نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٨
الجزء ١ الجزء ٢

قضاء الدين ، فإنه ليس بعبادة ، ولهذا يسقط بإسقاط مستحقه.

ومحلها : القلب ، لأنه محل الإرادات والاعتقادات. ولا يكفي التلفظ باللسان ، ولا يضر لو انضم إلى الإرادة. ولو نوى شيئا وتلفظ بغيره ، كان الاعتبار بالقصد لا الملفوظ.

ويجب فيها القصد إلى الإخراج عنده متقربا به إلى الله تعالى ، لوجوبه أو ندبه أو لوجههما. وتعيين كون المخرج زكاة مال أو فطرة.

ولو قال : هذا فرض زكاة مالي ، أو فرض صدقة مالي ، أو زكاة مالي المفروضة ، أو الصدقة ، صح مع النية والوجوب أجزأ (١).

ولو تصدق بجميع ماله بنية التطوع ولم ينو به الزكاة ، لم يجزيه ، لأنه ما نوى عما عليه ، فكان كما لو تصدق ببيضة ، أو صلى ألف ركعة ولم ينو الفرض.

ولا يكفي التعرض لفرض المال ، فإن ذلك قد يكون كفارة ونذرا ، ولا التعرض للصدقة ، لأنها قد تكون نافلة. ولا التعرض للزكاة ، وأيضا (٢) لأنها قد تكون مندوبة.

ولا يجب تعيين المال المزكى عنه ، فلو ملك أربعين من الغنم وخمسا من النعم ، فأخرج شاة عن أحدهما من غير تعيين صح ، لأن الغرض تبعيض (٣) المال ودفع حاجة الفقير. فلو أخرج شاة مطلقا ، ثم بان تلف أحد المالين ، أو تلف أحدهما بعد التمكن من الإخراج ، جاز له احتساب المخرج عن زكاة الآخر.

ولو قال : هذه زكاة مالي الغائب أو الحاضر ، صح ، لأن التعيين ليس بشرط ، فأشبه ما لو أخرج نصف دينار عن أربعين ، فإنه يصح عن عشرين غير معينة.

__________________

(١) في « ر » أو الصدقة المفروضة مع ضم التقرب والوجوب أجزأ.

(٢) الظاهر زيادة كلمة « أيضا ».

(٣) في « ق » ببعض.

٤٢١

ولو عين مالا ، لم ينصرف إلى غيره مع بقاء الوجوب فيه ، كما لو أخرج شاة عن الإبل وله أربعون من الغنم ، وجب عليه شاة أخرى عن الغنم. ولو لم تبق الوجوب ، كما لو أخرج عن ماله الغائب فبان تالفا ، قال الشيخ : لم يكن له صرفه إلى الحاضر ، لأنه عينه ، فأشبه ما لو أعتق عبدا عن كفارة عينها ولم تقع عنها ، لم يكن له صرفه إلى غيرها. ويحتمل عندي الجواز ، لظهور فساد الدفع ، فكان دينا على الفقير ، فجاز له احتسابه عن غيره.

ويجوز أن يخرج عن ماله الغائب مع شك السلامة ، ويكون نية الإخراج صحيحة ، لأصالة البقاء.

فإن قال : إن كان مالي سالما فهذه زكاة ، وإن كان تالفا فهي تطوع ، فبان سالما أجزأت نيته. لأنه أخلص النية للفرض على تقدير وجوده ، ثم رتب عليها النقل على تقدير تلفه. وهكذا حكمها لو لم يقله ، وإذا قاله لم يضر.

ولو قال : هذه زكاة مالي الغائب أو تطوع ، لم يجزيه ، لأنه لم تحصل النية للفرض ، فكان كما لو قال : أصلي فرضا أو نفلا.

وإن قال : هذا زكاة مالي الغائب إن كان سالما ، وإلا فهو زكاة مالي الحاضر ، أجزأه عن السالم منهما ، وإن كانا سالمين فعن أحدهما ، لأن التعيين ليس شرطا.

ولو قال : هذه زكاة مالي الغائب إن كان سالما فبان تالفا ، فالأقرب أن له الصرف إلى الحاضر.

ولو قال : إن كان مورثي قد مات وقد ورثت ماله ، فهذه زكاة فبان موته ، لا تحتسب المخرج من الزكاة ، لعدم وجوب الزكاة عندنا إلا بعد العلم بأنه ورثه ، وبعد التمكن من التصرف فيه ، ولأصالة بقاء الحياة وعدم الإرث.

بخلاف ما لو قال : إن كان مالي الغائب سالما فهذه زكاته ، وإن كان تالفا استرجعته ، فبان سالما فإنه يجزيه ، وإن بان تالفا كان له الاسترجاع.

وهذا كما لو قال آخر شهر رمضان : أصوم غدا إن كان من الشهر ، فإنه‌

٤٢٢

يصح. ولو قال في أوله أصوم غدا من رمضان إن كان من الشهر ، لم يصح.

ولو قال : إن كان مالي الغائب سالما فهذه زكاته أو نفل ، وكان ماله سالما ، لم يجزيه ، لأنه لم يقصد قصد فرض خالص.

ولو نوى الإخراج عن مال مترقب التملك ، لم يجز وإن حصل ، لأنه فعل العبادة قبل حصول سببها ، فكان كما لو صلى الظهر قبل الزوال.

البحث السادس

( في وقت النية ومن يتولاها )

وقت النية عند الدفع ، لأنها عبادة تقع على وجوه مختلفة ولا يتميز أحدهما عن صاحبه إلا بالنية وقت الدفع.

ولا يجزي تقديمها عليها بالزمن الطويل ولا القصير اليسير ، لأنه إن استدام عليه فهو المطلوب ، وإن غفل حالة الدفع عن القصد فلا يقع على وجه مخصوص.

ولو نوى بعد الدفع ، لم يجز إن دفع أولا بنية الصدقة المطلقة ، لوقوع المطلق فيه عن التطوع.

ولو دفع بغير نية والمال باق ، احتمل إجزاء النية بعده ، إذ الدفع لا يستلزم مطلقه التمليك إلا مع القصد ، وهو منفي ، فيبقى على ملكه ، فيجوز حينئذ أن ينوي صرف ما دفعه أولا إلى الزكاة المفروضة.

أما لو تلف المال في يد الفقير بفعله أو بغير فعله ، فالأقرب عدم الإجزاء ، لأنه أباحه بدفعه إليه إتلافه من غير ضمان ، فلا يصادق النية عينا ولا مستحقا في ذمته.

ثم المالك إن تولى تفريق زكاته بنفسه ، تولى هو النية عند الدفع ، لأنها تخصيص فعل المريد بما يخصصه (١) لا فعل غيره.

__________________

(١) في « ر » يخصه.

٤٢٣

وإن كان عن غيره. فإن كان وليا عن صبي أو مجنون ، تولى هو النية كما ينوب في التفريق ، فإن دفع من غير نية ، لم يقع الدفع وعليه الضمان لتفريطه ، لأنه دفع إلى المستحق على وجه لا يبرئ ذمة المستحق عليه.

وإن كان وكيلا ، فإن نوى المالك حالة الدفع إليه ، ونوى هو حالة الدفع إلى الفقراء ، أجزأ إجماعا ، لأنه أوقع العبادة على وجهها. وإن لم ينو أحدهما لم يجز إجماعا.

ولو نوى الوكيل خاصة ولم ينو الموكل ، قال الشيخ : لم يجز (١) لأن الفرض يتعلق به والإجزاء يقع عنه. والأقرب عندي الجواز ، لأنه فعل تدخله النيابة ، فصح مشروطه.

ولو وكل وكيلا وفوض النية إليه فأولى بالجواز.

ولو نوى الموكل خاصة دون الوكيل ، فإن كان حال الدفع إلى الفقير جاز. وإن تقدمت النية ، لم يجز كما تقدم.

ولو دفعها إلى الإمام باختياره ، ونوى حال الدفع إلى الإمام أو الساعي ، ولم ينو الإمام أو الساعي حال التفريق جاز ، لأنه وكيل الفقراء ونائب المستحقين ، فالدفع إليه كالدفع إليهم.

وإن لم ينو المالك ونوى الإمام ، قال الشيخ : لم يجزيه فيما بينه وبين الله تعالى ، غير أنه ليس للإمام مطالبته دفعة ثانية (٢). لأن الإمام إما وكيله أو وكيل الفقراء أو وكيلهما معا ، وأيا ما كان لا تجزي نيته عن نية رب المال ، ولأن الزكاة عبادة تجب لها النية ، فلا تجزي عمن وجبت عليه بغير نية إذا كان من أهلها كالصلاة ، ولأن الإمام نائب الفقراء ولو دفع إليهم بغير نية لم يجز ، فكذا إذا دفع إلى نائبهم.

ويحتمل الإجزاء لأن أخذ الإمام بمنزلة القسم بين الشركاء ، فلا يحتج إلى‌

__________________

(١) المبسوط ١ ـ ٢٣٣.

(٢) المبسوط : ١ ـ ٢٣٣.

٤٢٤

نية ، ولأن للإمام ولاية الأخذ ، ولهذا يأخذ من الممتنع اتفاقا ، ولو لم يجزيه لما أخذها أولا لأخذها ثانيا وثالثا حتى ينفذ ماله ، لأن أخذها إن كان لإجزائها لم يحصل بدون النية ، وإن كان لوجوبها فهو باق بعد أخذها ، لأنه لا يدفع إلى السلطان إلا الفرض ، وهو لا يفرق على أهل السهمان إلا الفرض ، فأغنت هذه القرينة عن النية.

وإن أخذها الإمام منه كرها ، قال الشيخ : أجزأت عن المالك (١). سواء نوى المالك أو لا إذا نوى الإمام ، لأنه لم يأخذ إلا الواجب ، ولأن قسمة الإمام قائمة مقام قسمة الممتنع ، فيقوم نية الإمام مقام نيته. وكما أن نية الولي تقوم مقام نية الصبي ، ولأن بامتناعه تعذرت النية في حقه ، فيسقط وجوبها عنه كالصبي والمجنون.

ويحتمل عدم الإجزاء باطنا ، لأنه لم ينو وهو متعبد بأن يتقرب ، وإنما أخذت منه عدم الإجزاء حراسة للعلم ، كما يجب على المكلف الصلاة ليأتي بصورتها ، ولو صلى بغير نية لم يجزيه عند الله تعالى.

أما لو نوى المالك حالة الأخذ ، فإنها تبرئ ذمته ظاهرا وباطنا ، ولا حاجة إلى نية الإمام.

ولو لم ينو الإمام ولا المالك ، لم يسقط الفرض في الباطن ولا في الظاهر على الأقوى ، لأنه عبادة لم تقع على وجهها.

البحث السابع

( في بقايا مباحث هذا الباب )

الأول : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين عليه‌السلام يبعثان السعاة لأخذ الزكوات ، لأن جماعة من الناس لا يعرفون الواجب ولا ما يجب فيه من تصرف إليه ، فيبعثان ليأخذوا ممن تجب عليه ما يجب ويضعونه حيث يجب.

__________________

(١) نفس المصدر.

٤٢٥

والمال : إما أن لا يعتبر فيه الحول ، كالثمار والزروع ، وبعث السعاة لوقت وجوبها ، وهو إدراك الثمار واشتداد الحبوب ، ولا يختلف في الناحية الواحدة كثير اختلاف. وإما أن يعتبر ، كالنقدين والأنعام ، وأحوال الناس فيه مختلف ، ولا يمكن بعث ساع إلى كل واحد عند تمام الحول ، فينبغي أن يعين شهرا يأتيهم الساعي فيه.

وليس واجبا لأصالة البراءة ، فإذا جاءهم فيه فمن تم حوله أخذها منه ، ومن لم يتم حوله فيستحب له أن يعجل إن سوغناه ، فإن لم يفعل استخلف عليه من يأخذ زكاته. وإن شاء أخره إلى مجيئه من قابل ، فإن وثق به فوض التفريق إليه.

فإن كانت المواشي ترد الماء أخذها على مياههم ، ولا يكلفهم ردها إلى البلد ، ولا يلزمه أن يتبع الراعي ، فإن اجتزأت بالكلاء في وقت الربيع ولا ترد الماء ، أخذ الزكاة في بيوت أهلها.

الثاني : يستحب وسم نعم الصدقة والفي‌ء إلى أن يعرف ، وليس مكروها ، لأن عبد الله بن أبي طلحة عامل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يسم إبل الصدقة. والفائدة في تمييزها عن غيرها ، رد الواجد لها لو شردت ، ومعرفة المالك فلا يستردها بشراء.

وليكن الوسم في الموضع الصلب المنكشف ، كآذان الغنم وأفخاذ الإبل والبقر. ويكره في الوجه ، لورود النهي عنه. وليكن ميسم الغنم ألطف من ميسم البقر ، وميسم البقر ألطف من ميسم الإبل. وأن يكتب في الميسم ما يؤخذ له من زكاة أو جزية.

الثالث : يستحب للساعي أو الإمام أو الفقير إذا أخذ أحدهم الزكاة الدعاء لصاحبها ، قال الله تعالى ( وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ) (١) وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أتاه بصدقتهم قال : اللهم صل على آل فلان (٢). ويجوز أن يأتي بهذه‌

__________________

(١) سورة التوبة : ٣٠١.

(٢) جامع الأصول ٥ ـ ٣٥٩.

٤٢٦

اللفظة اقتداء برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولقوله تعالى ( هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ ) (١).

ولا يجب هذا الدعاء ، لأصالة البراءة ، ولقوله عليه‌السلام : أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم (٢). ولم يأمره بالدعاء ، ولأنه لا يجب على الفقير المدفوع إليه فالنائب أولى.

وينبغي أن يقول لصاحبها : آجرك الله على ما أعطيت ، وبارك لك فيما أبقيت ، وجعله لك طهورا ، أو ما يشبه ذلك.

وينبغي للمالك أن يقول حال الدفع : اللهم اجعلها مغنما ولا تجعلها مغرما ، ويحمد الله تعالى على أدائها.

الرابع : إذا دفع الزكاة إلى من يظنه فقيرا ، لم يجب إعلامه أنها زكاة ، لأنه ربما يستحي من ذلك ويلحقه الغض به.

ويعطى الكبار والصغار ، وإن لم يأكلوا الطعام لإنه فقير محتاج إلى الزكاة لأجل رضاعته وكسوته وسائر مئونته ، وتدفع إلى وليه لا إليه لأنه القابض لحقوقه ، فإن لم يكن له ولي دفعها إلى من يعبأ بأمره كأمه أو غيرها. وكذا المجنون ، فلو دفع إلى الصبي المميز الذي يعلم أو يظن التحفظ ، ففي الإجزاء نظر.

الخامس : يكره لمن أخرج زكاة ماله أن يشتريها أو يتهبها ، وبالجملة أن يملكها اختيارا. ولا بأس بعودها إليه بميراث وشبهه ، كالقبض من المديون ، لقوله عليه‌السلام : ولا تعد في صدقتك (٣). وليس محرما ، لقوله تعالى ( إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) (٤) وقوله عليه‌السلام : لا تحل الصدقة لغني‌

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٤٣.

(٢) جامع الأصول ٥ ـ ٢٩٥.

(٣) سنن ابن ماجة ٢ ـ ٧٩٩.

(٤) سورة النساء : ٢٩.

٤٢٧

إلا لخمسة : لغاز في سبيل الله ، أو لغارم ، أو لعامل عليها ، أو لرجل اشتراها بماله ، أو رجل له جار مسكين ، فتصدق على المسكين ، فأهدى المسكين للغني (١).

ولو احتاج إلى الشراء ، بأن يكون الفرض جزءا من حيوان ، لا يمكن الفقير الانتفاع بعينه ، ولا يجد من يشتريه سوى المالك ، ولو اشتراه غيره تضرر المالك بسبب المشاركة ، أو احتاج الساعي إلى بيع الثمرة قبل الجذاذ ، زالت الكراهية دفعا للمشقة.

ويجوز احتساب الدين الذي على الفقير من الزكاة ، فيسقطه عنه منها ، سواء كان حيا أو ميتا ، لأن الإسقاط في معنى الأداء المأمور به. وأن يدفع إليه قدر الدين ثم يرده الفقير قضاء إليه. ويكره إن كان حيلة ، لما فيه من تملك الصدقة اختيارا. وأن يستقرض الذي عليه الدين ويرده عليه ويحسبه من الزكاة.

وإذا أعطى من يظنه فقيرا فبان غنيا ، أجزأ مع عدم التفريط ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعطى الرجلين الجلدين وقال : إن شئتما أعطيتكما منها ، ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكسب (٢). ولو اعتبر حقيقة الغنى لما اكتفي بقولهم ، ويعسر الاطلاع عليه ، قال الله تعالى ( يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ ) (٣) واكتفي بظهور الفقر ودعواه. وإن بان كافرا فكذلك مع الاجتهاد.

وكذا لو كان عبدا لغيره أو هاشميا أو قرابة ممن لا يجوز الدفع إليه ، لحصول المشقة بالاستقصاء في البحث عن ذلك.

السادس : يجوز للساعي بيع الصدقة أو بعضها مع الحاجة إليه من كلفة في نقلها أو مرضها ونحو ذلك ، روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى في إبل‌

__________________

(١) جامع الأصول ٥ ـ ٣٦٧.

(٢) جامع الأصول ٥ ـ ٣٦٧.

(٣) سورة البقرة : ٢٧٣.

٤٢٨

الصدقة كوما فسأل عنها ، فقال المصدق إني أرتجعها بإبل فسكت. والرجعة أن يبيعها ويشتري بثمنها مثلها أو غيرها. ولو لم يكن حاجة بطل البيع وضمن ، إلا أن يجعل له الإمام ذلك بالتبعيض أو الإطلاق.

السابع : الزكاة تجب في العين لا في الذمة ، لقوله عليه‌السلام في أربعين شاة شاة. (١) وقوله عليه‌السلام : فيما سقت السماء العشر (٢). وغير ذلك من الألفاظ الواردة بحرف « في » الدالة على الظرفية ، ولسقوطها بتلف النصاب بعد الحول قبل إمكان الأداء ، أو الإخراج من غير النصاب رخصة.

ولو كان عنده نصاب واحد لا أزيد ، فحال عليه حولان فما زاد لم يخرج منه الزكاة ، وجبت زكاة سنة واحدة ، لأن تعلق الزكاة في الحول الأول بالمال ينقص النصاب ، فيفقد شرط الوجوب في الحول الثاني. ولا فرق بين الإبل وغيرها في ذلك ، لأن تعلق الشاة بها ينقص النصاب ، وكون الواجب من غير النصاب في الجنس لا يخرج تعلقها بالعين.

الثامن : في تعلق الزكاة بالعين احتمال الشركة ، فيصير المستحقون شركاء للمالك ، لأن الواجب تتبع المال في الصفة ، حتى يؤخذ من المراض مريضة ، ومن الصحاح صحيحة. ولأنه لو امتنع المالك من إخراج الزكاة أخذها الإمام من عين النصاب.

كما يقسم على الشركاء أموالهم إذا امتنع البعض ، وفيه وجهان :

أحدهما : أن الزكاة شائعة في الجميع متعلقة بكل واحدة من الشياه بالقسط.

ثانيهما : أن يحل الاستحقاق قدر الواجب ثم يتعين بالإخراج ، واحتمال تعلق الوثيقة ، لأنه لو صار شريكا لما جاز للمالك الإخراج من موضع آخر ، كما لا يجوز للشريك دفع حق الشريك من غير مال الشريك ، فيحتمل حينئذ‌

__________________

(١) جامع الأصول ٥ ـ ٣٠٩.

(٢) جامع الأصول ٥ ـ ٣١٧.

٤٢٩

تعلقها به تعلق الدين بالرهن ، لأنه لو امتنع من أداء الزكاة ولم توجد السن الواجبة في ماله ، كان للإمام بيع بعض النصاب وشراء السن الواجبة.

كما يباع المرهون لقضاء الدين ، وفيه وجهان :

أحدهما : أن جميع المال مرهون.

ثانيهما : المرهون قدر الزكاة ، وتعلق الأرش برقبة العبد الجاني ، لسقوط الواجب بهلاك النصاب ، كسقوط الأرش بتلف العبد ، فلو تعلق الدين بالرهن لما سقطت.

فلو باع المالك النصاب كله بعد الحول قبل الأداء (١) فالوجه صحة البيع ، لضعف علقة حق الفقراء بالمال ، فيسامح فيه ما لا يسامح في غيره ، ولهذا كان للمالك إبطال حقهم منه بالدفع من غيره وإن كره الفقير. فإذا باعه فقد اختار الدفع من غيره. ثم إن دفع البائع عوض مال المساكين من غيره مضى البيع ، لأن له دفع العوض وإن لم يدفع كان للمشتري الرد بالعيب ، لأنه باع ما لا يملك. وليس يمكنه مقاسمة (٢) المساكين ، لأن ذلك إلى رب المال ، وهو المطالب به ، قال الشيخ : ويحتمل ذلك في الأنعام دون الباقي.

فإذا امتنع المالك من أداء الزكاة من غير المال ، تبع الساعي المشتري وأخذ الزكاة منه ، فيبطل البيع في قدر الزكاة ، ولا ينفسخ في الباقي ، بل يتخير المشتري مع الجهل ، لتبعيض الصفقة عليه. فإن اختار الإمضاء فيقسطه من الثمن.

ولو لم يأخذ الساعي الواجب من المشتري ولم يرد البائع الزكاة من غيره ، تخير المشتري إذا علم ، لتزلزل ملكه وتعرضه لأخذ الساعي ، فإن أدى البائع من غيره ، سقط اختيار المشتري ، لحصول استقرار الملك. كما لو اشترى معيبا ولم يرده حتى زال العيب سقط الرد. ويحتمل عدمه ، لإمكان خروج ما دفعه‌

__________________

(١) في « ر » الإخراج.

(١) في « ق » قسمة.

٤٣٠

المالك إلى الساعي مستحقا ، فيرجع الساعي إلى غير المال.

وإن باع بعض النصاب ، فإن كان الباقي أقل من الواجب ، فحكمه كما لو باع الجميع ، وإن كان بقدره إما على قصد صرفه إلى الزكاة ، أو لا على هذا القصد ، فإن قلنا بالشركة ، احتمل صحة البيع ، لأن حقه ما باعه. والمنع ، لسريان حقه أهل السهمان في الجميع ، فأي قدر باعه كان حقه وحقهم.

التاسع : يجوز أن يقتصر بالزكاة على صنف واحد ، بل على شخص من صنف واحد وإن كثر المال. ولا يجب البسط على الأصناف ، لقوله عليه‌السلام لمعاذ : أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم (١). فذكر صنف الفقراء. نعم يستحب ذلك خصوصا مع كثرة المال.

ويجوز أن يعطى الفقير غناه دفعة ودفعات. وأن يعطى ما يزيد على غناه دفعة لا دفعات ، بل يحرم إذا بلغ حد الغناء إعطاء الزائد عليه. قال الباقر عليه‌السلام : إذا أعطيته فأغنه (٢).

ويكره أن يعطى الفقير أقل من خمسة دراهم أو نصف دينار ، وهو ما يجب في النصاب الأول ، لما فيه من الاستهانة بالفقير ، ولقول الصادق عليه‌السلام : لا يعطى أحد من الزكاة أقل من خمسة دراهم (٣). وهو أقل ما فرض الله تعالى من الزكاة في أموال المسلمين ، فلا تعطوا أحدا أقل من خمسة دراهم.

وليس ذلك واجبا ، بل يجوز أن يعطى أقل ، لأن محمد بن الصهبان كتب إلى الصادق عليه‌السلام : هل يجوز يا سيدي أن يعطى الرجل من إخواني من الزكاة الدرهمين والثلاثة ، فقد اشتبه ذلك علي؟ فكتب : ذلك جائز (٤).

العاشر : ينبغي أن يعطى زكاة الذهب والفضة والغلاة أهل الفقر والمسكنة المعروفين بأخذ الزكوات ، وزكاة النعم أهل التجمل المترفعين عن أخذ‌

__________________

(١) جامع الأصول ٥ ـ ٢٩٥.

(٢) وسائل الشيعة ٦ ـ ١٧٩ ح ٤.

(٣) وسائل الشيعة ٦ ـ ١٧٧ ح ٢.

(٤) وسائل الشيعة ٦ ـ ١٧٧ ح ١.

٤٣١

الزكاة ، لقول الصادق عليه : صدقة الظلف والخف تدفع إلى المتجملين من المسلمين ، وصدقة الذهب والفضة وما كيل بالقفيز مما أخرجت الأرض للفقراء المدقعين قال ابن سنان : وكيف ذلك؟ قال : لأن المتجملين يستحيون من الناس ، فيدفع إليهم أجمل الأمرين عند الناس (١).

ولو استحيا الفقير من طلبها ، استحب له أن يواصل بها ولا يعلم بأنها صدقة ، لأن الواجب الدفع. وهو حاصل مع عدم الإعلام ، وفي تركه تعظيم للمؤمن. قال الباقر عليه‌السلام : أعطه ولا تسم له ولا تذل المؤمن (٢).

ويكره لمستحق الزكاة الامتناع من أخذها مع حاجته ، بل قد يحرم ، قال الصادق عليه‌السلام : تارك الزكاة وقد وجبت له مثل مانعها (٣).

الحادي عشر : العبد المشترى من الزكاة إذا مات ولا وارث له ، كان ميراثه للإمام ، لأنه وارث من لا وارث له. وقيل : لأرباب الزكاة ، لأنه اشتري بمالهم ، ولقول الصادق عليه‌السلام : يرثه الفقراء المؤمنون الذين يستحقون الزكاة (٤). لأنه إنما اشتري بمالهم.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ ـ ١٨٢ ح ١.

(٢) وسائل الشيعة ٦ ـ ٢١٩ ح ١.

(٣) وسائل الشيعة ٦ ـ ٢١٨ ح ٣.

(٤) وسائل الشيعة ٦ ـ ٢٠٣ ح ٢.

٤٣٢

المقصد السابع

( في زكاة الفطرة )

وفيه فصول :

الفصل الأول

( من تجب عليه )

أجمع العلماء على وجوب زكاة الفطرة ، قال عليه‌السلام : فرض زكاة الفطرة من رمضان على الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر أو عبد ، وذكر أو أنثى (١). وسئل الصادق عليه‌السلام عن الفطرة؟ فقال : على الصغير والكبير والحر والعبد ، كل إنسان صاع من حنطة ، أو صاع من تمر ، أو صاع من زبيب (٢).

ولا تجب إلا على المكلف ، فلا تجب على الصبي عند علمائنا أجمع وإن وجبت عنه ، لقوله عليه‌السلام : رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ (٣). وهو ظاهر في سقوط الأحكام الشرعية عنه. وكتب محمد بن القاسم إلى الرضا عليه‌السلام يسأله عن الوصي يزكي زكاة الفطرة عن اليتامى إذا لم يكن لهم مال؟

__________________

(١) جامع الأصول ٥ ـ ٣٤٧.

(٢) وسائل الشيعة ٦ ـ ٢٢٧ ح ١.

(٣) الخصال ص ١٧٥.

٤٣٣

فكتب : لا زكاة على مال يتيم (١). ولأنها جعلت طهرا للصائم من الرفث واللغو ، وإنما يصح في حق البالغ.

ولا تجب على المجنون لذلك أيضا ، ولا على من أهل شوال وهو مغمى عليه ، لأن مناط التكليف العقل وهو زائل.

ولا تجب على العبد أيضا إجماعا ، لأن شرط وجوبها الغنى ، وهو مفقود عنه. نعم تجب على السيد أداؤها عنه. وحكم أم الولد والمدبر والمكاتب المشروط عليه حكم القن.

وكذا المكاتب المطلق إذا لم يتحرر منه شي‌ء ، فإن تحرر منه شي‌ء وجبت عليه ، وعلى السيد بالحصص إذا ملك بنصيب الحرية ما تجب فيه الزكاة.

ولا تجب على الفقير بل على الغني. ونعني به من يملك قوت السنة له ولعياله على الاقتصاد. وبالجملة من يحرم عليه أخذ الزكاة عند علمائنا ، لقوله عليه‌السلام : لا صدقة إلا عن ظهر غنى (٢). وسئل الصادق عليه‌السلام عن رجل يأخذ من الزكاة أعليه صدقة الفطرة؟ قال : لا (٣). والمكتسب وذو الصنعة إذا اكتفيا بهما غنيان.

وتجب على المديون وإن استوعب الدين المال.

وإنما يعتبر اليسار وقت الوجوب ، ولو كان معسرا عنده ثم أيسر بعد ذلك ، لم تجب الزكاة عليه ، لفقدان الشرط.

وتجب على الكافر ، لأنه عندنا مخاطب بفروع العبادات ، فيدخل تحت عموم الأمر بها ، ولا يصح منه أداؤها ، لامتناع حصول الشرط ، وهو نية التقرب في حقه ، فإذا أسلم سقطت عنه كغيرها من العبادات ، لقوله عليه‌السلام : الإسلام يجب ما قبله (٤).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ ـ ٢٢٦ ح ٢.

(٢) جامع الأصول ٧ ـ ٣٠١.

(٣) وسائل الشيعة ٦ ـ ٢٢٣ ح ١.

(٤) الخصائص الكبرى ١ ـ ٢٤٩.

٤٣٤

ولو كان له عبد مسلم ، أو قريب مسلم ، وجب عليه عنهما ، والمرتد يجب عليه ولا تسقط عنه بإسلامه.

ويستحب للفقير إخراجها وإن أخذها ، فيدير صاعا على عياله ، ثم يخرجها عنهم إلى المستحق الأجنبي ، لما فيه من المواساة.

الفصل الثاني

( في المؤدى عنه زكاة الفطرة )

قد يؤديها الإنسان عن نفسه ، وقد يؤديها غيره عنه (١) ، والأصل فيه قوله عليه‌السلام : أدوا صدقة الفطرة عمن تمونون (١). وقال الصادق عليه‌السلام : كل من ضممت إلى عيالك من حر أو مملوك فعليك أن تؤدي الفطرة عنه (٢).

وأسباب العيلولة ثلاثة : النكاح ، والملك ، والقرابة. وكلها تقتضي لزوم الفطرة. والمتبرع بالإنفاق على الغير تجب عليه فطرته عنه للعموم.

ولا فرق بين أن يكون المعال صغيرا أو كبيرا ، حرا أو عبدا ، مسلما أو كافرا. فلو عال مملوك الغير ، سقطت عن المالك ووجبت على العائل ، لوجود المقتضي.

وفي أسباب العيلولة مباحث :

البحث الأول

( النكاح )

المقتضي لوجوب الفطرة هو نكاح المزكي ، فيجب عليه فطرة زوجته ، وإن كانت كافرة دون زوجة أبيه ، لانتفاء وجوب الإعفاف عندنا ، ودون زوجة‌

__________________

(١) في « ر » عن غيره.

(٢) وسائل الشيعة ٦ ـ ٢٣٠ ح ١٥.

(٣) وسائل الشيعة ٦ ـ ٢٢٩ ح ٨.

٤٣٥

الابن أيضا. ونفقة زوجة العبد على مولاه ، فيجب عليه فطرتها.

ولو زوج الابن أباه وكان ممن تجب عليه نفقته ونفقة زوجته ، فعليه فطرتها.

وخادم الزوجة إن كان بأجرة ، لم يكن على الزوج فطرته ، لأن الواجب الأجر دون النفقة. وإن كان لها ، فإن كان ممن لا تجب لها خادم ، فليس عليه نفقة خادمها ولا فطرته.

وإن كان ممن يخدم مثلها ، فعلى الزوج أن يخدمها ، ثم يتخير بين أن يشتري لها خادما أو ينفق على خادمها ، أو يكتري لها خادما ، فإن اختار الإنفاق على خادمها فعليه فطرته. وإن استأجر لها خادما فليس عليه نفقته ولا فطرته ، سواء شرط عليه مئونته أو لا ، لأن المئونة إذا كانت أجرة ، فهي من مال المستأجر ، وإن تبرع بالإنفاق على من لا يلزمه نفقته ، فحكمه حكم من تبرع بالإنفاق على أجنبي.

ويجب على الزوج الفطرة عن زوجته وإن لم يعلها ، إذا لم يعلها غيره ، سواء كانت حاضرة أو غائبة. ولو عالها غيره ، وجبت على العائل.

ولو نشزت في وقت الوجوب قبل تحققه ، ففطرتها على نفسها دون الزوج ، لسقوط نفقتها عنه ، بخلاف المريضة فإن عدم الإنفاق عليها لعدم الحاجة لا لخلل في المقتضي لها وهو التمكن ، فلا يمنع ذلك من ثبوت نفقتها وكذلك كل امرأة لا تلزمه نفقتها ، كغير المدخول بها إذا لم تسلم إليه ، والصغيرة التي لا تمكن الاستمتاع بها ، فإنه لا تلزمه نفقتها ولا فطرتها.

ولو كانت الزوجة موسرة والزوج معسرا ، فلا فطرة عليه لإعساره ، وإن وجبت عليه لأنها آكد لوجوبها على المعسر والعاجز ، وترجع عليه بها عند يساره ، ولأن النفقة عوض والفطرة عبادة مشروطة باليسار.

وهل تجب عليها الفطرة عن نفسها؟ إشكال ، ينشأ : من أن الفطرة هل تجب عليها ابتداء ويتحمل عنها الزوج ، أو تجب على الزوج ابتداء ، احتمال منشؤه دلالة قول الصادق عليه‌السلام : الفطرة على الصغير والكبير ابتداء‌

٤٣٦

والحر والعبد (١) على الأول ، وقوله عليه‌السلام : كل من ضممت إلى عيالك من حر أو مملوك فعليك أن تؤدي الفطرة عنه (٢) على الثاني ، فإن قلنا بالأول فالزكاة عليها ، لوجود المقتضي السالم عن معارضة التحمل. وإن قلنا بالثاني ، سقطت الزكاة عنهما معا.

أما الناشزة فتجب فطرتها عليها ، وإن حكمنا بأصالة الوجوب على الزوج ، لأنها بالنشوز أخرجت نفسها عن إمكان التحمل (١).

ولو كانت زوجة الموسر أمة ، فإن وجب عليه نفقتها وجبت عليه فطرتها ، وإلا كانت الفطرة على مولاها.

ولو كان الزوج معسرا ، احتمل وجوب الفطرة على سيدها ، وعدم وجوب الفطرة مطلقا ، والتفصيل وهو إن وجبت على الزوج نفقتها سقطت ، وإلا وجبت على المولى.

البحث الثاني

( الملك )

ويجب أن يخرج الإنسان الموسر الفطرة عن كل مملوك له ، ذكرا وأنثى صغيرا وكبيرا ، وإن لم يعله إذا لم يكن في عيلولة أحد ، سواء كان حاضرا أو غائبا. ولو عاله غيره فالزكاة على العائل.

ولا يسقط وجوب النفقة بالإباق ، فيجب على مولاه الفطرة عنه. وكذا المرهون والمغصوب والضال وإن انقطع خبره ما لم يغلب ظن الموت.

والجاني والمستأجر وفطرة العبد المشترك على مواليه للعموم. ويجب على الجميع صاع واحد بالحصص ، فإن اختص أحدهم بالعيلولة تبرعا اختص بها.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ ـ ٢٢٧ ح ١.

(٢) وسائل الشيعة ٦ ـ ٢٢٩ ح ٨.

(٣) في « ر » المتحمل.

٤٣٧

ولو وقعت مهاياة بين الموالي ، أو بين المتحرر بعضه وبين مولاه ، فوقع الهلال في نوبة أحدهما ، ففي اختصاصه بالفطرة إشكال ، ينشأ : من وجوب الإنفاق على صاحب النوبة والفطرة تتبعه ، ومن كون الإنفاق في الحقيقة مشتركا. وينشأ : من كون الفطرة من المؤن المعتادة ، لأنها معلومة القدر والوقت معدودة من وظائف السنة أو النادرة لعدم تعيين يوم العيد في السنة لاختلاف الأهلة. وبتقدير الثاني فهل يدخل في المهاياة من حيث إن مقصود المهاياة بالتفاضل والتمايز ، فليخص كل منهما بما ينفق في نوبته من الغنم والغرم ، أو لا من حيث إن النوادر مجهولة لا تخطر بالبال عند المهاياة.

والغائب تجب فطرته عند الهلال ولا ينتظر عوده. ولو لم يعلم حياته قال الشيخ : لا تجب فطرته (١). والأولى الوجوب ما لم يعلم أو يظن الموت. وقال : لا تجب على المولى فطرة عبد المغصوب (٢) ، لعدم تمكنه منه. وليس بجيد.

ولو اجتمع الدين وفطرة العبد على الميت بعد الهلال ، قسمت التركة عليهما بالحصص عند قصور التركة ، لأنهما فرضان فتبسط التركة عليهما.

ولو مات قبل الهلال فلا زكاة على الوارث ولا على غيره ، إلا أن يعوله أحدهما ، لتعلق الدين بالتركة. والأقرب عندي وجوب الفطرة على الوارث ، لانتقال التركة إليه.

ولو أوصي له بعبد فقبل قبل الهلال ومات الموصي قبله ، وجبت عليه الزكاة عنه. ولو قبل بعد الهلال ، سقطت عنه. وفي الوجوب على الوارث احتمال ، ينشأ : من انتقال التركة إليه وعدمه.

ولو اتهب عبدا ، فإن قبضه قبل الهلال ، وجبت زكاته عليه ، وإلا فعلى الواهب. وإن مات قبل الهلال ، بطلت الهبة ووجبت على الوارث ، وكذا لو مات المتهب قبل القبض.

__________________

(١) المبسوط ١ ـ ٢٣٩.

(٢) المبسوط ١ ـ ٢٤٠.

٤٣٨

ولو أوصى برقبة عبده لشخص ولآخر بمنفعته ، فالزكاة على الأول ، لوجوب النفقة عليه.

والعبد الموقوف على رجل تجب فطرته عليه ، لانتقال الوقف إليه على الأقوى ، وعلى الآخر لا فطرة. وكذا لا فطرة على العبد الموقوف على المسجد ، أو على بيت المال.

وعبيد التجارة تجب فطرتهم ، وإن تعلقت بهم زكاة التجارة استحبابا أو وجوبا على الخلاف للعموم. ولا يجتمع هنا زكاتان ، لتعلق الفطرة بالبدن ، ولهذا وجبت على الأحرار ، والتجارة بالقيمة وهي المال.

وعبيد التجارة في يد المضارب زكاتهم على العامل والمالك إن ظهر فيهم ربح ، وإلا فعلى المالك. وعبد العبد فطرته على المولى.

البحث الثالث

( القرابة )

كل من وجب عليه نفقته من الأقارب ، وهم العمودان وإن علوا والأولاد وإن نزلوا ، تجب عليه فطرته ، لعموم قوله عليه‌السلام : أدوا صدقة الفطرة عمن تمونون (١).

وإنما يجب على الأب فطرة ابنه المعسر بعد انفصاله حيا ، ولا تجب على الحمل ، لأنه لم تثبت له أحكام الدنيا ، إلا في الإرث والوصية بشرط أن يخرج حيا.

والمطلقة رجعية كالزوجة. والبائن إن كانت حاملا ، فإن قلنا النفقة للحمل فلا فطرة ، وإن قلنا للحامل وجبت.

ولو وجد القريب قوته ليلة العيد ويومه ، سقطت فطرته عن المنفق ،

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ ـ ٢٣٠ ح ١٥.

٤٣٩

لسقوط نفقته عنه وسقطت عنه لفقره. ولا فرق بين أن يكون الولد صغيرا أو كبيرا.

وكل من وجبت زكاته على غيره سقطت عنه ، كالزوجة والضيف الموسرين ، ولو أخرجا الزكاة عن أنفسهما بإذن الزوج والمضيف ، أجزأ إجماعا ، ولو كان بدون إذن ، احتمل الإجزاء وعدمه ، ومنشأ الإشكال : التحمل ، أو الأصالة.

الفصل الثالث

( في الوقت )

وتجب بغروب الشمس ليلة العيد ، لأنها أضيفت إلى الفطر. قال ابن عباس : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرض زكاة الفطرة طهرة للصائم من الرفث واللغو (١). فتجب به كزكاة المال ، لأن الإضافة دليل الاختصاص.

ويمتد وقتها بامتداد وقت صلاة العيد ، وهو زوال الشمس من يوم الفطر. فلو بلغ قبل الغروب ، أو أسلم ، أو زال جنونه ، أو استغنى ، أو ملك عبدا ، أو ولد له ولد ، وجبت. ولو حصل ذلك كله بعد الغروب ، استحب له إن لم يصل العيد. ولو حصلت بعد صلاة العيد ، سقطت وجوبا واستحبابا.

ولو مات عبده ، أو ولده ، أو زوجته ، أو طلقها بائنا بعد الغروب ، وجبت فطرتهم.

ولو باع عبده بعد الغروب ، فالزكاة عليه. وإن كان قبله ، فالزكاة على المشتري ، وإن كان في مدة خيار البائع.

ولو اتهب العبد قبل الغروب ولم يقبض إلا بعده ، فالزكاة على الواهب ، لأن انتقال الهبة بالقبض.

__________________

(١) جامع الأصول ٥ ـ ٣٥٤.

٤٤٠