نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٨
الجزء ١ الجزء ٢

أسباعها. واستقرت الدراهم في الإسلام على أن كل درهم نصف مثقال وخمسه.

وبها قدر نصب الزكاة ، ومقدار الجزية ، والديات ، ونصاب القطع في السرقة ، وغير ذلك.

الثالث : قد بينا أنه لو نقص النصاب عن القدر ولو قل ، سقطت الزكاة منه ، لعموم قوله عليه‌السلام : ليس فيما دون خمسة أوساق صدقة (١). والأوقية أربعون درهما.

وأنه لا فرق بين أن يروج رواج التمام ، أو يفضل عليه ، وبين أن لا يكون ، وفضله على التمام إنما يكون لجودة النوع ، ورواجه رواج التام قد يكون للجودة ، وقد يكون لنزارة القدر الناقص ووقوعه في محل المسامحة.

الرابع : يشترط ملك النصاب بتمامه في جميع الحول ، ولا يكفي طرفاه ، لقوله عليه‌السلام : لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول (٢). والحادث بعد نقصان النصاب لم يحل عليه الحول.

الخامس : لا يكمل نصاب أحد النقدين بالآخر ، لأنهما جنسان مختلفان ، فأشبها غيرهما من النصب. نعم لو كانا للتجارة ضم أحدهما إلى الآخر.

وكذا يكمل جيد الجنس الواحد برديه. وليس المراد بذلك الخالص والمغشوش ، بل الجودة هنا النعومة والصبر على الضرب ، والرداءة الخشونة والتعنت عند الضرب ، ويخرج من كل واحد بقدره. ولو تعسر اعتبار ذلك أخرج من الوسط.

ولو أخرج الجيد عن الردي ، كان أفضل ، وفي إجزاء العكس إشكال ، أقربه ذلك إن صدق الاسم.

__________________

(١) جامع الأصول ٥ ـ ٣١٨.

(٢) جامع الأصول ٥ ـ ٣١٥.

٣٤١

ولو تساوى العيار واختلفت القيمة كالرضوية والراضية ، استحب التقسيط وأجزأ التخيير على إشكال. وكذا لو أسقط السلطان معاملة سكة مساوية في العيار ، فصارت أقل قيمة.

السادس : يجوز إخراج الصحيح عن المكسور ، بل يستحب. ولا يجوز العكس مع نقص القيمة عنه.

ولو اجتمع المستحقون ، صرف إليهم الدينار الصحيح ، أو إلى واحد بإذن الباقين لو أراد التعميم.

السابع : لا زكاة في المغشوش حتى يبلغ صافيها نصابا ، أو يكمل به نصاب الجيد ، سواء كان الغش أقل أو لا ، لقوله عليه‌السلام : ليس فيما دون خمس أوساق زكاة (١) ، وإذا بلغ الصافي منها نصابا ، أخرج قدر الواجب خالصا ، أو أخرج من المغشوش ما يعلم أنه مشتمل على قدر الواجب.

ولو أخرج عن مائتي درهم خالصة خمسة دراهم مغشوشة ، لم يجز ، كما لو أخرج مريضة عن الصحاح ، بل هنا أولى ، لأن الغش ليس بورق والمريضة إبل ، فإن أخرج فالأقرب أن له الاسترجاع إن كان بين عند الدفع أنه يخرج عن هذا المال ، لأنه دفع دفعا فاسدا. وكما لو عجل الزكاة فتلف المال. ويحتمل العدم ، كما لو أعتق رقبة معيبة ، فإنه يكون متطوعا بها.

ولا ينبغي للإمام ضرب الدراهم المغشوشة ، لئلا يحصل الغش لبعض الناس من بعضهم ، فإن كانت الدراهم المغشوشة مضبوطة العيار ، صح التعامل بها بعد بيان حالها.

ولو كان مقدار النقرة منها مجهولا ، احتمل صحة التعامل بها ، لأن القصد رواجها ، وهي رائجة لمكان السكة. ولأنه يجوز بيع المعجونات والغالية وإن اختلفت أقدارها. والمنع لأنها مقصودة باعتبار ما فيها من النقرة ، وهي مجهولة القدر. والإشارة إليها لا تفيد الإحاطة بقدر النقرة.

__________________

(١) جامع الأصول ٥ ـ ٣١٨.

٣٤٢

فعلى الأول لو باع بدراهم وأطلق ونقد البلد مغشوشة ، صح العقد ووجب من ذلك النقد. وعلى الثاني لا يصح.

الثامن : لو جهل مقدار الغش ، فإن أخرج عن المغشوش من الصافي بقدره أجزأ ، وإن ماكس ألزم التصفية مع علم النصاب ، لأن الخروج عن العهدة إنما يتم به.

ولو جهل بلوغ الصافي النصاب ، لم يجب التصفية ، لأصالة البراءة ، وعدم البلوغ.

ولو علم النصاب وقدر الغش ، أخرج عن الخالصة مثلها وعن المغشوشة مثلها.

ولو كان الغش مما تجب فيه الزكاة ، وجبت الزكاة عنهما.

فإن أشكل الأكثر منهما ولم يمكن التمييز ، بأن كان قدر أحد النقدين ستمائة والآخر أربعمائة ، أجزأه إخراج ستمائة من الأكثر قيمة وأربعمائة من الأقل. ويجوز أن يبني على ظنه لو اتفق ، لأنه الراجح ، فيتعين العمل به عند التعارض.

ويجوز امتحانه بالماء ، بأن يوضع قدر المخلوط من الذهب الخالص في ماء ويعلم على الموضع الذي يرتفع إليه الماء ، ثم يخرج ويوضع مثله من الفضة الخالصة ويعلم على موضع الارتفاع أيضا ، وتكون هذه العلامة فوق الأولى ، لأن أجزاء الذهب أشد اكتثارا ، ثم يوضع فيه المخلوط وينظر إلى ارتفاع الماء به هل هو إلى علامة الذهب أقرب أو إلى علامة الفضة.

التاسع : لو كان بيده مائة نقدا وله دين مائة أخرى على باذل ، وأوجبنا الزكاة في الدين ، وجبت الزكاة عليه في الجميع ، لأنا إنما نوجب في الدين لو كان تأخره ممن له فكأنه مقبوض.

ولو تعسر الأخذ بعد الحول ، وجب أن يخرج نصيب المائة التي بيده من الزكاة.

٣٤٣

العاشر : لا زكاة في شي‌ء من نفائس الجواهر ، كاللؤلؤ والياقوت وغيرهما. وإنما تجب في النقدين خاصة بشرط أن يكونا مضروبين منقوشين كما تقدم ، فلا زكاة في الحلي وإن كان محرفا ، خلافا لبعض علمائنا في المحرم إذا فر به من الزكاة ، فعلى قوله تجب الزكاة.

سواء كان التحريم لعينه كالأواني والقصاع والملاعق والمجامر المتخذة من الذهب والفضة ، أو باعتبار القصد ، كما لو قصد الرجل تحلي النساء الذي اتخذه أو ورثه أو اشتراه ، كالسوار والخلخال أن يلبسه أو يلبسه غلمانه ، أو قصدت المرأة تحلي الرجال ، كالسيف والمنطقة أن تلبسه جوارها أو غيرهن من النساء. وكذا لو أعد (١) الرجل حلي الرجال لنسائه وجواريه ، أو أعدت المرأة حلي النساء لزوجها وغلمانها ، فكل ذلك محرم تجب فيه الزكاة.

وحكم القصد الطاري بعد الصياغة حكم المقارن ، فلو اتخذه على قصد استعمال محظور ، ثم غير قصده إلى مباح بطل الحول ، فلو عاد إلى القصد الفاسد ابتدئ حول الزكاة. ولو لم يقصد استعمالا مباحا ولا محرما فلا زكاة لعدم الشرط وهو النقش أو تحريم الاستعمال.

وكذا لا زكاة لو اتخذ الحلي ليؤاجره ممن له استعماله وإن اتخذ للنماء ، لأنه لا اعتبار بالأجرة هنا ، لأنها كأجرة العوامل.

ولو انكسر بحيث لا يمنع الاستعمال ، لم يؤثر في السقوط. ولو لم يصلح للاستعمال واحتاج إلى سبك وصوغ جديد ، سقطت الزكاة ، لخروجه عن صفة التحريم. ولو كان بحيث يمنع الاستعمال ، لكن لا يحتاج إلى صوغ جديد بل يقبل الإصلاح باللحام ، لم يسقط ، لدوام صورة الحلي المحرم.

الحادي عشر : أصل الذهب التحريم على الرجال ، واستثني اتخاذ أنف لمن جدع أنفه ، لأن رجلا قطع أنفه يوم الكلاب ، فاتخذ أنفا من فضة فأنتن عليه ، فأمره النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يتخذ أنفا من ذهب. ولأنه في محل‌

__________________

(١) في « س » اتخذ.

٣٤٤

الحاجة. وفي معنى الأنف السن والأنملة.

ولا يجوز لمن قطعت يده أو إصبعه اتخاذهما من الذهب. ولا أن يتخذ الرجل لخاتمه سنا أو أسنانا من الذهب. ولا التمويه بالذهب في خاتم وثوب وغيرهما من ملابس الرجال.

وحكم الخنثى حكم الرجل ، لجواز كونه رجلا ، ولا يجوز له لبس حلي الرجال ولا النساء. ويحتمل ضعيفا جوازهما ، لأنه كان له لبسهما في الصغر ، فيستصحب إلى زوال الإشكال.

ولا يحرم التحلي بالذهب للنساء ولا الفضة ، ولا اتخاذ نعلين منهما ، ولا لبس الثياب المنسوجة منهما.

وكذا لا يحرم التختم بالفضة على الرجال ، لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اتخذ خاتما من فضة. ولا يجوز له غيره من السوار والدملج والطوق ، نعم يجوز له تحلية آلات الحرب بالفضة ، كالسيف والرمح وأطراف السهام والدرع والمنطقة والسكين والترس والخف وغيرهما ليغيظ بها الكفار ، وقد كانت قبيعة سيف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من فضة.

والأقرب جواز تحلية السرج واللجام والثغر والركاب للأصل ، والتاج إن كان في موضع يعتاد الرجال لبسه كان من ملابسهم ، وإلا فهو من ملابس النساء.

ولو أسرف الرجل في آلات الحرب ، أو اتخاذ خواتيم من فضة كثيرة ، أو اتخذت المرأة خلاخل كثيرة من ذهب أو فضة ، لم يكن محرما للأصل. وكذا لو اتخذت خلخالا ثقيلا.

أما أواني الذهب والفضة فإنها محرمة الاستعمال على الرجال والنساء ، وقد تقدم. وفي اتخاذهما إشكال ينشأ : من أصالة الإباحة. ومن تعطيل المال والإسراف به. وكذا تباح تحلية السكاكين وإن كانت للمهنة.

ولا يجوز تحلية المصحف ولا غلافه بذهب ولا فضة ، ولا الكتب ، ولا‌

٣٤٥

زخرفة المساجد. والأقرب تحريم تذهيب حيطان الدور ، لما فيه من الإسراف وتضييع المال. والأقرب جواز تعليق القناديل من الذهب والفضة في المشاهد والكعبة للتعظيم ، كما يجوز ستر الكعبة بالديباج.

منع الشيخ من اتخاذ الآلات من الذهب والفضة كالأواني مثل المرآة والمقلمة والمقراض وهو الأقوى.

الثاني عشر : إذا أوجبنا الزكاة في الحلي المحرم ، كان الاعتبار بوزنه لا بقيمته. فلو اتخذ خلخالا وزنه مائتا درهم وقيمته ثلاثمائة ، أخرج زكاة مائتي درهم ، لأنها زكاة عين ، فلا تنظر فيها إلى القيمة كالمواشي. ولهذا لو كان وزنه مائة درهم وقيمته بسبب الصنعة مائتان ، فإنه لا زكاة فيه.

ويحتمل اعتبار الصنعة ، كما أنه يجب أن يخرج عن المضروب مضروبا من حيث إنها صفة في العين ، فيلزمه إخراج زكاة العين على تلك الصفة ، فحينئذ يتخير بين أن يخرج ربع عشر الحلي مشاعا ، ثم يبيعه الساعي ويفرق الثمن على المساكين ، وبين أن يخرج خمسة دراهم مصوغة قيمتها سبعة دراهم ونصف. ولا يجوز أن يكسره ويخرج خمسه مكسورة ، لما فيه من الضرر عليه وعلى الفقراء. ويجوز أن يخرج ما قيمته سبعة ونصف من غير الفضة.

أما لو كانت له آنية وزنها مائتان وقيمتها للصنعة ثلاثمائة ، فإن جوزنا الاتخاذ والاستعمال ، كان حكمها حكم الكلي المتقدم ، وإلا أجزأه إخراج خمسه من غيره وكسره وإخراج خمسه منه ، لأنه لا قيمة للصنعة شرعا.

وكل حلي محرم على جميع الناس ، حكم صنعته حكم صنعة الإناء ، ولا يضمن كاسرها. وما يحل لبعض الناس فعلى كاسره ضمانها. وما يكره من التحلي ولا يحرم كالآنية المفضضة ، حكمه حكم الحلي المباح في سقوط الزكاة عنه.

الثالث عشر : قد بينا أنه ينبغي إخراج الأجود إذا تساوت القيم ، ولو اختلفت أخذ من كل نوع ما يخصه ، أو أخرج من أوسطها ما بقي بقدر الواجب وقيمته. ولو أخرج من أجودها بقدر الواجب ، جاز له ثواب الزيادة ،

٣٤٦

وإن أخرجه بالقيمة مثل أن يخرج عن نصف دينار ثلث دينار جيد ، فالأقرب الجواز.

وكذا إن أخرج من الأدنى ، وزاد في المخرج ما يفي بقيمة الواجب ، كما يخرج عن دينار دينارا ونصفا يفي بقيمته.

وإن أخرج بهرجا عن الجيد وزاد بقدر ما يساوي قيمته الجيد جاز ، ولا ربا هنا ، لأنه لا ربا بين العبد وسيده والحق هنا لله تعالى ، ولأن المساواة في المعتاد الشرعي ، وإنما اعتبرت في المعاوضات والقصد من الزكاة المواساة وإغناء الفقير وشكر نعمة الله تعالى ، فلا مدخل للربا هنا.

ولو خلف لأهله نفقة قدر النصاب فما زاد وحال عليها الحول ، فإن كان حاضرا ، وجبت الزكاة لقدرته عليه ، وإن كان غائبا فلا ، لأنها في معرض الإتلاف ، ولقول الصادق عليه‌السلام : إن كان شاهدا فعليه زكاة ، وإن كان غائبا فليس فيها شي‌ء (١). ولأنها مع الغيبة لا يتمكن من التصرف فيه ، لأنه أخرجه عن يده بتسليط أهله على الانتفاع به.

المطلب الثالث

( في زكاة الغلاة )

وإنما تجب الزكاة بشرط النصاب ، وهو واحد في الجميع. وقدره خمسة أوسق ، كل وسق ستون صاعا ، كل صاع أربعة أمداد ، كل مد رطلان وربع بالعراقي ورطل ونصف بالمدني ، للرواية. قال الكاظم عليه‌السلام : الصاع ستة أرطال بالمدني وتسعة بالعراقي (٢). فلا زكاة فيما هو أقل من ذلك إجماعا منا ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة (٣). ثم لا نصاب له بعد ذلك ، بل كل ما زاد وجب فيه ما يجب في الأوسق الخمسة ، سواء قل أو كثر.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ ـ ١١٧ ح ١.

(٢) وسائل الشيعة ١ ـ ٣٣٨ ، وسائل الشيعة ٦ ـ ١٢٦ ح ١٠.

(٣) جامع الأصول ٥ ـ ٣١٨.

٣٤٧

ثم الزرع والثمار إن سقيت سيحا أو بعلا أو عذيا كان فيه العشر ، وإن سقيت بالغرب والدوالي والنواضح وما يلزمه مئونة وهو ما سقي بآلة ويرفع الماء إليه. وإن تمكن من سقيه سيحا وعدل فرارا كان فيه نصف العشر بإجماع العلماء ، لأن معاذا لما بعثه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى اليمن أمره أن يأخذ مما سقت السماء أو سقي بعلا العشر وما سقي بدالية نصف العشر (١). وقال الباقر عليه‌السلام : ما سقي بالرشاء والدوالي والنواضح فيه نصف العشر. وما سقت السماء أو كان بعلا ففيه العشر (٢).

ولو اجتمع الأمران ، فإن تساويا كان في نصفه نصف العشر وفي نصفه ربع العشر ، فيكون في جميعه ثلاثة أرباع بإجماع علماء الإسلام. قال الصادق عليه‌السلام وقد سئل عن الأرض تسقي الدوالي ثم يزيد فتسقي سيحا؟ : نصف بنصف العشر ونصف بالعشر (٣). ولأن كل واحد لو انفرد ، كان له قدر معين مغاير لصاحبه ، فإذا اجتمعا اقتضى كل واحد منهما حكمه ، ولأنه لا أولوية في ترجيح أحدهما.

ولو غلب أحدهما كان الاعتبار له ، فإن كان الغالب السيح وجب العشر في الجميع ، وإن كان بالآلة وجب نصف العشر في الجميع ، لقول الصادق عليه‌السلام : نصف العشر ، وقد سئل عن الأرض تسقى بالدوالي ثم تزيد الماء فتسقى السقية والسقيتين سيحا في ثلاثين ليلة أو أربعين وقد تمكث قبل ذلك في الأرض ستة أشهر أو سبعة أشهر (٤).

فروع :

الأول : تقدير النصاب تحقيق لا تقريب ، لقوله عليه‌السلام : ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة (٥). وقول الباقر عليه‌السلام : فإن كان من‌

__________________

(١) جامع الأصول ٥ ـ ٣٣٣.

(٢) وسائل الشيعة ٦ ـ ١٢٠ ح ٥.

(٣) وسائل الشيعة ٦ ـ ١٢٨ ح ١.

(٤) نفس المصدر.

(٥) جامع الأصول ٥ ـ ٣١٨.

٣٤٨

كل صنف خمسة أو ساق غير شي‌ء ، وإن قل فليس فيه شي‌ء (١). ولأن نصاب المواشي تحقيق فكذا هنا.

وهل الاعتبار الكيل أو الوزن؟ الأولى في الحنطة والشعير اعتبار الكيل ، وفي التمر والزبيب اعتبار الوزن. ويحتمل تقدير الجميع بالوزن ، لأنه الأصل في اعتبار المكيال.

الثاني : لا فرق بين ما نبتته الأرض المملوكة ، وبين ما نبتته الأرض المكتراة ، في وجوب العشر. ويجتمع على المستأجر العشر والأجرة ، كما لو استأجر حانوتا للتجارة ، فإن الأجرة لا تمنع زكاة التجارة.

ويجتمع أيضا عندنا العشر والخراج ، لأنها حقان وجبا بسببين مختلفين ، فلا يمنع أحدهما الآخر كالقيمة والجزاء في الصيد المملوك.

الثالث : النصاب يعتبر في ثمر النخل حالة الجفاف تمرا أو قسيا ، وفي ثمر الكرم الجفاف أيضا زبيبا وفي الحنطة والشعير التصفية من التبن والإخراج من السنابل والقشر الأعلى ، لقول الصادق عليه‌السلام : والعنب مثل ذلك حتى يكون خمسة أوساق زبيبا (٢).

ولا يشترط في الجفاف تناهيه إلى حد لا يقبل الزيادة ، بل أول مراتب ما يسمى تمرا أو زبيبا.

وتجب الزكاة عند بدو الصلاح ، وإنما يجب الإخراج بعد اقتطافها واخترامها وتصفيتها إجماعا.

الرابع : ما يسقى بالناعورة ، وهو ما يديره الماء بنفسه كالدواليب ، لأنه تسبيب إلى النزح وإنما يتم بالدلاء.

وأما القنوات والسواقي المحفورة من النهر العظيم إلى حيث يسوق الماء إليه فكالعذي ، لأن مئونة القنوات إنما تتحمل لإصلاح الضيعة والأنهار تشق‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ ـ ١٢١ ح ٨.

(٢) وسائل الشيعة ٦ ـ ١٢١ ح ٧.

٣٤٩

لإحياء الأرض ، فإذا تهيأت وصل الماء إلى الزرع بطبعه مرة بعد أخرى ، بخلاف السقي بالنواضح وشبهها ، فإن المئونة تتحمل لنفس الزرع.

الخامس : لو احتاج إلى شراء الماء ، فالواجب نصف العشر لما فيه من المئونة ، وكذا لو غصبه لأن عليه الضمان.

ولو وهب منه الماء ، احتمل إلحاقه بالمغصوب ، لما في قبوله الهبة من المنة العظيمة ، فصار كما لو علق ماشيته بعلف موهوب. وكذا لو وضع السلطان قطيعة على السقي.

السادس : يحتمل اعتبار الأغلبية وعدمها بعدد السقيات ، لأن المئونة تقل وتكثر بها. ويحتمل بمدة عيش الزرع ونمائه أهو بأحدهما أكثر أو لا.

كما لو كانت المدة من يوم الزرع إلى الإدراك ثمانية أشهر واحتاج في ستة أشهر زمان الشتاء والربيع إلى سقيتين وفي شهرين من الصيف إلى ثلاث سقيات ، فسقي السقيتين بماء السماء والثلاث بالنضح ، فإن اعتبرنا العدد يجب نصف العشر ، لأن النضح أكثر. وإن اعتبرنا مدة العيش يجب العشر ، لأن مدة السقي بماء السماء أطول. ويحتمل عدم اعتبار المدة بل النفع والفائدة ، فقد تكون السقية الواحدة أنفع من عدد.

السابع : لو سقي بالناضح وماء السماء جميعا ، ولكن لم يعرف قدر كل واحد ، وجب ثلاثة أرباع العشر ، عملا بالاحتياط وأصالة الاستواء. ويحتمل نصف العشر ، عملا بأصالة البراءة ، فيجب المتيقن.

ولا فرق فيما ذكرنا بين أن ينشأ الزرع على اجتماع السقي بالناضح والسائح ، وبين أن يقصر أمره (١) على أحد السقيتين ثم يعرض الآخر.

الثامن : لو اختلف الساعي والمالك في أنه بما ذا سقي ، فالقول قول المالك ، لأصالة عدم وجوب الزيادة.

__________________

(١) في « س » يقصد مرة.

٣٥٠

التاسع : لو كان له زرعان ، يسقي أحدهما بماء السماء ، والآخر بماء الناضح ، ولم يبلغ واحد منهما نصابا ، ضم أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب وأخرج من كل صنف بقسطه.

العاشر : إنما تجب الزكاة بعد إخراج المؤن كلها ، من أجرة السقي والعمارة والحائط والمساعد في حصاد وجذاذ وتجفيف ثمرة وإصلاح موضع التشميس وغير ذلك والبذر ، لأن المئونة سبب زيادة المال ، فتجب على الجميع كالمال المشترك. ولأن في إلزام المالك بذلك حيفا وإضرارا به.

والخراج عن الأرض أو النخل يخرج وسطا ، ويؤدي زكاة ما بقي إذا بلغ النصاب ، وثمن الثمرة من المئونة ، فيخرج ثم يزكي الباقي ، أما عن أصل النخل فلا.

وحصة السلطان تخرج وسطا ، لقول الباقر عليه‌السلام : كل أرض دفعها إليك السلطان ، فعليك فيما أخرج الله منها ما قاطعك عليه ، وليس على جميع ما أخرج الله منها العشر ، وإنما العشر عليك فيما تحصل في يدك بعد مقاسمته لك (١).

الحادي عشر : إذا أخرج الزكاة ، سقطت عنه بعد ذلك ، فلا تجب عليه في الحول الثاني في تلك الغلة ولا تكرر عليه وإن بقيت أحوالا ، لأنها أموال غير مرصدة للنماء في المستقبل ، بل هي إلى النقص أقرب ، والزكاة تجب في النامية ، إرفاقا بالمالك وتسهيلا عليه في الإخراج.

الثاني عشر : لا يجزي أخذ الرطب عن التمر ، ولا العنب عن الزبيب ، لأنه أقل من الواجب ، فإن أخذه الساعي رجع بما نقص عند الجفاف ، لاشتغال الذمة به.

الثالث عشر : تضم الزروع المتباعدة والثمار المتفرقة في الحكم ، سواء اتفقت في الإيناع والإخراج ، أو اختلفت فيهما ، أو في أحدهما ، لأنه غلة عام‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ ـ ١٢٩ ح ١.

٣٥١

واحد فأخذ النصاب من الجميع. ولا فرق بين أن تطلع الثانية قبل جذاذ الأولى أو بعده ، ولا قبل بدو صلاح الأولى أو بعده.

ولو كان له نخل يطلع في السنة مرتين أو كرم ، احتمل ضم الثاني إلى الأولى مطلقا ، لأنها ثمرة عام واحد ، فأشبه حمل النخلتين المختلفين في الإيناع. وعدمه مطلقا ، لأن كل حمل كثمرة عام واحد ، والضم إن طلعت قبل الجذاذ وعدمه.

الرابع عشر : لا يضم شي‌ء من هذه الأجناس إلى غيره ، فالحنطة والشعير هنا جنسان وإن اتحدا في الربا على الأقوى ، لاندراجه تحت قوله عليه‌السلام : ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة (١).

والعلس. قال الشيخ : إنه نوع من الحنطة. قال : إذا اجتمع عنده حنطة علس يضم إليها (٢). وهي مما يدخر في قشره ، ويزعم أهله أنه إذا أخرج من قشره لا يبقى بقاء غيره من الحنطة ، ويزعمون أنه يخرج على النصف ، (١) فيعتبر نصابه في قشره للضرر في إخراجه ، فإذا بلغ بقشره عشرة أوسق وجبت الزكاة ، لأن فيه خمسة أوسق.

ولو حصل الشك في بلوغه النصاب ، فلا وجوب ، لكن إن أخرج عشرة بقشره أو أخرجه بعد التقشير له ، قدر بخمسة أوسق كان أحوط.

وأما غيره من الحنطة فلا يجوز تقديره بقشره بل بعد التصفية ، حذرا من حيف الفقراء.

والسلت. قال الشيخ : إنه شعير فيه مثل ما فيه (٣). وقيل : إنه يشبه الحنطة في اللون والنعومة والشعير في برودة الطبع. وقيل : بالعكس.

__________________

(١) جامع الأصول ٥ ـ ٣١٨.

(٢) المبسوط ١ ـ ٢١٧.

(٣) في « س » فيعين.

(٤) المبسوط ١ ـ ٢١٧.

٣٥٢

وعلى كل تقدير فيحتمل ضمه إلى الحنطة باعتبار وإلى الشعير باعتبار ، أو لا يجب فيه شي‌ء البتة ، وهو الأقوى. لانفراده عنهما بالاسم والصفة ، واكتسب من تركب الشبهين طبعا ينفرد به ، فصار أصلا برأسه.

ولا خلاف في أنه يضم أصناف النوع الواحد بعضها إلى بعض ، كالحنطة الجيدة والردية ، وفي الإخراج إن أخرج الأجود فهو أفضل ، وإن ماكس فالتقسيط. وقول الصادق عليه‌السلام : ويترك (١) معى فأرة وأم جعرور لا يزكيان (١).

إشارة إلى أنه لا يؤدى الزكاة منهما.

ولو انفرد هذين الجنسين ، وجب فيه الزكاة وأجزأه الإخراج منه.

الخامس عشر : إذا مات وعليه دين مستوعب وله ثمرة بدا صلاحها بعد موته قبل القضاء ، احتمل سقوط الزكاة ، لأنهما في حكم مال الميت وملك الورثة غير مستقر في الحال ، وإنما يستقر بعد قضاء الدين من غيره.

والوجه عندي الوجوب إن كانوا موسرين ، لأنها ملكهم ما لم تبع في الدين ، ولهذا كان لهم التصرف فيها وقضاء الدين من موضع آخر ، وإنما لرب الدين التعلق بالتركة وطلب الحق منه ، فتكون الرقبة لهم كالمرهون والجاني وقيمتهما للمالك ، فإذا ملكوها وهم من أهل الزكاة وجبت عليهم. وإن كانوا معسرين فلا زكاة ، لأنهم في حكم المحجور عليهم ، إذ ليس لهم التصرف إلا بعد قضاء الدين من غير النصاب وهم عاجزون عنه.

وإنما تجب الزكاة عليهم لو بلغ نصيب كل واحد منهم النصاب ، فإن قصر لم تجب الزكاة وإن بلغ المجموع ، لأنا لا نوجب الزكاة على الخلطة لم تقدم.

ولو قصر نصيب أحدهم دون غيره ، وجب على من لم يقصر نصيبه عن النصاب.

__________________

(١) إلى هنا تم نسخه « س ».

(٢) وسائل الشيعة ٦ ـ ١٢٠ ح ٣.

٣٥٣

ولو بدا الصلاح في حياته ، وجبت الزكاة وأخرجت من الأصل قبل الدين ، لتعلقه بالذمة وتعلقها بالعين.

ولو أطلع بعد موته ، فالنماء للورثة ، ولا يصرف إلى دين الغرماء إلا إذا قلنا الدين يمنع الميراث ، فحكمها حكم ما لو وجد قبل موته.

فائدة

( تتعلق بالخرص )

روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يبعث على الناس من يخرص عليهم كرومهم. وبعث عليه‌السلام عبد الله بن رواحة يخرص على يهود نخلهم حين تطيب الثمار (١).

وهو مشروع مستحب ، وليس واجبا إجماعا. وليس تخمينا بل هو اجتهاد في معرفة الثمرة وإدراكه بالخرص الذي هو نوع من المقادير والمعايير ، فهو كتقويم المتلفات.

ووقته : حين بدو صلاح الثمرة ، اقتداء بفعله عليه‌السلام حيث كان يبعث من يخرص النخل حين يطيب. ولأنه وقت الأمن على الثمرة من الجائحة.

ولأن الفائدة من الخرص معرفة الزكاة وإطلاق أرباب الثمار في التصرف فيها ، والحاجة إنما تدعو إلى ذلك حين يبدو الصلاح وتجب الزكاة فيه.

ولا يفيد التضمين ولا يصير حق المساكين بخرصانه في ذمة رب المال ، بل يبقى على ما كان ، ويفيد معرفة المقدار ، ولا يؤثر في نقل الحق إلى ذمته.

ويكفي الخارص الواحد ، لأنه عليه‌السلام اكتفى به ، ولأنه مجتهد يعمل على اجتهاده ، فكان كالحاكم. ولا فرق في الاكتفاء به بين أن يكون الخرص على صبي أو مجنون أو غائب أو على أضدادهم.

__________________

(١) سنن ابن ماجة ١ ـ ٥٨٢.

٣٥٤

ويشترط فيه الإسلام والعدالة والعلم بالخرص حتى تنتفي التهمة ويغلب على الظن صدقه.

والأقرب اشتراط الذكورة والحرية ، لأنه نوع حكم.

وكيفية الخرص : أن يطيف بكل نخلة أو شجرة وينظر كم عليها من رطب أو عنب ، ثم إن كانت الثمرة من نوع واحد نظر كم الجميع عنبا أو رطبا ، ثم قدر ما يجي‌ء منه تمرا أو زبيبا.

وإن كانت أنواعا خرص كل نوع بانفراده ، لاختلافها فمنها كثير الرطب قليل التمر وبالعكس ، وكذا العنب. ولأنه يحتاج إلى معرفة قدر كل نوع لإخراج عشره.

فإذا خرص عرف المالك قدر ما تجب فيه من الزكاة. ثم خيره بين أن يضمن قدر الزكاة ويتصرف فيها بما شاء من أكل وغيره ، وبين حفظها إلى وقت الجذاذ والجفاف ، وبين تضمين الساعي حصة المالك.

فإن اختاروا الحفظ وأبوا الضمان ، كان أمانة في أيديهم ، ولم يجز لهم التصرف بالأكل والبيع والهبة ، لأن فيها حق للمساكين. فإن تلفت بغير تفريط إما بآفة سماوية أو أرضية ، أو ظلم ظالم أو غصب غاصب ، سقط ضمان الحصة ، لأنها أمانة فلا تضمن بالخرص.

ولو تلف البعض ، لزمه زكاة الموجود خاصة وإن نقص عن النصاب ، لأن الإمكان شرط الضمان لا الوجوب.

ولو أتلفها المالك أو تلفت بتفريط ضمن. وأما المضمون يحتمل المثل كالأجنبي ، ونصيب الفقراء بالخرص ، لأن عليه تجفيف هذا الرطب بخلاف الأجنبي.

ولو ادعى تلفها بغير تفريط ، صدق بغير يمين.

ولو حفظها إلى وقت الإخراج ، فعليه زكاة الموجود لا غير ، سواء اختار الضمان أو حفظها على سبيل الأمانة ، وسواء كانت أكثر مما أخرصه الخارص أو‌

٣٥٥

أقل ، لأنها أمانة فلا تصير مضمونة بالشرط كالوديعة ، بخلاف ما لو تلفت بتفريط ، فإنه يرجع إلى الخرص ، لأنه تصرف في الثمرة ولم يعلم قدرها والظاهر إصابة الخارص.

ولو ادعى المالك غلط الخارص بالمحتمل ، صدق بغير يمين ، بخلاف ما لو ادعى غيره كالنصف ونحوه ، ولأنه يعلم كذبه.

ولو قال : لم يحصل في يدي غير كذا ، قبل قوله من غير يمين ، لأنه قد يتلف بعضها بآفة لا يعلمها.

ولو زاد الخرص ، فالأقرب وجوب الزكاة في الزيادة ، ولو نقص لم يكن عليه ، لأنها أمانة فلا تضمن كالوديعة.

ولا يستظهر الخارص في الاستقصاء على المالك ، بل يخفف ما يكون به المالك مستظهرا ، وما يجعل للمارة بحسب ما يراه الخارص ، أو ما يأكل منه بالمعروف ، أو يطعم جاره ، أو صديقه.

وإذا خرص وامتنعوا من الضمان ، فقد قلنا إنهم يمنعون من الأكل والتصرف وتبقى أمانة في أيديهم. والظاهر أن المنع إنما هو في عشر المساكين لا في تسعة أعشار المالك. وقبل الخرص لا يجوز التصرف في الجميع.

ولو ادعى المالك هلاك الثمرة المخروصة عليه ، أو هلاك بعضها بسبب يكذبه الحس فيه ، كما لو ادعى حريق البستان ، ويعلم أنه لم يقع فيه حريق ، لم يلتفت إليه. فإن ادعى شيئا خفيا ـ كالسرقة ـ قبل قوله من غير يمين.

ولو ادعى سببا ظاهرا. كالنهيب والبرد ـ قبل قوله من غير يمين أيضا ، سواء عرف وقوع هذا السبب وعموم إثارة أو جهل ، وسواء أمكنه إقامة البينة عليه أو لا ، لأن تكليف الإحلاف إضرار ينافي المواساة ، وسواء كان ثقة أو لا مؤتمن شرعا. وكذا يقبل قوله في دعوى الهلاك من غير استناد إلى سبب من غير يمين.

ولو ادعى أن الخارص تعمد الإجحاف عليه في الخرص ، لم يلتفت إليه ،

٣٥٦

كما لو ادعى الميل على الحاكم والكذب على الشاهد. نعم لو أقام البينة بذلك ، قبل.

ولو ادعى الغلط ولم يبين المقدار ، لم يلتفت إليه.

ولو ادعى بعد الكيل غلطا يسيرا في الخرص بقدر ما يقع بين المكيلين ، احتمل الحط ، لأن الكيل تحقيق والخرص تخمين ، والإحالة على الأول أولى ، وعدمه لاحتمال وقوع النقصان في الكيل فلعله يفي لوكيل ثانيا.

ويجوز تجفيف الثمرة بعد الخرص مع الحاجة ، دفعا للمشقة ، فيسقط بحسابه من الزكاة ، وكذا قبله مستقلا من دون إذن الإمام أو الساعي.

ولو كان قبل بدو الصلاة ، جاز تجفيفه وقطعه أصلا ، لما يراه من مصلحة نفسه وأصول نخله.

ويجوز قسمة الثمرة قبل قطعها وإن كانت رطبا ، لأن القسمة تمييز حق وأفراده وليس بيعا. ولو كانت بيعا جاز أيضا ، لجواز بيع الرطب بمثله عندنا ، فيخرص الثمار ويعين حق المساكين في نخلة أو نخلات بأعيانها. ويجوز للخارص بيع نصب المساكين من المالك وغيره.

ويجوز للمالك تقويم نصيب الفقراء من غير مراجعة الساعي ، لأن له إخراج القيمة.

ويجوز لرب المال قطع الثمرة وإن لم يستأذن الخارص ، سواء ضمن أو لا. ومنع الشيخ رحمه‌الله مع عدم الضمان ، من حيث إنه تصرف في مال الغير فيقف على الإذن. وليس بجيد ، لأن المالك أمين على الحفظ ، فله التصرف بما يراه مصلحة.

ولو أخذ الساعي الرطب عن التمر ، فإن ساواه قيمة ودفعه على أنه قيمة جاز ، وإلا اعتبر عند جفافه ، فإن كان بقدر الواجب أجزأ ، وإلا أخذ النقصان ورد الفاضل.

ولو دفع المالك عن التمر رطبا بالقيمة ، جاز وإلا فلا ، وإن كان لو جف‌

٣٥٧

ساواه ، لأنه غير الواجب.

ولا يجزي الخرص في غير النخل والكرم من الغلاة ، اقتصارا بالتخمين على مورده ، ولأن الزرع مستتر ، بخلاف ثمر النخل والكرم فالخرص فيه أقرب إلى الإصابة ، ولأن الحاجة تدعو إلى تناول الرطب والعنب قبل صيرورته تمرا وزبيبا ، بخلاف الزرع.

خاتمة :

تشتمل على مسائل :

الأول : قد بينا أن وقت الوجوب في الثمرة بدو الصلاح ، وهو الزهر ، ولذلك كان عليه‌السلام يبعث الخارص ليخرص ، ولو سبق الوجوب عليه لبعثه قبل ذلك ، ولو تأخر عنه لتأخر بعثه له إلى ذلك الوقت.

وفي الحبوب اشتدادها ، لأنها حينئذ تصير طعاما ، كما أن عمل النخل والكرم بعد بدو الصلاح ثمرة كاملة.

فلو اشترى نخلا مثمرا بشرط الخيار قبل بدو الصلاح ، فبدا في زمان الخيار ، فعلى ما نذهب إليه من الانتقال إلى المشتري بالعقد ، تكون الزكاة عليه وإن فسخ البيع. وعلى ما اختاره الشيخ في بعض أقواله من البقاء على ملك البائع ، تكون الزكاة عليه وإن أمضى البيع.

ولو كان المشتري ذميا ، فلا زكاة على المسلم ، لأن الثمرة لم تكن في ملكه وقت الوجوب ، والذمي لا يصح منه إخراجها (١) ، ولو عادت إلى ملك المسلم بعد بدو الصلاح ببيع مستأنف أو هبة أو تقايل أو رد بعيب ، فلا زكاة أيضا ، لأنها لم تكن في ملكه حين الوجوب. والبيع من المكاتب كالبيع من الذمي.

الثاني : لو باع النخل من مسلم قبل بدو الصلاح فبدا الصلاح في ملك المشتري ثم وجد بها عيبا ، فليس له الرد إلا بعد رضا البائع ، لتعلق حق‌

__________________

(١) في « ر » أما لو.

٣٥٨

الزكاة بها ، فكان العيب حدث في يده.

فإن أخرج المشتري الزكاة من غير العين ، احتمل ذلك أيضا ، لأن المؤدي عن الزكاة قد يخرج مستحقا فيتبع الساعي عين النصاب. والرد ، الزوال المانع وهو استحقاق الفقراء.

الثالث : لو باع الثمرة وحدها قبل بدو الصلاح فقولان ، الأقوى الصحة.

وقيل : البطلان إلا مع شرط القطع ، فإن شرطه ولم يتفق حتى بدا صلاحها وجب العشر. فإن رضيا بإبقائها إلى أوان الجذاذ ، جاز والعشر (١) على المشتري.

وإن لم يرضيا بالإبقاء ، لم يقطع الثمرة ، لأن فيه إضرارا بالمساكين ، ثم يحتمل فسخ البيع ، لتعذر إمضائه ، فإن البائع يبغي القطع لشرطه وهو ممتنع ، وعدمه وهو الأقوى ، لأنه عيب حدث بعد القطع ، فلا يؤثر فيه الفسخ ، لكن إن لم يرض البائع بالإبقاء انفسخ البيع.

وإن رضي بالإبقاء ولم يرض المشتري ، لم ينفسخ ، لأن البائع زاده خيرا ، والقطع إنما كان لحقه بحيث لا تمص الثمرة ماء النخل. فإذا رضي ، تركت النمرة بحالها.

ولو رضي البائع بالإبقاء ، كان له الرجوع متى شاء ، لأنه إعارة.

وإذا انفسخ البيع حيث سوغناه ، فالزكاة على المشتري ، وإن كان الفسخ لشرط القطع المستند إلى أصل العقد ، لأن بدو الصلاح كان في ملكه ، فأشبه ما لو فسخ بعيب ، فإن أخذ الساعي من العين ، رجع البائع على المشتري.

الرابع : من الرطب ما لا يصير تمرا ، وكذا من العنب ما لا يصير زبيبا ، ويجب فيهما عشر العين ، أو نصف العشر رطبا أو عنبا ، ولا يوجب عليه ضمان تمر منهما أو من غيرهما ، لكن في اعتبار قدر النصاب منه إشكال ، أقربه اعتبار الخرص لو جف ، ويؤخذ منه بالتقريب ، ويحتمل البناء على القطع ، فلا يحكم بالوجوب إلا مع علم بلوغ النصاب لو جف.

__________________

(١) في « ر » والأجرة.

٣٥٩
٣٦٠