العقائد الإسلاميّة - ج ٣

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية

العقائد الإسلاميّة - ج ٣

المؤلف:

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-120-6
ISBN الدورة:
964-319-117-6

الصفحات: ٤٩٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

ـ وقال في الدر المنثور

وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي‌الله‌عنه أنه سئل عن قوله : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ؟ قال : هي الشفاعة . انتهى . وروى الأول منهما في كنز العمال ج ١٤ ص ٦٣٦ عن مسند علي ، ورواه الواحدي النيسابوري في تفسيره ج ٤ ص ٥١٠ والكاندهلوي في حياة الصحابة ج ٣ ص ٤٦ والشوكاني في فتح القدير ج ٥ ص ٥٦٨

ـ مناقب آل أبي طالب ج ١ ص ١٩٠ ، قال حسان :

لئن كلم الله موسى على

شريف من الطور يوم الندا

فإن النبي أبا قاسم

حبي بالرسالة فوق السما

وقد صار بالقرب من ربه

على قاب قوسين لما دنا

وإن فجَّر الماء موسى لهم

عيوناً من الصخر ضرب العصا

فمن كفِّ أحمد قد فجرت

عيونٌ من الماء يوم الظما

وإن كان هارون من بعده

حبي بالوزارة يوم الملا

فإن الوزارة قد نالها

علي بلا شك يوم الفدا

وقال كعب بن مالك الأنصاري :

فإن يك موسى كلم الله جهرةً

على جبل الطور المنيف المعظم

فقد كلم الله النبي محمداً

على الموضع الأعلى الرفيع المسوم

داود عليه‌السلام كان له سلسلة الحكومة ليميز الحق من الباطل ، ولمحمد القرآن : مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ، وليست السلسلة كالكتاب ، والسلسلة قد فنيت والقرآن بقي إلى آخر الدهر . وكان له النغمة ، ولمحمد الحلاوة : وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ . . . . . قال حسان :

وإن كان داود قد أوبت

جبال لديه وطير الهوا

ففي كف أحمد قد سبحت

بتقديس ربي صغار الحصى

١٠١
 &

. . . وسليمان كان يصفدهم لعصيانهم ، ونبينا أتوه طائعين راغبين . وسأل سليمان ملك دنيا : رب هب لي ملكاً . . . وعرض مفاتيح خزائن الدنيا على محمد فردها ، فشتان بين من يسأل وبين من يعطى فلا يقبل ، فأعطاه الله الكوثر والشفاعة والمقام المحمود : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ .

وقال لسليمان : أمنن أو امسك بغير حساب ، وقال لنبينا : مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا . قال حسان بن ثابت :

وإن كانت الجن قد ساسها

سليمان والريح تجري رخا

فشهر غدوٌّ به رابياً

وشهر رواحٌ به إن يشا

فإن النبي سرى ليلةً

من المسجدين إلى المرتقى

وقال كعب بن مالك :

وإن تك نمل البر بالوهم كلمت

سليمان ذا الملك الذي ليس بالعمى

فهذا نبي الله أحمدُ سبحت

صغار الحصى في كفه بالترنم

ورواه في بحار الأنوار ج ١٦ ص ٤١٥

ـ مناقب آل ابي طالب ج ٣ ص ١٠٣

وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يهتم لعشرة أشياء فآمنه الله منها وبشره بها :

لفراقه وطنه فأنزل الله : إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ .

ولتبديل القرآن بعده كما فعل بسائر الكتب ، فنزل : إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ .

ولأمته من العذاب ، فنزل : وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ .

ولظهور الدين ، فنزل : لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ .

وللمؤمنين بعده ، فنزل : يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ .

ولخصمائهم ، فنزل : يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا .

١٠٢
 &

وللشفاعة ، فنزل : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ .

وللفتنة بعده على وصيه ، فنزل : فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ يعني بعلي .

ولثبات الخلافة في أولاده ، فنزل : لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ .

ولابنته حال الهجرة ، فنزل : الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا . . . الآيات . انتهى .

ـ وقال الفخر الرازي في تفسيره ج ١٦ جزء ٣١ ص ٢١٣

قوله تعالى : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ، فالمروي عن علي بن أبي طالب وابن عباس أن هذا هو الشفاعة في الأمة . . . واعلم أن الحمل على الشفاعة متعين ويدل عليه وجوه ( أحدها ) أنه تعالى أمره ( ص ) في الدنيا بالإستغفار . . . عن جعفر الصادق أنه قال : رضا جدي أن لا يدخل النار موحد ، وعن الباقر : أهل العراق يقولون : أرجى آية قوله ( يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ ) . . . الخ .

تفسيرها بشفاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لأهل بيته خاصة

ـ تفسير فرات الكوفي ص ٥٧٠

قال حدثني جعفر بن محمد الفزاري قال : حدثنا عباد ، عن نصر ، عن محمد بن مروان ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس رضي‌الله‌عنه في قوله : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ، قال : يدخل الله ذريته الجنة .

ـ تأويل الآيات ج ٢ ص ٨١٠

وروى أيضاً عن محمد بن أحمد بن الحكم ، عن محمد بن يونس ، عن حماد بن عيسى ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه صلى الله عليهما ، عن جابر بن عبد الله قال : دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على فاطمة عليها‌السلام وهي تطحن بالرحى وعليها كساء من جلَّة الإبل فلما نظر إليها بكى وقال لها : يا فاطمة تعجلي مرارة الدنيا لنعيم الآخرة غداً ، فأنزل الله عليه : وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَىٰ ، وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ .

وروى أيضاً عن أحمد بن محمد النوفلي ، عن أحمد بن محمد الكاتب ، عن

١٠٣
 &

عيسى بن مهران بإسناده إلى زيد بن علي عليه‌السلام في قول الله عز وجل : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ، قال : إن رضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إدخال الله أهل بيته وشيعتهم الجنة ، وكيف لا وإنما خلقت الجنة لهم والنار لأعدائهم . فعلى أعدائهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .

ـ مناقب آل أبي طالب ج ٣ ص ١٢٠

تفسير الثعلبي عن جعفر بن محمد عليه‌السلام وتفسير القشيري عن جابر الأنصاري أنه رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة وعليها كساء من جلة الإبل . . . الخ .

ورواه في تفسير نور الثقلين ج٥ ص ٥٩٤ عن المناقب لابن شهرآشوب عن تفسير الثعلبي ، وفي بحار الأنوار ج ٣٩ ص٨٥ عن تفسير الثعلبي وعن تفسير القشيري عن جابر الأنصاري .

ـ ورواه في الدر المنثور ج ٦ ص ٣٦١ قال : وأخرج العسكري في المواعظ وابن مردويه وابن هلال وابن النجار عن جابر بن عبد الله قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على فاطمة وهي تطحن بالرحى . . . الخ .

ـ مناقب أمير المؤمنين ج ١ ص ١٥٣

محمد بن سليمان قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا محمد بن إسحاق قال : وحدثني محمد بن الصباح الدولابي قال : حدثنا الحكم بن ظهير ، عن السدي في قوله تعالى : وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ، قال : المودة في آل الرسول . وفي قوله تعالى : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ، قال : يدخل أهل بيته الجنة .

أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الوهاب إجازة أن أبا أحمد عمر بن عبد الله بن شوذب أخبرهم قال : حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق قال : حدثنا محمد بن أحمد بن أبي العوام ، حدثنا محمد بن الصباح الدولابي ، حدثنا الحكم بن ظهير ، عن السدي في قوله عز وجل : وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ، قال : المودة في آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله . وفي قوله : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ، فقال : رضى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله أن

١٠٤
 &

يدخل أهل بيته الجنة . انتهى .

وقال في هامشه : أقول : وقريباً منه رواه الحافظ الحسكاني في تفسير الآية ٢٣ من سورة الشورى والآية ٥ من سورة الضحى في كتاب شواهد التنزيل ج ٢ ص ١٤٧ و ٣٤٤ .

ـ مناقب آل أبي طالب ج ٢ ص ١٥

تفسير وكيع ، قال ابن عباس في قوله : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ، يعني ولسوف يشفعك يا محمد يوم القيامة في جميع أهل بيتك فتدخلهم كلهم الجنة ترضى بذلك عن ربك . انتهى . ورواه في بحار الأنوار ج ٨ ص ٤٣

ـ بحار الأنوار ج ٢٤ ص ٤٨

وروى عن ابن المغازلي أيضاً بإسناده عن السدي مثله ، وزاد في آخره : وقال في قوله تعالى : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ، قال : رضى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يدخل أهل بيته الجنة .

ـ الدر المنثور ج ٦ ص ٣٦١

وأخرج ابن جرير من طريق السدي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ، قال : من رضا محمد أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار .

وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود رضي‌الله‌عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا ، وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ .

تفسيرها بشفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لجميع أمته !

 ـ شعب الإيمان للبيهقي ج ٢ ص ١٦٤

عن ابن عباس من قوله عز وجل : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ، قال : رضاه أن يدخل أمته كلهم الجنة .

١٠٥
 &

ـ الدر المنثور ج ٦ ص ٣٦١

وأخرج البيهقي في شعب الإيمان من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ، قال : رضاه أن تدخل أمته الجنة كلهم .

وأخرج الخطيب في تلخيص المتشابه من وجه آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ، قال : لا يرضى محمد وأحد من أمته في النار .

وأخرج مسلم عن ابن عمرو رضي‌الله‌عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله في إبراهيم : فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ، وقول عيسى : إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ . . الآية ، فرفع يديه وقال : اللهم أمتي أمتي وبكى ، فقال الله : يا جبريل إذهب إلى محمد فقل له إنا سنرضيك في أمتك ، ولا نسوؤك .

ـ تفسير نور الثقلين ج ٥ ص ٥٩٤

في مجمع البيان عن الصادق عليه‌السلام قال : دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على فاطمة عليها‌السلام وعليها كساء من جلة الإبل وهي تطحن بيدها وترضع ولدها فدمعت عينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما أبصرها فقال : يا بنتاه تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة فقد أنزل الله علي : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ .

وقال الصادق عليه‌السلام : رضا جدي أن لا يبقى في النار موحد .

وروى حريث بن شريح ، عن محمد بن علي بن الحنفية أنه قال : يا أهل العراق تزعمون أن أرجى آية في كتاب الله عز وجل : يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ . . الآية ، وإنا أهل البيت نقول : أرجى آية في كتاب الله : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ، وهي والله الشفاعة ليعطاها في أهل لا إلۤه إلا الله حتى يقول : رب رضيت .

ـ مجمع البحرين ج ١ ص ١١٥

وفي حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : كساه الله من حلل الأمان . قال بعض الشارحين : المراد

١٠٦
 &

أمان أمته من النار ، فإن الله تعالى قال له : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ، وهو صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يرضى بدخول أحد من أمته إلى النار ، كما ورد في الحديث .

ـ مجمع البحرين ج ٢ ص ١٨٦

قوله تعالى : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ، قال المفسرون : اللام في ( وَلَسَوْفَ ) لام الإبتداء المؤكدة لمضمون الجملة والمبتدأ محذوف ، والتقدير : ولأنت سوف يعطيك ، وليست بلام قسم لأنها لا تدخل على المضارع إلا مع نون التأكيد . وفي الرواية : إن أرجى آية في كتاب الله هذه الآية ، لأنه لا يرضى بدخول أحد من أمته النار .

ـ بحار الأنوار ج ٧٩ ص ٩١

( المكسو حلل الأمان ) قال الشيخ البهائي رحمه‌الله : المراد أمان أمته من النار ، فإن الله تعالى له : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ، وهو صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يرضى بدخول أحد من أمته في النار ، كما ورد في الحديث ، وحلل الامان استعارة .

*       *

ملاحظتان

الأولى : قد يشكل على بعض هذه الأحاديث بأن سورة الضحى مكية فكيف نزلت في المدينة بعد ما قاله النبي للزهراء صلى الله عليه وعليها ؟ أو بعد أن سب بعض القرشيين بني هاشم وقال ( إنما مثل محمد فيهم كمثل شجرة في كبا ) كما ذكرت بعض الروايات ؟

والجواب : أنه لا مانع من القول بنزول بعض الآيات مرتين أو مرات ، كما قرر ذلك علماء التفسير في أسباب النزول ، فيكون النزول الثاني مؤكداً ، أو مبيناً لمصاديق الآية ، أو تأويلاً لها . . ومن الواضح أن هذه الآية من النوع الذي يصح نزوله في أكثر من مناسبة لتطمين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وتذكيره بنعم الله تعالى الآتية ، ليتحمل أحقاد

١٠٧
 &

المشركين ومؤامراتهم ، ومتاعب الأمة وأذاياها ، ومصاعب الدنيا ومراراتها .

ويؤيد نزولها مرة ثانية ما رواه السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ٣٦١ : وأخرج ابن مردويه عن عكرمة رضي‌الله‌عنه قال : لما نزلت وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَىٰ ، قال العباس بن عبد المطلب : لا يدع الله نبيه فيكم إلا قليلاً لما هو خير له . انتهى .

ويؤيده أيضاً ما رواه المجلسي في بحار الأنوار ج ٢٢ ص ٥٣٣ : عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : لما حضرت النبي الوفاة استأذن عليه رجل فخرج إليه علي عليه‌السلام فقال : حاجتك ؟ قال : أردت الدخول إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال علي عليه‌السلام : لست تصل إليه فما حاجتك ؟ فقال الرجل : إنه لا بد من الدخول عليه ، فدخل علي فاستأذن النبي عليهما‌السلام فأذن له فدخل وجلس عند رأس رسول الله ثم قال : يا نبي الله إني رسول الله إليك ، قال : وأي رسل الله أنت قال : أنا ملك الموت ، أرسلني إليك يخيَّرك بين لقائه والرجوع إلى الدنيا ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : فأمهلني حتى ينزل جبرئيل فأستشيره ، ونزل جبرئيل عليه‌السلام فقال : يا رسول الله الآخرة خير لك من الأولى ، وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ، لقاء الله خير لك ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : لقاء ربي خير لي ، فامض لما أمرت به ، فقال جبرئيل لملك الموت : لا تعجل حتى أعرج إلى ربي وأهبط . . . الخ . انتهى .

على أنا نلاحظ في بعض رواياتها أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لفاطمة عليها‌السلام ( يا بنتاه تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة فقد أنزل الله علي : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ) وهو يدل على أن النبي ذكَّر فاطمة بنزول الآية ، لا أنها نزلت في ذلك الوقت .

الثانية : نلاحظ في تفسير هذه الآية ملامح الإتجاه إلى توسيع الشفاعة لكل المسلمين ، مؤمنهم ومنافقهم ظالمهم ومظلومهم محسنهم ومسيئهم ! وأنها وأمثالها لم تستثن الظالمين والجبارين والطغاة ومحرفي الدين والمفسدين في أمور البلاد والعباد ! ولا اشترطت شروطاً لنيل الشفاعة والنجاة فقالت مثلاً : من مات على الشهادتين وكان من الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً ، ولم يكن في رقبته ظلم للعباد . . ولو أنها اشتملت على ذلك لكان لعمومها وجه يمكن الدفاع عنه . . ولكنها

١٠٨
 &

وأمثالها من الروايات تريد أن تقول إن المسلمين كلهم يدخلون الجنة مهما ارتكبوا من معاص ومظالم ، ومهما انحرفوا عن في سلوكهم الخاص والعام عن الإسلام وخالفوا الله تعالى ورسوله ! بل مهما حرَّفوا الإسلام وأعملوا معاولهم في هدم أصوله وتغيير فروعه . . ! فما داموا مسلمين بالإسم منتمين إلى أمة النبي فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يرضى يوم القيامة حتى يدخلهم الجنة إلى آخر نفر ! !

وهذه نفس مقولة اليهود ( نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ) ولا يمكن التوفيق بينها وبين آيات القرآن والأحاديث التي اتفق الجميع على صدورها عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله . . مثل إخباره بأن بعض أصحابه يمنعون من ورود الحوض ، ويؤمر بهم إلى النار . . كما سيأتي في محاولات توسيع الشفاعة ، إن شاء الله تعالى ، وستعرفت أن عدداً من الآيات والأحاديث الثابتة عند الجميع تنص على أن شفاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يمكن أن تشمل أنواعاً من المجرمين والظالمين ، حتى لو كانوا من أمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وصحابته ، وحتى لو كان عندهم بعض الأعمال الحسنة ، لأن إجراء قوانين الجزاء والعقاب من مقتضيات العدل الإلۤهي .

ولذلك فإن مقولة ( أن النبي لا يرضى ما دام أحد من أمته محكوماً عليه بدخول النار ) مقولةٌ باطلة لا تصح نسبتها إلى النبي وآله صلى الله عليه وعليهم ، لأن الآيات والأحاديث القطعية تعارضها ، ويعارضها حكم العقل أيضاً ، لأنها تساوي بين المحسنين والفجار ، بل تبطل القانون الإلۤهي في العقاب !

وبسبب ذلك نستظهر أن أصل الحديث شفاعته صلى‌الله‌عليه‌وآله لأهل بيته فجعلوه لأمته ، كما حرفوا غيره من الأحاديث والمناقب الخاصة ببني هاشم أو بالعترة وجعلوه لكل قريش أو لكل الأمة ، ومن ذلك حديث ( الأئمة من بعدي اثنا عشر من أهل بيتي ) فجعلوه من قريش ! ولا يتسع المجال للتفصيل .

نعم يمكن القول بشمول شفاعته صلى‌الله‌عليه‌وآله لكل أمته إذا حددنا مفهوم أمته صلى‌الله‌عليه‌وآله بمن

١٠٩
 &

يقبلهم ويرتضيهم بسبب صحة عقيدتهم وصحة خطهم العام ، فتشمل شفاعته خيار الموحدين الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً ، فهؤلاء قد يصح القول فيهم إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يرضى أن يدخلوا النار .

وقد ورد معنى قريب مما ذكرنا في دعاء في بحار الأنوار ج ٩٤ ص ١١٩ يقول : اللهم إنك قلت لنبيك صلى‌الله‌عليه‌وآله : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ . اللهم إن نبيك ورسولك وحبيبك وخيرتك من خلقك لا يرضى بأن تعذب أحداً من أمته دانك بموالاته وموالاة الأئمة من أهل بيته وإن كان مذنباً خاطئاً في نار جهنم ، فأجرني يا رب من جهنم وعذابها ، وهبني لمحمد وآل محمد ، يا أرحم الراحمين . انتهى .

*       *

١١٠
 &

الفصل السادس حدود الشفاعـة

من الطبيعي للباحث في مسائل الآخرة والحساب والشفاعة والجنة والنار ، أن يتذكر دائماً أن مصدر معلوماته عن ذلك العالم وكل عوالم الغيب إنما هو النصوص الشريفة من القرآن والسنة ، وأن بحثه في مسائله يعني الإهتداء بالعقل والفكر في إطار هذه النصوص لا خارجها . . ولذلك يحتاج في كثير من التفاصيل وأحياناً في أمرٍ أساسي ، إلى التوقف عند القدر المتيقن من النصوص ، حتى لا يقول في دين الله تعالى بغير علم .

ومن الملاحظ في آيات الجنة والنار والشفاعة أن أحاديثها التي تصنف الناس بأنهم من أهل النار أو من أهل الجنة ، لا تستوعب كل أصناف الناس ، بل تبقى أصناف كثيرة خارجة عن القدر المتيقن من الطرفين . . وكذلك الأمر في الشفاعة حيث نجد في القرآن الكريم شروطاً للشفعاء وللمشفوع لهم ، ونجد في السنة تفصيلات لها وذكراً لأصناف من الناس تشملهم الشفاعة ، أو لا تشملهم . . وتبقى أصناف أخرى من الناس لا تذكرها النصوص ولا تشملها .

١١١
 &

والحل في مثل هذه الحالة التوقف وعدم التورط في تصنيف عباد الله في الجنة أو النار ، أو داخل الشفاعة أو خارجها ، بالظنون والإحتمالات ، كما يفعل البعض !

المذاهب في حدود الشفاعة ( من ارتضى )

هذا البحث من أهم بحوث الشفاعة من ناحية نظرية ، كما أنه بحث حساس من ناحية تطبيقية ، لأنه يصنِّف المسلمين إلى مرضيين عند الله ورسوله وغير مرضيين . . ولذلك اختلفت فيه آراء المذاهب والفئات ، وكثر في تاريخ المسلمين وكتبهم البحث في الذين تشملهم شفاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والذين لا تشملهم . .

وأهم الأقوال أو المذاهب في المسألة أربعة :

القول الأول : قول أهل البيت عليهم‌السلام الذي يشترط للشفاعة : الإسلام ، وعدم الشرك ، وعدم الظلم ، وإطاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في مودة أهل بيته عليهم‌السلام .

القول الثاني : القول بتوسيع الشفاعة ، وهو قول أكثر المذاهب السنية التي توسعها إلى جميع المسلمين ، بل إلى غيرهم من اليهود والنصارى . . وستعرف أن فيه عدة آراء بل مذاهب .

القول الثالث : إنكار شفاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أصلاً ، وهو قول قدماء الخوارج ، وقد رد عليهم أهل البيت عليهم‌السلام وبقية المذاهب . وقد ولد هذا الرأي ردةَ فعلٍ على مذهب توسعة الشفاعة الذي تبنته الدولة وأفرطت فيه .

القول الرابع : قول المعتزلة بأن الشفاعة لا تشمل المسلم الذي يرتكب المعاصي الكبائر لأنه يستحق النار ، بل تختص بالمسلم الذي يرتكب المحرمات الصغائر المعفو عنها ، وفائدتها رفع درجته في الجنة .

وسوف نستعرض هذه المذاهب في الفقرات التالية إن شاء الله تعالى .

*       *

١١٢
 &

حدود الشفاعة عند أهل البيت عليهم‌السلام

ما دل على استثناء المشرك والظالم من الشفاعة

ـ التوحيد للصدوق ص ٤٠٧

حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي‌الله‌عنه قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن محمد بن أبي عمير قال : سمعت موسى بن جعفر عليهما‌السلام يقول : لا يخلد الله في النار إلا أهل الكفر والجحود ، وأهل الضلال والشرك . ومن اجتنب الكبائر من المؤمنين لم يسأل عن الصغائر ، قال الله تبارك وتعالى : إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا .

قال فقلت له : يا بن رسول الله فالشفاعة لمن تجب من المذنبين ؟

قال : حدثني أبي عن آبائه عن علي عليهم‌السلام قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ، فأما المحسنون منهم فما عليهم من سبيل .

قال ابن أبي عمير فقلت له : يا بن رسول الله فكيف تكون الشفاعة لأهل الكبائر والله تعالى ذكره يقول : وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ؟ ومن يرتكب الكبائر لا يكون مرتضى !

فقال : يا أبا أحمد ما من مؤمن يرتكب ذنباً إلا ساءه ذلك وندم عليه ، وقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : كفى بالندم توبة .

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن ، فمن لم يندم على ذنب يرتكبه فليس بمؤمن ولم تجب له الشفاعة ، وكان ظالماً والله تعالى ذكره يقول : مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ .

فقلت له : يا ابن رسول الله وكيف لا يكون مؤمناً من لم يندم على ذنب يرتكبه ؟ فقال : يا أبا أحمد ما من أحد يرتكب كبيرة من المعاصي وهو يعلم أنه سيعاقب عليها إلا ندم على ما ارتكب ، ومتى ندم كان تائباً مستحقاً للشفاعة ، ومتى لم يندم

١١٣
 &

عليها كان مصراً ، والمصر لا يغفر له ، لأنه غير مؤمن بعقوبة ما ارتكب ، ولو كان مؤمناً بالعقوبة لندم . وقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا كبيرة مع الإستغفار ، ولا صغيرة مع الإصرار . وأما قول الله عز وجل : وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ ، فإنهم لا يشفعون إلا لمن ارتضى الله دينه ، والدين الإقرار بالجزاء على الحسنات والسيئات ، فمن ارتضى الله دينه ندم على ما ارتكبه من الذنوب ، لمعرفته بعاقبته في القيامة . انتهى . ورواه في وسائل الشيعة ج ١١ ص ٢٦٦ ، وفي تفسير نور الثقلين ج ٤ ص ٥١٧

ـ الإعتقادات للصدوق ص ٤٤

إعتقادنا في الشفاعة : أنها لمن ارتضى دينه من أهل الكبائر والصغائر ، فأما التائبون من الذنوب فغير محتاجين إلى الشفاعة .

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : من لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله الله شفاعتي .

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا شفيع أنجح من التوبة .

والشفاعة للأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام ، وفي المؤمنين من يشفع مثل ربيعة ومضر ، وأقل المؤمنين من يشفع ثلاثين ألفاً .

والشفاعة لا تكون لأهل الشك والشرك ، ولا لأهل الكفر والجحود ، بل تكون للمذنبين من أهل التوحيد .

ـ من لا يحضره الفقيه ج ٣ ص ٥٧٤

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي .

وقال الصادق عليه‌السلام : شفاعتنا لأهل الكبائر من شيعتنا ، وأما التائبون فإن الله عز وجل يقول : ما على المحسنين من سبيل . ورواهما في وسائل الشيعة ج ١١ ص ٢٦٤

ـ روضة الواعظين ص ٥٠١

قيل للرضاعليه‌السلام : يا بن رسول الله فما معنى قول الله تعالى : وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ ؟ قال : لا يشفعون إلا لمن ارتضى دينه ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ما خلا الشرك والظلم .

١١٤
 &

ـ الإختصاص للمفيد ص ٣٣

باب فيه مسائل اليهودي التي ألقاها على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم قال : حدثنا الحسين بن مهران قال : حدثني الحسين بن عبد الله ، عن أبيه ، عن جده ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده الحسين بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال : جاء رجل من اليهود إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا محمد أنت الذي تزعم أنك رسول الله وأنه يوحى إليك كما أوحي إلى موسى بن عمران ؟ قال : نعم ، أنا سيد ولد آدم ولا فخر ، أنا خاتم النبيين وإمام المتقين ورسول رب العالمين .

فقال : يا محمد إلى العرب أرسلت أم إلى العجم أم إلينا ؟ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إني رسول الله إلى الناس كافة .

فقال : إني أسألك عن عشر كلمات أعطاها موسى في البقعة المباركة حيث ناجاه لا يعلمها إلا نبيٌّ مرسل أو ملكٌ مقرب .

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : سل عما بدا لك .

فقال : يا محمد أخبرني عن الكلمات التي اختارها الله لإبراهيم عليه‌السلام حين بنى هذا البيت ؟

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إلۤه إلا الله ، والله أكبر .

فقال : يا محمد لأي شيء بنى إبراهيم عليه‌السلام الكعبة مربعاً ؟

قال : لأن الكلمات أربعة .

قال : فلاي شيء سميت الكعبة كعبة ؟

قال : لأنها وسط الدنيا .

قال : فأخبرني عن تفسير سبحان الله والحمد لله ولا إلۤه إلا الله والله أكبر ؟

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : علم الله أن ابن آدم والجن يكذبون على الله تعالى فقال : سبحان الله ، يعني بريء مما يقولون .

١١٥
 &

وأما قوله : الحمد لله ، علم الله أن العباد لا يؤدون شكر نعمته ، فحمد نفسه عز وجل قبل أن يحمده الخلائق ، وهي أول الكلام ، لولا ذلك لما أنعم الله على أحد بنعمة .

وأما قوله : لا إلۤه إلا الله ، وهي وحدانيته لا يقبل الله الأعمال إلا به ، ولا يدخل الجنة أحد إلا به ، وهي كلمة التقوى سميت التقوى لما تثقل بالميزان يوم القيامة .

وأما قوله : الله أكبر ، فهي كلمة ليس أعلاها كلام وأحبها إلى الله ، يعني ليس أكبر منه ، لأنه يستفتح الصلوات به لكرامته على الله ، وهو اسم من أسماء الله الأكبر .

فقال : صدقت يا محمد ما جزاء قائلها ؟

قال : إذا قال العبد : سبحان الله سبح كل شيء معه ما دون العرش ، فيعطى قائلها عشر أمثالها . وإذا قال : الحمد لله أنعم الله عليه بنعيم الدنيا حتى يلقاه بنعيم الآخرة ، وهي الكلمة التي يقولها أهل الجنة إذا دخلوها ، والكلام ينقطع في الدنيا ما خلا الحمد ، وذلك قولهم : تحيتهم فيها سلام ، وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين .

وأما ثواب : لا إلۤه إلا الله فالجنة ، وذلك قوله : هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ .

وأما قوله : الله أكبر ، فهي أكبر درجات في الجنة وأعلاها منزلة عند الله .

فقال اليهودي : صدقت يا محمد ، أديت واحدة ، تأذن لي أن أسألك الثانية ؟

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : سلني ما شئت ـ وجبرئيل عن يمين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وميكائيل عن يساره يلقنانه ـ فقال اليهودي : لأي شيء سميت محمداً وأحمد وأبا القاسم وبشيراً ونذيراً وداعيا ؟

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أما محمد فإني محمود في السماء ، وأما أحمد فإني محمود في الأرض ، وأما أبو القاسم فإن الله تبارك وتعالى يقسم يوم القيامة قسمة النار بمن كفر بي أو يكذبني من الأولين والآخرين ، وأما الداعي فإني أدعو الناس إلى دين ربي إلى الإسلام ، وأما النذير فإني أنذر بالنار من عصاني ، وأما البشير فإني أبشر بالجنة من أطاعني .

١١٦
 &

قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن الثالثة لأي شيء وقت الله هذه الصلوات الخمس في خمس مواقيت على أمتك ، في ساعات الليل والنهار . . . . .

قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن العاشرة : تسعة خصال أعطاك الله من بين النبيين ، وأعطى أمتك من بين الأمم ؟

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : فاتحة الكتاب ، والأذان ، والإقامة ، والجماعة في مساجد المسلمين ، ويوم الجمعة ، واالإجهار في ثلاث صلوات ، والرخصة لأمتي عند الأمراض والسفر ، والصلاة على الجنائز ، والشفاعة في أصحاب الكبائر من أمتي . . . وأما شفاعتي في أصحاب الكبائر من أمتي ما خلا الشرك والمظالم .

قال : صدقت يا محمد ، أشهد أن لا إلۤه إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله ، وأنك خاتم النبيين ، وإمام المتقين ، ورسول رب العالمين .

ثم أخرج ورقاً أبيض من كمه مكتوب عليه جميع ما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حقاً ، فقال . . . يا محمد فقد كنت أمحي إسمك في التوراة أربعين سنة ، فكلما محوت وجدت إسمك مكتوباً فيها ! وقد قرأت في التوراة هذه المسائل لا يخرجها غيرك ، وإن ساعة ترد جواب هذه المسائل يكون جبرئيل عن يمينك وميكائيل عن يسارك .

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : جبرئيل عن يميني وميكائيل عن يساري !

ـ الخصال للصدوق ص ٣٥٥

حدثنا محمد بن علي ماجيلويه ، عن عمه محمد بن أبي القاسم ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أبي الحسن علي بن الحسين البرقي ، عن عبد الله بن جبلة ، عن الحسن بن عبد الله ، عن آبائه ، عن جده الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام في حديث طويل قال : جاء نفر من اليهود إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فسأله أعلمهم عن أشياء فكان فيما سأله : أخبرنا عن سبع خصال أعطاك الله من بين النبيين وأعطى أمتك من بين الأمم . . . . الخ . وهو شبيه بما تقدم عن الإختصاص ، ولعل السبع تصحيف

١١٧
 &

للتسع ورواه في تفسير نور الثقلين ج ١ ص ٧٧ وبعضه في مستدرك الوسائل ج ١١ ص ٣٦٤

ـ بشارة المصطفى ص ٢٠

قال الصادق جعفر بن محمد عليه‌السلام : أغفل الناس قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في علي بن أبي طالب يوم مشربة أم إبراهيم ، كما أغفلوا قوله فيه يوم غدير خم ! إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان في مشربة أم إبراهيم وعنده أصحابه إذ جاءه علي عليه‌السلام فلم يفرجوا له ، فلما رآهم لم يفرجوا له قال لهم : يا معاشر الناس هذا علي من أهل بيتي ، وتستَخِفُّونَ بهم وأنا حيٌّ بين ظهرانيكم ! أما والله لئن غبت عنكم فإن الله لا يغيب عنكم ، إن الرَّوْحَ والراحة والبشر والبشارة لمن ائتم بعلي وتولاه ، وسلم له وللأوصياء من ولده . إن حقاً عليَّ أن أدخلهم في شفاعتي لأنهم أتباعي فمن تبعني فإنه مني ، سنة جرت فيَّ من إبراهيم لأني من إبراهيم وإبراهيم مني ، وفضلي فضله وفضله فضلي ، وأنا أفضل منه ، تصديق قول ربي : ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ .

ـ التبيان في تفسير القرآن ج ١٠ ص ١٨٧

فقال الله تعالى لهم : فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ، الذين يشفعون لهم ، لأن عذاب الكفر لا يسقطه الله بالشفاعة بالإجماع .

أصناف من الناس موعودون بالشفاعة

وردت في مصادر الفريقين أحاديث متعددة وَعَدت أصنافاً من الناس بالشفاعة جزاء لأعمالهم ، أو جعلتهم من أهل الشفاعة لغيرهم ، أو حذرتهم من الحرمان منها عقاباً على أعمالهم ، ونذكر منها نماذج من مصادرنا ، ومن مصادر السنيين في محلها :

١ ـ من قضى لأخيه المؤمن حاجة

ـ وسائل الشيعة ج ١١ ص ٥٨٨

في ثواب الأعمال ، عن أبيه ، عن سعد ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ،

١١٨
 &

عن سيف بن عميرة ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن شرحبيل بن سعد الأنصاري ، عن أشيد بن حضيرة قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أغاث أخاه المسلم حتى يخرجه من هم وكربة وورطة ، كتب الله له عشر حسنات ورفع له عشر درجات ، وأعطاه ثواب عتق عشر نسمات ، ودفع عنه عشر نقمات ، وأعد له يوم القيامة عشر شفاعات .

ـ مستدرك الوسائل ج ١٢ ص ٤٠٥

عوالي اللآلي : عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من قضى حاجة لأخيه كنت واقفاً عند ميزانه ، فإن رجح وإلا شفعت له .

ـ مستدرك الوسائل ج ١٢ ص ٤٠٧

وعن إبراهيم التيمي قال : كنت في الطواف إذ أخذ أبو عبد الله عليه‌السلام بعضدي فسلم عليَّ ثم قال : ألا أخبرك بفضل الطواف حول هذا البيت ؟ قلت : بلى قال : أيما مسلم طاف حول هذا البيت أسبوعاً ثم أتى المقام فصلى خلفه ركعتين كتب الله له ألف حسنة ، ومحا عنه ألف سيئة ، ورفع له ألف درجة ، وأثبت له ألف شفاعة ، ثم قال : ألا أخبرك بأفضل من ذلك ؟ قلت : بلى قال : قضاء حاجة امرىء مسلم أفضل من طواف أسبوع وأسبوع ، حتى بلغ عشرة .

ـ مستدرك الوسائل ج ١٢ ص ٤٠٩

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام : من مشى في حاجة أخيه كتب الله له بها عشر حسنات ، وأعطاه الله عشر شفاعات .

٢ ـ من سعى في حوائج ذرية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

ـ الكافي ج ٤ ص ٦٠

وعنه ، عن أبيه ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إني شافع يوم القيامة لأربعة أصناف ولو جاؤوا بذنوب أهل الدنيا : رجل نصر

١١٩
 &

ذريتي ، ورجل بذل ماله لذريتي عند المضيق ، ورجل أحب ذريتي باللسان وبالقلب ، ورجل يسعى في حوائج ذريتي إذا طردوا أو شردوا . ورواه في من لا يحضره الفقيه ج ٢ ص ٦٥ وفي تهذيب الأحكام ج ٤ ص ١١١ وفي تأويل الآيات ج ٢ ص ١٠٩ وفي وسائل الشيعة ج ١١ ص ٥٥٦ وفي مستدرك الوسائل ج ١٢ ص ٣٨٢

٣ ـ من زار قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

ـ الكافي ج ٤ ص ٥٤٨

علي بن محمد بن بندار ، عن إبراهيم بن إسحاق ، عن محمد بن سليمان الديلمي ، عن أبي حجر الأسلمي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أتى مكة حاجاً ولم يزرني إلى المدينة جفوته يوم القيامة ، ومن أتاني زائراً وجبت له شفاعتي ، ومن وجبت له شفاعتي وجبت له الجنة ، ومن مات في أحد الحرمين مكة والمدينة لم يعرض ولم يحاسب ، ومن مات مهاجراً إلى الله عز وجل ، حشر يوم القيامة مع أصحاب بدر .

٤ ـ من زار أخاه المؤمن لوجه الله تعالى

ـ الكافي ج ٢ ص ١٧٨

محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن صالح بن عقبة ، عن عبد الله بن محمد الجعفي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إن المؤمن ليخرج إلى أخيه يزوره فيوكل الله عز وجل به ملكاً فيضع جناحاً في الأرض وجناحاً في السماء يظلّه ، فإذا دخل إلى منزله نادى الجبار تبارك وتعالى : أيها العبد المعظم لحقي المتبع لآثار نبيي ، حقَّ علي إعظامك ، سلني أعطك ، أدعني أجبك ، أسكت أبتدئك ، فإذا انصرف شيعه الملك يظله بجناحه حتى يدخل إلى منزله ، ثم يناديه تبارك وتعالى : أيها العبد المعظم لحقي حق علي إكرامك ، قد أوجبت لك جنتي ، وشفعتك في عبادي .

١٢٠