهم ، وذلك يقدح في حكمته وكماله وأنه نسبة إلى ما لا يليق به . وربما قرروه بأن النفوس البشرية باقية واعتقاداتها وصفاتها لازمة لها لا تفارقها وإن ندمت عليها لما رأت العذاب فلم تندم عليها لقبحها أو كراهة ربها لها ، بل لو فارقها العذاب رجعت كما كانت أولاً قال تعالى ( وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُوا يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) فهؤلاء قد ذاقوا العذاب وباشروه ولم يزل سببه ومقتضيه من نفوسهم بل خبثها قائم بها لم يفارقها بحيث لو ردوا لعادوا كفاراً كما كانوا ، وهذا يدل على أن دوام تعذيبهم يقضي به العقل كما جاء به السمع . انتهى .

ثم قال ابن قيم :

قال أصحاب الفناء على هذه الطرق يبين الصواب في هذه المسألة :

فأما الطريق الاول فالإجماع الذي ادعيتموه غير معلوم وإنما يظن الإجماع في هذه المسألة من لم يعرف النزاع وقد عرف النزاع بها قديماً وحديثاً ، بل لو كلف مدعي الإجماع أن ينقل عن عشرة من الصحابة فما دونهم إلى الواحد أنه قال إن النار لا تفنى أبداً لم يجد إلى ذلك سبيلاً ، ونحن قد نقلنا عنهم التصريح بخلاف ذلك ، فما وجدنا عن واحد منهم خلاف ذلك ، بل التابعون حكوا عنهم هذا وهذا قالوا ، والإجماع المعتد به نوعان متفق عليهما ونوع ثالث مختلف فيه ، ولم يوجد واحد

٢٠٤
 &

منها في هذه المسألة :

النوع الأول ما يكون معلوماً من ضرورة الدين كوجوب أركان الإسلام وتحريم المحرمات الظاهرة .

الثاني ما ينقل عن أهل الإجتهاد التصريح بحكمه .

الثالث أن يقول بعضهم القول وينشر في الأمة ولا ينكره أحد . فأين معكم واحد من هذه الأنواع ، ولو أن قائلاً ادعى الإجماع من هذه الطريق واحتج بأن الصحابة صح عنهم ولم ينكر أحد منهم عليه ، لكان أسعد بالإجماع منكم !

قالوا : وأما الطريق الثاني وهو دلالة القرآن على بقاء النار وعدم فنائها ، فأين في القرآن دليل واحد يدل على ذلك ، نعم الذي دل عليه القرآن أن الكفار خالدون في النار أبداً ، وأنهم غير خارجين منها ، وأنه لا يفتر عنهم من عذابها ، وأنهم لا يموتون فيها ، وأن عذابهم فيها مقيم ، وأنه غرام أي لازم لهم . وهذا كله مما لا نزاع فيه بين الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين ، وليس هذا مورد النزاع ، وإنما النزاع في أمر آخر ( ! ! ) وهو أنه هل النار أبدية أو مما كتب عليه الفناء ؟ وأما كون الكفار لا يخرجون منها ، ولا يفتر عنهم من عذابها ، ولا يقضى عليهم فيموتوا ، ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ، فلم يختلف في ذلك الصحابة ولا التابعون ولا أهل السنة . وإنما خالف في ذلك من قد حكينا أقوالهم من اليهود ( ! ! ) والإتحادية وبعض أهل البدع ، وهذه النصوص وأمثالها تقتضي خلودهم في دار العذاب ما دامت باقية ولا يخرجون منها مع بقائها البتة كما يخرج أهل التوحيد منها مع بقائها ، فالفرق كالفرق بين من يخرج من الحبس وهو حبس على حاله ، وبين من يبطل حبسه بخراب الحبس وانتقاضه .

قالوا : وأما الطريق الثالث وهو مجيء السنة المستفيضة بخروج أهل الكبائر من النار دون أهل الشرك ، فهي حق لا شك فيه ، وهي إنما تدل على ما قلناه من خروج

٢٠٥
 &

الموحدين منها وهي دار عذاب لم تفن ، ويبقى المشركون فيها ما دامت باقية . والنصوص دلت على هذا وعلى هذا .

قالوا : وأما الطريق الرابع وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقفنا على ذلك ضرورة ، فلا ريب أنه من المعلوم من دينه بالضرورة أن الكفار باقون فيها ما دامت باقية ، هذا معلوم من دينه بالضرورة ، وأما كونها أبدية لا انتهاء لها ولا تفنى كالجنة فأين في القرآن والسنة دليل واحد يدل على ذلك ! ! انتهى .

وقد ذكر في ٧٩ : قول أهل السنة ( ان الجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان أبداً فلا ريب أن القول بفنائهما قول أهل البدع من الجهمية ) وأجاب عليه بقوله ( فقولكم إنه من أقوال أهل البدع كلام من لا خبرة له بمقالات بني آدم وآرائهم واختلافهم . . .) انتهى .

ونلاحظ أن ابن قيم اعترف بأن الذين نفوا خلود النار هم اليهود والإتحادية من الوثنيين والماديين ، ثم قام بتغيير موضوع النزاع في المسألة ، لكي يوفق بين إجماع المسلمين على الخلود في النار وبين قول عمر بفنائها ، وعمدة ما قاله : إنه لا مانع أن نقول خالدين فيها إذا لم تخرب ، كما نقول مؤبدٌ في السجن ما دام السجن موجوداً ولم يخرب . يريد بذلك أن أهل النار إنما ينقلون الى الجنة بسبب خرابها !

ولو سلمنا هذا المنطق في المسألة ، فأين دليله على خراب السجن أو جهنم ؟ !

يكفي لرد ذلك أنه لو كان له أصلٌ في الإسلام لكثرت فيه الآيات والأحاديث !

ولو كان له أصلٌ لاحتج به الخليفة ، وذكر ولو كلمةً عن فناء النار ، وما اقتصر على رمل عالج ! !

إن فذلكات ابن قيم وأمثاله لا يمكنها أن تقاوم ما تقدم من الآيات والأحاديث والإجماع ، ولا أن تقلب معاني ألفاظ اللغة فتلغي معنى الدوام والتأبيد والخلود وتجعلها كلها لزمنٍ محدودٍ ينتهي .

وقد اغتر بهذه الفذلكة بعضهم وقال : ليس في اللغة العربية كلمة للوقت الممتد

٢٠٦
 &

بلا انقطاع ! وخير جواب لهؤلاء أن نسألهم : إذا أردتم التعبير بالعربية عن هذا المعنى فبماذا تعبرون ؟ فلا بد أنهم سيستعملون ألفاظاً من مادة الدوام والتأبيد والخلود . . وهي المواد التي استعملها القرآن والحديث ! !

الجهمية أخذت من الخليفة عمر

ـ قال الأشعري في مقالات الإسلاميين ج ١ ص ١٤٨

واختلفت المرجئة في تخليد الله الكفار . . . فقالت الفرقة الأولى منهم وهم أصحاب جهم بن صفوان : الجنة والنار تفنيان وتبيدان ويفنى أهلهما . . . وأنه لا يجوز أن يخلد الله أهل الجنة في الجنة ، وأهل النار في النار ! !

وفي ج ١ ص ٢٧٩

والذي تفرد به جهم القول بأن الجنة والنار تبيدان وتفنيان !

ـ تأويلات أهل السنة ج ١ ص ٧٥ ـ ٧٦

الرد على الجهمية في قولهم بفناء الجنة وما فيها ، وقوله وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ أي مقيمون أبداً ، فالآية ترد على الجهمية قولهم لأنهم يقولون بفناء الجنة . . . لكن ذلك وهمٌ عندنا ، لأن الله تعالى هو الأول بذاته . . والباقي بذاته ، والجنة وما فيها باقية بغيرها . إن الله تعالى جعل الجنة داراً مطهرة عن المعايب كلها . . ولو كان آخرها للفناء لكان فيها أعظم المعايب إذ المرء لا يهنأ بعيش إذا نقص عليه بزواله . فلو كان آخره للزوال كانت نعمته منغصه على أهلها . . .

ـ تأويلات أهل السنة ج ١ ص ١٢١

الرد على الجهمية في قولهم بفناء الجنة والنار وانقطاع ما فيهما : وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ، تنقض على الجهمية قولهم . . . فلو كانت الجنة تفنى وينقطع ما فيها لكان فيها خوف وحزنٌ لأن من خاف في الدنيا زوال النعمة عنه وفوتها يحزن عليه . . فأخبر عز وجل أن لا خوف عليهم فيها ، خوف

٢٠٧
 &

التبعة ولا حزن فوات النعمة ، ولا هم يحزنون ، دل على أنها باقية وأن نعيمها دائم لا يزول ، وكذلك أخبر عز وجل أن الكفار في النار خالدون .

والمرجئة أخذوا من عمر

ـ تاريخ الإسلام للذهبي ج ١٣ ص ١٦٠

وكان أبو المطيع فيما نقل الخطيب من رؤوس المرجئة . . وذكروا عنه أنه كان يقول : الجنة والنار خلقتا وستفنيان ، وهذا كلام جهم .

وابن العاص أخذ من عمر

ـ فتح القدير للشوكاني ج ٢ ص ٦٥٨

عن ابن عمرو قال : ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد . ثم قال صاحب الكشاف : ما كان لابن عمرو في سيفيه ومقاتلته بهما علياً ما يشغله عن تسيير هذا الحديث ! انتهى .

ويقصد الزمخشري أن عبد الله بن عمرو بن العاص راوي هذا الحديث لا يوثق به ، لأنه كان مبغضاً لعلي عليه‌السلام وقد قاتله في صفين بسيفين ، وكان الأولى به أن يكتفي بفعلته تلك ولا ينقل مثل هذه الأحاديث الخارجة عن إجماع المسلمين !

قال في هامش اختيار معرفة الرجال ج ١ ص ١٥٧ : وقال في الكشاف : وما ظنك بقوم نبذوا كتاب الله لما روى لهم بعض النوابت عبد الله بن عمرو بن العاص : ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد وذلك بعدما يلبثون أحقابا . وبلغني أن من الضلال من اغتر بهذا الحديث فاعتقد أن الكفار لا يخلدون في النار ، وهذا ونحوه والعياذ بالله من الخذلان المبين زادنا الله هداية إلى الحق ومعرفة بكتابه وتنبهاً على أن نغفل عنه . ولئن صح هذا عن ابن ابن العاص فمعناه أنهم يخرجون من حر النار إلى برد الزمهرير ، فذلك خلق جهنم وصفق أبوابها ، وأقول : أما كان لابن عمرو في سيفيه ومقاتلته بهما علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ما يشغله عن تسيير هذا الحديث . انتهى قول الكشاف .

٢٠٨
 &

ورووا عن ابن مسعود أنه وافق عمر

ـ الدر المنثور ج ٣ ص ٣٥١

وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن إبراهيم قال : ما في القرآن آية أرجى لأهل النار من هذه الآية : خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ قال وقال ابن مسعود : ليأتين عليها زمان تخفق أبوابها .

ـ وفي تفسير التبيان ج ٦ ص ٦٨ وروي عن ابن مسعود أنه قال : ليأتين على جهنم زمان تخفق أبوابها ليس فيها أحد ، وذلك بعد أن يلبثوا فيها أحقاباً .

والشعبي أخذ من عمر

ـ تفسير التبيان ج ٦ ص ٦٨

وقال الشعبي : جهنم أسرع الدارين عمراناً ، وأسرعهما خراباً .

ويلاحظ على رواياتهم عن ابن العاص وابن مسعود والشعبي أن جهنم تبقى ولكن تفرغ وينقل أهلها الى الجنة ! وهذا هو موضوع كلام عمر ، لا ما ادعاه ابن قيم !

والمعتزلة أخذت من عمر

ـ الملل والنحل للشهرستاني ـ هامش الفصل ج ١ ص ٦٤

الخامسة : قوله ( أبو الهذيل ) إن حركات أهل الخلدين تنقطع ، وإنهم يصيرون إلى سكون دائم خموداً ، وتجتمع اللذات في ذلك السكون لأهل الجنة ، وتجتمع الآلام في ذلك السكون لأهل النار .

والجاحظ أخذ من عمر

ـ الملل والنحل ـ هامش الفصل ج ١ جزء ١ ص ٩٥

أقوال الجاحظ التي انفرد بها عن أصحابه . . منها : قوله في أهل النار إنهم لا يخلدون فيها عذاباً ، بل يصيرون إلى طبيعة النار .

٢٠٩
 &

وابن عربي والجيلي أخذاً من عمر

قال في تفسير المنار ج ٨ ص ٧٠

ويدخل فيه أنها تفنى كما تقول الجهمية ، أو تتحول إلى نعيم كما قال الشيخ محيي الدين بن العربي وعبد الكريم الجيلي من الصوفية .

أما عمر فقد أخذ من كعب الأحبار واليهود

ـ سيرة ابن هشام ج ٢ ص ٣٨٠

وقالوا : لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ .

قال ابن إسحاق : وحدثني مولى لزيد بن ثابت عن عكرمة أو عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة واليهود تقول : إنما مدة الدنيا سبعة آلاف سنة ، وإنما يعذب الله الناس في النار بكل ألف سنة من أيام الدنيا يوماً واحداً في النار من أيام الآخرة ، وإنما هي سبعة أيام ثم ينقطع العذاب ! ! فأنزل الله في ذلك من قولهم : وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَةً ، قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ . بلى كسب سيئة وأحاطت به خطيئته ، أي من عمل بمثل أعمالكم وكفر بمثل ما كفرتم به حتى يحيط كفره بما له عند الله من حسنة ، فَأُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ، أي خلداً أبداً . وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ . أي من آمن بما كفرتم به وعمل بما تركتم من دينه فلهم الجنة خالدين فيها ، يخبرهم أن الثواب بالخير والشر مقيم على أهله أبداً ، ولا انقطاع له .

ـ الدر المنثور ج ١ ص ٨٤

قوله تعالى : وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ الآية . أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن المنذر

٢١٠
 &

وابن أبي حاتم والطبراني والواحدي عن ابن عباس أن اليهود كانوا يقولون مدة الدنيا سبعة آلاف سنة . . . الخ . ورواه في مجمع الزوائد ج ٦ ص ٣١٤

ـ تفسير التبيان ج ١ ص ٣٢٣

قالوا لن تمسنا النار ولن ندخلها إلا أياماً معدودة ، وإنما لم يبين عددها في التنزيل ، لأنه تعالى أخبر عنهم بذلك وهم عارفون بعدد الأيام التي يوقتونها في النار ، فلذلك نزل تسمية عدد الأيام وسماها معدودة لما وصفنا .

وقال أبو العالية وعكرمة والسدي وقتادة : هي أربعون يوماً . ورواه الضحاك عن ابن عباس . ومنهم قال : إنها عدد الأيام التي عبدوا فيها العجل .

وقال ابن عباس : إن اليهود تزعم أنهم وجدوا في التوراة مكتوباً إن ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين سنة ، وهم يقطعون مسيرة كل سنة في يوم واحد ، فإذا انقطع المسير انقطع العذاب ، وهلكت النار ! !

ـ قال السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ٢٨٦

وأخرج ابن مردويه عن عبد الرحمن بن ميمون أن كعباً دخل يوماً على عمر بن الخطاب فقال له عمر : حدثني إلى ما تنتهي شفاعة محمد يوم القيامة ؟ فقال كعب قد أخبرك الله في القرآن إن الله يقول : مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ . . . إلى قوله اليقين قال كعب : فيشفع يومئذ حتى يبلغ من لم يصل صلاة قط ، ويطعم مسكيناً قط ، ومن لم يؤمن ببعث قط ، فإذا بلغت هؤلاء لم يبق أحد فيه خير ! انتهى .

وقد ذكرنا أن كلام كعب هذا يحتل وجهين لأن قوله : حتى يبلغ ، وقوله فإذا بلغت ، قد يقصد بهما أن الشفاعة تبلغ هؤلاء المكذبين بيوم الدين الذين لم يفعلوا خيراً قط ! فلا يبقى أحد في النار وتنتهي . وقد يقصد بهما أن الشفاعة تقف عند هؤلاء فيكون كلامه توسيعاً لها لكل المؤمنين بالبعث من غير المسلمين !

ولا يبعد أن يكون هدف كعب القول بدخول الجميع الجنة وفناء النار ، لأن ذلك من

٢١١
 &

مقولات اليهود كما رأيت ! ويكون قصده أن سؤال أهل اليمين للمجرمين : مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ؟ إنما هو مقدمةٌ لإخراجهم من النار . . وبشفاعة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله ! !

*       *

وقد يتصور البعض أن من المبالغة أو التهمة للخليفة عمر بأنه أخذ هذه العقيدة من كعب الأحبار ، ولكن الذي يقرأ احترام عمر لأحبار اليهود والنصارى ولكعب الأحبار خاصة حتى قبل إسلام كعب . . لا يستبعد ذلك بل يطمئن اليه ، ويحسن مراجعة ما كتبناه في ذلك موثقاً في كتاب تدوين القرآن ، وأن الخليفة عمر كان يدرس عند اليهود في المدينة في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأن النبي نهاه عن عن ذلك ولم يمتثل ! ونذكر هنا بعض النصوص التي تكشف ثقته العالية بكعب ، والمقام العظيم الذي يحتله كعب في ذهنه وعواطفه !

عمر ينظر إلى كعب كأنه نبي ويتلقى منه

يلاحظ الباحث تعاملاً فريداً للخليفة عمر مع كعب الأحبار ، وأنه كان يحترمه أكثر من كل صحابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ويفضله عليهم علمياً وسياسياً ، ويسأله عن عوالم الغيب والشهادة والأنبياء والجنة والنار وتفسير القرآن ، وعن مستقبل الأمة ومستقبله الشخصي ويثق به ثقةً مطلقة ويقبل منه . . شبيهاً بتعامل الصحابي المؤمن مع نبيه الذي ينزل عليه الوحي !

ـ قال السيوطي في الدر المنثور ج ٣ ص ٦

وأخرج ابن جرير عن أبي المخارق زهير بن سالم قال قال عمر لكعب : ما أول شيء ابتدأه الله من خلقه ؟ فقال كعب : كتب الله كتاباً لم يكتبه قلم ولا مداد ، ولكن كتب بإصبعه يتلوها الزبرجد واللؤلؤ والياقوت : أنا الله لا إله إلا أنا سبقت رحمتي غضبي ! !

٢١٢
 &

ـ وقال أحمد في مسنده ج ١ ص ٤٢

قال عمر يعني لكعب : إني أسألك عن أمر فلا تكتمني ، قال : والله لا أكتمك شيئاً أعلمه قال : ما أخوف شيء تخوفه على أمة محمد ؟ قال أئمة مضلين . قال عمر : صدقت قد أسرَّ ذلك اليَّ وأعلمنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم . ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج ٥ ص ٢٣٩ وقال : رجاله ثقات .

ـ وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٤ ص ٥٧

عن الحسن البصري أن عمر قال لكعب : ما عدن ؟ قال : هو قصر في الجنة لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد أو حاكم عدل .

ـ وقال في ج ٥ ص ٣٤٧

عن قتادة قال : إن عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه قال : يا كعب ما عدن ؟ قال : قصور من ذهب في الجنة يسكنها النبيون والصديقون وأئمة العدل .

ـ وقال في كنز العمال ج ١٢ ص ٥٦٠

عن الحسن قال : قال عمر بن الخطاب : حدثني يا كعب عن جنات عدن . قال : نعم يا أمير المؤمنين قصور في الجنة لا يسكنها إلا نبي أو صديق أو شهيد أو حكم عدل ، فقال عمر : أما النبوة فقد مضت لأهلها ، وأما الصديقون فقد صدقت الله ورسوله ، وأما الحكم العدل فإني أرجو الله أن لا أحكم بشيء إلا لم آل فيه عدلاً ، وأما الشهادة فأنَّى لعمر بالشهادة ؟ ! ـ ابن المبارك وأبو ذر الهروي في الجامع .

ـ وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٤ ص ٥٧

وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي‌الله‌عنه أن عمر قال لكعب : ما عدن ؟ قال : هو قصر في الجنة لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد أو حاكم عدل .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي‌الله‌عنه قال :

٢١٣
 &

قرأ عمر رضي‌الله‌عنه على المنبر جنات عدن ، فقال : أيها الناس هل تدرون ما جنات عدن ؟ قصر في الجنة له عشرة آلاف باب ، على كل باب خمسة وعشرون ألفاً من الحور العين ، لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد ! ! .

ـ وقال في الدر المنثور ج ٥ ص ٣٤٧

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة رضي‌الله‌عنه . . . في قوله : وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ قال إن عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه قال : يا كعب ما عدن ؟ قال : قصور من ذهب في الجنة يسكنها النبيون والصديقون وأئمة العدل .

ـ معجم ما استعجم ج ٢ ص ٧٤

الحثمة : بفتح أوله وإسكان ثانية : صخرات بأسفل مكة بها ربع عمر بن الخطاب . روى عنه مجاهد أنه قرأ على المنبر : جَنَّاتِ عَدْنٍ فقال : أيها الناس أتدرون ما جنات عدن ؟ قصر في الجنة له خمسة آلاف باب على كل باب خمسة وعشرون ألفاً من الحور العين لا يدخله إلا نبي ، وهنيئاً لصاحب القبر وأشار إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، أو صديق وهنيئاً لأبي بكر وأشار إلى قبره ، أو شهيد وأنى لعمر بالشهادة وإن الذي أخرجني من منزلي بالحثمة قادر أن يسوقها إلي ! ! انتهى .

وفي هذه الرواية دلالة على أن كعباً استطاع أن يقنع عمر أن مقصوده بالنبي والصديق والشهيد الذين يسكنون عدن : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأبا بكر وعمر ، وأن كعباً كان من المخططين لقتله !

ـ وقال في الدر المنثور ج ٥ ص ٣٠٦

قوله تعالى : يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ الآية . أخرج الثعلبي من طريق العوام بن حوشب قال حدثني رجل من قومي شهد عمر رضي‌الله‌عنه أنه سأل طلحة والزبير وكعباً وسلمان : ما الخليفة من الملك ؟ قال طلحة والزبير : ما ندري ، فقال سلمان رضي‌الله‌عنه : الخليفة الذي يعدل في الرعية ، ويقسم بينهم بالسوية ، ويشفق عليهم

٢١٤
 &

شفقة الرجل على أهله ويقضي بكتاب الله تعالى . فقال كعب : ما كنت أحسب أحداً يعرف الخليفة من الملك غيري !

ـ وفي كنز العمال ج ١٢ ص ٥٦٩

عن طبقات ابن سعد : عن سفيان بن أبي العوجاء قال : قال عمر بن الخطاب : والله ما أدري أخليفة أنا أم ملك ؟ فإن كنت ملكاً فهذا أمر عظيم ، قال قائل يا أمير المؤمنين إن بينهما فرقاً ، قال ما هو ؟ قال : الخليفة لا يأخذ إلا حقاً ولا يضعه إلا في حق ، فأنت بحمد الله كذلك ، والملك يعسف الناس فيأخذ من هذا ويعطي هذا ، فسكت عمر بن سعد .

ـ وقال في كنز العمال ج ١٢ ص ٥٧٣

عن كعب أن عمر بن الخطاب قال : أنشدك بالله يا كعب أتجدني خليفة أم ملكاً ؟ قال بل خليفة ، فاستحلفه فقال كعب : خليفة والله من خير الخلفاء ، وزمانك خير زمان ـ نعيم بن حماد في الفتن .

ـ الدر المنثور ج ٤ ص ٢٩٣

سأل عمر كعباً عن آيات أول سورة الحديد فقال : معناها إن علمه بالأول كعلمه بالآخر ، وعلمه بالظاهر كعلمه بالباطن ! انتهى .

*       *

ـ كنز العمال ج ٢ ص ٤٨٨

عن عمر قال : ذكر النبي صلى الله عليه وسلم : يوم القيامة فعظم شأنه وشدته ، قال : ويقول الرحمن لداود عليه‌السلام : مرَّ بين يدي ، فيقول داود : يا رب أخاف أن تدحضني خطيئتي ، فيقول : مرِّ خلفي ، فيقول : يا رب أخاف أن تدحضني خطيئتي فيقول : خذ بقدمي ! فيأخذ بقدمه عز وجل فيمر ! ! قال فتلك الزلفى التي قال الله

٢١٥
 &

تعالى : وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ ! ورواه السيوطي في الدر المنثور ج ٥ ص ٣٠٥ عن ابن مردويه .

ـ الدر المنثور ج ٥ ص ٢٩٧

وأخرج الديلمي عن عمر رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ينبغي لأحد أن يقول إني أعبد من داود ! ! .

ـ الدر المنثور ج ٥ ص ٣٠٥

وأخرج عبد بن حميد ، عن السدي بن يحيى ، قال حدثني أبو حفص رجل قد أدرك عمر بن الخطاب : إن الناس يصيبهم يوم القيامة عطش وحر شديد فينادي المنادي داود فيسقى على رؤس العالمين ، فهو الذي ذكر الله : وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ ! انتهى .

ومن الواضح أن هذه الروايات عن داود عليه‌السلام من مقولات اليهود وكعب الأحبار ولكن الخليفة عمر يقبلها منه ، والرواة ينسبونها إلى نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله ! !

ـ كنز العمال ج ١٤ ص ١٤٦

عن سعيد بن المسيب قال : استأذن رجل عمر بن الخطاب في إتيان بيت المقدس فقال له : إذهب فتجهز فإذا تجهزت فأعلمني فلما تجهز جاءه فقال له عمر : إجعلها عمرة !

*       *

ـ مجمع الزوائد ج ٩ ص ٦٧

عن عمر بن ربيعة أن عمر بن الخطاب أرسل إلى كعب الأحبار فقال : يا كعب كيف تجد نعتي ؟ قال : أجد نعتك قرن من حديد . قال : وما قرن من حديد ؟ قال : أمير شديد لا تأخذه في الله لومة لائم . قال : ثم مه ؟ قال : ثم يكون من بعدك خليفة تقتله فئة .

٢١٦
 &

ـ تاريخ الطبري ج ١ ص ٣٢٣

عن أشعث عن سالم النصرى قال : بينما عمر بن الخطاب يصلي ويهوديان خلفه ، وكان عمر إذا أراد أن يركع خوى ، فقال أحدهما لصاحبه : أهو هو ؟ قال فلما انفتل عمر قال : أرأيت قول أحدكما لصاحبه أهو هو ؟ فقالا : إنا نجد في كتابنا قرناً من حديد يعطى ما أعطي حزقيل الذي أحيا الموتى بإذن الله ! !

فقال عمر : ما نجد في كتابنا حزقيل ، ولا أحيا الموتى بإذن الله إلا عيسى بن مريم ! فقالا : أما تجد في كتاب الله : ورسلاً لم نقصصهم عليك ؟ فقال عمر : بلى ، قالا : وأما إحياء الموتى فسنحدثك إن بني اسرائيل وقع فيهم الوباء ، فخرج منهم قوم حتى إذا كانوا على رأس ميل أماتهم الله فبنوا عليهم حائطاً حتى إذا بليت عظامهم بعث الله حزقيل فقام عليهم فقال : ما شاء الله ، فبعثهم الله له فأنزل الله في ذلك : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ . انتهى .

والأخوى : الذي لا يستطيع أن يركع أو يسجد بشكل طبيعي إلا بفتح قدميه ونحوه . . والرواية تدل على اهتمام اليهود بإيمان عمر بثقافتهم ، ومحاولتهم التزلف إليه بادعاء أن شخصيته مذكورة في كتبهم ، وأنه نبي يحيي الموتى مثل حزقيل !

ـ تاريخ المدينة لابن شبة ج ٣ ص ١١٠

لما قدم عمر رضي‌الله‌عنه من مكة في آخر حجة حجها أتاه كعب فقال : يا أمير المؤمنين إعهد فإنك ميت في عامك ! قال عمر رضي‌الله‌عنه وما يدريك يا كعب ؟ قال : وجدته في كتاب الله ! فقال : أنشدك الله يا كعب هل وجدتني باسمي ونسبي عمر بن الخطاب ؟ قال : اللهم لا ، ولكني وجدت صفتك وسيرتك وعملك وزمانك !

ـ ورواه في ج ٣ ص ٨٨ وزاد فيه : فلما أصبح الغد غدا عليه كعب فقال عمر رضي‌الله‌عنه : يا كعب ، فقال كعب : بقيت ليلتان ، فلما أصبح الغد غدا عليه كعب ـ قال عبد العزيز : فأخبرني عاصم بن عمر بن عبيد الله بن عمر قال : قال عمر رضي‌الله‌عنه :

٢١٧
 &

يواعدني كعب ثلاثاً يعدُّها

ولا شك أن القول ما قاله كعبُ

وما بي لقاء الموت إني لميتٌ

ولكنما في الذنب يتبعه الذنبُ

فلما طعن عمر رضي‌الله‌عنه دخل عليه كعب فقال : ألم أنهك ؟ !

قال : بلى ، ولكن كان أمر الله قدراً مقدورا ! ! انتهى .

ولا يتسع المجال للرد على أفكار كعب التي تضمنتها رواياته ، وقد أوردنا عدداً منها في سبب نشأة التجسيم في المجلد الثاني .

والواقع أن كعب الأحبار من أكبر المصائب في مصادر إخواننا السنيين ، حيث تجده مقيماً فيها ، كامناً في المواقع الحساسة من أصول العقيدة والشريعة ! وهذا أمر يحتاج الى معالجات جريئة من علمائهم !

ولكن لا بد من الإلفات هنا الى أن النصوص المتقدمة تدل بما لا يقبل الريب ، على أن كعباً كان شريكاً في مؤامرة قتل عمر !

ولكن إخواننا السنيين ما زالوا يبرئون كعباً ويثقون به ، كما برَّأَ المسيحيون اليهود من دم المسيح !

كما نشير الى أن كعباً أخطأ في تفسير أول سورة الحديد ، لأنه فسر ( هو ) بعلمه ! ! ولكن الخليفة عمر يقبل منه كل ما يقوله ، بل يحدث به المسلمين على المنبر !

*       *

٢١٨
 &

الفصل الثـامن شفاعات وحرمانات غير معقولة روتها مصادر السنيين

النوع الأول : شفاعة اثنين لصاحب الجنازة

ليس من السهل أن نعترض على الأحاديث التي تحكم على نوع من الناس باستحقاق الجنة أو النار . . لأن الخير والشر في داخل الإنسان عالمٌ معقد ، وما يظهر للعيان لا يجب أن يكون دائماً هو الحقيقة ! فرب عمل صغير نقوم به يكون في حساب الثواب والعقاب الإلۤهي كبيراً ، وبالعكس . . ورب ظرف يجعل العمل السيء حسناً وبالعكس !

وبسبب هذه السعة والتعقيد في أعمال الناس وظروفها ، لا بد أن تكون أنظمة الجزاء عميقة واسعة حتى تستوعبها .

ولكنا مع ذلك نملك يقينيات من العقل والشرع تسمح لنا أحياناً بالحكم بإمكان هذا الجزاء الإلۤهي أو عدم إمكانه . . ومن هذه اليقينيات : لو أن شخصاً قاتلاً ظالماً جامعاً للصفات الشريرة ، توفي وحملوا جنازته ، فمر بها شخصان مسلمان فقالا :

٢١٩
 &

رحمه الله كان مؤمناً تقياً ، لأنهما جاهلان بحاله أو متعمدان ، فإن شهادتهما لا تغير شيئاً من قوانين المجازاة الإلۤهية !

لكن توجد ( أحاديث ) في مصادر السنيين تقول : إن مجرد شهادة اثنين بالخير لصاحب الجنازة تجعله من أهل الجنة ! كما أن شهادتهما له بالسوء تجعله من أهل النار ! !

فكأن الشهادة على الجنازة في منطق هذه الأحاديث وثيقة شرعية نهائية لا يقرأ الملائكة غيرها ، أو ختم نهائي لا يقبل الله تعالى غيره ! !

لقد جاءنا هذا المنطق من الثقافة اليهودية ، ولكنه مهما كان مصدره ، ليس منطقاً إسلامياً ! لأن معناه السماح للمجرمين بأن يفعلوا ما شاؤوا ويهلكوا الحرث والنسل ، ثم يوصي أحدهم بأن يشهد على جنازته عشرة شهود كذباً وزوراً فيدخل الجنة !

والأخطر من ذلك أن الإنسان المؤمن الطيب الأمين المستقيم مهما عمل من خير في حياته فإن عمله يتبخر بمجرد أن يرسل خصومه اثنين يشهدان على جنازته بأنه كان سيئاً ، فيدخلانه النار !

ولو كانت هذه المقولة توجد في مصادرهم من الدرجة الثانية لكان الأمر أسهل ، ولكنها توجد في مصادر الدرجة الأولى مع الأسف ، وعن لسان أقدس الشخصيات عندهم بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الأمر الذي يتطلب من فقهائهم جرأةً في معالجتها :

ـ روى البخاري في صحيحه ج ٢ ص ١٠٠

عن أنس بن مالك قال : مروا بجنازة فأثنوا عليها خيراً ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وجبت ، ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شراً فقال : وجبت ، فقال عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه : ما وجبت ؟ قال : هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة ، وهذا أثنيتم عليه شراً فوجبت له النار ، أنتم شهداء الله في الأرض .

ورواه في ج ٣ ص ١٤٨ وفيه ( قال شهادة القوم المؤمنين شهداء الله في الأرض ) .

ورواه مسلم في صحيحه ج ٣ ص ٥٣ وقد كرر فيه كلمة : وجبت وأنتم شهداء الله

٢٢٠