العقائد الإسلاميّة - ج ٣

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية

العقائد الإسلاميّة - ج ٣

المؤلف:

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-120-6
ISBN الدورة:
964-319-117-6

الصفحات: ٤٩٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

ثلاث مرات .

ورواه النسائي ج ٤ ص ٥٠ ورواه الترمذي ج ٢ ص ٢٦١ وقال ( وفي الباب عن عمر وكعب بن عجرة وأبي هريرة . قال أبو عيسى : حديث أنس حديث حسن صحيح ) .

ورواه ابن ماجة في ج ١ ص ٤٧٨ وفيه ( فقال : شهادة القوم والمؤمنون شهود الله في الأرض ) . وفي هامشه ( ويوافقه حديث عمر رواه الترمذي والنسائي وإسناد ابن ماجة صحيح ورجاله رجال الصحيحين ) .

ورواه أبو داود في ج ٢ ص ٨٦ وفيه ( إن بعضكم على بعض شهداء ) .

ورواه أحمد في ج ٣ ص ١٧٩ وج ٢ ص ٢٦١ وص ٤٩٨ وص ٥٢٨ وج ٢ ص ٤٦٦ وص ٤٧٠ وفيه (بعضكم شهداء على بعض ) وج ٣ ص ١٨٦ وكرر فيه وجبت ثلاث مرات مثل مسلم .

وفي رواية أخرى ( قال شهادة القوم والمؤمنون شهداء الله في الأرض ) وفي ج ٣ ص ١٩٧ وص ٢١١ وص ٢٤٥ وص ٢٨١

ورواه البيهقي في سننه ج ٤ ص ٧٥ وج ١٠ ص ١٢٣ وص ٢٠٩

*       *

ـ وقال البخاري في صحيحه ج ٢ ص ١٠٠

عن أبي الأسود قال : قدمت المدينة وقد وقع بها مرض فجلست إلى عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه فمرت بهم جنازة فأثنى على صاحبها خيراً فقال عمر رضي‌الله‌عنه : وجبت . ثم مر بأخرى فأثنى على صاحبها خيراً ، فقال عمر رضي‌الله‌عنه : وجبت . ثم مر بالثالثة فأثنى على صاحبها شراً ، فقال : وجبت . فقال أبو الأسود فقلت : وما وجبت يا أمير المؤمنين ؟ قال : قلت كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة ، فقلنا وثلاثة قال : وثلاثة . فقلنا واثنان قال : واثنان . ثم لم نسأله عن الواحد !

ـ ورواه البخاري أيضاً في ج ٣ ص ١٤٩ والنسائي في ج ٤ ص ٥١ وفيه :

٢٢١
 &

( فقلت وما وجبت يا أمير المؤمنين ؟ قال : قلت كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيما مسلم شهد له أربعة قالوا خيراً أدخله الله الجنة . قلنا : أو ثلاثة ؟ قال : أو ثلاثة . قلنا : أو اثنان ؟ قال : أو اثنان .

ورواه الترمذي في ج ٢ ص ٢٦١ وقال ( قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح وأبو الأسود الدؤلي اسمه ظالم بن عمر بن سفيان ) .

ورواه أحمد في ج ١ ص ٢١ وص ٢٢ وص ٢٧ وص ٣٠ وص ٤٥ وص ٤٦ ، والبيهقي في سننه ج ١٠ ص ١٢٤

*       *

إلى هنا تجد أن هذه المقولة بمقاييس إخواننا السنيين تامة السند والدلالة . . ولكن توجد مؤشرات تفتح باب البحث حولها :

المؤشر الأول : أن الإمام أحمد روى أن بعض الذين سمعوا الحديث من الخليفة عمر شككوا فيه لغرابته عن منطق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وظنوا أنه رأيٌ من عمر لا من قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فأكد له عمر أنه النبي هو الذي قال ذلك !

ـ قال أحمد في ج ١ ص ٥٤

حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع ثنا عمر بن الوليد الشني عن عبد الله بن بريدة قال : جلس عمر رضي‌الله‌عنه مجلساً كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلسه ، فمر عليه الجنائز ، قال فمروا بجنازة فأثنوا خيراً فقال : وجبت . ثم مروا بجنازة فأثنوا خيراً فقال : وجبت . ثم مروا بجنازة فقالوا خيراً فقال : وجبت . ثم مروا بجنازة فقالوا هذا كان أكذب الناس ، فقال : إن أكذب الناس أكذبهم على الله ، ثم الذين يلونهم من كذب على روحه في جسده ، قال قالوا : أرأيت إذا شهد أربعة ؟ قال : وجبت . قالوا : أو ثلاثة ؟ قال : وثلاثة ، قال وجبت . قالوا : واثنين ؟ قال : وجبت ، ولأن أكون قلت واحد أحب إلي من حمر النعم . قال فقيل لعمر : هذا شيء تقوله برأيك أم شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : لا ، بل سمعته من رسول الله صلى الله عليه

٢٢٢
 &

وسلم . انتهى .

والرواية تدل على أن الخليفة تفرد بهذه الرواية من دون الصحابة الحاضرين في ذلك المجلس الرسمي الذي كان يجلسه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنهم تعجبوا لأنهم لم يسمعوا ذلك ، وتجرؤوا أن يسألوا عمر رغم سطوته ، فأكد لهم أنه سمع ذلك !

المؤشر الثاني : يشير إلى أن الحادثة قضية شخصية في جنازة أشخاص معينين في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وليست قاعدة كلية لكل جنازة . .

فقد روى الحاكم في ج ١ ص ٣٧٧ : عن أنس قال كنت قاعداً مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فمر بجنازة فقال : ما هذه الجنازة ؟ قالوا جنازة فلان الفلاني كان يحب الله ورسوله ويعمل بطاعة الله ويسعى فيها ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : وجبت وجبت وجبت . ومر بجنازة أخرى قالوا جنازة فلان الفلاني كان يبغض الله ورسوله ويعمل بمعصية الله ويسعى فيها ، فقال : وجبت وجبت وجبت . فقالوا يا رسول الله قولك في الجنازة والثناء عليها ؟ أثني على الأول خير وعلى الآخر شر فقلت فيها وجبت وجبت وجبت ؟ فقال : نعم يا أبا بكر إن لله ملائكة تنطق على ألسنة بني آدم بما في المرء من الخير والشر . هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه بهذا اللفظ . انتهى .

فلو صح الحديث لكان معناه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله شهد ، بما عرفه الله تعالى ، بأن الملائكة نطقت على ألسنة أولئك المادحين والذامين . . وليس معناه أن الملائكة تنطق دائماً على ألسنة المسلمين .

المؤشر الثالث : يدل على أن الخصوصية للشاهد أو الشافع في الجنازة . . ففي مستدرك الحاكم ج ٢ ص ٢٦٨ : عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : كنت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في جنازة فينا في بني سلمة وأنا أمشي إلى جنب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال رجل : نعم المرء ما علمنا إن كان لعفيفاً مسلماً إن كان . . فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت الذي تقول ؟ قال يا رسول الله ذاك بدا لنا والله أعلم بالسرائر . فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : وجبت . قال وكنا معه في جنازة رجل من بني حارثة أو من بني عبد الأشهل ، فقال

٢٢٣
 &

رجل : بئس المرء ما علمنا إن كان لفظاً غليظاً إن كان . . فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت الذي تقول ؟ قال يا رسول الله الله أعلم بالسرائر فأما الذي بدا لنا منه فذاك . فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : وجبت . ثم تلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً . هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، إنما اتفقا على وجبت فقط . انتهى .

فقد أكد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على شخص القائل الذي لم تسمه الرواية فقال له : أنت الذي تقول ذلك وتشهد بهذه الشهادة لهذا الميت ؟ فقال نعم إني أشهد حسب ظاهر طحاله . فقال النبي إن الجنة قد وجبت له بشهادة ذلك الرجل ، أو إن شهادته طابقت الواقع كما أوحى الله إلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيحتمل أن تكون القضية شخصية كما في الرواية السابقة ، وإذا وجد الإحتمال بطل الإستدلال ، ولم يبق يقين بأنها قاعدة عامة .

المؤشر الرابع : أنه توجد أحاديث معارضة تجعل دعاء مئة مسلم موحد أو أربعين بالشفاعة للميت موجباً للأمل بأن الله تعالى يشفعهم فيه ويدخله الجنة . . وقد روت الصحاح رواية المئة ، ورواية الأربعين ، وفي بعض رواياتها ثلاثة صفوف ، وأمة من الناس ، ونحوها . . الأمر الذي يدل على أن وجود كثرة من المسلمين المؤمنين يصلون على جنازة الميت أو يدعون له ، أمر مفيد له ، وأن الله تعالى قد يستجيب دعاءهم . . ولكن ليس في هذه الاحاديث تلك الحتمية و ( الأتوماتيكية ) التي في أحاديث ( وجبت وجبت ) المتقدمة !

ـ ففي صحيح مسلم ج ٣ ص ٥٢ عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له ، إلا شفعوا فيه . انتهى وفي رواية أخرى : أربعون . ورواه في سنن البيهقي ج ٣ ص ١٨٠ ـ ١٨١

ـ وفي سنن ابن ماجة ج ١ ص ٤٧٧

عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من صلى عليه مائة من

٢٢٤
 &

المسلمين غفر له . في الزوائد : قد جاء عن عائشة في الترمذي والنسائي مثله . وإسناده صحيح ورجاله رجال الصحيحين . انتهى . وما ذكره موجود في سنن الترمذي ج ٢ ص ٢٤٧ وفي سنن النسائي ج ٤ ص ٧٥ بصيغة مائة وأمة من الناس ) .

ـ وفي فردوس الأخبار ج ٤ ص ٣٢٩ ح ٦٤٩٦

أنس وعائشة : ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغوا أن يكونوا مائة يشفعون له إلا شفعوا فيه .

ـ وفي ص ٣٧١ ح ٦٦٠٩ : أبو هريرة : ما صف قوم صفوفاً ثلاث على ميت فيستغفرون له إلا شفعوا .

ـ وروى ابن ماجة في سننه ج ١ ص ٤٧٧

عن كريب مولى عبد الله بن عباس قال : هلك ابن لعبد الله بن عباس فقال لي : يا كريب قم فانظر هل اجتمع لابني أحد ؟ فقلت نعم . فقال ويحك كم تراهم أربعين ؟ قلت : لا ، بل هم أكثر . قال : فاخرجوا بابني فأشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما من أربعين من مؤمن يشفعون لمؤمن ، إلا شفعهم الله .

ـ وروى ذلك أحمد بشروط أشد قال في ج ١ ص ٢٧٧

عن كريب مولى ابن عباس عن عبد الله بن عباس أنه مات ابن له بقديد أو بعسفان فقال : يا كريب أنظر ما اجتمع له من الناس ؟ قال فخرجت فإذا ناس قد اجتمعوا له فأخبرته ، قال يقول هم أربعون ؟ قال نعم ، قال أخرجوه فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً ، إلا شفعهم الله فيه . ورواها الديلمي في فردوس الأخبار ج ٤ ص ٣١٨ ح ٦٤٦٩

المؤشر الخامس : يشير إلى احتمال اختلاط الحديث بغيره . .

ـ ففي مسند أحمد ج ٣ ص ٣٠٣ عن جابر قال : قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من كن له ثلاث بنات يؤويهن ويرحمهن ويكفلهن ، وجبت له الجنة البتة . قال قيل يا

٢٢٥
 &

رسول الله فإن كانت اثنتين ؟ قال : وإن كانت اثنتين . قال فرأى بعض القوم أن لو قالوا له واحدة لقال واحدة . انتهى .

ـ وفي مسند أحمد ج ٤ ص ٢١٢

عن الحرث بن أفيش قال : كنا عند أبي برزة ليلة فحدث ليلتئذ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ما من مسلمين يموت لهما أربعة أفراط ، إلا أدخلهما الله الجنة بفضل رحمته . قالوا يا رسول الله وثلاثة ؟ قال : وثلاثة . قالوا : واثنان ؟ قال : واثنان . انتهى .

فيحتمل أن يكون الأمر اشتبه على الخليفة فجعل أجر ( وجبت الجنة ) لمن ربي ثلاث بنات أو اثنتين ـ جعله لمن شهد ثلاثة أو اثنان على جنازته ، لتشابه العدد فيهما ووحدة التعبير بـ ( وجبت )

ولا يرد الإشكال على رواية تربية البنات تربية إسلامية كيف جعلت سبباً قطعياً لدخول الجنة ، لأنها تجعل الجزاء للأب أو الأم على عمل يقومان به ، بينما رواية الشهادة للجنازة تجعل لصاحبها الجنة مجاناً مهما كان فاجراً بمجرد قول غيره !

كما تجعل له النار مجاناً بمجرد قول غيره ، مهما كان صالحاً ! !

على أنه يمكن القول إن الله تعالى جعل ثواب تربية ثلاث بنات أو اثنتين الجنة ليعالج مشكلة في مجتمع كانوا يئدون بناتهم ، وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم . . وأن هذا الثواب قد يشمل في عصرنا الأزواج الذين يئدون أطفالهم بطرق أخرى ، خوفاً من الفقر أو طلباً للراحة من الأطفال .

وفي أحاديث أهل البيت عن الإمام الصادق عليه‌السلام أن المسلمين قد سألوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن تربية البنت الواحدة كما تقدم ، فقد روى في الكافي ج ٦ ص ٦ عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن الحكم ، عن عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من عالَ ثلاث بنات أو ثلاث أخوات

٢٢٦
 &

وجبت له الجنة . فقيل : يا رسول الله واثنتين ؟ فقال : واثنتين . فقيل : يا رسول الله وواحدة ؟ فقال : وواحدة . انتهى .

ـ وفي مسند أحمد ج ١ ص ٢٢٣

عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من ولدت له ابنة فلم يئدها ولم يهنها ولم يؤثر ولده عليها يعني الذكر ، أدخله الله بها الجنة . انتهى .

والنتيجة : أن هذه المؤشرات تفتح باب البحث للشك في أحاديث ( وجبت وجبت ) للجنازة ، وتضغط عليها لتكون منسجمةً مع اليقينيات العقلية والشرعية غير ناقضة لها .

وما دام الباب مفتوحاً للتخلص من منطقها اليهودي ، فلا معنى للتشبث بها بحجة الدفاع عن البخاري وعن الخليفة عمر ! !

رأي أهل البيت عليهم‌السلام في الشهادة للجنازة

لا أثر في أحاديث أهل البيت عليهم‌السلام لروايات ( وجبت ) ولا لمنطقها ! بل نجد الترغيب في الدعاء للميت والشفاعة به إلى الله تعالى ، والأمل بأن يستجيب الله تعالى ويشمل هذا الميت برحمته . . كل ذلك على حسب قوانين الجزاء والشفاعة التي يعلمها عز وجل بأصولها وتفاصيلها وتطبيقاتها ، ولا نعرف نحن منها إلا القليل .

ـ روى الكليني في الكافي ج ٣ ص ١٨٨

عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الله بن غالب ، عن ثابت أبي المقدام قال : كنت مع أبي جعفر ( الباقر ) عليه‌السلام فإذا بجنازة لقوم من جيرته فحضرها وكنت قريباً منه ، فسمعته يقول : اللهم إنك أنت خلقت هذه النفوس وأنت تميتها وأنت تحييها ، وأنت أعلم بسرائرها وعلانيتها منا ومستقرها ومستودعها . اللهم وهذا عبدك ولا أعلم منه شراً وأنت أعلم به ، وقد جئناك شافعين لبعد موته فإن كان مستوجباً فشفعنا فيه واحشره مع من كان يتولاه . انتهى .

٢٢٧
 &

ونحوه في الكافي ج ٣ ص ١٨٥ ، ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ج ٣ ص ١٩٦ ورواه الحر العاملي في وسائل الشيعة ج ٢ ص ٢٣٧

وينبغي الإلتفات إلى عبارة ( فإن كان مستوجباً فشفعنا فيه ) فهي تدل على وجود قانون استحقاق الشفاعة وعدم استحقاقها . وعبارة ( واحشره مع من كان يتولاه ) التي تدل على قانون ( يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ) وهما قانونان مترابطان .

أما منطق ( وجبت ) فيقول لو كان الميت فاجراً مثل فرعون ومدح كنازته شخصان ، لوجب أن يصير من أهل الجنة ويحشر يوم القيامة إلى جنب الأنبياء عليهم‌السلام !

ـ هذا ، وقد روى في الكافي رواية صحيحة طريفة تتضمن أضواء مهمة على قانون الشفاعة قال في ج ٣ ص ١٨٧

علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد بن عثمان ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إن كان مستضعفاً فقل : اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ، وإذا كنت لا تدري ما حاله فقل : اللهم إن كان يحب الخير وأهله فاغفر له وارحمه وتجاوز عنه ، وإن كان المستضعف منك بسبيل فاستغفر له على وجه الشفاعة لا على وجه الولاية . انتهى .

وروى في نفس الصفحة عن الإمام الصادق عليه‌السلام أيضاً قال : الترحم على جهتين : جهة الولاية وجهة الشفاعة . ورواه في وسائل الشيعة ج ٢ ص ٢٣٧

ففي هذا الرواية منطق دقيق في التعامل مع الميت والشهادة له . . إن كنت لا تدري ما حاله ، أو كان مستضعفاً فكرياً لا يعرف الحق من الباطل ، أو كان معانداً يعرف الحق وينكره . . أو كان ممن يبغض أهل البيت عليهم‌السلام وينصب العداوة لهم . . وادع له على نحو الولاية ووحدة الإمام الذي ستدعى أنت وإياه به يوم القيامة ، أو على جهة الشفاعة لأرحامك إن لم يكن عارفاً بحق أهل بيت نبيه . . إلى آخر النقاط المنسجمة مع اليقينيات العقلية والشرعية .

٢٢٨
 &

قد يقال : يوجد في روايات أهل البيت عليهم‌السلام شبيه لرواية ( وجبت )

ـ فقد روى الكليني في الكافي ج ٣ ص ١٧٣ عن أبي علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن ابن فضال ، عن علي بن عقبة ، عن ميسر قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : من تبع جنازة مسلم أعطي يوم القيامة أربع شفاعات ولم يقل شيئاً إلا وقال الملك : ولك مثل ذلك . انتهى .

ورواه الصدوق في من لا يحضره الفقيه ج ١ ص ١٦١ والشيخ في تهذيب الأحكام ج ١ ص ٤٥٥ والحر في وسائل الشيعة ج ٢ ص ٢٨٨ وقال : ورواه في المجالس عن محمد بن الحسن عن الصفار عن أحمد بن محمد عن الحسن بن علي بن فضال . ورواه الشيخ بإسناده عن أبي علي الأشعري مثله . انتهى .

ولكن الفرق كبير بين رواية تعطي حق الشفاعة لشخص على عمل يقوم به ، وبين رواية تعطي الجنة أو النار مجاناً بكلمة يقولها شخص أو اثنان بعد موته ! !

وقد وجدنا في مصادر إخواننا السنيين رواية شبيهة بما مصادرنا في الدعاء للميت في الصلاة على جنازته رواها أحمد في مسنده ج ٢ ص ٢٥٦ قال : سمعت أبا هريرة ومر عليه مروان فقال : بعض حديثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو حديثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ثم رجع ، فقلنا الآن يقع به قال : كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على الجنائز ؟ قال سمعته يقول : أنت خلقتها وأنت رزقتها وأنت هديتها للإسلام ، وأنت قبضت روحها تعلم وعلانيتها ، جئنا شفعاء فاغفر لها . انتهى .

*       *

النوع الثاني : شفاعة النبي للظالمين من الأمة

قال الله تعالى : وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ

٢٢٩
 &

وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ . فاطر ـ ٣١ ـ ٣٥

اتفق الجميع على أن موضوع الآية : الذين اصطفاهم الله تعالى وأورثهم الكتاب بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بقرينة أن السياق قبلها عن الكتاب الموحى إلى نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله .

واتفقوا على أن الأقسام الثلاثة للذين اصطفاهم هم من أهل الجنة بدليل السياق حيث انتقل الكلام بعد المصطفين إلى الكافرين .

والذي يتصل بموضوعنا من ذلك تعيين هؤلاء المصطفين ورثة الكتاب الإلۤهي . . فقد ذهب السنيون إلى أنهم جميع المسلمين ، وأنهم جميعاً في الجنة إما بالإستحقاق أو بالشفاعة .

ومذهبنا أن هؤلاء المصطفين ورثة الكتاب هم ذرية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من ابنته فاطمة عليها‌السلام وأن السابقين بالخيرات منهم هم الأئمة المعصومون عليهم‌السلام والمقتصدين أتباعهم ، والظالمين لأنفسهم مخالفوهم . . وفيما يلي تفصيل هذه الآراء :

قال كعب الأحبار هم جميع المسلمين وهم في الجنة

الظاهر أن أقدم القائلين بهذا الرأي كعب الأحبار وأنه اعتمد على استنتاجه الشخصي وليس على رواية عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقد قال السيوطي في الدر المنثور ج ٥ ص ٢٥٢ : وأخرج عبد بن حميد عن صالح أبي الخليل قال قال كعب : يلومني أحبار بني اسرائيل أني دخلت في أمة فرقهم الله ثم جمعهم ثم أدخلهم الجنة ! ثم تلا هذه الآية : ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ، حتى بلغ جنات عدن يدخلونها قال قال : فأدخلهم الله الجنة جميعاً .

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عبد الله بن

٢٣٠
 &

الحارث أن ابن عباس سأل كعباً عن قوله : ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا . . الآية ، قال : نجوا كلهم . ثم قال : تحاكت مناكبهم ورب الكعبة ثم أعطوا الفضل بأعمالهم .

ـ وفي تفسير الطبري ج ٢٢ ص ٨٨ ، عن كعب :

إن الظالم لنفسه من هذه الأمة والمقتصد والسابق بالخيرات كلهم في الجنة ، ألم تر أن الله قال : ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا . . . الخ . وروى أيضاً بعض ما تقدم في الدر المنثور .

وقال الخولاني إنه قرأ ذلك في كتب اليهود

ـ قال السيوطي في الدر المنثور ج ٥ ص ٢٥٢

وأخرج عبد بن حميد عن أبي مسلم الخولاني قال : قرأت في كتاب الله أن هذه الأمة تصنف يوم القيامة على ثلاثة أصناف : صنف منهم يدخلون الجنة بغير حساب ، وصنف يحاسبهم الله حساباً يسيراً ويدخلون الجنة ، وصنف يوقفون ويؤخذ منهم ما شاء الله ، ثم يدركهم عفو الله وتجاوزه .

عائشة وعثمان يوافقان كعباً على تفسيره

ـ روى الحاكم أن عائشة وافقت كعباً على تفسيره قال في المستدرك ج ٢ ص ٤٢٦

عقبة بن صهبان الحراني قال : قلت لعائشة رضي الله عنها : يا أم المؤمنين أرأيت قول الله عز وجل : ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ؟ فقالت عائشة رضي الله عنها : أما السبَّاق فمن مضى في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فشهد له بالحياة والرزق . وأما المقتصد فمن اتبع آثارهم فعمل بأعمالهم حتى يلحق بهم . وأما الظالم لنفسه فمثلي ومثلك ومن اتبعنا ، وكل في الجنة ! ! صحيح الإسناد ولم يخرجاه . انتهى . ورواه في مجمع الزوائد ج ٧ ص ٩٦ . وقال عنه السيوطي في الدر المنثور ج ٥

٢٣١
 &

ص ٢٥١ : وأخرج الطيالسي وعبد ابن حميد وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط والحاكم وابن مردويه عن عقبة بن صهبان قلت لعائشة . . . الخ .

ـ وروى السيوطي في الدر المنثور أن الخليفة عثمان أيضاً وافق كعباً على تفسيره قال في ج ٥ ص ٢٥٢ :

وأخرج سعيد بن منصور وابن أبى شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عثمان بن عفان أنه نزع بهذه الآية قال : إن سابقنا أهل جهاد ، ألا وإن مقتصدنا ناج أهل حضرنا ، ألا وإن ظالمنا أهل بدونا . انتهى . ورواه في كنز العمال ج ٢ ص ٤٨٥

وواضح من الروايتين أن عائشة وعثمان اعتمدا على كعب الأحبار ، أو على فهمهما للآيات ، ولم يذكرا رواية عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

الحسن البصري يرد تفسير كعب الأحبار

ـ قال السيوطي في الدر المنثور ج ٥ ص ٢٥٢

وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي عن كعب الأحبار أنه تلا هذه الآية : ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ، إلى قوله لغوب ، قال : دخلوها ورب الكعبة . وفي لفظ قال : كلهم في الجنة ، ألا ترى على أثره والذين كفروا لهم نار جهنم ، فهؤلاء أهل النار . فذكر ذلك للحسن فقال : أبت ذلك عليهم الواقعة ! . وأخرج عبد بن حميد عن كعب في قوله : جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا قال : دخلوها ورب الكعبة ، فأخبر الحسن بذلك فقال : أبت والله ذلك عليهم الواقعة . انتهى .

ويقصد الحسن البصري بذلك أن التقسيم الثلاثي للناس الذي ورد في سورة الواقعة يردُّ تفسير كعب وهو قوله تعالى : وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً . فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ . وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ . وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ . أُولَـٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ . الواقعة ٧ ـ ١١

وكلام البصري قوي لأن الخطاب عنده في الآية للمسلمين ، ولو كان المقصود

٢٣٢
 &

بالمصطفيْن الذين أورثهم الله الكتاب كل المسلمين لكانوا جميعاً من أهل الجنة ، ولما بقي معنى لتقسيمات القرآن لهم في سورة الواقعة إلى أصحاب يمين وشمال وسابقين . فهذا التقسيم يدل على أن من المسلمين من يدخل النار .

وإن ناقشنا في استدلال الحسن البصري ، فتدل على رأيه الأحاديث والأدلة المتقدمة في الرد على مذاهب توسيع الشفاعة !

الخليفة عمر يميل إلى تفسير كعب

ـ روى السيوطي في الدر المنثور عن الخليفة عمر أنه خالف تفسير كعب الأحبار ، وأن رأيه كان كما قال الحسن البصري . . قال في ج ٥ ص ٢٥٢ :

وأخرج ابن مردويه عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله فمنهم ظالم لنفسه قال : الكافر . انتهى .

ويحتمل أن تكون هذه الرواية تفسيراً للآية ٣٢ من سورة لقمان وهي قوله تعالى : وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ . ولكنها على أي حال تنطبق على موضوعنا لأنها تفسر معنى ( الظالم لنفسه ) .

ولكن من البعيد أن تصح هذه الرواية ، لأنه ورد عن عمر أنه كان يردد تفسير كعب ، إلا أن نقول إنه كان يفسرها بذلك قبل أن يسمع تفسيرها من كعب !

ـ قال السيوطي في الدر المنثور ج ٥ ص ٢٥٢

وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر والبيهقي في البعث عن عمر بن الخطاب أنه كان إذا نزع بهذه الآية قال : ألا إن سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له . انتهى . ( والشوكاني في فتح القدير ج ٤ ص ٤٤١ ، ورواه في كنز العمال ج ٢ ص ٤٨٥

وقال في هامشه : نزع بهذه الآية . . . ومنه الحديث : لقد نزعت بمثل ما في التوراة ،

٢٣٣
 &

أي : جئت بما يشبهها اهـ . قلت : فكأن أمير المؤمنين عمر رضي‌الله‌عنه يأتي برأيه بما يشبه ظاهر الآية ، ولا عجب فقد نزلت آيات توافق رأيه . انتهى .

غير أن معنى نزع بالآية : شرع فيها فقرأها أو فسرها ، لا أنه أتى بشبيهها ، كما زعم مهمش كنز العمال ، وأين الشبيه الذي أتى به عمر !

وغرضنا هنا تفسير عمر للآية بأن الظالم مغفور له ، وهو مؤشرٌ على أنه قبل تفسير كعب بأن المقصود بالآية كل المسلمين .

وتوجد رواية نقلها السيوطي قد يفهم منها أن عمر روى ذلك عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ـ قال في الدر المنثور ج ٥ ص ٢٥٢ :

وأخرج العقيلي وابن هلال وابن مردويه والبيهقي من وجه آخر عن عمر بن الخطاب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : سابقنا سابق ، ومقتصدنا ناج ، وظالمنا مغفور له ، وقرأ عمر : فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ الآية . انتهى .

وروى السيوطي نحوها عن أنس ، ورواها في كنز العمال ج ٢ ص ١٠ وفي ص ٤٨٥ عن عمر وأضاف إلى رواتها : الديلمي في الفردوس والبيهقي في البعث والنشور . انتهى .

ولكن عمر لم يصرح فيها بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقصد كل الأمة ، فقد يكون صلى‌الله‌عليه‌وآله قصد بقوله : سابقنا ومقتصدنا وظالمنا ، ذريته وأهل بيته الذين أورثهم الله الكتاب كما أورثه آل ابراهيم وآل عمران ، من نوع قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : المهدي منا ، بنا فتح الله وبنا يختم ، وشهيدنا خير الشهداء . . الخ . وهو في كلامه كثير صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وعلى هذا الإحتمال يبطل الإستدلال بأن المقصود بورثة الكتاب كل الأمة ، لأنه يحتمل أن يكونوا بعضها . . خاصة بعد أن نصت أن بعض الأحاديث على أنهم بعض الأمة وليس كلها :

ـ قال السيوطي في الدر المنثور ج ٥ ص ٢٥١ :

وأخرج الطبراني والبيهقي في البعث عن أسامة بن زيد رضي‌الله‌عنه : فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ

٢٣٤
 &

وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كلهم من هذه الأمة ، وكلهم في الجنة . انتهى . ونقله في كنز العمال ج ٢ ص ٤٨٦

ويؤيد ذلك ما رواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج ٧ ص ٩٦ عن أسامة بن زيد قال : فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ ، الآية ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : كلهم من هذه الأمة . رواه الطبراني وفيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو سيء الحفظ . انتهى .

وتعبير كلهم من الأمة يدل على أنهم ليسوا كل الأمة ، ويكون هذا الحديث من ابن أبي ليلى السيء الحفظ على حد تعبير الهيثمي معقولاً أكثر من كلام غيره !

*       *

إلى هنا يبدو أنه لا مشكلة في تفسير ورثة الكتاب ببعض الأمة وهم ذرية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله . . وأن هؤلاء الذرية كلهم مقبولون بشرط أن لا يدعوا الناس إلى أنفسهم كما سيأتي ، وأن الذين يمثلون خط جدهم هم السابقون منهم صلى الله عليه وعليهم .

لكن تبقى مجموعة روايات في مصادر السنيين تؤكد على تفسير كعب وتنسبه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ! لكنها تصطدم بسورة الواقعة على حد قول الحسن البصري ، كما تصطدم بحكم العقل والأدلة المتقدمة التي لا تسمح بالقول إن كل مسلم في الجنة ! !

وأول سؤال عن هذه الروايات : أين كانت عندما فسر كعب وعائشة وعثمان وعمر آيات ورثة الكتاب الإلۤهي ، وكانت موضوعاً مهما يطرحه كعب الأحبار مع اليهود ، ويطرحه الخليفة عمر في مجلسه أو على منبر الجمعة ؟ !

إن عدم احتجاج أحد بها ، يوجب الشك في سندها ، أو القول بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يتحدث عن اصطفاء الله تعالى لذريته من أولاد فاطمة وورثة خطه في الأمة عليهم‌السلام وقال كلهم من هذه الأمة ، فرواها الراوي ( كل هذه الأمة ) ويوجد لذلك نظائر ! فكم من ميزة للعترة الطاهرة جعلت بسبب بساطة الرواة ، لكل الأمة !

٢٣٥
 &

ومما يؤيد ذلك وجود روايات مترددة في جعل هؤلاء المصطفين مجموع الأمة . .

ـ كالذي رواه أحمد ج ٣ ص ٧٨ : عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ ، قال : هؤلاء كلهم بمنزلة واحدة ، وكلهم في الجنة ! ورواه الترمذي في ج ٥ ص ٤١ وقال ( هذا حديث غريب حسن ) ورواه في الدر المنثور ج ٥ ص ٢٥١ عن الطيالسي وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي عن أبي سعيد الخدري . . . انتهى .

ـ وقريب منه ما رواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج ١٠ ص ٣٧٨ والطبراني كما في الدر المنثور ج ٥ ص ٢٥٢ عن ابن عباس ، وكذا شهادة البراء بن عازب التي نقلها الهيثمي عن سعيد بن منصور ، والبيهقي في البعث وجاء فيها ( أشهد على الله أنه يدخلهم الجنة جميعاً ) .

فكل هذه الروايات تنص على أنهم من أهل الجنة ، وأنهم من هذه الأمة لا كلها . . الأمر الذي يوجب الشك في تعبير أنهم : كل الأمة !

هذا ، وقد ارتكب الحاكم خطأً في ميله إلى تصحيح حديث نسبوه إلى أبي الدرداء في تفسير الآية يقول إن الظالمين من المسلمين يحاسبون حساباً يسيراً ثم يدخلون الجنة بالشفاعة !

ـ قال في المستدرك ج ٢ ص ٤٢٦ :

عن أبي الدرداء رضي‌الله‌عنه قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول في قوله عز وجل : فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ ، قال : السابق والمقتصد يدخلان الجنة بغير حساب ، والظالم لنفسه يحاسب حساباً يسيراً ثم يدخل الجنة . ثم قال الحاكم : وقد اختلفت الروايات عن الأعمش في إسناد هذا الحديث فروي عن الثوري ، عن الأعمش ، عن أبي ثابت ، عن أبي الدرداء رضي‌الله‌عنه ، وقيل عن شعبة ، عن

٢٣٦
 &

الأعمش ، عن رجل من ثقيف ، عن أبي الدرداء . وقيل ، عن الثوري أيضاً ، عن الأعمش قال : ذكر أبو ثابت ، عن أبي الدرداء . وإذا كثرت الروايات في الحديث ظهر أن للحديث أصلاً . انتهى .

وحسب ما ذكره السيوطي فقد ارتكب البيهقي نفس الخطأ أيضاً قال في الدر المنثور ج ٥ ص ٢٥١ : وأخرج الفريابي وأحمد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وابن مردويه والبيهقي عن أبي الدرداء . . . ثم قال السيوطي : قال البيهقي : إن كثرت الروايات في حديث ظهر أن للحديث أصلاً .

والخطأ هو تطبيق قاعدة أن ( كثرة الروايات في إسناد حديث تدل على أن له أصلاً ) على هذا الحديث الذي نسب بثلاث نسب إلى أبي الدرداء كلها بلفظ قيل ، وإحداها عن رجل من ثقيف عن أبي الدرداء ، أو رجل لم يسم ! فهذا ليست كثرة إسناد ، بل كثرة تردد في الإسناد وعدم قطع به ، وكثرة الإحتمالات من هذا النوع ككثرة أسماء السنور لا تزيد في قيمته !

وقد كان الهيثمي أدق من الحاكم عندما علق صحة الحديث على احتمال أن يكون الرجل المجهول ابن عمير فقال في مجمع الزوائد ج ٧ ص ٩٦ : رواه الطبراني عن الأعمش عن رجل سماه ، فإن كان هو ثابت بن عمير الأنصاري كما تقدم عند أحمد فرجال الطبراني رجال الصحيح . انتهى .

وقصده بما تقدم ما ذكره في نفس المجلد ص ٩٥ حيث قال ( رواه أحمد بأسانيد رجال أحدها رجال الصحيح ، وهي هذه إن كان علي بن عبد الله الأزدي سمع من أبي الدرداء فإنه تابعي ) انتهى .

فأين كثرة الأسانيد إلى أبي الدرداء ! بل أين السند الواحد القطعي !

وأخيراً ، نلاحظ في بعض روايات تفسير الآية بكل الأمة ضعفاً لا يتفق مع بلاغة الحديث النبوي وقوة منطقه ، كحديث عوف بن مالك الذي سيأتي في نظرية الفداء المزعومة من النار .

٢٣٧
 &

قال أهل البيت عليهم‌السلام لا يمكن أن تشمل الآية كل الأمة

ـ الإعتقادات للصدوق ص ٨٧

وسئل الصادق عليه‌السلام عن قول الله عز وجل : ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ، قال : الظالم لنفسه هنا من لم يعرف حق الإمام ، والمقتصد من عرف حقه ، والسابق بالخيرات بإذن الله هو الإمام .

وسأل إسماعيل أباه الصادق عليه‌السلام قال : ما حال المذنبين منا ؟ فقال عليه‌السلام : ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب ، من يعمل سوء يجز به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيرا .

ـ الإحتجاج ج ٢ ص ١٣٨

وعن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن هذه الآية : ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ؟ قال : أي شيء تقول ؟ قلت : إني أقول إنها خاصة لولد فاطمة . فقال عليه‌السلام : أما من سل سيفه ودعا الناس إلى نفسه إلى الضلال من ولد فاطمة وغيرهم فليس بداخل في الآية ، قلت : من يدخل فيها ؟ قال : الظالم لنفسه الذي لا يدعو الناس إلى ضلال ولا هدى ، والمقتصد منا أهل البيت هو العارف حق الإمام ، والسابق بالخيرات هو الاِمام .

ـ بصائر الدرجات ص ٤٤

حدثنا أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن ابن مسكان ، عن ميسر ، عن سورة بن كليب ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال في هذه الآية : ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا . . الآية ، قال : السابق بالخيرات الإمام فهي في ولد علي وفاطمة عليهم‌السلام .

ـ شرح الأخبار ج ٢ ص ٥٠٥

حماد بن عيسى بإسناده ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه‌السلام أنه سئل عن قول

٢٣٨
 &

الله عز وجل : ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ . قال : فينا أنزلت أورث الله عز وجل الكتاب الأئمة منا ، وقوله : فمنهم ظالم لنفسه يعني منهم من لا يعرف إمام زمانه ولا يأتم به فهو ظالم لنفسه بذلك ، وقوله : ومنهم مقتصد ، يعني من هو منهم في النسب ممن عرف إمام زمانه وائتم به واتبعه فاقتصد سبيل ربه بذلك ، والسابق بالخيرات هو الإمام منا .

ـ شرح الأخبار ج ٣ ص ٤٧٢

الرازي قال : قال أبو جعفر محمد بن علي عليه‌السلام : ما يقول من قبلكم في هذه الآية : ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا . . . ؟ قال قلت يقولون : نزلت في أهل القبلة . قال : كلهم ؟ ! قلت كلهم . قال فينبغي أن يكونوا قد غفر لهم كلهم ؟ ! قلت : يا بن رسول الله فيمن نزلت ؟ قال : فينا . قلت : فما لشيعتكم ؟ قال : لمن اتقى وأصلح منهم الجنة ، بنا يغفر الله ذنوبهم ، وبنا يقضي ديونهم ، ونحن باب حطتهم كحطة بني إسرائيل .

ـ الثاقب في المناقب ص ٥٦٦

وعنه قال : كنت عند أبي محمد عليه‌السلام فسألته عن قول الله تعالى : ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ؟ فقال عليه‌السلام : كلهم من آل محمد عليهم‌السلام الظالم لنفسه الذي لا يقر بالإمام ، والمقتصد العارف بالإمام والسابق بالخيرات بإذن الله : الإمام .

ـ البحار ج ٢٣ ص ٢١٨

روى السيد ابن طاووس في كتاب سعد السعود من تفسير محمد بن العباس بن مروان قال : حدثنا علي بن عبد الله بن أسد ، عن إبراهيم بن محمد ، عن عثمان بن سعيد ، عن إسحاق بن يزيد الفراء ، عن غالب الهمداني ، عن أبي إسحاق السبيعي قال : خرجت حاجاً فلقيت محمد بن علي فسألته عن هذه الآية : ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ . .

٢٣٩
 &

الآية ؟ فقال : ما يقول فيها قومك يا أبا إسحاق ؟ يعني أهل الكوفة ، قال : قلت يقولون إنها لهم ، قال : فما يخوفهم إذا كانوا من أهل الجنة ؟ ! قلت : فما تقول أنت جعلت فداك ؟ فقال : هي لنا خاصة يا أبا إسحاق ، أما السابق بالخيرات فعلي بن أبي طالب والحسن والحسين والشهيد منا أهل البيت ، وأما المقتصد فصائم بالنهار وقائم بالليل ، وأما الظالم لنفسه ففيه ما جاء في التائبين وهو مغفور له .

يا أبا إسحاق بنا يفك الله عيوبكم ، وبنا يحل الله رباق الذل من أعناقكم ، وبنا يغفر الله ذنوبكم ، وبنا يفتح الله وبنا يختم لا بكم ، ونحن كهفكم كأصحاب الكهف ، ونحن سفينتكم كسفينة نوح ، ونحن باب حطتكم كباب حطة بني إسرائيل .

ـ وقال ابن شعبة الحراني في تحف العقول ص ٤٢٥

لما حضر علي بن موسى عليهما‌السلام مجلس المأمون وقد اجتمع فيه جماعة علماء أهل العراق وخراسان . فقال المأمون : أخبروني عن معنى هذه الآية : ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا . . الآية ؟

فقالت العلماء : أراد الله الأمة كلها .

فقال المأمون : ما تقول يا أبا الحسن ؟

فقال الرضا عليه‌السلام : لا أقول كما قالوا ولكن أقول : أراد الله تبارك وتعالى بذلك العترة الطاهرة عليهم‌السلام .

فقال المأمون : وكيف عنى العترة دون الأمة ؟

فقال الرضا لنفسه : وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ . ثم جعلهم كلهم في الجنة فقال عز وجل : جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا ، فصارت الوراثة للعترة الطاهرة لا لغيرهم . ثم قال الرضا عليه‌السلام : هم الذين وصفهم الله في كتابه فقال : إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ، وهم الذين قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، يا أيها الناس لا تعلموهم

٢٤٠