العقائد الإسلاميّة - ج ٣

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية

العقائد الإسلاميّة - ج ٣

المؤلف:

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-120-6
ISBN الدورة:
964-319-117-6

الصفحات: ٤٩٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

يا عيسى ابن البكر البتول ، إبك على نفسك بكاء من ودع الأهل وقلى الدنيا وتركها لأهلها ، وصارت رغبته فيما عند إلۤهه .

يا عيسى ، كن مع ذلك لين الكلام وتفشي السلام ، يقظان إذا نامت عيون الأبرار ، حذراً للمعاد والزلازل الشداد ، وأهوال يوم القيامة ، حيث لا ينفع أهل ولا ولد ولا مال .

يا عيسى ، أكحل عينك بميل الحزن إذا ضحك البطالون .

يا عيسى ، كن خاشعاً صابراً ، فطوبى لك إن نالك ما وعد الصابرون .

يا عيسى ، رح من الدنيا يوماً فيوماً ، وذق لما قد ذهب طعمه ، فحقاً أقول : ما أنت إلا بساعتك ويومك ، فرح من الدنيا ببلغة ، وليكفك الخشن الجشب ، فقد رأيت إلى ما تصير ، ومكتوب ما أخذت وكيف أتلفت .

يا عيسى ، إنك مسؤول فارحم الضعيف كرحمتي إياك ، ولا تقهر اليتيم .

يا عيسى ، إبك على نفسك في الخلوات ، وانقل قدميك إلى مواقيت الصلوات واسمعني لذاذة نطقك بذكري ، فإن صنيعي إليك حسن .

يا عيسى ، كم من أمة قد أهلكتها بسالف ذنوب قد عصمتك منها .

يا عيسى ، إرفق بالضعيف ، وارفع طرفك الكليل إلى السماء وادعني ، فإني منك قريب ، ولا تدعني إلا متضرعاً إليَّ ، وهمك هماً واحداً ، فإنك متى تدعني كذلك أجبك .

يا عيسى ، إني لم أرض بالدنيا ثواباً لمن كان قبلك ، ولا عقاباً لمن انتقمت منه .

يا عيسى ، إنك تفنى وأنا أبقى ، ومني رزقك ، وعندي ميقات أجلك ، وإليَّ إيابك ، وعليَّ حسابك ، فسلني ولا تسأل غيري فيحسن منك الدعاء ومني الإجابة .

يا عيسى ، ما أكثر البشر وأقل عدد من صبر ، الأشجار كثيرة وطيبها قليل ، فلا يغرنك حسن شجرة حتى تذوق ثمرها .

يا عيسى ، لا يغرنك المتمرد عليَّ بالعصيان ، يأكل رزقي ويعبد غيري ، ثم

٨١
 &

يدعوني عند الكرب فأجيبه ، ثم يرجع إلى ما كان عليه ، فعليَّ يتمرد ؟ أم بسخطي يتعرض ! فبي حلفت لآخذنه أخذةً ليس له منها منجاً ولا دوني ملجأ ، أين يهرب من سمائي وأرضي ؟ !

يا عيسى ، قل لظلمة بني إسرائيل : لا تدعوني والسحت تحت أحضانكم ، والأصنام في بيوتكم ، فإني آليت أن أجيب من دعاني ، وأن أجعل إجابتي إياهم لعناً عليهم حتى يتفرقوا .

يا عيسى ، كم أطيل النظر ، وأحسن الطلب والقوم في غفلة لا يرجعون ، تخرج الكلمة من أفواههم لا تعيها قلوبهم ، يتعرضون لمقتي ويتحببون بقربي إلى المؤمنين .

يا عيسى ، لتكن في السر والعلانية واحداً ، وكذلك فليكن قلبك وبصرك ، واطو قلبك ولسانك عن المحارم ، وكف بصرك عما لا خير فيه ، فكم من ناظر نظرة قد زرعت في قلبه شهوة ، ووردت به موارد حياض الهلكة .

يا عيسى ، كن رحيماً مترحماً ، وكن كما تشاء أن يكون العباد لك ، وأكثر ذكر الموت ومفارقة الأهلين ، ولا تَلْهُ فإن اللهو يفسد صاحبه ، ولا تغفل فإن الغافل مني بعيد ، واذكرني بالصالحات حتى أذكرك .

يا عيسى ، تب إليَّ بعد الذنب ، وذكر بي الأوابين ، وآمن بي وتقرب بي إلى المؤمنين ، ومرهم يدعوني معك ، وإياك ودعوة المظلوم ، فإني آليت على نفسي أن أفتح لها باباً من السماء بالقبول ، وأن أجيبه ولو بعد حين .

يا عيسى ، إعلم أن صاحب السوء يُعدي ، وقرين السوء يردي ، واعلم من تقارن واختر لنفسك إخواناً من المؤمنين .

يا عيسى ، تب إلي ، فإني لا يتعاظمني ذنب أن أغفره ، وأنا أرحم الراحمين . إعمل لنفسك في مهلة من أجلك قبل أن لا يعمل لها غيرك ، واعبدني ليوم كألف سنة مما تعدون ، فيه أجزي بالحسنة أضعافها ، وإن السيئة توبق صاحبها ، فامهد لنفسك في مهلة ، ونافس في العمل الصالح ، فكم من مجلس قد نهض أهله وهم مجارون من النار .

٨٢
 &

يا عيسى ، إزهد في الفاني المنقطع ، وطأ رسوم منازل من كان قبلك ، فادعهم وناجهم ، هل تحس منهم من أحد ، وخذ موعظتك منهم ، واعلم أنك ستلحقهم في اللاحقين .

يا عيسى ، قل لمن تمرد علي بالعصيان وعمل بالإدهان : ليتوقع عقوبتي وينتظر إهلاكي إياه ، سيصطلم مع الهالكين .

طوبى لك يا ابن مريم ثم طوبى لك إن أخذت بأدب إلۤهك الذي يتحنن عليك ترحماً ، وبدأ النعم منه تكرماً ، وكان لك في الشدائد . لا تعصه يا عيسى فإنه لا يحلك عصيانه . قد عهدت إليك ما عهدت إلى من كان قبلك وأنا على ذلك من الشاهدين .

يا عيسى ، ما أكرمت خليقة بمثل ديني ، ولا أنعمت عليها بمثل رحمتي .

يا عيسى ، إغسل بالماء منك ما ظهر وداو بالحسنات منك ما بطن ، فإنك إليَّ راجع .

يا عيسى ، أعطيتك ما أنعمت به عليك فيضاً من غير تكدير ، وطلبت منك قرضاً لنفسك فبخلت به عليها ، لتكون من الهالكين .

يا عيسى ، تزين بالدين وحب المساكين ، وامش على الأرض هوناً ، وصل على البقاع ، فكلها طاهر .

يا عيسى ، شمر فكل ما هو آت قريب ، واقرأ كتابي وأنت طاهر ، وأسمعني منك صوتاً حزيناً .

يا عيسى ، لا خير في لذاذة لا تدوم ، وعيش من صاحبه يزول .

يا ابن مريم ، لو رأت عينك ما أعددت لأوليائي الصالحين ذاب قلبك وزهقت نفسك شوقاً إليه ، فليس كدار الآخرة دار ، تجاور فيها الطيبون ، ويدخل عليهم فيها الملائكة المقربون ، وهم مما يأتي يوم القيامة من أهوالهما آمنون ، دارٌ لا يتغير فيها النعيم ، ولا يزول عن أهلها .

٨٣
 &

يا ابن مريم ، نافس فيها مع المتنافسين ، فإنها أمنية المتمنين ، حسنة المنظر ، طوبى لك يا ابن مريم إن كنت لها من العاملين ، مع آبائك آدم وإبراهيم في جنات ونعيم ، لا تبغي لها بدلاً ولا تحويلاً ، كذلك أفعل بالمتقين .

يا عيسى ، أهرب إلي مع من يهرب من نار ذات لهب ، ونار ذات أغلال وأنكال ، لا يدخلها روح ، ولا يخرج منها غم أبداً ، قطع كقطع الليل المظلم ، من ينج منها يفز ، ولن ينجو منها من كان من الهالكين ، هي دار الجبارين والعتاة الظالمين ، وكل فظ غليظ ، وكل مختار فخور .

يا عيسى ، بئست الدار لمن ركن إليها ، وبئس القرار دار الظالمين ، إني أحذرك نفسك فكن بي خبيراً .

يا عيسى ، كن حيث ما كنت مراقباً لي ، واشهد على أني خلقتك وأنت عبدي .

يا عيسى ، لا يصلح لسانان في فم واحد ، ولا قلبان في صدر واحد ، وكذلك الأذهان .

يا عيسى ، لا تستيقظن عاصياً ، ولا تستنبهن لاهياً ، وافطم نفسك عن الشهوات الموبقات ، وكل شهوة تباعدك مني فاهجرها ، واعلم أنك مني بمكان الرسول الأمين ، فكن مني على حذو العم . إن دنياك مؤديتك إليَّ وإني آخذك بعلمي ، فكن ذليل النفس عند ذكري ، خاشع القلب حين تذكرني ، يقظاناً عند نوم الغافلين .

يا عيسى ، هذه نصيحتي إياك وموعظتي لك ، فخذها مني ، وإني رب العالمين .

يا عيسى ، إذا صبر عبدي في جنبي كان ثواب عمله علىي ، وكنت عنده حين يدعوني ، وكفى بي منتقماً ممن عصاني ، أين يهرب مني الظالمون ؟

يا عيسى ، أطب الكلام ، وكن حيثما كنت عالماً متعلماً .

يا عيسى ، أفض بالحسنات إليَّ ، حتى يكون لك ذكرها عندي ، وتمسك بوصيتي فإن فيها شفاء للقلوب .

يا عيسى ، لا تأمن إذا مكرت مكري ، ولا تنس عند خلوات الدنيا ذكري .

٨٤
 &

يا عيسى ، حاسب نفسك بالرجوع إلي ، حتى تتنجز ثواب ما عمله العاملون ، أولئك يؤتون أجرهم وأنا خير المؤتين .

يا عيسى ، كنت خلقاً بكلامي ، ولدتك مريم بأمري المرسل إليها روحي جبرئيل ، الأمين من ملائكتي ، حتى قمت على الأرض حياً تمشي كل ذلك في سابق علمي .

يا عيسى ، زكريا بمنزلة أبيك وكفيل أمك ، إذ يدخل عليها المحراب فيجد عندها رزقاً ، ونظيرك يحيى من خلقي ، وهبته لأمه بعد الكبر من غير قوة بها ، أردت بذلك أن يظهر لها سلطاني وتظهر قدرتي . أحبكم إلي أطوعكم لي ، وأشدكم خوفاً مني .

يا عيسى ، تيقظ ولا تيأس من روحي ، وسبحني مع من يسبحني ، وبطيب الكلام فقدّسني .

يا عيسى ، كيف يكفر العباد بي ونواصيهم في قبضتي ، وتقلبهم في أرضي ، يجهلون نعمتي ويتولون عدوي ، وكذلك يهلك الكافرون .

يا عيسى ، إن الدنيا سجن منتن الريح ، وحسن فيها ما قد ترى مما قد تذابح عليه الجبارون ، وإياك والدنيا فكل نعيمها يزول ، وما نعيمها إلا قليل .

يا عيسى ، إبغني عند وسادك تجدني ، وادعني وأنت لي محب ، فإني أسمع السامعين ، أستجيب للداعين إذا دعوني .

يا عيسى ، خفني وخوف بي عبادي ، لعل المذنبين أن يمسكوا عما هم عاملون به ، فلا يهلكوا إلا وهم يعلمون .

يا عيسى ، إرهبني رهبتك من السبع والموت الذي أنت لاقيه ، فكل هذا أنا خلقته ، فإياي فارهبون .

يا عيسى ، إن الملك لي وبيدي ، وأنا الملك فإن تطعني أدخلتك جنتي في جوار الصالحين .

يا عيسى ، إني إذا غضبت عليك لم ينفعك رضى من رضي عنك ، وإن رضيت عنك لم يضرك غضب المغضبين .

٨٥
 &

يا عيسى ، أذكرني في نفسك أذكرك في نفسي ، واذكرني في ملأك أذكرك في ملأ خير من ملأ الآدميين .

يا عيسى ، أدعني دعاء الغريق الحزين ، الذي ليس له مغيث .

يا عيسى ، لا تحلف بي كاذباً فيهتز عرشي غضباً . الدنيا قصيرة العمر طويلة الأمل وعندي دار خير مما تجمعون .

يا عيسى ، كيف أنتم صانعون إذا أخرجت لكم كتاباً ينطق بالحق وأنتم تشهدون بسرائر قد كتمتموها وأعمال كنتم بها عاملين .

يا عيسى ، قل لظلمة بني إسرائيل : غسلتم وجوهكم ودنستم قلوبكم ، أبي تغترون أم علي تجترئون ؟ ! تطيبون بالطيب لأهل الدنيا وأجوافكم عندي بمنزله الجيف المنتنة ، كأنكم أقوام ميتون !

يا عيسى ، قل لهم : قلموا أظفاركم من كسب الحرام ، وأصموا أسماعكم عن ذكر الخنا ، وأقبلوا علي بقلوبكم ، فإني لست أريد صوركم .

يا عيسى ، إفرح بالحسنة فإنها لي رضى ، وابك على السيئة فإنها شين ، وما لا تحب أن يصنع بك فلا تصنعه بغيرك ، وإن لطم خدك الأيمن فأعطه الأيسر ، وتقرب إليَّ بالمودة جهدك ، وأعرض عن الجاهلين .

يا عيسى ، ذُلَّ لأهل الحسنة وشاركهم فيها ، وكن عليهم شهيداً . وقل لظلمة بني إسرائيل : يا أخدان السوء والجلساء عليه ، إن لم تنتهوا أمسخكم قردة وخنازير .

يا عيسى ، قل لظلمة بني إسرائيل : الحكمة تبكي فرقاً مني ، وأنتم بالضحك تهجرون ، أتتكم براءتي ، أم لديكم أمان من عذابي ، أم تعرضون لعقوبتي ؟ ! فبي حلفت لأتركنكم مثلاً للغابرين .

ثم أوصيك يا بن مريم البكر البتول ، بسيد المرسلين وحبيبي ، فهو أحمد صاحب الجمل الأحمر ، والوجه الأقمر ، المشرق بالنور ، الطاهر القلب ، الشديد البأس ، الحيي المتكرم ، فإنه رحمة للعالمين ، وسيد ولد آدم يوم يلقاني ، أكرم السابقين عليَّ

٨٦
 &

وأقرب المرسلين مني ، العربي الأمين ، الديان بديني ، الصابر في ذاتي ، المجاهد المشركين بيده عن ديني ، أن تخبر به بني إسرائيل ، وتأمرهم أن يصدقوا به وأن يؤمنوا به وأن يتبعوه ، وأن ينصروه .

قال عيسى : إلۤهي من هو حتى أرضيه ، فلك الرضا ؟ قال : هو محمد رسول الله إلى الناس كافة ، أقربهم مني منزلة ، وأحضرهم شفاعة ، طوبى له من نبي ، وطوبى لأمته إن هم لقوني على سبيله ، يحمده أهل الأرض ويستغفر له أهل السماء ، أمين ميمون ، طيب مطيب ، خير الباقين عندي ، يكون في آخر الزمان ، إذا خرج أرخت السماء عزاليها ، وأخرجت الأرض زهرتها ، حتى يروا البركة ، وأبارك لهم فيما وضع يده عليه ، كثير الأزواج ، قليل الأولاد ، يسكن بكة ، موضع أساس إبراهيم .

يا عيسى ، دينه الحنيفية ، وقبلته يمانية ، وهو من حزبي وأنا معه ، فطوبى له ثم طوبى له ، له الكوثر والمقام الأكبر في جنات عدن ، يعيش أكرم من عاش ويقبض شهيداً ، له حوض أكبر من بكة إلى مطلع الشمس ، من رحيق مختوم ، فيه آنية مثل نجوم السماء ، وأكواب مثل مدر الأرض ، عذب فيه من كل شراب ، وطعم كل ثمار في الجنة ، من شرب منه شربة لم يظمأ أبداً ، وذلك من قسمي له وتفضيلي إياه . على فترة بينك وبينه ، يوافق سره علانيته ، وقوله فعله ، لا يأمر الناس إلا بما يبدأهم به ، دينه الجهاد في عسر ويسر ، تنقاد له البلاد ويخضع له صاحب الروم . على دين إبراهيم ، يسمي عند الطعام ، ويفشي السلام ، ويصلي والناس نيام ، له كل يوم خمس صلوات متواليات ، ينادي إلى الصلاة كنداء الجيش بالشعار ، ويفتتح بالتكبير ويختتم بالتسليم ، ويصف قدميه في الصلاة كما تصف الملائكة أقدامها ، ويخشع لي قلبه ورأسه ، النور في صدره والحق على لسانه ، وهو على الحق حيثما كان أصله . يتيمٌ ضال برهة من زمانه عما يراد به ، تنام عيناه ولا ينام قلبه ، له الشفاعة ، وعلى أمته تقوم الساعة ، ويدي فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى

٨٧
 &

بما عاهد عليه أوفيت له بالجنة ، فمر ظلمة بني إسرائيل ألا يدرسوا كتبه ، ولا يحرفوا سنته ، وأن يقرؤوه السلام ، فإن له في المقام شأناً من الشأن . انتهى .

وقد يكون حدث في هذا النص تغيير ما من الرواة ، ولكن فيه أفكاراً وأموراً مهمة يحسن مقارنتها وأمثالها مما ورد في مصادرنا عن عيسى عليه‌السلام بالنصوص التي تشابهها من الإنجيل والتوراة ، لمعرفة التفاوت والتغيير فيها .

*       *

تفسير إخواننا السنيين القريب من تفسيرنا

ـ مسند أحمد ج ٢ ص ٤٤١

عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً ، قال : هو المقام الذي أشفع لأمتي فيه .

ـ الدر المنثور ج ٤ ص ١٩٧

أخرج سعيد بن منصور والبخاري وابن جرير وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : إن الناس يصيرون يوم القيامة جثاء ، كل أمة تتبع نبيها يقولون يا فلان إشفع لنا ، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود .

وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة رضي‌الله‌عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً ، وسئل عنه قال : هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي .

وأخرج ابن جرير والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة رضي‌الله‌عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : المقام المحمود الشفاعة .

وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه من طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً ، قال مقام الشفاعة .

٨٨
 &

وأخرج ابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص رضي‌الله‌عنه قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المقام المحمود فقال : هو الشفاعة .

ـ الدر المنثور ج ٤ ص ١٩٨

وأخرج ابن أبي شيبة عن سلمان رضي‌الله‌عنه قال : يقال له : سل تعطه ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم ، واشفع تشفع ، وادع تجب ، فيرفع رأسه فيقول : أمتي مرتين أو ثلاثاً فقال سلمان رضي‌الله‌عنه : يشفع في كل من في قلبه مثقال حبة حنطة من إيمان ، أو مثقال شعيرة من إيمان ، أو مثقال حبة خردل من إيمان . قال سلمان رضي‌الله‌عنه : فذلكم المقام المحمود .

ـ الدر المنثور ج ٥ ص ٩٨

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : بأبي أنت وأمي أين كنت وآدم في الجنة ؟ فتبسم حتى بدت نواجذه ثم قال : إني كنت في صلبه ، وهبط إلى الأرض وأنا في صلبه ، وركبت السفينة في صلب أبي نوح ، وقذفت في النار في صلب أبي ابراهيم ، لم يلتق أبواي قط على سفاح ، لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة ، مصفى مهذباً لا تتشعب شعبتان إلا كنت في خيرهما ، قد أخذ الله بالنبوة ميثاقي وبالإسلام هداني وبين في التوراة والإنجيل ذكري ، وبين كل شيء من صفتي في شرق الأرض وغربها ، وعلمني كتابه ، ورقي بي في سمائه ، وشق لي من أسمائه فذو العرش محمود وأنا محمد ، ووعدني أن يحبوني بالحوض وأعطاني الكوثر ، وأنا أول شافع وأول مشفع ، ثم أخرجني في خير قرون أمتي ، وأمتي الحمادون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر . انتهى .

ـ ورواه في كنز العمال ج ١٢ ص ٤٢٧ وأضاف فيه : قال ابن عباس : فقال حسان بن ثابت في النبي صلى الله عليه وسلم :

من قبلها طبت في الظلال وفي

مستودعٍ حيث يخصف الورقُ

ثم سكنت البلاد لا بشرٌ

أنت ولا نطفة ولا علق

٨٩
 &

مطهر تركب السفين وقد

ألجم أهل الضلالة الغرق

تنقل من صلبٍ إلى رحم

إذا مضى عالم بدا طبق

ـ تفسير الطبري ج ١٥ ص ٩٦

وقوله : عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً ، عن ابن عباس قال : المقام المحمود مقام الشفاعه . .

ـ ومثله في طبقات المحدثين بأصبهان ج ١ ص ٢٠١ عن جابر وأبي سعيد مرفوعاً وفي مختصر تاريخ دمشق لابن منظور ج ١ جزء ٢ ص ١٦٥ عن ابن عباس .

ـ الشفا للقاضي عياض ص ٢١٦

فصل في تفضيله صلى الله عليه وسلم بالشفاعة والمقام المحمود ، قال الله تعالى : عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا . . . عن آدم بن علي قال سمعت ابن عمر يقول : إن الناس يصيرون يوم القيامة جثى ، كل أمة تتبع نبيها يقولون يا فلان إشفع لنا يا فلان إشفع لنا ، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود .

ـ تفسير الرازي ج ١١ جزء ٢١ ص ٣١

قال الواحدي : أجمع المفسرون على أنه ( المقام المحمود ) مقام الشفاعه . . . إن احتياج الإنسان إلى دفع الآلام العظيمة عن النفس فوق احتياجه إلى تحصيل المنافع الزائده التي لا حاجة به إلى تحصيلها . وإذا ثبت هذا وجب أن يكون المراد من قوله : عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا ، هو الشفاعة في إسقاط العقاب . انتهى . وراجع التفسير الوسيط للنيسابوري ج ٣ ص ١٢٢

ـ وقال في ج ١٦ جزء ٣٢ ص ١٢٧ قوله تعالى : إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ، الكوثر هو المقام المحمود الذي هو الشفاعة . . . شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي .

٩٠
 &

تفسيرهم الذي فيه تجسيم

ـ صحيح البخاري ج ٨ ص ١٨٣

فأستأذن على ربي في داره ! فيؤذن لي عليه ، فإذا رأيته وقعت ساجداً ، فيدعني ما شاء الله أن يدعني فيقول : إرفع يا محمد وقل يسمع واشفع تشفع وسل تعط . قال فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه ، ثم أشفع فيحد لي حداً فأخرج فأدخلهم الجنة . قال قتادة : وسمعته أيضاً يقول : فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ، ثم أعود فاستأذن على ربي في داره ! فيؤذن لي عليه فإذا رأيته وقعت ساجداً ، فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقول : إرفع محمد وقل يسمع واشفع تشفع وسل تعطه ، قال فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه ، قال ثم أشفع ، فيحد لي حداً فأخرج فأدخلهم الجنة . قال قتادة : وسمعته يقول فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ثم أعود الثالثة فأستأذن إلى ربي في داره ! فيؤذن لي عليه فإذا رأيته وقعت ساجداً فيدعني ما شاء الله أن يدعني ، ثم يقول إرفع محمد وقل يسمع واشفع تشفع وسل تعطه ، قال فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه ، قال ثم أشفع فيحد لي حداً فأخرج فأدخلهم الجنة . قال قتادة : وقد سمعته يقول : فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ، حتى ما يبقى في النار إلا من حبسه القرآن ، أي وجب عليه الخلود . قال : ثم تلا الآية : عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا ، قال وهذا المقام المحمود الذي وعده نبيكم صلى الله عليه وسلم .

ونحوه في صحيح مسلم ج ١ ص ١٢٣ ومسند أحمد ج ٣ ص ٢٤٤ وشبيهه في مسند أحمد ج ١ ص ٣٩٨ وسنن الترمذي ج ٤ ص ٣٧٠ ومستدرك الحاكم ج ٤ ص ٤٩٦ والدر المنثور ج ٣ ص٨٧ عن الطبري .

ـ وفي الدر المنثور ج ٦ ص ٢٥٧ في قصة الدجال

عن ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في البعث والنشور عن ابن مسعود أنه ذكر عنده الدجال فقال . . . إلى آخر

٩١
 &

الرواية . وستأتي بتمامها في بحث الخلود في الجنة والنار وفي بعض نصوصها تجسيم صريح وفي بعضها رائحة التجسيم .

وكذلك ما رواه البخاري في تسعة مواضع من صحيحه ج ٢ جزء ٤ ص ١٠٥ وج ٣ جزء ٥ ص ١٤٦ وص ٢٢٥ وص ٢٢٨ وج ٧ ص ٢٠٣ وج ٨ ص ١٧٢ وص ١٨٣ وص ٢٠٠ وص ٢٠٣ من حديث الشدة التي تكون على الناس في المحشر حتى يلجؤون ( كذا ) الى آدم وغيره من الأنبياء فيحولونهم على نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله فيشفع إلى الله تعالى فيشفعه . وروى ذلك في كنز العمال ج ٢ ص ٢٦ وغيره .

ـ سنن الدارمي ج ٢ ص ٣٢٥

عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قيل له : ما المقام المحمود ؟ قال : ذاك يوم ينزل الله تعالى على كرسيه يئط كما يئط الرحل الجديد من تضايقه به ، وهو كسعة ما بين السماء والأرض ، ويجاء بكم حفاة عراة غرلاً ، فيكون أول من يكسى إبراهيم ، يقول الله تعالى إكسوا خليلي فيؤتى بريطتين بيضاوين من رياط الجنة ، ثم أكسى على أثره ، ثم أقوم عن يمين الله مقاماً يغبطني الأولون والآخرون . انتهى .

ـ ورواه أحمد في مسنده عن عمر ج ٤ ص ١٣٧ ورواه الحاكم في ج ٢ ص ٣٦٤ والبغوي في مصابيحه ج ٣ ص ٥٥٢ والهندي في كنز العمال ج ١٤ ص ٤١٢ والسيوطي في الدر المنثور ج ٣ ص ٨٤ وروى نحوه في الدر المنثور ج ١ ص ٣٤ وص ٣٢٨ وص ٣٢٤ قال : وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن مسعود قال قال رجل : يا رسول الله ما المقام المحمود ؟ قال . . .

وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال كان الحسن يقول : الكرسي هو العرش . . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . وسع كرسيه السموات والأرض ، فهي تئط من عظمته وجلاله كما يئط الرحل الجديد ! ! . انتهى . ورواه في كنز العمال ج ١٤ ص ٦٣٦

٩٢
 &

ـ وفي فردوس الأخبار ج ٣ ص ٨٥

عن ابن عمر : عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا ، يجلسني معه على السرير .

ـ وفي ج ٤ ص ٢٩٨ عن أنس بن مالك : من كرامتي على ربي عز وجل قعودي على العرش .

ـ مجمع الزوائد ج ٧ ص ٥١ :

وعن ابن عباس أنه قال في قول الله : عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا ، يجلسه بينه وبين جبريل ويشفع لأمته ، فذلك المقام المحمود . ورواه السيوطي في الدر المنثور ج ٤ ص ١٩٨

ـ وروى البيهقي في دلائل النبوة ج ٥ ص ٤٨١

يأتي رسول الله ( ص ) يوم القيامة إلى الله وهو جالس على كرسيه .

ـ وقال الشوكاني في فتح القدير ج ٣ ص ٣١٦

إن المقام المحمود هو أن الله سبحانه يجلس محمداً معه على كرسيه حكاه ابن جرير . . . وقد ورد في ذلك حديث .

ـ وفي تاريخ بغداد ج ٣ ص ٢٢ عن ليث بن مجاهد في قوله : عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا قال : يقعده معه على العرش . .

ـ وفي تاريخ بغداد ج ٨ ص ٥٢

عن عبد الله بن خليفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الكرسي الذي يجلس عليه الرب عز وجل وما يفضل منه إلا قدر أربع أصابع ، وإن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد !

قال أبو بكر المروذي قال لي أبو علي الحسين بن شبيب قال لي أبو بكر بن سلم العابد حين قدمنا إلى بغداد : أخرج ذلك الحديث الذي كتبناه عن أبي حمزة ، فكتبه

٩٣
 &

أبو بكر بن سلم بخطه وسمعناه جميعاً ، وقال أبو بكر بن سلم : إن الموضع الذي يفضل لمحمد صلى الله عليه وسلم ليجلسه عليه ! قال أبو بكر الصيدلاني : من رد هذا فإنما أراد الطعن على أبي بكر المروزي ، وعلى أبي بكر بن سلم العابد ! !

القعود على العرش فكرة يهودية مسيحية

ـ قال جولد تسيهر في مذاهب التفسير الإسلامي ص ١٢٢

سجلت فتنة ببغداد أثارها نزاع على مسألة من التفسير ذلك هو تفسير الآية ٧٩ من سورة الإسراء : ومن الليل فتهجد به نافلة عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا ، ما المراد من المقام المحمود ؟ ذهب الحنابلة . . . الى أن الذي يفهم من ذلك هو أن الله يقعد النبي معه على العرش . . . ربما كان هذا متأثراً بما جاء في انجيل مرقص ١٦ ـ ١٩ ، وآخرون ذهبوا إلى أن المقام المحمود . . . هو مرتبة الشفاعة التي يرفع إليها النبي . انتهى .

وقد أوردنا في المجلد الثاني من العقائد الإسلامية أن أفكار التجسيم والصفات المادية لله تعالى وعرشه قد أخذها بعض المسلمين من اليهود وأدخلوها في الثقافة الإسلامية ، وأضاف اليها هؤلاء المقلدة إجلاس نبيهم إلى جنب الله تعالى ! بينما روى اليهود إجلاس موسى وداود الى جنبه ! وروى المسيحيون جلوس عيسى على السرير الى جنب أبيه ! ! وقد تقدم ذلك في الشفاعة عند اليهود والنصارى .

ونلاحظ أن ابن سلام اليهودي الذي أسلم يقول عن نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله إنه لا يجلس إلى جنب الله تعالى بل ( يلقى ) له كرسيٌّ في جنب المجلس مثلاً فيجلس عليه ! قال البيهقي في دلائل النبوة ج ٥ ص ٤٨٦ : عن عبد الله بن سلام : وينجو النبي ( ص ) والصالحون معه ، وتتلقاهم الملائكة يرونهم منازلهم . . حتى ينتهي الى الله عز وجل فيلقى له كرسي . انتهى .

وسوف تعرف في بحث الشفيع الأول أن مصادر السنيين تأثرت بالإسرائيليات

٩٤
 &

وصححت رواياتها وجعلت شفاعة أنبياء بني إسرائيل قبل نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله وجعلته الشفيع الرابع قال السيوطي في الدر المنثور ج ٤ ص ١٩٨ : وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن مسعود رضي‌الله‌عنه قال : يأذن الله تعالى في الشفاعة فيقوم روح القدس جبريل عليه‌السلام ثم يقوم إبراهيم خليل الله عليه الصلاة والسلام ثم يقوم عيسى وموسى عليهما‌السلام ثم يقوم نبيكم صلى الله عليه وسلم رابعاً ليشفع . . . ورواه الحاكم في المستدرك ج ٤ ص ٤٩٦ بسند صحيح على شرط الشيخين ! !

أما الفتنة التي ذكرها تسيهر فقد ذكرها ابن الأثير في تاريخه ج ٥ ص ١٢١ فقال : ( في سنة ٣١٧ هـ ) وقعت فتنة عظيمة ببغداد بين أصحاب أبي بكر المروزي الحنبلي وبين غيرهم من العامة ، ودخل كثير من الجند فيها ، وسبب ذلك أصحاب المروزي قالوا في تفسير قوله تعالى : عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا ، هو أن الله سبحانه يقعد النبي ( ص ) معه على العرش ! وقالت طائفة إنما هو الشفاعة ، فوقعت الفتنة فقتل بينهم قتلى كثيرة . انتهى . وذكرها الذهبي في تاريخ الإسلام ج ٢٣ ص ٣٨٤ وأنها بسبب تفسير آية المقام المحمود ، حيث قالت الحنابلة إنها تعني أن الله يقعده على عرشه كما قال مجاهد . وقال غيرهم : بل هي الشفاعة العظمى .

انتقاد بعض علماء السنة التفسير بالقعود على العرش

ـ قال السقاف في صحيح شرح العقيدة الطحاوية ج ١ ص ٥٧٠

قال الإمام الطحاوي رحمه‌الله : والشفاعة التي ادخرها لهم حق كما روي في الأخبار ونرجو للمحسنين من المؤمنين أن يعفو عنهم ويدخلهم الجنة برحمته ، ولا نأمن عليهم ، ولا نشهد لهم بالجنة ، ونستغفر لمسيئهم ، ونخاف عليهم ولا نقنّطهم .

الشرح : لقد ثبتت الشفاعة منطوقاً ومفهوماً في القرآن الكريم وخاصة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن تلك الآيات قوله تعالى : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ . الضحى ـ ٣ وقال تعالى : عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا . الإسراء ـ ٧٩ وتفسير المقام المحمود بالشفاعة

٩٥
 &

ثابت في الصحيحين وغيرهما ( ٣٣٨ ) .

وقال الله تعالى : يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَـٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا . طه ـ ١٠٩ . وقال تعالى : مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِن بَعْدِ إِذْنِهِ . يونس ـ ٣

وفي شفاعة الملائكة قوله تعالى : بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ . لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ . وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ . يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ . الأنبياء ـ ٧٨

وقال في هامشه : ( ٣٣٨ ) أنظر البخاري ٣ ـ ٣٣٨ و ٨ ـ ٣٩٩ و ١٣ ـ٤٢٢ ومسلم ١ ـ ١٧٩ . ومن الغريب العجيب أن يعرض المجسمة والمشبهة عن هذا الوارد الثابت في الصحيحين ، ويفسروا المقام المحمود بجلوس سيدنا محمد على العرش بجنب الله ! تعالى الله عن إفكهم وكذبهم علواً كبيراً ، وهم يعتمدون على ذلك على ما يروى عن مجاهد بسند ضعيف من أنه قال ما ذكرناه من التفسير المنكر المستشنع ، وتكفل الخلال في كتابه السنة ١ ـ ٢٠٩ بنصرة التفسير المخطىء المستبشع ، وقد نطق بما هو مستنشع عند جميع العقلاء !

ـ وقال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية ص ١٧٠

وهذا الخلال يقول في سنته ص ٢٣٢ ناقلاً : لا أعلم أحداً من أهل العلم ممن تقدم ولا في عصرنا هذا إلا وهو منكر لما أحدث الترمذي ( ٩٩ ) من رد حديث محمد بن فضيل عن ليث عن مجاهد في قوله : عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا ، قال يقعده على العرش ( ١٠٠ ) فهو عندنا جهمي يهجر ونحذر عنه .

وقال السقاف في هامشه : ( ٩٩ ) مع أن التأويل والتفويض لم يحدثه ولم يخترعه الترمذي ؛ . ومن الغريب العجيب أيضاً أن محقق سنة الخلال عطية الزهراني حاول أن ينفي أن كون الترمذي المراد هنا هو الإمام المعروف صاحب السنن فقال ص ٢٢٤ في الهامش تعليق رقم ٤ هو جهم بن صفوان ثم تراجع عن ذلك ص ٢٣٢ فقال في الهامش التعليق رقم ٨ ( كنت أظنه جهم ، ولكن اتضح من الروايات أنه يقصد

٩٦
 &

رجلاً آخر لم أتوصل إلى معرفته ) فيا للعجب ! !

( ١٠٠ ) وهذا القعود الذي يتحدثون عنه هو قعود سيدنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بجنب الله تعالى على العرش ! تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ! والدليل عليه قول الخلال هناك ص ٢٤٤ : حدثنا أبو معمر ثنا أبو الهذيل عن محمد بن فضيل عن ليث عن مجاهد قال : عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا ، قال : يجلسه معه على العرش قال عبد الله : سمعت هذا الحديث من جماعة وما رأيت أحداً من المحدثين ينكره ، وكان عندنا في وقت ما سمعناه من المشائخ أن هذا الحديث إنما تنكره الجهمية .

أقول : ومن العجيب الغريب أن الألباني ينكر هذا ، ويقول بعدم صحته وأنه لم يثبت كما سيأتي ، وكذلك محقق الكتاب وهو متمسلف معاصر ينكر ذلك أيضاً ويحكم على هذا الأثر بالضعف حيث يقول في هامش تلك الصحيفة تعليق رقم ١٩ : إسناده ضعيف ! فهل هؤلاء جهمية ! وما هذا الخلاف الواقع بين هؤلاء في أصول اعتقادهم !

ومن الغريب العجيب أيضاً أنهم اعتبروا أن نفي قعود سيدنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بجنب الله نافياً ودافعاً لفضيلة من فضائل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والدليل على ما قلناه قول الخلال هناك ص ٢٣٧ : ( وقال أبو علي إسماعيل بن إبراهيم الهاشمي ( وهو مجهول بنظر المحقق ) : إن هذا المعروف بالترمذي عندنا مبتدع جهمي ، ومن رد حديث مجاهد فقد دفع فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن رد فضيلة الرسول صلى الله عليه وسلم فهو عندنا كافر مرتد عن الإسلام ! !) وقال ص ٢٣٤ ناقلاً ( وأنا أشهد على هذا الترمذي أنه جهمي خبيث ) ! انتهى .

*       *

تفسير قوله تعالى ( ولسوف يعطيك ربك فترضى )

قال الله تعالى : وَالضُّحَىٰ وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ . مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ . وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ

٩٧
 &

لَّكَ مِنَ الْأُولَىٰ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ . الضحى ١ ـ ٥

والعطاء في الآية مطلق شامل لأنواع ما يعطيه الله تعالى لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن الطبيعي أن يكون عطاء عظيماً متناسباً مع كرم الله تعالى على حبيبه أشرف الخلق وسيد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله . . ولم تنص الآية على أنه الشفاعة ولكن بعض الأحاديث نصت على ذلك ، وبعضها نص على أنها الشفاعة في أهل بيته وبني هاشم وعبد المطلب ، وبعضها نص على أنه العطاء في الجنة ، وبعضها أطلق . . وبعضها قال إنها الشفاعة في أهل بيته وأمته . . وجعلها بعضهم الشفاعة في جميع أمته صلى‌الله‌عليه‌وآله بحيث لا يدخل أحد منها النار أبداً ! ولكن ذلك لا يصح لأنه مخالف لما ثبت عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله من دخول بعض أمته النار ومخالف لقانون الجزاء الإلۤهي ، كما ستعرف .

تفسير الآية بالعطاء الإلهي الأعم من الشفاعة

ـ تفسير القمي ج ٢ ص ٤٢٧

حدثنا جعفر بن أحمد قال : حدثنا عبد الله بن موسى بن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبيه ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله : وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَىٰ ، قال : يعني الكرة هي الآخرة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله . قلت قوله : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ، قال : يعطيك من الجنة فترضى . ورواه في مختصر بصائر الدرجات ص ٤٧ وفي بحار الأنوار ج ٥٣ ص ٥٩ وفي تفسير نور الثقلين ج ٥ ص ٥٩٤

ـ تفسير التبيان ج ١٠ ص ٣٦٩

قوله : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ، وعد من الله له أن يعطيه من النعيم والثواب وفنون النعم ما يرضي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله به ويؤثره .

ـ تأويل الآيات ج ٢ ص ٨١٠

قوله تعالى : وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَىٰ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ . تأويله ما رواه محمد بن العباس رحمه‌الله عن أبي داود ، عن بكار ، عن عبد الرحمان ، عن

٩٨
 &

إسماعيل بن عبد الله ، عن علي بن عبد الله بن العباس قال : عرض على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما هو مفتوح على أمته من بعده كفراً كفراً فسرَّ بذلك فأنزل الله عز وجل : وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَىٰ ، وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ، قال : فأعطاه الله عز وجل ألف قصر في الجنة ترابه المسك ، وفي كل قصر ما ينبغي له من الأزواج والخدم . وقوله : كفراً كفراً أي قرية ، والقرية تسمى كفراً . انتهى .

ـ ورواه في الدر المنثور ج ٦ ص ٣٦١

عن ابن أبي حاتم وعبد بن حميد وابن جرير والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي وابن مردويه وأبو نعيم كلاهما في الدلائل عن ابن عباس قال . . . الخ .

وقال : أخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عرض عليَّ ما هو مفتوح لأمتي بعدي فسرني ، فأنزل الله : وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَىٰ .

ـ بحار الأنوار ج ١٦ ص ١٣٦

وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ، أي من الحوض والشفاعة وسائر ما أعد له من الكرامة ، أو في الدنيا أيضاً من إعلاء الدين وقمع الكافرين .

ـ سيرة ابن هشام ج ١ ص ١٥٩

قال ابن إسحاق : ثم فتر الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فترةً من ذلك حتى شق ذلك عليه فأحزنه ، فجاءه جبريل بسورة الضحى يقسم له ربه وهو الذي أكرمه بما أكرمه به : ما ودَّعه وما قلاه ، فقال تعالى : وَالضُّحَىٰ وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ ، يقول : ما صرمك فتركك ، وما أبغضك منذ أحبك . وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَىٰ ، أي لَمَا عندي من مرجعك إليَّ خيرٌ لك مما عجلت لك من الكرامة في الدنيا . وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ، من الفلج في الدنيا والثواب في الآخرة .

٩٩
 &

تفسيرها بالشفاعة لأمته أو بالشفاعة مطلقاً

ـ تفسير فرات الكوفي ص ٥٧٠

فرات قال : حدثني محمد بن القاسم بن عبيد معنعناً : عن حرب بن شريح البصري قال : قلت لمحمد بن علي عليهما‌السلام : أي آية في كتاب الله أرجى ؟ قال : ما يقول فيها قومك قال قلت يقولون : يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ، قال : لكنا أهل البيت لا نقول ذلك . قال قلت : فأيش تقولون فيها ؟ قال نقول : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ، الشفاعة والله ، الشفاعة والله الشفاعة . ورواه في بحار الأنوار ج ٨ ص ٥٧

ـ وقال في هامش تفسير فرات :

ـ وأخرج الحسكاني في شواهد التنزيل عن الحسين بن محمد الثقفي عن الحسين بن محمد بن حبيش المقري ، عن محمد بن عمران بن أسد الموصلي ، عن محمد بن أحمد المرادي ، عن حرب بن شريح البزاز ، عن محمد بن علي الباقر ، عن ابن الحنفية ، عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أشفع لأمتي حتى ينادي ربي : رضيت يا محمد ؟ فأقول : رب رضيت . ثم قال الباقر : إنكم معشر أهل العراق تقولون إن أرجى آية في القرآن : يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا . . قلت : إنا لنقول ذلك . قال : ولكنا أهل البيت نقول : إن أرجى آية في كتاب الله : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ، وهي الشفاعة .

ـ وفي الدر المنثور ج ٦ ص ٣٦١

وأخرج ابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية من طريق حرب بن شريح رضي‌الله‌عنه قال قلت : لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين : أرأيت هذه الشفاعة التي يتحدث بها أهل العراق أحق هي ؟ قال : إي والله ، حدثني عمي محمد بن الحنفية ، عن علي أن رسول . . ( بما يشبه رواية الحسكاني ) . انتهى .

١٠٠