نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٨
الجزء ١ الجزء ٢

نعم فأمر بها فردت وقال : ما أمنت لو حبستها أن أرى في ولدي ما أكره (١).

وقال الصادق عليه‌السلام : أتي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسبي من اليمن فلما بلغوا الجحفة نفدت نفقاتهم فباعوا جارية من السبي كانت أمها معهم ، فلما قدموا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سمع بكاءها ، فقال : ما هذه؟ قالوا : يا رسول الله احتجنا إلى نفقة فبعنا ابنتها ، فبعث بثمنها فأتي بها وقال : بيعوهما جميعا أو أمسكوهما جميعا (٢).

وهل هو حرام أو مكروه؟ الأقرب الثاني عملا بالأصل ، ولقوله عليه‌السلام : الناس مسلطون على أموالهم (٣). ويحتمل الأول للنهي والتوعد والنهي المثمر للكراهة ، والتحريم إنما هو قبل الاستغناء.

وفي حده قولان : سبع سنين أو مدة الرضاع. فلو فرق بعد ذلك جاز.

ولو قلنا بالتحريم مع الصغر ففرق ، فالوجه صحة البيع ، لأن النهي لمعنى في غير البيع ، وهو الضرر اللاحق بالتفريق ، فلم يمنع صحة البيع ، كالبيع في وقت النداء. ويحتمل البطلان ، لأنه عليه‌السلام أمر بالرد ولو كان البيع لازما لما أمر برده ، ولأن التسليم تفريق محرم ، فكان كالمتعذر ، لأن العجز قد يكون حسيا وقد يكون شرعيا. ولا يكره بعد الاستغناء ، لاستقلال كل منهما بنفسه واستغنائه من تربية غيره له.

فروع :

الأول : لا فرق في التفريق بين الأم وولدها بالبيع وغيره من العقود الناقلة ، كالهبة والقسمة والإصداق والاستيجار به ، أما إجارة أحدهما فليس تفريقا. وكذا الإعارة والإيداع ، وإيجار معنى التفريق بجعلهما في بلدين على إشكال.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ ـ ٤١ ح ٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ ـ ٤١ ح ٢.

(٣) عوالي اللئالي ٢ ـ ١٣٨.

٥٢١

الثاني : لا يحرم التفريق في العتق ولا في الوصية ، فربما كان الموت بعد انقضاء زمان التحريم. فإن فرض قبله ، فالأقوى إلحاقه بالبيع ، وسيأتي حكم التفريق في الرهن في بابه إن شاء الله تعالى.

الثالث : لو اشتراهما معا ، ثم تفاسخا في أحدهما ، فالأقرب أنه تفريق.

الرابع : لو فرق بأحد العقود قبل أن يشرب الولد اللبأ ، بطل العقد وكان حراما قطعا ، لاشتماله على السبب إلى هلاك الولد.

الخامس : هل يكره التفريق بعد البلوغ؟ لو قلنا بتحريمه قبله الأصح المنع.

السادس : لو كانت الأم رقيقة والولد حرا أو بالعكس ، فلا منع ويبيع الرقيق.

السابع : يجوز التفريق بين البهيمة وولدها بعد استغنائه عن اللبن والقيام فيه ، أو ذبحه إن قبل التذكية ، حذرا من إتلاف المال المنهي عنه.

الثامن : هل الأب والجد وسائر المحارم كالأب؟ الأقرب ذلك ، لما فيه من التوحش بالانفراد عن النسب المستأنس به ، ولأن ابن سنان سأل الصادق عليه‌السلام في الرجل يشتري الغلام أو الجارية وله أخ أو أخت أو أم بمصر من الأمصار ، قال : لا تخرجه من مصر إلى مصر آخر إن كان صغيرا ولا تشتره وإن كانت له أم فطابت نفسها ونفسه فاشتره إن شئت (١).

التاسع : لو رضي الولد والأم بالتفريق ، فالوجه الجواز للرواية والأصل وانتفاء مقتضى المنع.

العاشر : لو وجد التفريق في البيع دون التفريق في الإيناس ، مثل أن يبيع على زوجته أو ولده أو من لا يفارقه من الأقارب أو الأباعد ، فالأقرب المنع إقامة للمظنة مقام المعنى. وكذا لو اشترت الأخت الحرة أخاها دون الأم.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ ـ ٤١ ح ١.

٥٢٢

البحث التاسع

( في العربون )

العربون والعربات هو الأربون والأربات بمعنى واحد ، روي أنه عليه‌السلام نهى عنه ، وله تفسيران (١).

الأول : أن يشتري سلعة من غيره ويدفع إليه دراهم على أنه إن أخذ السلعة فهي من الثمن ، وإلا فهي إلى المدفوع إليه مجانا.

الثاني : أن يدفع دراهم إلى صانع ليعمل له ما يريد من صياغة خاتم ، أو حرز خف ، أو نسج ثوب ، أو خياطة ، أو غير ذلك على أنه إن رضيه فالمدفوع من الثمن ، وإلا لم يسترده منه. وهما متقاربان.

والوجه فيه المنع للنهي عنه ، ولأنه شرط للبائع شيئا بغير عوض فلا يصح ، كما لو شرطه لأجنبي. ولأنه بمنزلة الخيار المجهول ، لأنه شرط له رد المبيع من غير ذكر مدة فلم يصح ، كما لو قال : ولي الخيار متى شئت رددت السلعة ومعها درهما.

ولو دفع إليه درهما قبل البيع وقال : لا تبع هذه السلعة لغيري ، فإن لم أشترها منك فهذا الدرهم لك ، ثم اشتراها منه بعد ذلك بعقد مبتدإ وحسب الدرهم من الثمن صح ، لأن البيع خلا عن الشرط المبطل ، فإن لم يشتر السلعة لم يستحق البائع الدرهم ، لأنه أخذه بغير عوض ولصاحبه الرجوع فيه ، ولا يصح جعله عوضا عن انتظاره وتأخيره بيعه من أجله.

خاتمة :

تشتمل على مسائل :

الأول : نهى عليه‌السلام عن بيع المجر ، فقيل : ما في الرحم. وقيل : الربا ، وقيل : المحاقلة والمزابنة.

__________________

(١) جامع الأصول ١ ـ ٤٢٦.

٥٢٣

الثاني : روي أنه عليه‌السلام نهى عن بيع السنين (١) ، وهو أن يقول : بعتك هذه سنة على أنه إذا انقضت السنة فلا بيع بيننا ، فأرد أنا الثمن وترد أنت المبيع. أما لو باعه وشرط الخيار إلى سنة بشرط رد الثمن ، جاز.

الثالث : بيع السلاح لأهل الحرب حرام ، لأنه لا يراد إلا للقتال ، فيكون بيعه منهم تقوية لهم على قتال المسلمين. ويجوز بيع الحديد منهم ، لأنه لا يتعين للسلاح. وكذا يجوز بيع ما يكن وما هو جنة من القتال. وكذا لا يجوز بيع السلاح من البغاة وقطاع الطريق.

الرابع : يكره معاملة من لا يتوقى الحرام ، سواء كان الحلال أكثر أو بالعكس. ولو باعه لم يحكم بالفساد ، إلا أن يعلم الحرام بعينه. ولا يقبل قول المشتري عليه في الحكم ، لأن اليد تقضي بالملك ظاهرا ، لكنه مكروه لاحتمال أن يكون من الحرام. ويقدر كثرة الحرام بكثرة الشبهة ، وقال عليه‌السلام : دع ما يريبك إلى ما لا يريبك (٢).

وأقسام المشتبه ثلاثة :

الأول : ما أصله التحريم ، كذبيحة في بلد المشركين ، فلا يجوز شراؤها وإن أمكن أن يكون الذابح مسلما ، لأصالة التحريم ، فلا يزول إلا بيقين أو ظاهر. وكذا لو كان مازجهم مسلمون ، وأصله قوله عليه‌السلام : إذا أرسلت كلبك مخالطا كلبا لم يسم عليها ، فلا تأكل فإنك لا تدري أيهما قتله (٣). وإن كان في بلد الإسلام فالظاهر إباحتها ، لأن المتعاهد من المسلمين أنه لا يباع في بلادهم ما لا يحل بيعه.

الثاني : ما أصله الإباحة ، كالمتغير من الماء إذا لم يعلم استناد التغير إلى نجاسة ، فالأصل الطهارة ، فلا يزول عنها إلا بيقين أو ظاهر ولم يوجد واحد منهما ، وأصله قوله عليه‌السلام : لا ينصرف حتى تسمع صوتا أو تجد ريحا (٤).

__________________

(١) جامع الأصول ١ ـ ٤٠٥.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ ـ ١٢٢ ح ٣٨.

(٣) وسائل الشيعة ١٦ ـ ٢١٥.

(٤) صحيح مسلم ١ ـ ٢٧٦ ح ٩٨.

٥٢٤

الثالث : ما يجهل أصله ، كرجل في ماله حلال وحرام ، فهذا هو الشبهة التي ينبغي تركها ، وأصله أنه عليه‌السلام وجد تمرة ساقطة فقال : لو لا أني أخشى أنها من الصدقة لأكلتها (١) ، وهو من باب الورع.

تذنيب :

لو امتزج الحلال بالحرام ولم يتميز ولا عرف باذله ، تصدق بالخمس واجبا ، وهل يتعين مستحقه؟ إشكال ، أقربه ذلك. ولو عرف أنه أكثر ، تصدق بالزائد حتى يغلب على ظنه الوفاء. ولو علم أنه أقل ، لم يجب إلا ما ظنه على إشكال. ولو عرف القدر دون المالك ، تصدق به ، أو احتفظه ودفعه لمالكه. ولو عرف المالك دون القدر ، صالحه واجبا.

ويحرم الولاية من قبل الجائر ، لما فيه من المساعدة على الظلم ، ولقول الصادق عليه‌السلام : لا تعنهم على بناء مسجد (٢). ولو عرف أنه يتمكن من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتحرز عن المظالم ، جاز بل استحب. ولو لم يأمن الدخول في الظلم ، حرم.

فإن أكره على الدخول ، جاز دفعا للضرر اليسير على كراهية. ولو كان الضرر كثيرا كالنفس أو المال أو الخوف على بعض المؤمنين ، جاز وزالت الكراهية ويعتمد الحق ما أمكن.

فإن تعذر ، جاز مع الإلزام اعتماد ما لا يسوغ من الظلم ، إلا أن يبلغ حد القتل فلا يجوز ، وإن خاف على نفسه القتل ، فإنه لا تقية في الدماء.

أما الولاية من قبل العادل فإنها جائزة ، وربما وجبت كما لو عينه ، أو لم يكن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا بولايته.

وأما جوائز الجائر ، فإن علمت بعينها حراما فهي حرام ، فإن قبضها‌

__________________

(١) جامع الأصول ٥ ـ ٣٦٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ ـ ١٣٠ ح ٨.

٥٢٥

أعادها على المالك. فإن جهله ، أو تعذر الوصول إليه ، تصدق بها عنه ، ولا يجوز إعادتها على غير مالكها. وإن لم يعلم حراما جاز تناولها ، لأن رجلا سأل الصادق عليه‌السلام أصلحك الله أمر بالعامل فيجيز لي بالدراهم آخذها؟ قال : نعم ، قلت : وأحج بها؟ قال : نعم (١).

وينبغي الصدقة ببعضها ، وأن يواسي إخوانه المؤمنين ، والأقرب أنه على سبيل الاستحباب.

وما يأخذه السلطان الجائر من الغلات باسم المقاسمة ، أو الأموال باسم الخراج عن حق الأرض ، ومن الأنعام باسم الزكاة ، سائغ شراؤه واتهابه. ولا يجب إعادته على أربابه وإن عرفهم ، لأن أبا عبيدة سأل الباقر عليه‌السلام عن الرجل منا يشتري من السلطان من إبل الصدقة وغنمها وهو يعلم أنهم يأخذون منهم أكثر من الحق الذي يجب عليهم ، فقال : ما الإبل والغنم إلا مثل الحنطة والشعير وغير ذلك لا بأس به حتى تعرف الحرام بعينه (٢).

الرابع : من دفع إليه مال ليفرقه في المحاويج أو العلويين (١) أو الفقهاء وكان منهم ، فإن عين له اقتصر عليه ، ولا يجوز له العدول إلى غيرهم ، فإن خالف ضمن وله الرجوع على المدفوع إليه.

وإن أطلق ، فلعلمائنا قولان : جواز أن يأخذ منه مثل ما يعطي غيره لا أزيد. وقيل : بالمنع لأن الأمر بالدفع يستدعي المغايرة ، ولأن عبد الرحمن بن الحجاج سأله أعطاه مالا ليقسمه في محاويج أو في مساكين وهو محتاج ، أيأخذ منه لنفسه ولا يعلمه؟ قال : لا يأخذ منه شيئا حتى يأذن له صاحبه (٣).

ولو كان له عيال ، جاز أن يعطيهم منه مع اتصافهم بصفة المستحقين قطعا ، للأصل ، ولما رواه عبد الرحمن بن الحجاج أنه سأل الصادق عليه‌السلام

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ ـ ١٥٦ ح ٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ ـ ١٦٢ ج ٥.

(٣) في « ر » المغلوبين.

(٤) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٢٠٦ ح ٣.

٥٢٦

في رجل أعطاه رجل مالا ليقسمه في المساكين وله عيال محتاجون ، أيعطيهم منه من غير أن يستأذن صاحبه؟ قال : نعم (١).

تذنيب :

الأول : الوصي أو الوكيل في التفريق إذا دفع إلى المأذون في الدفع إليهم ، فإن كانوا معينين فلا ضمان قطعا ، وإن كانوا غير معينين ، فإن كان عدلا فلا ضمان أيضا ، لأن له ولاية التعيين ، وإلا ضمن على إشكال ينشأ : من دفع الحق إلى مستحقه ، إذ التعيين إلى نظر الموكل والموصي وهو نائب عنهما. ومن انتفاء ولايته في التعيين بفسقه فيضمن.

الثاني : يجوز أكل ما ينثر في الأعراس مع علم الإباحة أو ظنها ، إما نطقا أو بشاهد الحال ، لقول علي عليه‌السلام : لا بأس بنثر الجوز والسكر (٢). ويكره انتهابه ، لقول الكاظم عليه‌السلام : يكره أكل ما انتهب (٣).

ولو لم يعلم قصد الإباحة ، حرم عملا بأصالة تحريم مال الغير ، ولأن إسحاق بن عمار سأل الصادق عليه‌السلام الإملاك يكون والعرس ينثر على القوم ، فقال : حرام ، ولكن كل ما أعطوك منه (٤).

ولو ظن كراهية الانتهاب ، حرم الانتهاب دون الأخذ.

الثالث : الأجير الخاص لا يجوز له العمل لغير من استأجره إلا بإذنه ، لأنه قد استحق منافعه وصرف زمانه إلى مصالحه. ولا يجوز العدول عنه إلى غيره ، فإن فعل ضمن أجرة ذلك الزمان ، لا أجرة ذلك العمل ، ولا ما أخذه أجرة أو عقده عليه. ويحتمل بطلان العقد في ذلك الوقت ، فله من الأجرة بنسبة ذلك الزمان.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٢٠٦ ح ٢.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ ـ ١٢٢ ح ٥.

(٣) وسائل الشيعة ١٢ ـ ١٢٢ ح ٢.

(٤) وسائل الشيعة ١٢ ـ ١٢٢ ح ٤.

٥٢٧

الرابع : يجوز للمار بثمرة النخل أو الفواكه أو السنبل أن يأكل منهما بشروط : عدم الإفساد ، فلا يجوز مع الإفساد إجماعا. وعدم القصد فلو قصد المضي إليها لم يجز ، وإنما يجوز مع الاجتياز بها اتفاقا.

وأن لا يأخذ منها شيئا ، فلو أخذ منها شيئا لم يجز ، وقيل بالمنع مطلقا ، والأصل اختلاف الرواية ، فروى علي بن يقطين عن الكاظم عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يمر بالثمرة من الزرع والنخل والكرم والشجر والمباطخ وغير ذلك من الثمر أيحل له أن يتناول منه شيئا ويأكل بغير إذن من صاحبه؟ وكيف حاله إن نهاه صاحب الثمرة أو أمره القيم فليس له؟ وكم الحد الذي يسعه أن يتناول منه؟ قال : لا يحل له أن يأخذ منه شيئا (١).

وسأل بعض أصحابنا الصادق عليه‌السلام عن الرجل يمر بالنخل والسنبل والثمرة فيجوز له أن يأكل منهما من غير إذن صاحبها من ضرورة أو غير ضرورة؟ قال : لا بأس (٢).

وحمل الشيخ الأول على أنه منعه من الأخذ ، ونحن نقول به ، إذ السائغ الأكل لا الخروج بشي‌ء منها.

واحتج على الجمع بقول الصادق عليه‌السلام وقد سأله محمد بن مروان أمرّ بالثمرة فآكل منها؟ قال : كل ولا تحمل ، قلت : جعلت فداك الثمار قد اشتروها ونقدوا أموالهم ، قال : اشتروا ما ليس لهم (٣).

وهل يثبت التسويغ مع كراهة المالك؟ يقتضي الحديث ذلك ، وفيه إشكال. ولو أباح المالك مطلقا ، جاز إجماعا.

الخامس : يجوز أخذ أجرة البذرقة ، لأنه عمل محلل سائغ فجازت المعاوضة عليه ، لشدة الحاجة إليه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ ـ ١٥ ح ٧.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ ـ ١٤ ح ٣.

(٣) وسائل الشيعة ١٣ ـ ١٥ ح ٤.

٥٢٨

السادس : يحرم جميع آلات الملاهي من الدفوف والطبول والزمر والقصب والشبر والرقص ، وجميع ما يطرب من الأصوات والأغاني والخيال على اختلاف وجوهه وضروبه وآلاته ، وسائر التماثيل والصور ذوات الروح ، مجسمة كانت أو غير مجسمة ، والنرد والشطرنج ، وجميع آلات القمار كاللعب بالخاتم والأربعة عشر ، اللعب بالجوز والطيور وأحاديث القصص والأسمار ، وسماع غيبة المؤمن ، والحضور في مجالس المنكر ومواضعه إلا للإنكار ، وما جرى مجراه إجماعا منا ، وللأخبار الدالة عليه.

كان الصادق عليه‌السلام ينهى عن الجوز يجي‌ء به الصبيان من القمار أن يؤكل وقال : هو سحت (١). وقال الباقر عليه‌السلام : لما أنزل الله تعالى على رسوله « ( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ ) » قيل : يا رسول الله ما الميسر؟ قال : قال : كلما يقمروا به حتى الكعاب والجوز. فقيل : ما الأنصاب؟ قال : ما ذبحوا لآلهتهم. قيل : فما الأزلام؟ قال : قداحهم التي كانوا يستقسمون بها (٢).

ويحرم اقتناء المؤذيات ، كالسباع المؤذية والحيات والعقارب والكلب العقور.

السابع : منع بعض علمائنا من خصي الحيوان ، والأولى الجواز على كراهية ، لأن له التصرف في ملكه بما فيه صلاحه. أما خصي الآدمي فإنه محرم ، وإن كان مملوكا صغيرا أو كبيرا.

الثامن : يحرم بناء البيع والكنائس وأخذ الأجرة على ذلك. وكذا كل ما كان معبدا لأهل الضلال. وكذا المساجد المبنية للإضرار. وكذا بيوت الأصنام والصلبان والأوثان والأنصاب والأزلام.

التاسع : لا يجوز بيع تراب الصياغة وأخذه ، فإن بيع تصدق بثمنه ، لأن أربابه لا يتميزون وللرواية.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ ـ ١٢٠ ح ٦.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ ـ ١١٩ ح ٤.

٥٢٩

العاشر : يكره من الصنائع خمس ، رويت عن الصادق عليه‌السلام : الصرف ، فإن الصرف لا يسلم من الربا ، وبيع الأكفان ، فإنه يسره موت الأحياء. وبيع الطعام ، حذرا من الاحتكار. والنحر والذبح ، لأنهما تسلب الرحمة من القلب. والتنخس قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : شر الناس من باع الناس (١).

وعن الصادق عليه‌السلام : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إني أعطيت خالتي غلاما ونهيتها أن تجعله قصابا أو حجاما أو صائغا (٢).

وتكره الحياكة النساجة ، لأن أبا إسماعيل الصيقل الرازي قال : دخلت على الصادق عليه‌السلام ومعي ثوبان فقال : يا أبا إسماعيل يجيئني من مثلكم أثواب كثيرة ، وليس يجيئني مثل هذين الثوبين اللذين تحملهما أنت؟ فقلت : جعلت فداك تغزلها أم إسماعيل وأنسجهما أنا فقال لي : أحائك؟ قلت : نعم ، قال : لا تكن حائكا ، قلت : فما أكون؟ قال : كن صيقلا ، وكانت معي مائتا درهم فاشتريت بها سيوفا وقرابا عتقا وقدمت بها الري وبعتها بربح كثير (٣).

الحادي عشر : لا يجوز سلوك طريق مخوف مع ظهور أمارة الخوف ، لوجوب الاحتراز عن الضرر المظنون عقليا ، وكره الباقر والصادق عليهما‌السلام ركوب البحر للتجارة (٤). وقال الباقر عليه‌السلام : في ركوب البحر للتجارة يعزر الرجل بدينه (٥).

الثاني عشر : يكره بيع العقار والأرض والماء مع عدم الحاجة ، لأن الصادق عليه‌السلام دعا أبان بن عثمان. فقال : باع فلان أرضه؟ فقلت : نعم ، فقال : مكتوب في التوراة من باع أرضا أو ماء ولم يضعه في أرض وماء ذهب‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٩٧ ح ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٩٧ ح ٢.

(٣) وسائل الشيعة ١٢ ـ ١٠٠ ح ١ مع تفاوت يسير.

(٤) وسائل الشيعة ١٢ ـ ١٧٧ ح ١.

(٥) وسائل الشيعة ١٢ ـ ١٧٧ ح ٢.

٥٣٠

ثمنه محقا (١) وعن الصادق عليه‌السلام أنه قال : مشتري العقدة مرزوق وبائعها ممحوق (٢).

الثالث عشر : روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى أن ينزى حمار على عتيق (٣). في سند ضعيف ، فإن صح فليس المراد بالنهي التحريم بل الكراهة للأصل. ولما روي عن الرضا عليه‌السلام قال : سألته عن الحمير تنزيها على الرمك لتنتج البغال أيحل ذلك؟ قال : نعم أنزها (٤).

الرابع عشر : نهى الصادق عليه‌السلام عن أجر القارئ الذي لا يقرأ إلا بأجر مشروط (٥).

الخامس عشر : لا بأس بالعينة ، وهو أن يشتري سلعة بثمن مؤجل ثم يبيعها من بائعها بدون ذلك نقدا ليقضي دينا عليه لمن قد حل له ، ويكون الدين الثاني هو العينة من صاحب الدين الأول ليقضيه بها الدين الأول للأصل ، ولأنه يجوز بيعها من غير بائعها فيجوز منه ، كما لو اشتراه بسلعة.

ولما رواه أبو بكر الحضرمي عن الصادق عليه‌السلام قلت : رجل يعين ثم يحل دينه فلم يجد ما يقضي ، أيتعين من صاحبه الذي عينه ويقضيه؟ قال : نعم (٦). مأخوذ ذلك من العين وهو النقد الحاضر.

ولا فرق بين أن يصير بيع العينة عادة في البلد أو لا. أما لو شرط في البيع الأول الثاني حرم.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٤٥ ح ٥.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٤٥ ح ٦.

(٣) وسائل الشيعة ١٢ ـ ١٧٣ ح ١.

(٤) وسائل الشيعة ١٢ ـ ١٧٣ ح ٢.

(٥) وسائل الشيعة ١٢ ـ ١١٣ ح ٦ و ٧.

(٦) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٣٧٢ ح ٢.

٥٣١

البحث العاشر

( فيما للولد أن يأخذ من مال والده

وبالعكس وما للمرأة من مال زوجها )

لا يجوز للولد أن يأخذ من مال والده شيئا قل أو كثر إلا بإذنه ، لا مختارا ولا مضطرا. فإن اضطر ضرورة يخاف معها تلف نفسه ، أخذ من ماله ما يمسك به رمقه كالميتة ، إذا كان الوالد ينفق عليه ويقوم بواجب حقه ، إذا كان الولد معسرا صغيرا كان أو كبيرا ، لأصالة عصمة مال الغير ، ولعموم قوله تعالى ( لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) (١).

وقال الصادق عليه‌السلام : في كتاب علي عليه‌السلام أن الولد لا يأخذ من مال والده شيئا إلا بإذنه (٢). ولأن الأب ربما كره ذلك فيكون مرتكبا للعقوق ، وهو من أعظم الكبائر.

ولو كان الولد معسرا ومنعه الأب عن حق الإنفاق عليه مع يساره ، رفع أمره إلى الحاكم ليجبره على الإنفاق ، فإن تعذر الحاكم جاز للولد حينئذ أن يأخذ من مال والده قدر النفقة على الاقتصاد ، وحرم ما زاد.

وكذا الأب ليس له أن يأخذ من مال ولده شيئا ، إذا كان الولد يقوم بواجب نفقته مع حاجته ، لا لقضاء ديونه ولا التزويج به ولا ليحج للأصل.

ولو كان الأب موسرا ، لم يجز له أن يتناول من مال ولده شيئا أصلا.

ولو لم يقم الولد بواجب النفقة مع الحاجة ، جاز للأب أن يأخذ من مال ولده قدر النفقة بالمعروف ، عملا بعموم المنع ، وما ورد من تسويغ ذلك فمحمول على الاستحباب.

__________________

(١) سورة النساء ٢٩.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ ـ ١٩٥ ح ١.

٥٣٢

ولو كان الولد صغيرا ، جاز للأب الاقتراض من ماله ، ويؤيده ما رواه الحسين بن أبي العلاء قال قلت للصادق عليه‌السلام : ما يحل للرجل من مال ولده؟ قال : قوته بغير سرف إذا اضطر إليه ، قال قلت له : قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : للرجل الذي أتاه فقدم أباه فقال : أنت ومالك لأبيك ، فقال : إنما جاء بأبيه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له : يا رسول الله هذا أبي قد ظلمني ميراثي من أمي ، فأخبره الأب أنه قد أنفقه عليه وعلى نفسه ، فقال : أنت ومالك لأبيك. ولم يكن عند الرجل شي‌ء ، فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحبس الأب للابن؟ (١).

وما ورد من أنه يأخذ من مال ولده ما يحج به ، وأنه يجوز له وطي جاريته بعد تقويمها (٢). محمول على الصغير ، فإن له أن يقترض من ماله ما شاء ، وأن يقوم على نفسه الجارية وغيرها.

وأما الأم فلا يجوز لها أخذ شي‌ء من مال ولدها لا على سبيل القرض ولا غيره. نعم لو كانت معسرة ولم ينفق الولد عليها وتعذر الحاكم ، جاز لها أن تتناول من ماله قدر نفقتها الواجبة عليه خاصة.

وأما الزوجة فلا يجوز لها أن تأخذ من مال زوجها شيئا إلا بإذنه ، فإن امتنع من الإنفاق عليها وتعذر الحاكم ، جاز لها أخذ الواجب عليه من النفقة.

ولا فرق بين القليل والكثير إلا المأدوم ، فإنه يجوز لها أن تأخذ منه وأن تهب لغيرها ، عملا بشاهد الحال ، ما لم يؤد ذلك إلى الإضرار به ، أو يكون قد نهى وإن حصل أحدها ، حرم كغيره لأن ابن بكير سأل الصادق عليه‌السلام عما يحل للمرأة أن تتصدق به من مال زوجها بغير إذنه؟ قال : المأدوم (٣). وسأل علي بن جعفر الكاظم عليه‌السلام عن المرأة لها أن تعطي من بيت زوجها بغير إذنه ، قال : لا إلا أن يحللها (٤) وليس للزوج أن يأخذ شيئا من مال زوجته إلا بإذنها كغيره.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ ـ ١٩٧ ح ٨.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ ـ ١٩٨.

(٣) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٢٠١ ح ٢.

(٤) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٢٠٠ ح ١ ب ٨٢.

٥٣٣

البحث الحادي عشر

( في بقايا مسائل بيع الغرر والمجازفة )

الأول : قد سبق أنه لا يجوز بيع ما يدخل الكيل أو الوزن جزافا ، بل يجب أن يكون معلوما بمقداره. فإن بيع جزافا بطل عندنا ، لأنه غرر ، ولقول الصادق عليه‌السلام : ما كان من طعام سميت فيه كيلا فلا يصلح مجازفة (١).

ولو بيع المكيل بعضه ببعض بالوزن ، فإن اتحد الجنس والصنف ، فالوجه الجواز ، كما لو باع مائة رطل حنطة بمائة رطل حنطة. ولو أدى إلى الربا ، لم يجز ، كما لو كان أحدهما أخف من الآخر. وكذا لو تعدد الصنف ، كما لو باع مائة رطل حنطة بمائة رطل دقيق. ولو بيع بغير جنسه ، جاز بيعه وزنا.

وأما ما يباع وزنا ، فلا يجوز بيعه مكيلا ، سواء اتحد الجنس أو اختلف ، حذرا من الربا أو الغرر بالجهالة.

الثاني : لو تعذر كيل ما يباع كيلا ، أو وزن ما يباع بالوزن لكثرته ، جاز أن يكال منه أو يوزن مكيال ، ثم يعتبر وزنه أو كيله وتؤخذ الباقي بالحساب ، لانتفاء الغرر حينئذ وحصول العلم بالمقدار. ولأن الصادق عليه‌السلام سئل عن الرجل يشتري مبيعا فيه كيل أو وزن ، يعتبره ثم يأخذه على نحو ما فيه ، قال : لا بأس (٢). وسئل الصادق عليه‌السلام عن رجل اشترى مائة رواية زيتا فاعترض راوية أو اثنتين فاتزنهما ثم أخذ سائره على قدر ذلك ، فقال : لا بأس (٣).

الثالث : ما يباع بالعدد لا يجوز بيعه جزافا ، حذرا من الغرر ، بل يجب عده فإن تعذر لكثرته ، جاز أن يكال منه أو يوزن مكيال ويعد ويأخذ الباقي بحسابه ، لحصول العلم بالمقدار. ولما روي عن الصادق عليه‌السلام أنه سئل عن الجوز لا يستطيع أن يعده فيكال بمكيال ثم يعد ما فيه ثم يكال ما بقي على

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٢٥٤ ح ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٢٥٥ ح ٤.

(٣) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٢٥٥ ح ١‌

٥٣٤

حساب ذلك من العدد؟ فقال : لا بأس به (١).

الرابع : لا يجوز بيع اللبن في الضرع لأنه مجهول ، وما روي في ذلك محمول على الضريبة ، فقد روي أنه لا بأس أن يعطي الإنسان الغنم أو البقر بالضريبة مدة من الزمان بشي‌ء من الدراهم والدنانير والسمن (٢). وإعطاء ذلك بالذهب والفضة أحوط.

وهذا ليس بيعا في الحقيقة ، بل نوع معاوضة غير لازمة ، بل جائزة لما فيه من الإرفاق والإعانة ، فيأخذ دافع النقد ما يحتاج إليه من اللبن وغيره وينتفع به ، ويأخذ صاحب الغنم النقد لينتفع به.

ولا يمكن البيع في مثل هذا ، ولا طريق سوى ما ذكرناه ، وكان سائغا للحاجة ، وكبيع المعاطاة. ولما روي عن الصادق عليه‌السلام في الرجل يكون له الغنم أيعطيه بضريبة سمنا شيئا معلوما أو دراهم معلومة من كل شاة كذا وكذا؟ قال : لا بأس بالدراهم ولست أحب أن يكون بالسمن (٣).

الخامس : لا يجوز أن يبيع الصياد ما يضرب بشبكته ، لأنه مجهول ، ولأن أمير المؤمنين عليه‌السلام نهى أن يشترى شبكة الصياد ، يقول : اضرب شبكتك فما خرج فهو من مالي بكذا وكذا (٤).

السادس : يجوز أن يتقبل الإنسان من الإمام بشي‌ء معلوم ، جزية رءوس أهل الذمة ، وخراج الأرضين ، وثمرة الأشجار ، وما في الآجام من السموك ، إذا كان قد أدرك ذلك وعرفه ولا على سبيل البيع لجهالته ، بل على جهة المعاوضة السائغة ، لقول الصادق عليه‌السلام في الرجل يتقبل بجزية رءوس الرجال وبخراج النخل والآجام والطير ، وهو لا يدري من كذا ، لعله لا يكون‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٢٥٩ ح ١ ب ٧.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٢٦١.

(٣) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٢٦٠ ح ١.

(٤) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٢٦٣ ح ١.

٥٣٥

من هذا شي‌ء أبدا أو يكون ، قال : إذا علم من ذلك شي‌ء واحد بأنه قد أدرك فاشتراه وتقبل به (١).

السابع : لا بأس أن يتقبل الإنسان بتبن البيدر لكل كر من الطعام تبينه شي‌ء معلوم ، وإن لم يكل بعد الطعام. ولا يكون ذلك بيعا لازما ، بل عقدا سائغا للحاجة إليه ، ولما رواه زرارة عن الباقر عليه‌السلام قال : سألته عن رجل اشترى تبن بيدر قبل أن تداس بشي‌ء معلوم يأخذ التبن ويبيعه قبل أن يكال الطعام؟ قال : لا بأس (٢).

الثامن : لا يجوز بيع سمك الآجام ، لجهالته وتعذر تسليمه. ولو كانت فيها قصب وباعه مع القصب ، لم يصح وكذا لو أخذ شيئا من السمك وباعه مع ما في الأجمة.

والأصل فيه أن المجهول إن كان مقصودا ، لم يصح تفرده بالبيع ولا ضمه إلى غير المقصود ، لعدم ارتفاع الجهالة عنه. وإن لم يكن مقصودا وكان تابعا للمقصود ، جاز بيعه منضما إلى المقصود ، كالأساسات المجهولة حيث كانت تابعة.

التاسع : يجوز الإندار للظروف في السمن والزيت وشبههما شيئا معلوما معتادا بين التجار ، ويكون مما يزيد تارة وينقص أخرى ، ولا يكون مما يزيد ولا ينقص ، لحصول الظن بمعرفة المقدار ، فأشبه عد المكيل ووزنه.

ولأن معمر الزيات سأل الصادق عليه‌السلام أنا نشتري الزيت في الزقاقة يحسب لنا فيه نقصان لمكان الأزقاق ، فقال الصادق عليه‌السلام : إن كان يزيد وينقص فلا بأس ، وإن كان يزيد ولا ينقص فلا تقربه (٣).

العاشر : يجوز بيع ولد الزنا وأكل ثمنه ، لأنه مملوك يصح المعاوضة عليه فأشبه غيره ، لأن الصادق عليه‌السلام سئل عن ولد الزنا أيشترى ويستخدم‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٢٦٤ ح ٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٢٦٧ ب ١٣.

(٣) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٢٧٣ ح ٤.

٥٣٦

ويباع؟ فقال : نعم (١). وقد وردت رواية بكراهيته عن الصادق عليه‌السلام قال : لا يطيب ولد الزنا أبدا ، ولا يطيب ثمنه أبدا (٢).

الحادي عشر : لا يجوز أن يبيع بدينار غير درهم نسيئة مما يتعامل به وقت الأجل للجهالة ، أو نقدا مع جهله بالنسيئة ، أو بما يتجدد من النقد. ولو قدر الدرهم من الدينار صح ، لأن الباقر عليه‌السلام كره أن يشتري الرجل بدينار إلا درهما وإلا درهمين ونسيئة ، ولكن يجعل ذلك بدينار إلا ثلثا وإلا ربعا وإلا سدسا ، أو شيئا يكون جزءا من الدينار (٣).

وسئل عليه‌السلام في الرجل يشتري السلعة بدينار غير درهم إلى أجل ، قال : فاسد ، فلعل الدينار يصير بدرهم (٤). وهذه الرواية محمولة على ما إذا اشترط النقد وقت الأجل ، فإنه لو أطلق حمل على نقد ذلك اليوم ، فإذا كان عالما صح ، أو على أن الدرهم يضمن بالقيمة.

المطلب السابع

( في الربا )

وفيه مباحث :

البحث الأول

( في تحريمه )

تحريم الربا معلوم بالضرورة من دين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والنص والإجماع ، قال الله تعالى ( وَحَرَّمَ الرِّبا ) (٥) وقال ( اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) (٦) ولعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكل الربا ومؤكله‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٢٢٣ ح ٦.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٢٢٤ ح ٨.

(٣) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٣٩٩ ح ٣.

(٤) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٣٩٩ ح ٢.

(٥) سورة البقرة ٢٧٥.

(٦) سورة البقرة ٢٧٨.

٥٣٧

وكاتبه وشاهده (١). وقال الصادق عليه‌السلام : درهم ربا أشد من سبعين زنية كلها بذات محرم (٢). قال الصادق عليه‌السلام : درهم ربا أشد من ثلاثين زنية كلها بذات محرم مثل عمته وخالته (٣). وعن علي عليه‌السلام قال : لعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الربا وآكله وبائعه ومشتريه وكاتبه وشاهديه (٤).

وسأل سماعة الصادق عليه‌السلام فقال : إني سمعت أنه عز وجل يقول في كتابه ( يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ ) وقد أرى من يأكل ويزيد ماله ، قال : فأي محق أمحق من درهم ربا يمحق الدين وإن تاب ذهب ماله وافتقر (٥).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اجتنبوا السبع الموبقات ، قيل : يا رسول الله ما هي؟ قال : الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات (٦).

وهو في اللغة : الزيادة ، قال الله تعالى ( فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ) (٧) وقال ( أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ ) (٨) أي أكثر عددا.

وهو في الشرع : الزيادة في أحد عوضي المبيع مع التماثل في أشياء مخصوصة نص عليه‌السلام عليها.

وهو ضربان : ربا الفضل ، وربا النسيئة. وأجمع العلماء على تحريمهما ، وقد كان في ربا الفضل اختلاف بين الصحابة ، فحكي عن ابن عباس وأسامة بن زيد وزيد بن أرقم وابن الزبير أنهم قالوا : إنما الربا في النسيئة ، لقوله عليه‌

__________________

(١) جامع الأصول ١ ـ ٤٥١.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٤٢٣ ح ١.

(٣) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٤٢٣ ح ٥.

(٤) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٤٣٠ ح ٢.

(٥) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٤٢٤ ح ٧.

(٦) صحيح مسلم ١ ـ ٩٢ الرقم ١٤٥.

(٧) سورة الحج : ٥ وسورة فصلت : ٣٩.

(٨) سورة النحل ٩٢.

٥٣٨

السلام : لا ربا إلا في النسيئة (١). ثم رجعوا إلى باقي الصحابة.

البحث الثاني

( في شرائطه )

وهي اثنان :

الأول : التماثل في الماهية ، لقوله عليه‌السلام : إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم (٢). وقول الصادق عليه‌السلام : ما كان من طعام مختلف أو متاع أو شي‌ء من الأشياء متفاضل ، فلا بأس ببيعه مثلين بمثل يدا بيد ، فأما بنظرة فإنه لا يصلح (٣).

الثاني : التقدير بالكيل أو الوزن ، لقول الصادق عليه‌السلام : لا يكون الربا إلا فيما يكال أو يوزن (٤). وفي العدد قولان. والنظر هنا في أمرين :

النظر الأول

( التماثل )

والمراد به هنا الاتحاد في الحقيقة وإن اختلف بالصفات العارضة ، فكل شيئين يشملهما اسم خاص ، فهما واحد بالحقيقة. وإن اختص كل واحد باسم ، فهو مخالف للآخر ، فالحنطة جنس واحد جيدها ورديها وصويبها وشينها. وكذا الشعير كله جنس.

وهل هما جنسان؟ الأقوى الاتحاد ، لأن أحدهما يفسر بالآخر فكانا كنوعي الجنس الواحد ، ولقول علي عليه‌السلام : ولا تبع قفيزا من حنطة‌

__________________

(١) جامع الأصول ١ ـ ٤٦٩.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٤٤٢.

(٣) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٤٤٣ ح ٢.

(٤) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٤٣٤ ح ١.

٥٣٩

بقفيزين من شعير (١). وقول الصادق عليه‌السلام : لا يصلح الشعير بالحنطة إلا واحدا بواحد (٢).

وقيل : إنهما مختلفان ، لأنهما لم يشتركا في الاسم الخاص ، فكانا مختلفين كالحنطة والتمر ، ولأنهما جنسان في باب الزكاة ، ولاختلافهما صورة وطبعا.

والتمور كلها جنس واحد ، لأن الاسم الخاص هو التمر يجمعها وإن كثرت أنواعه كالبرني والمعقلي ، لقوله عليه‌السلام : التمر بالتمر مثلا بمثل (٣). فاعتبر المساواة في جنس التمر. وقول الصادق عليه‌السلام : يكره قفيز تمر بقفيزين (٤). وكان عليه‌السلام يكره أن يستبدل وسق من تمر المدينة بوسق من تمر خيبر (٥). ولأن إجماع العلماء عليه. ولا فرق بين القسب والتمر ، وكذا ثمار النخل كلها جنس واحد. والعنب كله جنس واحد وإن اختلفت أصنافه.

وأما اللحم فإنه متعدد بتعدد أصله ، فلحم الإبل كله صنف واحد عرابها وبخاتها ، ولحم البقر كله جنس آخر مخالف له عرابها وجواميسها. والغنم كلها ضأنها وماعزها جنس آخر مخالف لهما ، ويحتمل التخالف لأنه تعالى سماها في الأزواج الثمانية فقال ( مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ ) (٦) كما قال ( وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ ) (٧).

وكل جنس من الأهلي مخالف لما يناسبه من الوحشي ، فالبقر الأهلي والوحشي جنسان ، والظبي والغنم جنسان. ولحم البري والبحري جنسان ، والطيور أجناس ، والعصافير على اختلاف أنواعها جنس ، والبط جنس ، والدجاج جنس ، والحمام جنس. ويحتمل اختلافه ، فكلما يختص باسم فهو جنس على انفراده ، كالفخاتي والورشان والجراد مخالف للحيوان واللحوم.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٤٣٩ ح ٨.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٤٣٩ ح ٥.

(٣) جامع الأصول ١ ـ ٤٥٨.

(٤) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٤٤٣ ح ٣.

(٥) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٤٤٧.

(٦) سورة الأنعام : ١٤٣ ـ ١٤٤.

(٧) سورة الأنعام : ١٤٣ ـ ١٤٤.

٥٤٠