العقائد الإسلاميّة - ج ٣

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية

العقائد الإسلاميّة - ج ٣

المؤلف:

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-120-6
ISBN الدورة:
964-319-117-6

الصفحات: ٤٩٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

يقال له مالك بن الدخشم ، وقالوا : من حاله ، ومن حاله ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت ، فلما أكثروا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أليس يشهد أن لا إلۤه إلا الله ؟ ! فلما كان في الثالثة قالوا : إنه ليقوله . قال : والذي بعثني بالحق لئن قالها صادقاً من قلبه لا تأكله النار أبداً ! قالوا فما فرحوا بشيء قط كفرحهم بما قال ! ! . انتهى .

وابن الدخشن هذا ، أو الدخشم ، أو الدخيشن ، هو الذي ذكره البخاري وهو رئيس المنافقين الرسمي بعد ابن سلول ! ! ويمكنك أن تفكر فيما يزعمه هذا الحديث من أن أكبر فرحة للمسلمين كانت في ذلك اليوم ، أي يوم ساوى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بين المسلمين والمنافقين الذين قال الله تعالى فيهم ما قال ! !

ولعمري إنها فرحة السلطة وأتباعها الذين أرادوا حل مشكلة المنافقين لتأييدهم لهم ، فألصقوا ذلك بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ! !

ـ وروى أحمد في ج ٤ ص ٤١١

عن أبي بكر بن أبي موسى ( الأشعري ) عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أبشروا وبشّروا الناس من قال لا إلۤه إلا الله صادقاً بها دخل الجنة ، فخرجوا يبشرون الناس ، فلقيهم عمر رضي‌الله‌عنه فبشروه فردهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من ردكم ؟ قالوا عمر ، قال : لم رددتهم يا عمر ؟ قال إذاً يتكل الناس يا رسول الله ! . انتهى . وقال عنه في مجمع الزوائد ج ١ ص ١٦ رجاله ثقات .

ـ وروى أحمد ج ١ ص ٤٦٤

عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة وأنا أقول أخرى ! من مات وهو يجعل لله ندا أدخله الله النار . قال وقال عبد الله : وأنا أقول : من مات وهو لا يجعل لله ندا أدخله الله الجنة ! ! . انتهى .

ـ ولكن أحمد روى في ج ٢ ص ١٧٠ أن عبد الله بن عمرو بن العاص نسب الكلمتين إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ! قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من لقي الله وهو لا

١٦١
 &

يشرك به شيئاً دخل الجنة ولم تضره معه خطيئة ، كما لو لقيه وهو مشرك به دخل النار ولم ينفعه معه حسنة . انتهى .

ـ ولكن أحمد روى هذا الحديث أيضاً عن عبد الله بن مسعود وليس عبد الله بن عمرو !

قال في ج ١ ص ٣٧٤ : قال ابن مسعود : خصلتان يعني إحداهما سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والأخرى من نفسي : من مات وهو يجعل لله ندا دخل النار . وأنا أقول من مات . . . الخ .

ـ وروى الهيثمي في مجمع الزوائد ج ١ ص ٢٣

عن عقبة بن عامر رضي‌الله‌عنه قال جئت في اثني عشر راكباً حتى حللنا برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أصحابي : من يرعى إبلنا وننطلق فنقتبس من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا راح اقتبسناه ما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقلت : أنا ، ثم قلت في نفسي : لعلي مغبون ، يسمع أصحابي ما لا أسمع من نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فحضرت يوماً فسمعت رجلاً قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من توضأ وضوء كاملاً ثم قام إلى صلاة كان من خطيئته كيوم ولدته أمه ، فتعجبت من ذلك ، فقال عمر بن الخطاب : فكيف لو سمعت الكلام الآخر كنت أشد عجباً ! فقلت : أردد عليَّ جعلني الله فداءك ، فقال عمر بن الخطاب : إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : من مات لا يشرك بالله شيئاً فتحت له أبواب الجنة يدخل من أيها شاء ، ولها ثمانية أبواب ! فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلست مستقبله فصرف وجهه عني ، فقمت فاستقبلته ففعل ذلك ثلاث مرات فلما كانت الرابعة ، قلت يا نبي الله بأبي أنت وأمي لم تصرف وجهك عني ؟ ! فأقبل علي فقال : أواحد أحب اليك أم اثنا عشر ؟ مرتين أو ثلاثاً ! فلما رأيت ذلك رجعت إلى أصحابي !

ـ وفي مجمع الزوائد ج ١ ص ٣٢

عن عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : من مات

١٦٢
 &

يؤمن بالله واليوم الآخر ، قيل له أدخل من أي أبواب الجنة الثمانية شئت . رواه أحمد وفي إسناده شهر بن حوشب وقد وثق . وأورده أيضاً في ص ٤٩

ـ وفي مجمع الزوائد ج ١ ص ٢٢

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي‌الله‌عنه قال : جئت ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في أناس من أصحابه فيهم عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه وأدركت آخر الحديث ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من صلى أربع ركعات قبل العصر لم تمسه النار ! فقلت بيدي هكذا يحرك بيده إن هذا حديث جيد ، فقال عمر بن الخطاب : لما فاتك من صدر الحديث أجود وأجود ! قلت يا ابن الخطاب فهات ، فقال عمر بن الخطاب : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه من شهد أن لا إلۤه إلا الله دخل الجنة ! !

ـ وفي مجمع الزوائد ج ١ ص ١٦

عن أبي الدرداء رضي‌الله‌عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قال لا إلۤه إلا الله وحده لا شريك له دخل الجنة . قال قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : وإن زنى وإن سرق ! قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ ! قال : وإن زنى وإن سرق ! قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ ! قال : وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي الدرداء ! قال فخرجت لأنادي بها في الناس فلقيني عمر فقال إرجع فإن الناس إن علموا بهذه اتكلوا عليها ! قال : فرجعت فأخبرته صلى الله عليه وسلم فقال : صدق عمر .

رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط وإسناد أحمد أصح ، وفيه ابن لهيعة وقد احتج به غير واحد . ورواه في الدر المنثور ج ٢ ص ١٧٠

ـ وروى أحمد ج ٥ ص ١٧٠

حدثتني جسرة بنت دجاجة أنها انطلقت معتمرة فانتهت إلى الربذة فسمعت أباذر يقول : قام النبي صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي في صلاة العشاء فصلى بالقوم ثم تخلف أصحاب له يصلون ، فلما رأى قيامهم وتخلفهم انصرف إلى رحله ،

١٦٣
 &

فلما رأى القوم قد أخلوا المكان رجع إلى مكانه فصلى ، فجئت فقمت خلفه فأومأ إليَّ بيمينه فقمت عن يمينه ، ثم جاء ابن مسعود فقام خلفي وخلفه ، فأومأ إليه بشماله فقام عن شماله فقمنا ثلاثتنا ، يصلي كل رجل منا بنفسه ويتلو من القرآن ما شاء الله أن يتلو ، فقام بآية من القرآن يرددها حتى صلى الغداة ، فبعد أن أصبحنا أومأت إلى عبد الله بن مسعود أن سله ما أراد إلى ما صنع البارحة ؟ فقال ابن مسعود بيده لا أسأله عن شيء حتى يحدث إلي ، فقلت : بأبي أنت وأمي قمت بآية من القرآن ومعك القرآن ؟ ! لو فعل هذا بعضنا وجدنا عليه ، قال : دعوت لأمتي ، قال : فماذا أجبت أو ماذا عليك ؟ قال : أجبت بالذي لو اطلع عليه كثير منهم طلعةً تركوا الصلاة ! قال : أفلا أبشر الناس ؟ قال بلى ، فانطلقت معنقاً قريباً من قذفة بحجر ، فقال عمر : يا رسول الله إنك إن تبعث إلى الناس بهذا نكلوا عن العبادة ، فنادى أن ارجع ، فرجع .

ـ وروى أحمد في مسنده ج ٢ ص ٣٠٧ وفي ص ٥١٨

عن أبي هريرة أنه سمعه يقول : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : ماذا رد إليك ربك في الشفاعة ؟ فقال : والذي نفس محمد بيده لقد ظننت أنك أول من يسألني عن ذلك من أمتي لما رأيت من حرصك على العلم ! والذي نفس محمد بيده ما يهمني من انقصافهم على أبواب الجنة أهم عندي من تمام شفاعتي ، وشفاعتي لمن شهد أن لا إلۤه إلا الله مخلصاً يصدق قلبه لسانه ولسانه قلبه . ورواه الديلمي في فردوس الأخبار ج ٢ ص ١٩٧ ح ٣٣٩٥

ـ وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٥ ص ٣٢٤

وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد قال : لما نزلت : فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم منادياً فنادى : من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة ، فاستقبل عمر الرسول فرده ، فقال : يا رسول الله

١٦٤
 &

خشيت أن يتكل الناس فلا يعملون ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو يعلم الناس قدر رحمة الله لا تكلوا ولو يعلمون قدر سخط الله وعقابه لاستصغروا أعمالهم !

ـ الدر المنثور ج ٤ ص ٩٣

وأخرج ابن أبي حاتم وابن شاهين في السنة عن علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أصحاب الكبائر من موحدي الأمم كلها الذين ماتوا على كبائرهم غير نادمين ولا تائبين ، من دخل منهم جهنم لا تزرق أعينهم ولا تسود وجوههم ، ولا يقرنون بالشياطين ولا يغلون بالسلاسل ، ولا يجرعون الحميم ولا يلبسون القطران ، حرم الله أجسادهم على الخلود من أجل التوحيد ، وصورهم على النار من أجل السجود ، فمنهم من تأخذه النار إلى قدميه ، ومنهم من تأخذه النار إلى عقبيه ، ومنهم من تأخذه النار إلى فخذيه ، ومنهم من تأخذه النار إلى حجزته ، ومنهم من تأخذه النار إلى عنقه ، على قدر ذنوبهم وأعمالهم . ومنهم من يمكث فيها شهراً ثم يخرج منها ، ومنهم من يمكث فيها سنة ثم يخرج منها ، وأطولهم فيها مكثاً بقدر الدنيا منذ يوم خلقت إلى أن تفنى .

فإذا أراد الله ان يخرجهم منها قالت اليهود والنصارى ومن في النار من أهل الأديان والأوثان لمن في النار من أهل التوحيد : آمنتم بالله وكتبه ورسله فنحن وأنتم اليوم في النار سواء ، فغضب الله غضبا لم يغضبه لشيء فيما مضى ، فيخرجهم إلى عين بين الجنة والصراط فينبتون فيها نبات الطراثيث في حميل السيل ، ثم يدخلون الجنة مكتوب في جباههم هؤلاء الجهنميون عتقاء الرحمن ، فيمكثون في الجنة ما شاء الله أن يمكثوا ، ثم يسألون الله تعالى أن يمحو ذلك الإسم عنهم ، فيبعث الله ملكاً فيمحوه ثم يبعث الله ملائكة معهم مسامير من نار فيطبقونها على من بقى فيها يسمرونها بتلك المسامير فينساهم الله على عرشه ، ويشتغل عنهم أهل الجنة بنعيمهم ولذاتهم ، وذلك قوله : رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ .

١٦٥
 &

ـ وقال ابن باز في فتاويه ج ١ ص ١٧٩

روى البخاري عن أبي هريرة أنه قال : يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك قال : من قال لا إلۤه إلا الله خالصاً من قلبه . انتهى .

*       *

ملاحظات على روايات هذا الرأي

أولاً : نلاحظ في أحاديث هذا الرأي بل هذا المذهب ، اضطرابها وتعارضها إلى حد التناقض ! ولعل أصلها رواية مسلم التي ضرب فيها عمر أبا هريرة حتى خر لإسته ! والمقصود منها ومن أمثالها إثبات أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد ( اعترف وشهد ) بأن توحيد الله تعالى فقط كاف لدخول الجنة ، وأنه لا يحتاج الأمر إلى الإيمان بنبوته ولا شفاعته صلى‌الله‌عليه‌وآله !

ويلاحظ أنها تؤكد على أن الذي قال ذلك هو النبي نفسه صلى‌الله‌عليه‌وآله وليس عمر ! بل إن عمر كان مخالفاً لذلك ، وقد ردَّ أبا هريرة من الطريق وضربه ، واعترض على النبي مرات ومرات ، وقد أطاعه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في بعض المرات ، ثم أصرَّ النبي على هذا القول فهو الذي يتحمل مسؤوليته ، وليس عمر ، ولا أبو موسى ، ولا أبو هريرة ، ولا كعب الأحبار ! !

ثانياً : أن هذا المذهب يلغي حاجة المسلمين إلى الشفاعة أصلاً ! ! فأحاديثه تبشر بالجنة كل من قال ( لا إلۤه إلا الله ) وتشمل رواياته اليهود والنصارى وغيرهم ، فلا يبقى معنى للشفاعة ! !

ثالثاً : أنه يلغي الحاجة إلى أصل الإسلام ونبوة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله ! لأن رواياته تقول إن الله تعالى يقبل إيمان الموحد ويدخله الجنة لتوحيده ، حتى لو كفر بنبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ! فلا يبقى مبرر لجهاد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وحروبه وشدته على الكافرين بنبوته ! ولا يبقى معنىً لقوله تعالى ( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ )

١٦٦
 &

وكيف يجرأ مسلم على قبول رأي من رواة أو خليفة ، يستلزم إبطال دينه من أصله ؟ ! !

رابعاً : تزعم روايات هذا المذهب عدم عصمة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنه أخطأ في تبليغ الرسالة وصحح له عمر وأقنعه بخطئه ! على أنه توجد رواية أخرى في تهذيب الكمال ج ٤ ص ٣١ وفي مجمع الزوائد ج ١ ص ١٦ تقول إن النبي لم يقتنع وأصرَّ على رأيه ، وقال لعمر : دعهم يتكلوا ! وتوجد رواية أخرى في مجمع الزوائد وفي مسند أحمد ج ٤ ص ٤٠٢ تقول إن النبي سكت ! . . الخ .

ومن جهة أخرى تدل هذه الروايات على عدم إيمان عمر بعصمة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وتعطي لعمر دور الناظر على أعمال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والولاية عليه لتصحيح أخطائه ! بينما يؤكد الله تعالى عصمة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في كل كلمة يتفوه بها ، فيقول ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ) !

خامساً : تقدمت رواية أن عمر هو الذي بشر الناس ، ولعله اقترح على النبي أن يبشر الناس بذلك فنهاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ! ! وقد روى الهيثمي رواية فيها تصريح بأن الذي أراد تبشير الناس هو عمر وإن كانت متناقضة ، قال ( وعن جابر رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ناد يا عمر في الناس إنه من مات يعبد الله مخلصاً من قلبه أدخله الله الجنة وحرم على النار ! قال فقال عمر : يا رسول الله أفلا أبشر الناس ؟ قال : لا ، لا ، يتكلوا . انتهى .

فأول الرواية يقول : إن النبي أمر عمر بالنداء ، وآخرها يقول إن عمر اقترح النداء فلم يقبل به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ونهاه عنه !

وهذا يؤيد أن يكون أصل القضية كلها محاولة من عمر لتبشير الناس بعدم اشتراط العمل للجنة ، فنهاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

سادساً : إن روايات ( ضياع النبي ! ) في غزوة من غزواته أو في المدينة ، قد حملت من التناقض واللا معقول ما يوجب على الباحث بل على القارئ الشك فيها

١٦٧
 &

من أصلها !

فحديث مسلم يقول : إنهم ( أضاعوا ) النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في المدينة حتى وجده أبو هريرة في بستان في المدينة لبني النجار ! وروايتا الطبراني المتقدمتان عن عوف بن مالك والنضر بن أنس تقولان إنهم أضاعوا النبي في إحدى الغزوات ! أو خرج مبهوتاً في وسط الليل ! وبعض رواياتها تقول إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يضع بل كان في بيته أو في مسجده وأمر أبا موسى ونفراً من قومه أن يبشروا الناس فلما خرجوا من عنده لقيهم عمر . . . الخ . وقد رواها أحمد ج ٤ ص ٤٠٢ وص ٤١١ وقال عنها مجمع الزوائد ج ١ ص ١٦ ( رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله ثقات ) .

ثم إن رواية مسلم تقول : إن بطل القصة المأمور بالنداء هو أبو هريرة وأن عمر ضربه ! بينما تقول روايات أخرى إن المأمور بالنداء أبو موسى الأشعري ونفر من الأشعريين وأن عمر رده ولم يضربه ! وأخرى تقول : إن المأمور هو أبو الدرداء ، وأخرى تقول : إنه أبو ذر ، وأخرى تقول : إنه عمر . . إلخ . ورواية أبي سعيد تذكر مأموراً بدون تسمية !

أما روايات الطبراني فتذكر بطلين آخرين للحادثة هما عوف والنضر ، وفي رواية أخرى في مجمع الزوائد ج ١ ص ٢٣ إنه عقبة بن عامر !

وتوجد رواية في مجمع الزوائد تقول إن البطل الوحيد هو عمر ، ولا يوجد غيره قال الهيثمي في مجمع الزوائد ج ١ ص ١٦ وعن عمر رضي‌الله‌عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يؤذن في الناس أنه : من شهد أن لا إلۤه إلا الله وحده لا شريك له مخلصاً دخل الجنة ، فقال عمر : يا رسول الله إذا يتكلوا فقال : دعهم . رواه أبو يعلى والبزار إلا أن عمر قال يا رسول الله إذا يتكلوا ! قال دعهم يتكلوا . انتهى .

أما رواية البخاري فتذكر أن بطل الرواية معاذ فقط ، وأنه اقترح تبشير الناس بذلك فنهاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ورواية أحمد تذكر أن بطلها عبادة بن الصامت . . وقد تقدمت الروايتان في الرأي الثاني لأنهما اشترطتا الشهادة بالنبوة ! !

١٦٨
 &

ولو أردنا مواصلة بحث ملف ضياع النبي المزعوم ، والنداء المزعوم ، لوجدنا فيها تناقضات أخرى توجب سقوط أصل القصة عن الصلاحية لإثبات حكم شرعي عادي ، فكيف تصلح لإثبات عقيدة خطيرة ، أخطر من مذهب المرجئة ؟ ! لأن المرجئة يشترطون لدخول الجنة الشهادتين ، وهذه القصة تلغي الشهادة الثانية ! !

سابعاً : توجد روايات تناقض هذا الرأي عن الخليفة عمر نفسه وتقول إن الذي يسرق عباءة من الغنائم يحرم من دخول الجنة ، حتى لو كان السارق مسلماً واستشهد في سبيل الله تعالى ! وتقول إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد أمر عمر أن ينادي بنداء مضاد لما ذكرته قصة ضياع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ونداء النعلين ! !

فقد روى أحمد في مسنده ج ١ ص ٣٠ وص ٤٧ عن عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه قال لما كان يوم خيبر أقبل نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : فلان شهيد فلان شهيد ، حتى مروا على رجل فقالوا فلان شهيد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كلا إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة ! ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا بن الخطاب إذهب فناد في الناس إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون قال : فخرجت فناديت : ألا إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون . انتهى .

فإذا كانت سرقة عباءة تمنع صاحبها ( الشهيد ) من دخول الجنة ، فكيف تكون شهادة ( لا إلۤه إلا الله ) وحدها بدون عمل كافية لدخول الجنة ؟ !

وإذا كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد أمر عمر بهذا النداء ، فكيف أمر عمر نفسه أو غيره بنداء مناقض له ؟ ! وكيف لم يعترض عليه عمر وهو المعروف بكثرة اعتراضاته ؟ !

ثم إن قصة سارق العباءة والنداء بشرط الايمان والعمل الصالح ، كانتا في خيبر ، وهذه ظاهرة تحديد في الرواية توجب نوعاً من الثقة ، ولكنك لا تجد في قصة ضياع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والنداء المضاد المزعومين شيئاً من التحديد ، لا اسم الغزوة ، ولا اسم البستان ، بل لا تجد إلا مجملاً في مجمل ، وتناقضاً بعد تناقض !

١٦٩
 &

وبما أن أغلب روايات هذه القصة تشترك في ذكر دور عمر ومناقشته للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ونصحه إياه بضرر إعلان ذلك للناس ، يترجح في الذهن احتمال أن يكون أصل القصة أن الخليفة عمر هو الذي بشر الناس كما نصت الروايات المتقدمة ، وقد يكون اقترح على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يأمره بذلك فلم يقبل ، وأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ما ضاع لا في غزوتين ولا في غزوة ،ولا خرج مذعوراً في الليل من كلام جبرئيل ، ولا ضاع في المدينة ، ولا اختبأ في بستان ، ولا أعطى نعليه لأبي هريرة علامةً للناس بأنه مبعوث من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا ضرب عمر أبا هريرة حتى خر لإسته ! فعندما تتناقض الروايات ولا يمكن الجمع بينها ، أو تكون مخالفة للقرآن وللسنة القطعية المتفق عليها . . فلا مجال أمام الباحث إلا ترجيح هذا الإحتمال الأخير .

ثامناً ثبت عند الجميع أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد أرسل علياً عليه‌السلام الى مكة بأمر من الله تعالى لإبلاغ سورة براءة ، وأمره أن ينادي في الناس بعدة أمور ، منها ( لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة ) !

وقد روى ذلك أحمد ج ١ ص ٤٧ وص ٧٩ والنسائي ج ٥ ص ٢٣٤ والدارمي ج ٢ ص ٢٣٠ وغيرهم ، وفي أحمد ج ٥ ص ٤٣٨ : نفس مسلمة ) .

وروايات هذا النداء ثابتة عند الطرفين ، وليست مهزوزة مثل نداء النعلين المزعوم !

ثم إن هذا النداء كان بعد فتح مكة ، فلا بد للقائل بصحة روايات نداء النعلين أن يقول إنه ناسخ لهذا النداء ، وأن يثبت صحة قصته وأنها كانت بعد نداء مكة . . ولكن دون إثبات ذلك خرط القتاد !

أما الأحاديث الأخرى التي استدلوا بها على هذا المذهب ، فليست أحسن حالاً من حديث ( ضياع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله واختفائه واختبائه ونداء النعلين ) في تضاربها وتعارضها مع غيرها . . ويكفي لردها الروايات التي تقدمت في الرأي الأول .

١٧٠
 &

وأخيراً ، فقد آن لإخواننا فقهاء السنة أن ينظروا بجدية إلى تناقضات روايات الصحاح ومخالفاتها الصريحة للقرآن وضرورات الإسلام ، ويعيدوا النظر في مفهومهم للصحيح والحجة الشرعية !

ذلك أن صريح العقل هو الأصل الذي وصلنا به إلى الإيمان بالله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم وصلنا به إلى قطعيات الشرع الشريف . وحبُّنا للصحاح وأصحابها وأسانيدها لا يجوز أن يوصلنا إلى التنازل عن قطعيات الشرع والعقل ، لأن إبطال الأصل يستلزم إبطال الفرع الذي نحبه ، وبالنتيجة خسارة كل شيء ! !

*       *

أحاديث أن الله تعالى يشفع عند نفسه !

بمقتضى أحاديثهم في استحقاق الموحد لدخول الجنة ، فلا يحتاج الأمر إلى شفاعة ، بل تصير الشفاعة من نصيب المشركين !

ولكن أصحاب هذا الرأي احتاطوا في أمر أصحابهم فشملوهم بالشفاعة ! واختلفت رواياتهم في من يشفع فيهم ! فقال بعضها إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله هو الذي يشفع في الموحدين ، وقال بعضها إن إسحاق هو شفيع الموحدين ، وقد صحح الحاكم روايته على شرط الشيخين ، كما سيأتي في مسألة الذبيح ! وقال بعضها إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يطلب من الله تعالى أن يعطيه الشفاعة فيهم فلا يعطيه إياها بل يستأثر بها لنفسه ، فكأنه تعالى يريد أن يجازيهم هو شخصياً ، لأنهم شهدوا بتوحيده ! !

ـ قال في كنز العمال ج ١ ص ٥٦

ما زلت أشفع إلى ربي فيشفعني حتى أقول : شفعني فيمن قال لا إلۤه إلا الله ، فيقول : ليست هذه لك يا محمد ! إنما هي لي ! أنا وعزتي وحلمي ورحمتي لا أدع في النار أحداً قال لا إلۤه إلا الله ـ ع عن أنس . انتهى . وأورده الرازي في تفسيره ج ١١ جزء ٢٢ ص ١٠ . وفي كنز العمال ج ١ ص ٦٤ فيقال : ليست هذه لك ولا لأحد ، هذا إليَّ ،

١٧١
 &

فلا يبقى أحد قال لا إلۤه إلا الله إلا أخرج منها ـ الديلمي عن أنس .

ـ طبقات الحنابلة لأبي يعلى ج ١ ص ٣١٢

قال أحمد بن حنبل : إذا لم يبق لأحد شفاعة قال الله تعالى : أنا أرحم الراحمين ، فيدخل كفه في جهنم فيخرج منها ما لا يحصيه غيره .

ـ وروى البيهقي في سننه ج ١٠ ص ٤٢

عن معبد بن هلال العنزي قال : أتيت أنس بن مالك رضي‌الله‌عنه في رهط من أهل البصرة وسماهم لنا ، نسأله عن حديث الشفاعة ، فذكر الحديث بطوله في سؤاله وجوابه وخروجهم من عنده ودخولهم عن الحسن بن أبي الحسن البصري ، قال الحسن حدثني كما حدثكم ، قال ثم قال يعني النبي صلى الله عليه وسلم : فأجئ في الرابعة فأحمد بتلك المحامد ثم أخر له ساجداً فيقال لي يا محمد إرفع رأسك قل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع ، فأقول يا رب إئذن لي فيمن قال لا إلۤه إلا الله فيقول ليس ذلك إليك ولكني وعزتي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إلۤه إلا الله . رواه البخاري في الصحيح عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد زاد فيه ( وجلالي ) ورواه مسلم عن سعيد بن منصور وغيره .

ـ ولكن الديلمي روى في فردوس الأخبار ج ٣ ص ٢٧٦ ح ٤٦٩٥

أن الله تعالى يتنازل ويعطي الشفاعة فيهم لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ! قال عمرو بن العاص : قلت يا ربي شفعني فيمن قال لا إلۤه إلا الله ، قال : لك ذلك ! انتهى .

ـ وقال الثعالبي في الجواهر الحسان ج ١ ص ٣٥١ في تفسير الآية ٤٠ من سورة النساء : فيقول الله عز وجل : شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقطبض قبضة من النار فيخرج منها قوماً لم يعلموا خيراً قط !

ـ وقال في ج ٢ ص ٣٦٠ :

وأحاديث الشفاعة قد استفاضت وبلغت حد التواتر من أعظمها شفاعة أرحم

١٧٢
 &

الراحمين ففي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري قال : فيقول الله عز وجل : شفعت الملائكه وشفع النبيون وشفع المؤمنون . . . الخ .

ورواه البغوي في مصابيح السنة ج ٣ ص ٥٤٢

وقد أوردنا روايات هذه ( الشفاعة ) من مصادر السنيين في المجلد الثاني في ادعائهم رؤية الله تعالى بالعين في الآخرة ! ومعناها أن الله تعالى يتوسط عند نفسه ، وهو معنى عامي للشفاعة ! والظاهر أن أصلها الحديث المروي في مصادرنا عن الإمام محمد الباقر عليه‌السلام الذي رواه في بحار الأنوار ج ٨ ص ٣٦١ عن حمران قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : إن الكفار والمشركين يرون أهل التوحيد في النار فيقولون ما نرى توحيدكم أغنى عنكم شيئاً ، وما أنتم ونحن إلا سواء ! قال : فيأنف لهم الرب عز وجل فيقول للملائكة : إشفعوا فيشفعون لمن شاء الله ، ويقول للمؤمنين مثل ذلك ، حتى إذا لم يبق أحدٌ تبلغه الشفاعة ، قال تبارك وتعالى : أنا أرحم الراحمين ، أخرجوا برحمتي ، فيخرجون كما يخرج الفراش ، قال : ثم قال أبو جعفر عليه‌السلام : ثم مدت العُمُد وأعمدت عليهم ، وكان والله الخلود . انتهى .

ورواه في تفسير نور الثقلين ج ٥ ص ٥٢٣ عن مجمع البيان عن العياشي .

والمقصود بأهل التوحيد الذين تشملهم الشفاعة في هذه الرواية ، المسلمون الذين ارتضى الله دينهم وأماتهم على التوحيد . . فقد ورد عن أهل البيت عليهم‌السلام أن بعض أصحاب المعاصي والانحرافات الكبيرة ، يسلب منهم التوحيد قبل موتهم ، والعياذ بالله ! !

*       *

١٧٣
 &

الرأي الثالث : أن الشفاعة تشمل جميع الخلق !

ـ مجموعة الرسائل لابن تيمية ج ١ ص ١٠

أجمع المسلمون على أن النبي ( ص ) يشفع للخلق يوم القيامة بعد أن يسأله الناس ذلك ، وبعد أن يأذن الله في الشفاعة . ثم أهل السنة والجماعة متفقون على ما اتفقت عليه الصحابة . . . أنه يشفع لأهل الكبائر ويشفع أيضاً لعموم الخلق . . . أما الوعيدية من الخوارج والمعتزلة فزعموا أن شفاعته إنما هي للمؤمنين خاصة . . . ومنهم من أنكر الشفاعة مطلقاً . . . ومذهب أهل السنة والجماعة أنه يشفع في أهل الكبائر ولا يخلد أحد في النار .

ـ ولكن ابن باز لم يأخذ بفتوى إمامه ابن تيمية فقال في فتاويه ج ٤ ص ٣٦٨

إن المشرك إذا مات على شركه فهو مخلد في النار أبد الآباد بإجماع أهل العلم ، وذلك مثل الذي يعبد الأصنام أو الأحجار أو الأشجار أو الكواكب . . . أو يعبد الأموات ومن يسمونهم بالأولياء ، أو يستغيث بهم ويطلب منهم المدد أو العون عند قبورهم ، مثل قول بعضهم : يا سيدي فلان المدد المدد ، يا سيدي البدوي المدد المدد . . . أو يا سيدي رسول الله المدد المدد الغوث الغوث ، أو يا سيدي الحسين أو يا فاطمة أو يا ست زينب ، أو غير ذلك ممن يدعوه المشركون . . . وهذا كله من الشرك الأكبر ، فإذا مات عليه صاحبه صار من أهل النار . انتهى .

فإن عجبت فاعجب لابن تيمية إمام الوهابيين حيث يحكم بدخول إبليس وقابيل وفرعون ونمرود الجنة لأنهم من عموم الخلق ! ولإمامهم المعاصر ابن باز حيث يحكم بأن ملايين المسلمين الذين يدعون الله تعالى ويطلبون من أوليائه مدداً مما أعطاهم الله تعالى كلهم ( مشركون ) مخلدون في النار أبد الآباد ! !

ـ مجمع الزوائد ج ١٠ ص ٣٧٩

وعن أنيس الأنصاري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إني

١٧٤
 &

لأشفع يوم القيامة في كل شيء مما على وجه الأرض من حجر ومدر . رواه الطبراني في الأوسط ، وفيه أحمد بن عمرو صاحب علي بن المديني ويعرف بالقلوري ولم أعرفه ، وبقية رجاله وثقوا على ضعف في بعضهم . انتهى . ورواه ابن عبد البر في الإستيعاب ج ١ ص ١١٤ والديلمي في فردوس الأخبار ج ١ ص ٩٣ ح ١٧٤ عن بريدة الأسلمي وفيه ( لأكثر مما على وجه الأرض من حجر ومدر ) .

ـ الدر المنثور ج ٦ ص ٢٨٦

وأخرج ابن مردويه عن عبد الرحمن بن ميمون أن كعباً دخل يوماً على عمر بن الخطاب فقال له عمر : حدثني إلى ما تنتهي شفاعة محمد يوم القيامة ؟ ! فقال كعب : قد أخبرك الله في القرآن أن الله يقول ( مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ إلى قوله الْيَقِينُ ) قال كعب : فيشفع يومئذ حتى يبلغ من لم يصل صلاة قط ويطعم مسكيناً قط ومن لم يؤمن ببعث قط ، فإذا بلغت هؤلاء لم يبق أحد فيه خير ! ) انتهى .

وإذا أراد كعب بقوله ( حتى يبلغ ، فإذا بلغت هؤلاء ) أن النبي يشفع حتى يبلغ هؤلاء فيشفع لهم أيضاً ، فلم يبق أحد في النار ! وإن أراد أنه يبلغهم ويقف عندهم ، فمعناه أن كعباً لا يشترط لشمول الشفاعة إلا الإيمان بيوم الدين ، وعملاً واحداً من الأعمال المذكورة !

ـ كنز العمال ج ١٤ ص ٥١١ عن ابن عساكر :

عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : والذي نفسي بيده ! إني لسيد الناس يوم القيامة ولا فخر ، وإن بيدي لواء الحمد وإن تحته آدم ومن دونه ولا فخر ، ينادي الله يومئذ آدم فيقول : يا آدم ، فيقول لبيك رب وسعديك ، فيقول : أخرج من ذريتك بعث النار ، فيقول : يا رب وما بعث النار ؟ فيقول : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين ، فيخرج ما لا يعلم عدده إلا الله ، فيأتون آدم فيقولون : يا آدم أنت أكرمك الله وخلقك بيده ، ونفخ فيك وروحه وأسكنك جنته ، وأمر الملائكة

١٧٥
 &

فسجدوا لك ، فاشفع لذريتك أن لا تحرق اليوم بالنار ، فيقول آدم : ليس ذلك إليِّ اليوم ، ولكن سأرشدكم ، عليكم بنوح فيأتون نوحاً فيقولون : يا نوح إشفع لذرية آدم فيقول : ليس ذلك إليَّ اليوم ولكن عليكم بعبد اصطفاه الله بكلامه ورسالته وصنع على عينه وألقى عليه محبة منه موسى وأنا معكم ، فيأتون موسى فيقولون : يا موسى أنت عبد اصطفاك الله برسالته وبكلامه وصنعت على عينه وألقى عليك محبة منه إشفع لذرية آدم لا تحرق اليوم بالنار ، فيقول : ليس ذلك إليَّ اليوم عليكم بروح الله وكلمته عيسى فيأتون عيسى فيقولون : يا عيسى أنت روح الله وكلمته إشفع لذرية آدم لا تحرق اليوم بالنار ، فيقول : ليس ذلك إليَّ اليوم ولكن سأرشدكم عليكم بعبد جعله الله رحمة للعالمين أحمد وأنا معكم ، فيأتون أحمد فيقولون : يا أحمد جعلك الله رحمة للعالمين إشفع لذرية آدم لا تحرق اليوم بالنار ، فأقول : نعم أنا صاحبها فآتي حتى آخذ بحلقة باب الجنة فيقال : من هذا أحمد ؟ فيفتح لي فإذا نظرت إلى الجبار لا إلۤه إلا هو خررت ساجداً ، ثم يفتح لي من التحميد والثناء على الرب شيئاً لا يفتح لأحد من الخلق ثم يقال : إرفع رأسك سل تعطه واشفع تشفع ، فأقول : يا رب ذرية آدم لا تحرق اليوم بالنار فيقول الرب جل جلاله : إذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال قدر قيراط من إيمان فأخرجوه !

ثم يعودون إليَّ فيقولون : ذرية آدم لا يحرقون اليوم بالنار فآتي حتى آخذ بحلقة الجنة فيقال : من هذا ؟ فأقول أحمد ، فيفتح لي فإذا نظرت الجبار لا إلۤه إلا هو خررت ساجداً مثل سجودي أول مرة ومثله معه فيفتح لي من الثناء على الرب والتحميد مثل ما فتح لي أول مرة ، فيقال : إرفع رأسك سل تعطه واشفع تشفع ، فأقول : يا رب ذرية آدم لا تحرق اليوم بالنار ! فيقول الرب : إذهبوا من وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوه !

ثم آتي حتى أصنع مثل ما صنعت أول مرة فإذا نظرت إلى الجبار عز جلاله

١٧٦
 &

خررت ساجداً فأسجد كسجودي أول مرة ومثله معه فيفتح لي من الثناء والتحميد مثل ذلك ثم يقال : إرفع رأسك وسل تعطه واشفع تشفع فأقول : يا رب ذرية آدم لا تحرق اليوم بالنار ! فيقول الرب : إذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه فيخرجون ما لا يعلم عدده إلا الله ويبقى أكثر . ثم يؤذن لآدم في الشفاعة فيشفع لعشرة آلاف ألف ثم يؤذن للملائكة والنبيين فيشفعون ثم يؤذن للمؤمنين فيشفعون وإن المؤمن يشفع يومئذ لأكثر من ربيعة ومضر . انتهى .

ومن الواضح أن هذه الرواية تطرح ذرية آدم كلهم موضوعاً للشفاعة ، ولكنها ( تحتاط ) من التصريح بشمول الشفاعة لهم ، على عكس الروايات والآراء المتقدمة التي صرحت بشمول الشفاعة لجميع الخلق !

وإذا كان هذا الرأي يحتاج إلى رد ، فإن ما تقدم في أدلة الرأي الموافق لمذهبنا ، وما تقدم في نقد الآراء التوسيعية السابقة كافٍ لرده .

*       *

١٧٧
 &

الرأي الرابع أن العقاب في الآخرة ينتهي كلياً وأن جهنم تفنى وينقل أهلها إلى الجنة !

وهذه المسألة من مسائل المعاد لا الشفاعة ، ولكن بحثناها هنا لذكر الشفاعة في كثير من رواياتها .

وأول من قال من المسلمين بفناء النار هو الخليفة عمر بن الخطاب ، وقد تأثر به عدد من المذاهب الكلامية . ولكن أكثر المتعصبين لعمر لم يأخذوا بقوله هذا ، ما عدا ابن تيمية وبعض تلاميذه ، كما سترى !

ـ قال السيوطي في الدر المنثور ج ٣ ص ٣٥١

وأخرج ابن المنذر عن الحسن عن عمر رضي‌الله‌عنه قال : لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج لكان لهم يوم على ذلك يخرجون فيه . انتهى . ورواه الشوكاني في فتح القدير ج ٢ ص ٦٥٨ وغيره ، وعالج : منطقة رملية في بين صحراء نجد والبحرين .

آراء المسلمين في آيات الخلود وأحاديثه

من عادة الكلاميين والمفسرين عندما يجدون قولاً لصحابي يحبونه مخالفاً لآيات محكمة وأحاديث صريحة ، كمسألتنا هذه أنهم يحشدون للقارئ أقوالاً وآراء عديدة متضاربة متناقضة ، ويؤيدونها بروايات كثيرة متضاربة أيضاً ، وكأن واحدهم متحيرٌ يكتب للناس تحيره ويستغيث بهم ! أو كأن هدفه بدل التفسير والتوضيح ترويض ذهن القارئ وتدويخه لكي يقبل التناقض الذي يريد إقناعه به !

وموضوعنا هذا واحدٌ من هذه الموضوعات التي اتبع فيها المفسرون السنيون هذه السياسة .

وتفادياً لذلك نقدم رأي أهل البيت عليهم‌السلام وعلماء مذهبهم في المسألة وما وافقهم وما خالفهم من الآراء الأخرى ، ليعرف الباحث من أين جاء الخلل إلى الرواة السنيين ومصادرهم في تفسير آيات الله تعالى ، وتفسير أقوال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإن الميزان

١٧٨
 &

الشرعي لكل الآراء والأحاديث عند الجميع هو القرآن والمتفق عليه من السنة . . ويضاف اليه عندنا ما ثبت عن المفسرين الشرعيين للقرآن بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الذين هم عترته بصريح قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ( إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ) وحديث الثقلين صحيح عند الجميع .

أجمع المسلمون على خلود الكفار في جهنم

ـ الإعتقادات للصدوق ص ٥٣

باب الإعتقاد في الجنة والنار : قال الشيخ أبو جعفر رحمه‌الله : اعتقادنا في الجنة : أنها دار البقاء ودار السلامة ، لا موتٌ فيها ولا هرم ولا سقم ولا مرض ولا آفة ولا زوال ولا زمانة ولا هم ولا غم ولا حاجة ولا فقر . وأنها دار الغنى ودار السعادة ، ودار المقامة ودار الكرامة ، لا يمس أهلها نصب ولا يمسهم فيها لغوب ، لهم فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين وهم فيها خالدون . وأنها دارٌ أهلها جيران الله تعالى وأولياؤه وأحباؤه وأهل كرامته .

وهم أنواع على مراتب : منهم المتنعمون بتقديس الله وتسبيحه وتكبيره في جملة ملائكته ، ومنهم المتنعمون بأنواع المآكل والمشارب والفواكه والأرائك وحور العين واستخدام الولدان المخلدين والجلوس على النمارق والزرابي ولباس السندس ، كلٌّ منهم إنما يتلذذ بما يشتهي ويريد ، على حسب ما تعلقت همته ، ويعطى ما عبد الله من أجله .

وقال الصادق عليه‌السلام : إن الناس يعبدون الله على ثلاثة أصناف : فصنف منهم يعبدون شوقاً إلى جنته ورجاء ثوابه ، فتلك عبادة الخدام ، وصنف منهم يعبدونه خوفاً من ناره ، فتلك عبادة العبيد ، وصنف منهم يعبدونه حباً له ، فتلك عبادة الكرام ، وهم الأمناء ، وذلك قوله عز وجل : وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ .

واعتقادنا في النار : أنها دار الهوان ودار الإنتقام من أهل الكفر والعصيان ، ولا يخلد فيها إلا أهل الكفر والشرك .

١٧٩
 &

ـ الإعتقادات ص ٨١

واعتقادنا في قتلة الأنبياء عليهم‌السلام وقتلة الأئمة المعصومين عليهم‌السلام أنهم كفار مشركون مخلدون في أسفل درك من النار . ومن اعتقد بهم غير ما ذكرناه ، فليس عندنا من دين الله في شيء .

ـ تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام ص ٥٧٨

قال الله تعالى : وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ، كان عذابهم سرمداً دائماً ، وكانت ذنوبهم كفراً ، لا تلحقهم شفاعة نبي ولا وصي ، ولا خيِّرٍ من خيار شيعتهم .

ـ التبيان في تفسير القرآن ج ٢ ص ٥٢٤

الخلود في اللغة هو طول المكث ، ولذلك يقال : خلده في السجن وخلد الكتاب في الديوان . وقيل للأثافي : خوالد ما دامت في موضعها ، فإذا زالت لا تسمى خوالد .

والفرق بين الخلود والدوام : أن الخلود يقتضي ( في ) كقولك خلد في الحبس ولا يقتضي ذلك الدوام ، ولذلك جاز وصفه تعالى بالدوام دون الخلود .

إلا أن خلود الكفار المراد به التأبيد بلا خلاف بين الأمة . . . ومعنى خلودهم فيها استحقاقهم لها دائماً مع ما توجبه من أليم العقاب ، فأما من ليس بكافر من فساق أهل الصلاة فلا يتوجه إليه الوعيد بالخلود ، لأنه لا يستحق إلا عقاباً منقطعاً به ، مع ثبوت استحقاقه للثواب الدائم ، لأنه لو كان كذلك لأدى إلى اجتماع استحقاق الثواب الدائم والعقاب الدائم لشخص واحد . والإجماع بخلافه .

ـ الطهارة للشيخ الأنصاري ص ٣٨٨

ومن ذلك يعلم الجواب عما دل من الأخبار على عدم قبول توبته ، مثل قوله عليه‌السلام : من رغب عن الإسلام وكفر بما أنزل على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فلا توبة له وقد وجبت عليه وبانت منه امرأته ، ويقسم ما ترك على ولده . هذا مع أن عدم قبول التوبة لا ينافي الإسلام ، ودعوى المنافاة من جهة أن عدم القبول مستلزم للخلود في النار وهو ينافي الإسلام ،

١٨٠