نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٨
الجزء ١ الجزء ٢

جواز الاقتداء به ، لأنه يرتكب ما يفسد به صلاته في نظر المأموم ، فلا تصح إمامته له ، كالمخالف في القبلة. فلا تصح لمن يعتقد وجوب السورة بعد الحمد الصلاة خلف من لا يعتقد وجوبها وإن قرأها ، لأنه يعتقد إيقاعها على جهة الندب ، فلا تجزي عن الواجب. وكذا لا يصح أن يصلي من يعتقد تحريم لبس السنجاب مثلا خلف من يعتقد تسويغه حال لبسه.

ولو فعل الإمام شيئا يعتقد تحريمه من المختلف فيه ، فإن كان ترك ما يعتقده شرطا للصلاة أو واجبا فيها ، فصلاته فاسدة ، لأنه مأمور بالعمل باجتهاده ، فصلاة من يأتم به كذلك ، وإن اعتقد تسويغ الترك ، لأنه صلى خلف من يعتقد بطلان صلاته ، ومن شرط القدوة إسقاط صلاة الإمام القضاء.

وإن كان يفعل ما يعتقد تحريمه في غير الصلاة ، كنكاح المخلوقة من الزنا ، فإن داوم عليه فهو فاسق لا يجوز الصلاة خلفه ، وإلا فلا ، وإن كان الفاعل عاميا وقلد من يعتقد جوازه ، لم يكن عليه شي‌ء ، لأن فرضه التقليد.

وإن كان يفعل ما يعتقد تحريمه في الصلاة ، كالقرآن بين السورتين ، بطلت صلاة المأموم وإن اعتقد تسويغه.

ولو كان المأموم يعتقد وجوب التسبيحات الثلاث في الركوع أو السجود ، والإمام يعتقد الواحدة. أو كان المأموم يعتقد وجوب غير التسبيح ، والإمام يعتقد إجزاء مطلق الذكر ، احتمل جواز الايتمام ، بناء على الظاهر من إتيان الإمام بالمستحب رغبة في السنّة ، أو للخلاص من الخلاف ، والوجه المنع ، كما لو عرف أنه لم يأت بها.

تذنيب :

لو احتاج إلى أحد الإناءين المشتبه أحدهما بالمضاف ، وأوجبنا استعمال أحدهما بعد الاجتهاد مع التيمم ، أو اشتبه ثلاثة أواني واجتهد فيها ثلاثة ، فاستعمل كل واحد منهم واحدا بأداء اجتهاده إلى إطلاقه ، وكان المطلق‌

١٤١

واحدا ، لم يجز لأحدهم الايتمام بصاحبه على إشكال.

وإن كانا اثنين وأراد أحدهما الاقتداء بآخر ، فإن ظن إطلاق إناء صاحبه كما ظن إطلاق إنائه ، جاز الاقتداء به قطعا ، وليس له الاقتداء بالثالث. وإن لم يظن إلا إطلاق إنائه ، فالأقرب المنع من القدوة ، لأنه متردد في أن المستعمل للمضاف هذا أو ذاك ، وليس أحدهما أولى ، فلا يأتم بهما كالخنثى لا يجوز الايتمام به ، لتعارض احتمالي الذكورية والأنوثية.

ويحتمل أن يقتدي بأيهما شاء دون جمعهما في فرضين ، لأنه لا يدري كون إناء الإمام مضافا. وإذا لم يعلم المأموم من حال الإمام ذلك ، سومح وجوز الاقتداء.

ولو اقتدا بهما في فرضين ، احتمل وجوب إعادتهما معا ، لبطلان إحداهما لا بعينها. ويحتمل إعادة الثانية خاصة ، لأنه لو اقتصر على الاقتداء الأول لم يكن عليه قضاء.

ولو كانت الأواني خمسة والمضاف واحد ، وظن كل من الخمسة إطلاق إنائه ، ولم يظن شيئا من حال الأربعة الباقية ، وأم كل واحد منهم صاحبه في واحدة من الخمس والبدأة بالصبح ، احتمل إعادة الصلوات الأربع على كل واحد منهم التي كان مأموما فيها ، وأن يعيد كل واحد منهم آخر صلاة كان مأموما ، فيعيد كلهم العشاء إلا إمام العشاء ، فإنه يعيد المغرب.

وإنما أعاد العشاء لأن في ظنهم يتعين الإضافة في حق إمام العشاء ، وإنما أعاد هو المغرب ، لصحة الصبح والظهرين له عند أئمتها وهو متطهر في ظنه ، فيتعين بزعمه الإضافة في إناء صاحب المغرب.

وكذا لو سمع من بين خمسة صوت حدث ، ونفاه كل واحد عن نفسه.

السادس : طهارة المولد شرط في الإمام عند علمائنا ، لقوله عليه‌السلام : ولد الزنا شر الثلاثة (١) ، وإذا كان شره أعظم من شر أبويه ولا تصح‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٣٩٧ ما يدل على ذلك.

١٤٢

إمامتهما فكذا هو. وقال الباقر عليه‌السلام : لا تقبل شهادة ولد الزنا ولا يؤم الناس (١). ولأنه غير مقبول الشهادة ، فلا يصلح (١) للإمامة ، لأنها تتضمن معنى الشهادة بأداء ما وجب عليه من الأفعال.

وأما من جهل حاله ، أو لم يعرف أبوه ، فالوجه صحة إمامته ، عملا بظاهر العدالة ، والأحسن كراهته ، لأن الإمامة من المناصب الجليلة ولا تليق بمثله ، لنقصه بعدم العلم بأبيه.

وكذا لا تصح إمامة ولد الشبهة ، والمنفي باللعان.

السابع : الختان شرط في الإمام لا مطلقا ، بل إذا كان بالغا ممكنا من الختان وأهمل كان فاسقا ، فلا يصلح (٢) للإمامة باعتبار فسقه ، وقول علي عليه‌السلام : الأغلف لا يؤم القوم وإن كان أقرأهم ، لأنه ضيع من السنّة أعظمها ، ولا تقبل له شهادة ، ولا يصلى عليه ، إلا أن يكون ترك ذلك خوفا على نفسه (٢). وهو دليل شرط المكنة.

أما إذا لم يكن متمكنا منه ، أو ضاق الوقت من غير تفريط بالإهمال ، فإن الصلاة خلفه جائزة ، لاقتضاء التعليل في الرواية ذلك.

ولو اتفق البلوغ في أول الوقت ، ففي جواز الابتداء (٣) بالصلاة قبله إشكال.

ولو جهل الحكم ، فالأقرب جواز الصلاة خلفه ، لأنه قد يخفى مثله على الآحاد.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ ـ ٢٧٦ ح ٤.

(٢) في « س » تصح.

(٣) في « س » تصح إمامته.

(٤) وسائل الشيعة ٥ ـ ٣٩٦ ح ١.

(٥) في « س » الاقتداء.

١٤٣

البحث الثاني

( في الشرائط الخاصة )

وهي :

الأول : الذكورة ، وهي شرط في حق المأمومين الذكور والخناثي خاصة ، فلا تصح إمامة المرأة ولا الخنثى المشكل إجماعا ، لقوله عليه‌السلام : ألا لا يؤمن امرأة رجلا (١) ، ولأن المرأة لا تؤذن للرجال ، فلا تكون إمامة لهم كالكافر. ولا فرق في ذلك بين الفرائض والنوافل.

ويجوز للرجل أن يصلي بالنساء والخناثي ، وإن كن أجنبيات ولا رجل معهن.

والخنثى المشكل تجوز أن تكون إماما للمرأة ، لأن أقل أحواله أن تكون كذلك ، ولأنه تصلح أن تكون إماما لها. ولا تجوز أن تكون إماما لرجل ولا لخنثى ، لجواز أن يكون المأموم رجلا والإمام امرأة.

فلو صلى الرجل أو الخنثى خلف امرأة أو خنثى ، بطلت صلاة المأموم خاصة ، ولا فرق بين أن ينوي الإمام استتباع الرجال أو النساء.

ولو ائتم الرجل بمن ظنه رجلا ، فبان كونه امرأة أو خنثى مشكلا ، لم يجب القضاء ، لأن المأخوذ عليه العمل بالظن ، خصوصا الخنثى قد يستتر ويخفى غالبا ، ولو كلف العلم بعدمه لزم (١) الحرج.

ولو ائتم خنثى بمثله ، أو رجل بخنثى مع العلم بكونه خنثى مشكلا ، وجب القضاء ، لبطلان الاقتداء. فلو لم يقض حتى ظهر كون الإمام رجلا ، فالأقوى عدم سقوط القضاء ، لأنه كان ممنوعا من الاقتداء به ، للتردد في حاله ، والتردد مانع من صحة الصلاة ، وإذا لم تصح فلا بد من القضاء. ويحتمل ضعيفا الصحة ، لأنه مأمور بالاقتداء بالرجال وقد حصل.

__________________

(١) سنن البيهقي ٣ ـ ٩٠.

(٢) في « ق » لزمه.

١٤٤

وكذا لو اقتدى خنثى مشكل بامرأة ، ثم بان كون المأموم امرأة ، ولم تقض حتى ظهرت الأنوثية.

وكذا لو اقتدى خنثى بخنثى ولم يقض المأموم حتى بانا رجلين أو امرأتين ، أو كون الإمام رجلا ، أو كون المأموم امرأة.

ومن نظائره ما لو باع مال أبيه على ظن الحياة ، فبان ميتا ، ففي الصحة وجهان.

ولو وكل وكيلا في شراء وباع ذلك الشي‌ء من انسان على ظن أنه ما اشتراه وكيله بعد وكان قد اشتراه ، ففي الصحة الوجهان.

الثاني : القيام في إمامة القائم ، فلا يؤم القاعد القائم عند جميع علمائنا ، لقوله عليه‌السلام : لا يؤمن أحد بعدي جالسا (١). وقول علي عليه‌السلام : لا يؤم المقيد المطلقين (٢). ولأن القيام ركن ، فلا تصح إمامة العاجز عنه القادر عليه كغيره من الأركان ولا فرق بين الإمام الراتب وغيره ، ولا بين الإمام الأصلي وغيره. ولا فرق في بطلان صلاتهم بين أن يصلوا قياما خلفه أو جلوسا ، ولا بين أن يكون مرضه مما يرجى برؤه أو لا.

ولو صلى قائما فاعتل في قيامه فجلس ، أتموا الصلاة من قيام بنية الانفراد ، فإن استخلف أو استخلفوا صلوا جماعة ، وإلا انفردوا. ولا يجوز الايتمام به ، لأن القعود مانع من الابتداء فكذا يمنع من الاستدامة.

ويجوز للعاجز أن يؤم بمثله إجماعا. ولا يجوز للمومي أن يكون إماما للقاعد ، ولا للمستلقي أن يكون إماما للمضطجع.

ولا يجوز للعاجز عن ركن إمامة القادر عليه ، كالعاجز عن الركوع أو السجود ، ولو اختلفا في المقدور عليه لم يجز الايتمام ، وإن كان المأموم عاجزا عن الأقل.

ولا يجوز أن يؤم المقيد المطلقين ، لعجزه عن القيام ، ولا صاحب الفالج‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤١٥ ح ١.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤١١ ح ١ و ٣.

١٤٥

الأصحاء. ويجوز للأعرج أن يؤم الأصحاء.

ولو عجز عن القيام إلا بما يعتمد عليه ، فاعتمد حال قيامه ، فالأقوى صحة إمامته بالصحيح ، لأن المنع ـ وهو إمامة القاعد ـ غير ثابت هنا. والأقوى في الراكع خلقة المنع من إمامته بالسليم ، ويجوز بمثله. وفي جوازه بالأدون إشكال.

ويجوز إمامة أقطع اليدين والرجل بالصحيح دون أقطع الرجلين. ويجوز إمامة الخصي والجندي.

الثالث : القراءة شرط في إمامة القراء ، فلا يجوز أن يأتم قارئ بأمي في الجهرية والسرية. ونعني بالأمي من لا يحسن القراءة ، أو لا يحسن الفاتحة ، لأن القراءة واجبة مع القدرة. ومع الإتمام بالأمي تخلو الصلاة عن القراءة ، ولأن الإمام بصدد تحمل القراءة عن المأموم بحق الإمامة بدلالة المسبوق ، فإذا لم يحسنها لم يصلح للتحمل.

ولا فرق بين أن يقرأ المأموم لنفسه في السرية أو الجهرية أو لا يقرأ. فلو صلى القارئ خلف الأمي ، بطلت صلاة المأموم خاصة ، لاختصاص المنع به.

أما لو كان القارئ مرضيا عند الأمي ، فالأقرب وجوب الايتمام بالقارئ ، فإن أخل بطلت صلاته مع المكنة ، لأنه متمكن من الإتيان بالصلاة على وجهها وهي القراءة ، فوجب عليه.

ويجوز أن يأتم الأمي بمثله إن عجز الإمام والمأموم عن التعلم ، أو ضاق الوقت دونه ، لتساويهما.

ولو تمكن أحدهما من التعلم والوقت متسع ، بطلت صلاته ، إماما كان أو مأموما. أما المأموم فإن كانت صلاة الإمام باطلة ، لتمكنه دون تمكن المأموم ، لم يصح الاقتداء به أيضا.

ويجب على الأمي الاشتغال بالتعلم دائما إلا وقت الضرورة ، كالأكل‌

١٤٦

والشرب وقضاء الحاجة وضيق وقت الفريضة ، وتحصيل ما لا بد منه من القوت الحافظ للنفس ولعياله ، والاشتغال بالمندوب ليس عذرا.

ولو أم الأمي قارئا وأميا معا ، أعاد القارئ خاصة ، وكذا الأمي إن وجد قارئا مرضيا ، أو تمكن من التعلم قبل خروج الوقت ، وإلا فلا.

ولو كان أحدهما يحسن الفاتحة والآخر السورة ، فالأقرب وجوب الايتمام بمن يحسن الفاتحة ، للإجماع على أولويتها ووجوبها عند الأكثر.

ولو جوزنا انقلاب المأموم إماما لإمامه ، ائتم جاهل الفاتحة بعارفها ، فإذا فرغ نوى الثاني الايتمام بالأول. ولو كان معهما ثالث لا يعرف شيئا ، ائتم بعارف الفاتحة ، فإذا فرغ نقل نيته إلى الايتمام بالثاني. وفي وجوب ذلك إشكال.

هذا إذا كانا مرضيين ، ولو كان جاهل الفاتحة مرضيا ، وجب على جاهلها الايتمام به على إشكال.

ولو كان أحدهما يعرف بعض الفاتحة والآخر سورة كملا ، احتمل تخير ايتمام أحدهما بالآخر ، وأولوية إمامة عارف بعض الفاتحة.

ولو جهل القارئ حال الأمي ، فأحرم مأموما معه ، ثم علم في الأثناء ، نقل النية إلى الانفراد وجوبا. ولو كانت الصلاة سرية ، أو بعد عنه ، أو جوز غفلته عن الجهر ، ولم يعلم حاله حتى فرغ من صلاته خلفه ، صحت صلاته ، لأنه يبني على الظاهر. ويحتمل المنع ، لأن العدالة شرط وقد جهل المأموم بها.

ولو أم الأخرى مثله ، صحت صلاتهما ، لتساويهما في العجز. ولا يجوز أن يؤم بالصحيح وإن كان أميا ، لتمكنه من التكبير والذكر. ويحتمل الجواز ، لأن الإمام لا يتحمل التكبير وهما سواء في القراءة. والوجه الأول ، لتمكنه من بدلها.

ويجوز إمامة الأصم بالسليم ، لأنه لا يخل بشي‌ء من واجبات الصلاة.

ولو أحسن كل منهما بعض الفاتحة ، فإن اتحد صح ايتمام أحدهما‌

١٤٧

بصاحبه ، لتساويهما. وإن اختلف لم يصح ، لأن كلاّ منهما أمي بالنسبة إلى صاحبه باعتبار ما جهله.

الرابع : اللحن في القراءة الواجبة ، إن فعله عمدا مع تمكنه من التعلم ، أبطل صلاته ، لأنه ليس بعربي ، والقرآن عربي ، ولا فرق بين أن يختلف المعنى ، كمن يكسر كاف « إياك » أو لا كمن يفتح كاف « إياك ».

وإن كان سهوا ، لم تبطل صلاته ، ولا صلاة من خلفه. وإن كان جاهلا ، فإن تمكن من التعلم واتسع الزمان ، بطلت صلاته وصلاة من خلفه ، لأنه كالعامد. ولو لم يتمكن أو ضاق الوقت من غير تفريط ، صح أن يكون إماما لمثله.

والأقرب أنه لا تصح إمامته بالمتقن ، لأنه متمكن من الصلاة بقراءة صحيحة ، فلا يجوز العدول إلى الفاسد.

ولو كان لحن أحدهما مختلا ولحن الآخر غير مختل ، فالأقوى جواز اقتداء الأول بالثاني دون العكس.

الخامس : لا يصح أن يؤم مئوف اللسان صحيحه ، لوجوب القراءة في حق الصحيح ، لتمكنه منها ، ومع عجز الإمام لا يصح التحمل ، فلا يصح الاقتداء. ويصح أن يؤم مثله إذا تساويا في النطق.

ولو تمكن من إصلاح لسانه فأهمل ، لم تصح صلاته مع سعة الوقت ولا صلاة من خلفه.

ولو كان ألثغ يبدل حرفا بآخر مع تمكنه من التعلم لم تصح ، كمن يبدل الحاء بالخاء أو بالهاء ، أو يبدل الميم في « المستقيم » بالنون ، أو السين بالثاء ، أو الراء بالغين.

وإن لم يطاوعه لسانه ، أو كان ولم يمض من الزمان ما يمكنه التعلم فيه ، أو لم يجد المرشد ، صحت صلاته دون صلاة من خلفه ، ولو تمكن من التعلم ، لم تصح صلاته ووجب عليه قضاؤها ، فلا يصح الاقتداء به.

١٤٨

وكذا من في لسانه رخاوة تمنع أصل التشديدات.

ومن لا يفصح ببعض الحروف ، كالضاد والقاف ، لا تصح إمامته للعارف ، لأنه أمي بالنسبة إلى الفصيح ، ويجوز أن يؤم مثله.

ولو أبدل الضاد في « المغضوب » أو « الضالين » وغيرهما بالظاء ، لم تصح صلاته مع إمكان التعلم.

وتكره إمامة التمتام ، وهو الذي يردد التاء ثم يأتي بها ، والفأفاء ، وهو الذي يردد الفاء ثم يأتي بها ، لأنهما لا ينقصان شيئا ، ويزيدان زيادة يعذران فيها.

ولو كان له لثعة خفيفة تمنع من تخليص الحرف ، ولكن لا يبدله بغيره ، جاز أن يكون إماما للقار.

السادس : الأجذم والأبرص لا يؤمان الصحيح على الأقوى ، لنفور النفس عنهما ، فلا يحصل الانقياد إلى طاعتهما ، وقول الصادق عليه‌السلام : خمسة لا يؤمون الناس على كل حال : المجذوم ، والأبرص ، والمجنون ، وولد الزنا ، والأعرابي (١). ويجوز إمامتهما لمثلهما وإمامة كل واحد للآخر.

السابع : الأعرابي وهو الذي لا يعرف محاسن الإسلام لا يؤم المهاجرين ، لقوله تعالى ( الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلاّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ ) (٢) ولأنه لا يعرف تفاصيل أحكام الصلاة ، وللحديث السابق. وكذا غيره من العوام إذا لم يعرف شرائط الصلاة على التفصيل.

ولو كان الأعرابي قد دخل البناء وعرف أحكام الصلاة على التفصيل وما يكفيه اعتماده في التكليف وتدين به ، ولم يكن ممن يلزمه المهاجرة وجوبا ، جازت إمامته مطلقا ، لوجود الشرائط فيه ، وانتفاء الموانع عنه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٣٩٧ ح ١ و ٣٩٩ ح ٥.

(٢) سورة التوبة : ٩٧.

١٤٩

والضابط فيه : إنه إن عرف الواجب من المندوب ، صح الايتمام به ، وإلا فلا.

ولا يجوز أن يكون إماما لمثله على إشكال ، أقربه الجواز مع عدم وجوب القضاء للصلاة ، والمنع لا معه.

البحث الثالث

( فيمن تكره إمامته )

الأول : تكره إمامة المحدود بعد توبته ، لأن فسقه وإن زال بالتوبة ، لكن نقص منزلته وسقوط محله في القلوب باق.

الثاني : تكره إمامة السفيه ، لقول أبي ذر : إن إمامك شفيعك إلى الله ، فلا تجعل شفيعك سفيها ولا فاسقا (١).

الثالث : في كراهة إمامة الأعمى إشكال ، أقربه المنع ، لقول الصادق عليه‌السلام : لا بأس بأن يصلي الأعمى بالقوم وإن كانوا هم الذين يوجهونه (٢). وقول علي عليه‌السلام : لا يؤم الأعمى في الصحراء إلا أن يوجه إلى القبلة (٣). ولأنه فاقد حاسة لا يختل به شي‌ء من شرائط الصلاة ، فأشبه الأصم ، نعم البصير أولى لتوقيه من النجاسات.

الرابع : كره الشيخ إمامة العبد إلا لأهله ، لقول علي عليه‌السلام : لا يؤم العبد إلا أهله (٤). وليس للتحريم ، لأن أحدهما عليهما‌السلام سئل عن العبد يؤم القوم إذا رضوا به وكان أكثرهم قرانا؟ فقال : لا بأس (٥). ولأنه من أهل الأذان ، فكان من أهل الإمامة ، لاشتراكهما في الإمامة.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٣٩٢ ح ط.

(٢) وسائل الشيعة ٣ ـ ٢٣٥ ح ١ و ٥ ـ ٤٠٩ ح ١.

(٣) وسائل الشيعة ٣ ـ ٢٣٥ ح ٣ و ٥ ـ ٤١٠ ح ٧.

(٤) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٠١ ح ٤ ، وكلام الشيخ في الخلاف ١ ـ ٢٠٩.

(٥) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٠٠ ح ٢.

١٥٠

وحكم المعتق بعضه والمكاتب وأم الولد والمدبر حكم الرق.

الخامس : يكره أن يأتم الحاضر بالمسافر وبالعكس ، وليس محرما ، لأن الأصل الجواز ، واشتمال الايتمام لكل واحد منهما بصاحبه على المفارقة يقتضي الكراهة.

وقال الصادق عليه‌السلام : لا يؤم الحضري المسافر ، ولا المسافر الحضري ، فإن ابتلي بشي‌ء من ذلك فأم قوما حاضرين ، فإذا أتم الركعتين سلم ثم أخذ بيد بعضهم فقدمهم فأمهم وإذا صلى المسافر خلف المقيم ، فليتم صلاته ركعتين ويسلم ، وإن صلى معهم الظهر فليجعل الأولتين الظهر والأخيرتين العصر (١).

ولو لم تحصل المفارقة ، فالأقرب زوال الكراهة كالغداة والمغرب ، وكذا لو صلى الإمام ركعتين ثم حضر المسافر.

السادس : يكره أن يأتم المتوضئ بالمتيمم ، فإن فعل صح إجماعا ، لأن عمرو بن العاص صلى بأصحابه متيمما وبلغ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم ينكره ، ولأنه متطهر طهارة صحيحة فأشبه المتوضئ. وأما الكراهة فلنقص طهارته ، وقول علي عليه‌السلام : لا يؤم المقيد المطلقين ، ولا يؤم صاحب الفالج الأصحاء ، ولا صاحب التيمم المتوضئين (٢).

ويجوز للطاهرة أن تأتم بالمستحاضة ، لأنها متطهرة فأشبهت المتيمم. وكذا يصح ايتمام الصحيح بصاحب السلس ، لأنه متطهر ، والحدث الموجود غير مانع. وأن يأتم الطاهر بمن على بدنه أو ثوبه نجاسة كالمجروح.

وليس للمتوضئ ولا للمتيمم الايتمام بعادم الماء والتراب ، سواء أوجبنا عليه الصلاة أو لا ، لأنه غير متطهر.

وقال الشيخ : يجوز للمكتسي أن يأتم بالعريان ، وفيه نظر ، لأن العاري‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٠٤ ح ٦.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤١١ ح ١.

١٥١

إن صلى قاعدا لم يصح الايتمام به ، وإن صلى قائما موميا ، لم يصح الايتمام به حالة الركوع والسجود. ولو كان المكتسي يصلي بالإيماء لمرض ، جاز أن يأتم بالعريان حينئذ.

ولا يجوز للقادر على الاستقبال الايتمام بالعاجز عنه ، ويصح لمماثله.

ولو صلت الحرة خلف أمة مكشوفة الرأس صح ، فإن أعتقت في الأثناء وكانت السترة قريبة ، فأخذتها وأتمت الصلاة ، صح استمرار الايتمام ، وإلا نوت المأمومة المفارقة. وكذا العاري يجد السترة في الأثناء.

السابع : يكره أن يؤم قوما يكرهون الايتمام به ، لقوله عليه‌السلام : ثلاثة لا يتجاوز صلاتهم آذانهم : العبد الآبق حتى يرجع ، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط ، وإمام قوم وهم له كارهون (١).

المطلب الرابع

( في ترجيح الأئمة )

إذا حضر إمام الأصل ، لم يجز لأحدهم التقدم عليه ، وتعين هو للإمامة ، لقوله تعالى ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (٢) وقال تعالى ( لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ ) (٣) وهو خليفته ، فيكون له هذه المنزلة ، ويجوز مع العذر الاستنابة.

ويحصل في غيره أولوية التقدم إذا كثروا بأمور :

الأول : القراءة ، فإذا تعددت الأئمة ، قدم من يختاره المأمومون ، فإن اختلفوا قدم من يختاره الأكثر ، فإن تساووا قدم الأقرأ ، والأصل في التقديم بالفضائل ما روي عنه عليه‌السلام قال : يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله (٤).

__________________

(١) جامع الأصول ٦ ـ ٣٨٠.

(٢) سورة النساء : ٥٩.

(٣) سورة الحجرات : ١.

(٤) جامع الأصول ٦ ـ ٣٧٣.

١٥٢

فإن كانوا في القراءة سواء ، فأعلمهم بالسنّة ، فإن كانوا في السنّة سواء فأقدمهم بالهجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء ، فأكبرهم سنا.

ولأن القراءة ركن في الصلاة ، فكان الأعلم فيها أولى ، كالقادر على القيام مع العاجز عنه.

وقدم بعض علمائنا الأفقه على الأقرأ ، لانحصار القراءة التي يحتاج إليها في الصلاة وهو يحفظها ، وعدم انحصار ما يحتاج إليه من الفقه ، لعدم انضباط الوقائع الجزئية والحوادث. وقد يعرض له في الصلاة ما يحتاج إلى الفقه في معرفته. والحديث متأول ، فإن الصحابة كانوا إذا تعلموا القرآن تعلموا معه أحكامه.

إذا ثبت هذا فإن أحد القارئين يرجح على الآخر بكثرة القرآن ، فإن تساويا في قدر ما يحفظانه وكان أحدهما أجود قراءة وأشد إخراجا للحروف من مواضعها ، فهو أولى. وإن كان أحدهما أقل حفظا والآخر أجود قراءة ، فالأجود أولى.

الثاني : إذا تساووا في القراءة قدم الأفقه لما تقدم في الحديث وقيل : يقدم الأسن ثم الأفقه لقول الصادق عليه‌السلام : يؤم القوم أقرؤهم للقرآن ، فإن تساووا فأقدمهم هجرة ، فإن تساووا فأسنهم ، فإن كانوا سواء فليؤمهم أعلمهم بالسنّة (١).

ولو اجتمع فقيهان أحدهما أقرأ والآخر أفقه ، قدم الأقرأ على أحد القولين ، والأفقه على الآخر. ولو تساووا في القراءة والفقه قدم الأقدم هجرة ، والمراد به سبق الإسلام ، أو من كان أسبق هجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام ، أو يكون من أولاد من تقدمت هجرته يتقدم بذلك ، سواء كانت الهجرة قبل الفتح أو بعده.

وللشيخ قول : إنه مع التساوي في الفقه يقدم الأشرف ، فإن تساووا قدم‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤١٩ ح ١.

١٥٣

الأقدم هجرة ، فإن تساووا في الهجرة ، إما لهجرتهما معا ، أو لعدمها عنهما ، قدم الأسن (١) ، لحديث الصادق عليه‌السلام (٢) ولأنه أحق بالتقديم والإعظام.

واختلف ، فقيل : أن يمضي عليه في الإسلام أكثر ، فلا يقدم شيخ أسلم اليوم على شاب نشأ في الإسلام.

فإن تساووا في السن قدم الأصبح وجها ، والمراد به إما أحسنهم صورة ، أو أحسنهم ذكرا بين الناس.

فإن تساووا في ذلك ، قدم الأشرف ، وهو الأعلى في النسب ، والأفضل في نفسه ، والأرفع قدرا.

فإن تساووا في ذلك ، قدم الأورع والأتقى ، وليس المراد مجرد العدالة ، بل ما يزيد عليه من العفة وحسن السيرة. والأقوى عندي تقديم هذا على الأشرف نسبا ، لأن شرف الدين خير من شرف الدنيا.

فإن تساووا في ذلك كله فالقرعة ، لأنهم تساووا في الاستحقاق وتعذر الجمع ، فلا بد من القرعة ، لعدم التخصيص من غير مخصص.

ولو قدم المفضول على الفاضل في هذه المراتب كلها جاز ، لأنها إمامة خاصة ، بخلاف الإمامة العامة.

الثالث : صاحب المنزل أولى بالإمامة فيه من غيره ، وإن كان الغير أقرأ وأفقه إجماعا ، لقوله عليه‌السلام : لا يؤمن الرجل الرجل في بيته ولا في سلطانه ، ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه (٣). والمراد بالتكرمة الفراش ، وقيل : المائدة. وقال الصادق عليه‌السلام : لا يتقدمن أحدكم الرجل في منزله وفي سلطانه (٤).

__________________

(١) المبسوط ١ ـ ١٥٧.

(٢) المتقدم آنفا.

(٣) جامع الأصول ٦ ـ ٣٧٣.

(٤) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤١٩ ح ١.

١٥٤

ولو كان في المنزل إمام الحق فهو أولى ، لأنه الحاكم المطلق ، وأم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غسان بن مالك وأنسا في بيوتهما.

وإمام المسجد الراتب أولى من غيره ، لأنه في معنى صاحب المنزل والسلطان ، ولقوله عليه‌السلام : من زار قوما فلا يؤمهم (١) ، وهو عام في المسجد ، ولو أذن صاحب المنزل أو السلطان لغيره كان أحق.

والوالي من قبل السلطان أولى من صاحب المنزل والمسجد ، لأنه نائب الأولى فكان له منزلة المنوب.

ولو دخل السلطان بلدا له فيه خليفة ، فهو أولى من خليفته ، لأصالة ولايته.

والسيد أولى من العبد في بيت العبد ، لأنه صاحب البيت. ولو اجتمع العبد وغير سيده ، فالعبد أولى باعتبار المنزل.

ولو اجتمع مالك الدار ومستأجرها فيها ، فالمستأجر أولى ، لأنه أحق بالمنفعة والاستيلاء. ولو كان المالك ممن لا يصلح للإمامة فقدم غيره ، ففي أولويته إشكال.

ولو اجتمع المكاتب والسيد في دار المكاتب ، فالأقرب أن المكاتب أولى ، لقصور يد السيد عن أملاك المكاتب.

والمالك أولى من المستعير ، لنقص تصرف المستعير ، إذ للمالك عزله متى شاء.

ولو حضر جماعة المسجد ، استحب لهم مراسلة إمامة الراتب ، فإن حضر وألا يقدم أحدهم. ولو خافوا فوت أول الوقت وآمنوا الفتنة جمعوا.

وهل يقدم أولاد من تقدمت هجرته؟ الأقرب ذلك من حيث شرف النسب ، لا من حيث تقدم الهجرة.

__________________

(١) جامع الأصول ٦ ـ ٣٧٥.

١٥٥

ولو اجتمع مالكا الدار ، لم يتقدم غيرهما ، ويتقدم أحدهما بإذن الآخر أو القرعة.

المطلب الخامس

( في اللواحق )

وهي :

الأول : لو كان الإمام ممن لا يقتدى به ، لم يجز الاقتداء ، فإن احتاج إلى الصلاة معه ، تابعه في الأفعال وقرأ مع نفسه ، وإن كانت الصلاة جهرية للضرورة ، ولا يعيد لاقتضاء الأمر الإجزاء.

الثاني : لو كان الإمام كافرا ولم يعلم المأموم ، ثم علم في الأثناء ، عدل إلى الانفراد واجبا ، فإن لم يفعل واستمر على الاقتداء بطلت صلاته ، لإخلاله بالشرط.

ولو علم بعد الفراغ ، صحت صلاته على الأقوى ، للامتثال بفعل المأمور به ، فيخرج عن العهدة ، إذ هو مكلف بالظاهر. وسئل الصادق عليه‌السلام عن قوم خرجوا من خراسان أو بعض الجبال ، وكان يؤمهم رجل ، فلما صاروا إلى الكوفة علموا أنه يهودي؟ قال : لا يعيدون (١).

ولا فرق بين كون الكفر مما يستتر به عادة كالزندقة أو لا. وقيل : يعيد مطلقا ، لأنه ائتم بمن ليس من أهل الصلاة ، فتبطل صلاته. كما لو ائتم بمجنون (١) ، وينتقض بالمحدث.

ويحتمل الفرق بين الخفي وغيره ، لمشقة الوقوف عليه. ويعزر الكافر إذا أم ، لأنه غاشّ.

ولو صلى خلف من أسلم من الكفار ، فلما فرغ من صلاته قال : لم أكن‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٣٥ ح ١.

(٢) في « ق » المجنون.

١٥٦

أسلمت ولكن تظاهرت بالإسلام ، لم يلزمه قبول قوله لكفره ، ولا إعادة عليه.

ولو كان يعرف لرجل إسلام وارتداد ، فصلى آخر خلفه ولم يعلم في أي الحالين صلى خلفه ، لم يعد ، لأن الشك بعد الفراغ غير مؤثر.

الثالث : لو كان الإمام جنبا أو محدثا ، لم تصح صلاته ، سواء علم بحدث نفسه أو لا ، وتصح صلاة من خلفه إذا لم يعلم بحدثه للامتثال ، ولأن الباقر عليه‌السلام سأله محمد بن مسلم عن الرجل يؤم القوم وهو على غير طهر ولا يعلم حتى تنقضي صلاته؟ قال : يعيد ولا يعيد من خلفه وإن أعلمهم أنه على غير طهر (١). ولأنه لا علامة للمتطهر من المحدث ، فلم يوجد من المأموم تقصير في الاقتداء.

ولو أحدث الإمام في الأثناء فعلم به المأموم ، وجب أن ينوي الانفراد ، فإن استمر على نية الايتمام بطلت صلاته. وإذا كان حدثه بعد إكمال القراءة ، ركعوا منفردين أو يقدمون غيره ، وإن كان قبل القراءة ، اشتغلوا بها ، وكذا لو كان في الأثناء ، ويحتمل الإتمام من حيث قطع.

ولو أخبر الإمام بعد فراغه أنه محدث أو جنب ، لم يلتفت إليه في بطلان صلاة المأموم.

ويستحب للإمام أو المأمومين إذا أحدث الإمام ، أو أغمي عليه ، أو جن ، أو مات ، أن يقدم من يؤم من الجماعة ويتم بهم الصلاة لا وجوبا ، لأصالة البراءة.

ويكره أن يستنيب المسبوق ، لقول الصادق عليه‌السلام : فلا ينبغي له أن يقدم إلا من قد شهد الإقامة (٢). ويجوز أن يستنيب المنفرد والسابق ، فإن استنابه جاز أن يستنيب ثانيا.

ولا فرق في جواز الاستخلاف بين أن يكون الإمام قد سبقه الحدث ، أو‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٣٤ ح ٤.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٣٩ ح ٢.

١٥٧

أحدث عمدا ، فيجوز للمحدث عمدا أن يستنيب هو أو المأمومون ، ولا يشترط الاستخلاف ، فلو تقدم بنفسه جاز أن يتموا معه الصلاة.

ولو استخلف اثنين حتى يصلي كل واحد بطائفة ، جاز في غير الجمعة ، وفيها إشكال ، ينشأ من المنع من تعدد الأئمة في الابتداء فكذا في الأثناء ، ومن كون الجمعة واحدة في الحقيقة.

الرابع : إذا بلغ الطفل سبع سنين ، كان على أبيه أن يعلمه الطهارة والصلاة ، ويعمله الجماعة وحضورها ليعتادها ، لحصول التمييز للصبي في هذا السن.

وإذا بلغ عشر ضرب عليها ، وإن كانت غير واجبة ، لما فيه من اللطف ، وهو الاعتياد والتمرين ، ولقوله عليه‌السلام : مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر ، وفرقوا بينهم في المضاجع (١). وكذا يفعل ولي الصبي ووصيه ، وقال الصادق عليه‌السلام : مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر ، فإنا نأمر أولادنا بالصلاة وهم أبناء خمس ، ونضربهم عليها وهم أبناء سبع (٢).

وقد روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إذا بلغ الصبي سبع سنين أمر بالصلاة ، فإذا بلغ عشرا ضرب عليها ، فإذا بلغ ثلاث عشرة فرقوا بينهم في المضاجع ، فإذا بلغ ثماني عشرة علم القرآن ، فإذا بلغ إحدى وعشرين انتهى طوله ، فإذا بلغ ثماني وعشرين كمل عقله ، فإذا بلغ ثلاثين بلغ أشده ، فإذا بلغ أربعين عوفي من البلوى الثلاث : الجذام والجنون والبرص ، فإذا بلغ الخمسين حبب إليه الإنابة ، فإذا بلغ الستين غفرت ذنوبه ، فإذا بل السبعين عرفه أهل السماء ، فإذا بلغ الثمانين كتبت الحسنات ولم تكتب السيئات ، فإذا بلغ التسعين كتب أسيرا لله في أرضه ، فإذا بلغ المائة شفع في سبعين من أهل بيته وجيرانه ومعارفه (٣).

__________________

(١) جامع الأصول ٦ ـ ١٣٣.

(٢) وسائل الشيعة ٣ ـ ١٢ ح ٥.

(٣) جامع الأصول ٦ ـ ١٣٢ ، سنن أبي داود ١ ـ ١٣٣ ، رووا صدر الحديث.

١٥٨

إذا عرفت هذا فإن الصلاة تجب عليه مع البلوغ لا قبله ، لقوله عليه‌السلام : رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبي حتى يبلغ الحلم (١).

الخامس : إذا شرع إنسان في نافلة ، فأحرم الإمام ، قطعها إن خاف الفوات ، تحصيلا لفضيلة الجماعة ، سواء خاف فوت النافلة أو لا ، ولو لم يخف فوات الجماعة ، أتم النافلة ثم دخل في الفريضة.

ولو كان في فريضة ، استحب له أن ينقل نيته إلى النافلة ويكملها ركعتين ، ثم يدخل مع الإمام في الصلاة ، للحاجة إلى نيل الجماعة.

ولو كان إمام الأصل ، قطع الفريضة ، كما يقطع النافلة لغيره ، ثم يدخل معهم في الجماعة ، لأن متابعته أولى.

ولو كان الإمام ممن لا يقتدى به ، استمر على حاله ، لأنه ليس بمؤتم في الحقيقة وللرواية (٢).

ولو تجاوز في الفريضة ركعتين ، ثم أحرم الإمام. فإن كان إمام الأصل ، قطعها واستأنف معه ، لما فيه من المزية المقتضية للاهتمام بمتابعته. وإن كان غيره ، فالأقرب الإتمام ثم الدخول معه على سبيل إعادة المنفرد مع الجماعة.

ولو ابتدأ بقضاء الظهر ، ثم شرع الإمام في صلاة الصبح ، وخاف أن يتمم ركعتين نافلة فاتته الصلاة مع الإمام ، فإن كان إمام الأصل أبطل صلاته ، وإلا فالوجه إتمام القضاء وتفويت الجماعة ، لأن تداركها إنما هو بنقل النية من الفرض إلى النفل ، ولا يحصل التدارك بذلك.

السادس : ينبغي للإمام أن يخفف صلاته بتخفيف الأذكار ، وتكميل أفعالها من ركوع وسجود وقيام. قال أنس : ما صليت خلف أحد قط أخف ولا أتم صلاة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣).

__________________

(١) الخصال ص ١٦٢.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٥٨ ح ٢.

(٣) جامع الأصول ٦ ـ ٣٨٤.

١٥٩

ولو أحب المأمومون خلفه التطويل ، لكان أولى ، لقوله عليه‌السلام : أفضل الصلاة ما طال قنوتها (١).

السابع : لا يجب على المأموم القراءة في الجهرية والإخفاتية ، سمع قراءة الإمام أو لا. ولا يستحب في الجهرية مع السماع ، لقوله تعالى ( فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) (٢) نزلت في بيان الصلاة. وقوله عليه‌السلام : وإذا قرأ فأنصتوا (٣) ، وقول الصادق عليه‌السلام : إذا كنت خلف إمام تولاه وتثق به ، فإنه يجزيك قراءته ، وإن أحببت أن تقرأ فاقرأ فيما يخافت فيه ، فإذا جهر فأنصت ، قال الله تعالى ( وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) (٤) ولأنها قراءة لا تجب على المسبوق ، فلا تجب على غيره.

وهل تحرم القراءة لو سمع ولو مثل الهمهمة؟ قال الشيخان : نعم ، لقول الصادق عليه‌السلام : من رضيت به فلا تقرأ خلفه (٥) ، والنهي للتحريم. ولو لم يسمع ولا همهمة في الجهرية ، فالأفضل القراءة لا واجبا ، لقول الصادق عليه‌السلام : إذا كنت خلف من ترضى به في صلاة يجهر فيها فلم تسمع قراءته فاقرأ ، وإن كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ (٦). وقال الرضا عليه‌السلام في الرجل يصلي خلف من يقتدى به يجهر بالقراءة فلا يسمع القراءة قال : لا بأس إن صمت وإن قرأ (٧).

ويستحب للأصم أن يقرأ مع نفسه ، لأنه لا يسمع همهمة ، والأقرب أن له التوجه ، أما الاستعاذة فلا إلا مع القراءة.

ولو كانت الصلاة سرا قال الشيخ : يستحب قراءة الحمد خاصة (٨) ،

__________________

(١) جامع الأصول ٦ ـ ٢٦٤.

(٢) سورة الأعراف : ٢٠٤.

(٣) سنن ابن ماجة ١ ـ ٢٧٦.

(٤) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٢٤ ح ١٥.

(٥) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٢٤ ح ١٤.

(٦) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٢٣ ح ٧.

(٧) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٢٤ ح ١١.

(٨) المبسوط ١ ـ ١٥٨.

١٦٠