منتقى الأصول - ج ٦

السيد عبد الصاحب الحكيم

منتقى الأصول - ج ٦

المؤلف:

السيد عبد الصاحب الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٠

الاختلاف في ان عنوان الخاصّ بعد وروده هل يستوجب تقيد الباقي بشيء أو لا يستوجب سوى أخذ عدم العنوان في موضوع حكم العام بنحو التركيب ـ المصطلح عليه بالعدم المحمولي في قبال العدم النعتيّ المأخوذ قيدا ـ؟.

فعلى الأول : لا يجدي استصحاب عدم الوصف في إثبات عدم تقيد الفرد ، واستصحاب عدم تقيد الفرد غير ممكن لعدم اليقين السابق بعدم تقيد هذا الفرد.

وعلى الثاني : يكون استصحاب عدم تحقق الوصف مجديا إذ لا نحتاج في إثبات حكم العام إلا إلى إحراز الجزءين ، فالاستصحاب يثبت أحدهما وهو عدم الأموي ، والجزء الثاني وهو العالم محرز بالوجدان فيتم الموضوع ويثبت الحكم.

وعليه ، فاستصحاب العدم الأزلي المصطلح انما يصح على القول بالثاني.

وقد اختار المحقق الخراسانيّ رحمه‌الله الثاني كما هو صريح عبارته في مباحث العام والخاصّ (١). ولذلك أجرى استصحاب عدم القرشية في إدخال المرأة المشكوكة تحت حكم العام.

إذا عرفت هذا فتحقيق الحال في القسم الثاني بنحو يتضح به الإشكال على المحقق الخراسانيّ : ان الحكم فيه ..

ان لم يكن له تعلق بذات الموضوع ، بل لا علاقة للموضوع به الا كونه موضوعا له ـ كما لو قال : « إذا وجد زيد الهاشمي وجب عليك التصدق » ـ ، فاستصحاب العدم جار سواء قلنا باستصحاب العدم الأزلي أو لا : كما يستصحب عدم وجود زيد الهاشمي في نفي وجوب التصدق مع الشك ، وان لم يحرز ان هذا الفرد غير هاشمي (٢).

وان كان له تعلق بذات الموضوع ـ مثل ما لو قال : « إذا وجد زيد

__________________

(١) الخراسانيّ المحقّق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٢٢٣ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

(٢) في جريان مثل هذا الاستصحاب إشكال يظهر مما ذكره ـ دام ظله ـ في البحث الأصل المثبت عند التعرض لجريان استصحاب أول الشهر فراجع. ( منه عني عنه ).

٢٤١

الهاشمي فأكرمه » ـ ، فان كان بنحو التخصيص لحكم عام آخر ، فاستصحاب العدم جار عند القائل باستصحاب العدم الأزلي كصاحب الكفاية. وان لم يكن بنحو التخصيص لم يجر الاستصحاب لعدم إحراز عدم اتصاف هذا الوجود بهذا الوصف مع الحاجة إليه في إثبات الحكم الآخر له ، لأخذ العدم فيه بنحو التقييد لا التركيب. فقد ظهر لك ما في إطلاق صاحب الكفاية لعدم جريان الاستصحاب ، فان عدم جريانه يتم في الصورة الأخيرة فقط دون جميع الصور.

القسم الثالث : ان يكون الأثر مترتبا على أحد الحادثين متصفا بالعدم في زمان حدوث الآخر بمفاد ليس الناقصة. وقد حكم صاحب الكفاية رحمه‌الله بعدم جريان الاستصحاب فيه لعدم اليقين السابق بحدوثه كذلك في زمان (١).

والكلام فيه عين الكلام الّذي عرفته في القسم الثاني (٢).

القسم الرابع : ان يكون الأثر مترتبا على عدم أحدهما أو كل منهما في زمان الآخر بمفاد ليس التامة. وقد صار هذا القسم مجالا للكلام ومحطا للنقض والإبرام

وقد ذكر للمنع في جريان الاستصحاب فيه وجوه :

الوجه الأول : ما اختاره صاحب الكفاية رحمه‌الله من عدم جريان استصحاب العدم ، لعدم إمكان التمسك بعموم دليل التعبد بالاستصحاب في المورد ، لكون الشبهة مصداقية ، وذلك لاعتبار اتصال زمان الشك بزمان اليقين في جريان الاستصحاب (٣).

__________________

(١) الخراسانيّ المحقّق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٤١٩ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

(٢) لكن لا يجري فيه الإشكال المبني على استصحاب العدم الأزلي لأن الكلام في استصحاب العدم الأزلي فيما إذا كان عنوان الخاصّ وجوديا كي يتقدم العام بعدمه لا ما إذا كان عدميا : كما إذا ورد : « أكرم العلماء » ثم ورد : « لا تكرم من ليس بعادل » فانه لا يأتي فيه حديث التقيد بعنوان عدمي كما هو واضح. وما نحن فيه من هذا القبيل كما لا يخفى.

(٣) الخراسانيّ المحقّق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٤٢٠ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

٢٤٢

والمراد من زماني الشك واليقين هنا المعتبر اتصالهما هو المشكوك زمانا والمتيقن ، لا نفس صفة الشك واليقين. وهذا عند من يقول بكون كل من الشك واليقين في الروايات مأخوذا بنحو المرآتية عن المتيقن والمشكوك ـ كما عليه الشيخ رحمه‌الله (١) ـ فواضح. واما عند من يقول بان المراد منهما في الروايات صفتا اليقين والشك دون المتيقن والمشكوك ، فلأنه لا إشكال في عدم اعتبار تقدم زمان نفس اليقين على الشك ، فقد يتقدم الشك على اليقين ، وانما يصحح نسبة النقض إلى اليقين بلحاظ انتقاض المتيقن.

والوجه في اعتبار اتصال المشكوك بالمتيقن زمانا ، هو دخله في تحقق صدق النقض ، إذ بدون الاتصال لا يصدق النقض المنهي عنه. بيان ذلك : ان النقض انما يصدق في صورة ما إذا كان متعلق الشك ومتعلق اليقين أمرا واحدا مع إلغاء خصوصية الزمان الموجبة لتعلق الشك في البقاء واليقين بالحدوث ، بمعنى انه إذا غض النّظر عن اختلاف المتعلقين زمانا كانا أمرا واحدا ، وعند ذلك يصدق النقض عند عدم العمل بالمتيقن. ومع انفصال زمان المشكوك عن زمان المتيقن لا يتحقق النقض لعدم كون المتيقن والمشكوك أمرا واحدا حتى مع إلغاء خصوصية الزمان ، فمثلا لو علمنا بعدالة زيد عند الصباح ثم علمنا بفسقه حين الزوال ، ثم شككنا بعدالته بعد الزوال ، فالحكم بعدم عدالته بعد الزوال لا يعد نقضا لليقين بعدالته حين الصباح ولو مسامحة كي يشمله دليل : « لا تنقض » ، لأن المشكوك غير المتيقن. فالنقض لا يصدق بعد انفصال زمان الشك عن زمان اليقين ، بل انما يصدق في صورة اتصالهما.

وعليه ، فلا بد من اعتبار الاتصال كي يصدق النقض في مورده ، فيكون مشمولا للنهي العام. ولأجل ذلك لم تجر أدلة الاستصحاب مع الشك في الاتصال

__________________

(١) الأنصاري المحقّق الشيخ مرتضى. فرائد الأصول ـ ٣٣٦ ـ الطبعة الأولى.

٢٤٣

وعدمه ، للشك في صدق النقض حينئذ كي يشمله النهي ، وعدمه كي لا يشمله ، فتكون الشبهة مصداقية ويمتنع التمسك بالعموم فيها.

وقد حمل السيد الخوئي ( حفظه الله ) كلام الآخوند على إرادة اتصال صفتي اليقين والشك لا المتيقن والمشكوك. ووجّهه : باستظهار ذلك من بعض روايات الاستصحاب الظاهرة في كون الشك متصلا باليقين ، كقوله عليه‌السلام : « إذا كنت على يقين ... فشككت » فان ظاهر الفاء كون الشك متصلا باليقين ومتأخرا عنه زمانا.

وأورد عليه : بان التعبير المذكور مبني على ما هو المتعارف والغالب في موارد الاستصحاب من تحقق الشك بعد اليقين ، فلا يصح التمسك به في إثبات اعتبار اتصال (١) اليقين والشك.

ولكن لا وجه لما ذكره ( حفظه الله ) بعد ما عرفت إرادته المتيقن والمشكوك لا صفتي اليقين والشك ، كي يستشهد له بالرواية ويورد عليه ، كيف؟ وقد جعل ظهور الرواية البدوي قرينة على إرادة قاعدة اليقين منها مما يكشف بوضوح ان خصوصية سبق اليقين غير معتبرة في الاستصحاب بتاتا ، فلا يحتمل في حق صاحب الكفاية انه يرى لزوم سبق اليقين واتصاله بالشك.

إذا عرفت هذا ، فذهاب المحقق الخراسانيّ قدس‌سره إلى عدم جريان استصحاب العدم المذكور انما كان لأجل عدم إحراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين ، فلا يحرز صدق النقض ، فلا يمكن التعبد بالاستصحاب لمصداقية الشبهة.

وتوضيحه : ان لدينا آنات ثلاث : الأول ، يحرز فيه عدم كل من الحادثين. والثاني : يحرز فيه حدوث أحدهما. والثالث : يحرز فيه حدوث الآخر. فكل منهما يحتمل حدوثه في الآن الثاني وفي الآن الثالث ، وزمان الشك في أحدهما هو زمان

__________________

(١) الواعظ الحسيني محمد سرور. مصباح الأصول ٣ ـ ١٨٣ ـ الطبعة الأولى.

٢٤٤

وجود الآخر ، وهو مردد بين الآن الثاني والآن الثالث. فان كان الآن الثاني كان زمان الشك متصلا بزمان اليقين. وان كان الآن الثالث كان زمان الشك منفصلا عن زمان اليقين ، فينشأ التردد في حصول الاتصال وعدمه ، ومنه ينشأ التردد في صدق النقض ، ومعه لا يصح إجراء الاستصحاب كما لا يخفى.

وقد أورد عليه المحقق النائيني ـ كما في أجود التقريرات ـ : بأنه لا مجال للتردد في حصول الاتصال وعدمه ، لأن الشك واليقين من الصفات الوجدانية التي لا تقبل التردد ، فلا معنى لحصول الشبهة المصداقية بالنسبة إلى الشك واليقين ، والشك هاهنا حاصل فيحرز الاتصال ويجري الاستصحاب (١).

وهذا الإشكال مبني على إرادة صفتي اليقين والشك من اليقين والشك في موضوع الاتصال ، لا المتيقن والمشكوك ، وتفسير اليقين والشك في المورد بذلك ، فان اليقين والشك من الأمور الوجدانية التي لا تقبل التردد. امّا بناء على تفسيرهما بالمتيقن والمشكوك ـ كما عرفت ـ فلا يرد هذا الإشكال ، لكونهما حينئذ من الصفات الواقعية التي تقبل الشك ـ كما اعترف به المحقق المذكور ـ فمنشأ الاختلاف هو الاختلاف في مراد صاحب الكفاية باليقين والشك في المقام ، فالمحقق النائيني تخيل بان المراد صفة اليقين وصفة الشك ـ عطفا على اليقين والشك المأخوذ في الروايات ـ فأورد عليه بما عرفت. ولكنك عرفت عدم إرادة نفس الصفة ، بل المتيقن والمشكوك ، للجزم بعدم اعتبار صاحب الكفاية تقدم زمان اليقين على زمان الشك. فالتفت.

هذا ، مضافا إلى انه لو فرض انه قدس‌سره يلحظ نفس وصفي اليقين والشك ، فلا يرد عليه ما ذكر ، وذلك لأن مدعاه الشك في اتصال زماني اليقين والشك لا الشك في نفس اليقين والشك ، فهو قد فرض حصول اليقين في زمان

__________________

(١) المحقق الخوئي السيد أبو القاسم. أجود التقريرات ٢ ـ ٤٢٩ ـ الطبعة الأولى.

٢٤٥

وحصول الشك في زمان آخر ، وانما يشك في اتصال الزمانين. واتصال الزمانين ليس من الأمور الوجدانية التي لا تقبل الشك. فانتبه ولاحظ.

وهذا الّذي ذكرناه في بيان عبارة الكفاية هو أحد التفسيرات لعبارته المغلقة حيث فسرت بتفسيرات أخرى تعرفها فيما بعد إن شاء الله تعالى.

وقد أورد على نفسه إيرادا تحت عنوان : « لا يقال ... » وحاصل الإيراد : ان اتصال زمان الشك بزمان اليقين محرز في المقام ، لأن زمان الشك هو مجموع الزمانين حيث يشك في حدوث كل من الحادثين في أحد الزمانين ، وهو متصل بزمان اليقين ـ أعني الآن الأول ـ ، وإذا استصحب العدم في مجموع الزمانين فقد ثبت العدم في زمان الحادث الآخر لعدم خروجه عنهما.

وقد دفع الإيراد المذكور بعبارة لا تخلو عن إغلاق (١).

وقد فسرت : بان مجموع الزمانين انما يكون زمانا للشك إذا لوحظ العدم مضافا إلى عمود الزمان ، اما إذا لوحظ مضافا إلى حادث آخر ـ كما هو المفروض ـ فلا يكون مجموعهما زمان الشك ، لأن زمان الحادث الآخر أحد الآنين لا كليهما ، وهو غير محرز فلا يحرز الاتصال.

وأورد عليه : بان كون الملحوظ إضافته إلى حادث آخر لا يضر في اتصال زمان الشك بزمان اليقين ، لأنه على تقدير كون زمان الحادث الآخر واقعا هو الآن الثالث فالآن الثاني أيضا زمان الشك في العدم ، لأن اختلاف اللحاظ لا يوجب عدم كونه زمان الشك ، وعدم كون التعبد في الآن الثاني موضوعا للأثر ، لا يضر لعدم اعتبار ترتب الأثر على الشك حدوثا بل بقاء وفي حال الاستصحاب.

__________________

(١) الخراسانيّ المحقّق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٤٢٠ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

٢٤٦

وهذا الإيراد انما يرد بناء على ما هو ظاهر العبارة من إمكان لحاظ العدم ، مضافا إلى أجزاء الزمان ، ومضافا إلى حادث آخر. غاية الأمر ان الإضافة إلى أجزاء الزمان غير ملحوظة ، والتفسير المذكور ناشئ من ذلك.

ولكنه خلاف المراد ، لأنّ مجموع الزمانين لا يكون زمان الشك في كل من الحادثين إذا لوحظ مضافا إلى اجزاء الزمان ، للعلم بانتقاض الحالة السابقة في الآن الثالث.

وعليه ، فلا يمكن لحاظ العدم مضافا إلى اجزاء الزمان ، لأن المفروض ان الأثر انما يترتب فيما إذا أمكن سراية التعبد إلى الزمان الثالث حتى يثبت العدم في زمان الحادث الآخر ، وهو لا يمكن في المورد للعلم بانتقاض الحالة السابقة. فلا بد من تقييد الزمان بخصوصية زائدة حتى يحصل الشك فيه ويسري إلى مجموع الزمانين ، وذلك يكون لفرض لحاظه بالإضافة إلى زمان الحادث الآخر.

لسراية التعبد إلى الآن الثالث ، لاحتمال كون الحادث الآخر في ذلك الآن وفي الآن الثاني. وإذا فرض ملاحظة العدم بالإضافة إلى الحادث الآخر جاء النفي المدعى ، وهو عدم إحراز اتصال زمان اليقين بزمان الشك ، لتردد زمان الآخر بين الآنين الثاني والثالث ، فلا يكون الآن الثاني زمانا للشك على تقدير كون زمان الحادث الآخر هو الآن الثالث. فيتحقق انفصال زمان الشك عن زمان اليقين ، وحيث يتردد زمان الحادث الآخر بين الآنين لا يتحقق إحراز الاتصال ، فلا يصح إجراء استصحاب العدم إلى زمان الإسلام ، لعدم إحراز زمان الإسلام ، فلا يكون زمانا للشك رابطا بين الآن الأول والآن الثاني.

ومن هنا تعرف ان مراد الكفاية هو ان مجموع الزمانين مسلم الاتصال لو لوحظ العدم بالإضافة إلى أجزاء الزمان ، ولكنه حيث لم يلحظ كذلك لعدم

٢٤٧

إمكانه ولوحظ بالإضافة إلى حادث آخر لم يحرز الاتصال لتردد زمان الحادث الآخر بين الآنين.

ولعل الاشتباه في التفسير نشأ عما يتضمنه الإيراد من كون مجموع الزمانين زمان الشك في حدوث كل من الحادثين الظاهر في كون المجموع زمان الشك ، فقول المحقق الخراسانيّ : « نعم » يظهر في تسليمه ، والغفلة عن انه زمان الشك في الحدوث ، وهو مسلم إلاّ انّه هو غير محل الكلام ، لأن محله هو الشك في الحادثين لا في حدوثهما. فالإيراد لا يخلو عن المغالطة. فالتفت.

والموجود في تقريرات المرحوم الكاظمي قدس‌سره تفسير آخر لعبارة الآخوند رحمه‌الله ، بيانه : ان موضوع الأثر إذا كان مركبا من جزءين ، فالتعبد بأحد الجزءين انما يكون في صورة إحراز الجزء الآخر اما بالوجدان أو بالأصل ، إذ مع عدم الجزء الآخر لا يترتب الأثر على ذلك الجزء ، فيكون التعبد به لغوا لعدم الأثر فيه.

وفيما نحن فيه الموضوع للأثر مركب من جزءين : أحدهما : عدم الموت والآخر : زمان الإسلام. فمع عدم إحراز الإسلام لا معنى للتعبد بعدم الموت لعدم ترتب أثر عليه ، والإسلام محرز في الآن الثالث. فالتعبد بعدم الموت في زمان الإسلام على تقديره انما يصح في الآن الثالث ، لأنه زمان الشك حيث أحرز فيه الجزء الآخر وهو الإسلام المضاف إليه عدم الموت ، فيكون فيه شك بعدم الموت في زمان الإسلام. ولا يصح التعبد في الآن الثاني لعدم إحراز الإسلام فيه ، فلا يكون زمان الشك بعدم الموت بهذه الإضافة والاستصحاب غير جار في الآن الثالث لعدم إحراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين ، لاحتمال كون الحادث في الآن الثاني هو الموت.

وأورد عليه : بان موضوع الأثر ان كان عدم الموت وزمان الإسلام بنحو التقييد ، فالاستصحاب غير جار ، ولكنه لا لأجل عدم اتصال زمان الشك بزمان

٢٤٨

اليقين ، بل لأجل عدم اليقين السابق بالعدم المقيد بزمان الإسلام كي يستصحب. وان أخذ في الموضوع الأثر بنحو التركيب بان كان زمان الإسلام ظرفا لعدم الموت ، فزمان الشك متصل بزمان اليقين ، لأن الآن الثاني يشك فيه بعدم الموت أيضا ، فيكون كل من الآنين الثاني والثالث زمانا للشك. غاية الأمران الآن الثالث يفترق عن الثاني بإضافة الإسلام إليه ، وهو ليس فرقا أساسيا يوجب الاختلاف من ناحية التعبد بعدم الموت (١).

والكلام المذكور لا يخلو عن نظر في تفسيره وإيراده.

اما تفسيره ، فلان لازمه إحراز عدم اتصال زمان الشك بزمان اليقين الناشئ من جعل زمان الشك هو الآن الثالث. وعليه فلا تكون الشبهة مصداقية ، بل يكون المورد معلوم الخروج عن عموم دليل الاستصحاب ، مع ان صريح عبارة الكفاية كون المحذور عدم إحراز الاتصال والانفصال وكون الشبهة مصداقية.

امّا الإيراد ، فلا إشكال في عدم إرادة الشق الأول لكونه خلاف المفروض ، لأن المفروض كون الأثر يترتب على العدم في ظرف الإسلام بنحو التركيب ، فلا وجه لفرضه. والشق الثاني راجع إلى ما ذكر في الكفاية من الإيراد تحت عنوان : « لا يقال » من دعوى كون مجموع الزمانين زمانا للشك ، فلا معنى للإيراد به ، لأنه أجاب عنه بما عرفت ، فإذا كان الإيراد مسلما عنده فليكن الإشكال على الجواب لا إيراد نفس الإيراد.

وقد فسر المحقق الأصفهاني قدس‌سره عبارة الكفاية بعين ما ذكرناه من التفسير.

وأورد عليه : بان الاتصال المعتبر في إجراء الاستصحاب محرز ، وغير

__________________

(١) الكاظمي الشيخ محمد علي. فرائد الأصول ٤ ـ ٥١٧ ـ ٥٢١ ـ طبعة مؤسسة النشر الإسلامي.

٢٤٩

المحرز غير معتبر. بيان ذلك : ان المعتبر انما هو اتصال زمان المشكوك بما هو مشكوك بزمان المتيقن بما هو متيقن ، وليس المعتبر اتصال زمان ذات المشكوك بزمان ذات المتيقن ، لأن تحقق ركني الاستصحاب لا يتوقف على ثبوت المتيقن والمشكوك واقعا ، بل انما يتوقف على حصول اليقين والشك ، وكون المتيقن حاصلا في أفق اليقين والمشكوك حاصلا في أفق الشك ، ولو لم يكن لهما ثبوت واقعي أصلا. وإذا ثبت ان الأثر انما يترتب على المتيقن والمشكوك بما هو متيقن مشكوك ، كان المعتبر هو اتصال زمان المشكوك بما هو مشكوك بالمتيقن بما هو متيقن ، وهو محرز لأن المشكوك هو عدم الموت في زمان الإسلام ، وهذا الشك حاصل في الآن الثاني ، إذ لو التفت الإنسان في الآن الثاني إلى عدم الموت في زمان الإسلام ، فأما ان يحصل له اليقين به أو بخلافه أو يشك فيه. والفرضان الأولان منتفيان فيثبت الثالث وهو الشك ، فالآن الثاني زمان الشك أيضا ، فلا ينفصل زمان الشك عن زمان اليقين ، واليقين بزمان الحادث الآخر لم يؤخذ جزء لموضوع الأثر وإلاّ لكان الموضوع معلوم الارتفاع لا مشكوكه ـ كي تكون الشبهة مصداقية ـ ، لعدم اليقين بزمان الحادث الآخر ، ومعه لا يتحقق أحد جزئي الموضوع ، فيعلم ارتفاعه (١).

ويورد عليه (٢) : ان عدم الموت في زمان الإسلام اما ان يؤخذ بنحو العام

__________________

(١) الأصفهاني المحقّق الشيخ محمد حسين. نهاية الدراية ٣ ـ ١٠٩ ـ الطبعة الأولى.

(٢) المناقشة فيما أفاده ( قده ) يتم ببيان أمرين :

الأول : إنّ ما يكون دخيلا في موضوع الحكم تارة يكون دخيلا فيه بنحو تقييد بأن يكون الموضوع هو الحصة الخاصة المقيّدة به. وأخرى يكون دخيلا فيه بنحو الجزئية بأن يكون الموضوع مركّبا منه ومن الجزء الآخر. ويترتّب على الأول : أنّه لا يعتبر في ترتّب الحكم سوى إحراز الحصّة الخاصّة فلا يلزم إحراز القيد نفسه.

نعم يكون إحرازه قهريّا فيما كان إحراز الحصّة الخاصّة بالوجدان.

وأما إذا كان بالتعبّد ، فهو لا يلازم إحراز نفس القيد ، ولا يلزم إحرازه لأنّ الأثر يترتّب على نفس.

٢٥٠

........................................

__________________

ثبوت الحصّة الخاصّة تعبّدا. ويترتّب على الثاني : أنّه لا يعتبر في ترتّب الحكم إحراز كلا جزئي الموضوع ، ولذا يتعدّد التعبّد مع عدم إحرازهما بالوجدان ، وأما في صورة التقييد فلا يتعدّد التعبّد بل يكون هناك تعبّد واحد بالمقيّد.

وجملة القول : قيد الموضوع لا يعتبر إحرازه في ترتّب الحكم ، وإنما يلزم إحراز التقيّد به. وأما جزء الموضوع فهو ممّا يعتبر إحرازه في ترتّب الأثر.

الثاني : أن الأثر :

تارة : يكون مترتّبا على الوجود الخاصّ للشيء بحيث تكون الخصوصيّة قيدا للوجود ، فاستصحاب عدمه يكون المقصود منه نفي الأثر المترتّب على الوجود.

وأخرى : يكون مترتّبا على العدم الخاصّ بحيث تكون الخصوصية قيدا للعدم ، فيكون المقصود في استصحاب العام ترتيب الأثر.

فالفرق : أنّ استصحاب العدم في القسم الأول لنفي الموضوع. وفي الثاني لإثباته وموارد ترتّب الأثر على العدم الخاصّ كثيرة في العرفيّات والشرعيات. ولا يخفى أنّه في القسم الأول يمكن إجراء استصحاب العدم مع الشك في الخصوصية ، إذ الوجود الخاصّ مسبوق بالعدم فيستصحب عدمه. وأما في القسم الثاني مما كانت الخصوصية قيدا للنفي لا للمنفي ، فيشكل جريان استصحاب العدم في مورد الحادثين المجهولي التاريخ ، لأنّ العدم المقيّد بالخصوصية المجهول تاريخهما ليس له حالة سابقة ، إذ لم يكن متحقّقا مع الخصوصية في زمان كي يستصحب ، ولا الخصوصية مسبوقة بالعدم كما لا يخفى.

إذا عرفت ذلك فيقع الكلام فيما نحن فيه مما كان الأثر الشرعي مترتّبا على عدم كل من الحادثين في زمان الآخر ، ومثاله الصحيح : هو ما ذا قسّمت تركة المورث وأسلم الوارث وشكّ في المتقدّم منهما. فإن عدم القسمة إلى زمان الإسلام يترتّب على إرث المسلم. وعدم الإسلام إلى زمان القسمة يترتّب عليه محروميّته من الإرث ، فالأثر يترتّب على عدم كلّ منهما في زمن الآخر.

وقد عرفت أنّه ( قده ) فرض موضوع الأثر هو عدم الإسلام إلى زمان القسمة وبالعكس وأجرى استصحابه في الآن الثاني لأنّه مشكوك بعد اليقين به سابقا. وظاهر ذلك أنّه لاحظ الموضوع هو العدم المقيّد بزمان القسمة. ويرد عليه.

أوّلا : إنّ الأثر لا يترتّب على العدم الخاصّ ، بلا دخل للخصوصية بل هو يترتّب على العدم مع الخصوصية فالموضوع مركّب من جزءين لا مقيّد ، إذ من الواضح أنّ عدم القسمة لا يترتّب عليه الإرث ما لم ينضم إليه الإسلام كما أنّ عدم الإسلام لا يترتّب عليه المحرومية من الإرث ما لم ينضم إليه تحقّق القسمة وعليه فمجرّد استصحاب عدم أحدهما في زمان الآخر في الآن الثاني لا ينفع في ترتّب الأثر ما لم ينضم إليه إحراز الجزء الآخر.

٢٥١

المجموعي ، بمعنى ان الإسلام قيد لعدم الموت ، فالأثر يترتب على أمر عدمي متصف بوصف وجودي ، بحيث يكون هناك شك واحد وإحراز واحد. وامّا ان يؤخذ بنحو التركيب وكون كل منهما جزء الموضوع للأثر ، فيكون هناك شكان أحدهما متعلق بعدم الموت والآخر بالإسلام.

فعلى الأول : وان صح ما ذكره من تعلق الشك بعدم الموت في زمان الإسلام في الآن الثاني ، لكنه أو لا خلاف المفروض كما عرفته.

وثانيا : لا يصح استصحابه لكونه غير مسبوق باليقين لعدم يقين سابق بعدم الموت المتصف بكونه في زمان الإسلام.

وعلى الثاني : فعدم الموت في الآن الثاني وان كان مشكوكا ، ولكن أثره انما يترتب مع إحراز زمان الإسلام في الآن الثاني كي يستصحب كما عرفت ، وهو غير محرز فلا يجدي الشك في عدم الموت في صحة إجراء الاستصحاب.

وقد تبين من هذا كله عدم ورود أي إشكال على عبارة الكفاية بناء على ما ذكرناه من التفسير. ومعه يتم المحذور الأول في جريان الاستصحاب في مجهول التاريخ حاصله : كون زمان الشك عنوانا إجماليا هو زمان الإسلام ـ وليس هو مطلق الزمان ـ ، ويمكن انطباقه على كلا الآنين فلا يحرز اتصال زمان الشك بزمان اليقين ، فتكون الشبهة مصداقية.

الوجه الثاني : ـ من وجوه المنع من جريان الاستصحاب في القسم الرابع ـ :

ان زمان الشك بعدم الموت زمان خاص وهو زمان الإسلام ، وهو محتمل الحدوث

__________________

ـ وثانيا : لو فرض ـ جدلا ـ أنّ الموضوع هو عدم أحدهما في زمان الآخر بنحو التقييد ، فهو من موارد كون التقييد راجعا إلى العدم نفسه ، فإنّ موضوع الأثر هو العدم الخاصّ لا الوجود الخاصّ.

ومن الواضح أنّه لا حالة سابقة له كما عرفت في الأمر الثاني فلا يمكن إجراء الاستصحاب فيه ، ولو كانت له حالة السابقة بأن فرض تحقّق العدم في زمان الآخر كان الأثر مترتبا عليه من السابق فلا حاجة إلى الاستصحاب. فما أفاده فيما نحن فيه من إجراء الاستصحاب في العدم الخاصّ مما لا ينبغي صدوره من مثله ممن هو علم في التحقيق والتدقيق.

٢٥٢

في الآن الثالث ، والموت معلوم الوجود في هذا الآن ، فإذا أردنا استصحاب عدم الموت إلى زمان الإسلام احتمل انطباق المتيقن على المشكوك ، لاحتمال كون زمان الإسلام هو الآن الثالث ، والموت معلوم الوجود فيه ، فيلزم التعبد بالعدم في زمان العلم بالوجود ، وهو غير معقول.

وقد ذكره بعضهم تفسيرا لكلام الكفاية (١). ولكنه أجنبي عنه كما لا يخفى.

وكيف كان ، فهذا المحذور صوري ، لأن المانع من احتمال كون التعبد في زمان اليقين لا يخلو امّا ان يكون لأجل ارتفاع موضوع التعبد وهو الشك. أو لأجل المناقضة بين التعبد المذكور واليقين التفصيليّ الموجود. أو لأجل شمول ذيل الرواية للمورد ، وهو : « ولكن تنقضه بيقين آخر ».

والأول ممنوع لوجود الشك ضرورة ، وذلك لأن الزمان الملحوظ في الاستصحاب هو زمان خاص وهو زمان الإسلام ، والعدم بلحاظه ليس متيقن الارتفاع. نعم بلحاظ أصل الزمان متيقن الارتفاع في الآن الثالث. ومجرد احتمال انطباق زمان الإسلام على الآن الثالث لا يمنع من تحقق الشك في العدم بالإضافة إلى زمان الإسلام.

والثاني انما يتم لو كان لليقين التفصيليّ أثر شرعي يتنافى مع الأثر المترتب على التعبد ، كما لو كان أثر اليقين بالموت وجوب الصدقة وأثر التعبد بعدمه حرمة الصدقة ، فمع التعبد بعدم الموت إلى زمان الإسلام مع احتمال كونه في زمان اليقين بالموت يحتمل اجتماع الضدين من وجوب الصدقة وحرمتها. وليس الأمر كذلك لأن اليقين بالموت في زمان الإسلام لو كان هو الآن الثالث لا أثر له شرعا. هذا مع انه لو فرض ترتب الأثر ، فهو بوجوده الواقعي لا يمنع من الحكم الظاهري على خلافه ، كما هو الحال في جميع موارد الأحكام الظاهرية ،

__________________

(١) البروجردي الشيخ محمد تقي. نهاية الأفكار ٤ ـ ٢١٠ القسم الأول ـ طبعة مؤسسة النشر الإسلامي.

٢٥٣

لأن الأثر الواقعي على تقديره غير فعلي ، فلاحظ.

والثالث سيأتي الكلام فيه في المحذور الآتي.

وبالجملة : ما نحن فيه نظير ما لو علم بعدم وجوب إكرام زيد الفاسق وكان هناك شخص مشكوك في أنه زيد الفاسق أو لا ، فان التعبد بأنه ليس بزيد الفاسق ويجب إكرامه لا يتنافى مع احتمال انطباقه على من يعلم عدم وجوب إكرامه.

الوجه الثالث : ما ذكر بعنوان التفسير لعبارة الكفاية ، وبيانه : ان أحد الحادثين ـ وهو الموت مثلا ـ لما كان ملحوظا بالإضافة إلى الحادث الآخر ، وكان هناك علم إجمالي بحصول الموت اما في الآن الثاني أو في الآن الثالث. وعلم إجمالي آخر بحصول الحادث الآخر في أحد الآنين ، احتمال ان يكون الحادث الآخر ـ وهو الإسلام مثلا ـ قد حصل في الآن الثالث ، فيكون الموت قد حصل في الآن الثاني ، وهو مورد العلم الإجمالي.

وعليه ، فيحتمل ان يكون نقض اليقين السابق بعدم الموت ، قد انفصل بزمان اليقين الإجمالي وهو الآن الثاني ، فزمان الشك وهو زمان الإسلام لا يحرز اتصاله بزمان اليقين وهو الآن الأول ، بل يحتمل ان يكون قد انفصل باليقين الإجمالي الناقض ، لاحتمال ان زمان الإسلام هو الآن الثالث ، فيكون الآن الثاني هو زمان اليقين الإجمالي بالارتفاع.

وبالجملة : المورد من موارد احتمال انطباق ذيل الرواية ، فلا يصح الرجوع إلى العموم لكون الشبهة مصداقية لا يصح معها التمسك بعموم دليل الاستصحاب (١).

وهذا الوجه يقطع بعدم إرادته من العبارة من جهتين :

__________________

(١) البروجردي الشيخ محمد تقي. نهاية الأفكار ٤ ـ ٢١٠ القسم الأول ـ طبعة مؤسسة النشر الإسلامي.

٢٥٤

الأولى : انه يبتني على القول بعدم شمول دليل الاستصحاب لأطراف العلم الإجمالي.

وصاحب الكفاية لا يقول بذلك ، بل يقول بشموله لأطرافه ـ كما ستعرف الجهة الثانية : انه يقتضي ان يكون المورد من مصاديق ذلك الحكم ـ أعني : عدم شمول دليل الاستصحاب لأطراف العلم الإجمالي ـ ، فلا وجه لجعل المحذور في جريان الاستصحاب في المورد شيئا آخر برأسه ـ غير ذلك ـ ، وهو : « عدم إحراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين » ـ كما هو صريح العبارة ـ.

ثم (١) ان المحقق العراقي رحمه‌الله بعد ما ذكر كلام الآخوند بهذا

__________________

[١] تحقيق الكلام في هذا البيان وما أفاده المحقّق العراقي في ردّه أن يقال :

أما أصل المحذور بالبيان المزبور فيدفعه أنّ قوله عليه‌السلام : « ولكن تنقضه بيقين آخر » ليس تقييدا لدليل الاستصحاب أو تخصيصا لعمومه ، فهو ليس بمنزلة الاستثناء أو الوصف ، بل هو بيان لحكم آخر مستقل ذكر بعنوان الاستدراك لما يتوهّم من عدم قابلية اليقين الحادث للنقض بتاتا ـ كما هو ظاهر قوله « لكن » ـ ومحصّل هذا الحكم هو بيان أنّ ما من شأنه النقض هو اليقين الآخر المخالف لليقين بالحدوث فلا يلزم منه تغيير موضوع دليل الاستصحاب وتقييده بل موضوعه على ما هو عليه بلا تغيّر.

فلو فرض عمومه ـ أي الدليل ـ لليقين الإجمالي فهو يصطدم مع دليل الاستصحاب ويتنافى معه في مورد إحراز انطباقه ، مع إحراز انطباق دليل الاستصحاب ، فإنّه يتحقّق التهافت بين الدليلين ـ على ما قيل ـ نظير الدليلين المتعارضين ، ومقتضى التصادم هو التساقط ، لا أنّه يخرج مورده عن عموم دليل الاستصحاب رأسا ـ كما هو شأن الدليل المخصّص ـ.

ومن الواضح أنّ التصادم إنّما يحصل مع إحراز انطباقه إمّا مع الشك في انطباقه على مورد الاستصحاب فلا يصادم دليل الاستصحاب ، لأنّه لا يكون حجة مع الشك في الانطباق ، فيكون دليل الاستصحاب حجة بلا مزاحم ، إذن فمجرد الشك في انطباق اليقين الإجمالي لا يضر بجريان الاستصحاب ، إذ لا تكون الشبهة مصداقية بالنسبة إلى عموم دليل الاستصحاب ، بعد أن لم يكون دليله مقيّدا بمفاد الذيل ، فتنبّه.

وأما ما أفاده المحقّق العراقي في ردّه : فقد عرفت ما توجّه عليه ، ولكن يمكن توجيه ما أفاده ( قده ) بأنّ نظره ليس إلى مجرد تعلق العلم الإجمالي بالصورة الذهنية وعدم سرايتها إلى الخارج كي يقال إنّ هذا الكلام متأتّ في العلم التفصيليّ بل الشك وغيره من الصفات النفسيّة التعلقية. بل نظره ( قده ) إلى أنّ تعلّق العلم بالصورة الذهنية يمنع من تحقّق النقض بالعلم الإجمالي. بيان ذلك : إنّ العلم والشك من.

٢٥٥

التفسير وأسهب في توضيحه. أورد عليه : بأنه انما يتم بناء على سراية العلم الإجمالي إلى الخارج ، مع ان الأمر ليس كذلك ، فان العلم الإجمالي انما يتعلق بالصورة الذهنية للشيء ـ ويعبر عنها بالمعلوم بالذات ـ. أمّا الصورة الخارجية فهي معلومة بالعرض ولا يسري العلم إليها ، فهي في نفسها مشكوكة (١).

ولا يظهر لهذا الإيراد وجه وجيه أصلا ، فان الصورة الذهنية التي تعلق بها العلم تطابق الصورة الخارجية ـ ولأجل ذلك كانت الصورة الخارجية معلومة بالعرض ـ والمحذور المتأتي بناء على سراية العلم الإجمالي إلى الصورة الخارجية ـ وهو احتمال كون نقض اليقين باليقين لا بالشك ـ متأت من جهة المطابقة بين الصورتين ، فالمحذور تام على كلا الوجهين والبناءين.

__________________

الصفات المتضادة التي لا يمكن اجتماعهما في شيء واحد ، فإذا كان متعلق الشك أو العلم هو الشيء بوجوده الخارجي فيما أنّه لا تعدّد فيه يمتنع أن يكون موردا للشك والعلم في آن واحد ، فإذا فرض تحقّق العلم الإجمالي ، وتعلّقه به لم يكن متعلّقا للشك. وبذلك يتحقّق انتقاض اليقين السابق.

امّا إذا فرض تعلّق الشك أو العلم بالشيء بوجوده الذهني فيما أنّ الشيء يمكن أن يكون بلحاظ صورة الذهنية متعدّدا لتعدد العناوين المنطبقة عليه أمكن أن يكون متعلّقا للشك والعلم في آن واحد مع تعدد العنوان ، لاختلاف متعلّق الوصفين حقيقة ـ بعد أن كان هو العنوان والصورة الذهنية ـ فيكون متعلّقا للشك بعنوان ومتعلّقا للعلم بعنوان آخر.

وعلى هذا الأساس يمكن أن يجتمع العلم الإجمالي مع الشك ولا ينتقض الشك به لأنّ متعلّق العلم هو الشيء بعنوانه الإجمالي ومتعلق الشك هو الشيء بعنوانه التفصيليّ. وإذا لم يكن العلم الإجمالي مناقضا للشك ورافعا له لم يكن ناقضا لليقين السابق لا محالة. ولذلك لم يكن العلم الإجمالي صالحا للنقض ، بخلاف العلم التفصيليّ فإنّه يتعلّق بما يتعلّق الشك فيه فيستلزم نقضه وارتفاعه فيكون ناقضا لليقين السابق.

وبالجملة : مرجع ما أفاده ( قده ) إلى عدم صلاحية العلم الإجمالي لنقض اليقين السابق واختصاص اليقين الناقض باليقين التفصيليّ ، فإشكاله في المقام هو الإشكال في كبرى المسألة ـ بلا خصوصية للمقام ـ وهي عدم جريان الاستصحاب في موارد العلم الإجمالي أو جريانه. وسيأتي تحقيقه في محلّه ، فتدبّر.

(١) البروجردي الشيخ محمد تقي. نهاية الأفكار ٤ ـ ٢١١ القسم الأول ـ طبعة مؤسسة النشر الإسلامي.

٢٥٦

نعم ، لو قلنا بعدم مطابقة الصورة الذهنية للصورة الخارجية ، وانه لا علاقة له بالصورة الخارجية لم يتأت المحذور. ولكنه لا قائل به ، لاستلزامه ارتفاع منجزية العلم الإجمالي بالمرّة وعدم أثر له خارجي أصلا.

وبعبارة أخرى : ان ما أفاده من عدم السراية متأت حتى بالنسبة إلى العلم التفصيليّ ، مع ان الالتزام بناقضيته ليست محل إشكال.

ويتحصل مما ذكرنا : ان ما ذكر في تفسير عبارة الكفاية غير تام لا في نفسه ولا بعنوان توجيه كلام الكفاية.

إذا عرفت هذا كله. فالحق في المقام عدم جريان الاستصحاب ـ كما ذهب إليه المحقق الخراسانيّ قدس‌سره ـ لمحاذير ثلاثة :

المحذور الأول (١) : ما ذكره المحقق الخراسانيّ في الكفاية بالتوجيه الّذي ذكرناه.

__________________

(١) قد يورد : على ما أفاده صاحب الكفاية بالتقريب الّذي بيّناه فإنّ الشك في اتّصال المشكوك بالمتيقّن لأجل تردّد زمان الحادث الآخر بين الآنين الثاني والثالث لا يضرّ بالاستصحاب ، لأنّه يمكن جرّ العدم من زمان اليقين إلى زمان الشك أيّ آن كان الثاني والثالث ، واحتمال ارتفاعه في الأثناء لا يضرّ في التعبّد بالبقاء لأن مرجعه إلى عدم تحقّق الانفصال نظير ما لو تيقّن بعدالة زيد صباحا ، وشك في تحقّقها ليلا لكونها مورد الأثر العملي ، واحتمل ارتفاعها ظهرا ، فإنّه من موارد احتمال الانفصال ، مع أنّه لا يضرّ بالاستصحاب جزما. ففي ما نحن فيه نقول : يمكن استصحاب عدم الإسلام ـ مثلا ـ إلى زمان تحقّق القسمة الواقعي واحتمال الانفصال لا يضرّ بعد ما كان مرجع التعبّد الاستصحابي هو التعبّد بالبقاء وعدم الانفصال.

والجواب عن هذا الإيراد يتّضح بتقديم مقدمة وهي : أن مصادفة التعبد لما يخالف اليقين لا يضرّ في صحة التعبّد إذا لم يكن التعبّد بالحكم بالعنوان الّذي تعلّق به اليقين بالخلاف ، فمثلا لو علم بحرمة إكرام الفاسق ، وشك في زيد أنّه فاسق أو لا ، فإنّ التعبّد بجواز إكرامه بقول مطلق سواء كان في الواقع فاسقا أو ليس بفاسق لا ينافي العلم بحرمة إكرامه لو كان فاسقا ، وإن احتمل مصادفة مورد التعبّد لمورد العلم ، وذلك لأنّ الحرمة الثابتة المعلومة ثابتة لزيد بما هو فاسق ، والحلية الثابتة ثابتة له بما هو مشكوك مع قطع النّظر عن فسقه وعدم فسقه ، لأنّ مرجع الإطلاق إلى رفض القيود. فالحكم الظاهري لا يحتمل انطباقه على ما هو معلوم الخلاف فلم أنّ يبق سوى محذور اجتماع الحكمين المتضادين ، ولكنه.

٢٥٧

............................................

__________________

محذور سار في مطلق موارد الأحكام الظاهرية ، واتّضح اندفاعه في محله.

نعم إذا كان التعبّد بالجواز على كلا تقديريه بنحو يكون كلاّ من تقديريه دخيلا في الحكم على تقدير تحقّقه ، بأن كان مباح الإكرام بما هو فاسق. أو بما هو ليس بفاسق كان ذلك ممتنعا لاحتمال كون الحكم الظاهري بالإباحة ثابتا لما يقطع بالحرمة بالنسبة إليه.

وكما يمتنع جعل الحكم الظاهري مع العلم بالخلاف ، كذلك يمتنع جعله مع احتمال انطباقه مع مورد العلم بالخلاف ، لتقدير موضوعه بغير العلم ، فلا يمكن الجزم به والحال هذه ، لأنّه مستلزم لاحتمال اجتماع المتنافيين وهو محال كالقطع به.

إذا عرفت ذلك نقول : إنّ الآن الثالث من الآنات الثلاثة يعلم فيه بتحقّق كلا الحادثين وارتفاع المتيقّن السابق.

وعليه فإذا فرض التعبّد بالعدم إلى زمان الحادث الآخر على أيّ تقدير أي : سواء كان هو الآن الثاني أو الآن الثالث ، فمرجع ذلك إلى احتمال جرّ العدم أي الآن الثالث مضافا إلى الآن الثاني ـ لأنّ عموم الاستصحاب بلحاظ الزمانين شمولي لا بدلي فخصوصيّة الزمانين ملحوظة فيه لا ملغاة ـ كما في مثل التعبّد بجواز إكرام زيد سواء كان فاسقا أم عادلا ـ فمرجع الإطلاق هاهنا إلى ملاحظة كلا الزمانين لأنه شمولي. والمفروض أنّ العدم أنّ العدم في الآن الثالث معلوم الارتفاع ، فيلزم سراية التعبّد أي زمان يعلم فيه بعدم بقاء المتيقّن ، فيكون من التعبّد بالشيء مع العلم بخلافه ، وقد عرفت امتناع احتماله كامتناع الجزم به ، لأنّه جمع بين المتنافيين. فكيف يحتمل أن يسري التعبّد بالعدم إلى زمان العلم بارتفاعه الملازم للعلم بعدم التعبّد به؟.

هذا إذا أريد جرّ العدم إلى زمان الحادث الآخر على كلا تقديريه بحيث أريد إبقاؤه إلى الآن الثالث.

وأما إذا لوحظ العدم بالإضافة إلى زمان الآخر مع قطع النّظر عن كونه في هذا الآن أو ذاك ، بل لوحظ بحياله ـ كما هو ظاهر الكفاية ـ فمن الواضح أنّه زمان واحد مردّد بين آنين أحدهما متصل بزمان المتيقّن والآخر منفصل ، فيتأتى إشكال عدم إحراز اتّصال زمان الشك بزمان اليقين.

والّذي يتحصّل : أنّه إن كان العدم ملحوظا بالنسبة إلى زمان الآخر بما هو أحد الزمانين الثاني أو الثالث بحيث أريد جرّه إليه أينما كان ، كان الإشكال فيه ما ذكرناه من احتمال مصادفته لمورد العلم بالخلاف ـ وهو الّذي تقدّم بيانه ـ وإن لوحظ بالنسبة إلى زمان الآخر الإجمالي مع قطع النّظر عن الزمانين الثاني والثالث ، جاء إشكال عدم إحراز تحقّق اتّصال زمان الشك بزمان اليقين الّذي هو ظاهر الكتاب. فالإشكال وارد على أيّ تقدير.

هذا غاية ما يقرّب به كلام صاحب الكفاية ، فتأمّل فيه وفي أطرافه فإنّه لا يخلو عن دقة.

٢٥٨

المحذور الثاني (١) : ان الأثر انما يترتب على عدم الحادث في زمان وجود

__________________

(١) لا يخفى أنّ هذا الوجه مع الوجه الأول الّذي ذكره صاحب الكفاية بالبيان الّذي ذكرناه ليسا في عرض واحد ولا يردان على تقدير واحد ، بل كل منهما وارد على تقدير.

وتوضيح ذلك : أنّ الموضوع للأثر المردّد بين أمرين تارة يكون له واقع خارجي مشخّص بأحد المشخّصات لكنه مردّد بين عنوانين يحتمل انطباق كل منهما عليه ، كما لو رأيت شيخا يتكلّم لكنّه كان مردّدا بين كونه ابن زيد أو ابن عمرو. وأخرى لا يكون له واقع مشخّص بل يكون واقعه مردّدا بين وجودين ، كما لو تردّد الجائي بين كونه زيدا أو عمرو.

ففي الأول يكون موضوع الأثر وجودا معيّنا لكنّه مردّد بين عنوانين. وهو المرئي أو المسموع صوته ، فإنّ هذا العنوان يشير إلى واقع مشخّص.

وفي الثاني يكون موضوع الأثر مردّدا بين وجودين ، كعنوان الجائي فإنّه لا يشير إلى واقع معيّن مشخّص بل يشير إلى واقع مردّد بين وجودين أحدهما زيد والآخر عمرو.

والفرق بين الصورتين : أنّه في الصورة الأولى يمكن جعل هذا المردّد موضوع الأثر على كل تقدير وإن كان على أحد تقديريه لا يثبت له الحكم واقعا ، فيمكن الحكم في المثال المتقدّم بإكرام هذا المتكلّم سواء كان ابن زيد أو ابن عمرو. وإن كان حكم ابن زيد هو عدم وجوب الإكرام ، لتحقّق الشك في وجوب إكرام هذا الموجود فيتعبّد بوجوب إكرامه ، ولا يتنافى الحكم الظاهري مع الحكم الواقعي المخالف له. وأما في الصورة الثانية ، فلا يمكن التعبّد بترتّب الأثر على كل تقدير إذا فرض أنّه غير ثابت له واقعا على أحد تقديريه.

وذلك لأنّ المفروض أنّ العنوان يشير إلى وجود مردّد ، والوجود هو موضوع الأثر لا العنوان ، والمفروض أنّ الوجود على أحد تقديريه لا يشك في ثبوت الحكم له ، فلا يمكن التعبّد الظاهري بوجوب إكرام الداخل سواء كان زيدا أو عمرا ، لأنّه ـ مثلا ـ لو كان زيدا يعلم بعدم وجوب إكرامه فلا شك في الحكم بالنسبة إليه ، فكيف يتعبّد بوجوب إكرام الداخل ـ وهو عنوان مشير إلى أحد الوجودين ـ على كل تقدير بعد أن كان فردا مردّدا؟ والتعبّد فرع الشك.

إذا اتّضح ذلك ، فنقول : إنّ موضوع الأثر فيما نحن فيه هو عدم التقسيم في زمان الإسلام ـ مثلا ـ ، وزمان الإسلام على الفرض مردّد مجهول الانطباق على أيّ الآنين ـ الثاني أم الثالث ـ.

وعليه : فإن لوحظ زمان الإسلام مما له واقع مشخّص غاية الأمر أنّه يتردّد عنوانه ، نظير الشيخ المرئي المردّد بين كونه ابن زيد أو ابن عمرو. فالتعبّد بعدم القسمة في زمانه على كل تقدير لا محذور فيه كما عرفت ، لكن يجيء إشكال صاحب الكفاية من تردّد هذا الزمان بين زمانين أحدهما منفصل والآخر متّصل فلا يجوز اتّصال زمان الشك بزمان اليقين.

وإن لوحظ زمان الإسلام عنوانا مشيرا إلى وجود مردّد بين فردين وهما الآن الثاني والآن الثالث. ـ

٢٥٩

الحادث الآخر ، فموضوع الأثر مركب من عدم الحادث وجود الحادث الآخر.

والتعبد بأحد الجزءين لا يصح إلا في ظرف إحراز الجزء الآخر ، لا بمعنى ان التعبد لا بد وان يكون في ظرف إحراز الآخر ، بل بمعنى ان المتعبد به هو الجزء في ظرف يحرز فيه الآخر. وبعبارة أخرى : ان ظرف المتعبد به لا بد ان يكون زمان إحراز الآخر ، وان كان التعبد قبل الإحراز فالأثر انما يترتب فيما إذا أحرز عدم الحادث في ظرف يحرز فيه الحادث الآخر.

ولما لم يكن الشك في بقاء عدم الحادث بهذه الإضافة ـ أعني : إلى زمان الآخر على كل تقدير وبقول مطلق ـ لأنه على تقدير انطباق زمان الحادث الآخر على الآن الثالث لا يشك في بقاء العدم على هذا التقدير للعلم بانتفائه

__________________

كما هو الظاهر حيث أنّه لا واقع له سوى أحد هذين الآنين وهو بالنسبة إليهما من قبيل العنوان المشير وليسا هما بالنسبة إليه من قبيل العنوان إلى المعنون ـ جاء ما ذكرناه من الإيراد ـ في المتن ـ وهو أنّ العدم لا يشك فيه على كل تقدير من تقديري زمان الإسلام ، لأنّه على تقدير كونه الآن الثالث فهو منتقض ومتبدّل إلى الوجود قطعا.

نعم هو مشكوك في الآن الثاني الّذي يحتمل بكون زمان الإسلام أيضا. فالشك فيه على أحد تقديري زمان الإسلام لا على كلا تقديريه ، فلا يمكن التعبّد به على كلا التقديرين ، والمتعبّد على أحد التقديرين لا أثر له شرعا لعدم إحراز الجزء الآخر ، وهو الإسلام معه وفي ظرفه. فظهر أنّ هذين الإيرادين لا يردان على تقدير واحد.

والّذي يتلخّص في مقام نفي الاستصحاب في مجهول التاريخ في نفسه : أنّه إن كان زمان الحادث الآخر ذا وجود مشخّص غاية الأمر أنّه مردّد بين عنوانين ، لم يجر الاستصحاب لعدم إحراز اتّصال زمان الشك بزمان اليقين. وإن كان مردّدا بين وجودين ، لم يجر الاستصحاب لعدم الشك على كل تقدير.

وعلى هذا التقدير يتفرّع الإيراد الثالث الّذي ذكرناه مفصّلا في المتن. وخلاصة المحذور فيه : أنّ عنوان زمان الحادث الآخر لا يصدق إلاّ مع العلم بتحقّقه لأنّ معنى زمان الحادث هو زمان تحقّق الحادث ، ولا يمكن الحكم على زمان بأنّه زمان تحقّق الحادث إلاّ إذا كان معلوم التحقّق فيه ، والآن الثاني لا يعلم أنّه قد تحقّق فيه الإسلام ، فإجراء أصالة عدم القسمة فيه لا يتحقّق به التعبّد بالعدم في زمان الإسلام بل في زمان احتمال الإسلام ، وهو غير موضوع الأثر ، فلا مجال لإحراز أنّه زمان الإسلام إلاّ بنحو يستلزم الدور وكون الأصل مثبتا فتأمّل في ذلك تعرف.

٢٦٠