منتقى الأصول - ج ٦

السيد عبد الصاحب الحكيم

منتقى الأصول - ج ٦

المؤلف:

السيد عبد الصاحب الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٠

المعنى ، ولا بد في جريان الاستصحاب فيها من ترتب أثر عملي عليها. وهو اما تحصيل المعرفة واليقين. أو حصول الاعتقاد. فعلى الأول يمتنع الاستصحاب ، لأنه لا يقوم مقام اليقين المأخوذ في المقام على نحو الصفتية. وعلى الثاني يجري الاستصحاب بناء على إمكان تحقق الاعتقاد مع الشك وعدم ملازمته لليقين. كما انه يمكن جريانه فيها للالتزام بها ظاهرا ـ كما تقدم عن المحقق العراقي ـ.

وامّا النبوة ، فهي أيضا أما ان تكون من الصفات النفسانيّة أو المناصب المجعولة كأداء الرسالة وتبليغ الأحكام. ولا شك فيها بالمعنيين أصلا بعد الموت.

لأنها بالمعنى الأول يعلم ببقائها بعده. وبالمعنى الثاني يعلم بارتفاعها بالموت ، فلا شك فيها أصلا ، فلا مورد للاستصحاب. والشك في النبوة بالمعنى الثاني وان كان يحصل من جهة الشك في الموت ، ولكنه خارج عن محل الابتلاء.

ولو تنزلنا وقلنا يتحقق الشك فيها بنحو ما ، فأثرها العملي امّا بوجوب الاعتقاد أو استمرار شريعة النبي.

اما على الأول ، فجريان الاستصحاب يتوقف على القول بمجامعة الاعتقاد للشك.

وامّا على الثاني ، فلا ترتب لأن استمرار الشريعة غير مترتب على بقاء النبوة ببقائه ، إذ من يلتزم بان النبوة بالمعنى الثاني يقول باستمرار الشريعة بعد الموت ولا يقول بارتفاعها به ، فلا يجري الاستصحاب.

ومما ذكرنا تعرف انه لا مجال لتمسك الكتابي باستصحاب نبوة نبيه ، وقد ذكر في جوابه وجوه متعددة :

الوجه الأول : ان تمسكه بالاستصحاب لا يخلو اما ان يكون لأجل إقناع نفسه ، أو لأجل إلزام المسلمين ، أو لأجل دفع كلفة الاستدلال عن نفسه. وان الدليل لا بد أن يكون على مدعى الدين الجديد ، لأن الدّين إذا ثبت فهو مستمر بمقتضى الطبيعة والقاعدة حتى يثبت خلافه وهذا هو معنى الاستصحاب.

٣٠١

فان كان غرضه هو إقناع نفسه ، فجريان الاستصحاب انما يكون بعد الفحص ، فلا بد له من الفحص قبل تمسكه بالاستصحاب ومع الفحص يحصل له اليقين بنبوة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وان كان غرضه إلزام المسلمين ، فهو انما يتم لو التزم المسلمون بتحقق اليقين والشك لديهم ، لأنّ الإلزام انما يكون بالمسلمات لدى الخصم ، والمسلمون انما يعتبرون الاستصحاب مع تحقق اليقين والشك ، والشك ليس بحاصل لديهم بل يعلمون بالارتفاع ، لغرض كونهم مسلمين.

وان كان غرضه دفع كلفة الاستدلال عن نفسه وإلقاء كلفته على المسلمين ، فهو ممنوع ، لأن الدين كما يحتاج إلى دليل في مرحلة حدوثه كذلك يحتاج إليه في مرحلة بقائه ، فلا بد له من إقامة الدليل على بقاء دينه.

والتمسك بالاستصحاب لا يجديه على كل من الفروض الثلاثة.

الوجه الثاني : ان تمسكه بالاستصحاب انما يصح لو ثبت اعتباره في كلا الشريعتين ، إذ لو تعين ثبوته في خصوص شريعته فهو مشكوك البقاء كباقي الأحكام الشرعية الثابتة فيها. ولو اختص ثبوته في الشريعة اللاحقة ، فهي غير ثابتة الصحة والحقيقة كي يتمسك بأحكامها.

الوجه الثالث : ان ثبوت نبوة نبيّه انما علمناها من اخبار نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلو استصحبنا النبوة السابقة يلزم نفي نبوة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومعه ينتفي اليقين بالنبوة. السابقة ، فيلزم من وجود الاستصحاب عدمه وهو محال.

وأيضا ، فمع معرفة النبوة السابقة من طريق نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ بما انه نبي ـ يرتفع الشك في البقاء ، بل يعلم بالارتفاع ، كما لا يخفى.

الوجه الرابع : انه لا معنى لاستصحاب النبوة الا وجوب التدين بما جاء به النبي السابق ـ لأن النبوة صفة نفسانية غير قابلة للارتفاع ـ ، ومما جاء به النبي السابق التبشير بنبوة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فنحن نعلم بثبوت أحكام الشريعة

٣٠٢

السابقة مغياة بمجيء نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله .

الوجه الخامس : وهو يرجع ـ تقريبا ـ إلى الوجه الرابع ، وهو مضمون ما أجاب به الإمام الرضا عليه‌السلام الجاثليق (١) ، وحاصله : انا نؤمن بكل عيسى وموسى بشّر بنبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا نؤمن بكل عيسى وموسى لم يخبر عن نبوة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وبهذا الجواب أجاب السيد القزويني ـ كما يحكى ـ حين أشكل عليه الكتابي بالاستصحاب.

وأورد عليه الشيخ رحمه‌الله : بأنه لا وجه له ، لأن عيسى وموسى ليس كليا كي يعترف ببعض افراده وينكر الافراد الأخر ، بل هو جزئي حقيقي وشخص معلوم نعترف بنبوته.

ولكن يمكن توجيهه : بان الإيمان بعيسى وموسى الشخصيين كان بملاك تبشيرهما بنبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا طريق إلى الاعتراف الا هذه الخصوصية ، فالخصوصية مقومة للاعتراف. والترديد من ناحيتها.

وهذه الوجوه الخمسة ذكرها الشيخ قدس‌سره في رسائله مع اختلاف بسيط جزئي (٢) فالتفت.

التنبيه الثاني عشر : في استصحاب حكم المخصص.

وموضوع الكلام فيه : ما إذا ورد عام مطلق من حيث الزمان ، بأن دل على استمرار الحكم في جميع الأزمنة إلى الأبد ، ثم خصص ببعض افراده في زمان معين ، وشك بعد انقضاء زمان الخاصّ في حكم الفرد الخاصّ في أنه محكوم بحكم الخاصّ أم لا؟ ، فهل يستصحب حكم الخاصّ أو يتمسك بالعموم؟.

وقد حكم الشيخ قدس‌سره بالتفصيل بين ما إذا لوحظ الزمان في العام أفرادا وحصصا متعددة ، بحيث يكون كل فرد من أفراد العام محكوما بأحكام

__________________

(١) عيون اخبار الرضا عليه‌السلام ١ ـ ١٥٤ ح ١.

(٢) الأنصاري المحقّق الشيخ مرتضى. فرائد الأصول ـ ٣٩٣ ـ ٤٩٣ ـ الطبعة الأولى.

٣٠٣

متعددة بتعدد آنات الزمان وقطعه. وبين ما إذا لوحظ الزمان قطعة واحدة لاستمرار الحكم ، ولا عموم إلا بلحاظ الافراد دون الأزمان. فقال بجريان الاستصحاب في نفسه في الثاني وعدم كونه موردا لأصالة العموم. بخلاف الأول ، فانه مورد لأصالة العموم دون الاستصحاب (١).

اما المحقق الخراسانيّ في الكفاية ، فقد وأفق الشيخ في تفصيله للعام وتقسيمه إلى قسمين. ولكنه خالفه في إطلاق الحكم بعدم كون القسم الثاني موردا لأصالة العموم ، والقسم الأول موردا للاستصحاب.

أما القسم الثاني ، فقد وافقه في عدم كونه موردا لأصالة العموم لو كان التخصيص في الأثناء. أما لو كان التخصيص من أول أزمنة العموم ـ كتخصيص عموم : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ )(٢) بخيار المجلس ـ ، كان المورد من موارد أصالة العموم.

واما في القسم الأول ، فقد جعل الملاك في عدم جريان الاستصحاب في نفسه كون الخاصّ قد أخذ الزمان فيه قيدا ، سواء أخذ الزمان في العام مفرّدا أو ظرفا لاستمراره. ولو أخذ الزمان في الخاصّ ظرفا ، كان المورد من موارد الاستصحاب ، سواء كان الزمان في العام قد أخذ مفردا أو ظرفا أيضا. وليس الملاك في عدم كونه من موارد الاستصحاب أخذ الزمان في العام مفردا ـ كما أفاده الشيخ (ره) (٣) ـ.

والمهم في البحث هو ما إذا لوحظ الزمان في العام والخاصّ ظرفا ، لأن صورة ما إذا لوحظ في الخاصّ قيدا قد بين عدم جريان الاستصحاب فيها فيما سبق في الكلام عن جريان الاستصحاب في الزمان والزمانيات. وان أخذ ظرفا

__________________

(١) الأنصاري المحقّق الشيخ مرتضى. فرائد الأصول ـ ٣٩٥ ـ الطبعة الأولى.

(٢) سورة المائدة ، الآية : ١.

(٣) الخراسانيّ المحقّق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٤٢٤ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

٣٠٤

له جرى الاستصحاب فيه ، فلا كلام في ذلك. وعليه فلا بد من بيان الوجه في عدم كون الصورة المذكورة من موارد أصالة العموم ، وبيان الوجه في مخالفة صاحب الكفاية للشيخ. فالكلام في محورين :

المحور الأول : في وجه عدم كون الصورة من موارد أصالة العموم.

وقد علل الشيخ ذلك : بان أصالة العموم انما تجري مع الشك في التخصيص واحتمال عدم إرادة العموم. اما في غير ذلك فلا تجري. ولما كان ـ المفروض أخذ الزمان ظرفا لاستمرار العام وأن لا عموم للعام الا من ناحية الافراد ، وأن كل فرد له حكم مستمر لا أحكام متعددة بتعدد الزمان ، وخصص العام بأحد الافراد في زمان معين ـ لم يكن عدم الحكم على الخاصّ بحكم العام فيما بعد ذلك الزمان تخصيصا كي يتمسك لنفيه بأصالة العموم ـ.

وقد علل المحقق الخراسانيّ ذلك بوجهين : ذكر أحدهما في الكفاية ، وذكر الآخر في حاشيته على الرسائل.

امّا الأول الّذي ذكره في الكفاية فهو : ان العام له دلالتان : الأولى : ثبوت الحكم للفرد. والثانية : استمرار هذا الحكم.

اما ثبوت الحكم للفرد ، فقد تحقق بنحو الموجبة الجزئية إلى ما قبل التخصيص. واما الاستمرار فقد دل على انتفائه التخصيص. فلا معنى لشمول العام لهذا الفرد بعد زمان التخصيص (١).

واما الوجه الثاني الّذي ذكره في الحاشية فهو : ان العام يدل على ثبوت حكم واحد مستمر ، فلو أردنا إثبات حكم العام للفرد بعد زمان التخصيص ، كان هذا الحكم غير الحكم الّذي كان قبل زمان التخصيص ، كما انه منفصل عنه بزمان التخصيص. وعليه فالعام لا يتكفل إثبات الحكم للفرد بعد زمان

__________________

(١) الخراسانيّ المحقّق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٤٢٤ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

٣٠٥

التخصيص ، لأن العام انما يدل على ثبوت حكم واحد مستمر لا حكمين منفصلين ، كما هو مقتضى ثبوت حكمه للفرد بعد ذلك الزمان (١).

وقد ذكر المحقق الأصفهاني في حاشيته على الكفاية هذا الوجه. ثم نفاه ونفي تقريب الشيخ بما ذكره لإثبات ما ذهب إليه من كون المورد من موارد التمسك بالعامّ.

وتلخيص ما ذكره ـ مع توضيحه ـ : ان العام له حيثيتان : حيثية عمومه وحيثية إطلاقه الأزماني. ومقتضى عمومه ثبوت الحكم للفرد في الجملة. ومقتضى إطلاقه ثبوت الحكم للفرد في الزمان المستمر. فالتمسك بالعموم عند الشك غير ممكن لخروجه بالتخصيص ، ولا يكون عدم شمول الحكم له في غير زمان الخاصّ تخصيصا زائدا كي ينفي مع الشك بأصالة العموم كما عرفت.

ولكن يمكن التمسك بالإطلاق ، فانك عرفت بان للعام إطلاقا أزمانيا ، فإذا قيد هذا الإطلاق بزمان ، يبقى ثابتا في الأزمنة الباقية. فان الزمان المأخوذ ظرفا قابل لأن يقيد ، لأن وحدته طبيعية لا شخصية. فإذا قيد مطلق الزمان بزمان خاص جعله التقييد حصة والحصة محافظة على وحدتها الطبيعية واستمرارها ، فيكون مفاد الإطلاق والتقييد ثبوت الحكم للفرد في غير هذا الزمان الخاصّ.

وبالجملة : فالإطلاق في العام كغيره من الإطلاقات في انها إذا قيدت بقيت في غير مورد التقييد على إطلاقها.

وقد يتوهم : وجود الفرق بين هذا الإطلاق وبين غيره من جهتين :

الجهة الأولى : ان سائر المطلقات لها جهات عرضية ، كالإيمان والكفر والعلم والجهل والذكورة والأنوثة وغيرها في الرقبة ، فيمكن لحاظ هذه الجهات وإطلاق الحكم بالإضافة إليها بلا منافاة لشيء.

__________________

(١) الخراسانيّ المحقّق الشيخ محمد كاظم. حاشية فرائد الأصول ـ ٢٢٥ ـ الطبعة الأولى.

٣٠٦

اما ما نحن فيه ، فلما لم يكن الزمان المستمر بنفسه ذا افراد متكثرة بل لا يكون كذلك الا بالتقطيع. ولحاظه بنحو التقطيع والإطلاق بالإضافة إليها خلاف المفروض ، لأن المفروض عدم لحاظه كذلك.

والجواب :

أولا : ان الإيراد المذكور يبتني على كون الإطلاق هو الجمع بين القيود ـ بمعنى انه تلحظ القيود جميعها ويجعل الحكم بإزاء كل واحد منها ـ ، كي يرجع فيما نحن فيه إلى جعل الحكم في كل قطعة من قطعات الزمان ، فيلزم الخلف. أما بناء على ما هو الحق من انه عبارة من رفض القيود لا الجمع بينها ـ بمعنى ان الحكم متعلق بطبيعي متعلقه بلا دخل لأي قيد فيه ـ فلا يتم هذا الإيراد. لأن النّظر إلى قطعات الزمان وعدم تقييد طبيعي الزمان بها لا وجودا ولا عدما لا يستلزم الخلف. وانما الّذي يستلزم الخلف هو النّظر إليها وجعلها ظروفا للحكم.

وثانيا : ان الزمان المستمر اما ان يلحظ في مقام الثبوت مهملا. أو مقيدا ـ يعني متقطعا ـ. أو مبنيا من ناحية الإطلاق وأنه شامل لجميع الأفراد.

اما الأول ، فهو محال لمحالية الإهمال في مقام الثبوت.

وامّا الثاني : فهو خلف.

فيتعين الثالث ، وهو يتوقف على لحاظ الخصوصيات المقيدة لها ونفيها بأخذه لا بشرط ، لا بشرط شيء ولا بشرط لا.

الجهة الثانية : انه لما كان المطلق فيما نحن فيه له ظهور واحد في معنى واحد مستمر ، وبعد رفع اليد عنه بالتخصيص لا ظهور آخر يتمسك به في إثبات الحكم. فثبوت الحكم بعد زمان التخصيص انما يكون لو كان للمطلق ظهورات متعددة بتعدد قطع الزمان ، فإذا ارتفع أحدها بقيت الأخرى على حالها. وليس فيما نحن فيه إلا ظهور واحد.

والجواب : ان جميع المطلقات والعمومات لها ظهور واحد في معنى واحد

٣٠٧

وليس لها ظهورات متعددة ، والتخصيص والتقييد انما يفيدان رفع حجية الظهور في الفرد لا رفع نفس الظهور ، بل هو باق لا يرتفع. فيمكن التمسك به في إثبات حكم العام والمطلق للفرد مع الشك.

وقد يستشكل : بان عدم التمسك بالعموم أو الإطلاق انما هو لأجل أن ظاهر العام بحيثيته ثبوت حكم واحد مستمر ـ كما هو المفروض ، لأن المفروض كون الزمان مأخوذا لبيان الاستمرار ـ ، وثبوت الحكم للفرد بعد زمان التخصيص انما يقتضي ثبوت حكمين منفصلين لا حكم واحد مستمر.

والجواب : بأن الوحدة المنثلمة انما هي الوحدة الخارجية ، وهي غير معتبرة قطعا ، لقيام البرهان على ذلك لتعدد إطاعة الحكم وعصيانه ، وهو كاشف عن تعدد الحكم في الخارج ، إذ لا يتصور إطاعة وعصيان لحكم واحد. وانما المعتبر هو الوحدة في مقام الجعل والإنشاء. والمراد منها في هذا المقام جعل طبيعي البعث أو حصة منه في قبال جعل بعثين أو حصتين منه ـ فان البعث في هذا المقام مفهوم صالح لأن يقيد ويحصص ، فان جعل طبيعة أو حصة واحدة منه فقد جعل بعث واحد. وان لوحظ مقيدا محصصا ، فقد تعدد ـ ، وهي فيما نحن فيه متحققة ، لأن المجعول انما هو بعث واحد لا متعدد.

ومثله الكلام في الاستمرار ، فان المعتبر ليس هو الاستمرار في الخارج لعدم إمكانه لفرض التعدد في هذا المقام. وانما المعتبر هو الاستمرار في مرحلة الإنشاء والجعل وهو متحقق ، فانه قد جعل الزمان المستمر ـ وهو ما عدا يوم الجمعة مثلا ـ ظرفا للبعث. إلى هنا ينتهي ما أفاده المحقق الأصفهاني مما له علاقة بتقريب ما ذهب إليه من إمكان التمسك بالإطلاق في الفرض المذكور (١).

ونفي كلامي الشيخ ـ الّذي يدعي ظهور العموم في وحدة الحكم الثابت

__________________

(١) الأصفهاني المحقّق الشيخ محمد حسين. نهاية الدراية ٣ ـ ١١٦ ـ الطبعة الأولى.

٣٠٨

وصاحب الكفاية قدس‌سرهما ـ الّذي يدعى ظهوره في وحدة الحكم واستمراره ـ ، ولكنه بكلامه الأخير لا يخلو عن نظر (١)

__________________

[١] تحقيق الكلام في مناقشة المحقّق الأصفهاني (ره) وتصحيح ما أفاده الشيخ وصاحب الكفاية : أنّ الإطلاق تارة يراد به الإطلاق الاصطلاحي الراجع إلى ثبوت الحكم على الطبيعة بلا قيد وشرط ، فيستفاد إرادة جميع الحصص بمعونة مقدمات الحكمة. وأخرى يراد به ثبوت الحكم بالنسبة إلى مطلق الحصص لكن لا على أن يكون ذلك مستفادا من مقدمات الحكمة الراجعة إلى إثبات رفض القيود ، بل هو مستفاد من نفس الكلام لوضعه إلى جميع الحصص ، نظير دلالة لفظ « يوم » على جميع أجزاء النهار فإنّها ليست بالإطلاق المصطلح ، نعم يصحّ أن يقال إنّه يراد به مطلق أجزاء النهار بلا تقييد ، ولكن ذلك لا يعني أنّه يراد به التمسّك بمقدمات الحكمة بل من جهة أنّ « اليوم » اسم لجميع هذه الأجزاء من المبدأ إلى المنتهى. ومثل ذلك دلالة لفظ « قوم » على جميع الأفراد فإنّها تختلف عن دلالة لفظ العالم على إرادة جميع أفراد العالم ، فإنّ دلالة لفظ العالم على جميع أفراده بالإطلاق الاصطلاحي ومقدمات الحكمة بخلاف دلالة لفظ « قوم » فإنّه يدلّ على جميع الأفراد لوضعه إلى مجموع الأفراد ولذا يسمّى باسم الجمع ، والفرق بين هذين النحوين أنّ الدليل المقيّد في المورد الأول لا يتنافى مع مدلول الكلام وإنّما يستلزم إخراج الفرد عن مقتضى مقدمات الحكمة ، ويبقى الدليل المطلق حجة في سائر الحصص. أما في المورد الثاني فالدليل المقيّد يتنافى مع نفس المدلول رأسا ولذا قلنا ـ في مبحث العموم والخصوص ـ إنّه لو ورد ما يدل على إكرام عشرة علماء ثم ورد ما يدل على عدم إكرام واحد منهم كان الدليلان متعارضين لأنّ مدلول عشرة ليس هو الطبيعة بل مجموع الافراد رأسا ، ولأجل ذلك لم تكن من أفراد العموم.

فلو ورد ما يدل على مجيء القوم ، ثم ورد ما يدل على عدم مجيء واحد منهم كزيد كان الدليلان متعارضين.

نعم حيث أنّ مثل القوم يستعمل في البعض مسامحة يحمل لفظ : « القوم » في مثل « جاء القوم إلاّ زيدا » مما يعلم إرادة البعض مسامحة لأنّه يكون له ظهور ثانوي في ذلك ومثله ما لو كان المخصّص منفصلا وبذلك يختلف عن مثل لفظ : « عشرة » فإنّه ليس له ظهور ثانوي في الأقل ولذا يستقرّ التعارض بين دليل إكرام العشرة ودليل عدم إكرام واحد منهم. وكيف كان فالتمسك بمثل لفظ القوم في غير مورد الاستثناء ليس من جهة الرجوع إلى الإطلاق في غير مورد التقييد بل من جهة الرجوع إلى الظهور الثانوي المحمول عليه الكلام بقرينة ما هو أظهر منه.

وإذا اتّضح ما ذكرناه : فاعلم أنّ الدليل الدال على استمرار الحكم في الحصص الزمانية ـ بعنوان الاستمرار ـ سواء كان بنحو المعنى الاسمي كأن يقول : « يجب الجلوس مستمرا إلى الغروب » أو بنحو المعنى الحرفي كأن يقول : « يجب الجلوس من الآن إلى الغروب » لا يدل على ثبوت الحكم في جميع أجزاء الزمان المفروض بالإطلاق ومقدمات الحكمة بل بمدلوله الوضعي نظير لفظ « اليوم » الدال على أجزاء.

٣٠٩

فان الوحدة والاستمرار الذين يدعي ظهورهما من العموم ، يراد منهما الوحدة والاستمرار في مرحلة الخارج ، لا الوحدة والاستمرار في مرحلة الإنشاء والجعل ، وهما غير محققين بعد التخصيص وثبوت الحكم للخاص بعد زمانه ، ولأجل ذلك لا يتمسك بالعموم فيه.

واما ما ساقه من البرهان على عدم اعتبار الوحدة الخارجية من عدم تحققها أصلا لتعدد الإطاعة والمعصية الكاشف عن تعدد الحكم ، فلا ينافي ما ذكرناه ، فان المراد من الوحدة الخارجية المعتبرة انما هو الوحدة بنظر العرف التي يمكن انطباقها على التعدد الدقي ، وهي متحققة في حكم العام بالنسبة إلى افراده ، وتنثلم بالتخصيص. فعدم إمكان الوحدة في مرحلة الخارج بمعنى ، لا يتنافى مع دعوى الوحدة في هذه المرحلة بمعنى آخر.

__________________

الزمان بين المبدأ والمنتهى ، لأنّ الاستمرار اسم لثبوت الحكم في تمام الأزمنة ومجموعها.

وعليه فإذا دلّ الدليل على انقطاع الحكم وعدم ثبوته في الأثناء لم يكن ذلك من تقييد المطلق ببعض حصصه كي يرجع إليه في سائر الحصص ، بل هو مناف لأصل الدليل على الاستمرار ومسقط له عن الاعتبار ، ومعه لا دليل على ثبوت الحكم بعد زمان التخصيص فلفظ الاستمرار نظير لفظ « عشرة » في سقوطه مع معارضته بما هو أقوى منه وعدم الرجوع إليه في غير مورد الدليل المعارض.

نعم دلالة الدليل على ثبوت الحكم في الجملة تبقى على حالها لعدم ما يعارضها. ويبقى سؤال أنّه إذا انتفت دلالة الدليل على الاستمرار وبقيت دلالته على الحكم في الجملة فما هو الوجه في الالتزام بثبوت الحكم قبل زمان التخصيص ، إذ يكون ما قبل زمان التخصيص وما بعده بالنسبة إليه على حدّ سواء؟

والجواب عنه هو ما سيأتي ـ في تحقيق كلام الكفاية ـ من الالتزام بوجود ظهور آخر للدليل وهو ظهوره في ثبوت الحكم بمجرد تحقّق موضوعه ، ومقتضاه ثبوت الحكم فيما قبل زمان التخصيص.

وإذا تحقّق لديك ما بيّناه فنقول : أنّ محطّ كلام الشيخ (ره) وغيره هو ما إذا كان الدليل دالا على استمرار الحكم ولو بنحو المعنى الحرفي ، وعليه فلا يتّجه ما أفاده المحقّق الأصفهاني في مناقشته بالرجوع إلى الإطلاق الأزماني وبيان أنّ الإطلاق رفض القيود ، إذ عرفت أنّ دلالة الدليل المزبور على ثبوت الحكم في تمام الأزمنة ليس بالإطلاق الراجع إلى رفض القيود بل بمقتضى الوضع نظير دلالة لفظ اليوم على جميع الأجزاء بين المبدأ والمنتهى ، فيمكن أن نقول : أنّ ما أفاده ( قده ) لا يخلو عن خلط بين المقامين ، فتدبّر ولا تغفل.

٣١٠

وكذلك المراد من الاستمرار ، هو الاستمرار بنظر العرف القابل للانطباق على المنقطع بالنظر الدقي. وهو ينثلم بالتخصيص.

فالمراد بالوحدة والاستمرار نظير الوحدة والاستمرار في سائر الأمور التدريجية التي لا تتنافى مع التجدد والتصرم. هذا مع انه لم نعرف معنى محصلا للاستمرار في مقام البعث ، كيف! وهو من شأن الوجودات ، فكيف فرض الحكم المجعول مستمرا بعد فرض انقطاعه في الأثناء؟ واستمراره في مقام البعث. لا نعرف له معنى ظاهرا فتدبر.

وبهذا تعرف عدم تمامية إيراد المحقق الأصفهاني ( رحمة الله ) على الشيخ والمحقق الخراسانيّ قدس‌سرهما في عدم تمسكهما بالعموم في هذا الفرض.

وقد استظهر المحقق النائيني رحمه‌الله من كلام الشيخ رحمه‌الله التفصيل بين العام المجموعي والاستغراقي ، بعدم التمسك بالعموم في الأول دون الثاني.

ولما كان هذا مخالفا لما عليه الأصوليون من التمسك بالعامّ المجموعي عند الشك في التخصيص ، التزم بتأويل كلامه وحمله على خلاف ما استظهره مما بنى عليه في المقام من : ان الزمان ..

تارة : يؤخذ ظرفا لمتعلق الحكم كالإكرام والوفاء وغيرهما.

وأخرى : يؤخذ ظرفا لنفس الحكم.

فعلى الأول يمكن ان يكون الدليل متكفلا لاستمرار الحكم دون الثاني لأن نسبة الاستمرار إلى الحكم نسبة العرض إلى معروضه ، والحكم إلى موضوعه ، فثبوت الاستمرار يتوقف على ثبوت الحكم في مرحلة سابقة عليه. فدليل الحكم لا يتكفل ثبوت استمراره ، لأنه انما يثبت بعد فرض تحقق الحكم ، بل لا بد في إثباته من دليل آخر منفصل يكون موضوعه الحكم. ودليل الاستمرار لا يثبت الحكم ، لعدم ثبوته مع عدم ثبوت الحكم ، فكيف يثبت الحكم بدليله؟!. وعليه فمع

٣١١

الشك في ثبوت الحكم بعد زمان التخصيص لا يمكن التمسك لا بدليل العام ، لأنه انما يدل على ثبوت الحكم في الجملة. وقد ثبت. ولا بدليل الاستمرار ، لأن ثبوته فرع ثبوت الحكم ، والمفروض الشك فيه.

فعلى هذا ، حمل كلام الشيخ وانه تفصيل بين ما إذا أخذ الزمان ظرفا للمتعلق فيتمسك بالعموم ، وبين ما إذا أخذ ظرفا للحكم فلا يتمسك به. وان كان هذا الحمل خلاف الظاهر للعلم بعدم إرادة الشيخ للظاهر الّذي عرفته (١).

ولكن ما ذكره قدس‌سره ممنوع. بجهتيه : (٢) امّا الأولى : وهي ما استظهره من كلام الشيخ من التفصيل بين العام المجموعي والاستغراقي ـ والّذي أصر عليه السيد الخوئي وبنى على اشتباه أستاذه في التأويل ـ ، فان استظهاره لا وجه له ، لأن القسم الثاني الّذي ذكره

__________________

(١) الكاظمي الشيخ محمد علي. فوائد الأصول ٤ ـ ٥٤٣ ـ طبعة مؤسسة النشر الإسلامي.

(٢) تحقيق الإشكال فيما أفاده ( قده ) : أنّ ما أفاده من عدم تكفّل الدليل الدّال على الحكم لاستمراره ، لتفرّع الاستمرار عن نفس الحكم يرد عليه أنّه خلط بين مقام الجعل والمجعول. فإنّ ما أفاده يمكن أن يقرّر في الجعل فإنّ استمرار الجعل متفرّع عن ثبوته ، فلا يمكن أن يتكفّل دليل ثبوت التشريع والجعل استمرار الجعل في نفس الوقت لأنّ مرجع استمرار الجعل إلى إدامة التشريع والثبات عليه وعدم نسخة وهذا لا يمكن أن يفرض إلاّ متأخّرا عن تحقّق الجعل والتشريع.

وأما في المجعول وهو الحكم فلا يتمّ ما أفاده فإنّه يمكن أن ينشأ الحكم المستمرّ في آن واحد بلا لزوم لإنشائه أوّلا ثم بيان استمراره ، نظير الملكية المستمرة المنشأ بدليل واحد وإنشاء واحد. وبعبارة أخرى إنّ المجعول يتبع كيفية جعله فقد يجعل في زمان خاص وقد يجعل في جميع الأزمنة بجعل واحد ، ولا يخفى أنّ محطّ الكلام فيما نحن فيه هو الحكم المجعول لا الجعل.

هذا مع أنّ ما أفاده غير تام في الجعل والتشريع أيضا وذلك لأنّ الجعل والتشريع ليس مدلولا للكلام والدليل ، بل هو فعل من أفعال الجاهل نظير أخباره ، فإنّ مدلول الكلام هو المخبر به لا الاخبار ، وإنّما الاخبار فعل خارجي يتحقّق بالكلام والاستعمال فنسبة الاخبار والجعل إلى الكلام نسبة المسبّب إلى السبب لا المدلول إلى الدليل.

وعليه فلا موضوع لأنّ يقال إنّ استمرار الجعل لا يمكن أن يتكفّله نفس الكلام الّذي يتكفّل ثبوت الجعل.

٣١٢

الشيخ يجتمع مع العموم الاستغراقي والمجموعي معا. ويشهد لذلك انه جعل من هذا القسم ما يمكن ان يكون عاما استغراقيا ، وهو : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ )(١) ، فان الوفاء بكل عقد واجب ، في كل زمان وآن ، وليس الزمان كله أخذ موضوعا واحدا وبنحو الارتباطية لوجوب الوفاء بالعقد ، بل على تقدير تسليم ظهور كلامه في ذلك ، فلا وجه لتأويله بما ذكر من أن المراد من القسم الثاني ما كان الزمان فيه ملحوظا ظرفا ، لأنه مثل له مثالا يتنافى مع ذلك وهو : ( أكرم العلماء دائما ) ، لظهور تكفل اعتبار الاستمرار بنفس الدليل ، وقد صرح قدس‌سره بلزوم التكفل بدليل منفصل يكون موضوعه الحكم كما عرفت ، فالتفت.

واما الجهة الثانية : وهي ما ذكره من كون نسبة الاستمرار مع الحكم نسبة العرض مع معروضه ، وانه لا بد في ثبوت الاستمرار من ثبوت الحكم ، لأن الاستمرار أمر انتزاعي ينتزع عن الوجود بعد الوجود بلا فاصل ، وثبوت الحكم في الأزمنة المتعاقبة ، فنسبته إلى الحكم نسبة العنوان إلى المعنون ـ لأنه ينتزع عن ثبوت خاص للحكم ـ ، وحينئذ فدليل الاستمرار يتكفل ثبوت الحكم في الأزمنة التالية للزمان الأول ، وثبوت الحكم في الزمان الثاني والثالث معناه الاستمرار.

وعليه ، فيمكن التمسك بدليل الاستمرار في إثبات الحكم فيما بعد زمان التخصيص. ولا يتوقف على إحراز تحقق الحكم ، بل مع إحرازه لا نحتاج إلى دليل الاستمرار.

وبعبارة أخرى : انه ما المقصود من لزوم إحراز تحقق الحكم في ثبوت الاستمرار؟ ، هل إحرازه في الآن الثاني بعد التحقق أو إحرازه في الجملة ولو في الآن السابق؟. فعلى الأول : لا نحتاج إلى إثبات الاستمرار. وعلى الثاني :

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية : ١.

٣١٣

المفروض ثبوت الحكم في الآن السابق ، فتدبر.

ويتم لدينا ـ من جميع ذلك ـ : ان ما ذكره الشيخ والخراسانيّ في توجيه دعواهما بعدم التمسك بالعامّ فيما إذا ثبت أخذ الحكم بنحو الوحدة والاستمرار تام كبرويا ، بمعنى انه إذا ثبت أخذ الحكم بهذا النحو من دليل العام أو من دليل خارجي ـ كما لو قال : « أكرم العلماء إلى الأبد » فان : « إلى الأبد » تدل على استمرار الحكم ـ ، امتنع التمسك بالعموم فيما بعد التخصيص لانتفاء الاستمرار وتعدد الحكم.

ولكن الكلام يدور معه صغرويا ، بمعنى ان العمومات الثابتة لا دلالة فيها على أخذ الحكم فيها بنحو الوحدة والاستمرار كعموم : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) الّذي ساقه مثالا لدعواه ، فان : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) لا دلالة فيها الا على وجوب الوفاء بالعقد في كل زمان. امّا أخذ الحكم بنحو الوحدة والاستمرار فلا دلالة له عليه. نعم الوحدة والاستمرار ينتزعان عن مثل هذا الوجوب باعتبار تعاقب ثبوت الوجوب وعدم انفصاله ، فيرى عرفا حكما واحدا مستمرا. ولكنه لا يجدي في عدم التمسك بالعموم فيما بعد التخصيص لعدم استفادة اعتباره بدليل ، وانما منطبق على نحو ثبوت الحكم في الزمان.

المحور الثاني : في مخالفة صاحب الكفاية للشيخ فيما لو كان التخصيص في الابتداء ، فقد عرفت انه ذهب إلى جواز التمسك بالعامّ في هذا الفرض. دون الشيخ ، لإطلاقه المنع.

وحاصل ما ذكره في تقريب ما ذهب إليه : ان المانع من التمسك بالعامّ لو كان التخصيص في الأثناء ـ وهو لزوم ثبوت حكمين منفصلين مع دلالة العام على ثبوت حكم واحد متصل ـ غير موجود لو كان التخصيص في الابتداء ، لأن كلا من الوحدة والاستمرار لا ينثلم بثبوت حكم العام بعد زمان التخصيص كما لا يخفى.

٣١٤

والّذي (١) ينبغي ان يقال : ان للعام جهتين : جهة العموم التي تقتضي ثبوت الحكم لأفراد العام. وجهة الإطلاق التي تقتضي ثبوت هذا الحكم للفرد في جميع الأزمنة. فلا بد من ملاحظة دليل العام من جهة عمومه ، فان كان يقتضي ثبوت الحكم للفرد في الجملة كان ما ذكره صاحب الكفاية من صحة التمسك بالعامّ بعد زمان التخصيص في محله ، لأن التخصيص انما يزاحم الإطلاق المقتضي لثبوت الحكم في جميع الأزمنة ، فيقتصر على مورد المزاحمة وهو زمان التخصيص ، ويبقى الفرد في الأزمنة الأخرى مشمولا للإطلاق. وان كان يقتضي ثبوت الحكم للفرد بمجرد ثبوته ، لم يكن ما ذكره صاحب الكفاية تاما لأن التخصيص زاحم دلالة العام ورفعها ، فلا يبقى مجال للتمسك بالعموم ولا بالإطلاق ، لأنه فرع

__________________

(١) التحقيق : إنّ الدليل الّذي يتكفّل ثبوت الحكم إلى الغاية المعيّنة كوجوب الجلوس إلى الليل إذا جاء زيد من السفر يشتمل على مداليل ثلاثة : أصل ثبوت الحكم وثبوته عند حصول موضوعه وبمجرده واستمراره إلى الليل.

ولذا قد يفكّك بين هذه المداليل في الصدق والكذب ، كما لو قال القائل : « إذا قام عمرو يقوم زيد إلى الليل » فإنّه إذا فرض قيام زيد عند قيام عمرو ولكنه لا يستمر إلى الليل فإنّه يقال أنّه كذب في جهة وصدق في جهة ، كما أنّه لو استمر قيامه إلى الليل لكن لم يتحقّق بمجرد قيام عمرو يقال إنّه كذب من جهة وصدق من أخرى.

وبالجملة : لا ينبغي الإشكال في أنّ مثل هذا الاخبار ينحل إلى أخبار ثلاثة وعليه نقول : إنّه إذا قام الدليل على التخصيص من الأول ، كان ذلك مصادما لظهور الدليل العام في ثبوت الحكم بمجرد تحقّق الموضوع من دون منافاة للظهورين الآخرين ، فرفع اليد عن هذا الظهور لا ينافي مع الالتزام بالظهورين الآخرين ، ومقتضاه ثبوت الحكم بعد زمان التخصيص مستمرا إلى الغاية المحدّدة.

وهذا بخلاف ما إذا كان التخصيص في الأثناء فإن دليل التخصيص يصادم ظهور الدليل الآخر في الاستمرار وهو مدلول واحد كما عرفت ، فيمتنع أن يثبت الحكم بعد زمان التخصيص.

فما أفاده صاحب الكفاية متين وجيه ، وهو مما يمكن أن ينسب إلى الشيخ وإن لم يصرّح به لالتزامه بلوازمه ، ولذا لم يتوقّف في الرجوع إلى عموم الوفاء بالعقود بعد انقضاء المجلس ، فلاحظ. وبهذا البيان تعرف الإشكال فيما بيّناه في الدورة السابقة.

٣١٥

ثبوت العموم ، والمفروض انه غير ثابت لنفي التخصيص له.

إلى هنا ينتهي الكلام في هذا التنبيه ، وقد تبين تمامية ما ذكره الشيخ والمحقق الخراسانيّ قدس‌سرهما من عدم التمسك بالعامّ فيما لو كان التخصيص في الأثناء كبرويا وعدم تماميته صغرويا. كما تبين ما في إطلاق المحقق الخراسانيّ لصحة التمسك بالعامّ لو كان التخصيص في الابتداء ، وانه لا بد من التفصيل الّذي عرفته. فتدبر جيدا.

التنبيه الثالث عشر : في بيان المراد من الشك في الاخبار.

ذكر المحققون : ان المراد بالشك في اخبار الاستصحاب خلاف اليقين ، فيعم الشك بمعنى تساوي الطرفين والظن والوهم. واستدلوا لذلك بوجوه ..

كتصريح أهل اللغة بعموم معناه وتعارض استعماله في الاخبار في غير هذا الباب.

وقوله عليه‌السلام : « ولكن تنقضه بيقين آخر » الدال على تحديد الناقض وانه خصوص اليقين دون غيره.

وغير ذلك ـ ما جاء في الرسائل (١) والكفاية (٢) ـ (٣) وذلك مما لا إشكال فيه. ولا يستدعي زيادة بيان. وبذلك تنتهي تنبيهات المسألة التي ذكرها صاحب الكفاية.

__________________

(١) الأنصاري المحقّق الشيخ مرتضى. فرائد الأصول ـ ٣٩٨ ـ الطبعة الأولى.

(٢) الخراسانيّ المحقّق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٤٢٥ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

(٣) ومن جملة ما استدلّ به على كون المراد بالشك هو مطلق غير العلم وجهان ذكرهما الشيخ (ره) :

أحدهما : الإجماع القطعي على تقدير اعتبار الاستصحاب من باب الاخبار.

والآخر : أنّ الظن غير المعتبر إن علم بعدم اعتباره بالدليل فمعناه أنّ وجوده كعدمه عند الشارع وإن كل ما يترتّب شرعا على تقدير عدمه فهو المترتّب على تقدير وجوده وإن كان مما شكّ في اعتباره فمرجع رفع اليد عن اليقين بالحكم الفعلي السابق بسببه إلى نقض اليقين بالشك. وقد ناقشهما صاحب الكفاية (ره) :

٣١٦

...........................................

__________________

فناقش الأول : بأنّه لا وجه لدعواه ولو سلّم اتّفاق الأصحاب على الاعتبار لاحتمال أن يكون ذلك من جهة ظهور دلالة الاخبار.

وناقش الثاني : بأنّ قضية عدم اعتبار الظن لإلغائه أو لعدم الدليل على اعتباره ليست إلاّ عدم ثبوت المظنون به تعبّدا لتترتّب عليه آثاره ، لا ترتيب آثار الشك على الظن وتنزيل وصف الظن منزلة عدمه بلحاظ آثار عدم الظن.

والمناقشة في الأول لا بأس بها ومرجعها إلى عدم اليقين بكون الإجماع تعبديّا ليكشف عن قول المعصوم عليه‌السلام.

وأما المناقشة في الوجه الثاني فهي غير واردة على كلا شقّي الترديد في كلام الشيخ. وتوضيح ذلك :

أنّ الظن غير المعتبر على قسمين :

أحدهما : ما قام الدليل على إلغائه وعدم اعتباره كالظن القياسي ، وهذا ما ألحقه الشيخ بالشك ببيان أنّ دليل الإلغاء يتكفّل تنزيله منزلة العدم فيترتّب عليه كل ما يترتّب شرعا على عدمه.

والآخر : ما لم يقم دليل على اعتباره فيكون مقتضى الأصل عدم حجيّته كالشهرة. وهذا ما ألحقه الشيخ بالشك ببيان أنّ رفع اليد عن اليقين السابق بسببه يكون من باب نقض اليقين بالشك.

والظاهر إنّ نظره (ره) إلى نظير ما يقال في ردّ شمول الآيات الناهية عن العمل بغير العلم للظن المعتبر بأنّه خارج تخصّصا ، لأنّه بعد قيام الدليل القطعي على حجيّته لا يكون العمل به عملا بغير العلم بل عملا بالعلم باعتباره ، فيقال فيما نحن فيه إنّ رفع اليد عن اليقين السابق بالظن المشكوك اعتباره يكون استنادا إلى الشك ونقضا لليقين بالشك باعتبار الظن.

ولا يخفى عليك أنّ ما أفاده صاحب الكفاية ـ وتبعه غيره ـ في مناقشة الشيخ إنّما يرد على ما أفاده بالنسبة إلى الظن الّذي قام على عدم اعتباره الدليل ، إذ يقال أنّ الدليل على الإلغاء ناظر إلى عدم إثبات المظنون به تعبّدا لا تنزيل الظن منزلة عدمه في آثار عدم الظن الشرعية. ولا يرد على ما أفاده بالنسبة إلى الظن المشكوك اعتباره بالبيان الّذي عرفته ولا يرتبط به بوجه أصلا كما لا يخفى ، فالجمع بين القسمين في مقام المناقشة ليس بسديد.

فالمتّجه أن يقال في مناقشة الشيخ : أنّ العمل في مورد الظن المشكوك الاعتبار لا يستند إلى الشك بل إلى الظن ، فإنّه لو سلّم صحّة استناد العمل في مورد العلم بالحجيّة إلى العلم لا إلى نفس الظن المعلوم الحجية فهو لا يسري إلى ما نحن فيه ، إذ العلم في مورد الفرض أقوى من الظن فيصلح أن يكون هو المستند إليه لضعف الظن بالإضافة إليه. وليس الأمر كذلك فيما نحن فيه بل الأمر بالعكس ، فإنّ الشك أضعف من الظن ، فمع اجتماعهما يكون المستند هو الظن ، فيقال عمل بالظن لا بالشك.

وبالجملة : الملاحظ في سيرة العقلاء هو الاستناد إلى أقوى الجهتين مع اجتماعهما بحيث يعلّل العمل.

٣١٧

ويبقى في المقام تنبيهان آخران ذكرهما الشيخ في الرسائل ، لا بد من التعرض لهما لهما لما يترتب عليهما من آثار عملية.

اما التنبيه الأول : فالكلام فيه حول استصحاب الصحة (١).

__________________

به لا بالأضعف ، فتدبّر. وكيف كان في غير هذين الوجهين مما أشرنا إليه تبعا للغير كفاية.

ثم أنّ بعض كلمات الكفاية في المقام لا يخلو عن غموض وإشكال الأول وهلة ، وهو قوله : ـ بعد أن استشهد على العموم بقوله عليه‌السلام : « لا حتى يستيقن أنّه قد نام » بعد السؤال عمّا إذا حرّك في جنبه وهو لا يعلم وترك الاستفصال بين ما إذا أفادت هذه الأمارة الظن وما إذا لم تفد ـ : « وقوله عليه‌السلام : بعده ولا تنقض اليقين بالشك أنّ الحكم في المغيا مطلقا هو عدم نقض اليقين بالشك » فإنّ دلالة قوله : « ولا تنقض اليقين بالشك » على ثبوت حرمة النقض في موارد الشك بقول مطلق ليست محل الكلام وإنّما محل الكلام إرادة مطلق عدم العلم من الشك وهذا لا يثبت بظهور الكلام في حرمة نقض اليقين بالشك مطلقا.

ويمكن رفع الغموض عن كلامه بأن يقال أنّ مراده : إنّ ظاهر قوله : « ولا تنقض اليقين بالشك » أنّه تطبيق على ما أفاده في قوله : « لا حتى ... » وهو الحكم المغيا ، فيستكشف أنّ الحكم الثابت في المغيا بقول مطلق مصداق لعدم نقض اليقين بالشك ، وبعد ضميمة عموم الحكم في المعنى لصورة الظن الحاصل من تحريك شيء وهو لا يعلم ، يثبت أنّ المراد بالشك ما يعمّ الظن ، فلاحظ والأمر سهل.

(١) لا يخفى أنّ البحث في استصحاب الصحة عند طرو مشكوك المانعية أو القاطعية بحث صغرويّ لا كبرويّ ومرجعه إلى تشخيص أنّ المورد من موارد الاستصحاب بالحدود المقرّرة له أو لا؟ نظير مبحث استصحاب العدم الأزلي على ما تقدّم في محله.

وتحقيق الكلام في استصحاب الصحة عند وجود مشكوك المانعية ، كالتبسّم في الصلاة ـ مثلا ـ بنحو يستوعب جميع احتمالاته أن يقال : إنّ الصحة كما بيّن في محله بمعنى التمامية ، من الأمور الإضافية التي تختلف باختلاف الأثر الملحوظ والنتيجة المترقّبة فقد يكون العمل تامّا من جهة وليس تامّا من جهة أخرى.

وعليه نقول : إنّ الصّحة المشكوكة عند طرو مشكوك المانعية إما أن يراد بها تماميّته من حيث ترتّب الأثر وإما أن يراد بها التمامية من حيث موافقة الأمر ، أو من حيث سقوط الأمر.

أما الصحّة من حيث ترتّب الأثر بمعنى المصلحة المترتّبة على العمل ، فإن أريد بها صحة مجموع العمل فهي مشكوكة الحدوث فلا معنى لاستصحابها ، وإن أريد بها صحة الأجزاء السابقة فتحقيق الحال فيها : إنّ الأثر المترتّب على العمل تارة يكون ترتّبه دفعيا يحصل بالإتيان بجميع الأجزاء فلا يترتّب على كل جزء جزء أي شيء ، وأخرى يكون ترتّبه تدريجيّا بحيث تحصل مرتبة منه عند أول جزء وهكذا

٣١٨

..............................................

__________________

يتصاعد بتحقّق الأجزاء إلى أن يتحقّق بكامله عند تحقّق الجزاء الأخير ، نظير الحرارة المتصاعدة تدريجا باستمرار النار. وعلى هذا التقدير فشأن حدوث المانع في الأثناء إما المنع عن ترتّب مراتب الأثر على الأجزاء اللاحقة.

وإما رفع الأثر المترتّب على الجزء السابق ، نظير الماء البارد والملقى على الماء المغلي يرفع الحرارة الثابتة للماء.

وإما دفع الأثر المترتّب على الجزء السابق بأن يكون ترتّب الأثر عليه مقيّدا ومنوطا بعدم حصول المانع ، فيصير حاصل الاحتمالات أربعة.

أما على الاحتمال الأول : ـ وهو ما إذا كان ترتّبه دفعيّا عند حصول جميع أجزاء العمل ـ فلا مجال للاستصحاب لعدم اليقين بحدوث الصحة قبل انتهاء العمل.

وأما على الاحتمال الثاني : فعند حصول المشكوك يشك في ترتّب على الأجزاء اللاحقة وهو غير مسبوق باليقين بل هو مشكوك الحدوث رأسا فلا يجري الاستصحاب بلحاظها ، وأما بلحاظ الأجزاء السابقة فلا شك في البقاء لأنّ الأثر المترتّب على الجزء لا يرتفع بالمانع على الفرض فالبقاء متيقّن.

وأما على الاحتمال الرابع : فصحّة الأجزاء السابقة مشكوكة الحدوث رأسا عند حصول مشكوك المانعية.

نعم على الاحتمال الثالث : يكون لدينا يقين بالحدوث وشك في البقاء لليقين بتحقّق مرتبة من الأثر والشك في زوالها ، ولكن لا يخفى عليك أنّ الصحة بهذا المعنى ليست حكما مجعولا ولا موضوعا لحكم مجعول ، فلا تكون مجرى الاستصحاب.

والّذي يتلخّص أنّ الصحة بمعنى ترتّب الأثر لا تكون موردا للاستصحاب بتاتا.

ولكن الّذي يبدو لنا بوضوح : أنّ الصحة بلحاظ ترتّب الأثر يراد بها غير ما ذكرناه تبعا لبعض الاعلام ، إذ المبحوث عنه في المسألة هو إثبات عدم مانعية المشكوك بالاستصحاب وتمامية العمل والاكتفاء به في مقام الامتثال بحيث لا تجب عليه الإعادة وهذا أجنبيّ بكل معنى الكلمة عن ترتّب المصلحة على العمل وعدمه فالملحوظ في الأثر هو الاكتفاء به في مقام الامتثال لا ترتّب المصلحة عليه ، ومنه ظهر الإشكال في كلمات المحقّق الأصفهاني (ره) فلاحظ. وكيف كان فإذا عرفت أنّ البحث عن الصحة بلحاظ الاكتفاء بها في مقام الامتثال ، فقد يقال : إنّ جواز الاكتفاء في مقام الامتثال مما تناله يد الجعل الشرعي كما في موارد قاعدتي الفراغ والتجاوز ، سواء كان مجعولا رأسا أو بتبع غيره فإنّ ذلك لا يهم ، بل المهم إنّه مما يقع موردا للتعبّد الشرعي.

وعليه فيمكن أن يكون موردا للاستصحاب فيما نحن فيه فإن العمل قبل حصول مشكوك المانعية كان

٣١٩

...............................................

__________________

مما يكتفي به في مقام الامتثال وبعد حصول المشكوك يشك في بقاء صحته بهذا المعنى ، فتستصحب.

ولكن يرد عليه : إنّ المقصود إن كان استصحاب صحة مجموع العمل فهو بعد لم يتحقّق ، فلا يقين بالحدوث. وإن كان استصحاب صحة الأجزاء المتحقّقة فقط ، فهي غير مشكوكة البقاء لأنّها وقعت امتثالا فلا تنقلب عما وقعت عليه ، وإنما يشك في تحقّق سائر الأجزاء والشرائط وامتثال الأمر من جهتها.

فاستصحاب الصحة لا يجري إما لعدم اليقين بالحدوث أو لعدم الشك في البقاء.

وقد يجعل مورد الاستصحاب المزبور هو الأجزاء اللاحقة لكن بنحو الاستصحاب التعليقي ، فيقال :

إنّ الأجزاء اللاحقة كانت قبل عروض مشكوك المانعية مما يكتفي بها في مقام الامتثال لو وجدت ، فالآن كذلك.

ولكن للتأمّل في هذا الاستصحاب ـ مع قطع النّظر عن ابتنائه على جريان الاستصحاب التعليقي الّذي لا نقول به في الأحكام والموضوعات كما تقدّم ـ مجال واسع وذلك لوجهين :

الأول : إنّ الاكتفاء بالعمل في مقام الامتثال وإن سلّم أنّه مما يقع موردا للتعبّد الشرعي كموارد قاعدة الفراغ وقاعدة التجاوز والأوامر الظاهرية ، إلاّ أنّه تابع للدليل عليه ، ولذا لا يكون شرعيا مع الإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي بل يكون عقليا لعدم تصدّي الشارع للتعبّد به بل هو مما يحكم به العقل.

وعليه نقول : إنّ جواز الاكتفاء في مقام الامتثال الثابت للأجزاء ليس مما تعبّد به الشارع بل هو مما يحكم به العقل باعتبار موافقة الأمر الواقعي. فلا مجال لجريان الاستصحاب فيه لأنّه حكم عقلي أولا ، ولتبدّل الموضوع ثانيا ، لأنّ كل ما يكون دخيلا في الحكم العقلي يكون مأخوذا في موضوعه.

ومن الواضح أنّ العقل كان يحكم بالاكتفاء بالأجزاء مقيّدا بعدم مشكوك المانعية لأجل إحراز موافقة الأمر ، فمع حصول المشكوك يتبدّل الموضوع ، للشك في موافقة الأمر.

الثاني : إنّ المورد ليس من موارد الاستصحاب التعليقي الّذي تقدّم الكلام فيه نفيا وإثباتا ، وذلك لأنّ موضوع الاستصحاب التعليقي هو ما إذا كان الحكم ثابتا لموضوع موجود بالفعل على تقدير شرط لم يتحقّق بعد ، كالحرمة الثابتة للعنب على تقدير الغليان ، فإذا تبدّل إلى الزبيب يقال : هذا كان محرّما على تقدير الغليان فالآن كذلك. فموضوع الحكم موجود بالفعل ويكون للحكم التعليقي ـ بما هو تعليقي ـ ثابتا له بالفعل.

وما نحن فيه ليس كذلك ، لأنّ الاكتفاء في مقام الامتثال المترتّب على الأجزاء اللاحقة ليس موضوعه طبيعي الأجزاء وشرطه هو وجودها ، فيقال : إنّ طبيعيّ الأجزاء يكتفي به في مقام الامتثال على تقدير وجوده ، كي يجري الاستصحاب التعليقي عند طرو مشكوك المانعية ، لأنّ الموضوع غير الشرط

٣٢٠