العقائد الإسلاميّة - ج ٣

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية

العقائد الإسلاميّة - ج ٣

المؤلف:

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-120-6
ISBN الدورة:
964-319-117-6

الصفحات: ٤٩٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

ـ تأويلات أهل السنة للحنفي ج ١ ص ٦٣٠

وقوله تعالى : وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ، فيه دليل على أن من السيئات ما يكفرها الصدقة . . . وهو نقض على المعتزلة لأنهم لا يرون تكفير الكبائر بغير التوبة عنها ، ولا التعذيب على الصغائر . فأما إن كانت الآية في الكبائر فبطل قولهم ( لا يكفر بغير التوبة ) أو في الصغائر يبطل قولهم إنها مغفورة ، إذ وعدت بالصدقة لأنهم يخلدون صاحب الكبيره في النار ، والله تعالى أطمع له تكفير السيئات بالصدقة .

وصاحب الكبيرة في النار ولا تشمله الشفاعة

ـ شرح المواقف ج ٤ جزء ٨ ص ٣١٢

أجمعت الأمة على ثبوت أصل الشفاعة المقبولة له عليه الصلاة والسلام ، ولكن هي عندنا لأهل الكبائر من الأمة في إسقاط العقاب عنهم . . . وقالت المعتزلة : إنما هي لزيادة الثواب لا لدرأ العقاب ، لقوله تعالى : وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ ، وهو عام في شفاعة النبي عليه الصلاة والسلام وغيره .

الجواب : أنه لا عموم له في الأعيان ، لأن الضمير لقوم معينين هم اليهود ، فلا يلزم أن لا تنفع الشفاعة غيرهم .

ـ تأويلات أهل السنة ج ١ ص ٥٩٠

قال المعتزلة : لا تكون الشفاعة إلا لأهل الخيرات خاصة ، الذين لا ذنب لهم أو كان لهم ذنب فتابوا عنه .

ـ تفسير الرازي ١١ جزء ٢٢ ص ١٦٠

احتجت المعتزلة بقوله تعالى : وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ ، على أن الشفاعة في الآخرة لا تكون لأهل الكبائر ، لأنه لا يقال في أهل الكبائر إن الله يرتضيهم .

٣٨١
 &

ـ تفسير الرازي ١١ جزء ٢٢ ص ١١٨

المعتزلة قالوا : الفاسق غير مرضي عند الله تعالى ، فوجب أن لا يشفع الرسول ( ص ) في حقه لأن هذه الآية ( يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ ) دلت على أن المشفوع له لا بد وأن يكون مرضياً عند الله .

ـ تفسير الرازي ج ١٢ جزء ٢٣ ص ٦٦

أما قوله ( وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ ) احتجت المعتزلة بهذه الآية في نفي الشفاعة .

وقال في ج ١٤ جزء ٢٧ ص ٣٣

احتج الكعبي بهذه الآية على أن تأثير الشفاعة في حصول زيادة الثواب للمؤمنين ، لا في إسقاط العقاب عن المذنيين .

ـ وقال في ج ٤ جزء ٧ ص ١٠

قال القفال : إنه لا يأذن في الشفاعة لغير المطيعين . . . وأقول إن هذا القفال عظيم الرغبة في الإعتزال . . . ومع ذلك فقد كان قليل الإحاطة بأصولهم . وذلك لأن من مذهب البصريين أن العفو عن صاحب الكبيرة حسن في العقول . . إلا أن السمع دل . . . لا يقع ، وإذا كان كذلك كان الإستدلال العقلي على المنع من الشفاعة في حق العصاة خطأ على قولهم .

ـ وفي إرشاد الساري للقسطلاني ج ٨ ص ٣٤٠

قوله تعالى : ومَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ، استدل بهذه الآية المعتزلة على أنه تعالى لا يعفو عن شيء من السيئات .

ـ وفي إرشاد الساري ج ٩ ص ٤٤٧

المعصية لا تخرج المسلم عن الإيمان ، خلافاً للمعتزلة المكفرين بالذنب ، القائلين بتخليد العاصي بالنار .

ـ وفي معجم الأدباء للحموي ج ٩ جزء ١٧ ص ٨١

قال عبد العزيز بن محمد الطبري : كان أبو جعفر ( الطبري ) يذهب في جل

٣٨٢
 &

مذاهبه إلى ما عليه الجماعة من السلف . . . وكان يذهب إلى مخالفة أهل الإعتزال في جميع ما خالفوا فيه الجماعة ، من القول بالقدر وخلق القرآن وإبطال رؤية الله في القيامة ، وفي قولهم بتخليد أهل الكبائر في النار ، وإبطال شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي قولهم إن استطاعة الإنسان قبل فعله .

ـ وفي طبقات الشافعية للسبكي ج ٣ ص ٣٤٧

يصف تحول الأشعري من الإعتزال إلى خط الدولة ( أهل السنة والجماعة ) قام علي بن اسماعيل بن أبي بشر على الإعتزال أربعين سنة حتى صار للمعتزلة إماماً . . . وهو الذي قال : تكافأت عندي الأدلة ولم يترجح عندي شيء على شيء فاستهديت الله فهداني إلى اعتقاد ما أودعته في كتبي هذه وانخلعت من جميع ما كنت أعتقده . . ودفع الكتب التي ألفها على مذاهب أهل السنة للناس . . وأخذ في نصرة الأحاديث في الرؤية والشفاعة . انتهى .

هذا وقد تقدمت نصوص عن رأي المعتزلة في آراء المرجئة والخوارج في هذا الفصل وفي تعريف الشفاعة في الفصل الأول .

*       *

٣٨٣
 &

العقائد الإسلاميّة الجزء الثالث ـ مركز المصطفى للدراسات الإسلاميّة

٣٨٤
 &

الفصل الحادي عشر المزيد من تأثير الإسرائيليات على أحاديث الشفاعة

اتفق الجميع نظرياً على أن الشفاعة من مختصات نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله

قد يستشكل على أحاديث اختصاص الشفاعة بنبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله الواردة في مصادر الفريقين ، بأنها تنافي الأحاديث الصحيحة التي تثبت الشفاعة لغير نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله .

والجواب : أن وجه الجمع بين الأحاديث أن باب الشفاعة إنما يفتح يوم القيامة إكراماً لنبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله . . وكل من يشفع من الملائكة والأنبياء والأوصياء والعلماء والشهداء والمؤمنين ، فإنما يشفع بإجازته وبالسهم الذي يعطيه إياه شفيع المحشر صلى‌الله‌عليه‌وآله !

فلا منافاة بين أحاديث اختصاصه بالشفاعة صلى‌الله‌عليه‌وآله وبين ما دل على ثبوتها لغيره من الأنبياء عليهم‌السلام إلا ما دل منها على أن لغيره شفاعة مستقلة أو أنه يشفع قبله كما في أحاديث الإسرائيليات الآتية .

٣٨٥
 &

ـ من لا يحضره الفقيه ج ١ ص ٢٤٠

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أعطيت خمساً لم يعطها أحدٌ قبلي : جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ، ونصرت بالرعب ، وأحل لي المغنم ، وأعطيت جوامع الكلم ، وأعطيت الشفاعة . ورواه في وسائل الشيعة ج ٢ ص ٤٣٨ وفي سائل الشيعة ج ٣ ص ٤٢٢ وفي مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٥٢٩

ـ علل الشرائع ج ١ ص ١٢٧

حدثنا أبو الحسين محمد بن علي بن الشاه قال : حدثنا أبو بكر محمد بن جعفر بن أحمد البغدادي بآمد قال : حدثنا أبي قال : حدثنا أحمد بن السخت قال : حدثنا محمد بن الأسود الوراق عن أيوب بن سليمان عن حفص بن البختري عن محمد بن حميد عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

أنا أشبه الناس بآدم وإبراهيم أشبه الناس بي خلقه وخلقه .

وسماني الله من فوق عرشه عشرة أسماء وبين الله وصفي وبشرني على لسان كل رسول بعثه الله إلى قومه .

وسماني ونشر في التوراة باسمي وبث ذكري في أهل التوراة والإنجيل وعلمني كتابه ورفعني في سمائه وشق لي إسماً من أسمائه فسماني محمداً وهو محمود .

وأخرجني في خير قرن من أمتي وجعل اسمي في التوراة أحيد فبالتوحيد حرم أجساد أمتي على النار .

وسماني في الإنجيل أحمد فأنا محمود في أهل السماء .

وجعل أمتي الحامدين وجعل اسمي في الزبور ماحي محى الله عز وجل بي من الأرض عبادة الأوثان .

وجعل اسمي في القرآن محمداً فأنا محمود في جميع القيامة في فصل القضاء لا يشفع أحد غيري .

٣٨٦
 &

وسماني في القيامة حاشراً يحشر الناس على قدمي .

وسماني الموقف أوقف الناس بين يدي الله عز وجل .

وسماني العاقب أنا عقب النبيين ليس بعدي رسول .

وجعلني رسول الرحمة ورسول الملاحم والمقتفي قفيت النبيين جماعة وأنا المقيم الكامل الجامع ومن علي ربي وقال لي يا محمد صلى الله عليك فقد أرسلت كل رسول إلى أمته بلسانها وأرسلتك إلى كل أحمر وأسود من خلقي ونصرتك بالرعب الذي لم أنصر به أحداً وأحللت لك الغنيمة ولم تحل لأحد قبلك وأعطيتك لك ولأمتك الأرض كلها مسجداً وترابها طهوراً وأعطيتك ولأمتك التكبير وقرنت ذكرك بذكري حتى لا يذكرني أحد من أمتك إلا ذكرك مع ذكري فطوبى لك يا محمد ولأمتك .

ـ تفسير القمي ج ١ ص ١٩٤

ثم قال حكاية عن قريش : وقالوا لولا أنزل عليه ملك ، يعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولو أنزلنا ملكاً لقضي الأمر ثم لا ينظرون ، فأخبر عز وجل أن الآية إذا جاءت والملك إذا نزل ولم يؤمنوا هلكوا ، فاستعفى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من الآيات رأفةً ورحمةً على أمته ، وأعطاه الله الشفاعة .

*       *

ـ صحيح البخاري ج ١ ص ٨٦

جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ، وأعطيت الشفاعة ، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة .

٣٨٧
 &

ورواه أيضاً في ص ج ١ جزء ١ ص ١١٣ وج ٢ جرء ٢ ص ١٠٥ ونحوه في مسلم ج ٢ ص ٦٣ وفي سنن النسائي ج ١ ص ٢٠٩ وفي سيرة ابن هشام ج ٢ ص ٢٣٤ وفي مسند أحمد ج ٥ ص ١٤٩

ـ وفي ج ٤ ص ٤١٧ منه :

عن أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أعطيت خمساً : بعثت إلى الأحمر والأسود ، وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لمن كان قبلي ، ونصرت بالرعب شهراً ، وأعطيت الشفاعة وليس من نبي إلا وقد سأل شفاعة وإني أخبأت شفاعتي ثم جعلتها لمن مات من أمتي لم يشرك بالله شيئاً . ونحوه في ج ١ ص ٣٠١ وفي الدر المنثور ج ٣ ص ٢٠٤ وج ٥ ص ٢٣٧ وسنن الدارمي ج ١ ص ٣٢٢ وسنن البيهقي ج ٩ ص ٤ وتفسير الطبري ج ٣ ص ٢ وصفة الصفوة لابن الجوزي جزء ١ و ٢ ص ٧٦ وتفسيرالمنار لرشيد رضا ج ٩ ص ٣٠٠

ـ ولكن الهيثمي ضعف روايته في مجمع الزوائد ج ٨ ص ٢٥٩ فقال :

ابن يزيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فضلت على الأنبياء بخمس : بعثت إلى الناس كافة ، ودخرت شفاعتي لأمتي ، ونصرت بالرعب شهراً أمامي وشهراً خلفي ، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي . رواه الطبراني وفيه إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة وهو متروك .

*       *

نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله أول شافع يوم القيامة

في مصادرنا نصوص واضحة صريحة في أن نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله هو خطيب المحشر والشفيع الأول قبل الأنبياء ، بل هو شفيع الأنبياء صلوات الله عليهم جميعاً . . وقد تقدم بعضها آنفاً وفي تفسير قوله تعالى ( عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا ) وفي

٣٨٨
 &

بعضها أن الله تعالى قد أذن لنبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله بالشفاعة وهو في الدنيا فلا يحتاج إلى إذن يوم القيامة .

ـ في تفسير القمي ج ٢ ص ٢٠١

قال : حدثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي العباس المكبر قال : دخل مولى لامرأة علي بن الحسين عليه‌السلام على أبي جعفر عليه‌السلام يقال له أبو أيمن فقال : يا أبا جعفر يغرون الناس ويقولون شفاعة محمد شفاعة محمد فغضب أبو جعفر عليه‌السلام حتى تربد وجهه ثم قال : ويحك يا أبا أيمن أغرك أن عف بطنك وفرجك ! أما لو قد رأيت أفزاع القيامة لقد احتجت إلى شفاعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ! ويلك فهل يشفع إلا لمن وجبت له النار ثم قال : ما أحد من الأولين والآخرين إلا وهو محتاج إلى شفاعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم القيامة .

ثم قال أبو جعفر عليه‌السلام : إن لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الشفاعة في أمته ولنا الشفاعة في شيعتنا ولشيعتنا الشفاعة في أهاليهم .

ثم قال : وإن المؤمن ليشفع في مثل ربيعة ومضر فإن المؤمن ليشفع حتى لخادمه ويقول : يا رب حق خدمتي كان يقيني الحر والبرد . ورواه في بحار الأنوار ج ٨ ص ٣٨ وفي تفسير نور الثقلين ج ٤ ص ٣٣٤ ، وقد تقدم ذلك في الرد على الخوارج .

ـ الصحيفة السجادية ج ٢ ص ٢٩٠

اللهم أنزل محمداً في أشرف منازل الأبرار ، اللهم اجعل محمداً أول شافع وأول مشفع ، وأول قائل وأنجح سائل . . . اللهم أحسن عنا جزاءه ، وعظم حباءه ، وأكرم مثواه ، وتقبل شفاعته في أمته ، وفي من سواهم من الأمم ، واجعلنا ممن تشفعه فيه ، واجعلنا برحمتك ممن يرد حوضه يوم القيامة . ونحوه في المقنعة ص ٤١١

ـ الصحيفة السجادية ج ٢ ص ٣٠

اللهم فارفعه بما كدح فيك إلى الدرجة العليا من جنتك ، حتى لا يساوى في

٣٨٩
 &

منزلة ، ولا يكافأ في مرتبة ، ولا يوازيه لديك ملك مقرب ، ولا نبي مرسل ، وعرفه في أهله الطاهرين وأمته المؤمنين من حسن الشفاعة أجل ما وعدته ، يا نافذ العدة ، يا وافي القول ، يا مبدل السيئات بأضعافها من الحسنات ، إنك ذو الفضل العظيم .

ونحوه في المقنعة ص ١٢٥

ـ تهذيب الأحكام ج ٣ ص ١٢١

اللهم إني أسألك من فضلك بأفضله . اللهم واجعل محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله أدنى المرسلين منك مجلسا ، وأفسحهم في الجنة عندك منزلاً ، وأقربهم اليك وسيلة ، واجعله أول شافع وأول مشفع ، وأول قائل وأنجح سائل ، وابعثه المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون يا أرحم الراحمين .

ـ تأويل الآيات ج ٢ ص ٣٧

قال علي بن إبراهيم : روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : لا يقبل الله الشفاعة يوم القيامة لأحد من الأنبياء والرسل حتى يأذن في الشفاعة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فإن الله قد أذن له في الشفاعة من قبل يوم القيامة فالشفاعة له ولأمير المؤمنين وللأئمة من ولده ثم بعد ذلك للأنبياء عليهم‌السلام أجمعين . ( ورواه في تفسير القمي ج ٢ ص ٢٠١ ونحوه في تفسير نور الثقلين ج ٤ ص ٣٣٤ ) .

ـ بحار الأنوار ج ١٦ ص ٣٢٦

الأمالي : أبو عمرو عبد الواحد بن محمد بن مهدي ، عن ابن عقدة ، عن الحسن بن جعفر بن مدرار ، عن عمه طاهر ، عن الحسن بن عمار ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن الحارث ، عن علي عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر ، وأنا أول من تنشق الأرض عنه ولا فخر ، وأنا أول شافع وأول مشفع ( أمالي ابن الشيخ ١٧٠ ) .

ـ بحار الأنوار ج ١٦ ص ٣٠٤

عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا . عسى من الله واجبة ، والمقام بمعنى البعث

٣٩٠
 &

فهو مصدر من غير جنسه ، أي يبعثك يوم القيامة بعثاً أنت محمود فيه ، ويجوز أن يجعل البعث بمعنى الإقامة أي يقيمك ربك مقاماً يحمدك فيه الأولون والآخرون ، وهو مقام الشفاعة يشرف فيه على جميع الخلائق يسأل فيعطى ويشفع فيشفع ، وقد أجمع المفسرون على أن المقام المحمود هو مقام الشفاعة وهو المقام الذي يشفع فيه للناس ، وهو المقام الذي يعطى فيه لواء الحمد فيوضع في كفه وتجتمع تحته الأنبياء والملائكة ، فيكون صلى‌الله‌عليه‌وآله أول شافع وأول مشفع .

ـ بحار الأنوار ج ٨ ص ٤٧

تفسير العياشي : عن عيص بن القاسم عن أبي عبد الله عليه‌السلام إن أناساً من بني هاشم أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي وقالوا : يكون لنا هذا السهم الذي جعله للعاملين عليها فنحن أولى به فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا بني عبد المطلب إن الصدقة لا تحل لي ولا لكم ، ولكني وعدت الشفاعة ـ ثم قال : والله أشهد أنه قد وعدها ـ فما ظنكم يا بني عبد المطلب إذا أخذت بحلقة الباب أتروني مؤثرا عليكم غيركم ؟ ثم قال : إن الجن والإنس يجلسون يوم القيامة في صعيد واحد ، فإذا طال بهم الموقف طلبوا الشفاعة فيقولون : إلى من ؟ فيأتون نوحاً فيسألونه الشفاعة فقال : هيهات قد رفعت حاجتي ، فيقولون : إلى من إلى إبراهيم ، فيأتون إلى إبراهيم فيسألونه الشفاعة فيقول : هيهات قدر رفعت حاجتي ، فيقولون : إلى من فيقال : إيتوا موسى فيأتونه فيسألونه الشفاعة فيقول : هيهات قد رفعت حاجتي ، فيقولون إلى من ؟ فيقال إيتوا محمداً ، فيأتونه فيسألونه الشفاعة فيقوم مدلاً حتى يأتي باب الجنة فيأخذ بحلقة الباب ثم يقرعه ، فيقال : من هذا ؟ فيقول : أحمد فيرحبون ويفتحون الباب ، فإذا نظر إلى الجنة خر ساجداً يمجد ربه بالعظمة ، فيأتيه ملك فيقول : إرفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع ، فيرفع رأسه ، فيدخل من باب الجنة فيخر ساجداً ويمجد ربه ويعظمه فيأتيه ملك فيقول : إرفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع ، فيقوم فما يسأل شيئاً إلا أعطاه إياه . انتهى .

٣٩١
 &

وقد تقدمت الأحاديث بهذا المضمون ، وهي محل اتفاق في مصادر الطرفين ، وفيها دلالة على أن نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله هو أول من يتقدم للشفاعة يوم القيامة .

الأحاديث الموافقة لمذهبنا في مصادر السنيين

في مصادر السنيين نوعان من الأحاديث في هذا الموضوع : النوع الأول يوافق ما في مصادرنا ، وقد روته صحاحهم كالذي رواه ابن ماجة ج ٢ ص ٧٢٤ : عن الطفيل بن أبي بن كعب ، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا كان يوم القيامة كنت إمام النبيين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم ، غير فخر .

ـ والذي رواه مسلم في ج ١ ص ١٣٠

عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا أول الناس يشفع في الجنة ، وأنا أكثر الأنبياء تبعاً . . .

عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة ، وأنا أول من يقرع باب الجنة . . .

أنس بن مالك قال النبي صلى الله عليه وسلم : أنا أول شفيع في الجنة ، لم يصدَّق نبي من الأنبياء ما صدِّقت ، وإن من الأنبياء نبياً ما يصدقه من أمته إلا رجل واحد .

ـ وروى في ج ٧ ص ٥٩

عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ، وأول من ينشق عنه القبر ، وأول شافع وأول مشفع . انتهى .

ـ وفي سنن الترمذي ج ٥ ص ٢٤٨

عن ابن عباس قال : جلس ناسٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرونه قال فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون فسمع حديثهم فقال بعضهم : عجباً إن الله اتخذ من خلقه خليلاً اتخذ من إبراهيم خليلاً . وقال آخر : ماذا بأعجب من كلام موسى كلمه تكليماً . وقال آخر : فعيسى كلمة الله وروحه . وقال

٣٩٢
 &

آخر : آدم اصطفاه الله . فخرج عليهم فسلم وقال : قد سمعت كلامكم وعجبكم ، إن إبراهيم خليل الله وهو كذلك ، وموسى نجي الله وهو كذلك ، وعيسى روحه وكلمته وهو كذلك ، وآدم اصطفاه الله وهو كذلك ، ألا وأنا حبيب الله ولا فخر ، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر ، وأنا أول شافع وأول مشفع يوم القيامة ولا فخر ، وأنا أول من يحرك حلق الجنة فيفتح الله لي فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر ، وأنا أكرم الأولين والآخرين ولا فخر . هذا حديث غريب . انتهى . وروى نحوه ابن ماجه ج ٢ ص ١٤٤٠ وأحمد في ج ٣ ص ٢

ـ وفي سنن الدارمي ج ١ ص ٢٦

عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا أولهم خروجاً ، وأنا قائدهم إذا وفدوا ، وأنا خطيبهم إذا أنصتوا ، وأنا مشفعهم إذا حبسوا ، وأنا مبشرهم إذا أيسوا . الكرامة والمفاتيح يومئذ بيدي ، وأنا أكرم ولد آدم على ربي .

ـ وفي فردوس الأخبار ج ١ ص ٨٠ ح ١٢٤

أنس بن مالك : أنا أول شفيع يوم القيامة ، وأنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة ، إن من الأنبياء لمن يأتي يوم القيامة ما معه مصدق غير واحد . انتهى .

ـ وفي شعب الإيمان للبيهقي ج ٢ ص ١٣٢ وص ١٧٩

أبو هريرة قال قال رسول الله ( ص ) : أنا سيد ولد آدم ، وأول شافع وأول مشفع .

ـ وفي شعب الإيمان ص ١٨١

عن أنس قال : سمعت النبي ( ص ) يقول : إني أول الناس تنشق الأرض عن جمجمتي يوم القيامه ، وأنا أول من يدخل الجنة . . . ونحوه في تهذيب الكمال ج ١٥ ص ٤٢٥ وج ٢٢ ص ٥٥١ وسير أعلام النبلاء ج ٨ ص ٢٩٣ وكنز العمال ج ١١ ص ٤٠٤ فما بعدها بروايات متعددة ، وفي ج ١٤ ص ٣٩٣ فما بعدها . وفيه في ج ١١ ص ٤٣٥ : أنا سيد المرسلين إذا بعثوا وسابقهم إذا وردوا ، ومبشرهم إذا أيسوا ، وإمامهم إذا سجدوا ، وأقربهم مجلساً إذا اجتمعوا ، أتكلم فيصدقني ، وأشفع فيشفعني ، وأسأل فيعطيني .

٣٩٣
 &

ـ وفي الدر المنثور ج ٤ ص ٩٣

وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك رضي‌الله‌عنه قال وأول ما يأذن الله عز وجل له يوم القيامة في الكلام والشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم فيقال له قل تسمع وسل تعطه قال : فيخر ساجداً فيثني على الله ثناء لم يثن عليه أحد فيقال إرفع رأسك . . .

ـ وفي سيرة ابن كثير ج ١ ص ١٩٥

فروى الحافظ أبو القاسم بن عساكر من طريق أبي الحسن بن أبي الحديد . . . عن ابن عباس قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : فداك أبي وأمي أين كنت وآدم في الجنة ؟ قال : فتبسم حتى بدت نواجذه ، ثم قال : كنت في صلبه وركب بي السفينة في صلب أبى نوح ، وقذف بي في صلب أبى إبراهيم ، لم يلتق أبواي على سفاح قط ، لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الحسيبة إلى الأرحام الطاهرة ، صفياً مهذباً ، لا تتشعب شعبتان إلا كنت في خيرهما ، وقد أخذ الله بالنبوة ميثاقي وبالإسلام عهدي ، ونشر في التوراة والإنجيل ذكري ، وبين كل نبي صفتي تشرق الأرض بنوري والغمام بوجهي ، وعلمني كتابه وزادني شرفاً في سمائه ، وشق لي اسماً من أسمائه فذو العرش محمود وأنا محمد وأحمد ، ووعدني أن يحبوني بالحوض والكوثر ، وأن يجعلني أول شافع وأول مشفع ، ثم أخرجني من خير قرن لأمتي ، وهم الحمادون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر .

ـ فتاوى ابن باز ج ١ ص ١٨٧

قال رسول الله : أنا أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة ، وأنا أول شافع وأول مشفع . انتهى .

*       *

الأحاديث المتأثرة بالإسرائيليات في مصادر السنيين

وهي أحاديث تجعل الشفاعة أولاً لإبراهيم ، ثم لموسى ، ثم لعيسى عليهم‌السلام وتجعل نبينا الشفيع الرابع صلى‌الله‌عليه‌وآله ! !

٣٩٤
 &

ـ روى الحاكم في المستدرك ج ٤ ص ٤٩٦ حديثاً طويلاً عن الدجال ويأجوج ومأجوج وأشراط الساعة والقيامة والشفاعة ، وصححه على شرط الشيخين ، وفيه أمورٌ وتفصيلاتٌ غير معقولة ، جاء فيه :

عن أبي الزعراء قال كنا عند عبد الله بن مسعود رضي‌الله‌عنه فذكر عنده الدجال فقال عبد الله بن مسعود : تفترقون أيها الناس لخروجه على ثلاث فرق ، فرقة تتبعه وفرقة تلحق بأرض آبائها بمنابت الشيح ، وفرقة تأخذ شط الفرات يقاتلهم ويقاتلونه حتى يجتمع المؤمنون بقرى الشام ، فيبعثون اليهم طليعة فيهم فارس على فرس أشقر وأبلق قال فيقتتلون فلا يرجع منهم بشر . . . .

قال : ثم تقوم الساعة على شرار الناس ثم يقوم ملك بالصور بين السماء والأرض فينفخ فيه . والصور قَرْنٌ ، فلا يبقى خلق في السماوات والأرض إلا مات إلا من شاء ربك . . .

قال : ثم يقوم ملك بالصور بين السماء والأرض فينفخ فيه فينطلق كل نفس إلى جسدها حتى يدخل فيه ثم يقومون فيحيون حياة رجل واحد قياماً لرب العالمين . قال : ثم يتمثل الله تعالى إلى الخلق فيلقاهم فليس أحد يعبد من دون الله شيئاً إلا وهو مرفوع له يتبعه ، قال فيلقى اليهود فيقول من تعبدون ؟ قال فيقولون نعبد عزيراً قال هل يسركم الماء ؟ فيقولون نعم ، إذ يريهم جهنم كهيئة السراب ! قال ثم قرأ عبد الله : وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضاً ، قال ثم يلقى النصارى فيقول من تعبدون ؟ فيقولون المسيح ، قال فيقول هل يسركم الماء ؟ قال فيقولون نعم ، قال فيريهم جهنم كهيئة السراب ! ثم كذلك لمن كان يعبد من دون الله شيئاً . قال : ثم قرأ عبد الله : وقفوهم إنهم مسؤولون .

قال : ثم يتمثل الله تعالى للخلق حتى يمر على المسلمين قال فيقول من تعبدون ؟ فيقولون نعبد الله ولا نشرك به شيئاً ، فينتهرهم مرتين أو ثلاثاً فيقول من تعبدون ؟ فيقولون نعبد الله ولا نشرك به شيئاً . قال فيقول هل تعرفون ربكم ؟ قال

٣٩٥
 &

فيقولون سبحانه إذا اعترف لنا عرفناه ! قال فعند ذلك يكشف عن ساقٍ فلا يبقى مؤمن إلا خر لله ساجداً ، ويبقى المنافقون ظهورهم طبقاً واحداً كأنما فيها السفافيد ! قال فيقولون : ربنا فيقول قد كنتم تدعون إلى السجود وأنتم سالمون .

قال ثم يأمر بالصراط فيضرب على جهنم فيمر الناس كقدر أعمالهم زمراً كلمح البرق ثم كمر الريح ثم كمر الطير ثم كأسرع البهائم ، ثم كذلك حتى يمر الرجل سعياً ثم مشياً ، ثم يكون آخرهم رجلاً يتلبط على بطنه !

قال فيقول أي رب لماذا أبطأت بي ؟ فيقول لم أبطىء بك ، إنما أبطأ بك عملك .

قال ثم يأذن الله تعالى في الشفاعة فيكون أول شافع روح القدس جبريل عليه الصلاة والسلام ، ثم إبراهيم خليل الله ، ثم موسى ، ثم عيسى عليهما الصلاة والسلام قال : ثم يقوم نبيكم رابعاً ، لا يشفع أحد بعده فيما يشفع فيه ، وهو المقام المحمود الذي ذكره الله تبارك وتعالى : عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا .

قال فليس من نفس إلا وهي تنظر إلى بيت في الجنة أو بيت في النار . . .

قال : ثم يشفع الملائكة والنبيون والشهداء والصالحون والمؤمنون فيشفعهم الله .

قال ثم يقول الله : أنا أرحم الراحمين فيخرج من النار أكثر مما أخرج من جميع الخلق برحمته ، قال ثم يقول : أنا أرحم الراحمين ، قال ثم قرأ عبد الله : مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ؟ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ، وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ، وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ ، وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ ، قال فعقد عبد الله بيده أربعاً ثم قال : هل ترون في هؤلاء من خير ؟ ما ينزل فيها أحد فيه . هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه . انتهى .

ورواه البيهقي في البعث والنشور ص ٣٢٦ والديلمي في فردوس الأخبار ج ١ ص ٥٤ وص ٨٠ والنيسابوري في الوسيط ج ٤ ص ٣٨٧ وابن منظور في مختصر تاريخ دمشق ج ١ جزء ٢ ص ١٧٠ . وغيرهم .

أما الهيثمي فقد روى في مجمع الزوائد ج ٩ ص ٣١ حديث أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أول شافع ،

٣٩٦
 &

ووصفه لأنه موضوع ، وقال عن بعض طرقه في ج ٨ ص ٢٥٤ ( وفيه صالح بن عطاء بن خباب ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات )

ولكنه في نفس الوقت ردَّ الحديث الذي صححه الحاكم على شرط الشيخين في ج ١٠ ص ٣٣٠ وقال ( رواه الطبراني وهو موقوف ، مخالف للحديث الصحيح وقول النبي : أنا أول شافع ) ! فيبدو أنه اطلع على طريق آخر صحيح للحديث ، غير الطريقين اللذين ضعفهما . ولكنا لم نطلع عليه .

البخاري يفضل أنبياء بني إسرائيل على نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله

أما البخاري فقد روى في تاريخه الذي ألفه قبل صحيحه أن نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله هو الشفيع الأول ، وتوقف في رواية أنه الشفيع الرابع ، لوجود ما يعارضها .

ـ قال في تاريخه ج ٤ ص ٢٨٦ :

عن جابر بن عبد الله : قال النبي صلى الله عليه وسلم : أنا قائد المسلمين ، ولا فخر ، وأنا خاتم النبيين ولا فخر ، وأنا أول شافع ومشفع ولا فخر .

ـ وقال في تاريخه ج ٥ ص ٢٢١

عبد الله بن هانيء أبو الزعراء الكوفي سمع ابن مسعود رضي‌الله‌عنه سمع منه سلمة بن كهيل يقال عن أبي نعيم إنه الكندي روى عن ابن مسعود رضي‌الله‌عنه في الشفاعة : ثم يقوم نبيكم رابعهم والمعروف عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنا أول شافع . ولا يتابع في حديثه . انتهى .

ولكنه في صحيحه لم يرو هذه الرواية ولا غيرها مما ينص على أن نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله أول شافع !

نعم ، روى أن الشفاعة من مختصات نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله دون الأنبياء عليهم‌السلام :

قال في ج ١ ص ١١٣

جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أعطيت خمساً لم

٣٩٧
 &

يعطهن أحد من الأنبياء قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً وأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل ، وأحلت لي الغنائم ، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة ، وأعطيت الشفاعة . انتهى .

ـ وروى في ج ٥ ص ٢٢٦

رواية الشفاعة المعروفة في المصادر وأن الأنبياء عليهم‌السلام يهابون التقدم للشفاعة للخلق ، ويطلبون من نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يشفع إلى الله تعالى فيتقدم ويشفع . . وهي تدل على أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله الشفيع الأول ، قال فيها : إذهبوا إلى محمد فيأتون محمداً فيقولون يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، إشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى إلى ما نحن فيه ! فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجداً لربي عز وجل ثم يفتح الله عليَّ من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه على أحد قبلي ، ثم يقال يا محمد إرفع رأسك ، سل تعطه واشفع تشفع . انتهى .

والى هنا يبدو أنه لا مشكلة . .

ولكن البخاري روى في صحيحه ما يعارض ذلك ، ويجعل درجة نبي الله موسى عليه‌السلام في درجة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله أو أفضل منه ! فقد روى أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى المسلمين أن يفضلوه على موسى ، وقال إنه عندما يبعث من قبره يجد موسى جالساً عند العرش قبله ! !

ـ قال البخاري في صحيحه ج ٧ ص ١٩٣

عن أبي هريرة قال : استبَّ رجلان ، رجلٌ من المسلمين ورجلٌ من اليهود ، فقال المسلم : والذي اصطفى محمداً على العالمين ، فقال اليهودي والذي اصطفى موسى على العالمين ، قال فغضب المسلم عند ذلك فلطم وجه اليهودي ، فذهب اليهودي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان من أمره وأمر المسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تخيروني على موسى ، فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق ، فإذا موسى باطشٌ بجانب العرش ، فلا أدري أكان

٣٩٨
 &

موسى فيمن صعق فأفاق قبلي ؟ أو كان ممن استثنى الله ؟ ! . انتهى .

ـ ورواه في صحيحه في سبعة مواضع أخرى على الأقل ! في ج ٣ ص ٨٩ ، وج ٤ ص ١٢٦ ، وج ٥ ص ١٩٦ ، وج ٦ ص ٣٤ ، وج ٨ ص ٤٨ ، وص ١٧٧ ، وص ١٩٢ ، وهي رواياتٌ متفاوتة في دلالتها على تفضيل موسى ، ولكن مجموعها كافٍ في الدلالة عليه ، مهما حاول الشراح تأويلها !

فقد نصت الرواية المذكورة كما رأيت على نهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن تفضيله على موسى ، ووردت هذه العبارة ( لا تخيروني على موسى ) في رواية البخاري الأخرى ج ٧ ص ١٩٣ وفي ج ٨ ص ١٩٢ وكذا في مسلم ج ٧ ص ١٠١ ، وسنن أبي داود ج ٢ ص ٤٠٧ ، وأحمد ج ٢ ص ٢٦٤ . وورد في رواية ج ٥ ص ١٩٦ ( قال لا تخيروني من بين الأنبياء )

كما نصت على أن موسى عليه‌السلام مستثنى دون نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله من الصعقة التي يقول الله تعالى عنها : وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ . الزمر ـ ٦٨ ، وهذا امتيازٌ له على جميع الأنبياء ! وروى مثلها في ج ٨ ص ١٩٢ .

ـ وجاء في ج ٨ ص ١٧٧

( فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش ) وزاد في ج ٥ ص ١٩٦ وج ٨ ص ٤٨ ( فلا أدري أفاق قبلي ، أم جُزِيَ بصعقة الطور )

ـ وفي ج ٥ ص ١٩٦

( قال إني أول من يرفع رأسه بعد النفخة الآخرة ، فإذا أنا بموسى متعلق بالعرش ) وفي رواية أخرى في غير البخاري أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أول ما ينفض رأسه من التراب يرى موسى جالساً عند العرش ! !

قد يقال : إن رواية البخاري لا تدل على أن موسى أفضل من نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله لأنها تنص على أن استثناءه من الصعقة إنما هو بسبب صعقته في الطور ولا علاقة له بالأفضلية .

٣٩٩
 &

والجواب : أن الرواية واردةٌ أساساً في مقام بيان أفضلية موسى ، أو بالأقل عدم أفضلية نبينا عليه ، فهذا هو موضوع الخلاف بين المسلم واليهودي ، وهو موضوع الحديث ، وموضوع النهي المزعوم من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن تفضيله على موسى ! !

وقد يقال : لو سلمنا أن الرواية تدل على مساواة موسى لنبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله أو أفضليته عليه ، فهي لا تدل على أن موسى هو الشفيع الأول .

والجواب : أن مقام الشفاعة الأول إنما أعطي لنبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله بسبب أنه أفضل الأنبياء صلوات الله عليهم جميعاً ، فإذا ثبت أن موسى أفضل منه ، فلا يبعد أن يكون هو رئيس المحشر وشفيعه . . الخ .

وقد حاولت بعض الروايات أن تحل المسألة مع الإسرائيليات حلاً سلمياً ، فتجعل الأفضلية لموسى ، وتحتفظ بدرجة الشفيع الأول لنبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله كالتي رواها الطبري في تفسيره ج ٢٤ ص ٢٠ قال : عن قتادة قال : ذكر لنا أن نبي الله قال : أتاني ملكٌ فقال يا محمد إختر نبياً ملكاً أو نبياً عبداً ، فأومأ اليَّ أن تواضع ، قال نبياً عبداً ، قال فأعطيت خصلتين : أن جعلت أول من تنشق عنه الأرض ، وأول شافع ، فأرفع رأسي فأجد موسى آخذاً بالعرش ، فالله أعلم أصُعِقَ بعد الصعقة الأولى ، أم لا . انتهى .

ولكنها على أي حالٍ محاولاتٌ في مصلحة تصديق الإسرائيليات التي لا نثق بها !

ومن جهة أخرى . . فإن تأويل الروايات الواردة في موسى على نبينا وآله وعليه السلام حتى لو أمكن فهو لا يحل المشكلة ، لأنه توجد في صحاح إخواننا ومصادرهم روايات مشابهة عن كبار أنبياء بني إسرائيل ، فهي تفضلهم على نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله أو تجعلهم في درجته ، فلا بد من معالجتها جميعاً !

ويحاول العلماء السنيون حل المشكلة بالتأويلات والإحتمالات البعيدة ، حتى لا يقعوا في محذور رد الأحاديث الصحيحة أو تكذيب رواتها . . والدخول في هذا البحث يخرجنا عن موضوعنا ، وإن كان من بحوث السيرة المهمة ، لكن نكتفي بذكر نماذج من هذه الأحاديث :

٤٠٠