منتقى الأصول - ج ٦

السيد عبد الصاحب الحكيم

منتقى الأصول - ج ٦

المؤلف:

السيد عبد الصاحب الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٠

لدعوى التلازم بين التعبدين بعد فرض تعدد العنوانين وتباينهما ، فاستصحاب الأبوة لا يقتضي التعبد بالبنوة. فتدبر.

ثم انه قد ذكرت بعض الفروع التي قيل ان الأعلام تمسكوا فيها بالأصل المثبت لا بأس بالتعرض إلى بعضها والتكلم فيها :

فمنها : ما لو شك في دخول الشهر ، فانه يتمسك باستصحاب بقاء الشهر السابق في يوم الشك ويرتب بواسطته آثار أول الشهر على اليوم التالي كآثار يوم العيد في شوال.

ومن الواضح ان الاستصحاب لا يثبت الأولية إلاّ بالملازمة العقلية ، بل يرتب بواسطته آثار غير الأول من أيام الشهر كيوم التاسع والعاشر بالنسبة إلى شهر ذي الحجة بلحاظ أحكام الحج.

ولا يخرج الاستصحاب عن المثبتية إلاّ بدعوى : ان عنوان الأول ليس إلاّ منتزعا عن نفس كون هذا اليوم من هذا الشهر وكون سابقه من الشهر السابق ، فهو مركب من هذين الأمرين ، فيثبت بإحراز أحدهما بالأصل والآخر بالوجدان.

لكن هذا لا يلتزم به ، فان عنوان الأولية منتزع عن خصوصية وجودية بسيطة ونسبة خاصة في المتصف بها ، وهذه الخصوصية لا تثبت بالأصل إلاّ بالملازمة ، فيكون من الأصول المثبتة. وعليه فيشكل الأمر في الموارد المزبورة.

وقد تفصى المحقق النائيني رحمه‌الله : بأنه لا حاجة إلى الاستصحاب في إثبات الأولية كي يشكل بأنه من الأصول المثبتة ، فانه يكفي في إثبات ذلك ما ورد من النصوص الدالة على كون المدار في الصيام والإفطار هو رؤية الهلال أو مضي ثلاثين يوما من الشهر السابق (١) ، فمع الشك في وجود الهلال يبني على كون يوم الشك من الشهر السابق ـ بحكم هذه النصوص ـ ، ومقتضاها ان أول

__________________

(١) وسائل الشيعة ٧ ـ ١٨٢ باب ٣ من أبواب أحكام شهر رمضان.

٢٢١

الشهر اللاحق هو اليوم الآتي (١).

ولكن أورد عليه : بان هذه النصوص تختص بشهري رمضان وشوال ، ولا تعم سائر الشهور كشهر ذي الحجة ، وقد عرفت ترتيب بعض الآثار على العنوان العددي لبعض أيام فيها (٢).

ولكن المورد ـ وهو السيد الخوئي ـ تفصى عن الإشكال بالالتزام بجريان الاستصحاب في نفس أول الشهر ونظائره من الثاني والثالث. وذلك ببيان : انه عند دخول اليوم الّذي يتلو يوم الشك يحصل اليقين بحصول اليوم الأول للشهر ، اما باليوم السابق ، أو بهذا اليوم ، ويشك في بقائه للتردد المزبور فيستصحب وجوده ، فيثبت بقاء اليوم الأول من الشهر ، وان لم يحرز ان هذا اليوم الّذي هو فيه أول أو ليس بأول لأن الأثر لا يترتب على اتصاف هذا اليوم بالأولية. بمفاد كان الناقصة ، بل يترتب على وجود اليوم الأول بمفاد كان التامة ، كما مر نظيره في استصحاب بقاء النهار والشهر ونحو ذلك مما تقدم في استصحاب الزمان.

وهذا البيان مردود لوجوه :

الأول : ان اليوم الأول لا واقع له خارجي إلا ذات النهار مع خصوصية فيه ، وليس له وجود وراء النهار مع تقيده بالخصوصية التي يتصف بها.

ومن الواضح ان ذات النهار لا يشك فيها ، وانما يشك في اتصافه بالخصوصية التي ينتزع عنه عنوان الأولية ، فلا شك لديه الا في كون هذا النهار هل هو أول أو ليس بأول؟ ، واما الشك في بقاء اليوم الأول فهذا مما لا أساس له ، إذ عرفت ان اليوم الأول لا واقع له الا النهار المتصف بالخصوصية ، فلا وجود له وراء ذلك ، فلا معنى لأن يكون وجود اليوم الأول مشكوك وراء الشك في تحقق

__________________

(١) الكاظمي الشيخ محمد علي. فوائد الأصول ٤ ـ ٤٩٩ ـ طبعة مؤسسة النشر الإسلامي.

(٢) الواعظ الحسيني محمد سرور. مصباح الأصول ٣ ـ ١٦٥ ـ الطبعة الأولى.

٢٢٢

الخصوصية واتصاف النهار المعلوم وجوده بها ، إذ لا وجود للمجموع غير واقع اجزائه كي يكون متعلقا لليقين والشك بنفسه.

وبالجملة : موضوع الأثر ليس هو عنوان اليوم الأول ، بل هو واقعه ، وقد عرفت انه لا يعدو الذات مع تقيدها بالخصوصية ، فالشك واليقين اللذان يتعلقان باليوم الأول ، انما يتعلقان بالذات مع التقيد ، فإذا فرض ان الذات كانت معلومة فالمشكوك ليس إلاّ تقيدها بالخصوصية. فلا محصل لدعوى تعلق اليقين بوجود اليوم الأول والشك في بقائه كي يستصحب.

نعم ، اليقين والشك يتعلقان بعنوان : « اليوم الأول » وانطباقه ، لكن العنوان بما هو لا أثر له ولا حكم يترتب عليه ، وانما المدار على المعنون ، وقد عرفت انه ليس إلا الذات مع تقيدها بالوصف وليس هناك وراء ذلك موجود ولو اعتبارا ، فتدبر تعرف.

الوجه الثاني : ان هذا الاستصحاب من باب استصحاب الكلي المردد بين ما هو مقطوع الارتفاع وما هو مقطوع البقاء ، وقد تقدم منا الإشكال في جريانه بنفس الإشكال في استصحاب الفرد المردد.

الوجه الثالث : انه لو سلم جريان الاستصحاب في الكلي مع تردده بين فردين أحدهما مقطوع البقاء والآخر مقطوع الارتفاع ، فلا مسرح له هاهنا ، بل الاستصحاب هاهنا من استصحاب الفرد المردد ، وذلك لأن المستصحب مردد حدوثا وفي مرحلة اليقين بين ما هو منتف وما هو باق ، ولا جامع بين هذين كي يقال انه متعلق اليقين بحيث يمكن الإشارة إليه على إجماله ، كما هو الحال في استصحاب القسم الثاني من الكلي ، إذ لا جامع بين النسبة المتحققة والنسبة الفعلية كي يكون متعلق العلم ، بل المتيقن مردد حدوثا بين فردين ، فيكون من استصحاب الفرد المردد وقد عرفت الإشكال فيه.

والمتحصّل ان إجراء الاستصحاب في اليوم الأول مما لا محصل له.

والتحقيق : انه ان استطعنا ان نستفيد من النصوص الواردة التعبد

٢٢٣

الشرعي بالأولية مع انقضاء ثلاثين يوما عند الشك بالنسبة إلى كل شهر بلا اختصاص بشهري رمضان وشوال فهو ، وإلاّ فإن أمكن الجزم بقيام السيرة على ذلك فلا إشكال أيضا. واما مع التوقف في إلغاء الخصوصية في النصوص ، وعدم حصول الجزم بقيام السيرة لعدم ثبوت حصول الشك لدى الشيعة بالنسبة إلى الأهلة ، بل كان يحصل العلم اما نفيا أو إثباتا للتصدي للاستهلال وسهولة الرؤية في الأراضي المنكشفة مما يستلزم العلم بالهلال وجودا وعدما ، أشكل الأمر في موارد الشك لعدم الفائدة للاستصحاب كما عرفت فلاحظ.

ومنها : ما إذا اختلف مالك العين مع من كانت العين في يده وتلفت ، فادعى المالك ان يده يد ضمان ، وادعى ذو اليد انها ليست يد ضمان كما ادعى انها كانت عارية.

فقد نسب إلى المشهور الحكم بأنها يد ضمان ، وإن القول قول المالك.

وهذا الحكم منهم إذا كانت مستندا إلى استصحاب عدم رضا المالك إذنه فقد يقال انه من الأصول المثبتة ، لأن أصالة عدم تحقق الرضا من المالك لا يثبت كون اليد عارية والاستيلاء بغير رضا المالك إلاّ بالملازمة.

وذهب المحقق النائيني قدس‌سره إلى : ان الاستصحاب هاهنا ليس بمثبت ، وذلك لأن الموضوع للضمان هو الاستيلاء على الشيء مع عدم رضا المالك بالمجانية بنحو التركيب ، واحد الجزءين محرز بالوجدان وهو اليد ، والآخر محرز بالأصل وهو عدم رضا المالك ، فيتم الموضوع ويثبت الحكم (١).

وهذا الالتزام منه ليس بسديد ، وذلك لأنه يرى ان العام المخصص بمخصص منفصل يكون معنونا بغير الخاصّ بنحو العدم النعتيّ لا المحمولي.

وعليه ، بنى عدم صحة جريان استصحاب العدم الأزلي عند الشك في المخصص مصداقا.

__________________

(١) الكاظمي الشيخ محمد علي. فوائد الأصول ٤ ـ ٥٠٢ ـ طبعة مؤسسة النشر الإسلامي.

٢٢٤

وما نحن فيه من هذا القبيل ، لأن عموم : « على اليد » بما إذا رضى المالك بالمجانية. ومقتضاه تقيد موضوع الضمان بعدم رضا المالك بنحو التوصيف والعدم النعتيّ لا التركيب والعدم المحمولي ، فالموضوع للضمان هو الاستيلاء غير المرضي به ، ولا يخفى ان أصالة عدم تحقق رضا المالك لا يثبت اتصاف اليد بعدم الرضا إلاّ بالملازمة. اذن فما أفاده غير تام على مبناه.

نعم ، على المبنى الآخر القائل بان العام يتقيد بعنوان عدمي بنحو التركيب الّذي يبتني عليه جريان استصحاب العدم الأزلي يصح جريان الاستصحاب المزبور هاهنا وينفع في ترتب الحكم بالضمان.

وقد يدعى ان المحقق النائيني قدس‌سره انما يذهب إلى تقيد العام بالعدم النعتيّ إذا كان عنوان الخاصّ بالنسبة إلى العام من قبيل العرض ومحله ، كالعالم العادل ، لا ما إذا كانا عرضين لمعروضين. وما نحن فيه كذلك ، لأن الاستيلاء عرض قائم بالمستولي ، والرضا عرض قائم بالمالك وليس قائما بالاستيلاء ، فلا يلحظان إلاّ بنحو التركيب ، وقد صرح قدس‌سره بذلك في مبحث العام والخاصّ فراجع (١).

وفيه : ان الرضا وان كان قائما بالمالك الراضي ، إلاّ أنه ذو محل ، وهو متعلقه لأنه من الصفات التعليقية كالعلم.

وعليه ، فالاستيلاء والتصرف معروض للرضا وعدمه ، ولا يعتبر في القيام ان يكون قيام الفعل بفاعله بل أعم من ذلك ، كما في الضرب القائم بالضارب والمضروب باعتبارين. اذن فيمكن أخذ اليد بوصف عدم الرضا لا مقارنة لعدم الرضا ، فتدبر.

وجملة القول : ان استصحاب عدم الرضا على هذا المبنى من الأصول المثبتة ، فلا وجه لفتوى المشهور. إلاّ ان يكون مستندا إلى التمسك بالعامّ في

__________________

(١) الكاظمي الشيخ محمد علي. فوائد الأصول ٢ ـ ٥٣٠ ـ طبعة مؤسسة النشر الإسلامي.

٢٢٥

الشبهة المصداقية وقد حقق عدم تماميته. أو مستندا إلى قاعدة المقتضي والمانع وهي غير تامة أيضا.

وهذه بعض الفروع المرتبطة بالأصل المثبت أشرنا إليها إتماما للفائدة.

وكيف كان ، فقد عرفت انه لا مجال لدعوى ترتيب الآثار غير الشرعية للمستصحب ولا الآثار الشرعية المترتبة عليها.

والنكتة في ذلك ما عرفت من كلام الشيخ رحمه‌الله من : ان دليل الاستصحاب على أي مسلك في المجعول فيه لا يتصدى إلاّ إلى التعبد بمقدار ما تعلق به اليقين السابق وحدوده ولا يزيد عليه ، فلا تترتب الآثار المترتبة على لوازمه العقلية لعدم كونها أحكاما للمتيقن السابق ، كما ان موضوعها لم يقع موردا للتعبد.

هذا وقد يقال : انه قد تقدم في الكلام في جريان الاستصحاب في الموضوعات الخارجية : ان دليل الاستصحاب لا يتكفل التعبد ببقاء المتيقن رأسا ، وإلاّ لاختص الاستصحاب بالاحكام الشرعية دون الموضوعات الخارجية ، وانما يتكفل الإلزام بمعاملة المتيقن معاملة البقاء وعدم نقض المتيقن عملا ، وان هذا الإلزام يكون إرشادا ـ بمقتضى دلالة الاقتضاء أو الملازمة العرفية ـ إلى جعل الحكم المماثل للمستصحب لو كان حكما ، وجعل الحكم المماثل لحكمه إذا كان المستصحب موضوعا.

وعلى هذا تكون نسبة دليل الاستصحاب إلى الأحكام المجعولة والموضوعات الخارجية على حد سواء ، فيكون شاملا لهما معا.

وبناء على هذا الاستظهار يمكن دعوى صحة الأصل المثبت ، بان يقال : ان دليل الاستصحاب يتكفل لزوم التعامل مع المتيقن معاملة البقاء ، وهو يشمل موارد الموضوعات التي لا يكون لها أثر شرعي ، بل يكون الأثر مترتبا على لازمها. ومقتضى النهي عن نقض اليقين به عملا والإلزام بمعاملته معاملة البقاء ترتيب تلك الآثار الشرعية الثابتة بواسطة صونا للكلام عن اللغوية.

٢٢٦

ولكن هذا القول فاسد ، وذلك لأن مفاد دليل الاستصحاب ـ كما أشير إليه هو معاملة المتيقن معاملة البقاء ، وهذا يقتضي اختصاصه بما يكون الأثر العملي الثابت بواسطة الاستصحاب أثرا للمستصحب نفسه ، بحيث بعد ترتبه إبقاء عمليا للمستصحب ، وفرضا للمستصحب انه باق.

وبعبارة أخرى : يلزم ان يكون الأثر المترتب من آثار بقاء المستصحب وليس الأمر كذلك في موارد الأصول المثبتة ، إذ الأثر الّذي يراد ترتيبه من آثار ملازم المستصحب ، فلا يعد من آثار بقاء المستصحب ، بل من آثار ما يلازم بقائه.

وعليه ، فترتيبه لا يكون إبقاء عمليات للمتيقن السابق ، ولا يكون معاملة له معاملة الباقي ، لعدم ارتباط الأثر العملي به ، بل بما يلازمه ، والمفروض ان ما يلازمه غير متيقن. اذن فهذا المورد لا يكون مشمولا لدليل الاستصحاب ولا يقاس بمورد الموضوع ذي الأثر الشرعي ، كعدالة زيد المستصحبة ، فان الاقتداء بزيد من آثار عدالته فيكون ترتيبه إبقاء عمليا للعدالة ، فيكون مشمولا لدليل الاستصحاب. فلاحظ وتدبر.

وجملة القول : انه لا مجال للالتزام بالأصل المثبت.

واما الأمارات ، فالمعروف ان المثبت منها حجة ، فيترتب على قيام الأمارة آثار المؤدى الشرعية كما تترتب عليه آثار لوازمه العقلية ، فإذا أخبرت البينة عما يلازم موت زيد يترتب على هذا الاخبار موت زيد وآثار الشرعية.

وقد تصدى الاعلام قدس‌سره لبيان الوجه في ذلك والكشف عن نقطة الفرق بين الأصول والأمارات.

ونذكر مما قيل وجهين :

الأول : ما أفاده المحقق النائيني قدس‌سره من : ان دليل الاعتبار في باب الأمارات يتكفل بجعل الطريقية والمحرزية ، وبما ان العلم بالشيء وجدانا يستلزم العلم بلوازمه وملزوماته مع الالتفات إليها ، وكذلك العلم التعبدي بالشيء ، فانه يستتبع ثبوت العلم تعبدا بلوازمه وملزوماته ، لعدم الفرق بينهما الا

٢٢٧

بالوجدانية والتعبدية.

وعليه ، فالتعبد بقيام العلم بالنسبة إلى مؤدى الأمارة يستتبع التعبد بالعلم بلوازمه (١).

وهذا الوجه مردود ـ مع قطع النّظر عن الإشكال في المبنى وهو جعل الطريقية ـ ، فان الملازمة بين العلم الوجداني بالشيء والعلم بلوازمه لا يقتضي التلازم بينهما في مقام التعبد ، بل التعبد يدور مدار دليله ، فإذا ثبت التعبد بالعلم بشيء بلحاظ آثاره فلا يلازم التعبد بالعلم بلوازمه مع قصور الدليل عن إثباته ، وبما ان دليل الأمارة يتكفل حجية الأمارة بلحاظ مؤداها ، فهو لا يتكفل سوى اعتبار العلم بالنسبة إلى المؤدى دون لوازمه ، وقد عرفت إمكان التفكيك بينهما ، فتدبر.

الوجه الثاني : ما أفاده صاحب الكفاية من : ان الأمارة كما تقوم على المؤدى تقوم على لوازمه ، فالخبر كما يحكي عن مؤداه كذلك يحكي عن لوازم المؤدى ، فلدينا خبران أحدهما : خبر عن المؤدى. والآخر : خبر عن لوازمه. فيكون كل منهما داخلا تحت دليل الحجية ومشمولا له ، فالاختلاف بين الأمارة والأصل ليس في كيفية التعبد ، بل في الموضوع (٢).

وأورد عليه المحقق النائيني قدس‌سره بان الحكاية عن الأمور القصدية ، فيختص موردها بما إذا كان الحاكي ملتفتا إلى لوازم الملزومات ، كما في موارد اللزوم البين بالمعنى الأخص ، فلا وجه لحجية المثبت منها مطلقا (٣).

ويمكن الجواب عنه بما أفاده المحقق العراقي قدس‌سره : من انه لا يعتبر في الاخبار الّذي يكون حجة القصد التفصيليّ للمخبر به المتوقف على الالتفات إليه ، بل يكفي القصد الإجمالي الارتكازي (٤).

__________________

(١) الخراسانيّ المحقّق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٤١٦ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

(٢) الخراسانيّ المحقّق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٤١٦ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

(٣) الكاظمي الشيخ محمد علي. فوائد الأصول ٤ ـ ٤٨٧ ـ طبعة مؤسسة النشر الإسلامي.

(٤) البروجردي الشيخ محمد تقي. نهاية الأفكار ٤ ـ ٢٤٢ ـ طبعة مؤسسة النشر الإسلامي.

٢٢٨

وهذا حاصل في باب الاخبار ، فان من يخبر عن شيء ويحكي عنه يخبر عن لوازمه بنحو الإجمال ولو لم يلتفت إلى خصوصياتها ، بل لم يلتفت إلى الملازمة ، فيتحقق منه القصد الارتكازي ، وهو كاف في صدق الخبر عنه ومما يشهد لذلك موارد الإقرار بشيء حيث يعد إقرارا بلوازمه ويترتب عليه أثر الإقرار على نفسه ، وان لم يكن ملتفتا إلى الملازمة ، بل ربما يستغفل عن الملازمة لأجل إلزامه بالإقرار. والسيرة العقلائية والفتاوى شاهدة على ما قلناه فراجع.

اذن فما أفاده صاحب الكفاية لا مانع من الالتزام به. والله سبحانه العالم.

التنبيه السابع : تعرض صاحب الكفاية في التنبيه الثامن الّذي ذكره عقيب البحث في الأصل المثبت إلى جهات ثلاث :

الأولي : انه لا فرق بين ترتب الأثر على المستصحب رأسا وبلا واسطة ، وبين ترتبه بواسطة عنوان كلي ينطبق عليه ويحمل عليه بالحمل الشائع ، سواء كان منتزعا عن مرتبة ذاته كالإنسان وفرده ، أو منتزعا عن بعض عوارضه مما يكون من الخارج المحمول كالأمر الانتزاعي بالنسبة إلى منشأ انتزاعه ، كالفوق والسقف والأب وزيد. دون ما كان منتزعا عن بعض عوارضه المتأصلة « المحمول بالضميمة » كالأسود والأبيض بالنسبة إلى معنونه.

وعلل ذلك : بان الأثر في الصورتين الأوليين يكون للمستصحب حقيقة لعدم ما يكون بحذاء الكلي في الخارج سواه. وعليه فالاستصحاب في الصورتين لا يكون مثبتا.

الثانية : انه لا فرق في الأثر المترتب على المستصحب بين أن يكون مجعولا شرعا بنفسه أو بمنشإ انتزاعه ، كالجزئية والشرطية ، فانها بيد الشارع رفعا ووضعا ولو بلحاظ ووضع منشأ انتزاعها ورفعه. وعليه فاستصحاب الشرط لترتيب الشرطية لا يكون من الأصل المثبت كما توهم.

الثالثة : ان الأثر الشرعي المستصحب أو المترتب على المستصحب لا

٢٢٩

يختلف الحال فيه بين أن يكون وجود الحكم أو عدمه ، لأن عدم التكليف بيد الشارع كثبوته ، ولا يعتبر في الاستصحاب أكثر من أن يكون المجعول بيد الشارع رفعا ووضعا ، سواء كان حكما أو لم يكن.

وعليه ، فلا مانع من استصحاب عدم التكليف في إثبات البراءة.

ولا وجه لاستشكال الشيخ رحمه‌الله فيه : بان عدم استحقاق العقاب في الآخرة الّذي يراد ترتيبه عليه ليس من اللوازم المجعولة (١).

والسر في عدم صحة هذا الإشكال : ان عدم استحقاق العقوبة وان لم يكن بمجعول ، إلا أنه لا حاجة إلى ترتيب أثر مجعول بعد ان كان المستصحب بنفسه مما أمره بيد الشارع ، فيجري فيه الاستصحاب ويترتب عليه عدم الاستحقاق ، لأنه من لوازم عدم المنع أعم من الواقعي والظاهري. هذا ما أفاده في الكفاية (٢).

ولا يخفى عليك انه كان ينبغي إلحاق هذا المبحث بمبحث الأصل المثبت ، لأنه من شئونه ومتفرعاته ، لا جعله مبحثا مستقلا برأسه.

وكيف كان فلا بد من التعرض إلى كل جهة من كلامه على حدّه ، فنقول :

اما الجهة الأولى : فهي على ما يبدو لا تخلو عن غموض في المراد ، بحيث يكون له صورة وجيهة. وذلك لأن الصور المتصورة في دخالة العنوان الانتزاعي في ترتب الحكم متعددة ، لأن موضوع الأثر إما وجود العنوان بما هو ، كوجود عنوان الفوق والتحت والأب والابن وغير ذلك. وأما وجود الذات مع الخصوصية التي ينتزع عنها العنوان الخاصّ.

واما الذات التي ينطبق عليها العنوان الخاصّ.

__________________

(١) الأنصاري المحقّق الشيخ مرتضى. فرائد الأصول ـ ٢٠٤ ـ الطبعة الأولى.

(٢) الخراسانيّ المحقّق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٤١٧ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

٢٣٠

فعلى الأول ، يمكن إجراء الاستصحاب في نفس العنوان إذا كانت له حالة سابقة ، فيستصحب وجود عنوان الأب والابن.

وعلى الثاني ، يمكن إجراء الاستصحاب مع الشك في وجود الذات المتصفة بالخصوصية مع الحالة السابقة ، فيستصحب وجودها إذا كان مشكوكا ، أو اتصافها بالخصوصية إذا كان أصل وجودها معلوما والخصوصية مجهولة.

وعلى الثالث ، فإن كان الشك في أصل وجود الذات ، أشكل الاستصحاب لأن استصحاب وجود العنوان أو وجود الذات مع الخصوصية لا يوجد بثبوت الانطباق إلا بالملازمة. نعم مع العلم بوجود الذات والشك في بقاء الانطباق يستصحب كونها منطبقة للعنوان. ولا يخفى وضوح الحكم في هذه الصور ، ولا موهم لأمر آخر فيها.

وعليه ، مراد صاحب الكفاية ان كان هو استصحاب نفس العنوان وترتيب آثاره ، فهو مما لا إشكال فيه ولا موهم بكونه من الأصول المثبتة ، كي يحتاج إلى تنبيه وإلفات نظر. وان كان هو استصحاب الفرد لترتيب آثار العنوان اللازم لبقائه لا لحدوثه ، كاستصحاب وجود زيد لترتيب آثار وجود الأب ، أو استصحاب بقاء الجسم على ما كان لترتيب أثر كونه فوقا ، فهذا من أوضح أنحاء الأصل المثبت ، وهل يتوهم أحد صحة جريان الأصل المزبور؟. فما أفاده قدس‌سره غير واضح المراد.

نعم ، بالنسبة إلى الكلي الطبيعي وفرده يصح استصحاب الفرد لترتيب أثر الكلي ، لأجل ان وجود الفرد وجود للكلي ، فاستصحابه استصحاب الكلي الموجود في ضمنه. وليس الأمر كذلك في العنوان الانتزاعي ومعنونه.

ولا ندري ما فهم المحقق الأصفهاني قدس‌سره (١) من كلام الكفاية

__________________

(١) الأصفهان ، المحقّق الشيخ محمد حسين. نهاية الدراية ٣ ـ ١٠٢ ـ الطبعة الأولى.

٢٣١

الّذي ردد في مراده بين ان يراد بالعنوان الاشتقاقي بلحاظ قيام مبدئه بالذات ، فذهب إلى أنه فرق بين ما كان مبدؤه قائما بقيام انتزاعي أو بقيام انضمامي. مما يظهر منه انه صحح كلام الكفاية في نفسه ، لكنه أورد عليه بعدم صحة تخصيصه بالعنوان القائم مبدؤه بقيام انتزاعي؟.

فهل فهم أنه يريد جريان الاستصحاب في العنوان نفسه؟ الّذي عرفت أنه لا موهم لكونه من الأصول المثبتة حتى يتعرض صاحب الكفاية لدفعه. أم فهم انه يريد جريان الاستصحاب في المعنون لترتيب آثار العنوان ـ كما قد يظهر ذلك من قوله : « فتلخص مما ذكرنا ... » وان لم يظهر من صدر كلامه ـ الّذي عرفت انه من أوضح أنحاء الأصل المثبت ، إذ وجود الذات يلازم وجود العنوان ، فكيف يثبت باستصحابها أثره؟. فتسليمه قدس‌سره ذلك لا نعرف له وجها.

وبالجملة : لم يتضح لنا مراد صاحب الكفاية ، كما لم يتضح لنا ما أفاده المحقق الأصفهاني وتبعه غيره (١). والله سبحانه هو العاصم.

اما الجهة الثانية : فقد تقدم في مبحث الأحكام الوضعيّة بيان عدم صحة جريان الأصل في الجزئية والشرطية ، لعدم قابليتهما للجعل ولا أثر عملي يترتب عليهما أصلا ، ولازمه عدم صحة جريان الأصل في ذات الجزء والشرط لترتيب الجزئية والشرطية ولا نعيد. فراجع.

وامّا الجهة الثالثة : فقد تقدم غير مرة ـ في مبحث البراءة ، وتأسيس الأصل في باب الحجية ، وفي مبحث استصحاب الأحكام الكلية ـ التعرض تفصيلا وإشارة إلى عدم جريان استصحاب عدم التكليف وبيان ما أثير حوله من إشكالات.

وعمدة ما يمكن ان يقال في منعه هو : ان دليل الاستصحاب اما ان يكون

__________________

(١) الواعظ الحسيني محمد سرور. مصباح الأصول ٣ ـ ١٧١ ـ الطبعة الأولى.

٢٣٢

متكفلا للتعبد ببقاء المشكوك رأسا. أو يكون متكفلا للأمر بمعاملة المتيقن معاملة البقاء ، ويكون هذا إرشادا للتعبد ببقاء المتيقن إن كان حكما ، أو حكمه ان كان موضوعا. وليس الأمر بعدم النقض امرا مولويا إلزاميا ، كيف والاستصحاب يجري في غير الأحكام الإلزامية من إباحة واستحباب وكراهة ، ولا معنى للإلزام بعدم النقض عملا في مواردها.

فإن كان مفاد دليل الاستصحاب هو الأول ، فمن الواضح ان التعبد بعدم شيء لا معنى له إذا كان معدوما حقيقة ، بل اعتبار العدم يعرض على الشيء بلحاظ فرض وجوده ، فيعتبر الموجود معدوما. وهكذا اعتبار الوجود انما يعرض على المعدوم ، وإلاّ فالموجود لا معنى لاعتباره موجودا.

وعليه ، نقول : ان التعبد بعدم الحكم المشكوك في حق الشاك لا يرجع إلى نفي التكليف الواقعي حقيقة وإلغائه رأسا ، فإنه خلاف المفروض في الأحكام الواقعية ، وانما يرجع إلى التعبد بعدمه ظاهرا يعني في حق الشاك بما هو شاك.

ومن الواضح أن الشاك بما هو شاك لم يثبت في حقه حكم كي يصح التعبد بعدمه. إذن فلا معنى للتعبد بعدم الحكم في حق الشاك للعلم بعدم ثبوت الحكم في حقه ، إذ الفرض انه لم يثبت إلزام شرعي ظاهري في مرحلة الشك.

وإن كان مفاد دليل الاستصحاب هو الثاني ـ كما قربناه فيما تقدم ـ ، فلا يشمل عدم التكليف ، وذلك لأن استفادة التعبد من الأمر بمعاملة المتيقن معاملة البقاء إنما كان بالملازمة العقلية أو العرفية ، بلحاظ كونه في مقام التشريع والجعل.

وهذا انما يتم لو فرض انه ليس هناك ما يقتضي المعاملة معاملة البقاء ، اما مع وجود ما يقتضي ذلك فلا تتم الملازمة ، وبدونها يكون المدلول المطابقي قاصر الشمول. وما نحن فيه كذلك ، إذ بعد فرض عدم تحقق الإلزام الشرعي الظاهري يكون مقتضى حكم العقل هو البراءة وعدم الكلفة بالنسبة إلى التكليف المشكوك ، ومرجع ذلك إلى معاملة عدم التكليف معاملة البقاء ، فلا مجال

٢٣٣

حينئذ لشمول دليل الاستصحاب لعدم تحقق الملازمة المصححة لشمول الدليل لمورده.

وبذلك ظهر : ان دعوى جريان الاستصحاب في عدم التكليف لا ترجع إلى محصل ، وليس الوجه فيه ما قيل من انه تحصيل الحاصل ، أو من أردأ أنحائه. فقد عرفت التفصي عن ذلك ، بل العمدة ما ذكرناه هنا ، فتأمل فيه وتدبر.

ثم ان ارتباط هذا المبحث بمبحث الأصل المثبت من جهة ملاكه وهو كون مفاد الاستصحاب التعبد بالأمور المجعولة دون غيرها ، حيث يقع الكلام في ان عدم التكليف قابل للجعل أو لا ، والأمر سهل.

التنبيه الثامن : أشار صاحب الكفاية رحمه‌الله : إلى أن ما ذكر من عدم ترتب الآثار غير المجعولة على المستصحب ، وأو الآثار المجعولة المترتبة على اللازم غير المجعول المستصحب ، انما هو فيما كانت الملازمة للوجود الواقعي للمستصحب. اما إذا فرض ان اللازم العقلي لازم للأعم من الوجود الواقعي للمستصحب والوجود الظاهري ، كان مترتبا على المستصحب لا محالة ، لتحقق موضوعه واقعا وحقيقة ، وذلك مثل وجوب الإطاعة المترتب عقلا على ثبوت الحكم الشرعي الواقعي والظاهري ، فإذا ثبت الوجوب الشرعي بالاستصحاب ترتب عليه الحكم بوجوب الإطاعة قهرا (١).

وهذا الأمر واضح ، وكان ينبغي ان يجعل من توابع الأصل المثبت ، لا ان يفرد له تنبيه على حدّه. والأمر سهل.

التنبيه التاسع : قد يتوهم ان المستصحب لا بد ان يكون حكما أو موضوعا ذا حكم في مرحلة الحدوث.

ولعل الوجه فيه هو ان الاستصحاب عبارة عن الإبقاء الشرعي بضميمة

__________________

(١) الخراسانيّ المحقّق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٤١٧ ـ ٤١٨ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

٢٣٤

ان مرجعه إلى جعل الحكم المماثل ، وهذا لا يصح إلا إذا كان المتيقن حكما شرعيا ، وإلا لم يكن الحكم المجعول في مقام الشك إبقاء شرعيا للمتيقن.

ولكنه توهم فاسد ، إذ لم يؤخذ في دليل الاستصحاب هذا العنوان ـ أعني : عنوان الإبقاء ـ ، بل المأخوذ فيه هو عدم النقض عملا ومعاملة المتيقن السابق معاملة الباقي لاحقا ، وهذا لا يستلزم أكثر من كون المتيقن بقاء حكما شرعيا أو ذا حكم شرعي بقاء ، ويكون المجعول حكما مماثلا للمشكوك على تقدير وجوده واقعا. ولا يعتبر ان يكون كذلك حدوثا ، لعدم تكفل الدليل للإبقاء ، بل للأمر بالعمل في مقام الشك عمل الباقي واقعا ، فانتبه.

ولعل إلى ما ذكرناه من وجه التوهم ودفعه ينظر صاحب الكفاية في تعليله بقوله : « وذلك لصدق نقض اليقين بالشك على رفع اليد عنه والعمل ، كما إذا قطع بارتفاعه يقينا » (١). فلاحظ والله سبحانه هو العاصم الموفق الهادي إلى سواء السبيل وهو حسبنا ونعم الوكيل (٢).

التنبيه العاشر : (٣) الشك تارة يكون في حدوث الحادث وعدمه. وأخرى يكون في تقدمه وتأخره مع العلم بحصوله في زمان خاص.

__________________

(١) الخراسانيّ المحقّق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٤١٨ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

(٢) إلى هنا نقف عن الاستمرار في كتابة الدروس لأنا قد كتبنا التنبيهات الآتية إلى أواخر مباحث التعادل والتراجيح عند حضورنا دروس الدورة السابقة ، وقد رأيت الاكتفاء بالتنبيه على مواضع الاختلاف والزيادات في هذه الدورة على هامش الكتابات السابقة. والحمد لله تعالى شأنه أولا وآخرا ونسأله أن يوفقنا للعلم والعمل الصالح إنه سميع مجيب. وقع الفراغ منه الاثنين المصادف ١٨ ـ ع ٢ ـ ١٣٩٣ ه‍ ـ. وأنا الأقل عبد الصاحب الحكيم.

(٣) ذكر قدس‌سره عند ما حضر درس المقرر له ـ دام ظله ـ في تاريخ ١ ـ ١٢ ـ ٨١ كان هذا التنبيه الحادي عشر ولكن بحسب ترتيب هذه الدورة فهو العاشر.

٢٣٥

فالأوّل : لا إشكال في جريان الاستصحاب فيه ، وهو محط الكلام سابقا.

والثاني : ـ وهو مورد الكلام في هذا التنبيه ـ : يدور الكلام فيه في محورين :

المحور الأول : ما كان الملحوظ فيه التقدم والتأخر بالإضافة إلى أجزاء الزمان ، كالشك في حصول موت زيد يوم الجمعة مع العلم به في يوم السبت ، والعلم بعدمه يوم الخميس.

المحور الثاني : ما كان الملحوظ فيه التقدم والتأخر بالإضافة إلى حادث زماني آخر ، كالشكّ في تقدّم موت المورث على إسلام الوارث أو تأخّره عنه ، مع العلم بتحققهما في يوم السبت وعدم تحققهما في يوم الخميس.

اما المحور الأول ـ وهو الشك بلحاظ اجزاء الزمان ـ ، فقد ذكر الشيخ (١) والمحقق الخراسانيّ (٢) قدس‌سرهما : انه يجري استصحاب العدم فيه ، فيستصحب في المثال عدم الموت إلى يوم الجمعة ، اما بالنسبة للآثار الشرعية فهي ثلاثة.

الأول : الآثار المترتبة على عدم الموت يوم الجمعة ولا إشكال في ترتبها على الاستصحاب المذكور.

الثاني : الآثار المترتبة على الحدوث في يوم السبت ، والحال فيها يختلف لأن الحدوث اما أن يكون بسيطا أو مركبا فان كان الحدوث أمرا بسيطا ينتزع عن وجود الشيء في زمان وعدمه في زمان آخر فلا تثبت آثاره باستصحاب العدم إلى يوم الجمعة ، لأنه إنما يثبت العدم في يوم الجمعة لا أكثر ، فيكون من الأصول المثبتة بالنسبة إلى الحدوث. نعم مع القول بخفاء الواسطة عرفا في المورد ، وترتيب الآثار مع خفائها ، تترتب الآثار المذكورة على الاستصحاب. وإن كان الحدوث

__________________

(١) الأنصاري المحقّق الشيخ مرتضى. فرائد الأصول ـ ٣٨٧ ـ الطبعة الأولى.

(٢) الخراسانيّ المحقّق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٤١٩ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

٢٣٦

أمرا مركبا من وجود الشيء في زمان وعدمه في الزمان الّذي قبله ، ترتبت آثار الحدوث على الاستصحاب لثبوت الحدوث بإحراز أحد جزئية بالوجدان ، وهو الوجود في يوم السبت ، والآخر بالأصل ، وهو العدم في يوم الجمعة ، فيتم الموضوع ويتحقق فتترتب عليه آثاره.

الثالث : الآثار المترتبة على عنوان التأخر عن يوم الجمعة ، وهي لا تثبت لكون التأخر أمرا وجوديا بسيطا منتزعا ، فالاستصحاب مثبت بالنسبة إليه ، فلا تترتب عليه آثاره لعدم ثبوته بالاستصحاب إلا على القول بخفاء الواسطة عرفا وترتيب الآثار معه.

وامّا المحور الثاني ـ وهو الشك بلحاظ حادث زماني آخر ـ فتارة يجهل بتاريخ كلا الحادثين.

وأخرى يعلم بتاريخ أحدهما دون الآخر فالكلام في موردين :

المورد الأول : الجهل بتاريخ كلا الحادثين ، وقد ذكر له صاحب الكفاية رحمه‌الله أقساما أربعة :

القسم الأول : ان يكون الأثر مترتبا على الوجود بنحو خاص من التقدم والتأخر والتقارن بمفاد كان التامة ، فقد ذكر رحمه‌الله ان الأثر ان كان مترتبا على الوجود الخاصّ لأحدهما فقد جرى استصحاب عدمه بلا إشكال. وان كان مترتبا على الوجود بكل أنحائه تعارض الاستصحاب ، لأن استصحاب العدم بأحد الأنحاء يعارض استصحاب العدم بالنحوين الآخرين. وكذا لو كان الأثر مترتبا على الوجود الخاصّ لكل من الحادثين ، فان استصحاب العدم في أحدهما يعارض باستصحابه في الآخر (١).

ولا بد من التعرض في هذا المورد إلى امرين :

__________________

(١) الخراسانيّ المحقّق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٤١٩ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

٢٣٧

الأمر الأول : في بيان مراد صاحب الكفاية من ترتب الأثر على الوجود بنحو خاص من التقدم والتأخر والتقارن بشكل نتحفظ فيه على جهتين :

إحداهما : كون الوجود المترتب عليه الأثر بمفاد كان التامة. والثانية : ملاحظة الخصوصية مع الوجود. وقد فسرت بوجوه ثلاثة :

الأول : ان الأثر مترتب على الوجود بمفاد كان التامة والخصوصية مأخوذة ظرفا للوجود ، فيكون المعنى : ان الأثر مترتب على الوجود في زمان متأخر أو متقدم أو مقارن. فالأثر مترتب على الوجود بمفاد كان التامة ولكن ظرفه هو الزمان المتأخر أو المتقدم أو المقارن. فالجهتان محافظ عليهما في هذا التفسير كما لا يخفى.

ولكن هذا التفسير غير مراد صاحب الكفاية قطعا ، لأنه قد حكم بجريان استصحاب العدم فيما إذا كان الأثر مترتبا على الوجود بنحو التأخر ، وانه يعارض استصحاب العدم فيما لو كان للوجود بنحويه الآخرين أثرا أيضا.

مع ان لازم هذا التفسير عدم جريان استصحاب العدم فيما لو ترتب الأثر على الوجود بنحو التأخر ، للعلم بانتقاض الحالة السابقة فيه ، لأنه في الزمان المتأخر يصدق ان أحد الحادثين موجود في زمان متأخر عن الحادث الآخر.

الوجه الثاني : ان الأثر مترتب على التقدم والتأخر والتقارن بمفاد كان التامة.

وهذا التفسير وان لم يرد عليه ما ورد على التفسير الأول لأن التأخر غير محرز ، ولكنه بعيد عن ظاهر عبارة الكفاية ، لأن ظاهرها كون الأثر مترتبا على الوجود بمفاد كان التامة بالنحو الخاصّ ، لا كونه مترتبا على النحو الخاصّ كما يتضمنه التفسير.

الوجه الثالث ـ وهو المختار ـ وبيانه : ان الأمور الانتزاعية تنتزع عن الذات باعتبار تخصصها بخصوصية غير زائدة في الوجود عن أصل الذات ،

٢٣٨

فالفوقية تنتزع عن السقف باعتبار تخصصه بخصوصية ، وهذه الخصوصية غير زائدة عن ذاته.

والتقدم وأخواه من الأمور الانتزاعية التي تنتزع عن الوجود باعتبار خصوصية فيه غير زائدة عن ذاته.

فمراد صاحب الكفاية يكون : ان الأثر مترتب على حصة خاصة من الوجود إذا لوحظت انتزع عنها وصف التأخر أو التقدم أو التقارن ، وبهذا التفسير نكون قد حافظنا على كلتا الجهتين ، فالأثر مترتب على الوجود بمفاد كان التامة ، والخصوصية من التقدم والتقارن والتأخر ملحوظة.

ولا يرد عليه ما ورد على التفسير الأول ، لعدم العلم بانتقاض الحالة السابقة بالنسبة إلى الحصة الخاصة المنتزع عنها وصف التأخر لإمكان ان يكون الوجود بنحو خاص ينتزع عنه عنوان التقدم في حدوثه ، فيمكن إجراء استصحاب العدم في صورة ترتب الأثر على الوجود بنحو التأخر (١).

الأمر الثاني : حول ما ذكره من المعارضة بين الأصول في صورة ترتب الأثر على الوجود بكل من أنحائه ، أو على وجود كل من الحادثين بنحو خاص.

فنقول : المعارضة في صورة ترتب الأثر على الوجود بكل من أنحائه مسلمة.

واما في صورة ترتيبه على وجود كل من الحادثين بنحو خاص فلا.

فان استصحاب عدم وجود الموت الخاصّ من التقدم مثلا لا يعارض استصحاب عدم وجود الإسلام الخاصّ ، لإمكان ان يكون وجودهما متقارنا.

القسم الثاني : ان يكون الأثر مترتبا على الوجود المتصف بالتقدم أو

__________________

[١] في جريان هذا الاستصحاب إشكال يظهر مما تقدم في الإشكال في جريان استصحاب أول الشهر في بعض فروع الأصل المثبت. فراجع لكنه يبتني على ان لا تكون الخصوصية الانتزاعية من كيفيات وجود الذات بحيث ليس غير وجود الذات شيء آخر والصحيح هو ذلك.

٢٣٩

التقارن أو التأخر بمفاد كان الناقصة. وقد حكم قدس‌سره بعدم جريان الاستصحاب في هذا المورد لعدم اليقين السابق.

ولكن في إطلاقه تأمل يتضح بتقديم مقدمتين :

الأولى : انه إذا أخذ أمران في موضوع حكم ، فتارة يؤخذان موضوعا للحكم بلا لحاظ أمر زائد عليهما ، بل الملحوظ في تحقق الأثر كونهما معا. وأخرى يؤخذان مع لحاظ امر زائد عليهما وهو تقيد أحدهما بزمان الآخر واتصافه به ، فيكون الموضوع هو الأمر المقيد بشيء وجودي أو عدمي.

ويصطلح على الشكل الأول بالتركيب ، وعلى الثاني بالتقيد.

المقدمة الثانية : قد ذكرنا سابقا ان الصفات المقيد بها موضوعات الأحكام ..

تارة : تكون لاحقة للحادث بمعنى انها عارضة عليه بعد حدوثه ، كالعدالة والعلم والشجاعة وغيرها. وجريان الاستصحاب في مثل هذه الصفات واضح لوجود حالة سابقة للحادث وهو عدمها ، فمع الشك فيها يستصحب عدمها.

وأخرى : تكون مقارنة لحدوثه ، بمعنى انه حين وجوده اما ان يكون متصفا بالصفة أو بغيرها ، بحيث لا تكون هذه الصفة مسبوقة بالعدم بعد حدوث الحادث ثم تعرض عليه ، كالقرشية وغيرها ، والعربية وغيرها.

والشك في هذه الصفات هو مورد استصحاب العدم الأزلي الّذي وقع الكلام فيه فيما إذا ورد عام ثم ورد خاص موضوعه مقيد بإحدى هذه الصفات ، وشك في فرد انه من افراد الخاصّ كي يشمله حكمه أو لا ، كما لو ورد : « أكرم العلماء » ثم ورد : « لا تكرم الأمويين » وشك في فرد عالم انه أموي أو لا ، ولما كان العام لا يجوز التمسك به في الشبهة المصداقية ، فهل هناك أصل موضوعي يعين الوظيفة العملية؟. وقع الكلام في ذلك.

وينشأ الخلاف في جريان الاستصحاب العدم الأزلي في المورد ، من

٢٤٠