نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٨
الجزء ١ الجزء ٢

أما أعضاء الحيوان الواحد ، كالكرش والكبد والطحال والقلب والرية والمخ والجلد والشحم والرأس والأكارع ، فالوجه أنها جنس من اللحم ، ويحتمل اختلافها لاختلاف أسمائها وصفاتها.

وأما الألبان فإنها تتبع اللحمان في التجانس والاختلاف ، فيجوز بيع لبن المعز بلبن البقر متفاضلا ، وبيع أحدهما بما يتخذ من الآخر. ولبن الضأن والمعز جنس واحد. ولبن بقر الوحش والأهلي جنسان اعتبارا بالأصول.

وإن أثبتنا الربا في المعدود كانت البيوض تابعة لأصولها مختلفة باختلافها. وكذا الخلول والأدهان.

ودقيق الحنطة والدخن جنسان. والخل المتخذ من العنب والتمر جنسان ، أما المتخذ من التمر والدبس والقسب فكله جنس واحد.

ودهن السمسم مخالف لدهن البزر والزيت وغيرهما ، لأنهما فروع أصول مختلفة هي من أصول الربا ، وكذا عصير العنب مع عصير الرطب جنسان ودبسهما كذلك. والزيت المتخذ من الزيتون مع الزيت المتخذ من برز الفجل جنسان ، وإن صلح لبعض ما يصلح له الأول. وتمر النخل وتمر الهندي جنسان ، والقثاء والخيار جنسان ، والبقولة كالهندباء والفجل والكراث والنقيع وغيرها جنسان إن دخلهما الوزن.

وهنا مسائل :

الأول : أصل كل شي‌ء وفرعه جنس واحد ، لاتحادهما في الحقيقة وإن اختلفا في الصفات ، كالحنطة ودقيقها وخبزها ، فلا يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا بل متساويا نقدا لا نسيئة ، لأن الدقيق نفس الحنطة ، إلا أن أجزاءها قد افترقت ، فأشبه بيع حنطة صغيرة الحبات ببيع حنطة كبيرة الحبات.

لكن يبقى الإشكال في العيار ، فإن اعتبر الكيل أو الوزن احتمل الزيادة والنقصان. ولا يجوز أخذ أحدهما مكيلا والآخر موزونا.

وكذا الدبس مع التمر والخل المتخذ منه جنس ، والعنب وعصيره وخله‌

٥٤١

ودبسه جنس أيضا. واللبن والسمن والزبد والأقط والكشك جنس. والسمسم والشيرج ودهن البنفسج والنيلوفر ودهن الورد وغير ذلك من الأدهان المتخذة من الشيرج والأدهان جنس واحد.

الثاني : الحبات إذا تغيرت عن حالها بأمور عارضة ، لم تؤثر في الاتحاد ووجوب المماثلة في القدر ، فيجوز بيع الحنطة المقلية بمثلها وإن اختلف الحب في التأثر بالنار ، لعدم الاعتداد به.

وكذا يجوز بيع المبلولة بمثلها ، أما المبلولة باليابسة فقيل : بالمنع ، لأن الأجزاء المائية مازجت إحداهما دون الأخرى. والوجه الجواز ، لأن تلك الأجزاء مخالفة ، ولا يمكن خروجها عن حد البيع ، بل هي جزء منه ، فكان كبيع جنسين بواحد.

وكذا يجوز بيع الهريسة بمثلها وزنا نقدا لا نسيئة.

وكذا يجوز بيع التي لم يتم جفافها ولم تصل إلى حد الكمال ، وإن فركت وأخرجت من السنابل.

ويجوز بيع الحنطة المسوسة بمثلها ، سواء بقي فيها شي‌ء من اللب أو لا أما النخالة فإن كانت موزونة فإنه لا يجوز بيعها بالحنطة والدقيق متفاضلا ، لأن أصلها الحنطة وإن خرجت عن جنس المأكول على إشكال ، ينشأ : من صيرورتها جنسا بانفرادها.

الثالث : السمسم وغيره من الحبوب التي تتخذ منها الأدهان على حالة الكمال ما دامت على نفسها كالأقوات. ويجوز بيع طحينها بطحينها كما في الدقيق بمثله. ولا فرق في وجوب المماثلة وجواز بيع المثل بالمثل بين المنتهي إلى حالة الكمال مع مثله ، أو مع القاصر عنه.

ويجوز بيع خل الزبيب بمثله ، وخل العنب بخل الزبيب ، وخل الرطب بخل التمر ، وإن كان في أحد الطرفين ماؤه.

ويجوز بيع الرطب بالرطب متماثلا ، واللبن بمثله وإن اختلف طعمه ، أو‌

٥٤٢

بجنسه كالحلو والحائض والدائب بالحليب في الحال ولو كان مغلي ، وبيع المحيض بالمحيض والحليب وإن كان فيهما ماء.

ويجوز بيع الأقط بالأقط ، والمصل بالمصل ، والجبن بالجبن ، وكل صنف بالآخر متماثلا ، وإن خالط الأقط الملح والدقيق المصل والإنفحة اللبن.

ويجوز بيع الزبد بالزبد متماثلا ، والسمن بالسمن كذلك. ويجوز بيع اللبن بكل ما يتخذ منه متماثلا لا متفاضلا.

الرابع : المعروض من مال الربا على النار يجوز بيع المجانس منه بمثله لا متفاضلا ، وسواء عرض للعقد أو الطبخ كالدبس واللحم المشوي.

وكذا يجوز بيع السكر بمثله ، واللبإ باللباء ، وقصب السكر بقصب السكر.

ويجوز بيع اللحم القديد بمثله ، والطري بالطري. أو عرض للتمييز والتصفية ، كالذهب والفضة يعرضان على النار ليتميز الغش ، والعسل المصفى بالنار بمثله ، والشهد بالشهد وإن اشتمل على الشمع لأنه تابع ، ولأنه قد اشتمل على جنسين فيجوز بيعه بمثله ، ويكون الفاضل من أحدهما لو كان في مقابلة الآخر وبالعكس.

ويجوز بيع الشهد بالعسل متساويان ، لأن الشمع في مقابلته بقدر وزنه من العسل ، والباقي من العسل في مقابلة وزنه منه.

الخامس : لا يشترط في المبيع كونه مما يدخر ، فالتمر إذا نزع النوى منه جاز بيعه بمثله ، وإن بطل كماله لبطلان ادخاره وتسارع الفساد إليه ، ولأن النوى ليس من جنس التمر ، فلا يضر فصله عنه.

وأما المنزوع بغيره ، فالأقرب عندي الجواز مع التماثل في الوزن ، إن أمكن الانتفاع بالنوى وجعل جزءا من المبيع وإلا فلا. واللحم يباع بعضه ببعض ، سواء نزع العظم منه أو لا.

السادس : جيد كل جنس ورديه واحد ، كالفضة الخشنة والناعمة ،

٥٤٣

والخبز الأبيض والأسمر وغير ذلك ، لصدق الاسم عليها.

السابع : الصحيح والمكسر جنس واحد ، والتبر والمضروب واحد.

النظر الثاني

( في النقدين )

قد عرفت فيما تقدم أن شرط الربا الكيل أو الوزن في المبيع ، فلا ربا فيما لا يدخلانه ، كالثياب والأقمشة وغيرها ، لأن الصادق عليه‌السلام سئل عن البيضة بالبيضتين؟ فقل : لا بأس به. والثوب بالثوبين قال : لا بأس به. والفرس بالفرسين فقال : لا بأس به ، ثم قال : كل شي‌ء يكال أو يوزن فلا يصح مثلين بمثل إذا كان من جنس واحد ، وإذا كان لا يكال ولا يوزن فليس به بأس اثنين بواحد (١). وهذا نص في الباب.

إذا عرفت هذا فقد اختلف علماؤنا في المعدود هل يثبت فيه الربا؟ والأقوى عدمه ، لما تقدم من الحديث ، وللأصل الدال على تسويغ البيع مطلقا ، خرج عنه ما وقع الاتفاق عليه بالدليل ، فيبقى الباقي على الأصل ، فيجوز بيع البيضة بالبيضتين والجوزة بالجوزتين. وقيل : بل يثبت فيه ، لأنه أحد المقادير فأشبه الكيل أو الوزن.

إذا ثبت هذا فالربا ثابت بالنص لا بعلة من العلل ، لكن الشرع جعل له ضابطا وهو أمور ثلاثة :

الأول : أن يكون الانتقال بالبيع ، فلو دفع إليه درهما فأعطاه درهمين ، أو وهبه دينارا فوهبه دينارين ، لم يكن هناك ربا. والصلح الأقرب أنه عقد قائم بنفسه غير ملحق بغيره.

الثاني : أن يكون العوضان من جنس واحد ، فلو اختلف الجنسان ، جاز التفاضل نقدا إجماعا. وفي النسية إذا كان من المكيلات أو الموزونات قولان ،

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٤٤٨ ح ٣.

٥٤٤

إلا أن يكون أحد العوضين أحد النقدين ، فإنه جائز إجماعا.

وقيل : في غيرهما ذلك ، لعموم قوله عليه‌السلام : إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم (١). والأحوط المنع ، لقول الصادق عليه‌السلام : ما كان من طعام أو متاع مختلف ، أو شي‌ء من الأشياء متفاضل ، فلا بأس ببيعه مثلين بمثل يدا ، فأما نسية فلا يصلح (٢).

الثالث : أن يكون العوضان متقدرين بالكيل أو الوزن ، فيجوز بيع ثوب بثوبين وعبد بعبدين نقدا أو نسيئة على كراهية ، سواء اتفقت القيمة أو اختلفت ، لأنه عليه‌السلام أمر رجلا أن يشتري بعيرا ببعيرين إلى أجل.

إذا تقرر هذا فاعلم أن معتاد الشرع الذي يراعى به المماثلة هو الكيل والوزن لما تقدم ، فالمكيل لا يجوز بيع بعضه ببعض وزنا ، إلا إذا علم التساوي في الكيل ، ولا يضر مع الاستواء في الكيل التفاوت في الوزن. والموزون لا يجوز بيع بعضه ببعض كيلا ، ولا يضر مع الاستواء في الوزن التفاوت في الكيل.

والحوالة في التقدير على عادة الشرع. فما ثبت أنه مكيل أو موزون في عهده عليه‌السلام حكم بدخولهما فيه ، فإن لم يعلم العادة الشرعية ، فعادة البلد حيث لم ينص الشارع عليه ، وعادة الشرع في مثل هذه الأشياء رد الناس إلى عوائدهم.

ولو اختلف البلدان ، فلكل بلد حكم نفسه على الأقوى. وقيل : يغلب التقدير أخذا بالاحتياط.

ولو أحدث الناس خلاف ما عهد في زمانه عليه‌السلام ، لم يعتبر به ، بل بالمعهود.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٤٤٢.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٤٤٣ ح ٢ و ٤٥٣ ح ١٤.

٥٤٥

فروع :

الأول : الملح مكيل ، فلو كان قطعا كبارا ، احتمل أن يستحق ويباع كيلا ولأنه الأصل. وأن يباع وزنا ، نظرا إلى ما له من الهيئة في الحال. وكذا كل شي‌ء يتجافى في المكيل ، يباع بعضه ببعض وزنا.

الثاني : إذا عرف أن الشي‌ء مقدر في زمانه عليه‌السلام ، وجهل هل كان يوزن أو يكال؟ فالأقرب اعتبار الوزن فيه ، لأنه أخص وأقل تفاوتا. ويحتمل الكيل ، لأنه أغلب في المطعومات في عصره عليه‌السلام.

ولو عرف أنه كان يكال مرة ويوزن أخرى ، فالوجه التخيير بينهما. ويحتمل الرجوع إلى عادة أكثر البلاد. ويحتمل الرجوع إلى عادة بلد المبيع ، وهو الأقوى.

الثالث : المراد هنا جنس المكيل والموزون ، وإن لم يدخلاه لقلته كالحبة والحبتين ، أو لكثرته كالزبرة.

الرابع : الماء والطين لا ربا فيهما ، لأنهما لا يدخلهما الكيل والوزن إلا الأرمني.

الخامس : لا فرق بين المكيال المعتاد في عصره عليه‌السلام وسائر المكاييل المحدثة بعده ، كما أننا لو عرفنا التساوي بالتعديل في كفتي الميزان يكتفى به ، وإن لم يعلم قدر ما في كل كفة. أما فيما لا يعتاد الكيل بمثله كالطاسة المجهولة المقدار والقصعة فالأحوط المنع.

السادس : إذا خرج بالصنعة عن الوزن ، جاز التفاضل فيه كالثوب بالثوبين ، والآنية الحديد أو الصفر إذا لم تجر العادة بوزنها اعتبارا بالحال.

السابع : لو كانا في حكم الجنس الواحد واختلفا في التقدير ، كالحنطة المقدرة بالكيل والدقيق المقدر بالوزن ، احتمل تحريم البيع بالكيل والوزن للاختلاف قدرا ، وتسويغه بالوزن.

الثامن : يجوز بيع الخبز بمثله وإن احتمل اختلافهما في الأجزاء المائية.

٥٤٦

وكذا الخل بمثله ، للأصل والرواية. وكذا يجوز الرطب بالرطب والتمر بالتمر ، وكل من العنب والزبيب بمثله وإن تفاوت الجفاف ، عملا بإطلاق الاسم.

التاسع : ما لا يدخله الكيل ولا الوزن ، يباع جزافا متفاضلا أو متساويا ، لما تقدم من أن شرط الربا الكيل أو الوزن. ولو كيل أو وزن وبيع بعضه ببعض ، جاز متفاضلا أو متماثلا ، لعدم أصالة التقدير فيه.

العاشر : القسمة عندنا ليست بيعا بل هي إفراز ، فيجوز قسمة المكيل وزنا وجزافا ، وقسمة الموزون كيلا وجزافا. ويجوز قسمة الثمار بالخرص على رءوس الأشجار ، سواء العنب والرطب وغيرهما.

الحادي عشر : لا يجوز بيع المكيل والموزون جزافا عندنا ، ولا بالتخمين والتحري ، سواء كانا في بلد أو بادية ، لعموم النهي عن الغرر. فلو باع صبرة من حنطة بصبرة ، أو دراهم بدراهم جزافا ، أو بالتخمين لم يجز ، سواء تماثلتا أو اختلفتا ، لأن التساوي شرط وشرط العقد يعتبر العلم به عند العقد ، فلو قال : بعتك هذه الصبرة مكائلة أو كيلا بكيل ، أو هذه الدراهم بتلك موازنة أو وزنا بوزن بطل ، إلا أن يعلما قبل العقد القدر.

وللشيخ رحمه‌الله قول بجواز بيع الصبرة المجهولة. فعليه يصح مع الاتفاق ويبطل مع التفاوت ، لأنه قابل الجملة بالجملة وهما متفاوتان. ويحتمل أنه يصح في الكبيرة بقدر ما يقابل الصغيرة لمقابلة صاع بصاع ، ولمشتريها الخيار حيث لم يسلم له الجميع.

الثاني عشر : لو قال : بعتك هذه الصبرة كل قفيز بدرهم ، جاز على أحد قولي الشيخ. فلو قال : على أن أزيدك قفيزا والخيار لي في الزيادة والنقصان ، قال : لم يجز ، لأن المبيع مجهول ، لأنه لا يدري أيزيده أم ينقصه.

قال ولو قال : بعتك هذه الصبرة كل قفيز بدرهم على أن أزيدك قفيزا ، فإن أراد بالزيادة الهبة ، صح ولا مانع منه ، وإن أراد أن يزيد مع المبيع لم يجز ، لأن الصبرة إذا لم تكن معلومة المقدار. فإذا قسم الزائد على القفيزين كان كل‌

٥٤٧

قفيز وشي‌ء بدرهم ، وذلك مجهول ، وهو يشكل على تسويغ بيع الصبرة مع جهالتها.

قال ولو قال : بعتك هذه الصبرة كل قفيز بدرهم على أن أنقصك قفيزا لم يصح ، لأن معناه أني آخذ منها قفيزا وأحسب عليك ثمنه ، فيكون كل قفيز بدرهم وشي‌ء ، وهو مجهول ، لأن الصبرة بمنزلة القفيزين.

الثالث عشر : كلما يدخله الكيل والوزن ، يحرم التفاضل فيه مع اتحاد الجنس وإن لم يكن مطعوما ، كالجص والنورة وغيرهما مما يدخله الكيل والوزن عند جميع علمائنا. وهل يجري الربا في لحم الطير؟ إشكال ، ينشأ : من أنه لحم فأشبه سائر اللحمان ، ومن أنه لا يوزن.

البحث الثالث

( في تكثير العوضين أو أحدهما )

إذا اشتملت الصفقة على مال الربا من الطرفين واختلف أحد العوضين أو كلاهما جنسا ونوعا وصفة ، فقد تكون مال الربا من الجانبين من جنس واحد أو من جنسين ، فالأول مثل أن يبيع مد عجوة ودرهما بمد عجوة ودرهم أو بمدي عجوة أو بدرهمين ، أو باع صاع حنطة وصاع دخن بصاع حنطة وصاع دخن أو بصاعي حنطة أو بصاعي دخن ، أو باعه مد عجوة ومد برني بمدي عجوة أو بمدي برني.

فهذا إن اختلفا نوعا وصفة واتفقا جنسا ، أو باع مائة دينار جيدة ومائة دينار ردية بمائتي دينار جيدة أو بمائتي دينار ردية ، فإنه يصح البيع عندنا في جميع ذلك.

ولا فرق بين أن يكون الدرهمان من ضرب واحد والمدان من شجرة واحدة أو لا ، ولا بين أن تختلف قيمة المدين أو تتفق.

نعم يجب أن يكون المفرد أكثر قدرا من الذي معه غيره ، أو يكون مع كل منهما شي‌ء من غير جنسه ، لأصالة الصحة ووجوب حمل العقد عليها دون‌

٥٤٨

الفساد مهما أمكن ، فإنه لو اشترى لحما من قصاب حكم بصحة العقد ، مع احتمال كونه ميتة ، لكن يجب حمله على التذكية تصحيحا للعقد.

ولو اشترى من غيره شيئا ، حكم بالصحة مع احتمال كونه غير مالك ولا مأذون له في البيع تصحيحا للعقد ، وقد أمكن التصحيح هنا بجعل الجنس في مقابلة غير الجنس ، أو جعل غير الجنس في مقابلة الزائد على المكيل ، ولأن المبيع إنما هو الجملة وكذا الثمن ، وهما مختلفان وإن كانت بعض أجزاء أحدهما تساوي بعض أجزاء الآخر وباقي الأجزاء الباقي.

لأنها مع التركيب واعتبار المجموعية لا تخرج عن الاختلاف ، ولقول الصادق عليه‌السلام : لا بأس بألف درهم ودرهم بألف درهم ودينارين إذا دخل فيها ديناران أو أقل أو أكثر فلا بأس به (١). وسأله منصور بن الصيقل عن السيف المفضض يباع بالدراهم؟ فقال : إذا كانت فضته أقل من النقد فلا بأس ، وإن كان أكثر فلا يصلح (٢).

ولو باع ما لا ربا فيه بما فيه الربا ومعه من جنس ما يبيع به إلا أنه غير مقصود جاز ، كدار سقفها مموه بذهب ، لأن ما فيه الربا غير مقصود ، وعليه إجماع العلماء. وكذا لو باع شاة ذات لبن بشاة خالية أو بلبن أو بشاة عليها صوف بصوف.

ولو باع جنسا فيه الربا بجنسه ومع كل واحد من غير جنسه ، جاز مطلقا ، سواء اختلفا في علة الربا لو عللناه ، كما لو باع دينارا ودرهما بصاع حنطة وصاع دخن ، أو اتفقا.

ويجوز أن يبيع صاع حنطة بصاع حنطة وفيهما أو في أحدهما عقد التبين أو زوان ، وهو حب أسود دقيق ، لأنه لا يمكن التخلص منه ، فصار كحب الشعير والمدر اليسير والتراب القليل.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٤٦٨ ح ٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٤٨٣ ح ٧.

٥٤٩

البحث الرابع

( في بيع الرطب باليابس )

يجوز بيع الرطب بمثله ، والعنب بمثله ، ولا يعتبر حالهما عند الجفاف عند علمائنا ، عملا بالأصل السالم عن معارضة التفاضل حالة العقد ، ولأنه وجد التماثل فيهما في الحال على وجه لا ينفرد أحدهما بالنقص ، فجاز كبيع اللبن باللبن.

وكذا جميع الأشياء الرطبة بعضها ببعض ، سواء كان له حالة جفاف أو لا ، كالرطب الذي لا يتمر ، والعنب الذي لا يزيب ، والبطيخ والكمثرى اللذين لا يعلفان ، والرمان الحلو والباذنجان والبقول.

وكذا يجوز بيع اليابس بمثله. أما بيع الرطب منه باليابس مع اختلاف الجنس ، فإنه جائز إجماعا يدا بيد ، وفي النسية قولان.

وأما مع اتحاد الجنس كالرطب بالتمر والعنب بالزبيب فقولان لعلمائنا ، التحريم لأنه عليه‌السلام سئل عن بيع الرطب بالتمر ، فقال : أينقص الرطب إذا يبس؟ قالوا : نعم ، قال : فلا إذن (١) وقول الصادق عليه‌السلام : لا يصلح التمر اليابس بالرطب من أجل أن التمر يابس والرطب رطب ، فإذا يبس نقص (٢).

والكراهية ، عملا بأصالة الإباحة ، وعموم قوله تعالى ( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (٣) وقول الصادق عليه‌السلام لما سئل عن العنب بالزبيب ، قال : لا يصلح إلا مثلا بمثل ، والتمر والرطب مثلا بمثل (٤).

والأولى أصح طريقا ، فإن منعناه فالعلة الرطوبة في أحدهما واليبوسة في الآخر ، وحصول التفاوت عند الجفاف ، وحينئذ تطرد العلة في كل متجانسين‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٤٤٦.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٤٤٥ ح ١.

(٣) سورة البقرة : ٢٧٥.

(٤) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٤٤٦ ح ٣.

٥٥٠

اختلفا في الرطوبة واليبوسة ، كالعنب والزبيب والتين اليابس والرطب ، والحنطة المبلولة واليابسة ، وكذا غيرهما.

ويجوز بيع الرطب منه بالرطب متماثلا ، لعدم علم التفاوت لو جفا. مع أصالة عدمه.

ولا يجوز بيع الرطب بالتمر متفاوتا ، بحيث يحصل التساوي لو جف ، لحصول التفاوت في الحال مع اتحاد الجنس. وإذا كان التفاوت الاستقبالي مانعا من صحة البيع ، فالحالي أولى بالمنع.

ويجوز بيع الحديث بالعتيق متساويا ، وفي رواية عن الباقر عليه‌السلام : أن عليا عليه‌السلام كره أن يباع التمر بالرطب عاجلا بمثل كيله إلى أجل من أجل أن التمر يبس فينقص من كيله (١).

واللبن اليابس والرطب كالتمر والرطب في المنع والكراهة.

البحث الخامس

( في بيع اللحم المأكول بالحيوان )

يجوز بيع اللحم المأكول بالحيوان الحي غير المأكول ، كالفهد بلحم الشاة. وكذا بالمأكول من غير جنسه ، كلحم شاة ببقرة حية أو بغير حي ، للأصل السالم عن معارضة وجود الربا المنفي شرطه هنا.

وهل يباع بالمأكول من جنسه؟ كلحم شاة بشاة حية ، ولحم بقرة ببقرة ، ولحم جزور بجزور ، لعلمائنا قولان :

المنع ، لما روي أنه عليه‌السلام نهى عن بيع اللحم بالحيوان (٢). وعن الصادق عليه‌السلام : أن أمير المؤمنين عليه‌السلام كره اللحم بالحيوان (٣).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٤٤٥ ح ٢.

(٢) جامع الأصول ١ ـ ٤١٣.

(٣) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٤٤١ ب ١١.

٥٥١

ولأن اللحم نوع يجري فيه الربا ببيع أصله الذي فيه منه ، فلم يجز كبيع السمسم بالشيرج.

والجواز ، للعموم عن معارضة الربا ، وأن الحيوان ليس من مال الربا ، ولأنه باع مال الربا بما لا ربا فيه ، فأشبه بيع الحيوان بالدراهم ، ولأنه باع الموزون بغيره ، وإن كان أصله فساغ ، كالثياب بالكتان والغزل.

فإن منعناه ، فالأقرب جواز بيع الشحم والألية والطحال والكبد والكلية والقلب والرية بالحيوان ، وكذا بيع السنام بالإبل ، لأن ذلك كله من أنواع اللحم.

ويجوز بيع دجاجة فيها بيضة أو دجاجة. وشاة في ضرعها لبن بمثلها ، أو بخالية من اللبن ، أو بلبن ، سواء كان من جنس اللبن أو من غير جنسه ، كبيع شاة ذات لبن بلبن شاة أو بلبن بقرة.

البحث السادس

( في اللواحق )

الثمن والمثمن إذا اختلفا ، جاز أن يختلفا قدرا نقدا ونسية على كراهية ، إلا الصرف فإنه يحرم فيه النسية اتفقا أو اختلفا إجماعا. وإن اتفقا جنسا ، وجب اتفاقهما قدرا وحلولا إن دخلهما الكيل أو الوزن إجماعا وإلا فلا.

ولا يشترط التقابض في المجلس وإن اتفقا جنسا وقدرا ، للأصل السالم عن معارضة ربا الزيادة.

ولا يثبت الربا إلا في البيع. وإذا اشتمل أحد العوضين على جنسين ربويين ، صح بيعهما بأحدهما مع الزيادة ، كما قلنا في مد تمر ودرهم بمد ودرهم أو بمدين أو بدرهمين أو بمدين ودرهمين ، فإن تلف الدرهم المعين أو استحق ، احتمل البطلان في الجميع ، إذ لا يجب البدل ، فليس أحد الباقيين أولى من الآخر ، فتبطل في الجميع حذرا من الربا. والبطلان في المخالف ، لأنا صرفنا بيع كل جنس إلى مخالفه ، ولهذا سوغنا التكثر من أحد الجانبين والتقسيط ولا‌

٥٥٢

ربا ، لتجدد الزيادة بعد البيع.

ولو أراد المعاوضة على المتفاضلين المتفقين جنسا ، فطريق التخلص من الربا بيع السلعة بجنس غيرها ، ثم يشتري بها الأخرى ، أو يباع المتماثل قدرا ويهبه الزائد ، أو يقرضه إياه ويبرئه ، لأن سماعة سأله عن الطعام والتمر والزبيب ، فقال : لا يصلح شي‌ء منه اثنان بواحد ، إلا أن كان يصرفه نوعا إلى نوع آخر ، فإذا صرفته فلا بأس به اثنين بواحد أو أكثر (١).

البحث السابع

( في الأحكام )

يحرم الربا بين المسلمين ، سواء كانوا في دار الإسلام أو دار الحرب ، لعموم قوله تعالى ( وَحَرَّمَ الرِّبا ) (٢) والأماكن لا مدخل لها في الأحكام ، وسواء كان المسلمان مسلمين بالأصالة ، أو أسلما في دار الحرب أو دار الإسلام.

ولا يثبت الربا بين المسلم والحربي عند علمائنا ، لقوله عليه‌السلام : لا ربا بين المسلمين وأهل الحرب (٣). ولقول الصادق عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ليس بيننا وبين أهل حربنا ربا ، فإنا نأخذ منهم ألف درهم بدرهم ، ونأخذ منهم ولا نعطيهم (٤).

وفي ثبوته بين المسلم وأهل الذمة قولان ، الأقوى منهما ثبوته ، للعموم. قال بعض علمائنا : تؤخذ من أهل الحرب الزيادة ، ولا يجوز لنا أن نعطيهم إياها.

ولا ربا بين الوالد وولده ، فلكل منهما أخذ الزيادة من صاحبه. ولا بأس‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٤٤٣ ح ٥.

(٢) سورة البقرة : ٢٧٥.

(٣) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٤٣٦.

(٤) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٤٣٦ ح ٢.

٥٥٣

بين الرجل وعبده ، لأن مملوكه وما بيده له. ولا بينه وبين زوجته ، لقول الباقر عليه‌السلام : ليس بين الرجل وولده ولا بينه وبين عبده ولا بينه وبين أهله ربا. إنما الربا بينك وبين من لا تملك (١). ولو كان العبد مشتركا ، ثبت الربا بينه وبين كل من ساداته. والمكاتب كالحر ، والمدبر وأم الولد كالقن.

ومن ارتكب الربا مع علمه بالتحريم ، فإن استحله فهو مرتد ، يقتل من غير استتابة إن كان على الفطرة ، ومعها إن كان ولد على غير الفطرة. وإن اعتقد تحريمه استتيب ، فإن تاب وإلا غرره الإمام ، وهكذا ثلاثا ، ثم يقتل في الرابعة.

ويحصل التوبة بالندم على فعله ، والعزم على ترك العود. ثم يجب عليه رد المال الزائد إلى صاحبه إن علم وتمكن منه ، وإن جهله تصدق به عنه ، لأنه مال محرم في يده ، فيجب نزع يده عنه ودفعه إلى مستحقه ، وهو المالك مع العلم ، ومستحق الصدقة مع الجهل.

ولو جهل القدر خاصة صالح المالك ، ولو جهلهما أخرج خمس ماله صدقة وحل له الباقي. ولو استعمله بجهالة ثم علم التحريم ، وجب عليه التوبة.

وهل يجب عليه رد المال؟ الأقوى ذلك ، لأنه مال الغير لم ينقل عنه إليه بوجه شرعي ولا تجارة عن تراض بل بالباطل. وللشيخ رحمه‌الله قول بعدم الوجوب ، لقوله تعالى ( فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ ) (٢).

وسئل الصادق عليه‌السلام عن الرجل يأكل الربا وهو يرى أنه له حلال ، قال : لا يضره حتى يصيبه متعمدا ، فإذا أصابه فهو بمنزلة الذي قال الله عز وجل (٣). ويحمل على انتفاء الإثم. ولا فرق بين أن يكون عين المال موجودا أو تالفا.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٤٣٦ ح ٣.

(٢) سورة البقرة : ٢٧٥.

(٣) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٤٣٠ ح ١.

٥٥٤

واعلم أنا قد بينا أنه لا يجوز بيع مال الربا بجنسه مع زيادة ، إلا مع توسط عقد آخر ، كما إذا أراد بيع دراهم أو دنانير صحاح بمكسره أكثر من وزنها ببيع الدراهم بالدنانير والدنانير بالدراهم أو بعرض ، ثم إذا تقابضا اشترى بالدراهم أو بذلك العرض المكسرة ، كما أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عامل خيبر أن يبيع الجمع بالدراهم ، ثم يبتاع بها جنيبا (١). والجنيب أجود التمر ، والجمع كل لون من التمر لا يعرف له اسم. ولا فرق بين أن يتجدد ذلك عادة أو لا يتجدد.

__________________

(١) جامع الأصول ١ ـ ٤٦٩.

٥٥٥
٥٥٦

المقصد الثاني

في أنواع المبيع‌

وفيه فصول :

٥٥٧
٥٥٨

الفصل الأول

( في الصرف )

وفيه مطلبان :

المطلب الأول

( في الماهية والشرائط )

الصرف بيع الأثمان بعضها ببعض مع اتفاق الجنس واختلافه.

وشروطه ثلاثة :

الأول : الحلول ، فلا يجوز بيع الذهب بمثله ولا بالفضة ، ولا الفضة بمثلها ولا بالذهب ، سلفا ولا نسية ، بل يجب أن يكون كل من الثمن والمثمن حالا.

الثاني : التقابض في المجلس ، سواء كانا معينين أو مطلقين موصوفين إجماعا ، لقول الصادق عليه‌السلام : إذا اشتريت ذهبا بفضة أو فضة بذهب فلا تفارقه حتى تأخذ منه ، فإن نزا حائطا فانز معه (١).

وسئل الصادق عليه‌السلام عن بيع الذهب بالدراهم : فيقول : أرسل رسولا يستوفي لك ثمنه قال يقول : هات وهلم ويكون رسولك معه. (٢).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٤٥٩ ح ٨.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٤٥٨ ح ٢.

٥٥٩

وسأله عبد الرحمن بن الحجاج عن الرجل يشتري من الرجل الدراهم بالدنانير ، فيزنها وينقدها ويحسب ثمنها كم هي دينارا ، ثم يقول : أرسل غلامك معي حتى أعطيه الدنانير ، فقال : ما أحب أن يفارقه حتى يأخذ الدنانير ، فقلت : إنما هي في دار واحدة وأمكنتهم قريبة بعضها من بعض وهذا يشق عليهم فقال : إذا فرغ من وزنها وانتقادها فليأمر الغلام الذي يرسله أن يكون هو الذي يبايعه ويدفع إليه الورق أو يقبض منه الدنانير حيث يدفع إليه الورق (١).

الثالث : الاتفاق قدرا مع التساوي جنسا ، لما مر في الربا. قال الصادق عليه‌السلام : الذهب بالذهب والفضة بالفضة ، الفضل بينهما هو الربا المنكر (٢).

وإذا اختلف الجنسان ، جاز التفاضل إجماعا. ولأن الصادق عليه‌السلام سئل عن الرجل يبتاع الذهب بالفضة مثلين بمثل ، قال : لا بأس به يدا بيد (٣). ولو اتفقا ، وجب التماثل وزنا.

وإذا افترقا قبل التقابض ، بطل الصرف إجماعا.

ولو تقابضا بعض كل واحد من العوضين ثم تفرقا ، بطل في غير المقبوض ، وصح في المقبوض لوجود الشرط فيه. وهل يثبت في المقبوض خيار تفريق الصفقة؟ إشكال.

ولا يحصل التفرق لو فارقا مجلس البيع ومصطحبين ، لانتفاء حقيقته عنهما ، لأن مفهومه المباينة ولم تحصل ، فأشبه ما لو كانا راكبين في سفينة أو على دابة واحدة.

ولو وكل أحدهما وكيلا أو هما وكيلين ، فقبض الوكيل أو الوكيلان قبل تفرقهما ، صح. سواء فارق الوكيل المجلس قبل القبض أو بعده. ولو قبض‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٤٥٨ ح ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٤٥٧ ح ٢.

(٣) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٤٥٩ ح ٧.

٥٦٠