نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٨
الجزء ١ الجزء ٢

التاسع : أن لا تشتمل الخطبة على ما يستنكره عقول الحاضرين ، لقول علي عليه‌السلام : كلموا الناس على قدر عقولهم ، أتحبون أن تكذبوا الله ورسوله؟.

العاشر : أن يأتي بالكلمات على تأنّ وترتيب وسكون ، ولا يمدها مدا يشبه الغناء ، ولا يدرجها بحيث لا يفهم.

الحادي عشر : كون الخطيب مواظبا على الصلوات حافظا لمواقيت الفرائض ، ليقع وعظه في القلوب بموقع.

الثاني عشر : أن يستدبر القبلة ، ليستقبل الناس بوجهه ، ولا يلتفت يمينا ولا شمالا ، لأنه عليه‌السلام كان إذا خطب استقبل الناس بوجهه واستقبلوه وكان لا يلتفت (١) ، ولو خطب مستقبلا للقبلة ومستدبرا للناس ، جاز وإن خالف السنّة.

الثالث عشر : أن يكون صادق اللهجة لا يلحن في الخطبة.

الرابع عشر : أن لا يضع يمينه على شماله كما في الصلاة ، بل يشغل بما يعتمد عليه يسراه ، ويقبض باليمين حرف المنبر.

الخامس عشر : أن يعتمد على سيف أو عنزة أو عصا ونحوها ، اقتداء بالنبي عليه‌السلام ، فإنه كان يعتمد على عنزته اعتمادا ، وقال الصادق عليه‌السلام : ويتوكأ على قوس أو عصا (٢).

السادس عشر : أن يكون متعمما شتاء وصيفا مرتديا ، لأنه أدخل في الوقار ، وأن يكون التردي ببرد يمنية لأنه عليه‌السلام كان يتعمم ويرتدي ويخرج في الجمعة والعيدين على أحسن هيئة.

__________________

(١) جامع الأصول ٦ ـ ٤٣٦.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ٣٨ ح ٢ ب ٢٤.

٤١

المطلب الثاني

( في من يجب عليه )

شرائط الوجوب عشرة : الأول البلوغ ، الثاني العقل ، الثالث الذكورة ، الرابع الحرية ، الخامس السلامة من المرض ، السادس السلامة من العمى ، السابع السلامة من العرج ، الثامن عدم الشيخوخة المانعة من الحراك ، التاسع أن لا يكون مسافرا ، العاشر : أن لا يكون على رأس أكثر من فرسخين.

وليس الإسلام شرطا في الوجوب ، لأن الكفار عندنا مخاطبون بالشرائع ، والعقل شرط في الوجوب والصحة معا ، والبواقي شرط في الوجوب لا الصحة.

ويستحب إحضار الصبي الجمعة للتمرين ، خصوصا المراهق ، ولا يجب على المرأة إجماعا ، لقوله عليه‌السلام : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة إلا على امرأة أو مسافر أو عبد أو صبي أو مريض (١) ، فإن حضرن الجمعة صحت منهن ولم تنعقد بهن.

ويستحب للعجائز الحضور مع إذن أزواجهن ، لانتفاء الفتنة فيهن. ويكره للشواب لما فيه من الافتتان.

والعبد لا تجب عليه لجمعة ، لما تقدم في الحديث ، ولأنه محبوس على السيد فأشبه المحبوس في الدين ، ولا فرق بين المخارج وغيره ، فإن أذن له السيد استحب له الحضور ، فإن حضر حينئذ وجبت عليه ، ولا يجب عليه الحضور ، لأن الحقوق الشرعية تتعلق بخطاب الشرع لا بإذن السيد.

والقن والمدبر والمكاتب بنوعيه وأم الولد سواء ، لبقاء الرق ، وكذا لو انعتق بعضه ، فإن هايأه مولاه واتفقت الجمعة في يومه ، فالأقرب عدم الوجوب ، ولو ألزمه مولاه بالحضور ، احتمل الوجوب ، لوجوب طاعته في غير العبادة ، ففيها أولى.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٥ ح ١٦ ، جامع الأصول ٦ ـ ٤٢٥.

٤٢

والمريض لا جمعة عليه ، للحديث ، وللمشقة ، سواء خالف زيادة المرض ، أو المشقة غير المحتملة ، أو لا ، ولو كان المريض قريبه ، أو ضيفه ، أو زوجته ، أو مملوكه ، جاز له ترك الجمعة لأجل تمريضه مع الحاجة إليه. وكذا يترك لصلاة الميت وتجهيزه.

ولو كان المريض أجنبيا لا صحبة له معه ، وكان له من يمرضه ، لم يترك الجمعة له. ، إن لم يكن جاز له تركها للقيام بأمره.

وكذا لو كان عليه حق قصاص يرجو بالاستتار الصلح جاز ، ولو كان عليه حد قذف ، لم يجز له الاستتار عن الإمام لأجله وترك الجمعة ، لأنه حق واجب ولا بدل له ، وكذا غيره من الحدود المتعلقة به لله (١) تعالى بعد ثبوتها بالبينة.

والمديون المعسر يجوز له الاختفاء ، وكذا الخائف من ظالم على مال ، أو نفس ، أو ضرب ، أو شتم.

والأعمى لا يجب عليه وإن كان قريبا من الجامع ، يتمكن من الحضور إليه بقائد أو بغيره ، وسواء وجد قائدا أو لا ، للمشقة ، ولقول الباقر عليه‌السلام : فرض الله الجمعة ووضعها عن تسعة ، وعد منها الأعمى (١).

والأعرج والشيخ الذي لا حراك به لا جمعة عليهم ، للمشقة ، ولقول الباقر عليه‌السلام : والكبير (٢) ، ولو لم يبلغ العرج الإقعاد ، فإن حصلت مشقة سقطت ، وإلا وجبت ، والحر الشديد والبرد كذلك.

والمطر المانع من السعي والوحل مسقطان للمشقة ، وقال الصادق عليه‌السلام : لا بأس أن تدع الجمعة في المطر (٣) ، وهو وفاق.

والمسافر لا تجب عليه إجماعا ، لقوله عليه‌السلام : الجمعة واجبة إلا على‌

__________________

(١) في « ق » للقيام.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ٢ ح ١.

(٣) نفس المصدر.

(٤) وسائل الشيعة ٥ ـ ٣٧.

٤٣

خمسة ، وعد منها المسافر (١). وقول الباقر عليه‌السلام : ووضعها عن تسعة ، وعد منهم المسافر (٢).

ولأن الجمعة ظهر مقصورة بشرائطه أو كالظهر ، والمسافر يباح له القصر دون تلك الشرائط ، فلم يكن لاعتبارها في حقه وإيجاب الجمعة معنى ، ولأنه خفف منه العبادات الراتبة فغيرها أولى.

وإنما تسقط مع إباحة السفر لا حظره ، لمنافاة التحريم الترخيص في سفر القصر ، فلو لم يوجبه كما لو كان دون المسافة ، أو كان سفره أكثر من حضره ، وجبت عليه ، ولو كان القصر غير واجب ، كما في المواضع التي يستحب فيها الإتمام ، احتمل الوجوب والاستحباب.

ولو نوى المسافر إقامة عشرة أيام ، صار بحكم المقيم ، ووجبت عليه الجمعة ، وتنعقد به الجمعة حينئذ قطعا ، وفيما لم ينو قولان.

ومن كان بينه وبين الجمعة أكثر من فرسخين ، لم يجب عليه الحضور عندنا ، بل إن وجدت الشرائط في حقه ، وجب عليه إقامة الجمعة عنده أو يحضر ، وإن لم تحصل الشرائط لم تجب عليه الإقامة عنده ولا الحضور عندنا.

ومن كان بينه وبين الجمعة فرسخان فما دون ، وجب عليه : إما إقامة الجمعة عنده إن حصلت الشرائط ، أو الحضور عندنا ، إلا أن يكون بينه وبين الجامع أقل من فرسخ ، فيجب عليه الحضور عندنا.

ويشترط الزيادة على الفرسخين بين منزله والجامع الذي يقام فيه الجمعة ، لا بين البلدين ، فلو كان بين البلدين أقل من فرسخين ، وبين منزله والجامع أزيد من فرسخين ، فالأقرب السقوط ، لأنه المفهوم من كلام الباقر عليه‌السلام في قوله « تجب الجمعة على من كان منها على فرسخين » (٣).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٥ ح ١٦.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ٢ ح ١.

(٣) وسائل الشيعة ٥ ـ ١١ ح ٢.

٤٤

ومن شرائط الوجوب على المأموم أن لا يكون قد صلى العبد في ذلك اليوم ، فلو اتفقا في يوم واحد ، تخير من صلى العيد في حضور الجمعة عدا الإمام ، فإنه يجب عليه الحضور.

ويستحب له إعلامهم ذلك ، لقوله عليه‌السلام : أيها الناس قد اجتمع عيدان في يوم ، فمن أراد أن يشهد الجمعة فليشهد ، ومن أراد أن ينصرف فلينصرف (١) ، ولأن الجمعة زادت على الظهر بالخطبة وقد جعلت في يوم العيد ، ولما فيه من المشقة بالعود.

ويستحب له الحضور ، أما الإمام فيجب عليه لإقامتها مع من يحضر ، وإذا حضر المتخير ، وجب عليه الجمعة كالمسافر.

فروع في صفات النقصان :

الأول : الخنثى المشكل كالمرأة ، لاحتمال أن تكون أنثى ، فلا يلزم بالشك.

الثاني : من لا تلزمه الجمعة إذا حضرها وصلاها ، انعقدت جمعته وأجزأه ، لأنها أكمل في المعنى وإن كانت أقصر في الصلاة ، فإذا أجزأت الكاملين الذين لا عذر لهم ، فلئن تجزي أصحاب العذر كان أولى.

الثالث : الذين لا تلزمهم الجمعة إذا حضروا الجامع هل لهم أن ينصرفوا ويصلوا الظهر؟ أما الصبي والمرأة فلهم ذلك ، لأن المانع من وجوب الجمعة عليهم الصفات القائمة بهم ، وهي لا ترتفع بحضورهم.

أما الباقون فالأقرب أن لهم ذلك إن خرجوا قبل دخول الوقت. وإن دخل الوقت وأقامت الصلاة لزمتهم الجمعة ، وإن تخلل زمان بين دخول الوقت وإقامة الصلاة ، ولا مشقة في الانتظار حتى تقام الصلاة ، لزمه ذلك ، وإن لحقته مشقة ، لم تلزمه.

__________________

(١) جامع الأصول ٧ ـ ٩٦ ، وسائل الشيعة ٥ ـ ١١٦.

٤٥

ولو أحرموا بالجمعة ، لم يجز لهم الانصراف ، وليس لهم أداء الظهر مع الحضور ، لانتفاء موجب الترخص.

الرابع : لا يشترط في إقامة الجمعة دار إقامته ، بل يجوز إقامتها خارج البلد حيث يقام العيد ، للأصل.

ولا يشترط الأبنية التي يستوطنها المقيمون للجمعة ، بل تجب على أهل القرى وقاطني الخيام وإن كانوا يرحلون وينزلون للعموم ، وقياسا على ما لو انهدمت الأبنية وأقاموا عليها.

وليس من الشرط إقامتها في كن أو مسجد ، بل يجوز إقامتها تحت السماء في خارج البلد وغيره.

الخامس : العذر المبيح لترك الجمعة ، تبيحه وإن طرأ بعد الزوال ، لكن يحرم إنشاء السفر بعد الزوال ، لوجوب الجمعة عليه ، فلا يجوز الاشتغال بما يؤدي إلى تركها ، كالتجارة واللهو ، ولأن الوجوب متعلق بأول الوقت ، وهو وإن كان موسعا في أوله.

لكن هذه الصلاة تخالف غيرها ، فإن الناس فيها تبع للإمام ، فلو عجلها تعينت متابعته وسقطت خيرة الناس فيه ، وإذا كان كذلك فلا يدري متى يقيم الإمام الصلاة ، فتعين عليه انتظاره.

ويجوز قبل الزوال بعد الفجر على كراهية ، لأنه لم يدخل وقت وجوب الجمعة فأشبه قبل الفجر ، لكن الجمعة وإن دخل وقتها بالزوال فهي مضافة إلى اليوم ، ولذلك يعتد بالغسل قبل الزوال ، ويجب السعي لمن بعد داره قبل الزوال ، فلهذا كره السفر بعد الفجر.

ولو كان السفر واجبا كالحج والجهاد ، أو مندوبا كالزيارة ، فالأقرب عدم الكراهية ، وليس كون السفر طاعة عذرا في إنشائه بعد الزوال ، وإن كان في واجب إذا لم يخف فوته.

ولو احتاج إلى السفر وخاف فوت الرفقة ونيل الضرر لو تخلف ، جاز له‌

٤٦

أن يسافر وإن كان بعد الزوال للعذر.

السادس : المعذور قد يرجو زوال عذره قبل فوات الجمعة ، كالعبد يتوقع العتق ، والمريض يتوقع البرء ، فالأقوى عندي أنه يستحب له تأخير ظهره إلى اليأس عن درك الجمعة ، وهو رفع الإمام رأسه من ركوع الثانية ، لأنه ربما يزول عذره ويتمكن من فرض أهل الكمال.

ولو كان لا يرجي زوال عذره استحب له تقديم ظهره ، تحصيلا لفضيلة أولوية الوقت.

السابع : ذو المنزل البعيد إذا انتهى الوقت إلى حد لو أخذ في السعي لم يدرك الجمعة ، فقد حصل الفوات في حقه.

الثامن : إذا اجتمع معذورون ، استحب لهم الجماعة في الظهر ، لعموم الترغيب الوارد في الجماعة ، ولا يستحب لهم الإخفاء ، إلا أن يتهموا بالرغبة عن صلاة الإمام ، بأن كان عذرهم خفيا.

التاسع : لو صلى المعذور قبل فوات الجمعة ، صحت ، لأنها فرضه ، فإن زال العذر وأمكنه إدراك الجمعة ، لم تجب عليه ، لبراءة ذمته بأداء فرضه ، كما لو برأ المريض ، أو أقام المسافر ، أو أعتق العبد.

أما لو صلى الخنثى المشكل الظهر ، ثم تبين أنه رجل قبل فوات الجمعة ، فإنه تلزمه الجمعة ، لأنه ظهر كونه رجلا حين صلى الظهر.

ولو صلى الصبي الظهر ثم بلغ ، فالأقوى عندي وجوب الجمعة عليه.

وهؤلاء المعذورون يستحب لهم حضور الجمعة وإن لم يلزمهم ، فإن كانوا قد صلوا الظهر ، استحب لهم إعادة الجمعة ، والفرض هو الظهر السابقة.

ولو زال العذر في أثناء الظهر ، احتمل الاستمرار ، لأنه دخل في فرضه مشروعا فلا يبطله ، والعدول إلى النفل ثم يصلي الجمعة ، لوروده فيما هو مستحب ، ففي الواجب أولى.

العاشر : من لا عذر له إذا صلى الظهر قبل فوات الجمعة ، لم تصح‌

٤٧

صلاته ، لأن الجمعة فرض قائم بنفسه (١) بالأصالة لا بدل على غيره ، وإلا لجاز تركها والاشتغال بالمبدل ، وإنما قضيت أربع ركعات مع فواتها وزاد عدد القضاء ، لأن الخطبتين قائمة مقام الركعتين.

ولو أثم أهل البلد بترك الجمعة فصلوا الظهر ، وصلى من هو بصفات الكمال الظهر لتعذر العدد ، ثم صلوا الجمعة ، فالوجه صحة ظهره وعدم وجوب الجمعة في حقه ، لبراءة ذمته بما فعله ، إذ الواجب عليه الظهر عند فقد الشرائط التي من جملتها العدد.

المطلب الثالث

( في ماهيتها )

الجمعة ركعتان كسائر الصلوات ، وإنما تتميز عنها بما تقدم من الشرائط وبما يأتي من الآداب ، ويسقط معها الظهر إجماعا.

ويستحب أن يقرأ في الأولى بعد الحمد الجمعة ، وفي الثانية بعدها المنافقين ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كذا فعل (١) ، وقول الصادق عليه‌السلام : إذا كان صلاة الجمعة فاقرأ سورة الجمعة والمنافقين (٢).

ولو قرأ غيرهما عمدا لم تبطل جمعته للأصل ، ولقول الكاظم عليه‌السلام وقد سأله علي بن يقطين عن الرجل يقرأ في صلاة الجمعة بغير سورة الجمعة متعمدا؟ قال : لا بأس بذلك (٣).

ولو قرأ غير الجمعة في الأولى عمدا أو سهوا ، احتمل قراءتها في الثانية ليدرك فضلها ، وقراءة المنافقين لأنه محلها ، ولو قرأ في الأولى المنافقين قرأ في الثانية الجمعة ، تحصيلا لفضلهما معا.

__________________

(١) في « ق » بنفسها.

(٢) جامع الأصول ٦ ـ ٤٣٩.

(٣) وسائل الشيعة ٤ ـ ٨١٥ ح ٤.

(٤) وسائل الشيعة ٤ ـ ٨١٧ ح ١.

٤٨

ويستحب الجهر بالقراءة في الجمعة إجماعا ، وفي الظهر يومها قولان ، الاستحباب مطلقا ، لقول الصادق عليه‌السلام وقد سأله الحلبي عن القراءة يوم الجمعة إذا صليت وحدي أربعا أجهر بالقراءة؟ قال : نعم (١).

والاستحباب جماعة ، لقول الصادق عليه‌السلام : صلوا في السفر صلاة جمعة جماعة بغير خطبة وأجهروا بالقراءة (٢) ، وقيل : يمنع الجهر في الظهر جماعة ، لأن جميلا سأل الصادق عليه‌السلام عن الجماعة يوم الجمعة في السفر قال : يصنعون كما يصنعون في غير يوم الجمعة في الظهر ، ولا يجهر الإمام ، إنما يجهر إذا كانت خطبة (٣) ، وهو أحوط.

المطلب الرابع

( في آدابها )

وهي :

الأول : يستحب الزينة يوم الجمعة بحلق الرأس إن كان من عادته ، وإلا غسله بالخطمي ، وقص الأظفار ، وأخذ الشارب ، والتطيب ، ولبس أفضل الثياب ، والسعي على سكينة ووقار ، والغسل مقدما على الصلاة.

قال الصادق عليه‌السلام : ليتزين أحدكم يوم الجمعة ، ويتطيب ، ويسرح لحيته ، ويلبس أنظف ثيابه ، وليتهيأ للجمعة ، ويكون عليه في ذلك اليوم السكينة والوقار (٤).

الثاني : يستحب السواك وقطع الرائحة الكريهة ، لئلا يؤذي غيره ، ولبس الثياب البيض ، فإنها أفضل ، لقوله عليه‌السلام : أحب الثياب إلى الله تعالى البيض يلبسها أحياؤكم ويكفن فيها موتاكم (٥).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ ـ ٨١٩.

(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ٨٢٠ ح ٦.

(٣) وسائل الشيعة ٤ ـ ٨٢٠ ح ٨.

(٤) وسائل الشيعة ٥ ـ ٧٨ ح ٢.

(٥) وسائل الشيعة ٢ ـ ٧٥٠.

٤٩

وينبغي للإمام الزيادة في التجمل ، لأنه المنظور إليه ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعتم ويرتدي ويخرج في الجمعة والعيدين في أحسن هيئة.

الثالث : يستحب المباكرة إلى الجامع ، لقوله عليه‌السلام : من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة ، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن ، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة ، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر (١). وقال الصادق عليه‌السلام : إن الجنان لتزخرف وتزين يوم الجمعة لمن أتاها ، وإنكم تتسابقون إلى الجنة على قدر سعيكم إلى الجمعة (٢).

الرابع : المشي ، فلا ينبغي الركوب ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما ركب في عيد ولا جنازة قط ، فالجمعة أولى ، إلا أنه لم ينقل فيها قول عنه عليه‌السلام ، لأن باب حجرته في المسجد.

الخامس : الدعاء أمام التوجه ، لقول الباقر عليه‌السلام للسمال : ادع في العيدين ويوم الجمعة إذا تهيأت للخروج بهذا الدعاء « اللهم من تهيأ وتعبأ » إلى آخره (٣).

السادس : الغسل ، وقد تقدم ، ولا يكفي التيمم عنه ، ولو لم يجد الماء سقط لا إلى بدل ، إذ الغرض منه قطع الروائح الكريهة ، والتيمم لا يفيد هذا الغرض.

ووقته : للمختار من طلوع الفجر الثاني ، لقوله عليه‌السلام : من اغتسل يوم الجمعة ثم راح فكأنما قرب بدنة ، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة الحديث (٤).

__________________

(١) سنن أبي داود ١ ـ ٩١.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ٧٠ ح ١.

(٣) الإقبال ص ٢٩٢.

(٤) سنن أبي داود ١ ـ ٩١.

٥٠

ومتى تعتبر الساعات المذكورة في الحديث؟ الأقرب أنها من أول طلوع الفجر الثاني ، لأنه أول اليوم شرعا.

وقال بعض الجمهور : من أول طلوع الشمس ، لأن أهل الحساب منه يحسبون اليوم ويقدرون الساعات.

وقال بعضهم : من وقت الزوال ، لأن الأمر بالحضور حينئذ يتوجه إليه ، ويبعد أن يكون الثواب في وقت لم يتوجه عليه الأمر فيه أعظم ، ولأن الرواح اسم للخروج بعد الزوال ، وليس بجيد ، لاشتمال الحضور قبل الزوال على الحضور حالة الزوال وزيادة ، فزاد الثواب باعتباره ، وذكر الرواح لأنه خروج لأمر يؤتى به بعد الزوال.

وليس المراد من الساعات الأربع والعشرون التي تقسم اليوم والليلة عليها ، وإنما المراد ترتيب الدرجات وفضل السابق على الذي يليه ، إذ لو كان المراد الساعات المذكورة لاستوى السابق والمسبوق في الفضيلة إذا جاءا في ساعة واحدة على التساوق ، ولاختلف الأمر باليوم الشاتي والصائف ، ولفاتت الجمعة في اليوم الشاتي إن جاء في الساعة الخامسة.

السابع : ترك التخطي لرقاب الناس ، ولا بأس بذلك للإمام للحاجة ، وكذا لو ضاق المكان وبين يديه فرجة لا يصل إليها إلا بالتخطي ، وليس له إقامة غيره ليجلس موضعه وإن كان معتادا به ، وله أن يبعث من يأخذ له موضعا فإذا حضر تنحى المبعوث ، ولو فرش له ثوب فجاء آخر ، لم يجز له أن يجلس عليه ، فإن رفعه أو نحاه وجلس مكانه ، دخل في ضمانه.

الثامن : إذا حضر قبل الخطبة يستحب له الاشتغال بالذكر والتلاوة والصلاة على النبي وآله عليهم‌السلام والتنفل.

ويستحب الإكثار من الصلاة على النبي وآله عليهم‌السلام يوم الجمعة وليلة الجمعة ، لقوله عليه‌السلام : أقربكم مني في الجنة أكثركم صلاة علي‌

٥١

فأكثروا الصلاة علي في الليلة الغراء واليوم الأزهر (١).

وقال الصادق عليه‌السلام : إذا كان ليلة الجمعة نزل من السماء ملائكة بعدد الذر في أيديهم أقلام من الذهب وقراطيس الفضة لا يكتبون إلى ليلة السبت إلا الصلاة على محمد وعلى آل محمد عليهم‌السلام فأكثروا منها ، ثم قال : إن من السنّة أن تصلي على محمد وعلى أهل بيته في كل جمعة ألف مرة وفي سائر الأيام مائة مرة (٢).

التاسع : يستحب الدعاء في الوقت الذي يرجى استجابة الدعاء ، وهو ما روي عن الصادق عليه‌السلام الساعة التي تستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة ما بين فراغ الإمام من الخطبة إلى أن يستوي الناس في الصفوف ، وساعة أخرى من آخر النهار إلى غروب الشمس (٣).

العاشر : لو لم يكن الإمام مرضيا ، استحب للمصلي تقديم ظهره على صلاة الإمام ، ويجوز أن يصلي معه ركعتين ثم يتم الظهر بعد فراغ الإمام ، لقول الصادق عليه‌السلام في كتاب علي عليه‌السلام : إذا صلوا الجمعة في وقت فصلوا معهم ولا تقومن من مقعدك حتى تصلي ركعتين آخرتين (٤) ، ولو صلى في منزله أولا جاز ، لأن الباقر عليه‌السلام كان يصنع ذلك (٥).

الحادي عشر : يستحب التنفل يوم الجمعة زيادة على نوافل الظهر بأربع ركعات ، والسر (١) فيه أن الساقطة ركعتان ، فيستحب الإتيان ببدلهما ، والنافلة الراتبة ضعف الفرائض.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٧٢ ح ٦.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ٧٢ ح ٥.

(٣) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٦ ح ١ ب ٣٠.

(٤) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٤ ح ١.

(٥) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٤ ح ٣.

(٦) في « ق » السبب.

٥٢

ويستحب تقدم العشرين قبل الزوال ، لقول الكاظم عليه‌السلام : إنها قبل الزوال (١).

ويستحب ست عند انبساط الشمس ، وست عند ارتفاعها ، وست بين الظهرين ، وركعتان عند قيام الشمس ، ولو صلى الجميع بين الظهرين ، أو بعد العصر جاز.

المطلب الخامس

( في المحرمات )

ويحرم يوم الجمعة شيئان :

الأول : البيع وقت النداء لا قبله ولا بعد الصلاة إجماعا ، قال تعالى ( وَذَرُوا الْبَيْعَ ) (٢).

والنداء الذي يتعلق به التحريم هو النداء الذي يقع بعد الزوال والخطيب جالس على المنبر ، لأنه تعالى علق التحريم بالنداء ، وإنما ينصرف إلى الأذان الذي فعله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ولو جوزنا الخطبة قبل الزوال ، كما ذهب إليه بعض علمائنا ، لم يشرع الأذان قبله ، وهل يحصل التحريم حينئذ؟ إشكال ، أقربه ذلك ، لحصول الغاية.

ويكره البيع بعد الزوال قبل النداء ، لما فيه من التشاغل عن التأهب للجمعة.

ولو كان بعيدا من الجمعة يفتقر إلى قطع المسافة قبل الزوال ، وجب السعي وحرم البيع إن منع وإلا فلا.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٢٢.

(٢) سورة الجمعة : ٩.

٥٣

ولو لم يمنع البيع عن سماع الخطبة ، ولا من التشاغل بالجمعة ، أو منع ولم نوجب السماع ، ولا حرمنا الكلام ، احتمل التحريم للعموم ، ويختص التحريم بمن يجب عليه السعي ، لا كالعبيد والمسافرين.

ولو كان أحد المتبايعين مخاطبا دون الآخر ، حرم بالنسبة إلى المخاطب إجماعا ، والأقوى عندي التحريم في حق الآخر ، لقوله تعالى ( وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ ) (١). ولو تبايع المخاطبين بالجمعة فعلا حراما.

والأقوى عندي انعقاد البيع ، لعدم اقتضاء النهي في المعاملات الفساد ، وأصالة الصحة لوجود المقتضي ، وهو البيع الصادر من أهله في محله.

والأقوى عندي تحريم غير البيع مما يشبهه من العقود ، كالإجارة والنكاح والصلح وغيرها ، للمشاركة في العلة.

الثاني : الأذان الثاني بدعة عند علمائنا ، لقول الباقر عليه‌السلام : الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة (٢) وسماه الثالث بالنسبة إلى الإقامة ، ولأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يفعله إجماعا.

وشرع للصلاة أذانا واحدا وإقامة ، والزيادة الثالثة بدعة ، لأن الأذان كان يوم الجمعة حين يجلس الإمام على المنبر على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعلى عهد أبي بكر وعمر ، فلما كان زمن عثمان كثر الناس بالزوراء أمر بالأذان الثالث.

ويستحب الأذان بعد جلوس الإمام على المنبر.

وأذان العصر مكروه يوم الجمعة ، بل إذا فرغ من الظهر صلى العصر بغير أذان ، للمشقة بالمصير إلى الجامع ، والإعلام قد حصل.

__________________

(١) سورة المائدة : ٢.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ٨١ ح ١.

٥٤

الفصل الثاني

( في صلاة العيدين )

وفيه مطالب :

المطلب الأول

( الشرائط )

صلاة العيدين واجبة على الأعيان عند علمائنا أجمع ، لقوله تعالى ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) (١) وفي مشهور التفسيرات المراد صلاة العيد ، وقوله تعالى ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى ) (٢) والمراد زكاة الفطرة وفطرة العيد ولأنه عليه‌السلام داوم عليها ولم يخل بها في وقت من الأوقات.

ولو كانت مندوبة لأخل بها في وقت ما بيانا للحكم ، أو لنص على ذلك ، ولقول الصادق عليه‌السلام : صلاة العيد فريضة (٣) ، ولأنها لو لم يجب لم يجب قتال تاركها كغيرها من السنن ، ولأنها من شعائر الدين الظاهر وأعلامه ، فيكون واجبة على الأعيان كالجمعة.

وشرائطها : شرائط الجمعة إلا الخطبتين ، فإنهما وإن وجبتا فيهما لكنهما‌

__________________

(١) سورة الكوثر : ٢.

(٢) سورة الأعلى : ١٤.

(٣) وسائل الشيعة ٥ ـ ٩٥.

٥٥

ليستا شرطا ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلاها بشرائط الجمعة وقال : صلوا كما رأيتموني أصلي (١) ، ولأن كل من أوجبها على الأعيان اشترط ذلك ، وقد بينا وجوبها على الأعيان ، ولقول الباقر عليه‌السلام : لا صلاة يوم الفطر ولا الأضحى إلا مع إمام (٢).

وتجب على كل من تجب عليه الجمعة ، وتسقط عمن تسقط عنه الجمعة. وهل يشترط بين فرض العيدين بعد فرسخ ، كما قلناه في الجمعة؟ إشكال ، ينشأ من عدم نص علمائنا على كونه شرطا بالخصوصية ، حيث عدوا شرائط الجمعة.

ووقتها : من طلوع الشمس إلى الزوال ، عند علمائنا أجمع ، لأن عبد الله بن بسر صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج في يوم عيد الفطر أو أضحى ، فأنكر إبطاء الإمام ، فقال : إنا كنا قد فرغنا ساعتنا هذه ، وذلك حين صلاة التسبيح (٣) ، وقول الصادق عليه‌السلام : ليس في الفطر ولا الأضحى أذان ولا إقامة أذانهما طلوع الشمس ، فإذا طلعت فاخرجوا (٤).

ويستحب تأخيرها إلى أن تبسط الشمس ، ليتوفر الناس على الحضور.

ويستحب في الفطر الإصباح بها أكثر ، لأن من المسنون يوم الفطر أن يفطروا أولا على شي‌ء من الحلوة ثم يصلي ، وفي الأضحى لا يطعم شيئا حتى يصلي ويضحي ، ويكون إفطاره على شي‌ء مما يضحي به ، لأن الأفضل إخراج الفطرة قبل الصلاة ، فيؤخرها ليتسع الوقت لذلك ، وفي الأضحى يقدمها ليضحي بعدها.

ووقت الخروج إلى العيد بعد طلوع الشمس ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يخرج كذلك ، وقال الصادق عليه‌السلام : إذا طلعت فاخرجوا (٥).

__________________

(١) جامع الأصول ٦ ـ ٣٧٤.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ٩٦ ح ١.

(٣) جامع الأصول ٧ ـ ٨٦.

(٤) وسائل الشيعة ٥ ـ ١٠٢ ح ٥.

(٥) وسائل الشيعة ٥ ـ ١٠٢.

٥٦

ولو فاتت لم تقض ، فرضا كانت أو نفلا ، عمدا كان الفوات أو نسيانا ، عند أكثر علمائنا ، لأنها صلاة شرع لها الاجتماع والخطبة ، فلا تقضى بعد فوات وقتها كالجمعة ، ولقول الباقر عليه‌السلام : من لم يصل مع الإمام في جماعة ، فلا صلاة له ولا قضاء عليه (١) ، ولأصالة البراءة السالم عن اقتضاء الأمر تعقب القضاء.

قال الشيخ : وإن شاء من فاتته أن يصلي أربعا أو اثنتين من غير أن يقصد القضاء ، لقول الصادق عليه‌السلام : من فاتته صلاة العيد فليصل أربعا (٢).

ولو أدرك الإمام في التشهد جلس معه ، فإذا سلم الإمام قام فصلى ركعتين إن قلنا بالقضاء مستحبا ، يأتي فيهما بالتكبير.

ولو أدركه في ركوع الثانية ، وجبت المتابعة ، لأنه مدرك للصلاة حينئذ فيركع ويتابع الإمام ، فإذا سلم قام فقضى الركعة الثانية.

ولو أدركه بعد رفع رأسه من الركوع فاتته الصلاة.

ولو أدركه في أثناء التكبير تابعه في الباقي ، فإن تمكن بعد ذلك من التكبير ولاء ، أتى بما فاته ، وإلا سقط.

ويحرم السفر بعد طلوع الشمس على المكلف بها حتى يصلي العيد ، لأنه مخاطب بالصلاة ، فيحرم عليه تركها.

ويكره بعد الفجر قبل طلوع الشمس ، لقول الصادق عليه‌السلام : إذا أردت الشخوص في يوم عيد فانفجر الصبح وأنت في البلد ، فلا تخرج حتى تشهد ذلك العيد (٣) ، وليس للتحريم ، لأصالة البراءة.

أما من كان بينه وبين العيد ما يحتاج معه إلى السعي قبل طلوع الشمس ، ففي تسويغ السفر له نظر ، أقربه المنع ، ولا بأس به قبل طلوع الفجر إجماعا.

__________________

(١) نفس المصدر.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ٩٩ ح ٢.

(٣) وسائل الشيعة ٥ ـ ١٣٣ ح ١.

٥٧

ولو أصبح يوم الثلاثين صائما ، فشهد اثنان برؤية الهلال في ليلة فعدلا قبل الزوال ، خرج الإمام وصلى بالناس العيد لبقاء الوقت ، ولو عدلا بعد الزوال ، أو شهدا بعده سقطت ولا قضاء.

ويكره مزاحمتها بنافلة قبلها أو اتباعها بالنافلة إلى الزوال (١) ، سواء الإمام والمأموم ، لأنه عليه‌السلام خرج يوم الفطر فصلى ركعتين لم يتنفل قبلها ولا بعدها (١). ورأى علي عليه‌السلام قوما يصلون قبل العيد ، فقال : ما كان يفعل ذلك على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال الباقر عليه‌السلام في صلاة العيدين ليس قبلها ولا بعدها صلاة (٢).

نعم يستحب صلاة ركعتين في مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمن كان بالمدينة قبل خروجه إلى العيد ، لقول الصادق عليه‌السلام : ركعتان من السنة ليس تصليان في موضع إلا بالمدينة ، تصلي في مسجد الرسول عليه‌السلام في العيد قبل أن يخرج إلى المصلى ليس ذلك إلا بالمدينة ، لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعله (٣).

ولو أقيمت صلاة العيد في المسجد لعذر ، استحب صلاة التحية ، ولو دخل المأموم والإمام يخطب اشتغل بالتحية لأنه موضعها ، ولا يشتغل بالقضاء للعيد.

أما لو أقيمت في المصلى اشتغل بسماع الخطبة لا بالصلاة ، لأن المصلي لا تحية له ، ولا يشتغل بقضاء العيد ، لقول الصادق عليه‌السلام : يجلس حتى يفرغ من خطبته ثم يقوم فيصلي (٤).

ولو فقدت الشرائط أو بعضها ، سقط الوجوب دون الاستحباب.

__________________

(١) كذا في « ر » و « س » وفي « ق » بنافلة الزوال.

(٢) جامع الأصول ٧ ـ ٨٤.

(٣) وسائل الشيعة ٥ ـ ٩٥ ح ٢.

(٤) وسائل الشيعة ٥ ـ ١٠٢ ح ١٠.

(٥) وسائل الشيعة ٥ ـ ٩٩ ح ١ ب ٤.

٥٨

ويستحب الإتيان بها حينئذ جماعة وفرادى سفرا وحضرا ، لأنها عبادة فات شرط وجوبها ، فاستحب الإتيان بها كالحج ، وقول الصادق عليه‌السلام : من لم يشهد الجماعة في العيدين فليغتسل وليتطيب بما وجد وليصل وحده كما يصلي في الجماعة (١).

ويستحب إذا صلاها في جماعة الخطبة ، كما في الواجبة ، أما المنفرد فالأقرب أنه لا يخطب.

المطلب الثاني

( في ماهيتها )

هذه الصلاة ركعتان كالصبح ، إلا أنه يزيد فيها تسع تكبيرات ، خمسا في الأولى وأربعا في الثانية على الأشهر ، غير تكبيرة الافتتاح ، لأنه عليه‌السلام كذا فعل (٢) ، ولقول الصادق عليه‌السلام : ثم يكبر بعد القراءة خمس تكبيرات ، ثم يركع ، ثم يقرأ في الثانية ويكبر أربعا (٣).

وموضع هذه التكبيرات بعد القراءة قبل الركوع في الركعتين معا على الأقوى ، لأنه قنوت في صلاة فرض ، فيكون بين القراءة والركوع كاليومية ، ولقول الصادق عليه‌السلام : ثم يقرأ ثم يكبر خمس تكبيرات ، ثم يكبر ويركع بالسابعة ، ثم يقوم فيقرأ ثم يكبر أربع تكبيرات قال : وكذا صنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويقنت عقيب كل تكبيرة ويدعو بما شاء (٤).

والأفضل ما نقل عن أهل البيت عليهم‌السلام لأنهم أعرف بما يناجي به الرب تعالى ، لاستفادة علومهم من الوحي.

قال الباقر عليه‌السلام : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام إذا كبر في‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٩٨ ح ١.

(٢) جامع الأصول ٧ ـ ٨٥.

(٣) وسائل الشيعة ٥ ـ ١٠٧.

(٤) وسائل الشيعة ٥ ـ ١٠٥ ح ٢.

٥٩

العيدين قال بين كل تكبيرتين : « أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، اللهم أهل الكبرياء والعظمة ، وأهل الجود والجبروت ، وأهل العفو والرحمة ، وأهل التقوى والمغفرة ، أسألك في هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا ، ولمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذخرا ومزيدا ، أن تصلي على محمد وآل محمد ، كأفضل ما صليت على عبد من عبادك ، وصل على ملائكتك ورسلك ، واغفر للمؤمنين والمؤمنات ، اللهم إني أسألك خير ما سألك عبادك المرسلون ، وأعوذ بك مما استعاذ منه عبادك المرسلون (١).

واختلف علماؤنا في وجوب التكبيرات الزائدة والقنوت بينهما ، فقال الشيخ : باستحبابهما ، للأصل ، وقال الآخرون بوجوبهما للتأسي ، وتنزيلا لفعله عليه‌السلام على أفضل مراتبه وهو الوجوب ، وللفرق بين هذه الصلاة واليومية.

ويستحب رفع اليدين عند كل تكبيرة ، لقوله عليه‌السلام : لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن ، وذكر من جملتها تكبيرات العيدين ، وسأله يونس عن تكبيرات العيدين ، فقال : يرفع يديه مع كل تكبيرة (٢) ، ولأنه تكبير فاستحب فيه الرفع كاليومية.

ويتعين الفاتحة في كل ركعة إجماعا ، وتجب سورة أخرى معها تامة في كل ركعة ، وليست معينة وجوبا ، بل يستحب في الأولى بعد الحمد الأعلى ، وفي الثانية بعده والشمس ، لقول الباقر عليه‌السلام : يقرأ في الأولى « سبح اسم ربك الأعلى » وفي الثانية « والشمس وضحيها » (٣).

ويستحب الجهر بالقراءة فيهما إجماعا ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعل ذلك (٤) ، والدعاء بدعاء الاستفتاح عقيب تكبير الإحرام ، وهو « وجهت وجهي » إلى آخره.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ١٣١ ح ٣.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ١٣٦.

(٣) وسائل الشيعة ٥ ـ ١٠٧ ح ١٠.

(٤) وسائل الشيعة ٥ ـ ١٣٧ ح ١ ب ٣٢.

٦٠