نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٨
الجزء ١ الجزء ٢

لقول الصادق عليه‌السلام : فإن لم تسمع فاقرأ (١). وهو يعطي استحباب القراءة في الإخفاتية.

ولا يستحب القراءة في سكتات الإمام ، لقول الصادق عليه‌السلام : لا ينبغي له أن يقرأ يكله إلى الإمام (٢). ولو لم يقرأ مطلقا صحت صلاته ، لقوله عليه‌السلام : من كان له إمام فقراءته له قراءة (٣).

ولو كان الإمام ممن لا يرتضى به وجبت القراءة ، فإن كانت جهرية جاز أن يخافت للضرورة ، وقول الصادق عليه‌السلام : يجزيك إذا كنت معهم من القراءة مثل حديث النفس (٤). فإن لم يتمكن من السورة الأخرى ، فالأقوى الاجتزاء بالفاتحة. ولا يجب إعادة الصلاة وإن كان في الوقت. ولو عجز عن إكمال الفاتحة ، فالوجه إعادة الصلاة.

ولو فرغ المأموم من القراءة قبل الإمام ، استحب له أن يسبح ، تحصيلا لفضيلة الذكر ، ولئلا يقف صامتا ، ولقول الصادق عليه‌السلام : أمسك آية ومجد الله وأثن عليه ، فإذا فرغ فاقرأ الآية واركع (٥).

إذا ثبت هذا فإنه يستحب أن يمسك عن قراءة آخر الآيات من السورة ، فإذا فرغ الإمام قرأ هو تلك الآية ليركع عن قراءة. والظاهر أن ذلك في الصلوات السرية ، لأن الإنصات في الجهرية أفضل ، أو أن يكون الإمام ممن لا يقتدى به.

الثامن : يستحب للإمام أن يسمع من خلفه القراءة والتشهد وذكر الركوع والسجود ، لقول الصادق عليه‌السلام : ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كلما يقول ، ولا ينبغي لمن خلفه أن يسمعه شيئا مما يقول (٦).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٢٢ ح ١ و ٥.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٢٣ ح ٨.

(٣) سنن ابن ماجة ١ ـ ٢٧٧ الرقم ٨٥٠.

(٤) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٢٨ ح ٤.

(٥) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٣٢ ح ١.

(٦) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٥٢ ح ٣.

١٦١

التاسع : ينبغي للإمام أن لا يبرح من مكانه حتى يتم المسبوق ما فاته ، لأن إسماعيل بن عبد الخالق سمعه يقول : لا ينبغي للإمام أن يقوم إذا صلى حتى يقضي كل من خلفه ما فاته من الصلاة (١).

العاشر : يكره التنفل بعد الإقامة ، لأنه وقت القيام إلى الفريضة ، فلا يشتغل بغيرها.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٥١ ب ٥١.

١٦٢

الفصل الثاني

( في صلاة السفر )

وفيه مطالب :

المطلب الأول

( القصر ومحله )

القصر جائز في الصلاة الرباعية بإجماع العلماء ، والأصل فيه الآية (١) ، وفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث قصر في أسفاره حاجا وغازيا ، حتى أن جاحده كافر ، لأنه جحد ما علم ثبوته من الدين ضرورة.

ومحله الصلاة والصوم ، أما الصلاة ففي الفرائض الرباعية منها خاصة ، وهي الظهر والعصر والعشاء ، وفي النوافل نوافل الظهرين والوتيرة بشرط الأداء في السفر. فلا قصر في الغداة والمغرب بالإجماع.

والقصر في الرباعية بحذف الشطر الأخير ، فيقتصر على الأولتين منها ، ولا يجوز الاقتصار على أقل منها في سفر خوف وأمن ، لأن أسفار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد كانت مع الخوف ولم ينقص عن ركعتين.

ولا قصر في القضاء إذا فات في الحضر ، وإن كان حال القضاء مسافرا أو حاضرا وقد تخلل السفر بينهما ، لانتفاء العذر وقت استقرارها.

__________________

(١) وهي ( فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ )سورة النساء : ١٠١.

١٦٣

ولو تركها في السفر ثم ذكرها في السفر ، قضاها قصرا ، لوجود العذر حالة الوجوب ، وإن تخلل الحضر بينهما. ولو ذكرها في الحضر ، قضاها قصرا ، لأن القضاء يعتبر بالأداء ، وإنما يقضي ما فاته والفائت ركعتان. وقال عليه‌السلام : من فاتته صلاة فريضة فليقضها كما فاتته (١).

ولو تردد في أنها فائتة في الحضر أو السفر ، فالوجه وجوب صلاتي تمام وقصر ، ويحتمل الأول خاصة والثاني خاصة ، لأصالة البراءة عن الزائدة على الواحدة وعلى الركعتين ، وأصالة الحضر وتوقف يقين البراءة على الجمع.

المطلب الثاني

( في تجدد السفر على الحضر وبالعكس )

لو سافر بعد دخول الوقت ومضي وقت الطهارة والصلاة ، فالأقرب وجوب الإتمام ، لأن الصلاة تجب بأول الوقت وقد أدرك وقت الوجوب ، فلزمه التمام كالحائض والمغمى عليه ، وقول الصادق عليه‌السلام : لبشير النبال وقد خرج معه حتى أتينا الشجرة : يا نبال قلت : لبيك ، قال : إنه لم يجب على أحد من أهل هذا العسكر أن يصلي أربعا غيري وغيرك ، وذلك لأنه دخل وقت الصلاة قبل أن نخرج (٢).

وللشيخ قول بجواز القصر ، لكن يستحب التمام ، لعموم الآية ، ولأنه مسافر قبل خروج الوقت ، فأشبه ما لو سافر قبل الوجوب ، ولأنه مؤد للصلاة ، فوجب أن يؤديها بحكم وقت فعلها ، ولأن الاستقرار إنما يكون بآخر الوقت ، ولهذا لا يعصي لو مات وقد أخر الصلاة. بخلاف الحائض ، فإنه مانع من الصلاة ، فإذا طرأ الحيض وقت الإمكان في حقها في ذلك القدر ، فكأنها أدركت جميع الوقت ، بخلاف المسافر فإنه غير مانع ، ولأن الحيض لو أثر لأثر في إسقاط الصلاة بالكلية.

__________________

(١) عوالي اللئالي ٣ ـ ١٠٧.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ٥٣٧ ح ١٠.

١٦٤

والقول بالسقوط مع إدراك وقت الوجوب بعيد. والسفر يؤثر في كيفية الأداء في أصل الفعل ، فأشبه ما لو أدرك العبد من الوقت قدر ما يصلي فيه الظهر ، ثم عتق فلزمه الجمعة دون الظهر.

ولأن الصادق عليه‌السلام سأله إسماعيل بن جابر يدخل وقت الصلاة وأنا في أهلي أريد السفر فلا أصلي حتى أخرج قال : صل وقصر ، فإن لم تفعل فقد والله خالفت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١). ويمكن حملها على ما لو خرج في ابتداء الوقت.

ولو دخل الوقت وهو في السفر ، ثم حضر قبل خروجه وقبل صلاته ، فالأقرب وجوب الإتمام ، لانتفاء سبب الترخص ، ولقول الصادق عليه‌السلام حيث سأله إسماعيل بن جابر يدخل علي وقت الصلاة وأنا في السفر ، فلا أصلي حتى أدخل أهلي أصلي وأتم (٢). قال الشيخ : ولو بقي ما يقصر عن التمام صلى قصرا وإلا أتم (٣).

ولو سافر وقد بقي من الوقت مقدار ركعة أو ركعتين ، قال الشيخ : فيه خلاف بين أصحابنا (٤) ، فمن قال الأداء يحصل بإدراك ركعة وجب القصر ، لإدراك الوقت مسافرا ، وإن قلنا إن بعضها قضاء والبعض أداء لم يجز القصر ، لأنه غير مؤد لجميع الصلاة في الوقت.

ولو سافر وقد بقي من الوقت أقل من ركعة ، وجب القضاء تماما إجماعا ، لفواتها حضرا.

ولو سافر وحضر قبل الصلاة بعد دخول وقتها ، ثم فاتته ، قضاها تماما على ما اخترناه من وجوب الإتمام في الموضعين ، لأن القضاء تابع للأداء. ومن اعتبر حال الوجوب ، وجب الإتمام في الأولى والقصر في الثانية. ومن اعتبر في القضاء حال الفوات عكس ، وبالأول رواية عن الباقر عليه‌السلام حيث سأله‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٥٣٥ ح ٢ ذيل الحديث.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ٥٣٥+ ٢ صدر الحديث.

(٣) الخلاف ١ ـ ٢٢٥.

(٤) الخلاف ١ ـ ٢٢٥.

١٦٥

زرارة في رجل دخل عليه وقت الصلاة في السفر ، فأخر الصلاة حتى قدم ، فنسي حين قدم أهله أن يصليها حتى ذهب وقتها : يصليها صلاة المسافر ، لأن الوقت دخل عليه وهو مسافر ، كما ينبغي له أن يصليها عند ذلك (١).

المطلب الثالث

( في وجوب القصر )

القصر عزيمة في الصلاة والصوم ، واجب لا رخصة يجوز تركه ، فلو أتم عامدا عالما بوجوب القصر عليه ، بطلت صلاته عند جميع علمائنا ، لقوله تعالى ( فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) (٢) أوجب القصر في الصوم بنفس السفر. وقصر الصلاة ملازم إجماعا.

ولم يزل عليه‌السلام مواظبا على قصر الصلاة ، ولو كان رخصة يجوز تركها لعدل إلى الأصل ليعرف الأحكام. وسأل الحلبي الصادق عليه‌السلام قال : صليت الظهر أربع ركعات وأنا في السفر؟ قال : أعد (٣) ، ولأن الأخيرتين يجوز تركهما إلى غير بدل ، فلم تجز الزيادة عليهما كالصبح.

ولا يتغير فرض المسافر بالايتمام بالمقيم عند علمائنا ، فلو ائتم بمقيم صلى ركعتين وسلم ولم يجز له الايتمام ، سواء أدرك أول الصلاة أو آخرها ، لأن فرضه القصر ، فلا يجوز له الزيادة. كما لو صلى الفجر خلف من يصلي الظهر ، ولقول الصادق عليه‌السلام في المسافر يصلي خلف المقيم ركعتين ويمضي حيث شاء (٤).

ولو ائتم المقيم بالمسافر وسلم الإمام في ركعتيه ، أتم المقيم إجماعا. ولو أتم المسافر عمدا ، بطلت صلاته للزيادة ، وصلاة المأمومين المقيمين ، للمتابعة في صلاة باطلة.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٥٣٥ ح ٣.

(٢) سورة البقرة : ١٨٥.

(٣) وسائل الشيعة ٥ ـ ٥٣١ ح ٦.

(٤) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٠٣ ح ٢.

١٦٦

ولو أم المسافر المسافرين فأتم ناسيا فإن كان الوقت باقيا أعاد ، وإلا صحت صلاتهم ولو ذكر الإمام بعد قيامه إلى الثالثة ، جلس واجبا وحرم عليه الإتمام. ولو علم المأموم أن قيامه لسهو ، لم يتابعه وسبّح به ، فإن لم يرجع فارقه ، فإن تابعه بطلت صلاته للزيادة ، ولا تبطل صلاة الإمام إن كان آخر الوقت.

وإذا دخل المسافر بلدا وأدرك الجمعة ، فأحرم خلف الإمام ينوي قصر الظهر لم يجز ، لوجوب الجمعة عليه بالحضور.

والقصر في الصلاة إنما هو في عدد الركعات لا في غيره ، وهو واجب على ما تقدم في كل سفر جمع الشرائط الآتية ، إلا في أربعة مواطن : مسجد مكة ، ومسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمدينة ، وجامع الكوفة ، والحائر على ساكنه السلام على الأقوى ، فإن الإتمام في هذه المواضع أفضل وإن جاز القصر ، لقول الصادق عليه‌السلام : تتم الصلاة في المسجد الحرام ، ومسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومسجد الكوفة ، وحرم الحسين عليه‌السلام (١).

وهل يستحب الإتمام في جميع مكة والمدينة؟ قال الشيخ : نعم ، لدلالة الرواية عليه ، ومنع قوم ، وعمم المرتضى استحباب الإتمام عند قبر كل إمام. والمراد بالحائر ما دار سور المشهد عليه دون سور البلد.

ولو فاتت هذه الصلاة ، احتمل وجوب القصر مطلقا ، لفوات محل الفضيلة وهو الأداء ، ووجوب القصر إن قضاها في غيرها ، لفوات محل المزية وهو المكان. والتخيير إن قضاها فيها ، لأن القضاء تابع للأداء مطلقا ، لأن الأداء كذلك.

ويستحب أن يقول المسافر عقيب كل صلاة : « سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر » ثلاثين مرة ، فإن ذلك جبران لصلاته على ما روي.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٥٤٦ ح ١٤.

١٦٧

ولأنها تقع بدلا عن الركعات في شدة الخوف. ويحتمل الاختصاص بالمقصورة : لقول العسكري عليه‌السلام : يجب على المسافر أن يقول في دبر كل صلاة يقصر فيها : « سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر » ثلاثين مرة لتمام الصلاة (١). والمراد بالوجوب شدة الاستحباب.

ولو سافر بعد الزوال قبل التنفل ، استحب له قضاء النافلة ولو في السفر ، لحصول السبب وهو الوقت.

المطلب الرابع

( في الشرائط )

وهي خمسة : الأول قصد المسافة. الثاني الضرب في الأرض. الثالث استمرار القصد. الرابع عدم زيادة السفر على الحضر. الخامس : إباحة السفر.

البحث الأول

( قصد المسافة )

قصد المسافة شرط في القصر ، فالهائم الذي لا يدري أين يتوجه وهو راكب التعاسيف وإن طال سفره ـ لا يجوز له القصر. بل لا بد من ربط القصد بمقصد معلوم ، لأن مطلق السفر غير كاف ، بل لا بد من طوله ، وهذا لا يدري أن سفره طويل أو لا.

ولو استقبلته برية واضطر إلى قطعها ، أو ربط قصده بمقصد معلوم بعد ما هام على وجهه أياما ، فهو منشئ للسفر من حينئذ. وكذا طالب الآبق إذا قصد الرجوع أين لقيه.

والمسافة شرط في القصر ، فلا يجوز في قليل السفر إجماعا ، لقوله عليه‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٥٤٢ ح ١.

١٦٨

السلام : يا أهل مكة لا تقصروا في أدنى من أربعة برد من مكة إلى عسفان (١). وقال الصادق عليه‌السلام : القصر في الصلاة بريد في بريد أربعة وعشرون ميلا (٢). ولأن سبب الرخصة المشقة ، ولا مشقة مع القلة.

وحد المسافة : ثمانية فراسخ ، فلو قصد الأقل لم يجز القصر ، ولا تحتسب مسافة الإياب في الحد ، إلا أن يقصد الرجوع ليومه ، لأن سماعة سأله عن المسافر في كم يقصر الصلاة؟ فقال : في مسيرة يوم ، وذلك بريدان ثمانية فراسخ (٣). وسئل الصادق عليه‌السلام عن القصر قال : في بريدين ، أو بياض يوم (٤).

ولو كانت المسافة أربعة فراسخ وقصد الرجوع ليومه ، وجب القصر أيضا ذاهبا وجائيا ، لأنه قد شغل يومه بالسفر ، فحصلت المشقة المنتجة للقصر. ولقول الباقر عليه‌السلام : إذا ذهب بريدا ورجع بريدا فقد شغل يومه (٥).

ولو كانت المسافة ثلاثة فراسخ ، فقصد التردد ثلاثا لم يقصر ، لأنه بالرجوع انقطع سفره ، وإن كان في رجوعه لم ينته إلى سماع الأذان ومشاهدة الجدران.

والفرسخ : ثلاثة أميال إجماعا ، والميل الهاشمي منسوب إلى هاشم جد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أربعة آلاف خطوة واثني عشر ألف قدم ، لأن كل خطوة ثلاثة أقدام ، وهو أيضا أربعة آلاف ذراع لأن المسافة تعتبر بمسير اليوم للإبل السير العام ، وهو يناسب ما قلناه ، وهو قدر مدّ البصر من الأرض.

ولو لم يعلم المسافة وشهد عدلان ، وجب القصر.

ولو شك ولا بينة ، وجب التمام لأصالته ، فلا يعدل عنه إلا مع‌

__________________

(١) جامع الأصول ٦ ـ ٤٤٥.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٩١ ح ٣.

(٣) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٩٢ ح ٨.

(٤) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٩٢ ح ١١.

(٥) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٩٦ ح ٩.

١٦٩

اليقين. وكذا لو اختلف المخبرون ، بحيث لا ترجيح. ولو تعارضت البينات وجب القصر ، ترجيحا لشهادة الإثبات.

وهذا التقدير تحقيق لا تقريب ، فلو نقصت المسافة شيئا قليلا لم يجز قصر ، لأنه ثبت بالنص لا بالاجتهاد. ولا اعتبار بتقدير الزمان ، فلو قطع المسافة في أيام متعددة ، وجب القصر في الجميع ، وكذا لو قطعها في بعض يوم.

ولا فرق بين البر والبحر في ذلك ، فلو سافر في البحر وبلغت المسافة فله القصر ، وإن قطع المسافة في أقل زمان ، لأن المعتبر المسافة. واعتبار المسافة من حد الجدران دون البساتين والمزارع.

ولو كان لبلد طريقان ، أحدهما مسافة دون الآخر ، فسلك الأقصر لم يجز القصر ، سواء علم أنه القصير أو لا ، لانتفاء المسافة فيه. وإن سلك الأبعد وجب القصر ، سواء قصد الترخص أو غيره من الأغراض لوجود المقتضي. وإذا سلك الأبعد ، قصر في طريقه وفي البلد وفي الرجوع ، وإن كان بالأقرب ، لأنه مسافة ولا يخرج عن حكم السفر إلا بالوصول إلى بلده.

ولو سلك في مقصده الأقصر ، أتم في الطريق وفي البلد ، فإذا رجع فإن كان فيه أتم في رجوعه أيضا. وإن رجع بالأبعد قصر في رجوعه لوجود المقتضي. ولا يقصر في البلد حال قصد الرجوع بالأبعد ، لأن القصد الثاني لا حكم له قبل الشروع فيه.

وطالب الآبق والهائم إذا رجعا إلى بلادهما ، فإن كان بين قصد الرجوع وبين البلد مسافة ، قصرا حين الارتحال ، لأنهما قد أنشئا السفر ، وإلا فلا.

ولو بلغه أن عبده في بلد ، فقصده بنية أنه إن وجده في الطريق رجع ، لم يكن له الترخص ، لعدم جزم السفر. ولو جزم على قصد البلدة ، ثم عزم في الطريق على الرجوع إن وجده ، قصر إلى وقت تغير نيته وبعده ، إن كان قد قطع مسافة وبقي على التقصير ، وإلا أتم.

١٧٠

والأسير في أيدي المشركين ، أو في يد الظالم ، إن عرف مقصدهم وقصده ترخص ، وإن عزم على الهرب متى قدر على التخلص لم يترخص. ولو لم يعرف القصد ، لم يترخص في الحال ، لعدم علمه بالمسافة ، فإن ساروا به المسافة ، لم يقصر أيضا إلا في الرجوع.

ولو سافر بعبده أو ولده أو زوجته أو غلامه ، فإن عرفوا المقصد وقصدوا السفر ترخصوا. ولو عزم العبد على الرجوع متى أعتقه مولاه ، والزوجة متى طلقها ، أو على الرجوع وإن كان على سبيل التحريم كالإباق والنشوز ، لم يترخصوا لعدم القصد ، وإن كان ترك القصد حراما.

ولو لم يعلموا المقصد ، لم يترخصوا ، لانتفاء اختيارهم ، وإنما سفرهم بسفر غيرهم ولا يعرفون مقصدهم. ولو نووا مسافة القصر ، فلا عبرة بنية العبد والمرأة ، ويعتبر نية الغلام ، فإنه ليس تحت يد الأمير.

ومنتظر الرفقة إذا غاب عنه الجدران والأذان ، يقصر إن عزم على السفر ، وإن لم تحصل الرفقة إلى شهر ، وإن تردد في السفر إن لم تحصل الرفقة ، لم يقصر ، إلا أن يكون قد قطع مسافة فيقصر إلى شهر.

ولو قصد ما دون المسافة فقطعه ، ثم قصد ما دون المسافة فقطعه ، وهكذا دائما ، لم يقصر وإن تجاوز مسافة القصر. وكذا لو خرج غير ناو مسافة ، لم يقصر وإن قطع أزيد من المسافة. نعم لو رجع قصر مع بلوغ المسافة ، لوجود قصد المسافة. وسأل صفوان الرضا عليه‌السلام عن الرجل يريد أن يلحق رجلا على رأس ميل ، فلم يزل يتبعه حتى بلغ النهروان؟ قال : لا يقصر ولا يفطر ، لأنه لم يرد السفر ثمانية فراسخ ، وإنما خرج ليلحق بأخيه فتمادى به السير (١).

ولو قصد ما دون المسافة أولا ، ثم قصد المسافة ثانيا ، قصر حينئذ لا قبله.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٥٠٣ ح ١.

١٧١

ولا يجب القصر هنا بنفس القصد ولا بغيبوبة الجدران وخفاء الأذان ، بل بنفس الشروع وإن شاهد الجدران أو سمع الأذان ، لو كان عند تغير المقصد (١).

البحث الثاني

( الضرب في الأرض )

ولا يكفي في القصر قصد المسافة دون الضرب في الأرض إجماعا لأنه الشرط ، لقوله تعالى ( وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ ) (١) فإن مجرد النية لا تجعله مسافرا ، ولكنه تعالى ربط القصر بالضرب في الأرض لا بقصده.

بخلاف ما لو نوى المسافر الإقامة في موضع ، فإنه يصير مقيما ، لأن الأصل الإقامة والسفر عارض ، فيجوز العود إلى الأصل بمجرد القصد. ولا يكفي في العود من الأصل إلى العارض ، كمال القنية لا يصير مال تجارة بالنية ، ومال التجارة تصير مال قنية بها.

ولا يشترط انتهاء المسافة إجماعا ، لتعلق القصر بالضرب ، وهو يصدق في أوله. ولا اختلاف الوقت إجماعا ، فلو خرج نهارا قصر وإن لم يدخل الليل وبالعكس ، لوجود الشرط بدونه.

بل الشرط في إباحة القصر في الصلاة والصوم غيبوبة جدران البلد وخفاء أذانه ، لأن القصر مشروط بالسفر ، ولا يتحقق في بلده ولا مع مشاهدة الجدران ، فلا بد من تباعد يطلق على من بلغه اسم السفر.

ولا حد بعد مفارقة المنازل سواه ، ولأنه عليه‌السلام كان يقصر على فرسخ من المدينة (٢). وقال الصادق عليه‌السلام : إذا كنت في الموضع الذي لا تسمع فيه الأذان فقصر (٣).

__________________

(١) في « ق » لو كانا عند تغير القصد.

(٢) سورة النساء : ١٠١.

(٣) جامع الأصول ٦ ـ ٤٤٥.

(٤) وسائل الشيعة ٥ ـ ٥٠٦ ح ٣.

١٧٢

وكما أن مبدأ القصر ذلك ، فكذا هو منتهاه ، فلا يزال مقصرا إلى أن يشاهد الجدران أو يسمع الأذان ، لقول الصادق عليه‌السلام : إذا كنت في الموضع الذي لا تسمع فيه الأذان فقصر ، وإذا قدمت من سفرك فمثل ذلك (١).

ولا عبرة بأعلام البلدان ، كالمنابر والقباب المرتفعة عن اعتدال البنيان ، إحالة للمطلق في اللفظ على المتعارف. والاعتبار بمشاهدة صحيح الحاسة ، وسماع صحيح السمع ، دون بالغ النهاية فيهما ، وفاقد كمال إحداهما.

ولا عبرة بالبساتين والمزارع ، فيجوز القصر قبل مفارقتها مع خفاء الجدران والأذان ، لأنها لم تبن للسكنى. ولا فرق بين أن تكون محوطة أو لا ، إلا أن تكون فيها دور وقصور للسكنى ، في طوال السنة أو في بعض فصولها ، ولا فرق بين البلد والقرية في ذلك.

ولو كان لبلده سور ، فلا بد من خفائه وإن كان داخله مزارع أو مواضع خربة ، لأن جميع ما في داخل السور معدود من نفس البلد ومحسوب من موضع الإقامة. ولو كان خارج السور دور متلاصقة ، لم يعتد بها لصدق هذه الدور خارج البلد. ولو جمع سور قرى متفاصلة ، لم يشترط في المسافر من إحداهما مجاوزة ذلك السور ، بل خفاء جدار قريته وأذانها ، إلا أن يشملها مع الباقي اسم البلدة.

والخراب الذي بين العمارات معدود من البلد ، كالنهر الحائل بين جانبي البلد ، فلا يترخص بالعبور من أحد الجانبين إلى الآخر. ولو كانت البلدة خربة لا عمارة فرآها ، لم يعتد به ، لأن الخراب ليس موضع إقامة.

ولو سكن في الصحراء أو واد ، لم يشترط قطعه ، بل خفاء الأذان.

ولو كانت البلدة على موضع مرتفع ، اشترط خفاء الآذان دون خفاء الجدران ، وكذا لو كانت في موضع منخفض أو كان ساكنا في الخيام ، ويحتمل خفاء الجدران المقدر.

__________________

(١) نفس المصدر.

١٧٣

ولو اتصل بناء إحدى القريتين بالأخرى ، فسافر من إحداهما على طريقه الأخرى ، اشترط مفارقتهما معا ، لصيرورتهما كقرية واحدة. ولو كان بينهما فصل ، اعتبر مفارقة قريته خاصة.

ولو كانت الخيام متفرقة ، فلا بد من مجاوزتها ما دامت تعد حلة (١) واحدة ، والخانان كالقريتين ، ويعتبر مع مجاوزة الخيام مجاوزة مرافقها ، كمطرح الرماد وملعب الصبيان والنادي ومعاطن الإبل ، لأنها تعد من جملة مواضع إقامتهم.

ولو قصد المسافة وخرج ، فمنع عن السفر بعد خفاء الجدران والأذان ، فإن بقي على نية السفر لو زال المانع ، قصر إلى شهر. ولو غير النية أو تردد ، أتم ، لانتفاء الشرط وهو القصد.

ولو سافر في المركب فردته الريح بعد خفائهما حتى ظهر أحدهما ، أتم لدخوله في الحضر.

ولو أحرم في السفينة قبل أن يسير وهي في الحضر ، ثم سارت حتى خفي الأذان والجدران ، لم يجز له القصر ، لأنه دخل في الصلاة على التمام.

ولو خرج من البلد إلى حيث يجوز له الترخص ، فرجع إليه لحاجة عرضت له ، لم يترخص حال رجوعه وخروجه ثانيا من البلد ، لخروجه عن اسم المسافر بعوده إلى بلده ، فإذا وصل إلى حد الخفاء قصر. ولو كان غريبا ، فله استدامة الترخص وإن دخل إلى البلد. ولو كان رجوعه بعد قطع المسافة ، فإنه يقصر في رجوعه وخروجه ثانيا.

البحث الثالث

( استمرار القصد )

واستمرار قصد السفر شرط في القصر ، فلو قطع نية السفر في أثناء‌

__________________

(١) في « س » حلقة.

١٧٤

المسافة ، أتم لخروجه عن حكم المسافر.

ولو قطع المسافة ثم غير نية السفر وعزم على الرجوع ، قصر.

وإن عزم على المقام عشرة أيام ، أتم. وإن ردد نيته ، قصر ما بينه وبين ثلاثين يوما ، ثم يتم بعد ذلك.

وتحمل نهاية السفر بأمور ثلاثة :

الأول : العود إلى الوطن ، بأن يرجع إلى الموضع الذي يشترط مجاوزته في ابتداء السفر ، وفي معناه الوصول إلى المقصد الذي عزم على الإقامة فيه إقامة تقطع الرخصة ، أو إلى موضع له فيه ملك قد استوطنه ستة أشهر.

الثاني : نية إقامة عشرة أيام في أي موضع يراه ، سواء صلح للإقامة فيه ، كالعمران أو لا كالمفاوز.

الثالث : إقامة ثلاثين يوما على التردد وسيأتي.

ويجب القصر ما دام مسافرا ، وإن أقام في أثناء المسافة ، أو وصل إلى مقصد إذا لم يعزم للإقامة عشرة أيام ، ما لم تزد إقامته على ثلاثين يوما. فلو نوى إقامة عشرة أيام فيه ، أو في أثناء المسافة ، وجب الإتمام.

وإن نوى أقل من عشرة ، قصر ، لقول علي عليه‌السلام : يتم الصلاة الذي يقيم عشرا ، ويقصر الصلاة الذي يقول أخرج اليوم أخرج غدا شهرا (١). وقول الباقر عليه‌السلام : إن دخلت أرضا وأيقنت أن لك بها مقام عشرة أيام فأتم الصلاة ، وإن لم تدر مقامك فيها ، تقول : غدا أخرج أو بعد غد ، فقصر ما بينك وبين شهر (٢).

ولا يكتفي بنية إقامة ثلاثة غير يومي الدخول والخروج. ولا يشترط مقام خمسة عشر.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٥٢٩ ح ٢٠.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ٥٢٦ ح ٩.

١٧٥

ولو ردد نيته فيقول : اليوم أخرج غدا أخرج ، قصر إلى ثلاثين يوما ، ثم يتم بعد ذلك ولو صلاة واحدة للرواية (١).

ولا فرق بين المحارب وغيره في وجوب الإتمام بعد شهر ، وفي وجوب الإتمام لو نوي إقامة عشرة ، لعموم الحديث. والأولى اعتبار الثلاثين ، للتقدير به في بعض الروايات ، قال الباقر عليه‌السلام : فإن لم يدر ما يقيم يوما أو أكثر فليعد ثلاثين يوما ثم ليتم (٢).

فلو كان الشهر هلاليا وأقام من أوله إلى آخره ونقص يوما ، قصر على هذه الرواية وللاستصحاب ، ولأن الشهر كالمجمل والثلاثين كالمبين ، وعلى رواية الشهر يتم.

ولو دخل بلدا في طريقه ، فقال : إن لقيت فلانا فيه أقمت عشرة ، قصر إلى أن يلقاه ، أو يمضي ثلاثون يوما ، فإن لقيه حكم بإقامته ما لم يغير النية قبل أن يصلي تماما ولو فريضة واحدة.

ولو نوى أنه متى قضيت حاجته خرج ، فإن عرف أن الحاجة لا تنقضي في عشرة صار بحكم المقيم ، وإلا قصر إلى شهر.

ولو نوى في بعض المسافة إقامة عشرة أيام ، انقطع سفره ، فإذا خرج إلى نهاية السفر ، فإن كان بين موضع الإقامة والنهاية مسافة ، قصر ، وإلا فلا.

ولو عزم في ابتداء السفر على الإقامة في أثناء المسافة ، فإن كانت بين الابتداء وموضع الإقامة مسافة قصر ، وإلا فلا ، ويتم مع نية الإقامة عشرة ، وإن بقي على العزم على السفر.

ولو كان له في أثناء المسافة ملك قد استوطنه ستة أشهر ، انقطع سفره بوصوله إليه ، ووجب عليه الإتمام ، سواء عزم على الإقامة فيه أو لا ، لأنه مقيم في بلده. وسأل محمد بن إسماعيل بن بزيع الرضا عليه‌السلام عن الرجل‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٥٢٧ ح ١٢.

(٢) نفس المصدر.

١٧٦

يقصر في ضيعته ، قال : لا بأس ما لم ينو مقام عشرة أيام ، إلا أن يكون له فيها منزل يستوطنه ، فقلت : ما الاستيطان؟ فقال : أن يكون له فيها منزل يقيم فيه ستة أشهر ، فإذا كان كذلك يتم فيها متى يدخلها (١).

ولا يشترط توالي الأشهر ، بل لو استوطنه ستة أشهر ملفقة وجب الإتمام ، ولا استيطان الملك بل البلد الذي فيه الملك ، ولا كون الملك صالحا للسكنى.

فلو كان له مزرعة أو نخل واستوطن ذلك البلد ستة أشهر أتم ، لقول الصادق عليه‌السلام في الرجل يخرج في سفر فيمر بقرية له أو دار فينزل فيها ، قال : يتم الصلاة ، ولو لم يكن له إلا نخلة واحدة ولا يقصر وليصم إذا حضره الصوم وهو فيها (٢).

ولو انتقل الملك عنه ، ساوى غيره من البلاد.

ويشترط ملك الرقبة ، فلو استأجر أو استعار أو ارتهن لم يلحقه حكم المقيم ، وإن تجاوزت مدة الإجارة عمره.

ولو غصب ملكه ، لم يخرج عن حكم المقيم. وهل يعتبر مدة الغصب من الستة الأشهر؟ إشكال.

ولو كان بين منشإ سفره والملك الذي قد استوطنه ستة أشهر ، أو ما نوى فيه المقام عشرة أيام مسافة ، قصر في الطريق خاصة. ولو قصر عن المسافة ، لم يقصر ، ولا يضم ما قبله إلى ما بعده ، لأن عبد الرحمن بن الحجاج سأل الصادق عليه‌السلام عن الرجل له الضياع بعضها قريب من بعض ، فيخرج فيطوف فيها ، أيتم أم يقصر؟ قال : يتم (٣).

وكما تعتبر المسافة بين ابتداء السفر وموضع إقامته أو بلد استيطانه ، كذا‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٥٢٢ ح ١١.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ٥٢١ ح ٥.

(٣) وسائل الشيعة ٥ ـ ٥٢٥ ح ٢.

١٧٧

تعتبر بينهما وبين مقصده ، فإن كان مسافة قصر في الطريق ، وإن قصر أتم فيهما. ولو كان بين مبدإ السفر وبينهما (١) مسافة وقصر ما بينهما وبين المقصد عنها ، قصر في المسير إليهما دونهما ، ودون المسافة بينهما وبين مقصده ، ودون مقصده أيضا.

ولو انعكس الفرض ، أتم في مبدإ السفر وبينهما ، وقصر في السفر بينهما إلى مقصده وفي مقصده. ولو قصرا معا فلا قصر في شي‌ء من الجميع ، وإن زاد المجموع على المسافة.

ولو تعددت المواطن ، أو ما نوى الإقامة فيه عشرة ، قصر بين كل موطن بينهما مسافة خاصة دون المواطن ، ودون ما قصر عن المسافة.

ولو اتخذ الغريب بلدا دار إقامته ولم يكن له فيه ملك ، كان حكمه حكم الملك. فلو اجتاز عليه وجب الإتمام فيه ، ما لم يغير نية الإقامة المؤبدة فيه. ولو اتخذ بلدين فما زاد موضع إقامته ، كانا بحكم ملكه وإن لم يكن له فيهما ملك.

ولو نوى الإقامة في بلد قبل وصوله إليه عشرة أيام ، وبينه وبين المبدإ مسافة ، قصر في الطريق إلى أن ينتهي إلى ذلك البلد ، ويحتمل إلى أن ينتهي إلى مشاهدة الجدران أو سماع الأذان ، لصيرورته بحكم بلده. وكذا يتم إذا خرج منه إلى أن يخفى عليه الأذان والجدران ، مع احتمال القصر من حين الخروج.

البحث الرابع

( عدم زيادة السفر على الحضر )

يشترط في القصر أن لا يزيد سفره على حضره ، كالمكاري والملاح والراعي والبدوي الذي يطلب القطر والنبت ، والذي يدور في إمارته ، والذي‌

__________________

(١) في « س » منتهاه.

١٧٨

يدور في تجارته من سوق إلى سوق ، والبريد. على معنى أن أحد هؤلاء إذا حضر بلده ، ثم سافر منه قبل إقامته عشرة أيام فيه ، وجب عليه التمام.

فإن أقام عشرة ثم خرج ، قصر في خروجه ، لقول الباقر عليه‌السلام : سبعة لا يقصرون الصلاة : الجابي الذي يدور في جبايته ، والأمير الذي يدور في إمارته ، والتاجر الذي يدور في تجارته من سوق إلى سوق ، والراعي ، والبدوي الذي يطلب مواضع القطر ومنبت الشجر ، والرجل الذي يطلب الصيد يريد به لهو الدنيا ، والمحارب الذي يقطع السبيل (١).

وإنما شرطنا العشرة ، لانقطاع السفر بها ، ولقول الصادق عليه‌السلام : المكاري إن لم يستقر في منزله إلا خمسة أيام ، قصر في سفره بالنهار وأتم بالليل ، وعليه صوم شهر رمضان. وإن كان له مقام في البلد الذي يذهب إليه عشرة أيام أو أكثر ، قصر في سفره وأفطر (٢).

ولو أقام أحدهم في بلده خمسة أيام ، فالأشهر وجوب الإتمام ليلا ونهارا. ولو أقام في غير بلده عشرة ، فإن نواها خرج مقصرا ، وإلا فلا. ولا يشترط النية في إقامته في بلده ، بل نفس الإقامة.

ومن كان منزله في سفينة ، لا يقصر ، لأنه مقيم في مسكنه ، فأشبه النازل في بلده. والمعتبر صدق اسم المكاري والملاح وغيرهما ، سواء صدق بأول مرة أو بأزيد.

وهل يعتبر هذا الحكم في غيرهم ، حتى لو كان غير هؤلاء يتردد في السفر ، يعتبر فيه ضابط الإقامة عشرة أو لا؟ إشكال ، من حيث المشاركة في المعنى ، والاقتصار على مورد النص.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٥١٦ ح ٩.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ٥١٩ ح ٥.

١٧٩

البحث الخامس

( في إباحة السفر )

يشترط في القصر إباحة السفر ، فلا يترخص العاصي بسفره ، كالآبق ، والعاق ، والناشز ، والغريم مع القدرة على الأداء ، وقاطع الطريق ، وطالب الزنا بامرأة ، وطالب قتل من لا يستحق قتله ، وتابع الجائر ، وطالب الصيد لهوا ، وبطرا ، وقاصد مال غيره ، والخارج على إمام عادل ، والخارج إلى بلد ليعمل فيه المعاصي.

لقوله تعالى ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ ) (١) قال الصادق عليه‌السلام : الباغي باغي الصيد لهوا ، والعادي السارق ، ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطر إليها ، هي حرام عليهما ، ليس هي عليهما كما هي على المسلمين ، فليس لهما أن يقصرا في الصلاة (٢).

ولأن الرخصة (١) ثبت تخفيفا وإعانة على السفر ، ولا سبيل إلى إعانة العاصي فيما هو عاص به.

ولا يشترط انتفاء المعصية في سفره ، فلو كان يشرب الخمر في طريقه ويزني ترخص ، إذ لا تعلق للمعصية بما هو سبب الرخصة ، فلا يمنع من السفر ، وإنما يمنع من المعصية. ولو كانت المعصية جزءا من داعي السفر لم يترخص ، كما لو كانت كل الداعي.

ولو أحدث نية المعصية بعد السفر مباحا ، انقطع ترخصه ، لأنها لو قارنت الابتداء لم تفد الرخصة ، فإذا طرأت قطعت كنية الإقامة.

ولو انعكس الفرض ، فأنشأ السفر على قصد معصية ، ثم تاب وبدل قصده من غير تغيير صوب السفر به ، ترخص حينئذ إن كان منه إلى مقصده مسافة القصر وإلا فلا.

__________________

(١) سورة البقرة : ١٧٣.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ٥٠٩.

(٣) في « ق » القصر.

١٨٠