نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٨
الجزء ١ الجزء ٢

سقط ، لقوله عليه‌السلام في حال المطاردة : يصلي كل إنسان منهم بالإيماء حيث كان وجهه (١). ويسجد الراكب على قربوس سرجه إن لم يتمكن من النزول ، فإن عجز أومأ ، لقول الباقر عليه‌السلام : ويجعل السجود أخفض من الركوع (٢).

ولو تمكن من الاستقبال في الأثناء ، فالوجه الوجوب. ويحتمل سقوطه للمشقة ، ولقول الباقر عليه‌السلام : ولكن أينما دارت دابته (٣).

ولو تمكن من النزول على الأرض واستيفاء السجود في الأثناء ، وجب ويبني. فإن احتاج إلى الركوب ركب وبنى ، وإن كثر الفعل للحاجة. ولو علم حالة تمكنه من النزول احتياجه إلى ركوب في الأثناء ، احتمل الوجوب وعدمه.

ولو اشتد الحال عن ذلك وعجز عن الإيماء ، سقطت عنه أفعال الصلاة من القراءة والركوع والسجود ، واجتزأ عوض كل ركعة بتسبيحة واحدة ، وصورتها « سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ».

ولا بد من النية ، لقوله عليه‌السلام : إنما الأعمال بالنيات. وإنما لكل امرئ ما نوى (٤) ، ولأنها فعل يجامع القتال ، فلا تسقط به.

ويجب أيضا تكبيرة الافتتاح ، لقوله عليه‌السلام : تحريمها التكبير (٥) ، ولتمكنه منها.

وفي وجوب القراءة والتشهد إشكال ، ينشأ من تمكنه منهما ، ومن اختصاص التشهد بحال الجلوس والقراءة بالقيام ، وأصالة البراءة. والأقرب وجوب هذه الصيغة على هذا الترتيب ، للإجماع على إجزائه. ويجزي هذه‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٨٦ ح ٨.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٨٤ ح ٨.

(٣) نفس المصدر.

(٤) وسائل الشيعة ١ ـ ٣٤ ح ٧.

(٥) سنن أبي داود ١ ـ ١٦.

٢٠١

الأذكار عن أذكار الركوع والسجود والقراءة ، لأنها أذكار مختصة بهيئة وقد سقطت فتسقط.

ويجب في الثنائية تسبيحتان وفي الثلاثية ثلاث ، لأنها على عدد الركعات ، ولقول الصادق عليه‌السلام : أقل ما يجزي في حد المسايفة من التكبير تكبيرتان لكل صلاة إلا صلاة المغرب ، فإن لها ثلاثا (١). وهل يجوز الزيادة؟ الأقرب المنع ، إن قصد عوض ركعة ، والجواز مع عدمه.

وحكمه في حال الأذكار حكم المصلين من وجوب الطهارة وتحريم وغير ذلك. وهل تبطل بالسهو في عددها؟ إشكال ، ينشأ من مساواتها للركعات ، ومن اختصاص المبطل بعدد الثنائية من الركعات الحقيقية لا من البدل ، فعلى الأول يستأنف ، وعلى الثاني يأتي بما شك فيه ، لأصالة العدم.

ولو أمن أو تمكن من الصلاة على الأرض ، أو على الدابة بعد التكبيرتين ، سقطت عنه للاجتزاء بفعل المأمور به ، ولقول الباقر عليه‌السلام : إذا كانت المسايفة والمعانقة وتلاحم القتال ، فإن أمير المؤمنين عليه‌السلام ليلة صفين ـ وهي ليلة الهرير ـ لم تكن صلاتهم الظهر والعصر والمغرب والعشاء عند كل صلاة إلا بالتكبير والتهليل والتسبيح والتحميد والدعاء ، فكانت تلك صلاتهم لم يأمرهم بإعادة الصلاة (٢).

ولو أمن أو تمكن بعد تكبيرة واحدة ، فالوجه سقوط ركعة عنه ووجوب الإتيان بالأخرى ، مع احتمال وجوب الجميع.

ولو صلى ركعة حالة الأمن فاشتد الخوف ، احتمل الإتيان بتكبيرة واحدة.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٨٥ ح ٣.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٨٦ ح ٨.

٢٠٢

المطلب الرابع

( في بقايا مسائل هذا الباب )

وهي :

الأول : يجوز للرجال لبس الحرير حالة الحرب على ما بيناه. وكذا لبس الديباج الصفيق (١) الذي لا يقوم غيره مقامه في القتال. ولا يجوز لبس الأعيان النجسة ، إلا مع الضرورة.

ويجوز أن يلبس فرسه ودابته جلد الميتة والكلب والخنزير مع الحاجة لا بدونها. وهل يجوز أن يحلل كلبه بجلد كلب مع عدم الحاجة؟ الأولى المنع ، لعموم ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ ) (١) وهو يقتضي تحريم وجوه الانتفاع.

ويجوز تسميد الأرض والزرع بالزبل والعذرة النجسة ، والاستصباح تحت السماء خاصة بالدهن النجس نجاسة عرضية لا ذاتية كشحم الميتة.

الثاني : إذا صلى على صفة صلاة عسفان ، صلى الصفان معه إلى الاعتدال عن ركوع الأول ، فإذا سجد سجد معه أحد الصفين ، وكذا في الثانية ، فالكل يركعون معه في الركعتين ، وإنما الحراسة في السجود.

الثالث : لو رتب الإمام القوم صفوفا ، وحرس صفان أو صف أو ثلاثة جاز. ولو حرس فرقتان من صف واحد أو من صفين أو ثلاث في الركعتين على التناوب جاز أيضا. ولو حرس في الركعتين طائفة واحدة ثم سجدت ولحقت جاز.

ولو لم يتقدم الصف الثاني إلى موقف الأول ، ولا تأخر الأول عن مكانه إلى الثاني جاز. والأقوى عندي جواز هذه الصلاة إن لزم كل طائفة مكانهم ، أو كان التقدم والتأخر من الأفعال القليلة.

الرابع : لو عرض الخوف الموجب للإيماء ، أو الركوب في الأثناء ، أتم‌

__________________

(١) ثوب صفيق : كثيف نسجه.

(٢) سورة المائدة : ٣.

٢٠٣

موميا أو راكبا. وكذا بالعكس لو صلى بالإيماء للخوف أو راكبا ، فآمن إما لانهزام العدو أو للحاق النجدة ، لم يجز الإتمام بالإيماء ولا راكبا ، لزوال العذر ، فينزل لإتمامها بركوع وسجود.

ولو ترك الاستقبال حالة نزوله استأنف ، لإخلاله بالشرط حالة الأمن. ولو فعله حالة ركوبه ، جاز للحاجة. وعلى هذا التفصيل حكم الإخلال بشي‌ء من واجبات الصلاة.

الخامس : لو صلى حالة الشدة راكبا ، جاز أن يصليها جماعة وفرادى ، والجماعة أفضل لعموم الترغيب فيها ، ولأن كل ركوب لا يمنع من الصلاة منفردا لا يمنع في الجماعة كالسفينة.

ولو صلوا حال الشدة غير مستقبلين القبلة جاز. وهل يجوز الاقتداء حينئذ؟ إن اتحدت الجهة جاز ، وإلا كان كالمستديرين حول الكعبة.

السادس : يجوز أن يضرب في الصلاة الضربة الواحدة والطعنة ، وإن لم يحتج إليها ، لأنها فعل قليل ، وكذا الاثنتان. وبالجملة ما لا يعد كثيرا ، فإن فعل الكثير بطلت صلاته إلا مع الحاجة فيجوز.

ويجوز أن يصلي ممسكا بعنان فرسه ، لأنه يسير. وإن نازعه فجذبه إليه جذبة أو جذبتين أو ما زاد ، جاز مع الحاجة.

السابع : لو رأوا سوادا أو إبلا أو أشخاصا ، فظنوهم عدوا ، فصلوا صلاة الشدة ، ثم ظهر كذب الظن ، لم تجب إعادة الصلاة ، لأنها وقعت مشروعة ، والأمر يقتضي الإجزاء ، وسواء كان الوقت باقيا أو لا.

وكذا لو رأوا عدوا فصلوا صلاة الشدة ، ثم بان بينهم حائل من نهر أو خندق مانع من الوصول.

ولو كان بينهم وبين العدو خندق أو نهر ، فخافوا إن تشاغلوا بالصلاة طموا الخندق أو النهر ، أو نقبوا الحائط ، جاز أن يصلوا صلاة الشدة.

الثامن : يجوز أن يصلي صلاة الخوف بصفة ذات الرقاع أو بطن النخل في‌

٢٠٤

الأمن ، وأما عسفان فإن لم يكن هناك تقدم وتأخر أو كان قليلا ، جاز أيضا ، وإن كان كثيرا لم تصح صلاة المأمومين ، وصحت صلاة الإمام.

أما صلاة الشدة ، فلا يجوز حالة الأمن بحال. وقال الشيخ : لا يجوز صلاة الخوف في طلب العدو ، لانتفاء الخوف (١). فإن قصد صلاة الشدة فحق قال : وكل قتال واجب كالجهاد ، أو مباح كالدفع عن المال ، يجوز أن يصلي فيه صلاة الخوف والشدة (٢). وأما المحرم فلا تجوز صلاة الخوف ، فإن صلوا صحت صلاتهم ، لأنهم لم يخلوا بركن ، ولو صلوا صلاة الشدة ، بطلت. والوجه في الصورة الأولى الجواز ، وإلا لوجبت الإعادة.

ولو انهزم العدو ، فلم يأمن المسلمون كرتهم عليه ورجوعهم ، جاز أن يصلوا صلاة الخوف لوجود المقتضي.

التاسع : كل أسباب الخوف يجوز معها القصر والصلاة بالإيماء مع الحاجة إليه. ولو عجز عنه صلى بالتسبيح ، إن خشي من الإيماء ، سواء كان الخوف من لص أو سبع أو غرق أو حرق.

ولا قضاء عليه ، لأنه تعالى علق القصر على الخوف ، وهو يشعر بالعلية. والتعليق بـ « الذين كفروا » للأغلبية ، فلا يعدم الحكم بعدمه.

ولأن الصادق عليه‌السلام سئل عن الرجل يخاف من لص أو عدو أو سبع كيف يصنع؟ فقال عليه‌السلام : يكبّر ويومي برأسه (٣). وقال الباقر عليه‌السلام : الذي يخاف اللص والسبع يصلي صلاة المواقفة إيماء على دابته (٤).

ولأن في التأخير تغريرا بالصلاة ، وتكليفه بالاستيفاء تكليف بما لا يطاق ، فكلف على حسب حاله ، فلا يعيد للامتثال. ولا فرق بين السفر والحضر ، لأن المناط الخوف.

__________________

(١) المبسوط : ١ ـ ١٦٧.

(٢) المبسوط ١ ـ ١٦٨.

(٣) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٨٢ ح ١.

(٤) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٨٤ ح ٨.

٢٠٥

ولو خاف المحرم فوت الوقوف ، لم يجز القصر ولا الإيماء.

والمديون المعسر لو عجز عن إقامة بينة الإعسار وخاف الحبس فهرب ، جاز أن يصلي في هربه صلاة الشدة.

ولو كان عليه قصاص وتوقع العفو من مستحقه مع سكون الغليل فهرب ، لم تجز صلاة الشدة لعصيانه بهربه.

ويجوز أن يصلي صلاة الشدة حال المدافعة عن ماله ، وإن لم يكن حيوانا.

والموتحل والغريق يصليان بحسب الإمكان ، فإن تمكنا من الركوع والسجود وجبا ، وإلا أومئا ، ولا يقصر أحدهما عدد صلاته إلا في سفر أو خوف.

والأسير إذا خاف على نفسه إن صلى والمختفي في موضع ، يصليان كيف ما أمكنهما. ولو كان المختفي مضطجعا لا يتمكن من القعود ، صلى على حاله ولا قضاء.

٢٠٦

المقصد الخامس

في الجنائز‌

وفيه فصول :

٢٠٧
٢٠٨

الفصل الأول

( في مقدمته )

يستحب للإنسان ذكر الموت والاستعداد له ، لقوله عليه‌السلام : أكثروا من ذكر هادم اللذات ، فما ذكر في كثير إلا قلله ، ولا في قليل إلا كثره (١).

وعنه عليه‌السلام أنه قال : استحيوا من الله حق الحياء ، فقيل : يا رسول الله وكيف نستحي من الله حق الحياء؟ قال : من حفظ الرأس وما حوى ، والبطن وما وعى ، وترك زينة الحياة الدنيا ، وذكر الموت والبلى ، فقد استحيا من الله حق الحياء. (٢).

وقال الصادق عليه‌السلام : من عد غدا من أجله فقد أساء صحبة الموت (٣).

وينبغي للمريض الصبر ، وترك الشكاية ، مثل أن يقول : ابتليت بما لم يبتل به أحد وشبهه. ولا يتمنى الموت وإن اشتد مرضه ، لقوله عليه‌السلام : لا يتمنين أحدكم الموت لضرر نزل به ، وليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي (٤).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢ ـ ٦٤٩ ح ٥.

(٢) جامع الأصول ٤ ـ ٣٥٣.

(٣) وسائل الشيعة ٢ ـ ٦٥١ ح ٢.

(٤) جامع الأصول ٣ ـ ١٠٧ ، وسائل الشيعة ٢ ـ ٦٥٩ ح ٢.

٢٠٩

وينبغي التوبة والاستغفار ، لما فيه من إسقاط الذنب ، قال عليه‌السلام في آخر خطبة خطبها : من تاب قبل موته بسنة تاب الله عليه. ثم قال : وإن السنة لكثيرة ، ومن تاب قبل موته بشهر تاب الله عليه. ثم قال : وإن الشهر لكثير ، ثم قال : ومن تاب قبل موته بيوم تاب الله عليه. ثم قال : وإن يوما لكثير ، ومن تاب قبل موته بساعة تاب الله عليه. ثم قال : والساعة لكثيرة ، من تاب وقد بلغت نفسه هذه وأهوى بيده إلى حلقه ـ تاب الله عليه (١).

ويحسن ظنه بربه ، قال علي عليه‌السلام قبل موته بثلاث : لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى (٢). وروي : أن الله تعالى يقول : أنا عند ظن عبدي بي (٣).

وتجب الوصية على كل من عليه دين ، ويستحب لغيره ، قال عليه‌السلام : من مات بغير وصية مات ميتة جاهلية (٤).

ويستحب عيادة المريض إلا في وجع العين ، قال البراء : أمرنا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باتباع الجنائز وعيادة المريض (٥).

وعن علي عليه‌السلام : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ما من رجل يعود مريضا ممسيا إلا خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يصبح وكان له خريف في الجنة ، ومن أتاه مصبحا خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يمسي وكان له خريف في الجنة (٦).

وقال علي عليه‌السلام : ضمنت لستة الجنة : رجل خرج لصدقة فمات فله الجنة ، ورجل خرج يعود مريضا فمات فله الجنة ، ورجل خرج مجاهدا في‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١١ ـ ٣٧١ ح ٦.

(٢) وسائل الشيعة ٢ ـ ٦٥٩ ح ٢.

(٣) وسائل الشيعة ١١ ـ ١٨٠ ح ١ و ٨.

(٤) وسائل الشيعة ١٣ ـ ٣٥٢ ح ٨.

(٥) سنن ابن ماجة ١ ـ ٤٦١.

(٦) وسائل الشيعة ٢ ـ ٦٣٧ ح ٣.

٢١٠

سبيل الله فمات فله الجنة ، ورجل خرج حاجا فمات فله الجنة ، ورجل خرج إلى الجمعة فمات فله الجنة ، ورجل خرج في جنازة فمات فله الجنة (١).

ويستحب له أن يأذن لهم في الدخول ، فإذا طال مرضه ترك وعياله. وينبغي تخفيف العيادة ، إلا أن يطلب المريض الإطالة.

ويستحب للداخل عليه الدعاء له ، لأن جبرئيل عليه‌السلام أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا محمد اشتكيت؟ قال : نعم ، قال : بسم الله أرقيك من كل شي‌ء يؤذيك من شر كل نفس أو عين أو حاسد الله يشفيك (٢).

ويستحب أن يلي المريض أشفق أهله به ، وأعلمهم بسياسته ، وأتقاهم لله تعالى ليذكره بربه والتوبة من المعاصي والخروج من المظالم والوصية ، وإذا رآه منزولا به تعاهد تقطير ماء أو شراب في حلقه. وأن يندي شفتيه بقطنة ، ويستقبل به القبلة ، لقوله عليه‌السلام : خير المجالس ما استقبل به القبلة.

ويلقنه قول « لا إله إلا الله » لقوله عليه‌السلام : لقنوا موتاكم « لا إله إلا الله » (٣) وعنه عليه‌السلام : من كان آخر كلامه « لا إله إلا الله » دخل الجنة (٤). وقال عليه‌السلام : من كان آخر قوله عند الموت « أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له » إلا هدمت ما قبلها من الخطايا والذنوب ، فلقنوها موتاكم ، فقيل : يا رسول الله كيف هي للأحياء؟ قال ، هي أهدم وأهدم (٥).

وينبغي أن يكون ذلك في لطف ومداراة ، ولا يكرر عليه ولا يضجره ، فإن تكلم بشي‌ء أعاد تلقينه ليكون « لا إله إلا الله » آخر كلامه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢ ـ ٦٣٥ ح ٨.

(٢) سنن ابن ماجة ٢ ـ ١١٦٤.

(٣) سنن ابن ماجة ١ ـ ٤٦٤.

(٤) وسائل الشيعة ٢ ـ ٦٦٤ ح ٦.

(٥) وسائل الشيعة ٢ ـ ٦٦٤ ح ١٠.

٢١١
٢١٢

الفصل الثاني

( في الاحتضار )

وفيه مطالب :

المطلب الأول

( في ما يفعل به قبل الموت )

وفيه بحثان‌

البحث الأول

( في توجيهه )

الأقوى أنه إذا تيقن الولي نزول الموت بالمريض ، أن يوجه إلى القبلة واجبا ، لأن عليا عليه‌السلام قال : دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على رجل من ولد عبد المطلب وهو في السوق ، وقد وجه إلى غير القبلة ، فقال : وجهوه إلى القبلة ، فإنكم إذا فعلتم ذلك أقبلت عليه الملائكة (١). والأمر للوجوب. وكيفيته : أن يلقى على ظهره ، ويجعل باطن قدميه إلى القبلة ، بحيث لو جلس لكان مستقبلا ، لقول الصادق عليه‌السلام : يستقبل بوجهه القبلة ، ويجعل باطن قدميه مما يلي القبلة (٢) ، وقيل : إنه مستحب للأصل.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢ ـ ٦٦٢ ح ٦.

(٢) وسائل الشيعة ٦٦٢ ح ٣.

٢١٣

البحث الثاني

( في باقي الأفعال )

يستحب أمور :

الأول : نقله إلى مصلاه إذا تعسر عليه خروج الروح ، قال الصادق عليه‌السلام : إذا عسر على الميت موته ونزعه قرب إلى المصلى الذي كان يصلي فيه (١).

الثاني : أن يلقن الشهادتين وأسماء الأئمة عليهم‌السلام. قال الباقر عليه‌السلام : لو أدركت عكرمة عند الموت لعلمته كلمات ينتفع بها ، قلت : جعلت فداك وما تلك الكلمات؟ قال : هو ما أنتم عليه ، فلقنوا موتاكم عند الموت شهادة « أن لا إله إلا الله » والولاية (٢).

وقال الصادق عليه‌السلام : اعتقل لسان رجل من أهل المدينة على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مرضه الذي مات فيه ، فدخل عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له : قل : لا إله إلا الله ، فلم يقدر عليه فأعاد عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم يقدر عليه ، وعند رأس الرجل امرأة ، فقال لها : هل لهذا الرجل أم؟ فقالت : نعم يا رسول الله أنا أمه ، فقال لها : أفراضية أنت عنه أم لا؟ فقالت : بل ساخطة ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فإني أحب أن ترضى عنه ، فقالت : رضيت عنه لرضاك يا رسول الله.

فقال له قل : لا إله إلا الله ، فقال : لا إله إلا الله. فقال قل : يا من يقبل اليسير ، ويعفو عن الكثير ، اقبل مني اليسير ، واعف عني الكثير ، إنك أنت العفو الغفور ، فقالها ، فقال له : ما ذا ترى؟ قال : أسودين قد دخلا علي. قال : فأعدها ، فأعادها ، فقال : ما ترى؟ قال : قد تباعدا عني ودخل الأبيضان وخرج الأسودان فما أراهما ، ودنا الأبيضان مني يأخذان بنفي ، فمات من ساعته (٣).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢ ـ ٦٦٩ ح ١.

(٢) وسائل الشيعة ٢ ـ ٦٦٥.

(٣) وسائل الشيعة ٢ ـ ٦٦٨ ح ٣.

٢١٤

الثالث : يستحب أن يلقن كلمات الفرج ، قال الصادق عليه‌السلام : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخل على رجل من بني هاشم وهو في النزع ، فقال قل : « لا إله إلا الله الحليم الكريم ، لا إله إلا الله العلي العظيم ، سبحان الله رب السماوات السبع ، ورب الأرضين السبع ، وما فيهن وما بينهن ، ورب العرش العظيم ، وسلام على المرسلين. والحمد لله رب العالمين » فقالها ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الحمد لله الذي استنقذه من النار (١).

الرابع : يستحب أن يقرأ عنده شيئا من القرآن ، قال الكاظم عليه‌السلام لابنه القاسم : قم يا بني واقرأ عند رأس أخيك « والصافات صفا » حتى تستتمها ، فلما بلغ « أهم أشد خلقا أم من خلقنا » قبض الفتى ، فلما سجي وخرجوا عنه ، أقبل عليه يعقوب بن جعفر ، فقال : كنا نعهد الميت إذا نزل به نقرأ عنده « يس » فصرت تأمرنا بـ « الصافات » فقال : يا بني لم تقرأ عند مكروب من موت قط إلا عجل الله راحته (٢).

وكما يستحب قراءة القرآن قبل خروج روحه ، فكذا بعده استدفاعا عنه.

المطلب الثاني

( في ما يكره )

يكره أن يقبض على شي‌ء من أعضائه إن حركها ، ولا يمنع منه ، ولا يظهر له الجزع لئلا يضعف نفسه ، فيكون إعانة على موته.

ويكره أن يحضره جنب أو حائض ، لقول الصادق عليه‌السلام : لا يحضر الحائض الميت ولا الجنب عند التلقين ، ولا بأس أن يليا غسله (٣).

وقال علي بن أبي حمزة للكاظم عليه‌السلام : المرأة تقعد عند رأس المريض وهي حائض في حد الموت ، فقال : لا بأس أن تمرضه ، فإذا خافوا‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢ ـ ٦٦٦ ح ٢.

(٢) وسائل الشيعة ٢ ـ ٦٧٠ ح ١.

(٣) وسائل الشيعة ٢ ـ ٦٧١ ح ٢.

٢١٥

عليه وقرب ذلك فلتنح عنه وعن قربه ، فإن الملائكة تتأذى بذلك (١).

ويكره بعد الموت أن يترك على بطن الميت حديدا وغيره. قال الشيخ : سمعناه مذاكرة ، لأنه أمر شرعي ، فيقف على النقل ولم يوجد. وقال ابن الجنيد : يضع على بطنه شيئا يمنع من ربوها.

المطلب الثالث

( في ما بعد الموت )

يستحب بعد الموت أمور :

الأول : إغماض عينيه ، لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخل على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ، ثم قال : إن الروح إذا قبض تبعه البصر فضج ناس من أهله فقال : لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير ، فإن الملائكة يؤمنون على ما يقولون ، ثم قال : اللهم اغفر لأبي سلمة ، وارفع درجته في المقربين المهديين ، واخلفه في عقبه في الغابرين ، واغفر له يا رب العالمين ، وافسح له في قبره ، ونور له فيه (٢) ، ولأن الصادق عليه‌السلام غمض لابنه إسماعيل (٣) ، ولأن فتح عينيه يقبح منظره ، ويحذر معه دخول الهوام إليها ، وبعد الإغماض يشبه النائم.

الثاني : شد لحيته بعصابة عريضة ، لئلا يسترخي لحياه ، وينفتح فوه ، ويدخله الهوام ، ويقبح منظره ، ويؤمن من دخول ماء الغسل فيه. ولما مات إسماعيل شد الصادق عليه‌السلام لحيته (٤).

الثالث : تليين مفاصله ، فإن ذلك إبقاء للينها ، فيرد ذراعيه إلى عضديه ويمدهما ، ويرد فخذيه إلى بطنه ويمدهما ، ورجليه إلى فخذيه ويمدهما ، فإن ذلك‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢ ـ ٦٧١ ح ١.

(٢) سنن ابن ماجة ١ ـ ٤٦٧.

(٣) وسائل الشيعة ٢ ـ ٦٧٢ ح ٣.

(٤) نفس المصدر.

٢١٦

يعين الغاسل على تمديده وتكفينه.

الرابع : تغطيه بثوب ، لأنه أستر له ، وسجي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بثوب حبرة (١). وغطى الصادق عليه‌السلام ابنه إسماعيل بملحفة (٢).

الخامس : تجريد ثيابه ، فإنه لا يؤمن معها الفساد ، فإنها تحميه ، ولئلا يخرج منه شي‌ء يفسد به ويتلوث بها إذا نزعت عنه.

السادس : وضعه على لوح أو سرير ، ولا يترك على الأرض ، لأنه أسرع لفساده ، ويخاف نيل الهوام له.

السابع : مد يديه إلى جنبيه وساقيه إن كانت منتصبتين ، لأنه أطوع للغاسل.

الثامن : يسرج عنده مصباح إن مات ليلا إلى الصباح ، لأن الباقر عليه‌السلام لما قبض أمر الصادق عليه‌السلام بالسراج في البيت الذي يسكنه ، حتى قبض أبو عبد الله عليه‌السلام ، ثم أمر الكاظم بمثل ذلك في بيت أبي عبد الله عليه‌السلام (٣).

التاسع : ينبغي أن يكون عنده من يذكر الله تعالى ، ولا يترك وحده ، لقول الصادق عليه‌السلام : ليس من ميت يموت ويترك وحده إلا لعب الشيطان في جوفه (٤).

العاشر : يستحب تعجيل أمره ، والمسارعة إلى تجهيزه إن تيقن موته بإجماع العلماء ، لأنه صون له وأحفظ من أن يتغير وتصعب معاناته ، وقال عليه‌السلام : إني لأرى طلحة قد حدث فيه الموت فآذنوني به وعجلوا فلا‌

__________________

(١) جامع الأصول ١١ ـ ٣٩١.

(٢) وسائل الشيعة ٢ ـ ٦٧٢ ح ٣.

(٣) وسائل الشيعة ٢ ـ ٦٧٣ ب ٤٥.

(٤) وسائل الشيعة ٢ ـ ٦٧١ ب ٤٢.

٢١٧

ينبغي لجيفة مسلم أن يحبس بين ظهراني أهله (١). وقال عليه‌السلام : كرامة الميت تعجيله (٢).

وقال عليه‌السلام : لا ألقين رجلا منكم مات له ميت ليلا فانتظر الصبح ، ولا رجلا مات له ميت نهارا فانتظر به الليل ، لا تنتظروا بموتاكم طلوع الشمس ولا غروبها ، عجلوا بهم إلى المضاجع يرحمكم الله تعالى ، فقال الناس : وأنت يا رسول الله يرحمك الله (٣).

ولا بأس أن ينتظر به قدر ما يجمع له جماعة ، لما يؤمل من الدعاء له إذا صلوا عليه.

ولو اشتبه الموت ، لم يجز التعجيل به حتى تظهر علاماته ، ويتحقق العلم به إجماعا. قال الصادق عليه‌السلام : خمسة ينتظر بهم إلا أن يتغيروا : الغريق ، والمصعوق ، والمبطون ، والمهدوم ، والمدخن (٤).

ويصبر عليه ثلاثة أيام حتى يتيقن موته ، أو يتغير ، لقول الصادق عليه‌السلام وقد سئل كيف يستبرأ الغريق؟ : يترك ثلاثة أيام قبل أن يدفن ، فيغسل ويدفن (٥).

وقد دفن جماعة أحياء اشتبه موتهم على أهلهم ، وخرج بعضهم.

وشاهدت واحدا في لسانه وقفة فسألته عن سببها؟ فقال : مرضت مرضا شديدا ، فاشتبه الموت فغسلت ودفنت في أزج ، ولنا عادة إذا مات شخص فتح عنه باب الأزج بعد ليلة أو ليلتين ، إما زوجته أو أمه أو أخته أو ابنته ، فتنوح عنده ساعة ، ثم تطبق عليه هكذا يومين أو ثلاثا ، ففتح علي فعطست فجاءت أمي بأصحابي فأخذوني من الأزج ، وذلك منذ سبع عشرة سنة.

__________________

(١) سنن أبي داود ٢ ـ ٢٠٠.

(٢) وسائل الشيعة ٢ ـ ٦٧٦ ح ٧.

(٣) وسائل الشيعة ٢ ـ ٦٧٥ ح ١.

(٤) وسائل الشيعة ٢ ـ ٦٧٦ ح ٢.

(٥) وسائل الشيعة ٢ ـ ٦٧٧ ح ٤.

٢١٨

والمصلوب لا يترك على خشبته أكثر من ثلاثة أيام ، ثم ينزل بعد ذلك ويدفن قال الصادق عليه‌السلام : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تقروا المصلوب بعد ثلاثة أيام حتى ينزل ويدفن (١).

الحادي عشر : يستحب إعلام المؤمنين بموته ، ليتوفروا على تشييعه ، لقوله عليه‌السلام : لا يموت منكم أحد إلا آذنوني به (٢). وقال الصادق عليه‌السلام : ينبغي لأولياء الميت أن يؤذنوا إخوان الميت بموته ، يشهدون جنازته ويصلون عليه ويستغفرون له ، فيكتب لهم الأجر وللميت الاستغفار ، ويكتسب هو الأجر بما اكتسب لهم (٣).

الثاني عشر : ويسارع في قضاء دينه ، لقوله عليه‌السلام : نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضي عنه (٤). ولو تعذر إيفاء دينه في الحال استحب لوارثه أو غيره أن يتكفل عنه ، كما فعل علي عليه‌السلام لما أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بجنازة ، فقال : هل على ميتكم دين؟ قالوا : نعم يا رسول الله ، فلم يصل عليها ، فقال علي عليه‌السلام : صل عليها يا رسول الله وعليّ دينه ، فصلى عليها (٥).

ويستحب المسارعة إلى تفريق وصيته ، ليعجل له ثوابها بجريانها على الموصى له.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢ ـ ٦٧٨ ح ١.

(٢) سنن ابن ماجة ١ ـ ٤٨٩.

(٣) وسائل الشيعة ٢ ـ ٧٦٢ ح ١.

(٤) سنن ابن ماجة ٢ ـ ٨٠٦ الرقم ٢٤١٣.

(٥) وسائل الشيعة ١٣ ـ ١٥١ ح ٢ و ٣.

٢١٩
٢٢٠