العقائد الإسلاميّة - ج ٣

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية

العقائد الإسلاميّة - ج ٣

المؤلف:

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-120-6
ISBN الدورة:
964-319-117-6

الصفحات: ٤٩٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

بالسواد ، وأخرى تقول بالكتم والوسم الأصفر . . . !

واختلفت رواياتهم في أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله هل صبع شيبه أم لا ، فروايةٌ تقول إنه صبغه بالحناء ، ولكنهم رجحوا أخرى تقول لم يدركه الشيب إلا شعرات قليلة ولم يصبغها ،

ـ قال مسلم في صحيحه ج ٧ ص ٨٤ و ٨٥ : قال سئل أنس بن مالك عن خضاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال : لو شئت أن أعد شمطات كن في رأسه فعلت وقال : لم يختضب وقد اختضب أبو بكر وعمر بالحناء والكتم واختضب عمر بالحناء بحتا . انتهى .

ـ وقد روى الجميع خضاب أبي بكر وعمر بالحناء والكتم كما في مسند أحمد ج ٣ ص ١٠٠ وج ٣ ص ١٠٨ وص ١٦٠ وص ١٧٨

ولكن تحير أصحاب الصحاح كان على مستوى الرواية فقط ، أما الرأي السائد المتبع عندهم فهو النهي المشدد عن الخضاب بالسواد ، لأنه رأي الدولة من زمن أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية . . إلى آخر الخلافة الأموية !

ولذا جعل النسائي عنوان المسألة : النهي عن الخضاب بالسواد وقال في ج ٨ ص ٣٨

عن ابن عباس رفعه أنه قال : قوم يخضبون بهذا السواد آخر الزمان كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة .

عن أبي الزبير عن جابر قال أتي بأبي قحافة يوم فتح مكة ، ورأسه ولحيته كالثغامة بياضاً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : غيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد . . . ثم قال النسائي : والناس في ذلك مختلفون ، والله تعالى أعلم ، لعل المراد الخالص ، وفيه أن الخضاب بالسواد حرامٌ أو مكروهٌ ، وللعلماء فيه كلام ، وقد مال بعض إلى جوازه للغزاة ، ليكون أهيب في عين العدو ، والله تعالى أعلم .

أما الفقهاء فقد قننوا المسألة وأعطوها صيغتها الشرعية ، وأجمعوا على ذم الخضاب بالسواد ، ذمَّ تحريمٍ ، وربما وجد فيهم نادرٌ يقول بأنه ذم تنزيه !

٢٦١
 &

ـ قال النووي في المجموع ج ١ ص ٢٩٤

( فرع ) اتفقوا على ذم خضاب الرأس أو اللحية بالسواد ، ثم قال الغزالي في الإحياء والبغوي في التهذيب وآخرون من الأصحاب هو مكروه ، وظاهر عباراتهم أنه كراهة تنزيه ، والصحيح بل الصواب أنه حرام . وممن صرح بتحريمه صاحب الحاوي في باب الصلاة بالنجاسة ، قال إلا أن يكون في الجهاد ، وقال في آخر كتابه الأحكام السلطانية : يمنع المحتسب الناس من خضاب الشيب بالسواد إلا المجاهد .

ودليل تحريمه حديث جابر رضي‌الله‌عنه قال : أتي بأبي قحافة والد أبي بكر الصديق رضي الله عنهما يوم فتح مكة ورأسه ولحيته كالثغامة بياضاً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : غيروا هذا واجتنبوا السواد . رواه مسلم في صحيحه ، والثغامة بفتح الثاء المثلثة وتخفيف الغين المعجمة نبات له ثمر أبيض . وعن ابن عباس رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يكون قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة . رواه أبو داود والنسائي وغيرهما ، ولا فرق في المنع من الخضاب بالسواد بين الرجل والمرأة ، هذا مذهبنا . انتهى .

ـ وقال ابن قدامة في المغني ج ١ ص ٧٦

وعن الحكم بن عمر الغفاري قال : دخلت أنا وأخي رافع على أمير المؤمنين عمر وأنا مخضوب بالحناء وأخي مخضوب بالصفرة ، فقال عمر بن الخطاب : هذا خضاب الإسلام ، وقال لأخي رافع : هذا خضاب الإيمان . ويكره ( وكره ) الخضاب بالسواد . قيل لأبي عبد الله تكره الخضاب بالسواد قال إي والله . . . ! انتهى .

ـ وروى الحاكم قصة أخرى مشابهة وجعل رأي الخليفة عمر حديثاً مسنداً قال في المستدرك ج ٣ ص ٥٢٦ قال :

دخل عبد الله بن عمر على عبد الله بن عمرو وقد سوَّدَ لحيته ، فقال عبد الله بن عمر : السلام عليك أيها الشويب ! فقال له ابن عمرو : أما تعرفني يا أبا عبد الرحمن ؟

٢٦٢
 &

قال بلى أعرفك شيخاً فأنت اليوم شاب ! إني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : الصفرة خضاب المؤمن ، والحمرة خضاب المسلم ، والسواد خضاب الكافر . انتهى .

وقال عنه في مجمع الزوائد ج ٥ ص ١٦٣ : رواه الطبراني وفيه من لم أعرفه . انتهى .

ـ وقد سئل الشيخ ابن باز في كما في فتاويه ج ٤ ص ٥٨ طبعة مكتبة المعارف بالرياض :

ـ ما مدى صحة الأحاديث التي وردت في صبغ اللحية بالسواد ، فقد انتشر صبغ اللحية بالسواد عند كثير ممن ينتسبون الى العلم ؟

فقال في جوابه : في هذا الباب أحاديث صحيحة كثيرة ، وذكر حديث حواصل الحمام ، وقال بعده : وهذا وعيدٌ شديد ، وفي ذلك أحاديث أخرى ، كلها تدل على تحريم الخضاب بالسواد ، وعلى شرعية الخضاب بغيره . انتهى .

*       *

والمتتبع لنصوص المسألة يصل إلى قناعة بأن مرسوم الحرمان من الجنة مرسومٌ قرشي . . وسببه أن العرب ومنهم قريش كانوا يصبغون شيبهم بالحناء الذي يأتيهم من الهند ، وبعضهم يصبغونه بالورس والزعفران الذي يأتيهم من اليمن وإيران ( لاحظ مغني ابن قدامة ج ١ ص ٧٦ )

وأول من خضب بالسواد من العرب عبد المطلب كما نص السهيلي في الروض الأنف ج ١ ص ٧ ونقله عنه النووي في المجموع ج ١٨ ص ٢٥٤

ولا يبعد أنه صار بعد عبد المطلب رمزاً لبني هاشم . وسيأتي أن الإسلام أقر عدة تشريعات سنَّها عبد المطلب بإلهامٍ من الله تعالى مثل : الطواف سبعاً ، والدية ، ومنها سنَّة الخضاب بالوسم .

ماذا يصنع رواة الخلافة القرشية بهذه الأحاديث

تدل الأحاديث من مصادر الجميع على أن الإسلام أقر سنَّة عبد المطلب في صبغ الشيب بالسواد فقد روى ابن ماجة في سننه ج ٢ ص ١١٩٧ عن صهيب قال : قال

٢٦٣
 &

رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أحسن ما اختضبتم به لَهَذَا السواد ، أرغب لنسائكم فيكم ، وأهيب لكم في صدور عدوكم . انتهى .

وقالوا بعده : هذا الحديث معارض لحديث النهي عن السواد ، وهو أقوى إسناداً وأيضاً النهي يقدم عند المعارضة ، وفي الزوائد : إسناده حسن . انتهى .

وإذا صح ما ذكره رواة قريش من أن النهي دائماً أقوى من الرخصة ، وأن الخضاب بالسواد حرام وصاحبه لا يشم رائحة الجنة ! فهل يلتزمون بأن الإمام الحسين عليه‌السلام سيد شباب أهل الجنة لا يشم رائحتها !

ـ فقد روى البخاري في صحيحه ج ٤ ص ٢١٦

عن أنس بن مالك رضي‌الله‌عنه : أتي عبيد الله بن زياد برأس الحسين بن علي فجعل في طست فجعل ينكته وقال في حسنه شيئاً فقال أنس : كان أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم وكان مخضوباً بالوسمة ! انتهى . والوسمة هي السواد .

ـ وفي مجمع الزوائد ج ٥ ص ١٦٢

عن محمد بن علي أنه رأى الحسن بن علي رضي‌الله‌عنه مخضوباً بالسواد على فرس ذنوب . رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح ، خلا محمد بن إسماعيل بن رجاء وهو ثقة . وعن سليم قال : رأيت جرير بن عبد الله يخضب رأسه ولحيته بالسواد . رواه الطبراني وسليم والراوي عنه لم أعرفهما .

وعن محمد بن علي أن الحسين بن علي رضي‌الله‌عنه كان يخضب بالسواد . رواه الطبراني ورجاله رجال الذي قبله ، وقد روى عنهما من طرق وهذه أصحها ورجالها رجال الصحيح .

وعن عبد الرحمن بن بزرج قال : رأيت الحسن والحسين ابني فاطمة يخضبان بالسواد ، وكان الحسين يدع العنفقة . رواه الطبراني وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه ضعف ، وبقية رجاله ثقات .

٢٦٤
 &

وعن عبد الله بن أبي زهير قال : رأيت الحسين بن علي يخضب بالوسمة . رواه الطبراني وعبد الله بن أبي زهير لم أعرفه ، وبقية رجاله ثقات . انتهى .

وجرير بن عبد الله المذكور هو البجلي من كبار أصحاب علي عليه‌السلام ومن قادة جيشه وقد حمل عدداً من رسائله إلى معاوية .

فيتضح من ذلك أن أهل البيت عليهم‌السلام وشيعتهم كانوا يخضبون شيبهم بالسواد . وأن النهي عن السواد نهي قرشي لا نبوي ، وغرضه إبعاد الناس عن التشبه ببني هاشم المعارضين للدولة !

بل ماذا يصنع الشيخ ابن باز بإمامه الزهري الذي روى عنه البخاري نحو ١٢٠٠ رواية في صحيحه ، فقد كان ـ بعد أن خفَّت حدة المسألة في القرن الثاني ـ يصبغ شيبه بالسواد ، ويقول إن النبي أمر بتغيير الشيب ولم يحدد لون الصبغ !

ـ قال أحمد في مسنده ج ٢ ص ٣٠٩ :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن اليهود والنصارى لا يصبعون فخالفوهم . قال عبد الرزاق في حديثه : قال الزهري : والأمر بالإصباغ ، فأحلكها أحب الينا . قال معمر : وكان الزهري يخضب بالسواد . انتهى .

رأي أهل البيت عليهم‌السلام

ـ روى الكليني في الكافي ج ٦ ص ٤٨١

عن : أحمد بن محمد ، عن سعيد بن جناح ، عن أبي خالد الزيدي ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : دخل قوم على الحسين بن علي صلوات الله عليهما فرأوه مختضباً بالسواد فسألوه عن ذلك ، فمد يده إلى لحيته ثم قال : أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في غزاة غزاها أن يختضبوا بالسواد ، ليقووا به على المشركين .

ـ وفي الكافي ج ٦ ص ٤٨٣

عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن عدة من أصحابه ، عن علي بن

٢٦٥
 &

أسباط ، عن عمه يعقوب بن سالم قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : قتل الحسين صلوات الله عليه وهو مختضب بالوسمة .

ـ وفي الكافي ج ٦ ص ٤٨٠

محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن مسكين بن أبي الحكم ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : جاء رجل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فنظر إلى الشيب في لحيته فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : نورٌ ، ثم قال : من شاب شيبةً في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة . قال فخضب الرجل بالحناء ثم جاء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فلما رأى الخضاب قال : نورٌ وإسلامٌ ، فخضب الرجل بالسواد ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : نورٌ وإسلامٌ وإيمانٌ ، ومحبةٌ إلى نسائكم ، ورهبةٌ في قلوب عدوكم .

ـ وفي الكافي ج ٦ ص ٤٨٠

محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن الحسن بن الجهم قال : دخلت على أبي الحسن ( الرضا ) عليه‌السلام وقد اختضب بالسواد فقلت : أراك قد اختضبت بالسواد ؟ فقال : إن في الخضاب أجراً ، والخضاب والتهيئة مما يزيد الله عز وجل في عفة النساء ، ولقد ترك النساء العفة بترك أزواجهن لهن التهيئة !

ـ وفي من لا يحضره الفقيه ج ١ ص ١٢٢

قال الصادق عليه‌السلام : الخضاب بالسواد أنسٌ للنساء ، ومهابةٌ للعدو .

ـ وفي وسائل الشيعة ج ١ ص ٤٠٣

محمد بن الحسين الرضي الموسوي في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه سئل عن قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : غيروا الشيب ، ولا تشبهوا باليهود فقال : إنما قال ذلك والدين قلٌّ ، وأما الآن وقد اتسع نطاقه ، وضرب بجرانه فامرؤٌ وما اختار . انتهى .

ويفهم من هذا الحديث أن الأمر بتغيير الشيب ليس للوجوب ، بل هو لإثبات الرخصة في مورد توهم الحظر والتحريم ، كما يعتقد اليهود .

٢٦٦
 &

خلاصة المسألة

والخلاصة : أن الخضاب بالسواد سنة لعبد المطلب رضوان الله عليه ، خالف فيها اليهود ، وخالف فيها الخضاب بالأحمر والأصفر المستعمل عند العرب ، وقد أقر الإسلام هذه السنة وجعلها مستحبة ، ولم يحرم الخضاب بغيرها . بل لم يوجب في الأصل تغيير لون الشيب ، وإنما جعله مستحباً في بعض الحالات .

ولكن دخلت قريش على الخط لتمسكها من جهةٍ بالخضاب الأحمر والأصفر ، وحساسيتها من جهةٍ أخرى من عبد المطلب وأولاده الذين لم يعترفوا بخلافتها . . فنتج عن ذلك تحريم الخضاب بالسواد ، وحرمان صاحبه من الجنة والشفاعة ، وتسويد وجهه يوم القيامة ! !

ولكن العباسيين أولاد عبد المطلب ثأروا لخضاب جدهم ، فجعلوا راياتهم سوداء حتى سماهم الناس ( المُسَوِّدَة ) وبعد انتصارهم فرضوا لبس السواد على جميع المسلمين ، خاصة أتباع الدولة ، وجعلوه شعاراً لهم ! فكان ذلك إفراطاً في الإنتصار لخضاب عبد المطلب !

لذلك رأينا أن الأئمة من أهل البيت عليهم‌السلام نهوا عن لبس السواد إلا في الحرب ، والحزن ، خاصةً لمصاب الإمام الحسين عليه‌السلام ، وفضلوا في الحالات العادية اللون الأخضر الذي كان يفضله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وعندما أراد المأمون أن يتقرب إلى الأئمة من أهل البيت عليهم‌السلام ويغيض العباسيين الذين خلعوه ، نقل ولاية العهد من العباسيين وأوصى بها للإمام علي بن موسى الرضا عليه‌السلام وأمر بتغيير اللباس الأسود في الدولة إلى اللباس الأخضر . . وبذلك استقر اللون الأخضر شعاراً لبني هاشم ، ثم شعاراً للعرب ، والحمد لله .

*       *

٢٦٧
 &

وأخيراً لا يفوتنا أن نشير إلى حديث الرايات السود الثابت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في علامات ولده المهدي الموعود عليه‌السلام وأن العباسيين حرصوا على مصادرته وتطبيقه على راياتهم وثورتهم ، وسموا أحد خلفائهم بالمهدي ، وأشهدوا كبار قضاتهم وفقهائهم على أنه المهدي الموعود المبشر به من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ولكن المهدي العباسي لم يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، ولم يعط المال للناس حثياً بدون عدٍّ كما ورد في صفات المهدي عليه‌السلام .

فقد ورد في سيرة هذا المهدي العباسي أن قصره كان خالياً من التقوى والعدل ، وأنه كان يصادر أموال الناس أحياناً حثياً أو حثواً من غير عد ! !

*       *

النوع الثامن : مرسوم بحرمان الزوجة التي تطلب الطلاق

ومن مراسيم الصحاح في الحرمان من الشفاعة مرسومٌ مفيدٌ للرجال في حق الزوجة التي تطلب الطلاق من زوجها بدون سبب . .

ـ ففي سنن ابن ماجة ج ١ ص ٦٦٢ :

عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تسأل المرأة زوجها الطلاق في غير كنهه فتجد ريح الجنة . وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً .

ورواه الترمذي في ج ٢ص ٣٢٩

وأبو داود ج ١ ص ٤٩٦

وأحمد ج ٥ ص ٢٧٧ وص ٢٨٣

والدارمي ج ٢ ص ١٦٢

والحاكم في ج ٢ ص ٢٠٠

والبيهقي في سننه ج ٧ ص ٣١٦

٢٦٨
 &

والهندي في كنز العمال ج ١٦ ص ٣٨٢ عن أحمد وأبي داود والترمذي وابن حبان وابن عساكر .

وفي بعض روايات الحديث : بدون عذر ، والمقصود منه العذر القوي الذي يقبله المجتمع .

ولكنه تشديدٌ مبالغٌ فيه ، فلا نعرف أحداً من الفقهاء يفتي بأن قولها لزوجها طلقني يعتبر جريمة تستحق عليها العقوبة الدنيوية أو الأخروية ، فإن أصل الطلاق مكروهاً أو منافياً للأخلاق ، أو يجعله حراماً ، أو واجباً .

وإذا حدث أن صار حراماً شرعاً ، فلا يصير من المعاصي الكبائر التي يستحق صاحبها عقاب الدخول في جهنم ، والحرمان من الجنة ومن شفاعة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ! !

‌وقد حاول بعض الفقهاء أن يتخلصوا من الحديث بتضعيفه ، وساعدهم على ذلك أن الشيخين البخاري ومسلماً لم يروياه ، فقد ذكروا بعد روايته في ابن ماجة أن الهيثمي في جميع الزوائد ضَعَّف إسناده . . ولكن ذلك لا يحل المشكلة لأن الحاكم قال عنه في المستدرك : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه .

وحاولوا محاولةً أخرى أن يجعلوا الحديث في طلب الزوجة الطلاق الخلعي من زوجها بسبب كرهها له ، فقد وضع ابن ماجة الحديث تحت عنوان ( باب كراهية الخلع للمرأة ) ولكن واجههم قوله تعالى ( فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ) حيث نصت الآية على جواز اقتداء المرأة نفسها من زوجها ببذل مهرها وطلب الطلاق الخلعي . . فاضطروا أن يحملوا الحديث على كلبها الخلع بدون سبب ويجعلوه مكروهاً لا حراماً !

ـ وهكذا فعل ابن قدامة في المغني ج ٨ ص ١٧٦

قال شارحاً قول الماتن ( ولو خالعته لغير ما ذكرنا كره لها ذلك ووقع الخلع ) :

٢٦٩
 &

والظاهر أنه أراد إذا خالعته لغير بغض وخشية من أن لا تقيم حدود الله ، لأنه لو أراد الأول لقال كره له ، فلما قال كره لها دل على أنه أراد مخالعتها له والحال عامرة والأخلاق ملتئمة ، فإنه يكره لها ذلك ، فإن فعلت صح الخلع في قول أكثر أهل العلم منهم أبو حنيفة والثوري ومالك والأوازعي والشافعي ، ويحتمل كلام أحمد تحريمه فإنه قال : الخلع مثل حديث سهلة تكره الرجل فتعطيه المهر فهذا الخلع ، وهذا يدل على أنه لا يكون الخلع صحيحاً إلا في هذه الحال ، وهذا قول ابن المنذر وداود . وقال ابن المنذر : وروي معنى ذلك عن ابن عباس وكثير من أهل العلم ، وذلك لأن الله تعالى قال ( وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ) فدل بمفهومه على أن الجناح لا حق بهما إذا افتدت من غير خوف ، ثم غلظ بالوعيد فقال ( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) وروى ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة ) رواه أبو داود . وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( المختلعات والمنتزعات هن المنافقات ) رواه أبو حفص ورواه أحمد في المسند وذكره محتجاً ، به وهذا يدل على تحريم المخالعة لغير حاجة ، ولأنه إضرار بها وبزوجها وإزالة لمصالح النكاح من غير حاجة ، فحرم لقوله عليه‌السلام ( لا ضرر ولا ضرار ) . واحتج من أجازة بقول الله سبحانه ( فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا ) انتهى .

ولكن كل ذكاء هؤلاء الفقهاء لا يحل مشكلة الحديث أيضاً :

أولاً ، لأن الحديث في مجرد طلب الطلاق ، وليس في بذل المهر وطلب الخلع ، وقد اعترف بذلك ابن حزم قال في المحلى ج ١٠ ص ٢٣٦ حيث قال : قال أبو محمد ( يعني نفسه ) : واحتج من ذهب إلى هذا ( حرمة الخلع ) بما حدثناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن اسحاق بن السليم نا ابن الأعرابي نا محمد بن إسماعيل الصائغ نا عفان بن

٢٧٠
 &

مسلم نا حماد نا أيوب السختياني عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة .

وبما روينا من طريق أحمد بن شعيب نا إسحق بن ابراهيم ـ هو ابن راهويه ـ أنا المخزومي هو المغيرة بن سلمة ـ نا وهيب عن أيوب السختياني عن الحسن البصري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : المنتزعات والمختلعات هن المنافقات . قال الحسن : لم أسمعه من أبي هريرة .

قال أبو محمد : فسقط بقول الحسن أن تحتج بذلك الخبر . وأما الخبر الأول فلا حجة فيه في المنع من الخلع لأنه إنما فيه الوعيد على السائلة الطلاق من غير بأس وهكذا نقول . انتهى .

وثانياً ، لو سلمنا أن الحديث في طلب الخلع ، فلا بد لهم من القول بحرمته على الزوجة مطلقاً بسبب صيغة التشديد المؤكدة فيه ، وذلك مخالف لقوله تعالى ( فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ) .

ولذلك اضطروا الى التنازل كما رأيت إلى القول بالكراهة فقط !

ومعناه أنهم اضطروا أن يبطلوا مرسوم الحديث بحرمان هذه الزوجة من رائحة الجنة ورائحة الشفاعة ! ولكنه إبطالٌ له بصيغة الاستدلال به ، والاحترام له ! !

ولم يتسع لنا الوقت لبحث فتوى اليهود في هذه المسألة ، ومن المحتمل أن أصل حديثها من الإسرائيليات التي تسربت إلى فقهنا ! !

*       *

٢٧١
 &

العقائد الإسلاميّة الجزء الثالث ـ مركز المصطفى للدراسات الإسلاميّة

٢٧٢
 &

الفصل التاسع محاولة القرشيين حرمان بني هاشم من شفاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

توجد عدة مسائل تتعلق بأسرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بني عبد المطلب وبني هاشم .

المسألة الأولى ، في إيمان آباء النبي وأمهاته صلى‌الله‌عليه‌وآله : ومذهبنا أن كل آباء النبي وأمهاته مؤمنون طاهرون مطهرون ، من آدم وحواء إلى عبد الله وآمنة ، صلوات الله عليه وعليهم . وقد روينا في ذلك أحاديث صحيحة ودلت عليه آيات كريمة ، ووافقنا على هذا الرأي عدد من علماء إخواننا السنة مثل الفخر الرازي والسيوطي وغيرهما ، وألفوا في ذلك رسائل مستقلة .

بينما قال أكثر السنة إن آباء النبي وأمهاته صلى‌الله‌عليه‌وآله كفار مشركون ، وأنهم في النار ، ورووا في ذلك روايات هي عندهم صحيحة ! منها رواية خشنة رواها مسلم في ج ١ ص ١٣٣ : أن رجلاً قال يا رسول الله أين أبي ؟ قال في النار ، فلما قفى دعاه فقال : إن أبي وأباك في النار ! !

٢٧٣
 &

المسألة الثانية ، في شفاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لبني هاشم وبني عبد المطلب ، وهم ثلاثة أصناف : صنف مات قبل البعثة . وصنف أسلموا وهاجروا وجاهدوا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله . وصنف لم يذكر التاريخ أنهم أسلموا ولكنهم ناصروا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في مواجهة قريش وتحملوا معه حصار الشعب ثلاث سنين ، وهم كل من بقي من بني هاشم وبني عبد المطلب ما عدا أبي لهب .

ومذهبنا أن شفاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله تشمل أول ما تشمل بني هاشم وبني عبد المطلب ، من ارتضى الله منهم ، وكلهم عندنا مرضي إلا من ثبت فيه عدم الإرتضاء وأنه من أهل النار مثل أبي لهب . وقد ثبت عندنا إسلام أبي طالب وإيمانه ، وأنه كان يكتم إيمانه مثل مؤمن آل فرعون .

ومذهب إخواننا السنة في هذه المسألة متفاوت ، ففي رواياتهم ما يوافقنا تقريباً ، وفيها روايات تحاول حرمان كل بني هاشم من شفاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله !

المسألة الثالثة : في موقع علي عليه‌السلام وعترة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم القيامة من الشفاعة العظمى التي يعطاها صلى‌الله‌عليه‌وآله . . ومذهبنا أن عترة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الذين نصَّ عليهم بأسمائهم هم أوصياؤه وخلفاؤه الشرعيون وأئمة المسلمين وهداتهم بأمر الله تعالى ، وأنهم خيرة البشر بعد النبي صلى الله عليه وعليهم ، وهم معه يوم القيامة ، وبأيديهم ينفذ الشفاعة المعطاة له من الله تعالى ، ويفوضهم في كثير من الأمور .

وقد ثبت عندنا وروي السنيون أن لواء الحمد الذي هو رئاسة المحشر يجعله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بيد علي عليه‌السلام كما كان صاحب لوائه في الدنيا .

وأن مقام الصديقة الزهراء عليها‌السلام في الشفاعة يوم القيامة مقام مميزٌ حتى من بين العترة .

أما السنيون فليس لهم مذهبٌ واحدٌ في مقام عترة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم القيامة ، بل حتى في مقام صحابته ، لأن رواياتهم في ذلك متناقضة . . فهم يريدون إعطاء الصحابة المرتبة الأولى بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكن النصوص الصحيحة عندهم في دخول

٢٧٤
 &

بعض الصحابة النار ، وفي المقام المميز للعترة الطاهرة ، تأبى عليهم ذلك ، فيقعون في حيص بيص !

حساسية قريش من أسرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

من الواضح للمطلع على السيرة أن الدافع الأساسي لتكذيب قبائل قريش بنبوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ورفضهم لها ، كان دافعاً سياسياً ، لأنهم إذا آمنوا بنبوة ابن عبد المطلب بن هاشم ، فقد اعترفوا بالقيادة لبني هاشم وصاروا أتباعاً لهم ، وانتهى الأمر !

ولذلك كانوا شديدين في تكذيبهم ، متحدين في موقفهم ، شرسين في مواجهتهم ، صريحين في إظهار تخوفهم . .

وكان بعض قريش وغير قريش يفاوضون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على الإيمان بنبوته ، بشرط أن يكون لهم ( الأمر ) من بعده . . ولكن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان نبياً مبلغاً عن ربه تعالى ، ولم يكن مساوماً على الأمر من بعده .

لقد ظهرت هذه الحقيقة القرشية العميقة منذ إعلان النبي بعثته الشريفة ثم واجهته طوال نبوته ، ولم تنته حتى بعد وفاته !

وهي حقيقةٌ ضخمةٌ لم تعطَ حقها من الدراسة ، بسبب أن القرشيين بعد انتصار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عليهم ودخولهم تحت حكمه كرهاً وطوعاً ، جعلوا مواجهتهم معه من نوع الحرب الباردة ، ثم ما أن توفي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى أخذوا السلطة وأبعدوا أهل بيته وحاصروهم ! وألقوا بثقلهم لصياغة السنة والسيرة والتاريخ لمصلحة قبائل قريش ، وضد العترة الطاهرة !

وغرضنا هنا أن نعرض نماذج من حساسية قريش من أسرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لكي نفهم تأثيرها على رواياتهم في كفر آباء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ورواياتهم في عدم انتفاع بني هاشم بقرابتهم من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وشفاعته !

وهو باب خطيرٌ والدراسات فيه ممنوعةٌ ، ولكن القليل منه يجعل الباحث يتوقف

٢٧٥
 &

ملياً في قبول أي حديثٍ سلبي عن أسرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله جاءت روايته عن طريق القرشيين من غير أهل بيته !

حادثةٌ خطيرةٌ ، عَتَّمَتْهَا الصحاح

ـ روى البخاري في ج ١ ص ٣٢ : تحت عنوان : باب الغضب في الموعظة والتعليم :

عن أبي بردة عن أبي موسى قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء كرهها فلما أكثر عليه غضب ثم قال للناس سلوني عما شئتم ! قال رجل : من أبي ؟ قال أبوك حذافة ! فقام آخر فقال : من أبي يا رسول الله ؟ فقال أبوك سالم مولى شيبة ! فلما رأى عمر ما في وجهه قال : يا رسول الله إنا نتوب إلى الله عز وجل !

باب من برك على ركبتيه عند الإمام أو المحدث :

عن الزهري قال أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج فقام عبد الله بن حذافة فقال من أبي ؟ فقال أبوك حذافة ، ثم أكثر أن يقول سلوني ! فبرك عمر على ركبتيه فقال : رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ، فسكت ! انتهى .

عندما تقرأ هذا النص تحس أنه ليس طبيعياً ! فهو يقول : أكثروا عليه السؤال فغضب . . ثم قال : سلوني عما شئتم . . ثم أكثر أن يقول سلوني . . فسألوه هل هم أولاد شرعيون أو أولاد زنا ! ! فبرَّأ صحابياً وفضح آخر على رؤوس الأشهاد ، وشهد بأنه ابن زنا ! ! ثم أصرَّ عليهم : سلوني سلوني سلوني . . ! ! فقام عمر وأعلن التوبة فهدأ الموقف وسكت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ! !

فما هي القصة ، وما سبب هذا الغضب والتحدي والفضح النبوي ! والتوبة العمرية ؟ !

الذي يساعد الباحث هنا أن القصة وإن قطَّعتها الصحاح ، لكنها روتها هي وغيرها

٢٧٦
 &

بأكثر من عشرين نصاً . . فيمكن للباحث أن يجمع منها خيوطاً كثيرة .

يقول مسلم في صحيحه لم يكن غضب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لسؤال كما قال البخاري ! بل بلغه عن أصحابه شيء كريه ! فصعد المنبر وخطب وطلب منهم أن يسألوه ( عن أنسابهم ) وتحداهم فخافوا وبكوا ، فقام عمر وتاب ! !

ـ قال مسلم في صحيحه ج ٧ ص ٩٢

عن أنس بن مالك قال : بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحابه شيء فخطب فقال : عرضت علي الجنة والنار فلم أر كاليوم في الخير والشر ، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً . قال فما أتى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أشد منه ! ! قال غطَّوا رؤسهم ولهم خنين ! قال فقام عمر فقال : رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً ! قال فقام ذاك الرجل فقال : من أبي ؟ قال أبوك فلان ، فنزلت : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ! انتهى .

وروى مسلم جزء منها أيضاً في ج ٣ ص ١٦٧

فالمسألة إذن غضبٌ نبويّ لما بلغه عن ( أصحابه ) وخطبةٌ نارية . . وتحدٍّ نبوي لهم في أنسابهم . . وأشد يوم مر عليهم مع نبيهم . . وبكاء الصحابة المعنيين خوفاً من إطاعة الرسول وسؤاله عن نسبهم . . والفضيحة . . وإعلان عمر توبته وتوبتهم . . ! !

وهكذا تبدأ خيوط الحادثة بالتجمع . . ويمكنك بعد ذلك أن تجمع من خيوطها من نفس البخاري !

ـ قال البخارى في ج ١ ص ١٣٦

عن الزهري قال أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حين زاغت الشمس فصلى الظهر ، فقام على المنبر فذكر الساعة فذكر أن فيها أموراً عظاماً ، ثم قال : من أحب أن يسأل عن شيء فليسأل فلا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم ما دمت في مقامي هذا ! ! فأكثر الناس في البكاء وأكثر أن يقول سلوني !

٢٧٧
 &

فقام عبد الله بن حذافة السهمي فقال : من أبي ؟ قال أبوك حذافة !

ثم أكثر أن يقول سلوني ! ! فبرك عمر على ركبتيه فقال : رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً ! فسكت ، ثم قال : عرضت علي الجنة والنار آنفاً في عرض هذا الحائط فلم أر كالخير والشر !

ـ وقال البخاري في ج ٧ ص ١٥٧

عن أنس رضي‌الله‌عنه سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه المسألة فغضب فصعد المنبر فقال : لا تسألوني اليوم عن شيء بينته لكم ، فجعلت أنظر يميناً وشمالاً فإذا كل رجل لافٌّ رأسه في ثوبه يبكي ! فإذا رجل كان إذا لاحى الرجال يدعى لغير أبيه ، فقال : يا رسول الله من أبي ؟ قال : حذافة ثم أنشأ عمر فقال : رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً نعوذ بالله من الفتن . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما رأيت في الخير والشر كاليوم قط ! إنه صورت لي الجنة والنار حتى رأيتهما وراء الحائط . وروى نحوه أيضاً في ج ٨ ص ٩٤

ـ وقال البخاري في ج ٨ ص ١٤٣

عن الزهري أخبرني أنس بن مالك رضي‌الله‌عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم خرج حين زاغت الشمس فصلى الظهر فلما سلم قام على المنبر فذكر الساعة ، وذكر أن بين يديها أموراً عظاماً ثم قال : من أحب أن يسأل عن شيء فليسأل عنه ، فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به ما دمت في مقامي هذا ! قال أنس فأكثر الناس البكاء ! وأكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول سلوني ! ! فقال أنس فقام إليه رجل فقال : أين مدخلي يا رسول الله ؟ قال النار ! ! ! فقام عبد الله بن حذافة فقال : من أبي يا رسول الله ؟ قال أبوك حذافة . قال ثم أكثر أن يقول سلوني سلوني ! ! فبرك عمر على ركبتيه فقال : رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً . قال فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال عمر ذلك ! ثم قال رسول الله : أولى ،

٢٧٨
 &

والذي نفسي بيده لقد عرضت علي الجنة والنار آنفاً في عرض هذا الحائط وأنا أصلي ، فلم أر كاليوم في الخير والشر !

ـ وقال البخاري في ج ٤ ص ٧٣

عن طارق بن شهاب قال سمعت عمر رضي‌الله‌عنه يقول :

قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم مقاماً فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم . . . ! حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه .

ـ وقال أبو داود ج ١ ص ٥٤٢

عن أبى قتادة أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله كيف تصوم ؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله ، فما رأى ذلك عمر قال : رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً نعوذ بالله من غضب الله ومن غضب رسوله ، فلم يزل عمر يرددها . . حتى سكن غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم . انتهى .

ـ وقال في مجمع الزوائد ج ١ ص ١٦١

عن أبي فراس رجل من أسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم : سلوني عما شئتم ؟ فقال رجل : يا رسول الله من أبي ؟ قال : أبوك فلان الذي تدعي إليه ، وسأله رجل : في الجنة أنا ؟ قال : في الجنة . وسأله رجل : في الجنة أنا ؟ قال : في النار ! ! ! فقال عمر : رضينا بالله رباً . رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح .

ـ وقال في مجمع الزوائد ج ٧ ص ١٨٨ وص ٣٩٠

وعن أنس قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غضبان ! فخطب الناس فقال : لا تسألوني عن شيء اليوم إلا أخبرتكم به ، ونحن نرى أن جبريل معه ! قلت

٢٧٩
 &

فذكر الحديث إلى أن قال فقال عمر : يا رسول الله إنا كنا حديثي عهد بجاهلية فلا تبد علينا سوآتنا فاعف عفا الله عنك ! رواه أبو يعلي ورجاله رجال الصحيح .

ـ وفي مجمع الزوائد ج ٩ ص ١٧٠

وأتاه العباس فقال : يا رسول الله إني انتهيت إلى قومٍ يتحدثون فلما رأوني سكتوا وما ذاك إلا لأنهم يبغضونا ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أو قد فعلوها ؟ ! والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدهم حتى يحبكم ، أيرجون أن يدخلوا الجنة بشفاعتي ، ولا يرجوها بنو عبد المطلب !

ـ وفي مجمع الزوائد ج ٩ ص ٢٥٨

وجلس على المنبر ساعة وقال : أيها الناس ما لي أوذى في أهلي ؟ ! فوالله إن شفاعتي لتنال حي حا ، وحكم ، وصدا ، وسلهب ، يوم القيامة !

ـ وفي مجمع الزوائد ج ٨ ص ٢١٤

عقد الهيثمي باباً في عدة صفحات بعنوان : باب في كرامة أصله صلى الله عليه وسلم . وأورد فيه أحاديث عن طهارة آباء النبي وأمهاته صلى الله عليه وعليهم ، ونقل حوادث خطيرة أهان فيها القرشيون أسرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في حياته ، وهم تحت قيادته في المدينة ، وهم مسلمون مهاجرون ، أو طلقاء منَّ عليهم بالعفو بالأمس في فتح مكة ! فغضب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأجابهم بشدة !

الحادثة الأولى :

عن عبد الله بن عمر قال إنا لقعودٌ بفناء رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ مرت امرأة فقال رجل من القوم : هذه ابنة محمد ، فقال رجل من القوم : إن مثل محمد في بني هاشم مثل الريحانة في وسط النتن ! فانطلقت المرأة فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يعرف في وجهه الغضب ، ثم قام على القوم فقال : ما بال أقوال تبلغني عن أقوام ! إن الله عز وجل خلق السموات سبعاً

٢٨٠