نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٨
الجزء ١ الجزء ٢

يحضروا ، والشي‌ء قد يشترط في الابتداء دون الدوام كالنية.

فروع :

الأول : لا اعتبار بانفضاض الزائد على العدد إجماعا ، لأنه ليس بشرط في الابتداء ، فكذا في الاستدامة.

الثاني : العدد المعتبر في الصلاة معتبر في الكلمات الواجبة من الخطبة ، لأن الخطبة ذكر واجب في الجمعة ، فيشترط حضور العدد فيه كتكبيرة الإحرام.

فلو انفضوا قبل الخطبة ، لم يخطب حتى يجتمع العدد وهو الخمسة عندنا. وإن كان في أثناء الخطبة فالركن المأتي به في غيبتهم غير محسوب ، بخلاف ما لو انفضوا في الصلاة. والفرق أن كل مصل يصلي لنفسه ، فجاز أن يتسامح في نقصان العدد في الصلاة ، وفي الخطبة الخطيب لا يخطب لنفسه ، وإنما غرضه إسماع العدد وتذكرهم ، فإذا خطب ولا مستمع ، أو مع نقصان عدد المستمعين ، فات مقصود الخطبة.

الثالث : لو عاد العدد بعد انفضاضهم في أثناء الخطبة بنى ، لجواز البناء في الصلاة لمن سلم ناسيا ، ففي الخطبة أولى ، سواء طال الفصل أو قصر ، لأن الغرض الوعظ والتذكر ، وهو حاصل مع تفرق الكلمات.

الرابع : لو لم يعد الأولون وعاد عدد غيرهم ، فالأقرب وجوب إعادة الخطبة ، سواء طال الفصل أو لا.

ولو عاد الأولون وقد انفضوا بعد الفراغ من الخطبة صلى بهم ، سواء طال الفصل أو لا ، لأن الأقرب عدم اشتراط الموالاة بين الخطبة والصلاة للأصل. ويحتمل عدم الإعادة في الأول ، لأنهم قد ينفضون ثانيا ، فيعذر في ترك إعادتها.

الخامس : كما لا يشترط دوام العدد ، كذا لا يشترط دوام الجماعة بعد التحريم ، فلو تحرم بالعدد ثم انفضوا أو ماتوا كلهم ، أتم هو الجمعة ، لأن‌

٢١

الشروع وقع والشروط موجودة ، فلا يضر الانفراد بالعدد بعده.

ولا فرق بين أن ينفضوا قبل ركعة أو بعدها. ويحتمل اشتراط الركعة ، فلو انفضوا قبلها فلا جمعة ، والأقوى حينئذ أن يصلوها ظهرا ، لأنها صلاة صحيحة ، فجاز العدول عنها إلى الواجبة.

وهل يشترط كمال الركعة؟ الأقرب ذلك ، فلو انفضوا بعد الركوع وقبل السجود الثاني فلا جمعة. ويحتمل الاكتفاء بالركوع ، لأنه كاف في إدراك الركعة للمسبوق ، فكذا هنا.

البحث الرابع

( الجماعة )

الجماعة شرط في الجمعة ، فلا تصح الانفراد بالجمعة وإن حصل العدد ، بل لا بد من الارتباط الحاصل بين صلاتي الإمام والمأموم ، لأنه عليه‌السلام لم يصلها إلا كذلك وقال : صلوا كما رأيتموني أصلي (١).

ولأن الجمعة صلاة تجمع الجماعات ، والغرض منها إقامة الشعار وإظهار اتفاق الكلمة ، وبفوات الجماعة يفوت الغرض. وما رواه زرارة قال : فرض الله من الجمعة إلى الجمعة خمسا وثلاثين صلاة ، واحدة فرضها الله في جماعة ، وهي الجمعة (٢).

وهي شرط في الابتداء دون الاستدامة ، فلو ابتدأ منفردا ثم ائتم به في الأثناء لم تنعقد. ولو ابتدأ إماما ثم انفض العدد بعد التحريم ، لم تبطل ، ويحتمل بعد الركعة.

وهل يجب أن ينوي الإمام نية الإمامة؟ الأقرب ذلك هنا خاصة.

ولا يشترط التساوق بين تكبيرة الإمام والمأمومين ، ولا بين نيتهما على‌

__________________

(١) جامع الأصول ٦ ـ ٣٧٤.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ٣ ح ١.

٢٢

الأقوى. بل يجوز أن يتقدم الإمام بالنية والتكبير ، ثم يتعقبه المأمومون ، نعم لا يجوز أن يتأخروا بالتكبير عن الركوع. فلو ركع ونهض قبل تحريمهم فلا جمعة. وإن لحقوا به في الركوع ، صحت جمعتهم. ولا يشترط أن يتمكنوا من قراءة الفاتحة.

وإن لحقوا به في الركوع ، فالأقرب صحة الجمعة. ولو لم يلحقوا به إلا بعد الركوع ، لم يكن لهم جمعة ، والأقرب أنه لا جمعة للإمام أيضا ، لفوات الشرط وهو الجماعة في الابتداء والأثناء. وحينئذ فالأقرب جواز عدول نيته إلى الظهر. ويحتمل الانقلاب إلى النفل ، والبطلان ، والصحة جمعة إن لحقوه قبل فوات ركوع الثانية.

وإذا انعقدت الجمعة ودخل المسبوق ، لحق الركعة إن كان الإمام راكعا ، ويدرك الجمعة إن أدركه راكعا في الثانية ، ثم يتم بعد فراغ الإمام ، لقوله عليه‌السلام : من أدرك من الجمعة ركعة فليضف إليها أخرى ، ومن أدرك دونها صلاها أربعا (١).

ولأن الأعذار تعتور الإنسان غالبا ، فلو كلف الإدراك من أول التحريم حصلت المشقة ، فإنه الغرض في حق الأكثر ، وهو مناف للحكمة ، فاعتبر إدراك ركعة من الركعتين ، كإدراك المبيت بإدراكه إلى نصف الليل.

ويدرك الركعة بإدراك الإمام راكعا ، وإن لم يدرك تكبيرة الركوع. ويكفي اجتماعه مع الإمام في جزء من الركوع ، لقول الصادق عليه‌السلام : إذا أدركت الإمام وقد ركع فكبرت وركعت قبل أن يرفع رأسه فقد أدركت الركعة ، وإن رفع الإمام رأسه قبل أن تركع فقد فاتتك (٢).

وللشيخ قول : إنه إن أدرك تكبيرة الركوع أدرك الركعة وإلا فلا ، وليس عندي بعيدا من الصواب ، لقول الباقر عليه‌السلام لمحمد بن مسلم : إن لم‌

__________________

(١) جامع الأصول ٦ ـ ٤٢٧ ، سنن ابن ماجة ١ ـ ٣٥٦.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٤٢ ح ٢.

٢٣

يدرك القوم قبل أن يكبر الإمام للركعة فلا تدخل معهم في تلك الركعة (١). ولفوات واجب الركوع ، فيكون قد أدركه في المستحب ، فلا تحصل الركعة بالمتابعة فيه ، لفوات الركوع الواجب.

فروع

( يتعلق بالمسبوق )

الأول : لا يشترط إدراك الخطبة ، لأن إدراك أول الركعة ليس شرطا ، فالخطبة أولى.

الثاني : لو ذكر ترك سجدة سهوا ، وشك أهي من التي أدركها مع الإمام أو الثانية؟ قضاها وسجد للسهو إن كان بعد التسليم ، وإن كان قبله فالأقرب فعلها قبله وإعادة التشهد ، لأنه شاك في الأولى وقد فاتت وهو مأموم أيضا ، فلا عبرة بشكه فيها فيتعين للأخرى ، ويحتمل المساواة للأولى ، فيسلم ثم يقضي ، وعلى التقديرين يدرك الجمعة ، إذ لا يضر الركعة فوات سجدة سهوا.

الثالث : لو كبر والإمام راكع فرفع ، فإن أتى بالذكر قبل أن يخرج الإمام في نهوضه عن حد الراكعين ، صحت له تلك الركعة ، وإن لم يلحق ذلك ، فإن كان في الثانية فاتته الجمعة ، وإن كان في الأولى ، احتمل الذكر ثم يلحق بالإمام في السجود ، لكن في إدراكه للجماعة في أبعاض هذه الركعة إشكال ، والاستمرار على حاله إلى أن يلحق الإمام في ثانيه ويتم مع الإمام ، والاستيناف.

الرابع : لو شك هل كان الإمام راكعا أو رافعا؟ رجحنا جانب الاحتياط على الاستصحاب.

الخامس : لو أدرك مع الإمام ركعة ، فلما جلس مع الإمام ذكر أنه ترك فيها سجدة ، فإنه يسجد ويدرك الركعة ، لأنه صلى مع الإمام ركعة ، وفعل‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٤١ ح ٢.

٢٤

السجدة في حكم متابعته ، فلم يمنع ذلك من إدراكها ، وكذا لو ذكرها بعد تسليم الإمام ، لأن فوات السجدة الواحدة لا يقتضي فوات الركعة.

السادس : لو قام الإمام إلى الثالثة سهوا ، فأدركه فيها ، فصلاها معه ، لم يكن مدركا للجمعة إجماعا ، لأنها زيادة ، وهل يعدل إلى الظهر أو يستأنف؟

الأقرب الثاني ، وهل له التنفل؟ إشكال.

السابع : لو ذكر الإمام ترك سجدة لا يعلم موضعها بعد أن قام إلى الثالثة سهوا ، وقلنا بالإبطال بكل سهو يلحق الأولين ، أو ذكر ترك سجدتين ، بطلت صلاته ، ولو قلنا بالتلفيق ، تمت صلاته ، لأن المتروك إن كان من الأولى فقد تمت بالثانية وكانت الثالثة ثانية ، وإن تركها من الثانية تمت بالثالثة ، ولا يتم جمعة المأموم اللاحق في الثالثة ، لجواز أن تكون هي من الثانية ، فيتم بالثالثة ، فلم تكن الثالثة من أصل الجمعة ، لأن المحسوب منها للإمام سجدة واحدة.

ولو ذكر الإمام أنها من الأولة ، أدرك المأموم الجمعة ، لأن الأولى تمت بالثانية وكانت الثالثة ثانيته وقد أدركها المأموم.

فروع

( يتشعب عن شرط الجماعة يتعلق بالإمام )

الأول : لو كان الإمام متنفلا بأن يكون مسافرا قد صلى الظهر أولا ، فإن فرض تم العدد به فلا جمعة ، إذ ليس من أهل التكليف بها ، فلا يتعلق وجوب غيره به على إشكال. وإن تم بغيره احتمل جواز الاقتداء به ، كما يجوز اقتداء المفترض بالمتنفل وعدمه لنقص صلاته.

الثاني : لو كان الإمام عبدا ، فالأقرب أنه إن أتم العدد به ، لم تصح الجمعة ، وإلا صحت كالمسافر ، لأن العدد قد تم بصفة الكمال ، وجمعة العبد صحيحة وإن لم يلزمه.

٢٥

الثالث : قال الشيخ (١) : أقسام الناس في الجمعة خمسة ، منهم من تجب عليه وتنعقد به ، وهو الذكر الحر البالغ ، العاقل ، الصحيح السليم من العمى والعرج والشيخوخة التي لا حراك معها ، الحاضر أو من هو بحكمه.

ومنهم من لا تجب عليه ولا تنعقد به ، وهو الصبي والمجنون والعبد والمسافر والمرأة ، لكن تصح منهم إلا المجنون.

ومنهم من تنعقد به ولا تجب عليه ، وهو المريض والأعمى والأعرج ، ومن كان على رأس أكثر من فرسخين.

ومنهم من تجب عليه ولا تنعقد به ، وهو الكافر ، لأنه مخاطب بالفروع عندنا.

الرابع : لا تصح إمامة الصبي ، لأنه لا جمعة عليه ، وإذا فعلها لا يسقط بها الفرض عن نفسه ، إذ لا فرض عليه ، بخلاف العبد والمسافر ، فإنهما يسقطان بهما فرض الظهر إن جوزنا إمامتهما. ويحتمل الجواز كسائر الفرائض إن جوزنا إمامته فيها.

الخامس : إذا استخلف الإمام من اقتدى به قبل حدثه ، صح. وإن استخلف غيره ، لم يصح ، ولم يكن لذلك الغير أن يصلي الجمعة ، لأنه لا يجوز ابتداء جمعة بعد انعقاد جمعة ، ولو صح منه الجمعة ، لكان مبتدئا بها بعد انعقاد جمعة الإمام والقوم ، بخلاف المأموم يدخل في صلاة الجمعة ، فإنه تابع للقوم لا مبتدئ. وهل يصح ظهرا له أو ينقلب نفلا؟ الأقرب الأول إن عدل بالنية إليها ، وإلا فلا. أما المأمومون فإنهم يتمون الجمعة ، لأنها وقعت أولا صحيحة ، ويحتمل اشتراط فعل ركعة تامة.

فروع

( يتعلق بالزحام )

الأول : إذا ركع مع الإمام في الأولى ، ثم منعه الزحام عن السجود ، لم‌

__________________

(١) المبسوط ١ ـ ١٤٣.

٢٦

يجز له أن يسجد على ظهر غيره أو رأسه أو رجله ، عند علمائنا أجمع ، بل ينتظر حتى يتمكن من السجود على الأرض ، لقوله عليه‌السلام : ومكن جبهتك من الأرض (١). وليس له الإيماء به ، ولا أن يتمها ظهرا ، لأن إقامة الجمعة واجبة ، فلا يجوز الخروج قصدا مع توقع إدراكها.

ثم إن تمكن من السجود قبل ركوع الإمام في الثانية سجد كما يمكن ، ثم ينهض إلى الثانية ويركع مع الإمام للحاجة والضرورة ، ومثله وقع في صلاة عسفان ، حيث سجد النبي عليه‌السلام وبقي صف لم يسجد معه ، وليس له أن يركع مع الإمام قبل قضاء السجدتين ، لئلا يزيد ركنا ، ويستحب للإمام تطويل القراءة ليلحق به.

الثاني : لو سجد ولحق الإمام ، فوجده راكعا في الثانية ، انتصب واجبا ، لوجوبه وتمكنه منه ، ويترك القراءة لسقوطها عنه ، وخوف فوت الركوع الواجب.

ولو وجده قد قام من ركوع الثانية ، لم يقم ، بل يجلس إلى أن يسلم الإمام ، ثم يقوم ويأتي لثانية ، وليس له أن يتابع الإمام في سجدتيه ، لئلا يزيد ركنا.

ولو وجده وقد سلم ، فالأقوى إدراكه للجمعة ، لأنه أدرك الركوع الأول فيتم ما عليه.

الثالث : لو لم يتمكن من السجود حتى يركع في الثانية ، لم يتابعه في الركوع ، بل يراعي ترتيب صلاته ، لئلا يزيد ركنا ، ويوالي بين ركوعين في ركعة واحدة ، فإن ركع عامدا ، بطلت صلاته ، وعليه أن يبتدئ الإحرام بالجمعة إن أمكنه إدراك الإمام في الركوع.

وإن كان ناسيا أو جاهلا ، احتمل ذلك أيضا ، لأن زيادة الركن مطلقا مبطلة. والصحة ، لأن حكم الايتمام قد يخالف الانفراد ، كما لو سبق إلى‌

__________________

(١) جامع الأصول ٦ ـ ٢٥٣.

٢٧

ركوع أو سجود ناسيا قبل الإمام ، فإنه يرجع إلى حاله ثم يعيد مع إمامه.

فحينئذ لا يعتد بركوعه ولا تبطل صلاته ، فإذا سجد معه بعد الركوع حسب له السجدتان ، لأنا أمرناه بالسجود ، فقدم عليه شيئا غير معتد به ولا مفسد ، فإذا انتهى إليه وجب أن يقع عن المأمور به.

ويحتمل أن يعيدهما ، لأنه فعلهما على قصد الثانية ، فلا يقع عن أولاه ، كما لو نسي سجدة من ركعة ، ثم سجد لتلاوة أو سهو ، لا يقوم مقامها ، فإن قلنا بالأول فالحاصل ركعة ملفقة ويدرك بها الجمعة.

الرابع : إذا لم يركع في الثانية مع الإمام كما هو الواجب عليه ، بل انتظره إلى أن سجد الإمام وهو المأمور به ، فهو مقتد قدوة حكمية ، لوقوع السجود بعد الركوع الثاني للإمام ، ويدرك به الجمعة ، لأنه أدرك ركعة ملفقة. وإذا سجد مع الإمام نوى بسجدتيه أنهما لركعته الأولى ، فإن نوى بهما للثانية ، فالوجه بطلان الصلاة ، لإخلاله بركن في الأولى وهو السجدتان. وبركن في الثانية وهو الركوع.

ولو لم ينو بهما شيئا ، فالوجه البطلان ، لأنه مقتد بالإمام وهو في حكم التابع له في أفعاله ، وقد سجد الإمام للثانية ، فينصرف فعل المأموم إليه أيضا تحقيقا للاقتداء. وهل له أن يسجد قبل سجود الإمام؟ إشكال ، أقربه المنع ، بل يتابع الإمام ، فإذا سلم الإمام اشتغل بتدارك ما عليه ، لأنه إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فأشبه المسبوق.

الخامس : إذا ركع الإمام في الثانية ، فاشتغل بالسجدتين ، ثم نهض فوجد الإمام راكعا ، تابعه وسقطت عنه القراءة كالمسبوق ، ويسلم معهم ويتم جمعته. وإن وجده قد رفع رأسه من الركوع ، لم يتابعه في السجود على ما تقدم ، بل إما ينوي الانفراد ويتم الجمعة ، لإدراكه الركعة ، على إشكال من حيث إنه فاته السجدتان معه ، وإما أن يستمر على حاله إلى أن يسلم الإمام ، ثم يتم ما عليه. ويحتمل أن يجلس متابعة للإمام ولا يسجد. فإذا سلم الإمام ، قام فأتم ما بقي عليه.

٢٨

السادس : لو لم يتمكن من السجود ، حتى سجد الإمام في الثانية ، تابعه في السجود إجماعا ، ويحصل ركعة ملفقة. ولو لم يتمكن حتى يتشهد الإمام سجد ، فإن أدرك الإمام قبل السلام ، أدرك الجمعة وقام فأتم ما بقي عليه. وإن لم يدركه حتى سلم ، فكذلك على إشكال.

السابع : لو كان الزحام في سجود الثانية ، وقد صلى الأولى مع الإمام ، سجد متى تمكن قبل سلام الإمام أو بعده وصحت جمعته. ولو كان مسبوقا لحقه في الثانية ، فإن تمكن قبل سلام الإمام سجد وقد أدرك ركعة ، وإن لم يتمكن حتى سلم الإمام فإشكال.

الثامن : لو زوحم عن ركوع الأولى حتى سجد الإمام ، ركع ولحقه وتابعه في السجود ، وإن وجده قد نهض إلى الثانية سجد ولحقه ، ولو لم يتمكن حتى يركع (١) الإمام في الثانية ، ركع ويعتد له بالركعة الثانية ، وتكون أولى له.

التاسع : لو زوحم عن سجود الأولى ، فقضاه قبل ركوع الإمام في الثانية ، ثم ركع مع الإمام فزوحم عن السجود ، فقضاه بعد جلوس الإمام للتشهد ، تبع الإمام في التشهد وتمت جمعته ، لأنه أدرك جميع الصلاة بعضها فعلا وبعضها حكما ، فيثبت له حكم الجماعة.

العاشر : لو زوحم عن الركوع والسجود في الأولى ، صبر حتى يتمكن منها ، ثم يلتحق للرواية (١) ، فإن لحق الإمام راكعا في الثانية ، تابعه وأدرك الجمعة ، ولو لحقه رافعا من ركوع الثانية ، ففي إدراك الجمعة إشكال ، ينشأ : من أنه لم يلحق ركوعا مع الإمام ومن إدراك ركعة تامة في صلاة الإمام حكما.

ولو لم يتمكن من القضاء حتى ركع الإمام في الثانية ، فزوحم عن المتابعة حتى سجد الإمام ، أتمها ظهرا.

الحادي عشر : النسيان عذر كالزحام ، فلو تأخر سجوده عن سجود‌

__________________

(١) في « س » ركع.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ٣٢.

٢٩

الإمام بالنسيان ، ثم سجد في حال قيام الإمام ، فالحكم كما تقدم في الزحام ، لأنه عذر ، وكذا لو تأخر لمرض.

ولو بقي ذاهلا عن السجود ، حتى ركع الإمام في الثانية ثم تنبه ، فإنه كالمزحوم يركع مع الإمام.

ولو تخلف عن السجود عمدا حتى قام الإمام وركع في الثانية أو لم يركع ، ففي إلحاقه بالمزحوم إشكال.

الثاني عشر : الزحام كما يفرض في الجمعة يفرض في غيرها ، وذكر في الجمعة ، لأن وقوعه أكثر فيها ، لأن الجماعة شرط فيها ، ولا سبيل إلى المفارقة ما دام يتوقع إدراك الجمعة ، بخلاف باقي الصلوات ، والحكم في غير الجمعة كالحكم فيها.

البحث الخامس

( الوحدة )

الوحدة شرط في الجمعة ، فلا تنعقد جمعتان بينهما أقل من فرسخ ، سواء كانتا في مصر واحد أو مصرين ، وسواء فصل بينهما نهر عظيم أو لا ، عند علمائنا أجمع ، لقول الباقر عليه‌السلام : لا يكون بين الجمعتين أقل من ثلاثة أميال (١) ، وإذا كان بين الجماعتين ثلاثة أميال فلا بأس أن يجمع هؤلاء وهؤلاء ، لأن النبي عليه‌السلام لم يجمع إلا في مسجد واحد ، وكذا الخلفاء بعده.

وإذا لم يجز إقامتها في مساجد البلد كسائر الجماعات واحتمل تعطيل المساجد ، عرف أن المقصود إظهار شعار الاجتماع واتفاق كلمة المسلمين ، فليقتصر على الواحد ، لأنه أفضى إلى هذا المقصود ، ولأنه لا ضبط بعد مجاوزة الواحدة ، ومع بعد المسافة يشق الإتيان ، فلا بد من تقدير يرفع المشقة. والقدر الذي يمكن تكليفه لأكثر الناس فرسخ ، فكان الاعتبار به.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ١٦ ح ١.

٣٠

فلو احتاج من بعد بأقل من فرسخ إلى مركوب وتمكن منه وجب ، إما بالتملك ، أو الاستيجار ، أو العارية ، وهل يجب قبول الهبة أو العارية؟ إشكال.

فإن صليت جمعتان بينهما أقل من فرسخ ، فله صور :

الأول : أن تسبق إحداهما الأخرى ، فالسابقة صحيحة ، لاجتماع الشرائط فيها ، واللاحقة باطلة ، والسبق يحصل بالتحريم ، فالتي سبق عقدها على الصحة هي الصحيحة ، وإن تقدمت الثانية في الخطبة أو التسليم أو كانت جمعة السلطان ، لأنه لا بد من إذنه ، والاعتبار إنما هو بتمام التكبير ، حتى لو سبقت إحداهما بهمزة التكبير والأخرى بالراء ، فالصحيحة هي التي سبقت بالراء ، لأنها هي التي تقدم تكبيرها.

ولو شرع الناس في صلاة الجمعة ، فأخبروا أن طائفة أخرى سبقتهم بها وفاتت الجمعة عليهم ، استأنفوا الظهر ، وهل لهم أن يتموها ظهرا؟ الأقوى المنع ، لظهور البطلان.

الثاني : أن تقع الجمعتان معا ، فيتدافعان وتبطلان معا ، ويستأنف واحدة إن وسع الوقت ، وإلا صلوا الظهر.

الثالث : أن يشكل الحال ، فلا يدري أوقعتا معا ، أو سبقت إحداهما ، فيعيدون جمعة وظهرا ، لاحتمال الاتفاق ، فلا جمعة ، فتجب إعادتها. والتقدم ، فيعلم وقوع جمعة صحيحة ، فلا يصح عقد أخرى ، فوجبت الصلاتان معا.

الرابع : أن تسبق إحدى الجمعتين على التعيين ، ثم تلتبس ، فلا تخرج واحدة من الطائفتين عن العهدة ، إذ لا يقين لإحداهما بصحة جمعته ، والأصل بقاء الفرض في ذمتهم ، وليس لهم إعادة جمعة ، لأنه قد وقعت في البلد جمعة صحيحة ، فلا سبيل إلى تعقبها بأخرى ، بل تصلي الطائفتان الظهر ، فمن لا جمعة له ، صحت له الظهر.

٣١

الخامس : أن تسبق إحداهما ولا تتعين ، كما لو سمع مريضان أو مسافران تكبيرتين متلاحقتين وهما خارج المسجد ، وأخبراهم الحال ولم يعرفا من تقدم تكبيرة ، فلا يخرجون عن العهدة ، لأن كل واحدة يجوز أن تكون هي المتأخرة ، فيحتمل ضعيفا استيناف جمعة إن بقي الوقت ، لأن المفعولتين باطلتان غير مجزيتين ، فكأنه لم يقم في البلد جمعة أصلا.

والحق ما تقدم في الصورة الرابعة ، من أنهم يصلون الظهر ، لأن إحداهما صحيحة في علم الله تعالى ، وإنما لم يخرجوا عن العهدة للإشكال.

ولهذه الصور الخمس نظائر في نكاحين عقدهما وليان ، وسيأتي إن شاء الله تعالى.

البحث السادس

( الخطبتان )

وفيه أقطاب :

القطب الأول

( في واجباتها )

من شرائط الجمعة تقديم خطبتين ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يصل الجمعة إلا بخطبتين متقدمتين وقال : صلوا كما رأيتموني أصلي (١). ولأنه تعالى أوجب السعي إلى ذكر الله تعالى ، والمراد به الخطبة ، فيستلزم وجوبها ، ولأنهما أقيمتا مقام الركعتين ، والبدل كالمبدل في الحكم ، وقال الصادق عليه‌السلام : لا جمعة إلا بخطبة (٢).

ويجب أمور :

الأول : التعدد ، فلا يجزي الخطبة الواحدة ، امتثالا لفعله عليه‌

__________________

(١) جامع الأصول ٦ ـ ٣٧٤.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ١٦ ح ٩.

٣٢

السلام : ولأنهما أقيمتا مقام ركعتين ، فالإخلال بإحداهما إخلال بركعة.

الثاني : يجب في كل خطبة منهما حمد الله تعالى ، ويتعين « الحمد لله » لأنه عليه‌السلام داوم على ذلك ، ولقول الصادق عليه‌السلام : يحمد الله (١). والأقرب إجزاء « الحمد للرحمن ».

الثالث : الصلاة على النبي وآله عليهم‌السلام في كل خطبة ، لأن كل عبادة افتقرت إلى ذكر الله افتقرت إلى ذكر رسوله ، كالأذان والصلاة ، ولقول الصادق عليه‌السلام : ويصلي على محمد وآله (٢).

الرابع : الوصية بالتقوى في كل واحدة منهما ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واظب عليها في خطبته ، ولأن المقصود من الخطبة الوعظ والتحذير.

ولا يجوز الإخلال به ، ولأن الصادق عليه‌السلام قال : ثم توصي بتقوى الله (٣) ، والأقرب أنه لا يتعين لفظ « الوصية » لأن غرضها الوعظ ، فبأي لفظ وعظ حصل الغرض.

ولا يكفي الاقتصار على التحذير من الاغترار بالدنيا وزخارفها ، لأنه قد تتواصى به المنكرون للمعاد ، بل لا بد من الحمل على طاعة الله تعالى والمنع من المعاصي.

ولا يجب في الموعظة فصل وكلام طويل ، بل لو قال : « أطيعوا الله » كفاه ، لكن الأفضل فيه استعطاف القلوب وتنبيه الغافلين.

الخامس : قراءة القرآن في كل واحدة من الخطبتين ، لأنه عليه‌السلام كان يقرأ فيها.

وهل تجب سورة تامة؟ قال الشيخ : نعم ، لقول الصادق عليه‌السلام :

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٣٨ ح ٢.

(٢) نفس المصدر.

(٣) نفس المصدر.

٣٣

تقرأ سورة قصيرة من القرآن (١) ، ولأنهما بدل فيجب فيهما القراءة على حد ما يجب في المبدل.

فروع :

الأول : ظاهر كلام المرتضى الاكتفاء بمسمى القرآن ، فحينئذ يكفي آية واحدة تامة الفائدة ، ولا فرق بين أن يكون في وعد ووعيد ، أو حكم ، أو قصص.

الثاني : لا يكفي آية فيها وعظ عنهما.

الثالث : الأقرب على قول السيد الاكتفاء بشطر آية إذا تمت الفائدة بها ، أما لو قال « ثم نظر » لم يكف وإن عد آية ، لأنها غير مفهم.

الرابع : كلام السيد يقتضي عدم وجوب القراءة في الثانية ، وعليه دلت رواية سماعة عن الصادق عليه‌السلام (٢).

الخامس : كلام المرتضى يقتضي وجوب الاستغفار للمؤمنين في الثانية في مقابلة القراءة المختصة بالأولى ، وعليه دلت رواية سماعة (٣). وكلام الشيخ يقتضي عدم وجوب الدعاء للمؤمنين للأصل.

السادس : كلام الشيخ يقتضي وجوب الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الخطبتين ، لقوله تعالى ( وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ ) (٤) أي لا أذكر إلا وتذكر معي. ولم يوجب الشهادة بالرسالة فيهما.

وكلام المرتضى يقتضي وجوب الشهادة بالرسالة في الأولى ، والصلاة عليه في الثانية.

__________________

(١) نفس المصدر.

(٢) نفس المصدر.

(٣) نفس المصدر.

(٤) سورة ألم نشرح : ٤.

٣٤

السابع : لا تصح الخطبة إلا بالعربية ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم داوم على ذلك. ولو كان المستمع ممن لا يفهم العربية ، فالأقوى الخطبة بغيرها ، إذ القصد الوعظ والتخويف ، وإنما يحصل بفهم كلامه.

ويجب أن يتعلم واجد العربية في الخطبة ، كالعاجز عن التكبير بالعربية ، فلو مضت مدة إمكان التعلم ولم يتعلم ، عصى وتصح الجمعة.

الثامن : ينبغي أن تكون السورة خفيفة ، ويجوز أن يقرأ إحدى العزائم ، فينزل ويسجد لو قرأ السجدة. ولو كان المنبر عاليا لو نزل لطال الفصل ، نزل أيضا ، وإن أمكنه أن يسجد عليه فعل.

التاسع : لا يجوز أن يقتصر على آيات تشتمل على الأذكار ، لأنه لا تسمى خطبة. ولو أتى ببعضها في ضمن آية ، لم يمنع.

القطب الثاني

( في شرائط الخطبتين )

وهي ستة :

الأول : الوقت ، وهو ما بعد الزوال ، فلا يجوز تقديمها ولا شي‌ء منها على الأصح ، لأنه عليه‌السلام كان يخطب بعد الزوال ، ولو جاز التقديم لقدمها ، تخفيفا على الباكرين ، وإيقاعا للصلاة في أول الوقت.

وللشيخ قول بجواز إيقاعها قبل الزوال ، بحيث إذا فرغ منها زالت الشمس.

الثاني : تقديمهما على الصلاة ، بخلاف صلاة العيد ، لأنه عليه‌السلام كذا فعل في الموضعين ، لأنهما شرط في الجمعة ، والشرط متقدم ، بخلاف العيد.

الثالث : القيام فيهما عند القدرة ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن بعده لم يخطبوا إلا من قيام ، ولأنه ذكر يختص بالصلاة ليس من شرطه القعود ،

٣٥

فكان من شرطه القيام كالقراءة والتكبير ، فإن عجز فالأولى أن يستنيب غيره.

ولو لم يفعل وخطب قاعدا أو مضطجعا ، جاز كالصلاة ، ويجوز الاقتداء به ، سواء قال لا أستطيع أو سكت ، بناء على الظاهر من أن قعوده للعجز ، فإن بان أنه كان قادرا ، فهو كما لو بان أن الإمام محدث.

الرابع : الجلوس بينهما ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن بعده جلسوا بينهما دائما (١) ، ويجب فيه الطمأنينة كالجلسة بين السجدتين.

ولو خطب قاعدا لعجزه عن القيام لم يضطجع بينهما للفصل ، بل يفصل بسكتة ، كما في الفصل في الصلاة قاعدا.

الخامس : شرط بعض علمائنا طهارة الحدث والبدن والثوب والمكان من الخبث ، اتباعا لما جرت السنّة عليه في الأعصار ، ولأن الخطبتين بدل ، ولأن الموالاة بينهما وبين الصلاة واجبة عند آخرين ، وعلى هذا يشترط ستر العورة ، لأنهما بدل.

وقيل : لا يشترط ، لأنه ذكر يتقدم الصلاة فأشبه الأذان.

وعلى الأول لو كان جنبا وقرأ عزيمة لم تصح الخطبة ، لأن القراءة شرط ، وهي محرمة.

ولو سبقه الحدث في الخطبة ، لم يعتد بما يأت به حال الحدث. فإن تطهر وعاد ، فالأقرب البناء وإن طال الفصل.

السادس : رفع الصوت بالخطبتين ، فإن الوعظ الذي هو الغاية إنما يحصل بالاستماع المشترط برفع الصوت ، ولأنه عليه‌السلام كان إذا خطب رفع صوته كأنه منذر جيش ، فلو خطب سرا بحيث لا يسمعه العدد ، لم تحسب.

ولو رفع الصوت قدر ما يبلغ ، لكن كانوا أو بعضهم صما ، فالأقرب الإجزاء ، كما لو سمعوا ولم يفهموا.

__________________

(١) جامع الأصول ٦ ـ ٤٣٣.

٣٦

السابع : العدد ، قال الشيخ : شرط الخطبتين العدد المشترط في الجمعة (١) ، لأنهما ذكر هو شرط في الجمعة ، فكان من شرطه حضور العدد كالتكبير ، ولأن وجوب الخطبة تابع لوجوب الجمعة التابع لحضور العدد.

فلو انفضوا في الأثناء فالمأتي به حال غيبتهم غير محسوب ، لأن القصد بها الإسماع ، فإن عادوا قبل طول الفصل جاز البناء ، وكذا إن طال على إشكال ، لأن الوعظ يحصل معه تفرق الكلمات.

ولو اجتمع بدل الأولين العدد ، فلا بد من استيناف الخطبة مطلقا ، ولو انفضوا بعد تمام الخطبة وعادوا قبل طول الفصل ، بنيت الصلاة على الخطبة ، وكذا إن طال على إشكال.

والعدد إنما هو شرط في واجبات الخطبة دون مستحباتها.

الثامن : نية الخطبة من فرضها ، لأنها عبادة فافتقرت إلى النية كالصلاة.

التاسع : الترتيب بين أجزاء الخطبة الواجبة ، فلو قدم على الحمد غيره ، أو قدم الوعظ على الصلاة استأنف ، للتأسي به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

القطب الثالث

( في الإصغاء )

الأقرب وجوب الإنصات ، وهو السكوت ، والاستماع ، وهو شغل السمع بالسماع ، لقوله تعالى ( وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ ) (٢) ذكر في التفسير أن الآية وردت في الخطبة ، وسميت « قرآنا » لاشتمالها عليه ، فلا يحل له الكلام.

ويحتمل الكراهة ، ولأن رجلا دخل والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخطب يوم‌

__________________

(١) المبسوط ١ ـ ١٤٦.

(٢) سورة الأعراف : ٢٠٤.

٣٧

الجمعة ، فقال : متى الساعة؟ فأومي إليه بالسكوت ، فلم يقبل وأعاد الكلام فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد الثالثة : ما ذا أعددت لها؟ فقال : حب الله ورسوله ، فقال : إنك مع من أحببت (١) ، ولم ينكر عليه.

وهل يحرم الكلام على الخطيب في الأثناء؟ الأقرب المنع للأصل ، ولأنه عليه‌السلام كلم قتلة ابن أبي الحقيق وسألهم عن كيفية قتله في الخطبة (٢). وإنما حرم على المستمع لئلا يمنعه عن السماع.

وللشيخ قول بالتحريم ، والأصل فيه أن الخطبتين إن جعلناهما بمثابة الركعتين حرم الكلام ، وإلا فلا ، والخلاف في كلام لا يتعلق به غرض مهم. أما لو رأى أعمى يقع في بئر ، أو عقربا تدب على إنسان ، فأنذرهما ، أو علم إنسانا شيئا من الخير أو نهاه عن منكر ، فإنه لا يحرم ، ويستحب الاقتصار على الإشارة إن كفت في الغرض.

ويجوز الكلام قبل الشروع في الخطبة ، وبعد الفراغ منها ، لأنه ليس وقت الاستماع. وكذا يجوز حالة الجلوس بين الخطبتين على الأقوى.

ويجوز للداخل في أثناء الخطبة أن يتكلم ما لم يأخذ لنفسه مكانا.

ويجوز رد السلام ، بل يجب ، لأنه كذلك في الصلاة ، ففي الخطبة أولى.

وكذا يجوز تسميت العاطس ، وهل يستحب؟ يحتمل ذلك ، لعموم الأمر به ، والعدم ، لأن الإنصات أهم ، فإنه واجب على الأقوى ، بخلاف التسميت.

وهل يجب الإنصات على من لا يسمع الخطبة؟ الأولى المنع ، لأن غايته الاستماع ، فله أن يشتغل بذكر وتلاوة ، ويحتمل الوجوب لئلا يرتفع اللغط ، ولا يتداعى إلى منع السامعين عن السماع ، ولا تبطل جمعة المتكلم وإن حرمناه‌

__________________

(١) سنن الترمذي ٤ ـ ٥٩٥.

(٢) سنن البيهقي ٣ ـ ٢٢٢.

٣٨

إجماعا ، والخلاف في الإثم وعدمه.

فإذا صعد الخطيب المنبر ، فيستحب لمن ليس في الصلاة أن لا يفتتحها ، سواء صلى السنّة أو لا ، ومن كان في الصلاة خففها ، لئلا يفوته سماع أول الخطبة ، ولقول أحدهما عليهما‌السلام : إذا صعد الإمام المنبر فخطب ، فلا يصلي الناس ما دام الإمام على المنبر (١) ، والكراهة تتعلق بالشروع في الخطبة لا بالجلوس على المنبر ، لقول أحدهما عليهما‌السلام : فخطب ، ولأن المقتضي للمنع السماع.

ولو دخل والإمام في آخر الخطبة وخاف فوت تكبيرة الإحرام ، لم يصل التحية ، لأن إدراك الفريضة من أولها أولى.

وأما الداخل في أثناء الخطبة ، فالأقرب أنه كذلك ، للعموم ، ولأن رجلا جاء يتخطى رقاب الناس ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اجلس فقد آذيت وآنيت (٢) ، ولأنه يستحب له السماع من أول الخطبة ، فالبعض أولى.

ويجب أن يرفع الإمام صوته بالخطبة ، بحيث يسمع العدد المعتبر من أهل الكمال ، وهل يحرم الكلام على من عدا العدد؟ إشكال.

القطب الرابع

( في سنن الخطبة )

وهي أمور :

الأول : الخطبة على المنبر ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما دخل المدينة خطب مستندا إلى جذع ، فلما بني له المنبر صعد عليه ، ولاشتماله على الإبلاغ للبعيد.

الثاني : وضع المنبر على يمين المحراب ، وهو الموضع الذي يكون على يمين‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٣٩ ح ٣.

(٢) سنن ابن ماجة ١ ـ ٣٥٤.

٣٩

الإمام إذا استقبل ، لأن منبره عليه‌السلام كذا وضع.

الثالث : أن لا يكون المنبر كبيرا ، بحيث يضيق المكان على المصلين ، إذا لم يكن المسجد متسعا للخطبة.

ولو لم يكن منبر ، خطب على موضع مرتفع يبلغ صوته الناس.

الرابع : التسليم على من عند المنبر إذا انتهى إليه ، لاستحباب التسليم للواردين ، وكان عليه‌السلام إذا دنا من منبره سلم على من عند المنبر ثم يصعد ، فإذا استقبل الناس بوجهه سلم ثم قعد.

الخامس : التسليم على الناس إذا صعد على المنبر وانتهى إلى الدرجة التي تلي موضع القعود ، وتسمى « المستراحة » اقتداء به عليه‌السلام ، وقول علي عليه‌السلام : من السنّة إذا صعد الإمام المنبر أن يسلم إذا استقبل الناس (١). ولا يسقط بالتسليم الأول ، لأن الأول مختص بالقريب من المنبر ، والثاني عام.

السادس : أن يجلس بعد السلام على المستراح ، ليستريح عن تعب الصعود ، لأنه عليه‌السلام كان يخطب خطبتين ويجلس جلستين (٢) ، والمراد هذه الجلسة التي قبل الخطبتين ، وقال الباقر عليه‌السلام : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا خرج إلى الجمعة قعد على المنبر حتى يفرغ المؤذنون (٣).

السابع : بلاغة الخطيب بحيث لا يكون مؤلفة من الكلمات المبتذلة ، لأنها لا تؤثر في القلوب ، ولا من الكلمات الغريبة الوحشية ، لعدم انتفاع الناس بها ، بل تكون قريبة من الأفهام ناصة على التخويف والإنذار.

الثامن : أن لا يطول فيها ، لقوله عليه‌السلام : قصر الخطبة وطول الصلاة من فقه الرجل (٤) ، ولا يقصرها بل تكون وسطا.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٣ ح ١.

(٢) جامع الأصول ٦ ـ ٤٣٣.

(٣) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٣ ح ٢.

(٤) جامع الأصول ٦ ـ ٤٣٦.

٤٠