منتقى الأصول - ج ٦

السيد عبد الصاحب الحكيم

منتقى الأصول - ج ٦

المؤلف:

السيد عبد الصاحب الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٠

الطهارة حالها باستصحابها لا الطهارة المحرزة بالاستصحاب ، مع ان قضية التعليل ان تكون العلة له هي نفسها لا إحرازها ، ضرورة ان نتيجة قوله : لأنك كنت على يقين ... إلخ انه على الطهارة لا انه مستصحبها » (١).

وهذا الإيراد لا نعرف له محصلا ، وذلك لأنه انما يتم إذا كان قوله عليه‌السلام : « لأنك كنت .. » في مقام التعبد بالطهارة فعلا ، فان مرجع التعبد إلى جعل الطهارة ، فيكون ظاهر التعليل ثبوت الطهارة لا استصحابها ، إذ الاستصحاب ملحوظ بنحو المعنى الحرفي.

ولكن الأمر ليس كذلك ، بل الجملة المزبورة في مقام الاخبار عن ثبوت الاستصحاب ، إذ الفرض كون الاستصحاب بلحاظ حال العمل لا الحال الفعلي.

ومن الواضح ان ظاهر التعليل بثبوت الاستصحاب سابقا ملاحظته مستقلا فيكون هو العلة لا المستصحب.

والّذي يبدو من صاحب الكفاية قبوله لدعوى ظهور الرواية في كون التعليل بنفس الطهارة وان أجاب عن الإيراد بنحو آخر.

وجملة القول : ان ما أفاده صاحب الكفاية في مقام تحقيق هذه الرواية لا يخلو عن ضعف في كثير من مواقعة كما نبّهنا عليه ، والله سبحانه العاصم.

الوجه الثالث : ما التزم به المحقق النائيني من ان المأخوذ في الصلاة هو مانعية العلم بالنجاسة.

وعليه ، فيتحقق الربط بين عدم وجوب الإعادة والاستصحاب حال العمل ، لنفي النجاسة تعبدا بواسطة استصحاب الطهارة ، فتكون الصلاة واجدة للشرط الواقعي (٢).

__________________

(١) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٣٩٤ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

(٢) الكاظمي الشيخ محمد علي. فوائد الأصول ٤ ـ ٣٤٨ ـ طبعة مؤسسة نشر الإسلامي.

١٠١

وهذا الوجه لو تم في نفسه ، فهو لا يدفع إشكال الاستهجان العرفي ، لأنه ليس من الأمور الواضحة عرفا التي تصحح التعليل عرفا ، بل هو من الأمور الخفية التي لا تخلو عن دقة ، ويكون الوصول إليها بعد فحص وبحث. فلاحظ.

ثم انه قد يثار حول التزام المحقق النائيني سؤال ، وهو : انه إذا فرض ان المانع هو العلم بالنجاسة ، فمع الشك يحرز عدم المانع ، لعدم العلم مع الشك ، فأي حاجة حينئذ للاستصحاب أو غيره في إحراز الطهارة؟.

وقد دار ـ في القديم ـ حول هذا السؤال كلام مع بعض تلامذة المحقق النائيني فلم نجد عندهم ما يرفع الشبهة.

والّذي ينبغي ان يقال في جوابه : ان المحقق النائيني بملاحظة بعض الأدلة الخاصة والجمع بينها وبين أدلة شرطية الطهارة أو مانعية النجاسة ـ الظاهرة بدوا في النجاسة الواقعية ـ التزم بان المانع هو العلم بالنجاسة ، لكن ليس المأخوذ هو العلم بما هو صفة قائمة في النّفس ، ولا بما هو طريق إلى الواقع ، بل بما هو منجز للواقع ومعذر عنه ، وقد ذكر ان هذا القسم من أخذ العلم موضوعا فاتنا التنبيه عليه في مبحث القطع. وهو بهذه الملاحظة مما يصلح ان تقوم مقامه جميع الطرق والأصول المحرزة وغير المحرزة ، لأنها جميعها تتكفل جهة التنجيز والتعذير. فأصالة الاحتياط في مواردها تقوم مقام العلم بهذه الملاحظة وان لم تكن أصلا محرزا.

وبالجملة : ان المانع في الصلاة هو النجاسة المعلومة بما هو منجز بتعبير ، والنجاسة المنجزة بتعبير آخر.

وعليه نقول : ان النجاسة المشكوكة غير المعلومة لا يمكن ان تنفي مانعيتها الا بواسطة قيام دليل أو أصل معذر ولو عقلا بحيث ينفي التنجيز.

١٠٢

وذلك لأنه بدون قيام المؤمّن يكون مجرد الاحتمال منجزا للواقع ، فيقوم مقام العلم في كونه مانعا. وانما ينفي تنجزه بواسطة الأصول العقلية أو الشرعية المؤمنة.

ومن الواضح انه مع وجود استصحاب الطهارة لا مجال لأصالة الطهارة أو قاعدة قبح العقاب بلا بيان بلحاظ أثر النجاسة التكليفي.

وعليه ، فمجرد عدم العلم بالنجاسة لا يكفي في إحراز عدم المانع ، بل لا بد من إجراء الأصول المؤمنة ، ولا مجال في مورد الرواية لغير الاستصحاب لحكومته على غيره ، فلأجل ذلك علل عدم وجوب الإعادة بجريان الاستصحاب. فالتفت.

ثم انه في هذا المقام التزم بما عرفت ، لكنه في البحث الّذي يتعقبه استقرب خلافه (١). وان صحة الصلاة مع إحراز الطهارة من باب [ القناعة عن الواقع بما وقع امتثالا له وليس في شيء منها ما يكون مأمورا به في عرض الواقع ] وهذا لا يخلو عن منافاة لما ذكره هاهنا ، إذ مقتضى ما ذكره هنا كون العمل متعلقا للأمر الواقعي ، لأنه واجد للشرط الواقعي وفاقد لمانعه. فالتفت.

والّذي تحصل من مجموع ما تقدم : ان الوجوه المذكورة لدفع الإشكال الّذي بيناه غير وافية.

وقد يقال : ان المورد من موارد التعليل بالصغرى وكون المحمول في العلة منطبقا على موضوع الحكم المعلل ، وقد عرفت ان مثل ذلك لا استهجان فيه ، بل يستفاد حكم الكبرى من نفس ورودها مورد التعليل. بيان ذلك : ان المستفاد من مجموع الحديث : انه لا تجب إعادة الصلاة ، لأن الصلاة ذات استصحاب الطهارة ، فيستفاد منها ان كل صلاة ذات استصحاب الطهارة لا تجب إعادتها. ولا يلزم في مثل ذلك سبق مناسبة بين العلة والمعلل ، بل عرفت انه يستفاد من

__________________

(١) الكاظمي الشيخ محمد علي. فوائد الأصول ٤ ـ ٣٥٥ ـ طبعة مؤسسة النشر الإسلامي.

١٠٣

التعليل ثبوت الحكم لمطلق موارد العلة. وبهذا البيان ينحل الإشكال المتقدم ولكن التحقيق : انه لا يمكن ان تكون الرواية ناظرة إلى بيان جريان الاستصحاب حال العمل ـ الّذي يبتني عليه جميع ما تقدم من الكلام ـ. وذلك لما تقرر في محله ان الحكم الظاهري بما انه حكم لوحظ فيه الطريقية إلى الواقع والتنجيز أو التعذير عنه ورفع حيرة المكلف في مقام أداء وظيفته الشرعية ـ ولذا لا يكون كل حكم موضوعه الشك حكما ظاهريا ، بل يكون بعض افراده حكما واقعيا كأحكام شكوك الصلاة ـ ، فهو يتقوم بالوصول وليس له ثبوت واقعي مع قطع النّظر عن العلم والجهل ، إذ لا معنى للتنجيز والتعذير إذا لم يصل الحكم المنجز إلى المكلف.

وعليه ، فمع تمامية العمل وانتهاء ظرف التنجيز والتعذير بلحاظ العمل نفسه ـ والمفروض عدم علم السائل بالاستصحاب في آن سابق وانما دخل في الصلاة بأصالة الطهارة مثلا ، إذ الفرض ان الاستصحاب استفيد من نفس هذا الحديث ـ ، لا معنى لبيان ثبوت الاستصحاب في حال العمل ، إذ لا أثر لجعله في ذلك الحال مع عدم علم المكلف به ويكون لغوا.

وعلى هذا الأساس يكون محصل الإيراد على التعليل بالاستصحاب : انه ان لوحظ جريان الاستصحاب بعد العمل ، فلا يصح ان يكون تعليلا لعدم وجوب الإعادة ، لأنها ليست نقضا لليقين بالشك بل باليقين وان لوحظ جريان الاستصحاب حال العمل ، فهو ممتنع لكونه لغوا بعد عدم التفات المكلف إليه في ظرفه. فلا يمكن ان تتكفل الرواية بيان الاستصحاب على كلا التقديرين ، ومثل ذلك يمنع من الاستدلال بالرواية على الاستصحاب.

وهذا ليس من قبيل الجهل بمناسبة تعليل الحكم بالاستصحاب كي يقال انه لا يضر بالاستدلال ، لأن ذلك فرع إمكان إجراء الاستصحاب بلحاظ حال العمل في نفسه وليس الأمر كذلك على ما بيناه ، إذ عرفت ان الاستصحاب

١٠٤

بلحاظ حال العمل ممتنع ولعل هذا هو السر في إغفال الشيخ رحمه‌الله للاستصحاب بلحاظ حال العمل ، وقصر نظره على الاستصحاب بلحاظ حال ما بعد العمل.

وعلى أي حال ، فلا يمكن التخلص عن هذا الإشكال إلاّ بالالتزام بان المراد من قوله « فرأيت فيه » هو الاحتمال الثاني أعني أنه رأى نجاسة لا يعلم انها هي المظنونة أو حادثة ، لا أنه رأى تلك النجاسة المظنونة بحيث يتبدل شكه السابق إلى يقين وعليه فيكون المراد هو إجراء الاستصحاب فعلا بلحاظ الشك الفعلي في النجاسة حال الصلاة ، ويكون عدم وجوب الإعادة لكون الإعادة نقضا لليقين بالشك ولا يلزم أي محذور في ذلك.

وهذا الاحتمال وان كان خلاف الظاهر ، لكن لا بد من الالتزام به بعد ان كان الالتزام بالظاهر يستلزم ورود المحذور المتقدم.

هذا مع انه ليس مخالفا للظاهر ، بل لعله هو الظاهر لما قيل من ظهور قوله : « فرأيت فيه » من دون ضمير في كون المرئي نجاسة ما لا يعلم أنها سابقة أو لا حقة ، فتكون كالفرض الأخير في الرواية لقوله عليه‌السلام : « لعله شيء أوقع عليك » ، إذ لو كان مراده انه رأي تلك النجاسة المظنونة لقال : « فرأيته فيه » كما قال في السؤال السابق : « وجدته » ، فنفس اختلاف التعبير في السؤالين يكشف عن اختلاف المضمون.

هذا ولكنه على هذا التوجيه لا يخلو عن إشكال ، وذلك لأنه إذا فرض ان النجاسة المرئية لا يعلم انها كانت حال الصلاة أو لا؟ فمعنى ذلك انه يشك في طهارة ثوبه حال الصلاة ، ومقتضى أصالة الطهارة مع قطع النّظر عن الاستصحاب هو وقوع الصلاة مع الطهارة. ومن الواضح جدا انه لم يكن يتوهم أحد ويحتمل عدم اجزاء صلاته مع الطهارة الظاهرية قبل انكشاف الخلاف ، كيف؟ وهو خلاف السيرة القطعية ، إذ كثيرا ما تؤدى الصلاة مع إحراز الطهارة

١٠٥

بالتعبد الشرعي من دون إحراز لها واقعا.

وعليه ، فلا مجال للسؤال عن سبب حكمه عليه‌السلام بعدم الإعادة بـ : « لم ذلك » المشوب بالتعجب والاستغراب ، إذ هو أمر لا يتردد فيه أحد ، فلا محالة لا مصحح لسؤاله إلاّ ان تكون النجاسة المرئية هي النجاسة المظنونة حال العمل ، فيكون من موارد انكشاف الخلاف فلاحظ.

ويمكن ان يدفع هذا الإشكال بان السؤال لم يظهر انه عن سبب عدم الإعادة من ناحية الشك في النجاسة كي يتأتى ما ذكر ، بل يمكن ان يكون السؤال عن تعيين ما يكون طريقا لإحراز الطهارة بعد الفراغ عن الاكتفاء بالعمل المأتي به بملاحظة أصالة الطهارة ـ مثلا ـ ، وانه هل هو أصالة الطهارة التي هي في ذهنه أو غيرها. وهذا السؤال ليس بعيدا عن مثل زرارة الّذي يحاول ان يتفهم القواعد الشرعية بحدودها. فأجابه عليه‌السلام : ان السبب هو الاستصحاب ، وليس الجواب عنه من الواضحات لدى زرارة سابقا ، بل القواعد الشرعية تتضح لمثل زرارة بمثل هذه الأسئلة ، وأجوبتها.

وبالجملة : ليس السؤال عن أصل الحكم بالإعادة بحيث كان يجيء في ذهن زرارة احتمال لزوم الإعادة احتمالا معتدا به ، بل السؤال عما هو السبب في الحكم بالإعادة بعد مركوزية هذا الحكم في ذهنه ، وليس في ذهنه احتمال انه ينبغي ان يعيد الصلاة ، فهو يسأل عن ان السبب هل هو إحراز الطهارة بأصالتها أو بغيرها؟ فالتفت ولا تغفل.

وبهذا البيان يتضح ان هذه الفقرة مما يمكن ان يتمسك بها لا ثبات الاستصحاب.

ثم انه لا مجال لدعوى تكفل هذه الفقرة لقاعدة اليقين بتقريب : ان المراد باليقين هو اليقين بالطهارة بعد الفحص والنّظر بعد ظن الإصابة ، لا اليقين قبل ظن الإصابة. فيكون الشك الحادث بعد الصلاة عند رؤية النجاسة من

١٠٦

الشك الساري ، لا من الشك في البقاء.

فان هذه الدعوى فاسدة لعدم ظهور في الكلام في انه قد حصل له اليقين بالطهارة بعد الفحص ، وليس له في اللفظ عين ولا أثر ، كما انه لا ملازمة عادية بين الفحص وعدم الوجدان وبين اليقين بالعدم كما لا يخفى ، كيف! وقد فرض في سؤاله السابق عدم وجدان النجاسة بعد الفحص مع علمه الإجمالي بوجود النجاسة ولم يتبدل علمه إلى يقين بالعدم جزما ، وإلاّ لم تجب عليه الإعادة قطعا ، مع أنه عليه‌السلام حكم عليه بالإعادة. مما يكشف عن بقاء علمه ، ولكنه صلّى اما غفلة ونسيانا أو بتخيل الاكتفاء بالفحص أو غير ذلك.

هذا كله مع ان قوله عليه‌السلام : « فليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك » ظاهر في اليقين الفعلي ولا يقين بالفعل في مورد قاعدة اليقين كما لا يخفى. هذا كله في الفقرة الأولى.

واما الفقرة الثانية : فدلالتها على الاستصحاب لا تكاد تنكر ، فانها ظاهرة في مقام بيان حكم عام يكون المورد من مصاديقه ، كسائر موارد ذكر المطلق بعد السؤال عن حكم بعض افراده أو بيان بعضها ، ولا مجال لدعوى كون المراد خصوص اليقين بالطهارة ، فان المورد لا يخصص الوارد.

ومن هنا ظهر ما في تشكيك الشيخ في دلالتها على العموم والجنس ، فلاحظ (١).

وليس في هذه الفقرة شيء من الشبهات التي أثيرت في سابقتها ، فلو توقفنا في الفقرة الأولى كان لنا في هذه الفقرة غنى وكفاية والله سبحانه العالم.

ومنها : رواية ثالثة لزرارة عن أحدهما عليهما‌السلام قال : « قلت له : من لم يدر في أربع هو أم في ثنتين وقد أحرز الثنتين؟. قال : يركع بركعتين وأربع

__________________

(١) الأنصاري المحقّق الشيخ مرتضى. فرائد الأصول ـ ٣٣١ ـ الطبعة الأولى.

١٠٧

سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب ويتشهد ولا شيء عليه. وإذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث قام فأضاف إليها أخرى ولا شيء عليه. ولا ينقض اليقين بالشك ، ولا يدخل الشك في اليقين ، ولا يخلط أحدهما بالآخر ، ولكنه ينقض الشك باليقين ويتم على اليقين فيبني عليه ، ولا يعتد بالشك في حال من الحالات » (١).

ومحل الاستشهاد فيها قوله عليه‌السلام : « ولا ينقض اليقين بالشك » ، فانه قد يدعى ظهوره في إرادة الاستصحاب كما هو الحال في الروايتين المتقدمتين ، ويكون تطبيقه على المورد بلحاظ اليقين بعدم الركعة الرابعة حدوثا والشك في الإتيان بها بقاء.

ولكن تأمل الشيخ رحمه‌الله في دلالتها. وتوضيح ما أفاده قدس‌سره : ان الرواية تكفلت بيان حكم المورد أولا بقوله : « قام فأضاف إليها أخرى » ، ثم أعقبته ببيان كبرى كلية وهي : « ولا ينقض اليقين بالشك ».

وعليه : فان كان المراد بقوله عليه‌السلام : « قام فأضاف إليها أخرى » لزوم الإتيان بركعة متصلة بلا تخلل التشهد والتسليم ، كان ذلك مخالفا لمذهب الخاصة ومنافيا لصدر الرواية الظاهر في إرادة ركعتين منفصلتين بملاحظة الإلزام بفاتحة الكتاب.

وعليه ، فيتعين ان يراد بقوله المزبور إضافة ركعة منفصلة على الكيفية المقررة في صلاة الاحتياط بحسب مذهب الخاصة ، فيكون حكما موافقا للمذهب ، وعلى هذا لا يمكن ان تطبق عليها الكبرى الكلية إذا كان المراد بها الاستصحاب ، إذ الاستصحاب لا يتفق مع إتيان الركعة منفصلة بل مقتضاه إتيان الركعة متصلة.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٣٤١ ، حديث : ٣.

١٠٨

وبعبارة أخرى : الحكم بإتيان الركعة منفصلة لا يمكن ان يكون من باب الاستصحاب ، فلا معنى لأن يراد من قوله : « ولا ينقض اليقين بالشك » كبرى الاستصحاب ، بل لا بد ان يراد به لزوم تحصيل اليقين بالبراءة بالكيفية المعهودة ، كما تدل عليه بعض النصوص الأخرى. هذا ملخص ما أفاده الشيخ رحمه‌الله (١). وسيتضح بأزيد من ذلك فيما بعد.

وقد تصدى الأعلام رحمهم‌الله إلى دفع هذا الإيراد وتصحيح تطبيق الاستصحاب هاهنا وعمدة ما قيل في هذا المقام وجوه أربعة :

الوجه الأول : ما أفاده صاحب الكفاية رحمه‌الله من : ان لزوم الإتيان بركعة منفصلة لا يتنافى مع تطبيق الاستصحاب في المقام ، وانما يتنافى مع إطلاق دليله ، فان لزوم الوصل انما هو مقتضى إطلاق النقض ، فلا مانع من الالتزام بجريان الاستصحاب وتقييد إطلاق دليله بما دل على لزوم فصل الركعة ، وتقييد الأدلة ليس بعزيز (٢).

الوجه الثاني : ما أشار إليه الشيخ (٣) ، وقربه المحقق النائيني (٤) ، والعراقي رحمهم‌الله (٥). من : انه يمكن البناء على كون المقصود بقوله عليه‌السلام : « ولا ينقض اليقين بالشك » كبرى الاستصحاب ويكون تطبيقها على المورد من باب التقية ، فانه لا ينافي أصالة الجد في أصل الكبرى ، فالتقية في التطبيق لا أكثر ، وقد وقع نظيره في الأدلة ، كما في الرواية الواردة في سؤال الخليفة العباسي الإمام عليه‌السلام عن العيد ، فأجابه عليه‌السلام بقوله : « ذلك إلى امام

__________________

(١) الأنصاري المحقّق الشيخ مرتضى. فرائد الأصول ـ ٣٣١ ـ ٣٣٢ ـ الطبعة الأولى.

(٢) الخراسانيّ المحقّق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٣٩٦ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

(٣) الأنصاري المحقّق الشيخ مرتضى. فرائد الأصول ـ ٣٣٢ ـ الطبعة الأولى.

(٤) الكاظمي الشيخ محمد علي. فوائد الأصول ٤ ـ ٣٦١ ـ طبعة مؤسسة النشر الإسلامي.

(٥) البروجردي الشيخ محمد تقي. نهاية الأفكار ٤ ـ ٥٧ ـ القسم الأول طبعة مؤسسة النشر الإسلامي.

١٠٩

المسلمين إن صام صمنا وان أفطر أفطرنا » (١) ثم أفطر عليه‌السلام وعلله بالخوف من القتل. فان قوله عليه‌السلام : « ذاك إلى امام المسلمين » يستفاد منه حكم كلي واقعي وهو إناطة الحكم بالهلال بإمام المسلمين ، إلا انه عليه‌السلام طبقه تقية على الخليفة العباسي. ومثله لا يمنع من استفادة الحكم الكلي الواقعي من الكبرى.

ولا يخفى عليك ان هذين الوجهين بعيدان كل البعد عن محط نظر الشيخ رحمه‌الله في الإيراد بالنحو الّذي أوضحناه.

وذلك ، فان موضوع الإيراد ليس هو تطبيق كبرى الاستصحاب على مورد الشك في الركعات ، بحيث يحاول ان يستفاد منه حكم الشك في الركعات ، فيورد ان مقتضاه يتنافى مع المذهب ، فلا يكون الحكم واقعيا. كي يدفع الإيراد تارة بتقييد إطلاق النقض ، وأخرى بان التقية في التطبيق ، ولا وجه لحمل الكبرى على التقية بعد إمكان إجراء أصالة الجد فيها.

بل الملحوظ هو قوله عليه‌السلام : « قام فأضاف إليها أخرى » ، فانه هو الّذي بيّن الإمام عليه‌السلام به حكم المورد ، لا بقوله : « ولا ينقض اليقين بالشك » ، وبما انه لا يمكن حمله على ما يخالف المذهب من إرادة الركعة المتصلة فلا بد ان يحمل على إرادة الركعة المنفصلة ومن الواضح ان ذلك لا يمكن ان يكون صغرى من صغريات الاستصحاب ، فلا يمكن حمل قوله : « ولا ينقض » على إرادة الاستصحاب ، بل لا بد من حمله على إرادة معنى آخر.

وإذا كان هذا هو محط نظر الشيخ في الإيراد ، فأي مجال حينئذ لدعوى تقييد إطلاق النقض ، أو ان التقية في التطبيق لا في بيان أصل الكبرى؟!

__________________

[١] وسائل الشيعة ٧ ـ ٩٥ ، حديث ٥. ولفظ الحديث هكذا دخلت على أبي العباس بالحيرة فقال يا أبا عبد الله ما تقول في الصيام اليوم فقال ذاك إلى الإمام ان صمت صمنا وان أفطرت أفطرنا.

١١٠

ومن هنا يظهر الفرق بين ما نحن فيه وبين رواية الإفطار ، إذ من المعلوم صدور العمل منه عليه‌السلام ـ وهو الإفطار ـ تقية ، ولا يمكن حمله على انه موافق للواقع لتصريح عليه‌السلام بخوفه من القتل ، فيكون التطبيق تقية ، ولا موجب للتصرف في الكبرى بعد إمكان إبقائها على ظهورها في مقام بيان الحكم الواقعي. وليس كذلك فيما نحن فيه ، إذ من الممكن حمل قوله عليه‌السلام : « قام فأضاف ... » على الركعة المنفصلة ، فلا تقية في البين.

وبالجملة : محط نظر الشيخ رحمه‌الله في إيراده جملة : « قام فأضاف .. » وتشخيص المراد منها وتعيينه بنحو لا يقبل تطبيق الاستصحاب عليه. وليس محط نظره عدم تطبيق الاستصحاب على المورد بنحو يستفاد منه حكم المورد ، كي يتأتى الوجهان المتقدمان. فتدبر جيدا.

الوجه الثالث : ما أفاده المحقق العراقي ( رحمة الله ) من : ان مقتضى الاستصحاب ليس إلاّ لزوم الإتيان بركعة أخرى ، اما كونها موصولة أو غير موصولة فهو أجنبي عن مفاد الاستصحاب حتى من جهة إطلاقه ، بل المتبع في ذلك الدليل الدليل على الحكم الواقعي ، وهو بدوا يقتضي الوصل ، لكن قام الإجماع والنصوص في خصوص المورد على لزوم الفصل بالتشهد والتسليم ، ومرجعه في الحقيقة إلى تقييد دليل الحكم الواقعي المجعول لا إلى تقييد إطلاق دليل الاستصحاب.

وعليه ، فليس في تطبيق الاستصحاب على المورد محذور الحمل على التقية ، لأنه لا يقتضي سوى صرف الإتيان بالركعة بلا خصوصية الوصل أو الفصل.

نعم ، مقتضى الدليل الأولي هو لزوم الوصل ومانعية الفصل بالتشهد والتسليم ، لكن الدليل الخاصّ في خصوص مورد الشك في الركعات مقيد الدليل الأولي ورافع لمانعية الفصل المزبور.

١١١

ثم أورد على نفسه : بان اليقين السابق كان متعلقا بعدم إتيان الركعة الرابعة لنحو الاتصال ، ومقتضى ذلك تعلق الشك بما تعلق به اليقين ، ولازم تطبيق عدم نقض اليقين بالشك هو الإتيان بالركعة متصلة بنحو تعلق اليقين والشك بها ، فإتيان الركعة مفصولة يرجع إلى تقييد دليل الاستصحاب.

وأجاب عنه : بان هذا صحيح لو فرض بقاء كبرى لزوم الاتصال المنتزع عن مانعية التسليم والتكبير على حالها في حال الشك ، واما مع قيام الدليل على عدم المانعية في هذا الحال ، فلا يلزم ما ذكر ، لأن تطبيق كبرى الاستصحاب لا يقتضي إلاّ الإتيان بذات الركعة العارية عن خصوصية الاتصال أو الانفصال. هذا ما أفاده العراقي رحمه‌الله (١).

ويمكن ان يجعل ما أفاده ناظرا إلى ما أفاده المحقق الأصفهاني هاهنا. فقد أفاد قدس‌سره : في مقام بيان عدم إمكان تطبيق الاستصحاب هاهنا بلحاظ الركعة المفصولة : ان صلاة الاحتياط اما ان تكون صلاة مستقلة لها امر مستقل ، تكون جابرة لنقص الصلاة على تقديره من حيث المصلحة ، وعلى تقدير التمام تكون نافلة. واما ان تكون جزء من الصلاة المشكوكة العدد.

فعلى الأول : لا مجال لاستصحاب عدم الإتيان بالرابعة ، لأن مرجعه إلى التعبد بالأمر بها بعين الأمر بالصلاة. والمفروض ان الأمر بصلاة الاحتياط امر مستقل ، وليس هو بقاء للأمر الأول لا واقعا ولا ظاهرا.

وعلى الثاني : لا مجال للاستصحاب أيضا ، إذ كونها جزء يرجع إلى كون الصلاة المأمور بها ذات تسليمتين وتكبيرتين. ومن الواضح انه يعلم بعدم كون الصلاة الواقعية كذلك ، فلا يمكن التعبد الظاهري بها بواسطة الاستصحاب. فليس الإشكال من حيث مانعية زيادة التسليمة والتكبيرة حتى يقال بتقييد

__________________

(١) البروجردي الشيخ محمد تقي. نهاية الأفكار ٤ ـ ٥٩ ـ القسم الأول طبعة مؤسسة النشر الإسلامي.

١١٢

إطلاق أدلة المانعية وبقاء الأمر بذوات الاجزاء على حالها ، بل الإشكال من حيث وجوب هذه الزيادات بنحو الجزئية التي لا مجال لدخولها في الواجب الا بتبدل الأمر بما عداها إلى الأمر بما يشتمل عليها.

وبعبارة أخرى : ان الأمر المتيقن في السابق غير الثابت فعلا ، فلا يكون هذا الأمر بقاء للسابق كي يصح إجراء الاستصحاب بلحاظه.

هذا خلاصة ما أفاده في مقام بيان عدم إمكان عمل « ولا ينقض ... » على الاستصحاب (١).

والّذي ينظر إليه قدس‌سره هو : ان مقتضى جزئية صلاة الاحتياط تبدل الأمر الصلاتي السابق إلى أمر بمركب آخر يشتمل على تسليم وتشهد زائدين. وهذا مما لا يحتمل ان يثبت في الواقع كي يتعبد به في مرحلة الظاهر.

والسر فيه هو : ان مثل هذا الحكم على تقديره ثابت لموضوع خاص ، وهو خصوص من كانت صلاته في الواقع ناقصة ، إذ صلاة الاحتياط على تقدير التمام تكون لغوا. ومن الواضح ان العلم بهذا الموضوع مستلزم لارتفاع الحكم لزوال الشك ، ومع الجهل به لا يكون الحكم فعليا لأن فعليته بالعلم بموضوعه. اذن فلا يكون هذا الحكم فعليا في حال من الأحوال ، فهو نظير عنوان الناسي الّذي لا يمكن ان يؤخذ موضوعا للحكم الشرعي ، لأن العلم به ملازم لزواله فالمحذور في ثبوت مثل هذا الحكم واقعا هو المحذور في ثبوت الحكم لعنوان الناسي. ولكن هذا المحذور يتأتى فيما إذا فرض جزئية التشهد والتسليم. اما لو فرض ان مقتضى دليل صلاة الاحتياط هو عدم مانعية التشهد والتسليم. الزائد ، فلا محذور ، وذلك لإمكان تقيد المانعية واقعا في مرحلة البقاء بغير صورة الشك في عدد الركعات ، فلا يكون التشهد والسلام الزائدان مانعين واقعا على تقدير نقصان

__________________

(١) الأصفهاني المحقّق الشيخ محمد حسين. نهاية الدراية ٣ ـ ٣٩ ـ الطبعة الأولى.

١١٣

الصلاة.

وإلى هذه الجهة ينظر المحقق العراقي رحمه‌الله في كلامه السابق. فقد ركز كلامه على تقيد أدلة المانعية بغير صورة الشك. ومن هنا يظهر ارتباط كلامه بكلام المحقق الأصفهاني.

وعليه فيقع الكلام مع المحقق العراقي في ناحيتين :

الناحية الأولى : في ان مقتضى دليل صلاة الاحتياط هل هو رفع مانعية السلام في غير محله ، أو هو يتكفل إثبات جزئية هذا السلام؟. وهذه هي نقطة اختلاف المحقق العراقي مع المحقق الأصفهاني. ويمكن ان يرجح منظور المحقق العراقي بأنه لا دليل على ثبوت الأمر الشرعي بالسلام من باب الجزئية ، وذلك لأن المصلي عند الشك يتردد امره بين مانعية التسليم ـ لو كانت صلاته ناقصة ـ وجزئيته ـ لو كانت تامة ـ فإذا رفع الشارع مانعية التسليم لو كان زائدا ، كان مقتضى الاحتياط اللازم لزوم الإتيان بالسلام لحكم العقل به ، لأنه مقتضى قاعدة الاشتغال لاحتمال انه في الركعة الأخيرة ، فيؤتى به برجاء المطلوبية ، ومعه لا حاجة إلى الأمر الشرعي ، بل يكون الإتيان بصلاة الاحتياط بهذا النحو مما يحكم به العقل بعد رفع مانعية التسليم لو كان زائدا. لكن هذا ان تم فهو بالنسبة إلى التسليم دون التكبير الزائد ، فان الأمر به ظاهر في كونه لأجل الجزئية ، إذ لا يحكم به العقل وان لم يكن مانعا.

الناحية الثانية : في تمامية ما أفاده من صحّة تطبيق الاستصحاب على تقدير رفع الشارع مانعية السلام.

والّذي يبدو لنا انه غير تام وذلك : لأن مقتضى ما أفاده انه لا يمكن تطبيق الاستصحاب إلاّ بملاحظة تقييد دليل المانعية ، وإلاّ فمع المانعية كيف يصح تطبيق الاستصحاب على الركعة المنفصلة بالتسليم؟ ، إذ يكون مقتضاه ان تكون الركعة موصولة. وعليه فيعتبر ان يقوم ـ في مرحلة سابقة على

١١٤

الاستصحاب ، ـ دليل على عدم مانعية التسليم ، ثم يأتي تطبيق دليل الاستصحاب بعد ذلك. وليس الأمر كذلك ، لأن دليل عدم مانعية التسليم هو نفس دليل الإتيان بركعة منفصلة بعنوان عدم نقض اليقين بالشك ، وليس دليل رفع المانعية في مرحلة سابقة عليه ، بل بنفس هذا الدليل ، فيمتنع حمله على الاستصحاب.

والّذي يتلخّص ان الإشكال على المحقق العراقي من ناحيتين. فلاحظ.

الوجه الرابع : ما ذكره المحقق العراقي أيضا من : ان مجرى الاستصحاب في المقام ليس هو عدم الإتيان بالركعة الرابعة كي يتأتى الحديث السابق ، بل هو الاشتغال بالصلاة المتيقن سابقا المشكوك لا حقا ، فالمراد عدم نقض اليقين بالاشتغال ، بالشك فيه.

وعليه ، فيلزمه البناء على اشتغال ذمته بالصلاة ، ومقتضاه لزوم الامتثال يقينا ، وهو يكون ـ بمقتضى الأدلة الخاصة وهذا بالخصوص ـ بالإتيان بصلاة الاحتياط (١).

ويمكن الخدش فيه : بان المراد بالاشتغال المستصحب ان كان هو الاشتغال العقلي ، فهو مما لا مجال لاستصحابه لأنه حكم عقلي. وان كان المراد به وجوب الصلاة شرعا ، فمن الواضح ان وجوب الصلاة ليس إلاّ وجوب الأجزاء بالأسر ، لأن الصلاة هي عين الأجزاء بالأسر ، وليست هي امرا مسببا عن الاجزاء وخارجا عنها.

وعليه ، فمع الإتيان بسائر الركعات لا يشك في بقاء الأمر المتعلّق بها ، وانما الشك في بقاء وجوب الركعة المشكوكة خاصة ، فيرجع إلى استصحاب عدم الإتيان بالركعة الرابعة الّذي عرفت الكلام فيه.

والّذي يتخلص : انه لا يمكن ان يراد بقوله عليه‌السلام : « ولا ينقض

__________________

(١) البروجردي الشيخ محمد تقي. نهاية الأفكار ٤ ـ ٦٢ ـ القسم الأول طبعة مؤسسة النشر الإسلامي.

١١٥

اليقين بالشك » الاستصحاب ، فلا بد من حمله .. على أحد امرين.

الأول : ما ذكره الشيخ قدس‌سره من : إرادة النهي عن صرف النّظر عن تحصيل اليقين بالبراءة ولزوم تحصيله بالنحو المعروف من صلاة الاحتياط (١).

والمناقشة فيه : بان التعبير بعدم نقض اليقين في مقام الأمر بتحصيله خلاف الظاهر جدا.

مندفعة : بان المراد من النقض إذا كان عبارة عن رفع اليد ـ كما عبّر عنه الأعلام ـ ، فليس التعبير خلاف الظاهر ، إذ كثيرا ما يسند رفع اليد عن الأمر المستقبل الّذي كان بصدد تحصيله ، ولا يختص بالأمر المتلبس به حالا. فيقال : رفع اليد عن العمل الفلاني إذا كان مصمما على الإتيان به ولم يصدر منه. وهكذا الحال لو كان المراد من النقض هو رفع الهيئة الاتصالية ، بان يكون المسند إليه النقض هو البناء على تحصيل اليقين لا نفس اليقين. فلاحظ.

الأمر الثاني : حمله على ما ذكره المحقق الأصفهاني من : ان المراد باليقين هو اليقين بالثلاث المذكور في صدر الصحيحة. بتقريب : ان اليقين المحقق هو اليقين بالثلاث لا بشرط في قبال الثلاث بشرط لا ـ الّذي هو أحد طرفي الشك ـ والثلاث بشرط شيء ـ الّذي هو الطرف الآخر ـ ، والأخذ بكل من طرفي الشك فيه محذور النقض بلا جابر أو الزيادة بلا تدارك ، بخلاف رعاية اليقين بالثلاث لا بشرط ، فانها لا يمكن إلاّ بالوجه الّذي قرره الإمام عليه‌السلام من الإتمام على ما أحرز وإضافة ركعة منفصلة ، فانها جابرة من حيث الأثر على تقدير النقص وزيادة خارجة غير مضرة على تقدير التمامية. واما إضافة ركعة متصلة فانها من مقتضيات اليقين بشرط لا ، والمفروض انه لا بشرط ، كما ان الاقتصار على الثلاث المحرزة فقط من مقتضيات اليقين بالثلاث بشرط شيء ،

__________________

(١) الأنصاري المحقّق الشيخ مرتضى. فرائد الأصول ـ ٣٣٢ ـ الطبعة الأولى.

١١٦

فان المفروض ان الفريضة رباعية ، مع ان الإحراز متعلق بالثلاث لا بشرط ، فرعاية مثل هذا اليقين وعدم رفع اليد عنه لا تكون إلاّ بما قرره الإمام عليه‌السلام. هذا ما أفاده نقلناه بنصه (١).

ونحن لا يهمنا تحقيق صحة هذا الوجه أو غيره مما قيل في توجيه الرواية بعد ان كان ذلك أجنبيا عن الجهة الأصولية في هذه الرواية. فتدبر والله سبحانه العالم.

ومنها : رواية محمد بن مسلم المروية في الخصال عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام من كان على يقين فشك فليمض على يقينه ، فان الشك لا ينقض اليقين » (٢). وفي رواية أخرى عنه عليه‌السلام : « من كان على يقين فأصابه شك فليمض على يقينه فان اليقين لا يدفع بالشك » (٣).

والكلام في هذه الرواية من ناحيتين :

الأولى : ناحية الدلالة. والأخرى : ناحية السند.

اما الدلالة : فقد استشكل الشيخ ( رحمة الله ) فيها ـ بعد بيان امتناع اجتماع وصفي اليقين والشك في شيء واحد في آن واحد وان تعلق الشك واليقين بشيء واحد لا يصح إلاّ باختلاف زمان الوصفين مع وحدة زمان المتعلق. أو باختلاف زمان المتعلق مع وحدة زمانهما ـ : بان صريح الروايتين اختلاف زمان وصفي اليقين والشك وظاهرهما وحدة المتعلق ، فتنطبق على قاعدة اليقين ولا تفيد الاستصحاب فتكون أجنبية عما نحن فيه. ثم استشكل ( رحمة الله ) في ذلك بقوله : « اللهم إلاّ ان يقال بعد ظهور كون الزمان الماضي في الرواية ظرفا لليقين

__________________

(١) الأصفهاني المحقّق الشيخ محمد حسين نهاية الدراية ٣ ـ ٤١ ـ الطبعة الأولى.

(٢) الخصال ـ ٦١٩ ( حديث الأربعمائة ).

(٣) مستدرك وسائل الشيعة ١ ـ ٣١ باب ١ من أبواب نواقض الوضوء حديث ٤ ـ الطبعة الأولى.

١١٧

ان الظاهر تجريد متعلق اليقين عند التقييد بالزمان ، فان ظاهر قول القائل كنت متيقنا أمس بعدالة زيد ظاهر في إرادة أصل العدالة لا المقيدة بالزمان الماضي ، وان كان ظرفه في الواقع ظرف اليقين لكن لم يلاحظه على وجه التقييد ، فيكون الشك فيما بعد هذا الزمان بنفس ذلك المتيقن مجردا عن ذلك التقييد ظاهرا في تحقق أصل العدالة في زمان الشك ، فينطبق على الاستصحاب فافهم » (١).

ولكن يظهر منه عدم البناء على ذلك لأمره بالفهم ، ولعله ينظر إلى ان ما أفاده لا يلازم كون الشك متعلقا بالعدالة ـ مثلا ـ بعد الفراغ عن حدوثه ، بل هو لازم أعم ، فيمكن ان يفرض تعلق الشك بالحدوث.

وعليه ، فلا يصلح ذلك لرفع اليد عن الظهور الأولي للكلام في اختلاف زمان الوصفين ووحدة متعلقهما.

لكنه ذكر في ذيل كلامه ان الرواية ظاهرة في الاستصحاب بملاحظة قوله في الذيل : « فان الشك لا ينقض اليقين » ، فانه ظاهر في نفسه في ثبوت اليقين فعلا ، وان النقض يتعلق باليقين الفعلي كما هو ظاهر كل موضوع للحكم.

وهذا لا يتلاءم الا مع مورد الاستصحاب ، إذ لا يقين فعلا في مورد قاعدة اليقين. مع ورود هذا التعبير فيما تقدم من روايات الاستصحاب ، فيكون قرينة على كون المراد به بيان الاستصحاب. ومع ظهور الذيل فيما عرفت يرفع اليد عن ظهور الصدر في موضوعية اختلاف زمان الوصفين ويحمل على الغالب ، فلا يكون له ظهور في قاعدة اليقين. هذا ما أفاده الشيخ رحمه‌الله بتلخيص وتوضيح.

وما أفاده أخيرا متين جدا ، وبمقتضى ذلك تكون هذه الرواية دالة على الاستصحاب.

__________________

(١) الأنصاري المحقّق الشيخ مرتضى. فرائد الأصول ـ ٣٣٣ ـ الطبعة الأولى.

١١٨

ولا بأس بالتنبيه على امرين :

الأمر الأول : ان المحقق النائيني رحمه‌الله فهم من كلام الشيخ رحمه‌الله انه يلتزم بأخذ الزمان في متعلق اليقين ـ في قاعدة اليقين ـ بنحو القيدية.

واستشكل فيه : بأنه لا يعتبر في قاعدة اليقين أزيد من وحدة زمان متعلق اليقين والشك ، سواء كان الزمان مأخوذا قيدا أو ظرفا (١).

وأنت خبير بأنه لا ظهور لكلام الشيخ رحمه‌الله فيما فهمه منه المحقق النائيني ، فان الشيخ رحمه‌الله أفاد بان ظاهر النص ـ بما انه لم يقيد متعلق اليقين بالزمان الخاصّ ـ هو تجريد متعلق اليقين بما هو متعلق له عن خصوصية الزمان ، وانما المتعلق هو ذات العدالة ـ مثلا ـ. وعليه فيكون الظاهر ان الشك تعلق بالعدالة بعد المفروغية عن أصل الحدوث.

وهذا لا يرتبط بعدم أخذ الزمان قيدا ، وانما أخذ ظرفا في متعلق اليقين فانتبه.

الأمر الثاني : ان المحققين النائيني (٢) والعراقي ( رحمهما الله ) (٣) في مقام تقريب دلالة الرواية على الاستصحاب ذكرا ان قوله. « فليمض على يقينه » ظاهرا في لزوم المضي على اليقين بعد فرض وجوده وانحفاظه في زمان العمل وهو لا ينطبق إلاّ على الاستصحاب.

وهذا البيان لا يخلو عن خدشة ، لأنه من الظاهر ان المراد من اليقين في قوله عليه‌السلام المزبور هو اليقين السابق الّذي كان عليه ، فإذا فرض ظهور الموضوع في نفسه في تبدل اليقين إلى الشك ـ كما هو مقتضى قاعدة اليقين ـ كان المراد من : « يقينه » يقينه السابق الزائل ، ولا ظهور له في اليقين الفعلي. وهذا

__________________

(١) الكاظمي الشيخ محمد علي. فرائد الأصول ٤ ـ ٣٦٥ ـ طبعة مؤسسة النشر الإسلامي.

(٢) الكاظمي الشيخ محمد علي. فرائد الأصول ٤ ـ ٣٦٥ ـ طبعة مؤسسة النشر الإسلامي.

(٣) البروجردي الشيخ محمد تقي. نهاية الأفكار ٤ ـ ٦٤ ـ القسم الأول طبعة مؤسسة النشر الإسلامي.

١١٩

واضح لا ريب فيه. فالمتعين التمسك لذلك بقوله : « فان الشك لا ينقض اليقين » الوارد بعنوان الكبرى ، فان ظهوره في إرادة اليقين الفعلي الثابت مما لا ينكر ، فيكون ظاهرا في الاستصحاب ، ويكون ظهوره موجبا للتصرف في ظهور الصدر ، لأنه بمنزلة التعليل. فلاحظ.

وبالجملة : فالرواية من ناحية الدلالة تامة.

واما ناحية السند فقد ضعفه الشيخ رحمه‌الله (١) لأجل اشتماله على القاسم بن يحيى ، وهو ممن ضعفه العلامة رحمه‌الله في الخلاصة (٢).

وقد ردّ بعضهم تضعيف العلامة رحمه‌الله : بأنه مستند إلى تضعيف ابن الغضائري وهو غير قادح.

ولكن يمكن الخدشة فيه : بأنه لم يثبت استناد العلامة في تضعيفه إلى تضعيف ابن الغضائري. ومجرد عدم تضعيف غير ابن الغضائري ممن سبق العلامة ، لا يلازم استناد العلامة إليه ، بل لعل مستنده أمر خفي علينا. هذا مع ان عدم قدح تضعيف ابن الغضائري محل كلام فتدبر.

ومنها : مكاتبة علي بن محمد القاساني قال : « كتبت إليه وأنا بالمدينة عن اليوم الّذي يشك فيه من رمضان هل يصام أم لا؟. فكتب عليه‌السلام : اليقين لا يدخله الشك ، صم للرؤية وأفطر للرؤية » (٣).

وقد جعلها الشيخ أظهر روايات الباب في الدلالة على حجية الاستصحاب. ببيان : ان تفريع تحديد وجوب الصوم والإفطار على رؤية الهلال

__________________

(١) الأنصاري المحقّق الشيخ مرتضى. فرائد الأصول ـ ٣٣٤ ـ الطبعة الأولى.

(٢) رجال العلامة الحلّي ـ ٢٤٨ ـ الطبعة الثانية.

(٣) وسائل الشيعة ٧ ـ ١٨٤ ، حديث : ١٣.

١٢٠