العقائد الإسلاميّة - ج ٣

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية

العقائد الإسلاميّة - ج ٣

المؤلف:

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-120-6
ISBN الدورة:
964-319-117-6

الصفحات: ٤٩٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

فمنها حديث الحاكم المتقدم الصحيح على شرط الشيخين ، الذي يعطي الشفاعة في الموحدين ليعقوب عليه‌السلام قبل نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله بحجة أن يعقوب هو الذبيح ! !

ومنها حديث البخاري المتقدم في ج ٤ ص ١٣٣ حيث جاء فيه ( فإنه ينفخ في الصور فيصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ، ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من بعث ، فإذا موسى آخذٌ بالعرش ، فلا أدري أحوسب بصعقته يوم الطور ، أم بعث قبلي . ولا أقول إن أحداً أفضل من يونس بن متى !) ومثله في مسلم ج ٧ ص ١٠٠

ـ وفي البخاري ج ٤ ص ١٢٥ :

عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى ، ونسبه إلى أبيه .

ـ وفي ج ٤ ص ١٣٢ :

عن ابن عباس أيضاً ، عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : لا يقولن أحدكم إني خير من يونس ، زاد مسدد يونس بن متى . ونحوه في ج ٤ ص ١٣٢ وج ٤ ص ١٣٣ وج ٥ ص ١٨٥ وص ١٩٣ بروايتين ، وفي ج ٨ ص ٢١٣

وقد صرحت رواية مسلم ج ٧ ص ١٠٢ بأنه حديث قدسي ! ! وأنه يشمل كل الناس حتى نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله قال :

عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يعني الله تبارك وتعالى : لا ينبغي لعبد لي ـ وقال ابن المثنى لعبدي ـ أن يقول أنا خير من يونس بن متى عليه السلام ) ! وروى نحوه في ص ١٠٣

أما ابن ماجة فقد شدد على الموضوع فروى في ج ٢ ص ١٤٢٨ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال ( ومن قال : أنا خير من يونس بن متى فقد كذب ! . في الزوائد : إسناده صحيح رجاله ثقات .

وروى نحو ما في البخاري أبو داود في سننه ج ٢ ص ٤٠٦ والترمذى ج ١ ص ١١٨ وج ٥ ص ٥١

٤٠١
 &

ـ وعلل أفضلية يونس في كنز العمال ج ١٢ ص ٤٧٦

فروى عن عدة مصادر ، عن علي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا ينبغي لأحدٍ ـ وفي لفظ لعبدٍ ـ أن يقول أنا خيرٌ من يونس بن متى ، سبح الله في الظلمات !

*       *

أما رواياتهم عن نبي الله داود عليه‌السلام فقد تكون أكثر صراحةً بتفضيله على نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله ! !

ـ ففي مجمع الزوائد ج ٨ ص ٢٠٦

عن أبي الدرداء قال : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر داود صلى الله عليه وسلم قال : كان أعبد البشر . رواه البزار في حديث طويل وإسناده حسن .

ـ وفي كنز العمال ج ١٢ ص ٤٧٦

عن ابن عساكر ، عن أنس أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم : يا خير الناس ، قال : ذاك إبراهيم ! قال : يا أعبد الناس ، قال : ذاك داود ! ! . وفي ج ٣ ص ٦٧١ ( إن أخي داود كان أعبد البشر )

ـ وفي صحيح البخاري ج ٦ ص ٣١ ونحوه في ج ٤ ص ١٣٥

قال سألت مجاهداً عن سجدة ( سورة ) ( ص ) فقال سألت ابن عباس : من أين سجدت ( يعني لماذا ) فقال : أو ما تقرأ : ومن ذريته داود وسليمان أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ، فكان داود ممن أُمِرَ نبيكم صلى الله عليه وسلم أن يقتدي به ، فسجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم ! !

*       *

ونفس المشكلة تجدها في رواياتهم عن يحيى عليه‌السلام ، فقد روى الهندي في كنز العمال ج ١١ ص ٥٢١ عن مسند أحمد وطبقات ابن سعد وغيرهما ، عن ابن عباس : ما من أحد من ولد آدم إلا وقد أخطأ أو هم بخطيئة ، إلا يحيى بن زكريا ، فإنه لم يهم بها ولم يعملها )

٤٠٢
 &

ـ وفي كنز العمال ج ١١ ص ٥٢٢ عن ابن عساكر : لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يحيى بن زكريا ، ما همَّ يخطيئة ولا جالت في صدره امرأة .

*       *

والنتيجة : أنه لا بد للباحث من القول بأن روايات بني اسرائيل وجدت طريقها الى مصادر إخواننا السنيين في عقيدة الشفاعة ، وبقيت ضعيفة في بعض الحالات ، ولكنها في حالاتٍ أخرى صارت الى صفِّ الروايات الإسلامية وبستواها من الصحة . . وأحياناً صارت أقوى منها وحلت محلها ! !

*       *

أحسن تصور في مصادر السنيين عن شفاعة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله

ـ حاول القاضي عياض في كتابه ( الشفا ) أن يقدم أفضل صورةٍ عن شفاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولذلك لم يتقيد بروايات الصحاح ، وجمع روايات لم يصححوها ، وجرَّدها من كثير من الإسرائيليات التي تفضل أنبياء بني إسرائيل على نبينا ، كما جرَّد بعض رواياتها من تجسيم الاسرائيليات ، وبقي في بعضها ، ولم يجردها من التهم التي تضمنتها لآدم وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم‌السلام عندما يطلب الناس منهم الشفاعة يوم القيامة فيتكلمون عن خطاياهم وجرائمهم التي لم تغفر ! فجاءت صورة عياض قريبة إلى أحاديث أهل البيت عليهم‌السلام ، وكانت أحسن تصور قدمها عالمٌ سنيٌّ عن شفاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وفيما يلي مقتطفات من كلامه من ص ٢١٦ وما بعدها :

ـ وعن أبي هريرة سئل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني قوله : عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا ، فقال : هي الشفاعة .

ـ وروى كعب بن مالك عنه صلى الله عليه وسلم : يحشر الناس يوم القيامة فأكون أنا وأمتي على تل ، ويكسوني ربي حلة خضراء ، ثم يؤذن لي فأقول ما شاء الله أن

٤٠٣
 &

أقول ، فذلك المقام المحمود .

ـ وعن ابن عمر رضي الله عنهما وذكر حديث الشفاعة قال : فيمشي حتى يأخذ بحلقة الجنة ، فيومئذ يبعثه الله المقام المحمود الذي وعده .

ـ وعن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لقائم المقام المحمود ، قيل وما هو ؟ قال : ذلك يوم ينزل الله تبارك وتعالى على كرسيه . . . ! !

ـ وقال جابر بن عبد الله ليزيد الفقير : سمعت بمقام محمد يعني الذي يبعثه الله فيه : قال قلت نعم ، قال : فإنه مقام محمد المحمود ، الذي يخرج الله به من يخرج يعني من النار ، وذكر حديث الشفاعة في إخراج الجهنميين .

ـ وفي رواية أنس وأبي هريرة وغيرهما دخل حديث بعضهم في حديث بعض قال صلى الله عليه وسلم : يجمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة فيلهمون فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا . ومن طريق آخر عنه ماج الناس بعضهم في بعض ، وعن أبي هريرة : وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم ما لا يطيقون ولا يحتملون ، فيقولون ألا تنظرون من يشفع لكم فيأتون آدم فيقولون . . . . .

ـ وفي رواية : فآتي تحت العرش فأخر ساجداً ، وفي رواية فأقوم بين يديه فأحمده بمحامد لا أقدر عليها ، إلا أنه يلهمنيها الله ، وفي رواية : فيفتح الله عليَّ من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه على أحد قبلي . . .

ـ وفي رواية قتادة عنه قال فلا أدري في الثالثة أو الرابعة فأقول يا رب ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن أي من وجب عليه الخلود . . .

ـ ومن طريق زياد النميري عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أنا أول من تنفلق الأرض عن جمجمته ولا فخر ، وأنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر ، ومعي لواء الحمد يوم القيامة ، وأنا أول من تفتح له الجنة ولا فخر ، فآتي فآخذ بحلقة الجنة ، فيقال من هذا ؟ فأقول محمد ، فيفتح لي فيستقبلني الجبار تعالى ! فأخر ساجداً . . .

٤٠٤
 &

ـ وفي رواية أنس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لأشفعن يوم القيامة لأكثر مما في الأرض من حجر وشجر .

فقد اجتمع من اختلاف ألفاظ هذه الآثار أن شفاعته صلى الله عليه وسلم ومقامه المحمود من أول الشفاعات إلى آخرها ، من حين يجتمع الناس للحشر وتضيق بهم الحاجر ، ويبلغ منهم العرق والشمس والوقوف مبلغه ، وذلك قبل الحساب ، فيشفع حينئذ لإراحة الناس من الموقف ، ثم يوضع الصراط ويحاسب الناس كما جاء في الحديث عن أبي هريرة وحذيفة ، وهذا الحديث أتقن ، فيشفع في تعجيل من لا حساب عليه من أمته إلى الجنة . . .

ثم يشفع فيمن وجب عليه العذاب ودخل النار منهم حسبما تقتضيه الأحاديث الصحيحة ثم فيمن قال لا إله إلا الله . وليس هذا لسواه صلى الله عليه وسلم . . .

ـ وفي ص ٢٠٧

أورد القاضي عياض أحاديث في أن نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله هو الشفيع الأول قبل غيره من الأنبياء منها :

أنا أول الناس خروجاً إذا بعثوا ، وأنا قائدهم إذا وفدوا ، وأنا خطيبهم إذا أنصتوا ، وأنا شفيعهم إذا حبسوا ، وأنا مبشرهم إذا أبلسوا ، لواء الكرم بيدي وأنا أكرم ولد آدم على ربي ولا فخر ، ويطوف عليَّ ألف خادم كأنهم لؤلؤ مكنون .

وعن أبي هريرة : وأكسى حلةً من حلل الجنة ، ثم أقوم عن يمين العرش ليس أحد من الخلائق يقوم ذلك المقام غيري .

وعن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ، وبيدي لواء الحمد ولا فخر ، وما نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي ، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر .

ـ وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر ، وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر ، وأنا أول من يحرك حلق الجنة فيفتح لي فأدخلها

٤٠٥
 &

فيدخل معي فقراء المؤمنين ولا فخر ، وأنا أكرم الأولين والآخرين ولا فخر .

وعن أنس رضي‌الله‌عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم : أنا سيد الناس يوم القيامة ، وتدرون لم ذلك ؟ يجمع الله الأولين والآخرين . . وذكر حديث الشفاعة .

ـ وفي حديث آخر : أما ترضون أن يكون إبراهيم وعيسى فيكم يوم القيامة ، ثم قال إنهما في أمتي يوم القيامة ، أما إبراهيم فيقول أنت دعوتي وذريتي فاجعلني من أمتك ، وأما عيسى فالأنبياء إخوة بنو علاتٍ أمهاتهم شتى ، وإن عيسى أخي ليس بيني وبينه نبي ، وأنا أولى الناس به . . .

ـ قوله أنا سيد الناس يوم القيامة : هو سيدهم في الدنيا ويوم القيامة ولكن أشار صلى الله عليه وسلم لإنفراده فيه بالسؤدد والشفاعة دون غيره ، إذ لجأ الناس إليه في ذلك فلم يجدوا سواه . والسيد هو الذي يلجأ الناس إليه في حوائجهم ، فكان حينئذ سيداً منفرداً من بين البشر لم يزاحمه أحد في ذلك ولا ادعاه . انتهى .

*       *

والنتيجة أن روايات الشفيع الأول في مصادر السنيين متعارضة بشكل لا يمكن الجمع بينها فلا بد من ترجيح طائفة منها وإسقاط الأخرى ، ولا شك في أن الأرجحية للطائفة الموافقة لأحاديث أهل البيت عليهم‌السلام وللعقل ، المخالفة لليهود .

*       *

٤٠٦
 &

مسألتا : الذبيح وأول من يكسى كسوة الجنة يوم القيامة

يوجد مسألتان على الأقل ترتبطان بمسألة الشفيع الأول ، تغلب فيهما الإسرائيليات في مصادر السنيين يناسب أن نتعرض لهما باختصار ، خاصة أن شفاعة إسحاق وإبراهيم عليهما‌السلام وردت في رواياتهما :

الأولى منهما في تعيين الذبيح المذكور في القرآن ، وهل هو إسحاق أوإسماعيل ؟

والثانية في أول من يكسى كسوة الجنة يوم القيامة ، هل هو إبراهيم أم نبينا صلى الله عليهما وآلهما !

المسألة الأولى

رأي الشيعة أن الذبيح هو اسماعيل عليه‌السلام كما سيأتي .

وقالت اليهود إن الذبيح هو إسحاق وليس اسماعيل .

قال السيد جعفر مرتضى في ( الصحيح ) من السيرة ج ٢ ص ٤٧ :

السؤال الذي يلح في طلب الإجابة عليه هو : من أين جاء هذا الأمر الغريب : أن الذبيح هو إسحاق ؟

والجواب : هو ما قاله ابن كثير وغيره ( إنما أخذوه والله أعلم من كعب الأحبار أو من صحف أهل الكتاب ، وليس في ذلك حديث صحيح عن المعصوم حتى نترك من أجله ظاهر الكتاب . (١)

فاليهود إذن قد أرادوا ترويج عقيدتهم بين المسلمين ، وتخصيص هذه الفضيلة بجدهم إسحاق حسب زعمهم . ولكن اليهود أنفسهم قد فاتهم أن التوراة المتدوالة نفسها متناقضة في هذا الأمر ، فإنها في حين تقول ( خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحاق . وإذهب إلى أرض المريا وأصعده هناك محرقة على . . الخ . (٢) فقد عبرت هنا بكلمة وحيدك الدالة على أن إسحاق هو أكبر ولد إبراهيم ، ولكنها تعود فتكذِّب

٤٠٧
 &

نفسها وتنص على أن إسحاق لم يكن وحيداً وإنما ولِدَ وعمرُ إسماعيل أربعة عشر سنة . انتهى .

وقال في هامشه :

(١) البداية والنهاية ج ١ ص ١٦١ و ١٥٩ وراجع السيرة الحلبية ج ١ ص ٣٨ عن ابن تيمية .

(٢) سفر التكوين : الإصحاح ٢٢ الفقرة ١ ـ ٣٣ ولتراجع سائر فقرات الإصحاح أيضاً .

(٣) سفر التكوين الإصحاح ١٦ فقرة ١٥ ـ ١٦ نص على أن عمرَ إبراهيم حين ولادة إسماعيل ٨٦ سنة . وفي سفر التكوين الإصحاح ١٧ والإصحاح ١٨ نص على أنه ولد له إسماعيل وهو ابن ٩٩ أو مئة سنة . انتهى .

أما السنيون فقد تحيروا تحيراً شديداً في من هو الذبيح ، وروت مصادرهم روايات ( صحيحة ) متناقضة ! فقد روى الحاكم مثلاً عدة روايات في أن الذبيح المذكور في القرآن هو اسماعيل ، وصحح بعضها على شرط الشيخين !

ـ قال الحاكم في ج ٢ ص ٤٣٠

عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل : وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ ، قال من شيعة نوح إبراهيم على منهاجه وسنته . بلغ معه السعي : شب حتى بلغ سعيه إبراهيم في العمل . فلما أسلما : ما أمرا به .

وتله للجبين : وضع وجهه إلى الأرض فقال لا تذبحني وأنت تنظر عسى أن ترحمني فلا تجهز علي ، إربط يدي إلى رقبتي ثم ضع وجهي على الأرض ، فلما أدخل يده ليذبحه فلم يحرك المدية حتى نودي : أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا فأمسك يده ورفع .

قوله فديناه بذبح عظيم : بكبش عظيم متقبل . وزعم ابن عباس أن الذبيح اسمعيل ، هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه . انتهى .

وقال في ج ٢ ص ٥٥٤

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : الذبيح اسمعيل . هذا حديث صحيح على

٤٠٨
 &

شرط الشيخين ولم يخرجاه . انتهى .

وروى في الصفحة التي بعدها :

عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال : المفدى اسمعيل ، وزعمت اليهود أنه إسحاق وكذبت اليهود . انتهى .

ثم روى الحاكم عدة رواياتٍ في أن الذبيح هو إسحاق ، وأنه هو الذي يشفع للموحدين ! ولم يذكر فيها شيئاً عن شفاعة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله وصحح بعضها أيضاً على شرط الشيخين ! قال في ج ٢ ص ٥٥٧ عن إحدى رواياته : قال الحاكم : سياقة هذا الحديث من كلام كعب بن ماتع الأحبار ، ولو ظهر فيه سندٌ لحكمتُ بالصحة على شرط الشيخين ، فإن هذا إسنادٌ صحيحٌ لا غبار عليه !

ـ وقال في ص ٥٥٩

حدثنا إسمعيل بن الفضل بن محمد الشعراني ، ثنا جدي ، ثنا سنيد بن داود ، ثنا حجاج بن محمد ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله قال عبد الله قال : الذبيح إسحاق . هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه .

وحدثنا محمد بن عمرو الأويسي ، عن أبي الزبير ، عن جابر رضي‌الله‌عنه قال : لما رأى إبراهيم في المنام أن يذبح إسحاق أخذ بيده . فذكره بطوله . . . قال الحاكم : وقد ذكره الواقدي بأسانيده . وهذا القول عن أبي هريرة ، وعبد الله بن سلام ، وعمير بن قتادة الليثي ، وعثمان بن عفان ، وأبي بن كعب ، وعبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عمرو ، والله أعلم . وقد كنت أرى مشائخ الحديث قبلنا وفي سائر المدن التي طلبنا الحديث فيها ، وهم لا يختلفون أن الذبيح إسمعيل ، وقاعدتهم فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم : أنا ابن الذبيحين ، إذ لا خلاف أنه من ولد إسمعيل ، وأن الذبيح الآخر أبوه الأدنى عبد الله بن عبد المطلب . والآن فإني أجد مصنفي هذه الأدلة يختارون قول من قال إنه إسحاق . انتهى .

٤٠٩
 &

فقد بين الحاكم أنه يوجد عند السنيين اتجاهان في تعيين الذبيح : قول بأنه اسماعيل ، وهو الإتجاه الشعبي عند الناس وعند مشايخ الحديث الأكثر تقديساً للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله واختلاطاً بالناس ، ولم يكن عندهم شكٌّ ولا خلافٌ بأن الذبيح اسماعيل .

وقول بأنه إسحاق ، وهو اتجاه ( مصنفي هذه الأدلة ) أي مجموعات الأحاديث التي أمرت دولة الخلافة بتصنيفها ، وكانت تكتبها على دفاتر وتبعث بها الى الآفاق ، ومن راجع قصص دفاتر الزهري والعلماء الذين صنفوا الحديث برعاية الدولة ، يعرف أن مقصود الحاكم هؤلاء المصنفين ! ثم أشار الحاكم إلى أن هذه الأحاديث أوجبت عليه أن يتوقف فيما هو مشهور عند مشائخ الحديث ، وأن يميل إلى اتجاه المصنفين ، وأن الذبيح إسحاق وليس إسماعيل !

ثم أورد رواية عن وهب ابن منبه ( اليهودي المقبول في مصادرهم ) تؤكد أن الذبيح إسحاق وأنه هو شفيع الموحدين ! ! قال الحاكم :

عن وهب بن منبه قال : حديث إسحاق حين أمر الله إبراهيم أن يذبحه : وهب الله لإبراهيم إسحاق في الليلة التي فارقته الملائكة ، فلما كان ابن سبع أوحى الله إلى إبراهيم أن يذبحه ويجعله قرباناً ، وكان القربان يومئذٍ يتقبل ويرفع ، فكتم إبراهيم ذلك إسحاق وجميع الناس وأسرَّه إلى خليل له ، فقال العازر الصديق وهو أول من آمن بابراهيم وقوله ، فقال له الصديق : إن الله لا يبتلي بمثل هذا مثلك ولكنه يريد أن يجربك ويختبرك ، فلا تسوأن بالله ظنك ، فإن الله يجعلك للناس إماماً ولا حول ولا قوة لإبراهيم وإسحاق إلا بالله الرحمن الرحيم . فذكر وهب حديثا طويلاً إلى أن قال وهب : وبلغني أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لقد سبق إسحاق الناس إلى دعوة ما سبقها إليه أحد ! ويقومن يوم القيامة فليشفعن لأهل هذه الدعوة ، وأقبل الله على إبراهيم في ذلك المقام فقال :

إسمع مني يا إبراهيم أصدق الصادقين . وقال لإسحاق : إسمع مني يا أصبر الصابرين ، فإني قد ابتليتكما اليوم ببلاءٍ عظيمٍ لم أبتل به أحداً من خلقي ، ابتليتك يا

٤١٠
 &

إبراهيم بالحريق فصبر صبراً لم يصبر مثله أحد من العالمين ، وابتليتك بالجهاد فيَّ وأنت وحيدٌ وضعيفٌ فصدقت وصبرت صبراً وصدقاً لم يصدق مثله أحد من العالمين ، وابتليتك يا إسحاق بالذبح فلم تبخل بنفسك ولم تعظم ذلك في طاعة أبيك ، ورأيت ذلك هنيئاً صغيراً في الله كما يرجو من أحسن ثوابه ويسر به حسن لقائه ، وإني أعاهدكما اليوم عهداً لا أحبسن به : أما أنت يا إبراهيم فقد وجبت لك الجنة عليَّ فأنت خليلي من بين أهل الأرض دون رجال العالمين ، وهي فضيلة لم ينلها أحد قبلك ولا أحد بعدك ، فخرَّ إبراهيم ساجداً تعظيماً لما سمع من قول الله متشكراً لله .

وأما أنت يا إسحاق فتمنَّ عليَّ بما شئت ، وسلني واحتكم ، أوتك سؤلك .

قال : أسألك يا إلۤهي أن تصطفيني لنفسك ، وأن تشفعني في عبادك الموحدين ، فلا يلقاك عبدٌ لا يشرك بك شيئاً إلا أجرته من النار .

قال له ربه : أوجبت لك ما سألت وضمنت لك ولأبيك ما وعدتكما على نفسي ، وعداً لا أخلفه ، وعهداً لا أحبسن به ، وعطاء هنيئاً ليس بمردود . انتهى .

والنتيجة أن الحاكم يشهد بأن الروايات القائلة بأن الذبيح اسماعيل صحيحة ومشهورة عند مشائخ الحديث وعامة الناس .

ويشهد أيضاً بأن الروايات القائلة بأن الذبيح إسحاق صحيحة أيضاً عند أهل المصنفات ، وهو يرجحها مع أنها مخالفة للمشهور !

لكن يبقى السؤال : من أين جاء هذان الإتجاهان في المسألة !

أما البخاري فقد تهرب في صحيحه من تعيين الذبيح ولكنه اختار في تاريخه أنه إسحاق وليس إسماعيل رغم وجود عدة روايات صحيحة على شرطه تقول إنه اسماعيل ومن البعيد جداً أنه لم يرها !

ـ قال السيوطي في الدر المنثور ج ٥ ص ٢٨٢

وأخرج عبد بن حميد والبخاري في تاريخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي

٤١١
 &

حاتم وابن مردويه عن العباس بن عبد المطلب قال : الذبيح إسحاق . انتهى .

بل يمكن القول إن البخاري اختار في صحيحه أيضاً أن الذبيح إسحاق لأن الرواية اليتيمة التي رواها عن الموضوع اقتطعها وانتقاها من رواية مجاهد المتقدمة في مستدرك الحاكم ، وقد حذف منها أن الذبيح اسماعيل ! !

ـ قال البخاري في صحيحه ج ٨ ص ٧٠

باب رؤيا إبراهيم وقوله تعالى : فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ . . . . قال مجاهد : أسلما : سلما ما أمرا به ، وتله : وضع وجهه بالأرض . انتهى .

ولا بد أن البخاري لم يرتض رأي مجاهد في أصل هذه الرواية وغيرها بأن الذبيح اسماعيل ، ولذلك حذفه من تفسيره للآيات الذي نقله عنه ! ولكنه لم يشير إلى ما فعل مع الأسف !

ووما يدل على أن رأي مجاهد القاطع بأن الذبيح اسماعيل : ما رواه السيوطي في الدر المنثور ج ٥ ص ٢٨٠ قال :

وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق مجاهد ويوسف بن ماهك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : الذبيح اسمعيل عليه‌السلام .

ـ وأخرج عبد بن حميد وابن جرير من طريق يوسف بن مهران وأبي الطفيل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : الذبيح اسمعيل عليه‌السلام .

ـ وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير قالا : الذي أراد إبراهيم عليه‌السلام ذبحه اسمعيل عليه‌السلام .

ـ وأخرج ابن جرير عن الشعبي ومجاهد والحسن ويوسف بن مهران ومحمد بن كعب القرظي مثله . انتهى .

وأما مسلم ، فلم نجد فيه رواية تعين الذبيح ! ولو كان يرى أنه إسماعيل لذكره ،

٤١٢
 &

لوجود روايات عديدة صحيحة على شرطه في ذلك ، ومن البعيد أنه لم يرها ! فلا بد أنه كالبخاري والحاكم رجح أن الذبيح إسحاق .

أما لماذا فعل أصحاب المصنفات والصحاح ذلك ؟

ولماذا أسقطوا الأحاديث الصحيحة بأن الذبيح اسماعيل !

فالجواب : أنهم فعلوه لحاجة في نفس يعقوب ! !

والحاجة التي في نفس يعقوب هنا : أن قريشاً تبنت القول بأن الذبيح هو إسحاق حتى لا تضطر إلى الإعتراف بحديث ( أنا ابن الذبيحين ) لأن هذا الحديث يعطي لعبد المطلب مقاماً شبيهاً بمقام إبراهيم عليه‌السلام وأنه كان ولياً ملهماً كالأنبياء وأن الله تعالى امتحنه فأمره بذبح أحد أبنائه . . وإذا اعترفت بذلك ، فإن حق الحكم بعد النبي يجب أن يكون في ذرية عبد المطلب دون غيرهم من بيوتات قريش وقبائلها ! !

فالأفضل للقرشيين في تصورهم أن يقولوا إن عبد المطلب وأبا طالب وكل أسرة النبي الماضين ، كانوا كفاراً وأنهم في النار ، وأن ورثة سلطان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله هم جيل قريش الذين عاصروه من جميع قبائل قريش الثلاث والعشرين !

ولهذا نجد أن شخص ( الخليفة ) يتدخل في هذا الموضوع ويصير راوياً ، ويقول إن النبي لم يقل إنه ابن الذبيحين ، ولكن بدوياً فقيراً تقرب إليه بهذه العبارة ، فتبسم لها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ! وقد كان تبسمه اشتباهاً ورأياً رآه من عنده ولم ينزل عليه به وحي ! !

ـ روى الحاكم في المستدرك ج ٢ ص ٥٥٤ عن : عبد الله بن سعيد الصنابحي قال : حضرنا مجلس معاوية بن أبي سفيان فتذاكر القوم اسمعيل وإسحاق بن إبراهيم فقال بعضهم : بل إسحاق الذبيح فقال معاوية : سقطتم على الخبير كنا عند رسول الله فأتاه الأعرابي فقال : يا رسول الله خلفت البلاد يابسة والماء يابساً هلك المال وضاع العيال فعد علي بما أفاء الله عليك يا بن الذبيحين فتبسم رسول الله ولم ينكر عليه ! !

فقلنا يا أمير المؤمنين وما الذبيحان قال إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم نذر لله إن سهل الله أمرها أن ينحر بعض ولده فأخرجهم فأسهم بينهم فخرج السهم لعبد الله

٤١٣
 &

فأراد ذبحه فمنعه أخواله من بني مخزوم وقالوا : أرض ربك وافد ابنك . قال ففداه بمائة ناقة فهو الذبيح واسمعيل الثاني . انتهى .

وفي ظني أن الراوي تصرف في القسم الأخير من كلام معاوية ، لأنه في القسم الأول نفى مسألة الذبيح من أصلها ! ولا بد أن تكون بقية حديث معاوية في نفي الذبيحين بلسان معاوية أو عن لسان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله !

لقد التقت مصلحة القرشيين في هذه المسألة مع مصلحة اليهود ! وكعب الأحبار وجماعته حاضرون لاغتنام هذه الفرصة ، ليثبتوا أن الذبيح اسحاق ، وليس إسماعيل ، وينقضوا على الشفاعة للموحدين فيأخذوها من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويجعلوها لإسحاق ! !

ويتضح عمل كعب في الموضوع من الرواية التالية التي رواها عبد الرزاق في تفسيره ج ٢ ص ١٢٣ عن الزهري عن القاسم بن محمد في قوله : إني أرى في المنام أني أذبحك ، قال : اجتمع أبو هريرة وكعب فجعل أبو هريرة يحدث كعباً عن النبي ( ص ) وجعل كعب يحدث أبا هريرة عن الكتب ! ! فقال : أبو هريرة قال النبي ( ص ) : إن لكل نبي دعوة مستجابة وإني خبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فقال له كعب : أنت سمعت هذا من رسول الله ! قال نعم .

قال كعب : فداه أبي وأمي أفلا أخبرك عن إبراهيم إنه لما رأى ذبح ابنه إسحاق قال الشيطان : إن لم أفتن هؤلاء عند هذه لم أفتنهما أبدا فخرج إبراهيم بابنه ليذبحه فذهب الشيطان فدخل على سارة فقال : أين ذهب إبراهيم بابنك قالت : غدا به لبعض حاجته فقال : إنه لم يغد به لحاجة إنما ذهب ليذبحه . قالت : ولم يذبحه ! قال : يزعم أن ربه أمره بذلك ! قالت : فقد أحسن أن يطيع ربه في ذلك فخرج الشيطان في أثرهما فقال للغلام أين يذهب بك أبوك قال لحاجته قال إنما يذهب بك ليذبحك ! قال لم يذبحني قال يزعم أن ربه أمره بذلك ! قال والله لئن كان أمره بذلك ليفعلن .

٤١٤
 &

قال فتركه ولحق بإبراهيم فقال : أين غدوت بابنك فقال لحاجة قال : فإنك لم تغد به لحاجة إنما غدوت لتذبحنه ! قال ولم أذبحه قال تزعم أن ربك أمرك بذلك ! قال : فوالله لئن كان أمرني بذلك لافعلن . قال : فتركه ويئس أن يطاع . انتهى .

ـ وروى الطبري في تاريخه ج ١ ص ١٨٧

رواية معاوية وعدة روايات عن كعب الأحبار في أن الذبيح إسحاق ، ومنها رواية عبد الرزاق بألفاظ مشابهة وزاد فيها : فلما أخذ إبراهيم إسحاق ليذبحه وسلم إسحاق أعفاه الله وفداه بذبح عظيم قال إبراهيم لإسحاق قم أي بني فإن الله قد أعفاك فأوحى الله إلى إسحاق إني أعطيك دعوة أستجيب لك فيها قال إسحاق : اللهم فإني أدعوك أن تستجيب لي أيما عبد لقيك من الأولين والآخرين لا يشرك بك شيئاً فأدخله الجنة . انتهى .

وبذلك يقول لنا كعب : إن الذبيح هو إسحاق جد اليهود وليس جد العرب ، ثم إنكم تزعمون أن محمداً يشفع في الموحدين ، وقد سبقه إلى ذلك إسحاق فلم يبق معنى لشفاعة نبيكم !

ـ وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٥ ص ٢٨٢

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن كعب رضي‌الله‌عنه أنه قال لأبي هريرة : ألا أخبرك عن اسحاق قال بلى قال : لما رأى إبراهيم أن يذبح إسحاق . . . وذكر شفاعة اسحاق للموحدين بنحو رواية الطبري المتقدمة !

ـ وقال ابن خلدون في تاريخه ج ٢ ص ٣٨

واختلف في ذلك الذبيح من ولديه ، فقيل اسمعيل وقيل اسحاق وذهب إلى كلا القولين جماعة من الصحابة والتابعين فالقول باسمعيل لابن عباس وابن عمر والشعبي ومجاهد والحسن ومحمد بن كعب القرظي وقد يحتجون له بقوله صلى الله

٤١٥
 &

عليه وسلم : أنا ابن الذبيحين ولا تقوى الحجة به لأن عم الرجل قد يجعل أباه بضرب من التجوز لا سيما في مثل هذا الفخر ! !

ويحتجون أيضاً بقوله تعالى : فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ولو كان ذبيحاً في زمن الصبا لم تصح البشارة بابن يكون له لأن الذبح في الصبا ينافي وجود الولد ولا تقوم من ذلك حجة لأن البشارة إنما وقعت على وفق العلم بأنه لا يذبح وأنما كان ابتلاء لإبراهيم .

والقول بإسحاق للعباس وعمر وعلي وابن مسعود وكعب الأحبار وزيد بن أسلم ومسروق وعكرمة وسعيد بن جبير وعطاء والزهري ومكحول والسدي وقتادة . انتهى .

وينبغي الإلتفات هنا إلى أن أصل القول بأن الذبيح إسحاق من شخصين حسب رواية ابن خلدون وغيره :

الأول : الخليفة عمر مؤسس الخلافة القرشية وصاحب مشروع عزل بني هاشم عن الخلافة .

والثاني : كعب الأحبار حامل راية الثقافة الإسرائيلية .

وقد ذكر الرواة المؤيدون للخلافة القرشية اسم علي والعباس ، ورووا عنهما أن الذبيح إسحاق لأنهما من أولاد عبد المطلب ، ومن المناسب الإحتجاج بشهادتهما لسلب هذه المنقبة العظيمة عن عبد المطلب ، التي تجعله بنص الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله إبراهيم الثاني !

ويظهر أن قريشاً وكعباً لم يستطيعوا إقناع جمهور المسلمين بمقولتهم المخالفة لظاهر القرآن ، ولا إسكات بني هاشم ومنهم ابن عباس بأن الذبيح هو إسحاق ، وإن رووا ذلك عنهم ، فقد بقي عوام المسلمين مع ظاهر القرآن وفطرتهم ، وبقيت روايات أهل البيت الصريحة ، وروايات ابن عباس التي تقدمت في مستدرك الحاكم ج

٤١٦
 &

٢ ص ٥٥٥ : قال : المفدى إسمعيل وزعمت اليهود أنه إسحاق وكذبت اليهود . انتهى . بقي كل ذلك يتحدى رواة الخلافة القرشية واسرائيلياتها !

رأي أهل البيت عليهم‌السلام

تؤكد مصادر أهل البيت عليهم‌السلام أن الذبيح هو اسماعيل عليه‌السلام وقد قوى العلماء رواياته وضعفوا رواية أن الذبيح إسحاق حتى صار ذلك من مختصات مذهبنا . . ففي تفسير القمي ج ٢ ص ٢٢٦ : قال : وحدثني أبي عن صفوان بن يحيى وحماد عن عبد الله بن المغيرة عن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سألناه عن صاحب الذبح فقال : اسماعيل . وروي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : أنا ابن الذبيحين يعني اسماعيل وعبد الله بن عبد المطلب .

ـ وفي تفسير التبيان ج ٨ ص ٥١٧

واختلفوا في الذبيح فقال ابن عباس وعبد الله بن عمر ومحمد بن كعب القرطي وسعيد بن المسيب والحسن في إحدى الروايتين عنه والشعبي : إنه كان إسماعيل وهو الظاهر في روايات أصحابنا ويقويه قوله بعد هذه القصة وتمامها : وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين فدل على أن الذبيح كان اسماعيل . ومن قال : إنه بشر بنبوة إسحاق دون مولده فقد ترك الظاهر لأن الظاهر يقتضي البشارة بإسحاق دون نبوته .

ويدل أيضاً عليه قوله : فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ولم يذكر اسماعيل . فدل على أنه كان مولوداً قبله .

وأيضاً فإنه بشره بإسحاق وأنه سيولد له يعقوب فكيف يأمره بذبحه مع ذلك ؟ وأجابوا عن ذلك بأن الله لم يقل إن يعقوب يكون من ولد إسحاق .

وقالوا أيضاً يجوز أن يكون أمره بذبحه بعد ولادة يعقوب . والأول هو الأقوى على ما بيناه . وقد روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : أنا ابن الذبيحين ولا خلاف أنه كان من ولد اسماعيل والذبيح الآخر عبد الله أبوه . انتهى .

٤١٧
 &

ـ وفي تفسير نور الثقلين ج ٤ ص ٤٢١

في أمالي شيخ الطائفة قدس‌سره بإسناده إلى سليمان بن يزيد قال : حدثنا علي بن موسى قال : حدثني أبي عن أبيه عن أبي جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام قال : الذبيح اسماعيل عليه‌السلام .

وفي مهج الدعوات في دعاء مروي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا من فدى اسماعيل من الذبح .

ـ وفي مستدرك الوسائل ج ١٦ ص ٩٨

وفي العيون : عن أحمد بن الحسن القطان عن أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي عن علي بن حسن بن فضال عن أبيه قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن معنى قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا ابن الذبيحين قال : يعني إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما‌السلام وعبد الله بن عبد المطلب . . . إلى أن قال : وأما الآخر فإن عبد المطلب كان تعلق بحلقة باب الكعبة ودعا الله عز وجل أن يرزقه عشرة بنين ونذر لله عز وجل أن يذبح واحداً منهم متى أجاب الله دعوته فلما بلغوا عشرة قال : قد وفى الله تعالى لي فلافين لله عز وجل فأدخل ولده الكعبة وأسهم بينهم فخرج سهم عبد الله . . الخبر .

ـ ابن شهر آشوب في المناقب : تصور لعبد المطلب أن ذبح الولد أفضل قربة لما علم من حال اسماعيل فنذر أنه متى رزق عشرة أولاد ذكوراً أن ينحر أحدهم في الكعبة شكراً لربه فلما وجدهم عشرة قال لهم : يا بني ما تقولون في نذري فقالوا : الأمر إليك ونحن بين يديك . . الخبر . انتهى .

بحث في إيمان عبد المطلب ورواية أنا ابن الذبيحين

نظراً لأهمية هذه المسألة وارتباطها بشفاعة النبي وشخصية أبيه وجده صلى‌الله‌عليه‌وآله . . نستعرضها بشكل موجز ، ونبين ظلامة عبد المطلب في مصادر السنيين :

فقد روت مصادرهم بأسانيد صحيحة عن لسان أصدق الصادقين الناطق بإلهام

٤١٨
 &

رب العالمين صلى‌الله‌عليه‌وآله ، نقاطاً ملفتة في مدح عبد المطلب ، توجب الإعتقاد بأن شخصيته شخصية ربانية ، وتوجب رفض الروايات التي تعارضها وتتهمه بالشرك وعبادة الأصنام !

فمن هذه الأحاديث :

أنه عندما انهزم المسلمون في حنين وتركوا نبيهم صلى‌الله‌عليه‌وآله بين سهام الكفار ورماحهم وسيوفهم في أشد ظروف الخطر ، ولم يبق معه إلا الملائكة وعلي وبعض بني هاشم . . ترجل صلى‌الله‌عليه‌وآله للحرب وافتخر على الكفار بأمرين : نبوته ، وأنه ابن عبد المطلب وباهاهم بذلك بين يدي الله تعالى وقاتلهم !

والنبي العادي لا يفتخر بجده وآبائه إذا كانوا كفاراً ، فكيف بسيد الأنبياء والمرسلين وأتقى الموحدين صلى‌الله‌عليه‌وآله !

ـ قال البخاري في صحيحه ج ٥ ص ٩٨

عن أبي إسحاق قال سمعت البراء وجاءه رجل فقال : يا أبا عمارة أتوليت يوم حنين ! فقال أما أنا فأشهد على النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يول ولكن عجل سرعان القوم فرشقتهم هوازن وأبو سفيان بن الحرث ( بن عبد المطلب ) آخذ برأس بغلته البيضاء ( وهو ) يقول : أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب

ـ وقال البخاري في ج ٣ ص ٢٢٠

قال : لا والله ما ولى النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن ولى سرعان الناس ، فلقيهم هوازن بالنبل ، والنبي صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء ، وأبو سفيان بن الحرث آخذ بلجامها ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول :

أنا النبي لا كذب

أنا ابن عبد المطلب

ـ وقال في ج ٤ ص ٢٨

. . . فلما غشيه المشركون نزل فجعل يقول : أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب قال : فما رؤي من الناس يومئذ أشد منه ! ورواه مسلم في ج ٥ ص ١٦٨ و ١٦٩

٤١٩
 &

ـ وقال البخاري في صحيحه ج ٤ ص ١٦١

باب من انتسب إلى آبائه في الإسلام والجاهلية . وقال ابن عمرو وأبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : إن الكريم ابن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله . وقال البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنا ابن عبد المطلب .

ومن هذه الأحاديث :

ما دل أن الله تعالى جعل في شريعته الخالدة مالية خاصة لأبناء عبد المطلب إلى يوم القيامة ، فحرم عليهم الصدقات لأنها أوساخ الناس ، وجعل لهم بدلها الخمس .

وإن شخصاً يكون في ذريته أبرار وأخيار بهذا المستوى إلى يوم القيامة ، يستبعد أن يكون مشركاً عابداً للأصنام !

ـ قال النسائي في سننه ج ٧ ص ١٣٤

عن مجاهد قال الخمس الذي لله وللرسول كان للنبي صلى الله عليه وسلم وقرابته لا يأكلون من الصدقة شيئاً . . . قال الله جل ثناؤه : وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ .

ـ وقال أبو داود في سننه ج ٢ ص ٢٦

حدثنا حسين بن علي العجلي ، ثنا وكيع ، عن الحسن بن صالح ، عن السدي ، في ذي القربى قال : هم بنو عبد المطلب .

ـ وقال النسائي ج ٥ ص ١٠٥

باب استعمال آل النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة . . . أخبرنا عمرو بن سواد بن الأسود بن عمرو عن ابن وهب قال حدثنا يونس عن ابن شهاب عن عبد الله بن الحرث بن نوفل الهاشمي أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب أخبره أن أباه ربيعة بن الحرث قال لعبد المطلب بن ربيعة بن الحرث والفضل بن العباس بن عبد المطلب ائتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولا له استعملنا يا

٤٢٠