منتقى الأصول - ج ٦

السيد عبد الصاحب الحكيم

منتقى الأصول - ج ٦

المؤلف:

السيد عبد الصاحب الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٠

وانتقاضه. نعم الشك في بقاء عدم الحادث حاصل مع تقدير فرض انطباقه على الآن الثاني ، للشك في العدم في هذا الآن دون الآن الثالث. فالشك في بقاء عدم الموت إلى زمان الإسلام ليس على كل تقدير ، بل على خصوص تقدير كون زمان الإسلام هو الآن الثاني. ـ امتنع جريان الاستصحاب في المورد ، لأن التعبد بعدم الحادث إلى زمان الحادث الآخر في الآن الثاني ، لا يجدي في ترتب الأثر لعدم إحراز الحادث الآخر في هذا الظرف ـ لتردده بين الآنين ـ ، والتعبد به في جميع الأزمنة التي يحتمل وجود الحادث الآخر فيها بحيث يحرز تصادف العدم مع الحادث الآخر غير ممكن ، لانطباق الاستصحاب على الآن الثالث ، وقد عرفت عدم الشك فيه.

والحاصل : ان التعبد بعدم الحادث في زمان الآخر على تقدير دون تقدير لا يجدي في ترتب الأثر ، لعدم إحراز كلا الجزءين في ظرف واحد وعلى جميع التقادير غير ممكن ، لعدم الشك على بعض التقادير.

المحذور الثالث : وقبل بيانه لا بد من بيان شيء وهو انه هناك فروضا ثلاثة تذكر في الاستصحاب لها علاقة بما نحن فيه :

الفرض الأول : ان يكون موضوع الأثر تحقق بقاء الحادث إلى زمان حادث آخر ، وعلم إجمالا بحصول الحادث الآخر في أحد زمانين ، واحتمل بقاء الحادث إلى زمان الحادث الآخر ـ المعلوم بالإجمال ـ ، فلا إشكال في استصحاب بقاء الحادث إلى زمان الحادث الآخر.

الفرض الثاني : ان يكون موضوع الأثر كذلك ، ولكن كان الحادث الآخر محتمل الحصول في زمان معين كالزوال لا معلوما. فقد يتوهم جريان الاستصحاب في هذه الصورة باعتبار وجود الشك في بقاء الحادث إلى زمان الحادث الآخر. ولكنه توهم فاسد يبتني على المغالطة ، فان صدق زمان الحادث الآخر ـ كزمان مجيء زيد ـ متقوم بإحراز الحادث الآخر ـ وهو المجيء ـ وثبوته ،

٢٦١

وإلاّ فلا يصدق سوى زمان احتمال مجيء زيد. فلا شك في بقاء الحادث إلى زمان الحادث الآخر لعدم صدق : « زمان الحادث الآخر » ، فلا يجري الاستصحاب في المورد.

الفرض الثالث ـ وهو وسط بين الفرضين ـ : ان يكون موضوع الأثر كذلك أيضا ، وكان الحادث الآخر محتمل الحصول في زمان معين أيضا ، ولكن كانت هناك ملازمة واقعية بين بقاء الحادث كجلوس عمرو وحصول الحادث الآخر في ذلك الزمان المعين ، بمعنى ان الحادث لو استمر إلى ذلك الزمان لكان الحادث الآخر قد حصل في ذلك الزمان.

فهو كالفرض الأول من جهة وجود الملازمة التي نتيجتها حصول العلم بالحادث الآخر لو علم باستمرار الحادث ، ولا يبقى مشكوكا.

وكالفرض الثاني : من جهة الشك بحصول الحادث الآخر في ذلك الزمان المعين. واما من جهة صحة جريان الاستصحاب في هذا الفرض وعدم صحته ، فهو كالفرض الثاني ، لأن جريان الاستصحاب فيه يستلزم محذورين ، الدور وكونه مثبتا.

لأن موضوع الاستصحاب هو الحادث إلى زمان الحادث الآخر. وصدق : « الشك في بقاء الحادث إلى زمان الحادث الآخر » يتوقف على إحراز الحادث الآخر ، لتقوم صدق : « زمان الحادث الآخر » بإحرازه ـ كما عرفت ـ ، فاستصحاب الحادث إلى زمان الحادث الآخر متوقف على إحراز الحادث الآخر ، مع ان الإحراز انما يكون به ـ أعني : بالاستصحاب ـ فيلزم الدور. كما انه يكون مثبتا بالنسبة إلى الحادث الآخر لأن ثبوته بالملازمة.

وبالجملة : فالاستصحاب غير جار لعدم إحراز الحادث الآخر من جهة تقوم صدق الشك بالحادث نفي زمان الحادث الآخر بإحرازه ، لا من جهة توقف ترتب الأثر عليه ، فالتفت.

٢٦٢

إذا عرفت هذا ، فما نحن فيه من قبيل الفرض الثالث ، لما عرفت من ان الشك في بقاء عدم الحادث إلى زمان الحادث الآخر ليس على كل تقدير ، لأنه في فرض انطباق زمان الحادث الآخر على الآن الثالث لا شك في العدم للعلم بانتفائه. نعم هو حاصل على تقدير انطباقه على الآن الثاني ، والحادث الآخر في هذا الآن محتمل الحصول لتردد حصوله بين الآنين.

وهناك ملازمة واقعية بين بقاء عدم الحادث وبين تحقق الحادث الآخر ، بمعنى ان العدم لو استمر إلى ما بعد الآن الثاني كان الحادث موجودا في الآن الثاني.

وعليه ، فلا يصح استصحاب عدم الحادث إلى زمان الحادث الآخر ـ فيما نحن فيه ـ للزوم المحذورين. فالنكتة ـ فيما نحن فيه ـ في حصر زمان الشك الّذي يمكن التعبد فيه بزمان الحادث الآخر على تقدير انطباقه على الآن الثاني ، لا مطلقا ولو انطبق على الآن الثالث ، وإلاّ كان كالفرض الأول ، فيجري فيه الاستصحاب.

الوجه الرابع : ما ذكره المحقق العراقي قدس‌سره في تقريب منع جريان الاستصحاب بنفسه في مجهولي التاريخ ـ ذكره البروجردي في تقريراته (١) ـ.

يشترك مع المحذور الثاني في وحدة المدعى من عدم إمكان التعبد بعدم الحادث إلى زمان الحادث الآخر على جميع التقادير ، وما يمكن التعبد عليه من التقادير لا يجدي في ترتيب الأثر.

ويشترك مع المحذور الثالث بما ذكره ـ في تقريب المدعي ـ من ان التعبد بالمستصحب في زمان يحتمل انه زمان الحادث الآخر ، كما يدل عليه قوله : « وبعبارة

__________________

(١) البروجردي الشيخ محمد تقي. نهاية الأفكار ٤ ـ ٢٠٧ القسم الأول ـ طبعة مؤسسة النشر الإسلامي.

٢٦٣

أخرى : يكون الشك فيه من جهة الشك في كون الزمان الّذي حكم ببقاء المستصحب فيه هو زمان وجود غيره بلحاظ تردد زمانه بين الزمانين ».

ولكنه ـ في تقريب مدعاه ـ يختلف مع ما ذكرناه في أمرين :

الأول : ما ذكر من وجود شكين فيما نحن فيه : أحدهما : الشك بعدم الحادث بالإضافة إلى الزمان. والآخر : الشك في مقارنة البقاء التعبدي لزمان وجود الغير.

وظاهر كلامه كون هذين الشكين عرضيين ، بحيث يمكن حصول أحدهما دون الآخر. وعليه فيمكن حصول الشك في مقارنة البقاء لزمان الغير ولو أحرز البقاء بالإضافة إلى الزمان. مع انه قد عرفت ـ في بيان المحذور الثالث ـ انه لا يشك بالمقارنة على تقدير البقاء ، بل هناك علم بها للملازمة الواقعية بين بقاء الحادث إلى زمان وتحقق الحادث الآخر في ذلك الزمان.

الأمر الثاني : ما ذكره في بيان عدم إمكان جرّ المستصحب في جميع محتملات أزمنة وجود الغير التي منها الزمان الثالث من : ان الزمان الثالث زمان انتقاض اليقين بكل منهما بيقين آخر. مع ان اللازم هو التعليل بعدم كون الزمان الثالث زمان الشك ـ كما ذكرناه لانتفاء موضوع الاستصحاب ـ ، لا انه زمان اليقين بالخلاف ، لما عرفت في دفع أحد المحذورات من انه لا ضير في احتمال انطباق المستصحب على المتيقن.

إلى هنا ينتهي الكلام في مجهولي التاريخ. ويتضح لدينا عدم إمكان جريان الاستصحاب فيهما أو في أحدهما بنفسه للمحاذير الثلاثة التي عرفتها.

المورد الثاني : ما كان أحدهما معلوم التأريخ والآخر مجهوله. فاستصحاب عدم المجهول إلى زمان المعلوم لا إشكال فيه لعدم تأتي أحد المحذورات الثلاثة فيه أصلا كما لا يخفى.

وانما الإشكال في جريان استصحاب عدم المعلوم إلى زمان المجهول.

٢٦٤

وقد حكم الشيخ قدس‌سره في رسائله بعدم جريانه. بتقريب : ان الوجود بنفسه غير مشكوك في زمان أصلا والوجود في زمان وجود الغير لا يقين بعدمه سابق كي يستصحب (١).

وتقريب مدعاه يبتني على مقدمتين :

الأولى : ان الشك بالمعلوم بذاته غير موجود في زمان ، بل لا بد في تحققه من ضمّ خصوصية للمعلوم.

الثانية : انه مع ضم الخصوصية يكون الشك واقعا متعلقا بها لعدم الشك في الحادث أصلا ، وإضافة الشك إلى الحادث مع الخصوصية من باب المسامحة.

وعليه ، فلما لم يكن للاتصاف بالخصوصية حالة سابقة من وجود وعدم لعدم المتصف ، لم يجر الاستصحاب. ومع عدم ضم المقدمة الثانية لا يتم كلام الشيخ رحمه‌الله ، لأن ضم الخصوصية يوجب كون موضوع الشك هو الخاصّ ، والخاصّ بما هو خاص أمر حادث مسبوق بالعدم ، فيمكن استصحابه. فضم الخصوصية إلى الحادث لا يجدي ما لم يكن الشك في الواقع متعلقا بالخصوصية لا بالمجموع ، وإلاّ فالمجموع بما هو مجموع مسبوق بالعدم فيستصحب بمفاد ليس التامة.

وقد خالف المحقق الخراسانيّ قدس‌سره في الكفاية الشيخ ، لأنه حكم بالتفصيل لا بعدم جريان الاستصحاب مطلقا كما عرفت من الشيخ فانه ـ بعد ما ذكر : ان الأثر في المعلوم والمجهول تارة لوجود أحدهما بنحو خاص بمفاد كان التامة. وأخرى لوجود أحدهما المتصف بذلك النحو بمفاد كان الناقصة. وان الحكم في الأول جريان الاستصحاب مع عدم المعارضة. وفي الثاني عدم جريانه لعدم اليقين السابق بنحو ما عرفته في مجهولي التاريخ.

__________________

(١) الأنصاري المحقّق الشيخ مرتضى. فرائد الأصول ـ ٣٨٨ ـ الطبعة الأولى.

٢٦٥

ذكر صورة ما إذا كان الأثر لعدم أحدهما في زمان الآخر بمفاد ليس التامة ، فأجري الاستصحاب في طرف المجهول لاتصال زمان شكه بزمان اليقين دون طرف المعلوم. ببيان : ان الشك في المعلوم بذاته غير موجود في زمان ، وانما يحصل الشك فيه بضم خصوصية إليه وهي إضافته إلى زمان الآخر. ومعه ..

تارة : تؤخذ هذه الخصوصية مع الحادث بمفاد كان التامة ، بان يلحظ الوجود الخاصّ المحمولي وهو تحقق أحدهما في زمان الآخر.

وأخرى : تؤخذ بنحو كان الناقصة ، بان يلحظ الوجود المتصف بكونه في زمان الآخر.

فعلى الأول يجري استصحاب العدم ويترتب عليه الأثر. وعلى الثاني لا يجري لعدم الحالة السابقة (١).

وهذا الّذي ذكرناه هو مراده من قوله : « وقد عرفت جريانه ... » ، حيث لا تخلو هذه العبارة من إجمال وغموض في المراد.

وكأنه يحاول ان يبين ان ملاحظة الحادث المعلوم بالإضافة إلى الحادث الآخر موجبة لرجوع هذه الصورة إلى إحدى الصورتين الأولتين اللتين عرفت حكمهما وهما خارجان عما نحن فيه. ومن غير الإضافة لا شك في عمود الزمان فلا يجري الأصل.

ومن هنا يتضح ان المحقق الخراسانيّ قدس‌سره قد وافق الشيخ قدس‌سره في تقريب نفي الاستصحاب بأخذ الخصوصية في الحادث ، وان خالفه في النتيجة حيث حكم بالتفصيل لا بالعدم مطلقا.

وللمحقق النائيني ـ كما في أجود التقريرات ـ وجه آخر في منع جريان الاستصحاب في معلوم التاريخ ، وهو جعل المورد من موارد حكومة استصحاب

__________________

(١) الخراسانيّ المحقّق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٤٢١ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

٢٦٦

الجزء على استصحاب عدم الكل.

وتوضيحه : انه لو حصل الشك في الكل باعتبار الشك في الجزء. وأمكن استصحاب الجزء ، فلا مورد لاستصحاب عدم الكل حينئذ ، لأنه أصل مسببي ، واستصحاب الجزء أصل سببي ، والأصل السببي حاكم على الأصل المسببي ، لأنه رافع للشك حكما. فلو شك في الصلاة مع الطهارة من جهة الشك في الطهارة ، وأمكن استصحاب الطهارة ، كان استصحابها حاكما على استصحاب عدم الصلاة مع الطهارة.

ولما كان ما نحن فيه من هذا النحو ، لأن الشك في وجود الحادث المعلوم في زمان الآخر ناشئ من الشك في تحقق الآخر المجهول في زمان الحادث المعلوم ـ وهو الزوال مثلا ـ ، فاستصحاب عدم تحقق الآخر المجهول عند الزوال حاكم على استصحاب عدم الحادث في زمان الآخر. ومن هنا يعلم ان الالتزام بجريان الاستصحاب في معلوم التاريخ يلزمه الالتزام بجريانه في سائر موارد الشك في الكل ، مع إمكان استصحاب الجزء ، لأنها من نحو واحد وبملاك واحد (١).

وقد عرفت عدم جريانه في جميع الموارد ـ لأنها مورد اخبار الاستصحاب ـ بملاك حكومة الأصل السببي على الأصل المسببي. فإشكال المحقق النائيني قدس‌سره أشبه بالإشكال النقضي.

وقد يورد على الشيخ قدس‌سره في حصر الترديد بين شقين ومنع جريان الاستصحاب في كل منهما ، فلا يجري الاستصحاب في معلوم التاريخ أصلا ـ : بإمكان تصوير شق ثالث يجري فيه الاستصحاب ، وذلك بجعل الخصوصية المحصلة للشك في ظرف الزمان ، بان يضاف الحادث المعلوم إلى زمان خاص ، وهو زمان الحادث الآخر ، لأن هناك زمانا واقعيا قد تحقق فيه الحادث

__________________

(١) المحقق الخوئي السيد أبو القاسم. أجود التقريرات ٢ ـ ٤٢٦ ـ الطبعة الأولى.

٢٦٧

الآخر فيلحظ الحادث المعلوم مضافا إلى ذلك الزمان الواقعي ، ويكون هذا الزمان جزءا للموضوع أو ظرفا لجزء الموضوع ، بان يكون الجزء الآخر هو الحادث الآخر ، فيكون الموضوع مركبا من ذاتي الحادثين أو من الحادث المعلوم والزمان الخاصّ ، ولا إشكال في تحقق الشك في الحادث إلى هذا الزمان بشهادة الوجدان ولما كان هذا الزمان مسبوقا بأزمنة متسلسلة قد تحقق فيها العدم يستصحب العدم إلى هذا الزمان للشك فيه في هذا الزمان.

فالخصوصية لم تلحظ في جانب الحادث ، وهو التقيد بزمان الآخر ، كي يقال بعدم الحالة السابقة. كما لم يلحظ الحادث مضافا إلى ذات الزمان ، كي يقال بعدم الشك فيه في زمان ؛ بل لوحظت في ظرف الزمان ، وحصل الشك وأمكن الاستصحاب.

فالمتحصل : ان حصر الترديد بين شقين لا وجه له ، لإمكان فرض شق ثالث يحصل فيه الشك ويكون موردا للاستصحاب.

ومن هنا تعرف الإشكال على المحقق الخراسانيّ قدس‌سره في تقريبه ، لأنه فيه قد وأفق الشيخ ، حيث حصر الترديد بين شقين أيضا وان خالفه في النتيجة ـ أعني : إجراء الاستصحاب ـ لما عرفت من تفصيله.

ومنه يظهر الإشكال (١) في نقض المحقق النائيني قدس‌سره المذكور ، فانه

__________________

(١) تحقيق الحال فيما أفاده المحقّق النائيني : أنّ عدم جريان استصحاب عدم الكل في مورد استصحاب الجزء ليس لأجل الحكومة التي ذكرها وإلا أورد عليه بما ذكرناه في ذيل المبحث أنّ السببيّة والمسببيّة ليست شرعية بل عقليّة وهي لا تصحّح الحكومة كما لا يخفى. بل الوجه هو أنّ فرض الموضوع هو المركّب راجع إلى فرض الموضوع ذوات الاجزاء المجتمعة بلا أخذ خصوصية زائدة.

وعليه فإن أريد من استصحاب عدم الموضوع بوصف الموضوعية فهو راجع إلى استصحاب عدم الحكم لأنّ موضوعية الموضوع عبارة أخرى عن ثبوت الحكم له ، وإن أريد استصحاب عدم ذات الموضوع ، فالمفروض أنّه عبارة عن الأجزاء بذواتها ، ولا شك فيها إلاّ في الجزء المفروض جريان الاستصحاب لإثباته لا لنفيه ، فليس هناك شك في الكل وراء الشك في الجزء كي يتأتّى حديث.

٢٦٨

بناء على هذا التصوير يمكن التفريق بين المورد وبين مورد الشك في الكل من جهة الشك في الجزء ، لتحقق الشك فيما نحن فيه بعد فرض زمان واقعي لوحظ الحادث مضافا إليه. بخلاف تلك الموارد ، لعدم فرض زمان واقعي للطهارة لعدم

__________________

ـ المعارضة أو الحكومة.

نعم هنا شك في الأمر الانتزاعي وهو وصف مجموع الأجزاء لكنه ليس مورد الأثر نفيا أو إثباتا ، فلا مجال لجريان الأصل في نفيه.

هذه خلاصة ما يقال في دفع الإشكال في موارد استصحاب جزء الموضوع لا ما أفاده من حديث الحكومة لما عرفت من عدم تماميّته.

ثم أنّ ما نحن فيه ليس من هذا الباب ، وذلك لأنّ متعلق الشك فيما نحن فيه هو ثبوت عدم الحادث المعلوم في زمان الحادث الآخر الإجمالي ، ومن الواضح أنّ تعلّق الشك وتحقّقه لا يقبل الإنكار وليس من قبيل تعلّق الشك بوجود الكل الّذي يرجع في الحقيقة إلى الشك بوجود جزئه ، كما أنّ المشكوك هو مورد الأثر ، وبعبارة أخرى : أنّ المشكوك فيما نحن فيه ليس هو الكل بل هو ثبوت الجزء في زمان الجزء الآخر فالاستصحاب يجري في الجزء لا في الكل ، فلا يتأتّى فيه ما ذكرناه في ردّ استصحاب عدم الكل.

ومن هنا يظهر أنّ الإشكال على المحقّق النائيني من ناحيتين : إحداهما : تقريب تقديم استصحاب الجزء على استصحاب عدم الكل ، والآخر : جعله ما نحن فيه من موارد الاستصحاب الجاري في الكل.

وكيف كان : فموضوع الاستصحاب فيما نحن فيه هو عدم الحادث المعلوم ـ ونفرضه الإسلام ـ في زمان الحادث الآخر ـ ونفرضه التقسيم ـ ، وقد عرفت أنّ هذا المعنى متعلّق للشك ، وإن كان عدم الإسلام بلحاظ الأزمنة التفصيلية لا شك فيه أصلا.

والّذي نراه أنّه لا مجال لإجراء الاستصحاب في المعلوم لأنّ المتيقّن أنّ فرض هو العدم السابق المتصل بزمان الحدوث كما لو كان زمان حدوث المعلوم أول الزوال فيفرض العدم في الآن السابق على الزوال المتّصل به ، فاستصحابه إلى زمان الحادث الآخر لا يحرز أنّه إبقاء له لاحتمال أن يكون زمان الحادث الآخر سابقا على زمان اليقين فإثبات العدم فيه لا يكون إبقاء للمتيقّن بل هو أشبه بالاستصحاب القهقرى. وإن فرض المتيقّن هو العدم السابق على زماني الحادثين كالعدم أول النهار فإنّه سابق على زمان الحادث الآخر جزما ، فبقصد جرّه إلى زمان الحادث الآخر. ففيه ما تقدّم من أنّ زمان الآخر مردّد بين زمانين ؛ أحدهما : متّصل بزمان اليقين ، والآخر : منفصل ، فلا يجوز اتّصال زمان الشك بزمان اليقين.

وبالبيان الثاني : لا يكون الشك في البقاء على كل تقدير بل الأمر هاهنا أوضح لأنّه على كلا التقديرين لا شك لديه لفرض العلم بلحاظ الأزمنة التفصيلية كلها على خلاف مورد الجهل بالتاريخ ، فراجع تعرف.

٢٦٩

العلم بتحققها ، فلا شك في الصلاة في زمان الطهارة لعدم إحراز الطهارة ، وفي زمان احتمال الطهارة لا شك فيها لليقين بها فيه فلا ملازمة بين إجراء الاستصحاب في معلوم التاريخ وبين إجرائه هناك لحصول الفرق على هذا التصوير ، فلا وجه للإشكال على جريان الاستصحاب في معلوم التاريخ بالنقض.

وقد ينفي إجراء الاستصحاب في هذا الشق بوجهين :

الأول : انه كما تلحظ الخصوصية في طرف الوجود لتحصيل الشك ، كذلك لا بد أن تلحظ في طرف العدم لذلك ، لأنه لا شك في العدم بالنسبة إلى ذات الزمان ، فيكون موضوع الأثر هو العدم في الزمان الخاصّ ، والعدم في الزمان الخاصّ لا حالة سابقة له كي يستصحب.

الوجه الثاني : انه على تقدير وجود الحالة السابقة ، فاستصحاب العدم إلى الزمان الخاصّ لا يجدي في إثبات الخصوصية ، وترتب الأثر يتوقف على إحرازها لأنها جزء الموضوع.

ولكن ينفي الوجه الأول : بان الزمان الخاصّ لم يؤخذ مع العدم بنحو التقييد ـ كما هو المفروض ـ ، كي يشكل بأنه لا حالة له سابقة. بل أخذا بنحو التركيب ، فالمستصحب هو العدم بذاته ، وهو متيقن في الأزمنة السابقة على الزمان الواقعي ، فيستصحب إلى زمان الشك وهو زمان الحادث الآخر.

ولو أخذ بنحو التقييد ، فلا مجال للحكم بعدم الاستصحاب مطلقا ، لجريان التفصيل الّذي عرفته في الإشكال على إطلاق المحقق الخراسانيّ رحمه‌الله في القسم الثاني من مجهولي التاريخ ، فراجع.

وينفي الوجه الثاني : بأن تحقق الجزء الآخر وهو الإسلام أو الزمان الخاصّ معلوم ومحرز ، وانما المشكوك هو ثبوت الجزء الآخر وهو عدم الموت في ظرفه ، فمع استصحابه يتم الموضوع بتحقق كلا جزئيه ، ويترتب الأثر. ولا حاجة

٢٧٠

إلى إحراز الخصوصية بالاستصحاب لأنها محرزة بغيره.

فالإيراد على هذا الشق المفروض بهذين الوجهين غير تام.

نعم ، يمكن الإيراد عليه بأنحاء ثلاثة :

النحو الأول : انه لا شك في بقاء عدم الحادث المعلوم إلى زمان الحادث الآخر المجهول ، لأنّ الشك في هذا الفرض ـ أعني : عدم الحادث المعلوم التاريخ إلى زمان الحادث الآخر ، لا منشأ له إلاّ احتمال وجود الحادث الآخر قبل زمان الحادث ، ـ أعني الزوال ـ. وهذا الاحتمال على تقدير نشوء شك منه فلا ينشأ منه الا الشك في مقارنة عدم الحادث المعلوم لزمان الإسلام في مرحلة بقائه. اما الشك في بقاء عدم الحادث المعلوم إلى ذلك الزمان فلا وجود له ، لأنه على تقدير تحقق الحادث الآخر قبل زمان الحادث المعلوم ، فلا يقال بان عدم الحادث استمر إلى زمان الحادث الآخر ، بل يقال انه صادف زمان الحادث الآخر في مرحلة بقائه. فتصوير الشك في بقاء عدم المعلوم إلى زمان المجهول لا يخلو عن نوع مغالطة فالتفت.

النحو الثاني : انه قد بيّنا فيما تقدم ان أدلة الاستصحاب تفيد ان الاستصحاب هو جرّ المستصحب ومده في ظرف الشك. وليس في استصحاب عدم الحادث المعلوم إلى زمان المجهول مدّ له في زمان أصلا ، لأنه معلوم الحدّ والمقدار.

النحو الثالث : ان التعبد بالشيء انما يكون بعد انقضاء اليقين به. ولما كان من الممكن ان يكون زمان الحادث الآخر المجهول قبل زمان الحادث المعلوم. فعلى تقدير كونه كذلك يكون استصحاب عدم الحادث المعلوم إلى زمان آخر مقتضيا للتعبد به قبل انقضاء اليقين بالمتعبد ، فكيف يصح هذا الاستصحاب؟!.

ومنه يتبين عدم جريان الاستصحاب في معلوم التاريخ.

٢٧١

اما ما ذكره المحقق النائيني قدس‌سره في تعليل عدم الاستصحاب في الموردين من حكومة الأصل الجاري في الجزء ـ لأنه سببي على الأصل الجاري في عدم الكل ـ لأنه مسببي ـ ، فهو غير تام. لأن حكومة الأصل السببي على الأصل المسببي انما تكون في السببية والمسببية الشرعيتين لا غيرهما ، ومسببية الشك في الكل عن الشك في الجزء ليست شرعية بل تكوينية كما لا يخفى.

فالوجه في عدم جريان الاستصحاب في الكل مع نشوء الشك فيه عن الجزء هو : ان المفروض أخذ الجزءين موضوعا للأثر بنحو التركيب ، ومعناه لحاظ ذاتي الجزءين بدون لحاظ أي شيء زائد على ذاتيهما أصلا في مقام ترتيب الأثر.

وعليه ، فمع العلم بأحد الجزءين والشك في أحدهما لا شك في الكل ، بل التعبير بالشك في الكل مسامحي ، والمشكوك انما هو الجزء فقط. نعم لو أخذ بنحو التقييد كان الشك في أحد الجزءين موجبا للشك في تحقق الموضوع المركب. لكن المفروض خلافه.

إلى هنا ينتهي الكلام في مجهولي التاريخ ومعلومه ومجهوله ويبقى الكلام في :

تعاقب الحادثين المتضادين

وموضوع البحث فيه : ما إذا علم إجمالا بحصول حادثين متضادين وشك في المتقدم والمتأخر منهما ـ كما لو علم بحصول الطهارة والحدث وشك في المتقدم منهما والمتأخر هل هو الطهارة أم الحدث؟ ـ. وذلك اما للجهل بتاريخهما أو بتاريخ أحدهما فالكلام في موضعين.

الموضع الأول : في مجهولي التاريخ.

والفرق بين هذه المسألة ومسألة مجهولي التاريخ المتقدمة : ان موضوع الأثر في هذه المسألة بسيط ـ وهو أحد الحادثين ـ لا مركب كما في تلك المسألة ،

٢٧٢

لتضاد الحادثين ، فلا معنى لأخذ الموضوع مركبا منهما كما هو المفروض في تلك المسألة.

والّذي يظهر من كلام الشيخ رحمه‌الله جريان الاستصحاب في كل منهما وسقوطه بالمعارضة (١).

وقد ذهب المحقق الخراسانيّ قدس‌سره إلى عدم جريانه في كل منهما لذاته ، لعين المحذور السابق الّذي ذكره في جريان الاستصحاب في مجهولي التاريخ ، وهو عدم إحراز اتصال زماني الشك واليقين ـ والمراد بهما المتيقن والمشكوك ـ.

إلا ان الفرق : ان عدم إحراز الاتصال المذكور هناك ناشئ من عدم إحراز زمان الشك لتردده بين الآنين مع إحراز زمان اليقين وهو الآن الأول. وهنا ناشئ من عدم إحراز زمان اليقين لتردده بين الآنين مع إحراز زمان الشك وهو الآن الثالث. ولأجل ذلك غيّر تعبيره بعدم إحراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين إلى التعبير بعدم إحراز اتصال زمان اليقين بزمان الشك (٢).

ولم يذكر رحمه‌الله وجه عدم الإحراز. ولعل الوجه فيه : ان زمان الشك في البقاء انما هو الآن الثالث لا الآن الثاني ، لأنه ليس في الآن الثاني إلاّ احتمال الوجود فقط ، إذ لو كان الموجود في الآن الأول هو هذا الحادث فهو في الآن الثاني مرتفع لا محالة لحصول الحادث الآخر فيه. وان كان الموجود في الآن الأول هو الحادث الآخر فهو قد حدث في الآن الثاني. فعلى كلا التقديرين يكون الشك في الآن الثاني في الوجود لا في البقاء والشك في البقاء انما هو الآن الثالث.

وعليه ، فان كان الحادث قد حصل في الآن الثاني ، فقد اتصل زمان اليقين بزمان الشك. وان كان في الآن الأول فقد انفصل.

__________________

(١) الأنصاري المحقّق الشيخ مرتضى. فرائد الأصول ـ ٣٨٨ ـ الطبعة الأولى.

(٢) الخراسانيّ المحقّق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٤٢١ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

٢٧٣

وحيث لم يحرز حصوله في أحد الآنين المعين ، احتمل انفصال زماني اليقين والشك ولم يحرز اتصالهما ، فلا يصلح التمسك بعموم دليل الاستصحاب ، لعدم إحراز صدق النقض ، فتكون الشبهة مصداقية (١).

وقد حمل المحقق العراقي كلام الكفاية على احتمال تخلل اليقين الناقض ـ كما تقدم في مجهولي التاريخ ـ. وأورد عليه بما تقدم. ثم ذكر ما ذكرناه في تفسير كلام الكفاية على انه وجه مستقل ونسبه إليه في درسه (٢).

وأنت خبير بان ما ذكرناه هو ظاهر كلام الكفاية ولا وجه لاحتمال غيره من العبارة.

وقد ناقش المحقق الأصفهاني قدس‌سره ما ذكره صاحب الكفاية : بان ثبوت الشيء واقعا ليس ملاك الحكم الاستصحابي ، بل ثبوته العنواني المتقوم باليقين هو ملاك جريانه ، والمفروض ثبوت اليقين بالطهارة سابقا والشك في بقائها فعلا لا في حدوثها. وهكذا الكلام في الحدث. انتهى ملخصا (٣).

وفيه : ان ما أفاده لا يعلم له معنى محصل ، لأنه وان لم يكن الاستصحاب متقوما بالوجود الواقعي ، إلاّ ان الحكم الاستصحابي حكم بالإبقاء وعدم النقض ، ومع احتمال تخلل اليقين بالعدم لا يحرز أن الحكم بالطهارة في زمان الشك إبقاء للطهارة وعدم نقض لها ، ومجرد تحقق اليقين بالحدوث والشك في البقاء لا ينفع في إحراز ذلك ، فتدبر.

وقد فسر السيد الخوئي ( حفظه الله ) عبارة الكفاية بفاصلية اليقين بالارتفاع. وأورد عليه : بعدم اعتبار اتصال زمان اليقين بزمان الشك ، بل ليس المعتبر إلا فعلية كل منهما (٤).

__________________

(١) لم يتعرض السيد الأستاذ ( دام ظله ) لهذه الوجوه في الدورة الثانية. ( منه عفي عنه ).

(٢) البروجردي الشيخ محمد تقي. نهاية الأفكار ٤ ـ ٢١٤ ـ طبعة مؤسسة النشر الإسلامي.

(٣) الأصفهاني المحقّق الشيخ محمد حسين. نهاية الدراية ٣ ـ ١١٣ ـ الطبعة الأولى.

(٤) الواعظ الحسيني محمد سرور. مصباح الأصول ٣ ـ ٢٠٦ ـ الطبعة الأولى.

٢٧٤

وقد عرفت توجيهه بغير ذلك مما هو خال عن الإشكال. كما عرفت اعتبار الاتصال ، والإيراد بعدم اعتباره ينشأ من توهم إرادة اتصال زمان صفة اليقين بزمان صفة الشك. وقد عرفت إرادة اتصال زمان المتيقن بزمان المشكوك ، كما تقدم الإشكال فيه حتى بناء على إرادة صفتي اليقين والشك فراجع.

وللمحقق العراقي وجوه ثلاث في منع جريان الاستصحاب فيما نحن فيه :

الأول : انه لا شك في البقاء أصلا ، بل هنا يقين اما بالارتفاع أو بالبقاء ، لأن الحادث ان حدث في الآن الأول فهو مرتفع قطعا. وان كان قد حدث في الآن الثاني فهو باق قطعا. وعلى تقدير وجود الشك في البقاء ، فهو ناشئ من الشك في كيفية الحدوث ، ودليل الاستصحاب صرفا أو انصرافا لا يتكفل جواز التعبد بالشيء إذا كان الشك فيه ناشئا عن التردد في كيفية حدوثه.

الوجه الثاني : وهو عين الوجه الأول ، إلاّ انه يختلف عنه من جهة وهي : انه فرض في الوجه الأول وجود الشك في البقاء ، ولكنه ناشئ عن الشك في كيفية الحدوث. وفرض في الوجه الثاني عدم الشك أصلا الا في كيفية الحدوث وما يرى من الشك في البقاء فهو حقيقة راجع إلى الشك في كيفية الحدوث وزمانه.

الوجه الثالث : ان منصرف دليل الاستصحاب إلى كون الزمان الّذي يراد جر المستصحب فيه بنحو لو رجعنا إلى الأزمنة السابقة عليه بنحو القهقرى ، لعثرنا على زمان اليقين بوجود المستصحب. وما نحن فيه ليس كذلك ، إذ لا نعثر مع الرجوع القهقرى على زمان اليقين تفصيلا بالحدوث ، بل ينتهي المقام بنا إلى زمان عدم كل منهما ، فلا يجري الاستصحاب حينئذ. نعم بالنسبة إلى الأزمنة الإجمالية يمكن الاستصحاب لإحراز الاتصال بهذا النحو ، ولكنه لا

٢٧٥

يجدي فيما كان الأثر مترتبا على البقاء التفصيليّ ، كصحة الصلاة بالنسبة إلى الطهارة (١).

ولكن هذه الوجوه غير تامة :

اما الأول : فلان دعوى الانصراف تمنع بدعوى الإطلاق ، فان الدليل يدل بإطلاقه على التعبد بالبقاء كيف ما كان.

واما الصرف ، فيحتاج إلى دليل يدل عليه ، لأن بقاء الصرف قصور الدليل بنفسه عن شموله للمورد ، فلا بد من صرفه إليه من قيام دليل عليه ، ولا دليل على صرفه إلى ما ذكره المحقق المذكور.

اما الثاني : فلأن الوجدان قاض بوجود الشك في بقاء كل من الحادثين.

واما الثالث : فلأن المراد من اليقين في أدلة الاستصحاب أعم من التفصيليّ والإجمالي ، ولا يختص بالتفصيلي. مضافا إلى انه يلتزم بجريان الاستصحاب فيما لو علم إجمالا بحدوث المستصحب في أحد زمانين واحتمل ارتفاعه في الزمان الثاني من حدوثه ، مع ان ما ذكر من عدم العثور على زمان اليقين بالحدوث تفصيلا جار فيه كما لا يخفى.

هذا كله في صورة الجهل بتاريخ كلا الحادثين المتضادين.

الموضع الثاني : في صورة العلم بتاريخ أحدهما ، كما لو علم بحصول الحدث أول الزوال وشك في تقدم الطهارة عليه وتأخرها عنه. فلا إشكال في جريان الاستصحاب في معلوم التاريخ لعدم اختلال أي شرط من شروط الاستصحاب فيه ـ كما لا يخفى ـ.

وانما الإشكال في جريانه في المجهول.

والتحقيق عدم جريانه مطلقا ، إلاّ ان ملاك عدم الجريان يختلف باختلاف

__________________

(١) البروجردي الشيخ محمد تقي. نهاية الأفكار ٤ ـ ٢١٥ ـ ٢١٦ ـ القسم الأول ـ طبعة مؤسسة النشر الإسلامي.

٢٧٦

الموارد ..

فتارة : يكون الشك لأجل انحلال العلم الإجمالي بحصول الحادث في أحد الزمانين إلى علم تفصيلي وشك بدوي ، فلا يقين بالحدوث ، وذلك كما لو علم بالطهارة ـ مثلا ـ عند الصباح وعلم استمرارها إلى الزوال ، ثم علم بحصول الحدث عند الزوال وعلم إجمالا بحصول الوضوء اما قبل الزوال أو بعده ، فيدور بين ان يكون تجديديا أو تأسيسيا.

وهذا العلم الإجمالي منحل بالعلم التفصيليّ بالطهارة عند الصباح ، لأنه علم تفصيلي بالطهارة قبل الصباح ، فلا يكون هناك الا شك بدوي بالطهارة بعد الزوال ، فالعلم الإجمالي المذكور لا يسبب يقينا بالطهارة كي تستصحب ، لأنه على تقدير لا يكون تأسيسيا بل تجديديا.

وأخرى : يكون لأجل عدم إحراز اتصال زمان اليقين بزمان الشك ، وذلك كما لو علم بالحدث عند الزوال ، وعلم إجمالا بحصول الطهارة اما قبل الزوال أو بعده ـ ولم تكن هناك طهارة سابقة ـ ، فالزوال والآن الّذي بعده الّذي يحتمل وقوع الطهارة فيه ليس زمان الشك في البقاء ، بل اما زمان العلم بالعدم ـ وهو الزوال ـ. أو زمان احتمال الوجود ـ وهو الآن الّذي بعده ـ. ولما كان من المحتمل حصول الطهارة قبل الزوال يحتمل انفصال زمان اليقين عن زمان الشك لتخلل زمانين بينهما ليسا زماني الشك في البقاء.

وقد ظهر ان الأمر في المعلوم والمجهول في الموضوعات البسيطة على العكس فيهما في الموضوعات المركبة ، فان الأصل هناك انما يجري في المجهول دون المعلوم وهاهنا بالعكس.

تتمة في بيان شيء

ذكر المحقق النائيني قدس‌سره في مجهولي التاريخ عند بيان المراد من

٢٧٧

اتصال زمان الشك بزمان اليقين ، وانه قد لا يتضح في بعض الموارد ، فروضا ثلاثة حكم بجريان الاستصحاب في أحدها وبعدمه في الآخرين وبنى على ذلك بعض المسائل الفقهية التي وقعت محل الخلاف.

وبيانه بإجمال : ـ انه لو كان هناك إناءان غربي وشرقي ، وعلم تفصيلا بنجاسة كل منهما ، وأصاب المطر أحدهما ، فهاهنا فروض ثلاثة :

الأول : ان يكون ما أصابه المطر مجملا مرددا بينهما على حد سواء ، فيعلم إجمالا بطهارة أحدهما غير المعين.

الثاني : ان يكون ما أصابه المطر معلوما بالتفصيل ، كالإناء الشرقي مثلا ، فيعلم بطهارة خصوص الإناء الشرقي ، وكان متميزا حين العلم ثم اشتبه بالإناء الغربي.

الثالث : عين الفرض الثاني ، إلا ان الإناء الشرقي لم يكن متميزا حين العلم أصلا ، بل كان مشتبها بالآخر ، فهو وسط بين الفرضين كما لا يخفى.

ولا إشكال في سبق اليقين بالنجاسة بكلا الإناءين والشك في بقائها ـ على جميع الفروض ـ ، لعدم معرفة الطاهر منهما ، فكل منهما يشك في بقاء نجاسته المعلومة ، إلاّ انه مع ذلك لا يجري استصحاب النجاسة في كلها ، بل انما يجري في خصوص الفرض الأول ، لاتصال زماني اليقين والشك ، لعدم تخلل أي يقين بالخلاف بينهما ، لأن نسبة العلم بالطهارة إلى كل منهما على حد سواء ، لعدم أخذ أي خصوصية في متعلقه ، فكل منهما كان متيقن النجاسة والآن مشكوكها فتستصحب ـ مع قطع النّظر عن جريان الأصل في أطراف العلم الإجمالي وعدمه.

امّا الفرض الثاني : فلا يجري فيه الاستصحاب بلا إشكال ، لانفصال زمان اليقين عن زمان الشك في أحدهما المعين ، لتخلل اليقين بالخلاف فيه ، فلا يمكن استصحاب النجاسة في كل منهما لاحتمال انفصال زمان شكه عن زمان يقينه من جهة احتمال ان يكون هو ذلك الإناء.

٢٧٨

وامّا الفرض الثالث : فهو كالفرض الثاني في عدم جريان الاستصحاب لعين الملاك لتخلل اليقين بالخلاف في أحدهما المعين وهو الإناء الشرقي ، ولما كان كل منهما من المحتمل ان يكون هو الإناء الشرقي امتنع جريان الاستصحاب في كل منهما ، لاحتمال انفصال زمان شكه عن زمان يقينه.

وبالجملة : فالاستصحاب لا يجري إلاّ في الفرض الأول. خلافا للمرحوم الطباطبائي قدس‌سره صاحب العروة حيث حكم بجريانه في جميع الفروض كما هو ظاهر عبارته (١).

وبعد ان قرر المحقق النائيني رحمه‌الله ذلك فرع عليه عدم جريان استصحاب النجاسة في الدم المردد بين كونه مسفوحا وبين كونه من المتخلف ، بناء على نجاسته مطلقا ولو قبل خروجه من البطن لعدم إحراز اتصال الشك باليقين زمانا ، للعلم بطهارة أحدهما المعين وهو المتخلف عند الذبح ثم اشتبه في الخارج ومثله الدم المردد بين كونه من بدن الإنسان أو مما امتصّه البق ، للعلم بطهارة ما امتصّه البق واشتباهه خارجا. هذا محصل كلامه قدس‌سره (٢).

ولكنه انما يتم بناء على اعتبار وجود يقين سابق وشك لا حق في جريان الاستصحاب ، حيث يقال عليه : ان اليقين السابق قد انتقض باليقين بالخلاف ، فلا اتصال بين زماني الشك واليقين.

أما بناء على ما حقق من عدم اعتبار ذلك ، بل اعتبار خصوص وجود يقين بالحدوث وشك بالبقاء فعليين ولو حصلا في آن واحد ، فلا يتم ما ذكره لتحقق اليقين والشك الفعليين في الفروض الثلاثة جميعا ، ولا معنى لدعوى الاتصال أو الانفصال ، لعدم التعدد الزماني بينهما.

__________________

(١) العروة الوثقى ١ ـ ٥١١ مسألة ٤٩٣ ( فصل في طريق ثبوت التطهير ) طبعة مدينة العلم.

(٢) الكاظمي الشيخ محمد علي. فوائد الأصول ٤ ـ ٥١٥ طبعة مؤسسة النشر الإسلامي.

٢٧٩

ومن الغريب (١) ان المحقق المذكور لا يعتبر سوى فعلية اليقين والشك ، ثم يذهب إلى عدم جريان الاستصحاب في الفرضين المذكورين ، فالتفت ولا تغفل والله سبحانه المسدد.

__________________

[١] ما ذكرناه في الإيراد عليه ( قده ) هو الّذي ذكره غيرنا أيضا ، ولكن حمل كلامه على ظاهره من اعتبار اليقين السابق وعدم انتقاضه بيقين متأخّر عنه لا يمكننا الالتزام به لقرينتين :

إحداهما : أنّه قد صرّح مرارا من أول الاستصحاب إلى هذا المبحث بل صرّح في هذا المبحث بالخصوص بأنّه لا يعتبر في الاستصحاب سوى اليقين والشك الفعليين إلاّ أنّ أحدهما يتعلّق بالحدوث والآخر بالبقاء وجعل هذا هو المائز بين الاستصحاب وقاعدة اليقين ، ولا نحتمل في حقّه ( قده ) أنّه يعتبر اليقين السابق في الاستصحاب.

والأخرى : ما ذكره من مثال الدم المحتمل كونه دم بق ، فإنّ الظاهر أنّه مثال لما هو المتعارف من وجدان الإنسان دما على ثوبه يحتمل أنّه من جرح بدنه أو أنّه من البق ، ومن الواضح أنّ الشخص في مثل ذلك لم يحصل له يقين بنجاسة فردي الدم ، ثم حصل له يقين بطهارة أحدهما وهو ما امتصّه البق ثم اشتبه الحال بين الفردين بل اليقين والشك فعليان ، حاصلان بالفعل من دون تقدّم زماني بينهما. فالمثال لا ينطبق على ما حمل عليه كلامه.

ويمكن أن يوجّه ما أفاده وإن كان على خلاف ظاهر عبارة التقريرات ببيان مقدّمتين :

إحداهما : أنّ اليقين الإجمالي الناقض لليقين السابق والرافع له هو اليقين بالنحوين الأخيرين دون الأول ، فلو علم تفصيلا بنجاسة كلا الإناءين ثم علم بطهارة أحدهما من دون مميّز أصلا لم يتحقّق انتقاض اليقين السابق بهذا اليقين ، فلا يمكن الإشارة إلى أحدهما واقعا والحكم عليه بأنّه متيقّن الطهارة. [ ظاهر كلام النائيني في التقريرات هو تحقّق العلم التفصيليّ ـ في الفرض الثاني ـ ثم عروض الاشتباه ، ولكن السيد الأستاذ دام ظله حمل كلتا الصورتين على الإجمالي والفرق في كثرة المميّزات وعدم الكثرة ، فانتبه ].

وهذا بخلاف ما إذا تعلّق اليقين الإجمالي بطهارة أحدهما مع مميّز له سواء كان تمييزه بالعناوين المتعدّدة التي يسهل تشخيصه تفصيلا ويكون مشابها للمعلوم بالتفصيل ، كما في الفرض الثاني أم بعنوان واحد كعنوان الإناء الشرقي ـ مثلا ـ كما في الفرض الثالث فإنّ مثل هذا اليقين يكون ناقضا لليقين بالنجاسة التفصيليّ ، إذ يمكن الإشارة إلى ذلك الإناء بعنوانه المميّز له والحكم عليه بأنّه قد ارتفع عنه اليقين بالنجاسة وتعلّق اليقين بطهارته.

الثانية : أنّ دليل الاستصحاب يتكفّل اعتبار تعلّق اليقين بالحدوث والشك في البقاء ، وظاهره اعتبار فعلية كلا الوصفين ، فلا معنى لكون أحدهما ناقضا للآخر ، كما أنّه تكفّل الحكم بنقض اليقين باليقين الآخر ، وهذا غير متصوّر في باب الاستصحاب لاجتماع اليقينين في آن واحد. إذن فما معنى الحكم.

٢٨٠