نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٨
الجزء ١ الجزء ٢

أما هبة الغائب ورهنه ، فالأولى فيهما الصحة ، لأنهما ليسا من عقود المغابنات ، بل الواهب والراهن مغبونان لا محالة ، والمتهب والمرتهن غابنان لا محالة ، فلا خيار إذا صححناهما عند الرؤية ، إذ لا حاجة إليه.

وأما بيع الأعمى وشراؤه ، فإنهما صحيحان كالبصير ، بشرط معرفته بالوصف ، فإن ظهر على خلاف ما وصف له ، كان له الخيار ، لأنه تمكن الاطلاع على المقصود ومعرفته ، فأشبه بيع البصير وشراءه. والأحوط التوكيل في البيع والشراء. ويجوز أن يوكل الصحيح من يختار له الفسخ والإمضاء عند مخالفة الوصف ، كما يجوز التوكيل في خيار العيب.

وللأعمى أن يقبض لنفسه ما اشتراه بالوصف ، وإن لم يتميز بين المستحق وغيره إخلادا إلى قول البائع.

ويجوز أن يبيع ويشتري سلما وغيره بالوصف ، سواء عمي بعد التمييز أو قبله ولم يعرف الألوان ، لأنه يعرفها بالسماع وتخيل الفرق بينها.

وإذا اشترى غائبا رآه قبل العقد ، أو باع كذلك ، فإن كان مما لا يتغير غالبا ، كالأراضي والأواني والحديد والنحاس ونحوها ، أو كان لا يتغير بالمدة المتخللة بين الرؤية والعقد ، صح العقد لحصول العلم الذي هو المقصود ، فإن وجده كما رآه فلا خيار.

وإن وجده متغيرا ، احتمل البطلان لسبق انتفاء المعرفة ، والأقوى الصحة لبناء العقد في الأصل على ظن غالب ، ولكن له الخيار. ولا نعني بالتغير التعيب ، فإن خيار العيب لا يختص بهذه الصورة ، ولكن الرؤية بمثابة الشرط في الصفات الكائنة عند الرؤية ، فكل ما فات منها فهو بمثابة ما لو تبين الخلف في الشرط.

ولو كان المبيع مما يتغير في مثل تلك المدة غالبا ، كما لو رأى ما يسري إليه الفساد من الأطعمة ، ثم اشتراه بعد مدة كثيرة ، فالبيع باطل ، للعلم بتغير الصفة فيبقى مجهولا.

ولو احتمل الأمران أو كان المبيع حيوانا ، فالأصح الصحة ، لظهور بقائه‌

٥٠١

على حاله ، فإن وجده متغيرا تخير.

ولو اختلفا ، احتمل تقديم قول البائع ، لأصالة عدم التغير واستمرار العقد ، وقول المشتري لأن البائع يدعي عليه الاطلاع على المبيع على هذه الصفة والرضا به وهو ينكره ، فأشبه ما لو ادعى اطلاعه على العيب وأنكره المشتري. والتفصيل ، فيقدم قول البائع مع عدم عيب ، وقول المشتري معه.

ويكفي استقصاء الأوصاف على الحد المعتبر في السلم ، ويقوم مقام الرؤية. وكذا سماع وصفه بطريق التواتر ، لأن ثمرة الرؤية المعرفة ، وهما يفيدانها.

ولو شاهد بعض المبيع دون بعض ، فإن كان مما يستدل برؤية بعضه على الباقي ، صح البيع ، كما إذا رأى ظاهر الصبرة من الحنطة ، إذ الغالب تساوي أجزائها ، ويعرف جملتها برؤية ظاهرها ، ولا خيار له إذا رأى باطنها إلا إذا خالف الظاهر. وكذا سائر الحبوب وكومة الجزر والأرز والدقيق.

ولو كان شي‌ء منها في وعاء ، فرأى أعلاه ، أو رأى أعلى السمن والخل وسائر المائعات في ظروفها كفى.

ولو كانت الحنطة في بيت مملو منها ، فرأى بعضها في الباب كفى.

ولو رأى الجمد في المجمدة صح إذا عرف سعتها وعمقها.

ولا يكفي رؤية صبرة البطيخ والرمان والسفرجل ، لأنها تباع في العادة عددا ويختلف كثيرا ، فلا بد من رؤية واحد واحد.

وكذا لا يكفي رؤية رأس السلة في العنب والخرج ونحوهما ، لكثرة اختلاف أجزائها ، بخلاف صبرة الحبوب والثمر إن لم يلتزق أفراده ، فصبرته كصبرة اللوز ، وإن التزقت كالقوصرة ، كفى رؤية الأعلى.

والأقرب الاكتفاء برؤية ظاهر عدل القطن والصوف ، ولو أراه أنموذجا وبنى أمر المبيع عليه ، فإن قال : بعتك من هذه النوع كذا احتمل البطلان ، لأنه لم يعين مالا ولا راعى شروط السلم ، ولا يقوم ذلك مقام الوصف في‌

٥٠٢

السلم ، لأن اللفظ والوصف يمكن الرجوع إليه عند الإشكال ، والأقرب عندي الصحة ، إذ المشاهدة أبلغ في العلم من الوصف.

وإن قال : بعتك الحنطة التي في هذا البيت ، وهذا الأنموذج منها ، فإن لم يدخل الأنموذج في البيع ، احتمل الصحة تنزيلا منزلة استقصاء الوصف. والمنع ، لأن المبيع غير مرئي ، ولا يشبه استقصاء الوصف. وإن أدخله في المبيع ، احتمل الصحة ، كما رأى بعض الصبرة. والمنع.

ومسألة الأنموذج إنما نفرض في المتماثلات.

ولو كان الشي‌ء مما يستدل برؤية بعضه على الباقي ، فإن كان المرئي صونا للباقي ، كقشر الرمان والبيض والجوز ، كفى رؤيته وإن كان المقصود مستورا ، لأن صلاحه في بقائه فيه ، فإن خرج سليما لزم البيع ، وإلا وجب الأرش. ولو لم يكن لمسكوره قيمة كالبيض الفاسد ، فالأرش جميع الثمن.

ولا يصح بيع اللب وحده ، لأن تسليمه لا يمكن إلا بكسر القشر وفيه تغير عين المبيع. والوجه عندي الصحة مع سقوط القشر عن التقويم.

ولو رأى المبيع من تحت الماء الشفاف ، أو من وراء قارورة وشبهها ، فإن حصلت المعرفة التامة صح البيع ، وإلا فلا. وكذا الأرض إذا علاها الماء الصافي وشاهدها أو الحرث فيه ، وإن لم يكن المرئي صونا للباقي ، لم يصح بيعه إلا مع المشاهدة ، أو الوصف الرافع للجهالة.

البحث الخامس

( في بقايا مسائل هذا الباب )

الأول : قد بينا أن العلم بالمبيع والثمن قدرا ووصفا شرط ، فلو جهلاه أو أحدهما لم يجز العقد ، فإن وكلا عارفا به صح البيع ، لانتفاء الغرر عن العقد. وكذا لو أجاز الجاهل بيع الفضولي العالم على إشكال ، ينشأ : من أن الإجازة إنشاء عقد أو تقريره.

٥٠٣

الثاني : رؤية كل شي‌ء بحسب ما يليق به ، ففي شراء الدار تجب رؤية البيوت والسقوف والسطوح والجدران داخلا وخارجا والمستحم والبالوعة ، وفي البستان رؤية الأشجار والجدران والبسط ومسائل المياه ، ولا حاجة إلى رؤية أساس البناء ولا عروق الأشجار. وهل يشترط رؤية طريق الدار ومجرى الماء الذي تدور به الرحى؟ إشكال.

وفي العبد رؤية الوجه والأطراف وباطن البدن. وفي العورة إشكال. ينشأ : من تعميم التحريم ، ومن التسويغ عند الحاجة الثابتة هنا. وكذا الجارية على الأقوى ، والأقرب اشتراط رؤية اللسان والأسنان.

وفي الدواب رؤية مقدمها ومؤخرها وقوائمها ، ويجب رفع السرج والإكاف والجل.

وفي اشتراط جري الفرس ليعرف سيره إشكال.

والثوب إن كان مطويا ينقصه النشر ، فالأقرب عدم اشتراط نشره ، وكذا إن لم ينقصه ، بشرط دلالة ظاهره على ما خفي ، وإذا نشرت فالصفيق كالديباج المنقش لا بد من رؤية كلا وجهيه ، وكذا البسط والزلالي. وما كان رقيقا لا يختلف وجهاه ، كفى رؤية أحد وجهيه على الأقوى.

وفي شراء الكتب يجب تقليب الأوراق ورؤية جميعها.

الثالث : بيع اللبن في الضرع باطل ، لأنه مجهول القدر ، لتفاوت ثخن الضروع ، ولأنه يزداد شيئا فشيئا ، لا سيما إذا أخذ في الحلب ، وما يحدث ليس من المبيع ، فلا يتأتى التمييز والتسليم. ولأن النبي عليه‌السلام نهى عنه. ولو قال : بعتك من اللبن الذي في ضرعها كذا ، لم يجز ، لأن وجود القدر في الضرع لا يستقر (١). ويحتمل الجواز بناء على العادة ، لكن لا بد من ضبطه بالوصف.

ولو احتلب بعضه وباعه مع باقي الضرع ، فللشيخ قول بالجواز. والوجه‌

ــــــــــــــــ

(١) في « ق » لا يتيقن.

٥٠٤

المنع ، لأن انضمام المعلوم إلى المجهول لا يصير معلوما.

ولو حلب بعضه ثم باعه مع ما في الضرع مدا وشاهد المحلوب ، فهو كالأنموذج.

هذا إذا كان المبيع قدرا يسيرا يتأتى حلبه وابتدر قبل تزايد اللبن ، أما لو كان قدرا لا يتأتى حلبه إلا ويتزايد اللبن ، فالوجه المنع.

ويجوز الوصية باللبن في الضرع ، بخلاف البيع. ولا يجوز بيع اللبن في الضرع أياما معلومة وإن عرف قدر حلبها ، لأنه بيع ما لم يخلق فلم يجز ، كبيع ما تحمله الناقة.

الرابع : في بيع الصوف على الظهر قولان : المنع للنهي عنه ، ولأنه متصل بالحيوان فلم يجز بيعه منفردا كأعضائه ، ولأن مطلق اللفظ يتناول جميع ما على ظهر الجلد. ولا يمكن استيعابه إلا بإيلام الحيوان ، وإن شرط الجز ، فالعادة في المقدار المجزور تختلف ، وبيع المجهول لا يجوز. والجواز والجز بمقتضى العادة كالرطبة وغيرها من الزرع المأخوذ جزا ، بخلاف الأعضاء التي لا يمكن تسليمها مع سلامة الحيوان.

ولو اشتراه بشرط الجز فتركه حتى طال ، فكالرطبة إذا اشتراها بشرط القطع فتركها حتى طالت.

الخامس : بيع الشاة المذبوحة قبل سلخها باطل ، سواء بيع اللحم وحده ، أو الجلد وحده ، أو بيعا معا ، لأن المقصود اللحم وهو مجهول. ويحتمل الجواز ، لعدم اشتراط الرؤية ، فأشبه لب الجوز.

ويجوز بيع الأكارع والرءوس بعد التذكية والإبانة مشوية ونية ولا عبرة بما عليها من الجلد ، لأنه مأكول.

ولو باعا قبل الإبانة ، فالوجه الجواز أيضا ، أما قبل التذكية فلا يجوز وكذا لا يجوز بيع جلد الشاة وغيرها قبل التذكية لتعذر تسليمه ولا بعدها لجهالته.

٥٠٥

السادس : يجوز بيع المسك في الفأر ، وهو الوعاء الذي يكون فيه ، لأن بقاءه في فأره مصلحة له ، لأنه يحفظ رطوبته وذكا رائحته فأشبه الجوز ، ثم إن وجده صحيحا لزم وإلا تخير.

ولو كان رأس الفأرة مفتوحا يشاهد أعلاه ، صح البيع أيضا ، ويلزم لو كان أسفله كأعلاه ، وإلا تخير. ولو رآه خارج الفأرة فاشتراه بعد الرد إليها ، جاز.

ولا يجوز بيع الدر في الصدف ، للجهالة مع تفاوتها كبرا وصغرا وصفاء وكدورا.

السابع : لو رأى بعض الثوب وبعضه الآخر في صندوق أو جدار ، فإن وصفه وصفا يرفع الجهالة ، أو أخبره بأن الباقي كالمرأى ، صح البيع لانتفاء الجهالة.

قال الشيخ : ولو باعه ثوبا على خشب ساج قد نسج بعضه على أن ينسج الباقي ويدفعه ، كان باطلا ، لأن المرأى من الثوب البيع فيه لازم من غير خيار الرؤية ، والباقي يقف على خيار الرؤية ، فيجتمع في شي‌ء واحد خيار الرؤية وانتفاؤها وهو متناقض.

وليس بجيد ، لأنها نمنع لزوم البيع في المشاهد لوحدة العقد.

ولو كان المبيع شيئين صفقة ، ورأى أحدهما دون الآخر ، فإن وصف له وصفا يرفع الجهالة ، صح البيع. فإن لم يوصف بطل البيع فيه ، والأقرب بطلان البيع في المرئي لاتحاد العقد ، مع احتمال الصحة فيه ، ويتخير المشتري لتفريق الصفقة عليه.

الثامن : لا يجوز بيع عين بصفة مضمونة ، كأن يقول : بعتك هذا الثوب على أن طوله كذا وعرضه كذا وغيره من الصفات ، فإن لم يكن بهذه الصفات فعلي بدله بهذه الصفات ، لوقوع العقد على شي‌ء بعينه ، وإذا لم يصح فيه ، افتقر في ثبوته في بدله إلى تجديد عقد.

٥٠٦

التاسع : إذا باع عينا شخصية ، فإن شوهدت صح البيع ، وإلا فلا إلا مع ذكر الجنس والنوع والوصف الرافع للجهالة المشروط في السلم.

ولو قال : بعتك ما في كمي أو كفي أو ما ورثته من أبي ، لم يصح. وكذا لو ذكر الجنس والنوع ، مثل بعتك عبدي التركي ، ما لم يصفه بصفات السلم ، حذرا من الغرر ، ولأنه مبيع غير مشاهد ، فاعتبر فيه التعرض للصفات كالمسلم فيه ، فلا يكفي ذكر معظم الصفات.

العاشر : إذا باع الغائب بالوصف ، فإن وجده على ما وصفه ، لم يكن له خيار ، لسلامة المعقود عليه بصفاته ، وقوله عليه‌السلام : من اشترى شيئا لم يره فله الخيار إذا رآه (١). المراد به إذا وجده على غير الوصف.

ولو وجده دون ما وصفه ، فله الخيار قطعا. فلو أخبره بكونه على خلاف الوصف ، كان له الفسخ قبل الرؤية ، لأن حق الفسخ ثابت له عند الرؤية ، فلا معنى لاشتراط الرؤية في نفوذه.

ولو ظهر كذبه بعد الفسخ ، احتمل أن يكون له استرجاعه باختياره ومخيرا وعدمه ، وهل له الإجازة؟ الأقرب ذلك ، لأنها ثابتة له عند الرؤية مغبوطا كان أو مغبونا ، فلا معنى لاشتراط الرؤية. ويحتمل المنع ، لأن قوله « أجزت » مع الجهل بمنزلة قوله في الابتداء « اشتريت » والإجازة رضاء بالعقد والتزام له ، وهو يستدعي العلم بالمعقود عليه ، وهو جاهل بحاله.

ولو اشتراه بشرط انتفاء الخيار ، فالأقرب الجواز ، ولا خيار له وإن كان قد تغير.

ولو كان البائع قد رأى المبيع أولا ، فإن تغير بالزيادة ، كان له الخيار كخيار المجلس ، فإنهما يشتركان فيه. ولو لم يكن قد تغير أو تغير بالنقصان ، فلا خيار له.

ولو لم يكن البائع قد رآه ، بل باعه بالوصف ، كان له الخيار عند‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٣٦١ ب ١٥ ما يدل على ذلك.

٥٠٧

الرؤية ، إن كان أجود مما وصف له ، وإلا فلا.

ولو باع شيئا على أنه معيب ، فبان صحيحا ، كان له الخيار ، لأن الخيار كما يثبت للمشتري عند النقصان يثبت للبائع عند الزيادة ، ولهذا لو باع ثوبا على أنه عشرة ، فبان أحد عشر ، كان له الخيار.

الحادي عشر : الأقرب أن خيار الرؤية متراخ ، لأنه خيار تعلق بالاطلاع على حال المبيع ، فأشبه الرد بالعيب. ويحتمل امتداده بامتداد مجلس الرؤية ، لأنه خيار يثبت قضية للعقد فتعلق بالمجلس كخيار المجلس.

الثاني عشر : لو تلف المبيع في يد المشتري قبل الرؤية ، لم ينفسخ البيع. ولو باعه قبل الرؤية بالوصف الذي اشتراه ، صح.

الثالث عشر : يجوز بيع ما لا يعلم وصفه المقصود إلا بالذوق كالخل والعسل وأشباههما ، أو بالشم مثل المسك ونحوه ، أو باللمس كالناعم والخشن قبل إدراكه ، بناء على الصحة والسلامة في الكيفيات المقصودة المعلومة بهذه الطرق.

الرابع عشر : لو كان المبيع في غير موضع العقد ، صح ووجب تسليمه في ذلك البلد ، وأكثر علمائنا على تسليمه في بلد العقد. ولو شرط تسليمه في بلد العقد صح البيع ولزم الشرط كالسلم.

الخامس عشر : لو شاهد ثوبين ثم سرق أحدهما ، فاشترى الآخر ولم يعلم المسروق أيهما هو ، فإن تساويا قدرا ووصفا وقيمة كنصفي كرباس واحد صح ، فإنه اشترى معينا مرئيا معلوما ، وإن اختلفا في شي‌ء من ذلك لم يصح ، لأنه لا يعلم المشتري منهما الطويل أو الجيد أو ضدهما ، ولم تفد الرؤية السابقة العلم بحال المبيع عند العقد.

السادس عشر : لو اختلفا ، فقال البائع للمشتري : رأيت المبيع ، فقال المشتري : لم أره ، قدم قول البائع ، لأصالة صحة العقد ، وللمشتري أهلية الشراء وقد أقدم عليه ، فكان اعترافا منه بصحة العقد.

٥٠٨

السابع عشر : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ثمن عسيب الفحل (١). فقيل : عسيب الفحل أجرة ضرابه. وقيل : ضرابه. وقيل : ماؤه. والمراد من الثمن الأجرة ، فإنها قد تسمى ثمنا مجازا.

والأصل أن بيع الماء ممنوع منه ، لأنه غير متقوم ولا معلوم ولا مقدور على تسليمه. وأما بطريق الاستيجار فإنه جائز عندنا على كراهية ، لأنها منفعة مقصودة فجاز الاستيجار عليها ، كالاستيجار لتلقيح النخل ، والماء تابع والغالب حصوله عند نزوه ، فيكون كالعقد على الظئر ، لتحصيل اللبن في بطن الصبي.

وتزول الكراهة لو أعطاه على سبيل الكرامة.

الثامن عشر : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بيع حبل الحبلة (٢) ، وله تفسيران : أحدهما : قال أبو عبيدة وأهل اللغة : أن يبيع نتاج النتاج نفسه ، لأنه بيع ما ليس بمملوك ولا معلوم ولا مقدورا على تسليمه.

ثانيهما : أن يجعل نتاج النتاج داخلا في الشي‌ء ، فإن الجاهلية كانوا يتبايعون لحم الجزور إلى حبل الحبلة ، وهو أن ينتج الناقة ثم تحمل التي نتجت ، فنهاهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو باطل ، لأنه بيع إلى أجل مجهول فكان غررا.

التاسع عشر : نهى عليه‌السلام عن بيع الملاقيح والمضامين (٣).

فالملاقيح ما في بطون الأمهات من الأجنة ، الواحدة ملقوحة ، من قولهم لقحت ، كالمجنون من جن والمحموم من حم.

والمضامين ما في أصلاب الفحول ، سميت بذلك لأن الله تعالى ضمنها ،

__________________

(١) سنن ابن ماجة ٢ ـ ٧٣١ الرقم ٢١٦٠.

(٢) جامع الأصول ١ ـ ٤٧٥.

(٣) جامع الأصول ١ ـ ٤٧٥.

٥٠٩

وكانوا في الجاهلية يبيعون ما في بطن الناقة وما تحبل من ضراب الفحل في عام أو أعوام.

والأصل فيه الجهالة وعدم التملك والقدرة على التسليم.

العشرون : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بيع الملامسة والمنابذة (١) ، وللملامسة تأويلات :

أحدها : أن يأتي بثوب مطوي أو في ظلمة فيلمسه المستام فيقول صاحب الثوب : بعتك هذا بكذا بشرط أن يقوم لمسك مقام نظرك ولا خيار لك إذا رأيته. لما فيه من الغرر والجهالة.

وكذا لو باع شيئا على شرط نفي خيار الرؤية ، فإن كان قد رآه أولا ، احتمل الصحة والبطلان. وإن لم يكن قد رآه ولا وصف له وصفا يرفع الجهالة بطل.

ثانيها : أن يجعلا نفس اللمس بيعا ، بأن يقول صاحب الثوب لطالبه : إذا لمست ثوبي فهو مبيع منك بكذا. وهو باطل ، لما فيه من التعليق والعدول عن الصيغة الشرعية. وهل هو في حكم المعاطاة؟ الأقرب ذلك.

ثالثها : أن يبيعه شيئا على أنه متى لمسه فقد وجب البيع وسقط خيار المجلس وغيره ، وهو باطل لجهالة مدة الخيار.

وللمنابذة تأويلان :

أحدهما : أن يجعلا النبذ بيعا ، فيقول أحدهما للآخر : أنبذ إليك ثوبي وتنبذ إلي ثوبك على أن كل واحد بالآخر ، أو يقول : أنبذ إليك ثوبي بعشرة فيكون النبذ بيعا. لما فيه من اختلاف الصيغة ، وهو راجع إلى المعاطاة ، فإن المنابذة مع قرينة البيع هي المعاطاة بعينها.

ثانيهما : أن يقول : بعتك هذا بكذا على أني إذا أنبذته إليك فقد وجب‌

__________________

(١) جامع الأصول ١ ـ ٤٠٥.

٥١٠

البيع ، وحكمه ما تقدم في الملامسة.

الحادي والعشرون : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بيع الحصاة (١). وله تأويلات :

أحدها : أن يقول : بعتك ثوبا من هذه الأثواب وأرمي بهذه الحصاة ، فعلى أيها وقعت فهو المبيع. أو يقول : أرمي بهذه الحصاة فإلى أي موضع بلغت من الأرض يكون مبيعا منك.

ثانيها : أن يقول : بعتك هذا بكذا على أنك بالخيار إلى أن أرمي بهذه الحصاة.

ثالثها : أن يجعلا نفس الرمي بيعا ، فيقول البائع : إذا رميت هذه الحصاة فهذا الثوب مبيع منك بعشرة.

والبيع باطل في الجميع : أما أولا فللجهل بالمبيع. وأما ثانيا فللجهل بمدة الخيار. وأما ثالثا فلاختلال الصيغة.

ولو عقد البيع قبل لمسه ونبذه ورميه بالحصاة ، ثم قال : بعتك ما تلمسه من هذه الثياب ، أو ما أنبذه إليك ، أو ما يقع عليه الحصاة بالحصاة ، فهو غير معين ولا موصوف ، فصار كما لو قال : بعتك عبدا من هذه العبيد.

الثاني والعشرون : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بيعتين في بيعة ، وله تفسيران (٢).

أحدهما : أن يقول : بعتك هذا العبد بألف نقدا أو بألفين إلى سنة ، فخذه بأيهما شئت أنت أو شئت أنا. وهو باطل للجهل بالعوض ، كما لو قال : بعتك هذا العبد أو هذه الجارية بكذا.

ولو قال : بعتك بألف نقدا أو بألفين إلى سنة على رأي. أو قال : بعتك‌

__________________

(١) جامع الأصول ١ ـ ٤٤١.

(٢) جامع الأصول ١ ـ ٤٤٦.

٥١١

نصف هذا العبد بألف ونصفه بألفين صح البيع.

ولو قال : بعتك هذا العبد بألف نصفه بستمائة ، فالأقرب عندي الصحة ، وإن اقتضى ابتداء كلامه توزيع الثمن على المثمن بالسوية ، إلا أن دلالة المنطوق أقوى ولا تناقض ، فإن خرج نصفه مستحقا فله نصف الألف.

ثانيهما : أن يقول : بعتك هذا العبد بألف على أن تبيعني دارك بكذا ، أو تشتري مني داري بكذا ، وهو صحيح ، لقوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) وقوله عليه‌السلام : المؤمنون عند شروطهم (٢).

الثالث والعشرون : إنما يصح البيع على الأعيان المملوكة كما تقدم ، فلا يصح على المنافع ، ولا على ما لا يصح تملكه ، ولا مع خلوه عن العوض ، وقد تقدم ذلك.

المطلب السادس

( في بقايا المناهي )

وفيه مباحث :

البحث الأول

( ما ورد فيه النهي )

قد يحكم بفساده (١) قضية للنهي عند قوم وهو الأغلب ، وقد لا يحكم بحيث يتفاوت البيع بما يعرف عود النهي إليه كالمنع عن البيع حالة النداء ، فإنا نعلم أن المنع غير متوجه نحو خصوص البيع ، بل نحو ترك الجمعة ، حتى لو‌

__________________

(١) سورة المائدة : ١.

(٢) تهذيب الأحكام ٧ ـ ٣٧١ ج ٦٦.

(٣) في « ق » بفساد.

٥١٢

تركها بسبب آخر فقد ارتكب النهي ، ولو باع في غير تلك الحالة لم يتحقق نهي.

فمن الأول نهيه عليه‌السلام عن بيع اللحم بالحيوان (١) ، وسيأتي إن شاء الله تعالى. ومنه بيع ما لم يقبض ، وبيع الطعام حتى تجري فيه الصاعات ، وبيع الكالي بالكالي ، وبيع الغرر ، وبيع ما لا يقدر على تسليمه ، وبيع مال الغير وما ليس عنده ، ويفسر ببيع ما هو غائب عنه ، أو ببيع ما لا يملكه ليشتريه فيسلمه ، وبيع الكلب والخنزير ، وقد تقدم بيان ذلك.

وأما ما لا يدل على الفساد فأقسام يأتي في أبحاث إن شاء الله تعالى.

البحث الثاني

( في الاحتكار )

الاحتكار منهي عنه إجماعا ، قال عليه‌السلام : لا يحتكر الطعام إلا خاطئ (٢). أي آثم. وقال عليه‌السلام : الجالب مرزوق والمحتكر ملعون (٣). وقال الصادق عليه‌السلام : كان رجل من قريش يقال له حكيم بن حزام كان إذا دخل الطعام المدينة اشتراه كله ، فمر عليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا حكيم بن حزام إياك أن تحتكر (٤).

وهل هو حرام أو مكروه؟ لعلمائنا قولان.

والاحتكار : أن يشتري ذو الثروة الطعام في وقت الغلاء ولا يدعه للضعفاء ، ويحبسه ليبيعه منهم بأكثر عند اشتداد حاجتهم.

ولا بأس أن يشتري في وقت الرخص ليبيع في وقت الغلاء ، وأن يشتري في وقت الغلاء لنفسه وعياله ، ثم يفضل شي‌ء فيبيعه في وقت الغلاء ، وأن‌

__________________

(١) جامع الأصول ١ ـ ٤١٣.

(٢) جامع الأصول ٢ ـ ٢٢ ، وسائل الشيعة ١٢ ـ ٣١٥ و ٣١٤.

(٣) جامع الأصول ٢ ـ ٢٨ ، وسائل الشيعة ١٢ ـ ٣١٣ ح ٣.

(٤) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٣١٦ ح ٣.

٥١٣

يمسك غلة ضيعة ليبيع في وقت الغلاء ، لكن الأولى أن يبيع ما يفضل عن كفايته. وهل يكره إمساكه؟ إشكال.

ولا احتكار في غير الأقوات إجماعا ، ولا يعم جميع الأقوات ، بل هو مختص بالحنطة والشعير والتمر والزبيب والملح والسمن. والاحتكار المنهي عنه ما جمع ثلاث شرائط :

الأول : أن يشتري فلو جلب شيئا ، أو أدخل شيئا من غلته فادخره ، لم يكن محتكرا ، لقوله عليه‌السلام الجالب مرزوق والمحتكر ملعون (١). ولأن الجالب لا يضيق على أحد ولا يضر به بل يبيع (١) ، فإن الناس إذا علموا عنده طعاما معدا للبيع كان أطيب لنفوسهم (٢) من عدمه.

الثاني : أن يكون قوتا ، فلا احتكار في الأدم كالعسل وغيره عدا ما استثني ، ولا علف البهائم لأن هذه الأشياء مما لا تعم الحاجة إليها ، فأشبهت الثياب والحيوانات.

الثالث : أن يضيق على الناس بشرائه ، ولا يحصل ذلك إلا بأمرين : أن يكون في بلد يضيق بأهله الاحتكار كالحرمين والثغور ، أما البلاد الواسعة الكثيرة المرافق والجلب كبغداد ومصر ، فقل أن يؤثر ذلك فيها ، فإن فرض كان منهيا عنه.

وأن يكون في حال الضيق ، بأن يدخل البلد قافلة فيتبادر ذوي اليسار فيشترونها ويضيقون على الناس ، وأما إن اشتراه حال الرخص بحيث لا يضيق على أحد فلا بأس ، فإن تجدد الضيق وجب البذل.

__________________

(١) في « ر » ينفع.

(٢) خ ل : لقلوبهم :

(٣) تقدم آنفا.

٥١٤

البحث الثالث

( في التسعير )

المشهور أنه لا يجوز التسعير لا للإمام ولا لنائبه على أهل الأسواق في شي‌ء من أمتعتهم من الطعام وغيره في حال الرخص والغلاء ، لما روي أن رجلا جاء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : سعر على أصحاب الطعام ، فقال : بل أدعو الله ، ثم جاء آخر فقال : يا رسول الله سعر على أصحاب الطعام ، فقال : بل الله يرفع ويخفض وإني لأرجو أن ألقى الله وليس لأحد عندي مظلمة (١).

إذا عرفت هذا فلو خالف إنسان من أهل السوق بزيادة سعر أو نقصان ، فلا اعتراض لأحد عليه ، ولا يسعر عليه بل يبيع بما رزقه الله ، سواء كان في الغلاء أو الرخص ، تمكينا للناس من التصرف في أموالهم ، ولأنهم قد يمتنعون بسبب ذلك من البيع فيشتد الأمر.

ولو جوزنا التسعير فإنما هو في الأطعمة التي تثبت الاحتكار فيها خاصة ، ولا يلحق بها علف الدواب.

وإذا سعر الإمام عليه‌السلام : فخالف ، استحق التعزير وصح البيع.

إذا ثبت هذا فإن الإمام يجبر المحتكر على إخراج الطعام وبذله للبيع وتعريضه له ، لأن عليا عليه‌السلام قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مر بالمحتكرين ، فأمر محتكريهم أن يخرج إلى بطون الأسواق وحيث ينظر الأبصار إليها ، فقيل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو قومت عليهم فغضب حتى عرف الغضب من وجهه ، فقال : أنا أقوم عليهم ، إنما السعر إلى الله يرفعه إذا شاء ويخفضه إذا شاء (٢).

وحد الشيخ رحمه‌الله الاحتكار في الرخص بأربعين يوما ، وفي الغلاء‌

__________________

(١) جامع الأصول ٢ ـ ٢٤ ـ ٢٥.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٣١٧ ح ١.

٥١٥

بثلاثة أيام (١). لقول الصادق عليه‌السلام : الحكر في الخصب أربعون يوما وفي الشدة والبلاء ثلاثة أيام ، فما زاد على الأربعين يوما في الخصب فصاحبه ملعون ، وما زاد في العسرة على ثلاثة أيام فصاحبه ملعون (٢). وقيل : لا يشترط.

البحث الرابع

( في بيع الحاضر للبادي )

يكره أن يبيع حاضر لباد ، لقوله عليه‌السلام : لا يبيع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض (٣).

وصورته : أن يحمل البدوي أو القروي متاعه إلى البلد ويريد بيعه بسعر اليوم ليرجع إلى موضعه ، ولا يلزمه مؤنة الإقامة ، فيأتيه البلدي ويقول له : ضع متاعك عندي وارجع لأبيعه لك على التدريج بأغلى من هذا السعر.

وقيل : أن يخرج الحضري إلى البدوي وقد جلب السلعة فيعرفه السعر ويقول : أنا أبيع لك وأكون سمسارا.

وعلى كل تقدير فليس بمحرم ، بكل مكروه بشروط :

الأول : أن يكون عالما بورود النهي ، وهو شرط يعم جميع المناهي.

الثاني : أن يظهر من ذلك المتاع سعة في البلد ، فإن لم يظهر إما لكبر البلد أو لقلة ذلك الطعام ، أو لعموم وجوده ورخص السعر ، فالأقرب عدم الكراهية ، لأن المقتضي للنهي تفويت الربح ، وفقد الرفق على الناس وهذا لم يوجد هنا.

الثالث : أن يكون المتاع المجلوب مما تعم الحاجة إليه ، أما ما لا يحتاج

__________________

(١) النهاية ص ٣٧٤ ـ ٣٧٥.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٣١٣ ح ١.

(٣) جامع الأصول ١ ـ ٤٤٢‌

٥١٦

إليه إلا نادرا ، فالأقرب عدم دخوله تحت المنع.

الرابع : أن يعرض الحضري ذلك على البدوي ويدعوه إليه ، فإن التمس البدوي منه بيعه له تدريجا وقصد الإقامة في البلد ليبيعه كذلك ، فسأل البدوي تفويضه إليه لم يكن به بأس ، لأنه لم يضر بالناس. ولا سبيل إلى منع المالك عنه ، لما فيه من الإضرار به.

ولو استرشد البدوي الحضري ، فهل له إرشاده إلى الادخار والبيع على التدريج؟ فالأقرب جوازه.

ولو باع الحضري للبدوي عند اجتماع الشرائط ، صح البيع ، لأن قوله عليه‌السلام : دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض (١). يدل عليه ، فإنه لو لا صحة البيع لما كان في فعله تفويت على الناس. أما الشراء لهم فإنه جائز ، لأن النهي غير متناول للشراء بلفظه ولا هو في معناه ، فإن النهي عن البيع إنما يثبت للرفق بأهل الحضر ليبيع عليهم بالسعر ويزول عنهم الضرر.

البحث الخامس

( في التلقي )

قال الباقر عليه‌السلام : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يتلقى أحدكم تجارة خارجا من المصر ، ولا يبيع حاضر لباد ، والمسلمون يرزق بعضهم من بعض (٢). وهو مكروه عند أكثر العلماء ، وليس حراما إجماعا.

وصورته : أن يتلقى الإنسان طائفة يحملون متاعا إلى البلد فيشتريه منهم قبل قدوم البلد ومعرفة سعره ، فإنه مكروه إن قصد التلقي ، ويصح البيع ولا خيار لهم قبل أن يقدموا البلد ويعرفوا السعر ، وبعده يثبت الخيار إن كان البيع بأرخص من سعر البلد بما لا يتغابن الناس به ، سواء أخبر كاذبا أو لم يخبر بشي‌ء.

__________________

(١) نفس المصدر.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٣٢٦ ـ ٣٢٧ ح ٥ و ١.

٥١٧

ولو كان الشراء بسعر البلد أو أكثر أو أقل بما يتغابن الناس به فلا خيار ، لأنه لم يوجد تغرير ولا خيانة.

ولو خرج لا بقصد التلقي ، بل اصطيادا أو غيره فاتفق لقاء الركب ، لم يكن قد فعل مكروها. ويثبت الخيار مع الغبن الفاحش لا بدونه. والخيار يثبت على الفور كخيار العيب. وقيل : لا يسقط إلا بالإسقاط.

ولو تلقى الركبان وباع منهم ما يقصدون شراءه في البلد ، احتمل مساواته للتلقي في الشراء لنفوذه (١) بالرفق الحاصل منهم وعدمها ، لأن النهي إنما ورد عن الشراء.

وحد التلقي : أربعة فراسخ ، فإن زاد على ذلك كان تجارة وجلبا ولم يكن تلقيا ، لقول الصادق عليه‌السلام في حده ما دون غدوة أو روحة ، قلت : وكم الغدوة والروحة؟ قال : أربعة فراسخ (١).

ولو تلقى الجلب في أعلى السوق ، فالأقرب عدم الكراهية ، لأنه إذا صار في السوق فقد صار في محل البيع والشراء ، كالذي صار إلى وسطها. أما لو دخل أول البلد ، فالأقرب اندراجه تحت النهي.

البحث السادس

( في السوم على السوم )

روي عنه عليه‌السلام أنه قال : لا يوسم الرجل على سوم أخيه (٢). والأقسام أربعة :

الأول : أن يوجد من البائع تصريح بالرضا بالبيع ، فهذا يكره فيه السوم على غير ذلك المشتري ، وهو الذي تناوله النهي.

__________________

(١) في « ق » لتفرده.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٣٢٦ ح ١.

(٣) جامع الأصول ١ ـ ٤٤٧.

٥١٨

الثاني : أن يظهر منه ما يدل على عدم الرضا ، فلا يحرم السوم إجماعا ولا يكره ، لأن أنسا قال : جاء رجل من الأنصار شكا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الشدة والجهد ، فقال له : أما بقي لك شي‌ء ، فقال : قدح وحلس قال : فأتني بهما ، فأتاه بهما ، فقال : من يبتاعهما؟ فقال رجل : أخذتهما بدرهم ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من يزيد على درهم ، فأعطاه رجل درهمين ، فباعهما منه (١). وللإجماع على البيع بالتزايد.

الثالث : أن لا يوجد منه ما يدل على الرضا ولا عدمه ، ولا يكره السوم أيضا ولا الزيادة ، لأن فاطمة بنت قيس خطبها معاوية وأبو جهم ، فأمرها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن تنكح أسامة ، مع أنه قد نهى عن الخطبة على خطبة آخر ، كما نهى عن السوم على سوم أخيه ، فما أبيح في أحدهما أبيح في الآخر.

الرابع : أن يظهر منه ما يدل على الرضا من غير تصريح ، ففي الكراهة إشكال ، ينشأ : من أصالة الإباحة وعدم الكراهة ، ومن أنه وجد منه دليل الرضا ، فأشبه ما لو صرح به.

وصورة السوم على السوم : أن يأخذ شيئا ليشتريه فيجي‌ء غيره ويقول : رده حتى أبيع منك خيرا منه بأرخص ، أو يقول لمالكه : استرده لأشتريه بأكثر. وإنما يكره بعد استقرار الثمن ، وفي معناه ما روي أنه عليه‌السلام قال : لا يبع بعضكم على بعض (٢).

وصورته : أن يشتري الرجل شيئا فيدعوه غيره إلى الفسخ ليبيعه خيرا منه بأرخص منه.

وكذا الشراء على الشراء ، وهو أن يدعوه البائع إلى الفسخ ليشتريه منه بأكثر ، وإنما يمكن ذلك عند إمكان الفسخ ، وهو أن يكونا في زمن الخيار إما خيار المجلس أو الشرط أو غيرهما ، والأقرب أن ذلك مكروه لا محرم للأصل.

__________________

(١) سنن ابن ماجة ٢ ـ ٧٤٠ الرقم ٢١٩٨.

(٢) سنن ابن ماجة ٢ ـ ٧٣٣ الرقم ٢٢٧١.

٥١٩

وهل يشترط أن لا يكون المشتري مغبونا غبنا مفرطا؟ الأقرب ذلك. ولو كان جاز أن يعرفه ويبيع على بيعه ، لأنه نوع من النصيحة.

ولو أذن البائع في البيع على بيعه ، ارتفعت الكراهة.

البحث السابع

( في النجش )

روي أنه عليه‌السلام نهى عن النجش (١).

وصورته : أن يزيد في ثمن السلعة المعروضة للبيع ، وهو غير راغب فيها ، ليخدع الناس ويرغبهم فيها ، والأقرب التحريم ، لما فيه من الخديعة المنهي عنها.

لكن لو انخدع إنسان فاشتراها ، صح العقد ولا خيار له إلا مع الغبن الفاحش ، سواء كان عن مؤاطاة البائع أو لا ، لأن التفريط من جهته حيث اغتر بقوله ولم يحتط بالبحث عن ثقاة أهل الخبرة.

ولو قال البائع : أعطيت بهذه السلعة كذا ، فصدقه المشتري واشتراه ، ثم بان خلافه أثم ولا خيار للمشتري إلا مع الغبن.

البحث الثامن

( في التفريق )

نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن تولّه الوالدة بولدها. وقال عليه‌السلام : من فرق بين والدة وولدها ، فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة (٢).

واشترى الصادق عليه‌السلام جارية من الكوفة فذهب ليقوم في بعض حوائجه فقالت : يا أماه ، فقال لها الصادق عليه‌السلام : ألك أم؟ قالت :

__________________

(١) جامع الأصول ١ ـ ٤٢٤.

(٢) جامع الأصول ١ ـ ٤٥٠.

٥٢٠