العقائد الإسلاميّة - ج ٣

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية

العقائد الإسلاميّة - ج ٣

المؤلف:

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-120-6
ISBN الدورة:
964-319-117-6

الصفحات: ٤٩٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

فإنهم أعلم منكم .

قالت العلماء : أخبرنا يا أبا الحسن عن العترة هم الآل أو غير الآل ؟

فقال الرضا عليه‌السلام : هم الآل .

فقالت العلماء : فهذا رسول الله يؤثر عنه أنه قال : أمتي آلي ، وهؤلاء أصحابه يقولون بالخبر المستفيض ( ! ! ) الذي لا يمكن دفعه : آل محمد أمته !

فقال الرضا عليه‌السلام : أخبروني هل تحرم الصدقة على آل محمد ؟

قالوا : نعم .

قال عليه‌السلام : فتحرم على الأمة ؟

قالوا : لا .

قال عليه‌السلام : هذا فرق بين الآل وبين الأمة ، ويحكم أين يذهب بكم أصرفتم عن الذكر صفحاً أم أنتم قوم مسرفون ، أما علمتم أنما وقعت الرواية في الظاهر على المصطفين المهتدين دون سائرهم !

قالوا : من أين قلت يا أبا الحسن ؟

قال عليه‌السلام : من قول الله : لقد أرسلنا نوحاً وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون ، فصارت وراثة النبوة والكتاب في المهتدين دون الفاسقين . أما علمتم أن نوحاً سأل ربه فقال : رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق ، وذلك أن الله وعده أن ينجيه وأهله ، فقال له ربه تبارك وتعالى : إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ .

فقال المأمون : فهل فضل الله العترة على سائر الناس ؟

فقال الرضا عليه‌السلام : إن الله العزيز الجبار فضل العترة على سائر الناس في محكم كتابهُ .

قال المأمون : أين ذلك من كتاب الله ؟

قال الرضا عليه‌السلام : في قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ

٢٤١
 &

عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ، وقال الله في موضع آخر : أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا ، ثم رد المخاطبة في أثر هذا إلى سائر المؤمنين فقال : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ يعني الذين أورثهم الكتاب والحكمة وحسدوا عليهما بقوله : أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا ، يعني الطاعة للمصطفين الطاهرين ، والملك هاهنا الطاعة لهم .

قالت العلماء : هل فسر الله تعالى الإصطفاء في الكتاب ؟

فقال الرضا عليه‌السلام : فسر الإصطفاء في الظاهر سوى الباطن في اثني عشر موضعاً . فأول ذلك قول الله : وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ، وهذه منزلة رفيعة وفضل عظيم وشرف عال حين عنى الله عز وجل بذلك الآل فهذه واحدة .

والآية الثانية في الإصطفاء قول الله : إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ، وهذا الفضل الذي لا يجحده معاند ، لأنه فضل بين .

والآية الثالثة ، حين ميز الله الطاهرين من خلقه أمر نبيه في آية الإبتهال فقال : قل يا محمد تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ، فأبرز النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله علياً والحسن والحسين وفاطمة عليهم‌السلام فقرن أنفسهم بنفسه . فهل تدرون ما معنى قوله : وأنفسنا وأنفسكم ؟

قالت العلماء : عنى به نفسه .

قال أبو الحسن عليه‌السلام : غلطتم ، إنما عنى به علياً عليه‌السلام ، ومما يدل على ذلك قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حين قال : لينتهين بنو وليعة أو لأبعثن إليهم رجلاً كنفسي ، يعني علياً عليه‌السلام . فهذه خصوصية لا يتقدمها أحد ، وفضل لا يختلف فيه بشر ، وشرف لا يسبقه إليه خلق ، إذ جعل نفس علي عليه‌السلام كنفسه ، فهذه الثالثة .

وأما الرابعة : فإخراجه الناس من مسجده ما خلا العترة ، حين تكلم الناس في

٢٤٢
 &

ذلك وتكلم العباس فقال : يا رسول الله تركت علياً وأخرجتنا ! فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما أنا تركته وأخرجتكم ، ولكن الله تركه وأخرجكم . وفي هذا بيان قوله لعلي عليه‌السلام : أنت مني بمنزلة هارون من موسى .

قالت العلماء : فأين هذا من القرآن ؟

قال أبو الحسن عليه‌السلام : أوجدكم في ذلك قرآناً أقرؤه عليكم .

قالوا : هات .

قال عليه‌السلام : قول الله عز وجل : وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً ، ففي هذه الآية منزلة هارون من موسى ، وفيها أيضاً منزلة علي عليه‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله . ومع هذا دليل ظاهر في قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين قال : إن هذا المسجد لا يحل لجنب ولا لحائض إلا لمحمد وآل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله .

فقالت العلماء : هذا الشرح وهذا البيان لا يوجد إلا عندكم معشر أهل بيت رسول الله !

قال أبو الحسن عليه‌السلام : ومن ينكر لنا ذلك ؟ ! ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد مدينة العلم فليأتها من بابها ، ففيما أوضحنا وشرحنا من الفضل والشرف والتقدمة والإصطفاء والطهارة ما لا ينكره إلا معاند ، ولله عز وجل الحمد على ذلك . فهذه الرابعة .

وأما الخامسة ، فقول الله عز وجل : وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ ، خصوصية خصهم الله العزيز الجبار بها ، واصطفاهم على الأمة ، فلما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : أدعوا لي فاطمة فدعوها له فقال : يا فاطمة ، قالت : لبيك يا رسول الله ، فقال : إن فدكاً لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، وهي لي خاصة دون المسلمين . وقد جعلتها لك لما أمرني الله به فخذيها لك ولولدك ، فهذه الخامسة .

وأما السادسة : فقول الله عز وجل : قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ فهذه خصوصية للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله دون الأنبياء ، وخصوصية للآل دون غيرهم . وذلك أن الله

٢٤٣
 &

حكى عن الأنبياء في ذكر نوح عليه‌السلام : يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَـٰكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ ، وحكى عن هود عليه‌السلام قال : لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ ، وقال لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله : قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ .

ولم يفرض الله مودتهم إلا وقد علم أنهم لا يرتدون عن الدين أبداً ولا يرجعون إلى ضلالة أبداً . . . إلى آخر الحديث .

ورواه في بشارة المصطفى ص ٢٢٨ وفي بحار الأنوار ج ٢٥ ص ٢٢٠

*       *

النوع الثالث : نظرية فداء المسلمين باليهود والنصارى !

ـ روى مسلم في ج ٨ ص ١٠٤

عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا كان يوم القيامة دفع الله عز وجل إلى كل مسلم يهودياً أو نصرانياً فيقول هذا فكاكك من النار ! ! ورواه ابن ماجة ج ٢ ص ١٤٣٤ عن أنس وزاد في أوله ( إن هذه الأمة مرحومة عذابها بأيديها ) وقال في هامشه : في الزوائد : له شاهد في صحيح مسلم من حديث أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه . وقد أعلَّه البخاري .

ـ وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٥ ص ٢٥١

وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني عن عوف بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمتي ثلاثة أثلاث ، فثلث يدخلون الجنة بغير حساب ، وثلث يحاسبون حساباً يسيراً ثم يدخلون الجنة ، وثلث يمحصون ويكسفون ، ثم تأتي الملائكة فيقولون وجدناهم يقولون لا إلۤه إلا الله وحده فيقول الله : أدخلوهم الجنة بقولهم لا إلۤه إلا الله وحده واحملوا خطاياهم على أهل التكذيب ، وهي التي قال الله :

٢٤٤
 &

وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وتصديقاً في التي ذكر الملائكة قال الله تعالى : ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فجعلهم ثلاثة أنواع فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ ، فهذا الذي يكسف ويمحص ، وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وهو الذي يحاسب حساباً يسيراً ، وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ فهو الذي يلج الجنة بغير حساب ولا عذاب بِإِذْنِ اللَّهِ ، يدخلونها جميعاً لم يفرق بينهم ، يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ إلى قوله لُغُوبٌ . انتهى . ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج ٧ ص ٩٥ وقال : رواه الطبراني وفيه سلامة بن رونج وثقه ابن حبان وضعفه جماعة وبقية رجاله ثقات .

ـ وقال النبهاني في جامع الثناء على الله ص ٤١

روى الإمام أحمد ، عن أبي موسى ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يجمع الله الأمم في صعيد واحد يوم القيامة ، فإذا بدأ الله يصدع بين خلقه مثَّل لكل قوم ما كانوا يعبدون فيتبعونه حتى يقحموهم النار ، ثم يأتينا ربنا عز وجل ونحن على مكان رفيع فيقول : من أنتم ؟ فنقول : نحن المسلمون ، فيقول : ما تنتظرون ؟ فنقول : ننتظر ربنا ! فيقول : وهل تعرفونه إن رأيتموه ؟ فنقول : نعم ، فيقول كيف تعرفونه ولم تعرفوه ؟ فنقول : نعم ، إنه لا عدل له فيتجلى لنا ضاحكاً ! ! فيقول : أبشروا يا معشر الاسلام فإنه ليس منكم أحد إلا جعلت في النار يهودياً أو نصرانياً مكانه ! ! انتهى

وما ذكره النبهاني رواه أحمد في ج ٤ ص ٤٠٧ و ٤٠٨ ورواه أيضاً في ج ٤ ص ٣٩١ وص ٣٩٨ وص ٤٠٢ وص ٤١٠ بروايات متعددة ، وفي كنز العمال ج ١ ص ٧٣ وص ٨٦ وج ١٢ ص ١٥٩ وص ١٧٠ ـ ١٧٢ وج ٤ ص ١٤٩ عن مصادر متعددة .

وما تدعيه هذه الروايات من رفع جرائم أحد ووضعها على ظهر أحد لا علاقة له بجرمه . . أمرٌ لا يقبله دينٌ ولا عقل ، ويرده قوله تعالى ( لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ) .

أما الذين قال الله تعالى إنهم يحملون أثقالاً مع أثقالهم ، فإنهم الُمضِلُّون الذين يحملون من أثقال الذين أضلوهم ، لأنهم شركاء في كفرهم ومعاصيهم ، ثم لا ينقص

٢٤٥
 &

من أثقال الضالين شيء ، لا أن جرائمهم تسقط كما تدعي هذه الرواية ! !

والظاهر أن هذه المقولات ردةُ فعلٍ من بعض المسلمين على زعم اليهود بأنهم لا تمسهم النار إلا أياماً معدودة ثم يخلفهم فيها المسلمون ، كما تقدم في فصل الشفاعة عند اليهود ! فاخترع لهم أبو موسى الأشعري أو غيره نظرية فداء المسلم من النار بيهودي أو نصراني ! كما يفعل المجرم الشاطر فيفدي نفسه من مشكلة تحصل له في الدنيا بأن يجعلها في رقبة غيره زوراً وبهتاناً ! !

النوع الرابع : إسقاط المحرمات عن أهل بدر

ـ قال البخاري في صحيحه ج ٥ ص ١٠

عن علي رضي‌الله‌عنه قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا مرثد والزبير وكلنا فارس قال : إنطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها امرأة من المشركين معها كتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين ، فأدركناها تسير على بعير لها حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلنا : الكتاب ! فقالت : ما معنا كتاب ! فأنخناها فالتمسنا فلم نر كتاباً ، فقلنا : ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لتخرجن الكتاب أو لنجردنك ، فلما رأت الجد أهوت إلى حجزتها وهي محتجزة بكساء فأخرجته ، فانطلقنا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر : يا رسول الله قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلأضرب عنقه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما حملك على ما صنعت ؟ قال حاطب : والله ما بي أن لا أكون مؤمناً بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم أردت أن تكون لي عند القوم يدٌ يدفع الله بها عن أهلي ومالي ، وليس أحد من أصحابك إلا له هناك من عشيرته من يدفع الله به عن أهله وماله . فقال : صدق ، ولا تقولوا له إلا خيراً ، فقال عمر : إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلأضرب عنقه ، فقال : أليس من أهل بدر ؟ فقال : لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة ، أو فقد غفرت لكم . فدمعت عينا

٢٤٦
 &

عمر وقال : الله ورسوله أعلم . انتهى .

ورواه مسلم في صحيحه ج ٧ ص ١٦٨ وقال ( وليس في حديث أبي بكر وزهير ذكر الآية وجعلها إسحاق في روايته من تلاوة سفيان )

ورواه أبو داود في سننه ج ١ ص ٥٩٧ وج ٢ ص ٤٠٣ والترمذي ج ٥ ص ٨٣ والحاكم ج ٣ ص ١٣٤ وص ٣٠١ وج ٤ ص ٧٧ والبيهقي في سننه ج ٩ ص ١٤٦ والدارمي في ج ٢ ص ٣١٣ ورواه أحمد في ج ١ ص ٨٠ وص ١٠٥ وص ٣٣١ وج ٢ ص ١٠٩ وص ٢٩٥ . . . الخ .

ـ ورواه البخاري أيضاً في مواضع عديدة أخرى وجدنا منها سبعة : في ج ٤ ص ١٩ وقال بعده ( قال سفيان وأي إسناد هذا ! ) وفي ج ٤ ص ٣٩ وفي ج ٥ ص ٨٩ وفي ج ٦ ص ٦٠ وفيه ( قال عمرو ونزلت فيه يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي عدوكم . قال لا أدري الآية في الحديث أو قول عمرو ) وفي ج ٧ ص ١٣٤ وفي ج ٨ ص ٥٥ .

والموضعان الآخران روى البخاري فيهما طعناً على علي عليه‌السلام قال في ج ٤ ص ٣٨ :

عن أبي عبد الرحمن وكان عثمانياً فقال لابن عطية وكان علوياً : إني لأعلم ما الذي جرأ صاحبك على الدماء ! سمعته يقول : بعثني النبي صلى الله عليه وسلم والزبير فقال إئتوا روضة كذا وتجدون بها امرأة أعطاها حاطب كتاباً . . . فقال : وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : إعملوا ما شئتم ! فهذا الذي جرأه . انتهى . وروى نحوه في ج ٨ ص ٥٤

ومن الواضح أن البخاري أعجبه قول أبي عبد الرحمان العثماني حتى رواه مرتين بدون تعليق !

وجوابه : أن علياً عليه‌السلام لم يكن يعتقد بهذه المقولة التي نسبوها الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن أهل بدر . . وأن حروبه الداخلية الثلاثة على تأويل القرآن كانت بعهدٍ معهودٍ اليه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كما رواه البخاري نفسه وغيره !

٢٤٧
 &

بل ثبت عندنا أن كل مواقفه وأعماله كانت بعهد ووصية من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وعلى فرض تسليمنا ما يراه البخاري ، فالسؤال موجهٌ اليه : ما دام الذي جرَّأَ علياً عليه‌السلام على سفك دماء المسلمين بزعمك ، أنه رفع القلم عن أهل بدر ، وأن علياً عليه‌السلام معذورٌ لذلك !

فما هو عذر عدوه معاوية في خروجه على الخليفة الشرعي وقتاله إياه وسفكه لدماء المسلمين ؟

وما عذرك في الدفاع عن معاوية وتوثيقه والرواية عنه ؟

إلا أن يكون البخاري قد عدَّ معاوية بدرياً لأنه شهدها مع أبيه أبي سفيان في صف المشركين ! !

ومن أشرف المواقف السنية في هذا الموضوع موقف الحافظ ابن الجوزي ، حيث رد مقولة المغفرة المطلقة لأهل بدر ، وفسرها بأنها مغفرة ما مضى من ذنوبهم لا ما سيأتي ، ثم رد على رواية البخاري بقوله :

ثم دعنا من معنى الحديث ، كيف يحل لمسلم أن يظن في أمير المؤمنين علي رضي الله عنه فعل ما لا يجوز اعتماداً منه على أنه سيغفر له ؟ ! حوشي من هذا ، وإنما قاتل بالدليل المضطر له الى القتال ، فكان على الحق ، ولا يختلف العلماء أن علياً لم يقاتل أحداً إلا والحق مع علي ، كيف وقد قال رسول الله ( ص ) : اللهم أدر الحق معه كيفما دار ! فقد غلط أبو عبد الرحمن غلطاً قبيحاً ، حمله عليه أنه كان عثمانياً ! انتهى . ( الصحيح في السيرة ج ٥ ص ١٤١ عن صيد الخاطر ص ٣٨٥ )

*       *

وينبغي أن نشير أولاً إلى أن ما رووه من قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ( لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة أو فقد غفرت لكم ) معناه القطع بذلك وليس الإحتمال والرجاء . . فعلى هذا تعامل العلماء السنيون مع الحديث ، وقد صرح بالقطع واليقين حديث آخر رواه الحاكم وصححه قال في المستدرك ج ٤

٢٤٨
 &

ص ٧٧ : عن أبي هريرة رضي‌الله‌عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إن الله تعالى اطلع على أهل بدر فقال : إعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم . هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذا اللفظ على اليقين ( إن الله اطلع عليهم فغفر لهم ) إنما أخرجاه على الظن وما يدريك لعل الله تعالى اطلع على أهل بدر . انتهى .

وروى مفاده في دلائل النبوة للبيهقي ج ٣ ص ١٥٣ قال : عن جابر بن عبد الله : أن عبداً لحاطب بن بلتعة جاء إلى رسول الله يشكو حاطباً فقال : يا رسول الله ليدخلن حاطب النار ! فقال رسول الله ( ص ) : جُذِبْت ، لا يدخلها فإنه شهد بدراً والحديبية ! . انتهى .

ولكن هذه الأحاديث الصحيحة عندهم بمقاييس الجرح والتعديل وأحكامه ، يواجهها حكم العقل وآيات القرآن وأحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله القطعية المتفق عليها عند الجميع ! إذ لا يمكن لعاقل أن يقبل أن الصحابة من أهل بدر أو كل الصحابة كما تقول روايات أخرى . . مبشرون بالجنة ، وأعمالهم مغفورة مهما كانت ، وولايتهم فريضة من الله تعالى على المسلمين بعد ولاية الله تعالى وولاية رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ! وأن من لا يتولاهم أو ينتقصهم فهو في النار محروم من الشفاعة والجنة ورائحة الجنة ، وخارج عن ربقة الإسلام . . . إلى آخر الأحكام التي ذكروها للصحابة ، وجعلوها جزء من شريعة الإسلام المقدسة ، بل جزء من عقائده الأساسية ! !

تقول لهم : يا إخواننا إن الصحابة أنفسهم قد سبَّ بعضهم بعضاً ، وتبرأ بعضهم من بعضهم ، وكفَّر بعضهم بعضاً ، وقاتل بعضهم بعضا وقتل بعضهم بعضاً ! فمن المحق ومن المبطل ؟ ومن المظلوم ومن الظالم ؟ ومن يستحق الشفاعة منهم ومن يستحق الحرمان ؟

فيقولون : لا تخوضوا في موضوع الصحابة ، فكلهم عدول وكلهم في الجنة !

تقول لهم : لقد علَّمنا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن نخوض في أمرهم ، فقد ثبت في الصحاح أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أخبر بأن بعضهم يدخل النار وأنهم لا يرونه ولا يراهم في الآخرة ، وأن

٢٤٩
 &

بعضهم يردون عليه الحوض ، فيذودهم عنه ويطردهم كما تطرد الأباعر الغريبة ! !

فيقولون : لا تخوضوا في موضوع الصحابة ، فكلهم عدول وكلهم في الجنة !

وترجمة كلامهم : أنك يجب عليك في موضوع الصحابة أن تعطل عقلك ، وتعطل آيات القرآن وأحاديث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى تحافظ على إيمانك بالصحابة وتتمسك بهم !

ولكن التناقض لا فرق فيه بين صغير وكبير ، فإذا قبلنا به لحل مشكلة الصحابة ، فلنقبل به لحل مشكلة الأديان ، ولنقل بصحة التثليث والتوحيد ، والإيمان والكفر ، والوثنية والإسلام . . ولنحلَّ به مشكلة إبليس ونقول إنه عدو الله وولي الله معاً ! !

العقل يقول : إذا تناقض أمران أو شخصان في القول ولم يمكن الجمع بين قوليهما ، فلا يمكن أن يكون كلا القولين حقاً ، لأنه تناقض مستحيل .

وإذا تناقضا في الفعل واقتتلا فلا يمكن أن يكون كل منهما على الحق ، لأنه تناقض مستحيل . . ولا معنى للقبول بالتناقض إلا تعطيل العقل والتنازل عن قوانين العلية والبدهيات ! وإذا عطلنا العقل ، فلا يبقى إيمان بالله ورسله وكتبه ، ولا صحابة ولا مصحوبون !

إن ما ننعاه على اليهود والنصارى بأن عندهم عقائد لا يقبلها العقل ، وأنهم يقبلون ما يناقض عقولهم من أجلها . . يجب أن ننعاه على أنفسنا ، لأننا نزعم أن الله تعالى أمرنا بإطاعة صحابة نبينا المتناقضين في أقوالهم وأفعالهم ، إلى حد كسر العظم وقطع الرقاب !

ولأننا نقرأ قول الله تعالى ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ . . ) ثم ندعي أن الله تعالى قد سلَّمَ أمة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله من بعده الى صحابة متشاكسين في الفقه والعقائد والسياسة الى حد التناقض والتكفير والحرب ! !

ـ قال المفيد في الإفصاح ص ٤٩

فإن قال : أليس قد روى أصحاب الحديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : خير القرون

٢٥٠
 &

القرن الذي أنا فيه ، ثم الذين يلونه (١) .

وقال عليه‌السلام : إن الله تعالى اطلع على أهل بدر فقال : إعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم (٢) . وقال عليه‌السلام : أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم (٣) .

فكيف يصح مع هذه الأحاديث أن يقترف أصحابه السيئات أو يقيموا على الذنوب والكبائر الموبقات ؟ !

قيل له : هذه أحاديث آحاد ، وهي مضطربة الطرق والإسناد ، والخلل ظاهر في معانيها والفساد ، وما كان بهذه الصورة لم يعارض الإجماع ، ولا يقابل حجج الله تعالى وبيناته الواضحات ، مع أنه قد عارضها من الأخبار التي جاءت بالصحيح من الإسناد ، ورواها الثقات عند أصحاب الآثار ، وأطبق على نقلها الفريقان من الشيعة والناصبة على الإتفاق ، ما ضمن خلاف ما انطوت عليه فأبطلها على البيان :

فمنها : ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا في جحر ضب لاتبعتموهم . فقالوا يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال : فمن إذن ؟ ! (٤) .

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله في مرضه الذي توفي فيه : أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها ، الآخرة شر من الأولى (٥) .

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله في حجة الوداع لأصحابه : ألا وإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ، ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب ، ألا لأعرفنكم ترتدون بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ، ألا إني قد شهدت وغبتم (٦) .

وقال عليه‌السلام لأصحابه أيضاً : إنكم محشورون إلى الله تعالى يوم القيامة حفاة عراة ، وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول : يا رب أصحابي ؟ فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم (٧) .

وقال عليه‌السلام : أيها الناس بينا أنا على الحوض إذ مُرَّ بكم زمراً ، فتفرق بكم الطرق فأناديكم : ألا هلموا إلى الطريق ، فيناديني مناد من ورائي : إنهم بدلوا بعدك ،

٢٥١
 &

فأقول : ألا سحقاً ألا سحقاً (٨) .

وقال عليه‌السلام : ما بال أقوام يقولون : إن رحم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا تنفع يوم القيامة ؟ بلى والله إن رحمي لموصولة في الدنيا والآخرة ، وإني أيها الناس فرطكم على الحوض ، فإذا جئتم قال الرجل منكم : يا رسول الله أنا فلان بن فلان ، وقال الآخر : أنا فلان بن فلان ، فأقول : أما النسب فقد عرفته ، ولكنكم أحدثتم بعدي فارتددتم القهقرى (٩) .

وقال عليه‌السلام وقد ذكر عنده الدجال : أنا لفتنة بعضكم أخوف مني لفتنة الدجال (١٠) .

وقال عليه‌السلام : إن من أصحابي من لا يراني بعد أن يفارقني (١١) .

في أحاديث من هذا الجنس يطول شرحها ، وأمرها في الكتب عند أصحاب الحديث أشهر من أن يحتاج فيه إلى برهان ، على أن كتاب الله عز وجل شاهدٌ بما ذكرناه ، ولو لم يأت حديث فيه لكفى في بيان ما وصفناه : قال الله سبحانه وتعالى : وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ، فأخبر تعالى عن ردتهم بعد نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله على القطع والثبات ، وقال جل اسمه : وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ، فأنذرهم الله سبحانه من الفتنة في الدين ، وأعلمهم أنها تشملهم على العموم إلا من خرج بعصمة الله من الذنوب .

وقال سبحانه وتعالى : الم . أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ . أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ . وهذا صريح في الخبر عن فتنتهم بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالإختبار ، وتمييزهم بالأعمال .

وقوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ . . إلى آخر الآية ، دليل على ما ذكرناه .

وقوله تعالى : أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ ، يزيد ما شرحناه .

٢٥٢
 &

ولو ذهبنا إلى استقصاء ما في هذا الباب من آيات القرآن والأخبار عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لانتشر القول فيه ، وطال به الكتاب .

وفي قول أنس بن مالك : دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المدينة فأضاء منها كل شيء ، فلما مات عليه‌السلام أظلم منها كل شيء ، وما نفضنا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الأيدي ونحن في دفنه حتى أنكرنا قلوبنا . (١٢) شاهد عدل على القوم بما بيناه .

مع أنا نقول لهذا السائل المتعلق بالأخبار الشواذ المتناقضة ما قدمنا حكايته وأثبتنا أن أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الذين توهمت أنهم لا يقارفون الذنوب ولا يكتسبون السيئات ، هم الذين حصروا عثمان بن عفان وشهدوا عليه بالردة عن الإسلام وخلعوه عن إمامة الأنام . . . إلى آخر كلامه المفيد رحمه‌الله .

وقال في هامشه :

(١) مسند أحمد ٢ : ٢٢٨ سنن أبي داود ٤ : ٢١٤ / ٤٦٥٧ صحيح مسلم ٤ : ١٩٦٢ / ٢١٠ وفيها : خير أمتي القرن . .

(٢) مسند أحمد ١ : ٨٠ و ٢ : ٢٩٥ صحيح مسلم ٤ : ١٩٤١ / ١٦١ صحيح البخاري ٦ : ٣٦٣ / ٣٨٣ سنن الدرامي ٢ : ٣١٣

(٣) لسان الميزان ٢ : ١٣٧ تفسير البحر المحيط ٥ : ٥٢٨ أعلام الموقعين ٢ : ٢٢٣ كنز العمال ١ : ١٩٩ / ١٠٠٢ كشف الخفاء ومزيل الألباس ١ / ١٣٢ . وانظر تلخيص الشافي ٢ : ٢٤٦

(٤) مسند أحمد ٢ : ٥١١ سنن ابن ماجة ٢ : ١٣٢٢ / ٣٩٩٤ صحيح البخاري ٤ : ٣٢٦ / ٢٤٩

(٥) مسند أحمد ٣ : ٤٨٩ مجمع الزوائد ٩ : ٢٤ سنن ابن ماجة ٢ : ١٣١٠ / ٣٩٦١ .

(٦) الجامع الصحيح للترمذي ٤ : ٤٦١ / ٢١٥٩ و ٤٨٦ / ٢١٩٣ صحيح البخاري ٧ : ١٨٢ و ٨ : ٢٨٥ / ١٤ و ٩ : ٩٠ / ٢٧ صحيح مسلم ٣ : ١٣٠٥ / ٢٩ ـ ٣١ سنن أبي داود ٤ : ٢٢١ / ٤٦٨٦ قطعة منه مسند أحمد ١ : ٢٣٠ سنن النسائي ٧ : ١٢٧ قطعة منه سنن الدارمي ٢ : ٦٩ قطعة منه .

(٧) صحيح البخاري ٦ : ١٠٨ صحيح مسلم ٤ : ٢١٩٤ / ٥٨ الجامع الصحيح للترمذي ٤ :

٢٥٣
 &

٦١٥ / ٢٤٢٣ سنن النسائي ٤ : ١١٧

(٨) مسند أحمد ٦ : ٢٩٧ .

(٩) مسند أحمد ٣ : ١٨ و ٦٢ قطعة منه .

(١٠) كنز العمال ١٤ : ٣٢٢ / ٢٨٨١٢

(١١) مسند أحمد ٦ : ٣٠٧ .

(١٢) الجامع الصحيح للترمذي ٥ : ٥٨٨ / ٣٦١٨ مسند أحمد بن حنبل ٣ : ٢٢١ / ٢٦٨ سنن ابن ماجة ١ : ٥٢٢ / ١٦٣١ . انتهى .

*       *

النوع الخامس : حرمان من سب الصحابة من الشفاعة

ـ روى الديلمي في فردوس الأخبار ج ٢ ص ٤٩٨ ح ٣٣٩٨

عن عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : شفاعتي مباحة إلا لمن سب أصحابي .

ـ وفي ج ١ ص ٩٨ ح ١٩٦

عن عبد الرحمن بن عوف أيضاً وفيه : فشفاعتي محرمة على من شتم أصحابي . ورواه أبو نعيم في حلية الأولياء كما ذكر في كنز العمال ج ١٤ ص ٣٩٨

ـ وروى الشيرازي في الألقاب وابن النجار كما ذكر كنز العمال ج ١٤ ص ٦٣٥ :

عن أم سلمة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم الرجل أنا لشرار أمتي ! فقال له رجل من مزينة : يا رسول الله أنت لشرارهم فكيف لخيارهم ؟ قال : خيار أمتي يدخلون الجنة بأعمالهم ، وشرار أمتي ينتظرون شفاعتي . ألا إنها مباحةٌ يوم القيامة لجميع أمتي إلا رجل ينتقص أصحابي ! ونقله كاندهلوي في حياة الصحابة ج ٣ ص ٤٥

ولا نقصد بنقد هذه الروايات الدفاع عن الذين يسبون بعض الصحابة ، فالسب والشتم وكل أنواع البذاءة في المنطق لا يمكن لعاقل أن يدافع عنها ، بل لا يرتكبها

٢٥٤
 &

عاقل في حالة سيطرة عقله على منطقه ، فضلاً عن الأتقياء الأبرار .

وإنما غرضنا بيان تهافت منطق هذه الأحاديث في منح الشفاعة والحرمان منها ! فهذا المنطق يقول : يجوز للصحابي أن يحكم بفسق الصحابي الآخر أو كفره ، وأن يسبه ويهينه ويضربه ويحبسه ويشهر عليه سيفه ويقتله ، أو يكيد به ويقتله بالسم أو بالإغتيال ، ويجوز له أن يستعمل كل أساليب السياسة والمناورة والمخادعة ضده ، وأن يجمع حوله الناس بالرشوة والتهديد . . وأن يخرج على إمام زمانه ويسبب انشقاقاً في الأمة وحروبا يقتل فيها عشرات ألوف المسلمين ، وأن يرتكب كل المحرمات . . ولا بأس بذلك كله ، لأنه مغفورٌ له مشمولٌ بشفاعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أو مستحق للجنة بدون شفاعة ! !

أما غير الصحابة من المسلمين فلو انتقد صحابياً ولو انتقاداً صغيراً . . فقد شمله مرسوم الحرمان النبوي من الشفاعة وصار مخلداً في النار ! !

إنه منطق يستشكل في الحبة ويأكل القبة ! ولا يمكن أن يكون مما أنزله الله تعالى على رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله !

بل إن صيغة الحديث ( لا تسبوا أصحابي ) وأمثاله يصعب تعقل صدورها عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لأن مخاطبيه هم أصحابه ، فكيف يقول لهم : لا تسبوا أصحابي أو اقتدوا بأصحابي !

*       *

وأخيراً ، فإن أحاديث فضل الصحابة ووجوب مودتهم وموالاتهم وحرمة بغضهم وانتقاصهم وانتفادهم . . يصعب فهمها بل لا يمكن فهمها إلا بالمقارنة مع الآيات والأحاديث المشابهة الواردة في حق أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مثل قوله تعالى : قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ، وقوله : إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا . . وأحاديث : إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي

٢٥٥
 &

أهل بيتي ، وأهل بيتي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ، ولا يؤمن أحدكم حتى يحبهم لحبي ، وعشرات غيرها متفق على صدورها عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد ركز فيها الإسلام مكانة عترة النبي من بعده حتى أنه حرم عليهم الصرف من المصارف العامة وجعل لهم مالية خاصة هي الخمس !

والباحث المتتبع يجد أن كل حديث قاله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في أهل بيته . . نبت مقابله حديث في أصحابه ! حتى أن حديث الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، نبت مقابله : أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة ، وحديث إحفظوني في أهل بيتي نبت مقابله : إحفظوني في أصحابي . .

وقانون الحرمان من الشفاعة لمن ينتقص الصحابة ، ما هو إلا نبتةٌ قريشية مقابل قانون حرمان النواصب من الشفاعة الذي ثبت عند الجميع ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى .

*       *

النوع السادس : الدخول الى جهنم لتحليل القسم الإلۤهي بأن يملأها

ـ روى البخاري في صحيحه ج ٢ ص ٧٢

عن أبي هريرة رضي‌الله‌عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فيلج النار ، إلا تحلة القسم . ورواه أيضاً في ج ٧ ص ٢٢٤

ورواه مسلم ج ٨ ص ٣٩ وفيه ( فتمسه النار )

ورواه ابن ماجة ج ١ ص ٥١٢ والنسائي ج ٤ ص ٢٢ و ٢٥ بعدة روايات وفي بعضها : فتمسه النار . . والترمذي ج ٢ ص ٢٦٢ وأحمد ج ٢ ص ٢٤٠ وص ٢٧٦ وص ٤٧٣ وص ٤٧٩ والبيهقي في سننه ج ٤ ص ٦٧ وج ٧ ص ٧٨ والهيثمي في مجمع الزوائد ج ١ ص ١٦٣ وج ٥

٢٥٦
 &

ص ٢٨٧ والهندي في كنز العمال ج ٣ ص ٢٨٤ وص ٢٩٣ وج ٤ ص ٣٢٣ وج ١٠ ص ٢١٦ والسيوطي في الدر المنثور ج ٤ ص ٢٨٠ وفي عدد من رواياته : تمسه النار . وفي عدد آخر : يلج النار وفي أكثرها ( تحلة القسم ) .

ورغم التفاوت في صيغ هذه الروايات إلا أنها تتفق على أن هذا الوالد الذي تحمل ألم خسارة أولاده الثلاثة يستحق الجنة حتى لو كان مذنباً ، لكن يجب على هذا المسكين أن يدفع ضريبة يمين الله تعالى ، ويدخل النار مدة قليلة تحلةً لقسم الله تعالى حتى لا يكون الله حانثاً بقسمه ، ثم له من الله تعالى وَعْدُ شَرفٍ أن ينقله الى الجنة ! !

فما هي قصة هذا القسم ؟ وما ذنب هذا الوالد وغيره من المساكين الذين أدخلتهم صحاح السنيين في جهنم لا لشيء إلا لتحليل يمين الله تعالى !

حاولت بعض الروايات أن تجعل القسم قوله تعالى ( وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ) مريم ٧٠ ـ ٧١ وقالوا إن هذا القضاء الإلۤهي الحتمي هو القسم وهو عام للجميع .

ولكنه تفسير من الرواة لأن الصحاح لم ترو حديثاً يفسر القسم بذلك !

ـ قال البيهقي في سننه ج ١٠ ص ٦٤ :

قال أبو عبيد : نرى قوله تحلة القسم يعني قول الله تبارك وتعالى : وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا ، يقول فلا يردها إلا بقدر ما يبر الله قسمه فيه . وفيه : أنه أحل للرجل يحلف ليفعلن كذا وكذا ثم يفعل منه شيئاً دون شيء ، يبري في يمينه . انتهى .

ولكن تفسيرهم هذا لا يصح :

أولاً ، لما ذكره البيهقي من أنه يفتح الباب للناس للتلاعب بأيمانهم ، ولا تبقى قيمة ليمين ! فإذا كان الله تعالى يستعمل الحيلة الشرعية للتحلل من يمينه ويسميها (

٢٥٧
 &

تحلة القسم ) فلا حرج على عباده أن يلعبوا بأيمانهم ! !

وثانياً ، لا يوجد في آية الورود قسم ، بينما ورد في كل روايات الصحاح أن سبب دخول هذا الأب ( تحلَّةَ القسم ) .

وثالثاً ، إن المؤمنين الذين يردون جهنم ويشرفون عليها في طريق عبورهم الى الجنة لا تمسهم نارها ، بينما ورد في عدد من صيغ الحديث التعبير بتمسه النار تحلة القسم .

ورابعاً ، أن الورود المذكور في الآية أمرٌ عامٌ شاملٌ ، وليس من البلاغة استثناء هذا الوالد من استحقاق الجنة ، مع أن حال في الورود حال غيره ! !

وخامساً ، ورد في صيغة البخاري وغيره تعبير بالولوج وهو الدخول المحقق في النار ، بينما الورود أعم من الدخول في النار والإشراف عليها عند المرور على الصراط .

ـ قال في تفسير التبيان ج ٧ ص ١٤٣

واختلفوا في كيفية ورودهم اليها فقال قوم وهو الصحيح : إن ورودهم هو وصولهم إليها وإشرافهم عليها من غير دخول منهم فيها ، لأن الورود في اللغة هو الوصول إلى المكان ، وأصله ورود الماء وهو خلاف الصدور عنه . ويقال : ورد الخبر بكذا تشبيهاً بذلك .

ويدل على أن الورود هو الوصول إلى الشيء من غير دخول فيه قوله تعالى : وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ ، وأراد وصل اليه . وقال زهير :

فلما وردنَ الماء زرقاً جمامَه

وضعنَ عِصِيَّ الحاضرِ المتخيمِ

وقال قتادة وعبد الله بن مسعود : ورودهم إليها هو ممرهم عليها .

وقال عكرمة : يردها الكافر دون المؤمن ، فخص الآية بالكافرين .

وقال قوم شذاذ : ورودهم إليها دخولهم فيها ولو تحلة القسم . روي ذلك عن ابن عباس وكان من دعائه : اللهم أزحني من النار سالماً وأدخلني الجنة غانماً . وهذا

٢٥٨
 &

الوجه بعيد ، لأن الله قال : إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَىٰ أُولَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ، فبين تعالى أن من سبقت له الحسنى من الله يكون بعيداً من النار ، فيكف يكون مبعداً منها مع أنه يدخلها وذلك متناقض . فإذاً المعني بورودهم : إشرافهم عليها ووصولهم إليها . انتهى .

وعلى هذا يتعين أن يكون المقصود بتحلة القسم في هذه الأحاديث المزعومة : قسمه تعالى بأن يملأ جهنم من الجنة والناس في قوله تعالى : وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ . إلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ . هود ١١٨ ـ ١١٩ ويكون معنى الحديث : أن هذا الوالد يستحق الجنة ، ولكن بما أن الله تعالى أقسم أن يملأ النار ، وليس عنده ما يكفي لملئها ، فإن على هذا الوالد المسكين أن يدفع الضريبة من جلده ! !

إن منطق هذا الحديث يصور الله تعالى كأنه حاكم دنيوي بنى سجناً وأقسم أن يملأه من المجرمين ، وعندما وجد أن السجن كبيرٌ لم يمتليء بالمجرمين الموجودين ، أمر شرطته أن يقبضوا على الناس من الشارع ويضعوهم في السجن حتى يملأوه ويفي حضرة الحاكم بيمينه ، ولا يكون كاذباً !

وهو تصورٌ نجده عن الله تعالى في التوراة ولا نجده في القرآن . . الأمر الذي يجعلنا نطمئن بأن فكرة إدخال الناس إلى النار لتحلة القسم فكرة توراتية أخذها المسلمون من اليهود ففي تفسير كنز الدقائق ج ٢ ص ٤٧ ، جاء في رد مقولات اليهود التي منها ( أنه تعالى وعد يعقوب أن لا يعذب أولاده إلا تحلة القسم ) ! !

ولكن أين هذا المنطق من قوانين الحق والعدل الإلۤهي التي أقام الله تعالى عليها الكون والحياة ، وأنزلها في كتابه وأوحى بها إلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله فخضع لها العلماء والفلاسفة والمفكرون !

*       *

٢٥٩
 &

النوع السابع : حرمان من الشفاعة بسبب صبغ الشعر

يمكن للباحث أن يتفهم أحاديث الحرمان من الشفاعة لمن ينتقد الصحابة ، ويفسرها بأنها محاولة لتسكيت المسلمين عن الصحابي الحاكم وجماعته . ولكن بعض الحرمانات الواردة في الصحاح لا يستطيع أن يفهم لها علة ولا معنى ، إلا بعد جهد جهيد ، مثل حرمانهم الذي يصبغ شعره ولحيته بالسواد من الشفاعة والجنة !

فقد روت ذلك الصحاح كما في النسائي ج ٨ ص ١٣٨ قال : عن ابن عباس رفعه أنه قال قوم يخضبون بهذا السواد آخر الزمان كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة . انتهى .

ورواه أبو داود في ج ٢ ص ٢٩١

وأحمد في ج ١ ص ٢٧٣

والبيهقي في سننه ج ٧ ص ٣١١

ـ وروى الهيثمي في مجمع الزوائد ج ٥ ص ١٦٣ روايةً شديدةً على المجرم الذي يصبغ شعره ولحيته بالسواد ، وقال إنها موثقة عند ابن حنبل وابن معين وابن حبان قال : عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من خضب بالسواد سوَّد الله وجهه يوم القيامة . رواه الطبراني وفيه الوضين بن عطاء وثقه أحمد وابن معين وابن حبان ، وضعفه من هو دونهم في المنزلة وبقية رجاله ثقات . انتهى .

وقد تحير في ذلك بعض أصحاب الصحاح . . ومن حقهم أن يتحيروا . . فمع أنهم عاشوا في القرن الثالث ولم يشهدوا القرن الأول ولا الثاني ، ولكن عهدهم كان قريباً نسبياً ، والمسألة واضحةٌ وضوح اللحى ! ومع ذلك وصلت اليهم أحاديث متناقضة فيها ! فمنها أحاديث تقول إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر بتغيير الشيب ومخالفة اليهود الذين يحرمون صبغ الشيب ، وأحاديث تقول إنه أمر بصبغه بالحناء ، أي باللون الأحمر الذي تصبغ به العرب ونهى عن السواد لأنه خضاب الكفار ! وأخرى تقول إنه أمر

٢٦٠