نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٨
الجزء ١ الجزء ٢

يكون بين الصفين ، أو بين الصف والإمام قدر مسقط الجسد ، ليحصل التشبيه في قوله تعالى ( كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ ) (١) وقال الباقر عليه‌السلام : يكون ذلك قدر مسقط الجسد (٢).

وينبغي تسوية الصفوف. والوقوف عن يمين الإمام أفضل ، لقول البراء بن عازب : كان يعجبنا عن يمين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣). ولأن الإمام يبدأ بالسلام عليهم.

وينبغي أن يقف الإمام في مقابل وسط الصف ، لقوله عليه‌السلام : وسطوا الإمام وسدوا الخلل (٤).

ولو كان الإمام في المسجد والمأموم خارجه في ملكه أو غيره ، أو بالعكس ، أو كانا خارج المسجد ، أو كانا في مسجدين ، صحت الصلاة مع عدم البعد المفرط كالمسجد الواحد.

وحيلولة الطريق بين الإمام والمأموم لا يمنع الجماعة ، مع انتفاء البعد ، لأن أنسا كان يصلي في بيت حميد بن عبد الرحمن بن عوف بصلاة الإمام ، وبينه وبين المسجد طريق ولم ينكر عليه ، ولأن ما بينهما يجوز الصلاة فيه فلا يمنعها.

وأما النهر الحائل بينهما ، فإن كان مما يتخطى ، صحت الجماعة إجماعا ، وإن كان مما لا يتخطى ، فإن كان بعيدا في العادة منع من الجماعة ، وإلا فلا.

والجماعة في السفن المتعددة جائزة ، اتصلت أو انفصلت ، ما لم يخرج إلى حد البعد ، أو يقدم المأموم على الإمام ، أو حصول حائل يمنع من المشاهدة ، لإمكان الاستطراق ، والماء مانع كالنار ، فلا يؤثر في جواز الايتمام. ولو تقدمت سفينة المأموم ، فإن استصحب نية الايتمام ، بطلت صلاته لاختلال الشرط ، وإلا صحت.

__________________

(١) سورة الصف : ٤.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٦٢ ح ١.

(٣) جامع الأصول ٦ ـ ٣٩٢.

(٤) جامع الأصول ٦ ـ ٣٩٥.

١٢١

البحث الرابع

( في عدم الحيلولة بين الإمام والمأموم الذكر )

ولا تصح الجماعة وبين الإمام والمأموم الذكر حائل يمنع المشاهدة للإمام أو المأموم ، سواء كان الحائل من جدران المسجد أو لا ، وسواء كانا في المسجد أو لا ، لتعذر الاقتداء ، ولأن المانع من المشاهدة مانع من اتصال الصفوف ، بل هو أبلغ في ذلك من البعد.

ولقول الباقر عليه‌السلام : وأي صف كان أهله يصلون بصلاة إمام وبينهم وبين الصف الذي يتقدمهم قدر ما لا يتخطى ، فليس تلك لهم بصلاة ، فإن كان بينهم سترة أو جدار ، فليس تلك لهم بصلاة إلا من كان حيال الباب (١).

ولو كان الحائل مخرما يمنع من الاستطراق دون المشاهدة ، كالشبابيك والخيطان المخرمة التي لا تمنع من مشاهدة الصفوف فقولان : المنع ، لقول الباقر عليه‌السلام : إن صلى قوم وبينهم وبين الإمام ما لا يتخطى فليس ذلك الإمام لهم بإمام (٢) ، والجواز ، إذ القصد من التخطي العلم بحال الإمام ، ومع المشاهدة تحصل ذلك. ويحتمل المنع عن المانع من المشاهدة.

أما المقاصير غير المخرمة فإن الصلاة فيها باطلة ، لوجود الحائل ، وقول الباقر عليه‌السلام : هذه المقاصير لم تكن في زمن أحد من الناس ، وإنما أحدثها الجبارون ، وليس لمن صلى خلفها مقتديا بصلاة من فيها صلاة (٣).

ولو كان الحائل قصيرا يمنع حالة الجلوس خاصة ، فالأقرب الجواز ، للعلم بحال الإمام حينئذ.

ولو وقف الإمام في بيت وبابه مفتوح ، فوقف مأموم خارجا بحذاء‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٦٢ ح ٢.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٦٢ ح ٤.

(٣) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٦٠ ح ١.

١٢٢

الباب ، بحيث يرى الإمام أو بعض المأمومين ، صحت صلاته. وكذا إن صلى قوم عن يمينه وشماله أو من ورائه ، فإن صلاتهم صحيحة. وإن لم يشاهدوا من في البيت لمشاهدتهم هذا الخارج المشاهد لمن في البيت.

فإن وقف بين يدي هذا الصف صف آخر عن يمين الباب أو شماله ، لا يشاهدون من في المسجد ، لم تصح صلاتهم ، إذا لم يكونوا على سمت المحاذي للباب.

ولو وقف الإمام في محراب داخل في الحائط ، صحت صلاة من خلفه ، لأنهم يشاهدونه. وكذا باقي الصفوف التي من وراء هذا الصف الأول ، أما من على يمين الإمام أو شماله ، فإن حال بينهم وبين الإمام حائل ، لم تصح صلاتهم ، وإلا صحت ، لقول الصادق عليه‌السلام : لا بأس بوقوف الإمام في المحراب (١).

ولو صلى في داره وبابها مفتوح يشاهد الإمام أو بعض المأمومين ، صحت صلاته وإن لم يتصل الصفوف ، إذا لم يتباعد بالمعتد.

ولو صلى بين الأساطين ، فإن اتصلت الصفوف به ، أو شاهد الإمام ، أو بعض المأمومين ، صحت صلاته ، لقول الصادق عليه‌السلام : لا أرى بالصفوف بين الأساطين بأسا. (٢).

هذا في حق المأموم الذكر ، أما المرأة فيجوز أن تصلي من وراء الجدار مقتدية بالإمام وإن لم تشاهده ولا من يشاهده ، للرواية (٣) ، وللأصل ، ولحكمة الجمع بين الستر وإحراز فضيلة الجماعة ، سواء كانت حسناء شابة ، أو شوهاء عجوزا.

والماء ليس بحائل مع المشاهدة وعدم البعد المفرط ، خلافا لأبي الصلاح (٤).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٦١ ما يدل على ذلك.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٦٠ ح ٢.

(٣) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٦١ ح ١.

(٤) الكافي ص ١٤٤.

١٢٣

البحث الخامس

( في عدم العلو )

يشترط في الجماعة أن لا يعلو الإمام على المأموم بما يعتد به ، فلو صلى الإمام على موضع مرتفع بما يعتد به والمأموم أسفل ، لم تصح صلاة المأموم ، سواء أراد تعليتهم (١) أو لا ، لأن عمار بن ياسر قام على دكان بالمدائن والناس أسفل منه ، فأخذ حذيفة بيده حتى أنزله ، فلما فرغ من صلاته قال له حذيفة : ألم تسمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إذا أم الرجل القوم فلا يقومن في مكان أرفع من مقامهم ، قال عمار : فلذلك اتبعتك (١). وكذا فعل عبد الله بن مسعود بحذيفة (٢).

وقول الصادق عليه‌السلام : إن كان الإمام على شبه دكان أو على موضع أرفع من موضعهم لم تجز صلاتهم (٣) ، ولأنه قد يخفى عليه أفعال الإمام حينئذ.

ولو صلى على مرتفع لا يعتد به ، صح.

وهل يتقدر الارتفاع بشبر أو بما لا يتخطى؟ الأقرب الثاني.

ولو كان الإمام على سطح والمأموم على آخر وبينهما طريق ، صح مع التباعد وعدم علو سطح الإمام.

ويجوز أن يكون المأموم أعلى من الإمام بما يعتد به كالسطح وشبهه ، سواء كان خارج المسجد والإمام فيه ، أو كانت الصلاة جمعة أو غيرها ، لقول الصادق عليه‌السلام : إن كان الإمام أسفل من موضع المأموم فلا بأس (٤). وللأصل.

__________________

(١) كذا في « ق » و « ر » وفي « س » تعلمهم.

(٢) جامع الأصول ٦ ـ ٤٠٨.

(٣) جامع الأصول ٦ ـ ٤٠٨.

(٤) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٦٣ ح ١.

(٥) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٦٣ ذيل ح ١.

١٢٤

البحث السادس

( في نية الاقتداء )

يشترط في الاقتداء أن ينوي المأموم الاقتداء ، وإلا لم تكن صلاته صلاة جماعة ، إذ ليس للمرء من عمله إلا ما نواه ، وعليه الإجماع.

ولا يكفي نية الجماعة ، لاشتراكها بين الإمام والمأموم ، فليس في نية الجماعة ربط الفعل بفعل الغير ، ولأن المأموم يسقط عنه وجوب القراءة الثانية على المنفرد. فإذا لم ينو الاقتداء ، انعقدت صلاته منفردا ، فإذا ترك القراءة ، بطلت صلاته ، وكذا لو قرأ معتقدا عدم الوجوب.

ولا يكفي المتابعة من غير نية في الاقتداء ، فإن تابع من غير نية الاقتداء ، صحت صلاته إذا فعل ما يفعله المنفرد ، للامتثال ، ولم يحصل منه سوى مقارنة فعله بفعل غيره.

ولو شك هل نوى الاقتداء أم لا؟ احتمل أن يكون حكمه حكم الشاك في أصل النية ، فإن كان المحل باقيا استأنف ، وإلا فلا التفات ، ويبني على ما فعله معه إن كان متابعا تاركا للقراءة ، فهو مأموم وإلا فمنفرد.

ولو كان ذلك قبل القراءة ، فإن جوزنا ايتمام المنفرد في الأثناء ، جدد نية الايتمام ، وإلا احتمل البطلان والتخيير والانفراد ، واحتمل مخالفته للشك في أصل النية (١) ، إذ لا يمكن الاستمرار هنا على نية الاقتداء ، ولا على نية الانفراد ، لتضاد حكمهما.

ويجب أن ينوي الاقتداء بإمام معين ، إما بالاسم ، أو الصفة ، ولو بكونه الإمام الحاضر ليمكن متابعته.

ولو عين وأخطأ ، بأن نوى الاقتداء بزيد ، فبان أنه عمرو ، بطلت صلاته ، لأنه لم ينو الاقتداء بهذا المتبوع وما نواه لم يقع له ، لعدم إمكانه.

__________________

(١) في « ق » و.

١٢٥

وكذا لو عين الميت في صلاة الجنازة وأخطأ ، وجب عليه إعادة الصلاة.

ولو نوى الاقتداء بالحاضر ، فاعتقده زيدا فكان غيره ، فالوجه البطلان.

ولو كان بين يديه اثنان ، ونوى الاقتداء بأحدهما لا بعينه ، لم تصح صلاته ، لعدم إمكان متابعتهما على تقدير الاختلاف ولا أولوية.

ولو نوى الايتمام بهما معا ، لم تصح ، للاختلاف.

ولو نوى الاقتداء بالمأموم ، لم تصح صلاته.

ولا فرق بين أن يكون عالما بالحكم ، أو جاهلا به أو للوصف. فلو خالف المأموم سنّة الموقف ، فوقف على يسار الإمام ، فنوى الداخل الاقتداء بالمأموم ظنا أنه الإمام ، لم تصح صلاته.

ولو ظن أنه مأموم ، فنوى الاقتداء به جاهلا بالحكم ، فبان منفردا ، فالأقوى الصحة ، لأنه لم ينو الباطل في نفسه ولا في ظنه ، ولو كان عالما بالحكم ، فالأقوى البطلان ، لأنه دخل دخولا باطلا في ظنه ، وإن لم يكن مطابقا.

ولا يشترط أن ينوي الإمام الإمامة ، فلو صلى منفردا ، فدخل قوم ، فصلوا بنية الاقتداء ، صحت صلاتهم وإن لم يجدد نية الإمامة. وكذا لو صلى بنية الانفراد مع علمه بأن من خلفه يأتم به ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلى منفردا ثم لحقه من ائتم به ، ولأن أفعال الإمام مساوية لأفعال المنفرد ، ولا مخالفة بينهما في الهيئات والأحكام.

وهل يشترط ذلك في الجمعة وما يشترط فيه الجماعة؟ إشكال ، ينشأ من أنها لا تقع إلا جماعة ، ولا يكفي نية الجمعة المستلزمة لنية مطلق الجماعة ، لاشتراكها بين الإمام والمأموم ، ومن عدم وجوب التعرض للشرائط في النية.

وإذا صلى اثنان فنوى كل منهما أنه إمام لصاحبه ، صحت صلاتهما ، لأن كلا منهما قد احتاط لصلاته فيما يجب على المنفرد ، ولقول علي عليه‌السلام ،

١٢٦

صلاتهما تامة (١). وعذر في نية الإمامة وإن لم يكن مأموم ، لتوهمه ايتمام صاحبه به ، فإن لم يكن هناك مأموم ، وجوز أن يحضر في الأثناء ، أو لم يجوز ، ففي جواز انضمام نية الإمام إشكال.

ولو نوى كل منهما أنه مأموم لصاحبه ، بطلت صلاتهما إجماعا ، لإخلالهما بشرط الصلاة وهو القراءة الواجبة ، لقول علي عليه‌السلام : صلاتهما فاسدة ليستأنفا (٢).

ولو شك كل منهما هل نوى الإمامة أو الايتمام؟ بعد الفراغ من الصلاة ، احتمل الصحة ، لأنه شك في شي‌ء بعد الفراغ منه. والبطلان لعدم تيقن (١) براءة ذمته مما هو ثابت بيقين.

ولو شكا في أثناء الصلاة أيهما إمام ، بطلت صلاتهما ، إذ لا يمكن مضيهما في الصلاة واقتداء أحدهما بالآخر.

ولو ائتم السابق بركعة فما زاد ، صح في الفرض والنفل ، لأن جابرا وجبارا دخلا المسجد وقد أحرم عليه‌السلام وحده ، فأحرما معه في الفرض ، ولم ينكر عليهما.

ولو عين الإمام إمامته بمعين ، فأخطأ لم يضر ، لأن أصل النية غير واجب عليه ، والخطأ لا يزيد على الترك.

ولو لم ينو الإمامة أصلا ، صحت الجماعة ، والأقرب أنه يدرك فضيلتها ، لحصولها من غير نية ، ولأن المأموم نال فضيلتها بسببه. ويحتمل العدم ، إذ ليس للمرء من عمله إلا ما نوى (٣).

ولو أحرم منفردا ، ثم نوى الايتمام ، قال الشيخ : تصح الجماعة ،

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٢٠ ح ١.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٢٠ ح ١.

(٣) في « ق » يقين.

(٤) وسائل الشيعة ١ ـ ٣٤.

١٢٧

لإجماع الفرقة ، وللأخبار عنهم عليهم‌السلام ، وللأصل ، ولأنه يجوز النقل من الايتمام إلى الانفراد للحاجة ، فجاز العكس طلبا للفضيلة.

لا يقال : ورد إبطال الفرض مع إمام الأصل والنقل إلى النفل مع غيره ، فلو جاز النقل إلى الايتمام كان أولى.

لأننا نقول : بمنع الأولوية ، تحصيلا لفضيلة الجماعة من أول الصلاة.

إذا أثبت هذا فإن كان قد سبق الإمام بركعة ، لم يتابعه في القيام إلى الرابعة ، بل يجلس ويتشهد ، ثم إن شاء سلم بنية المفارقة ، وإن شاء انتظر مطولا في الدعاء إلى أن يفرغ الإمام ويسلم معه. ويجوز أن يحرم مأموما ثم يصير إماما في موضع الاستخلاف ، أو إذا نوى المفارقة ثم ائتم به غيره ، وكذا لو نقل نيته إلى الايتمام بإمام آخر.

ولو أدرك نفسان بعض الصلاة ، أو ائتم مقيمان بمسافر فسلم الإمام ، جاز أن يأتم أحدهما بالآخر.

ولو نوى الإمام الايتمام بغيره ، لم يصح.

ويجوز للإمام نقل النية من الايتمام إلى الانفراد إجماعا منا ، لأنه عليه‌السلام صلى يوم ذات الرقاع بطائفة ركعة ، ثم خرجت من صلاته وأتمت منفردة. وقال الصادق عليه‌السلام في الرجل صلى خلف إمام فسلم قبل الإمام ، قال : ليس بذلك بأس (١) ، ولأن الجماعة ليست واجبة ابتداء فكذا استدامة ، لأن التطوعات لا تجب بالشروع ، ولأنه استفاد بصلاة الإمام فضيلة الجماعة ، فتزول بالخروج الفضيلة دون الصحة.

ولو نوى الانفراد قبل شروع الإمام في القراءة ، قرأ هو ، ولو كان بعد فراغه ، ركع ولم يقرأ. ولو كان بعد الفاتحة ، فالأقرب الاجتزاء بها عنها فيقرأ السورة. ولو كان في الأثناء ، فالوجه الابتداء من أول الحمد ، مع احتمال القراءة من موضع المفارقة. وكذا لو كان في أثناء السورة.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٦٥ ح ٤.

١٢٨

ولو صلى مع جماعة فحضرت جماعة أخرى ، فعدل نيته إلى الايتمام بإمامتهم ، فالوجه الجواز. ولو أراد أن يصلي صلاته بصلاة الجماعة ، وجب نية الاقتداء.

ولو أحدث الإمام ، فاستخلف غيره ، لم يحتج المأموم إلى تجديد نية الايتمام بالخليفة ، لوجود نية الاقتداء في الابتداء والخليفة كالنائب. ويحتمل وجوب نية الاقتداء ثانيا.

البحث السابع

( في توافق نظم الصلاتين )

يشترط توافق نظم صلاة الإمام والمأموم في الأركان والأفعال ، فلا تصح مع الاختلاف ، كاليومية مع الجنازة أو الخسوف أو العيد ، للنهي عن المخالفة. وعدم جواز الموافقة هنا ، لئلا يخرج صلاة المأموم عن هيئتها.

ولا يشترط اتحاد الصلاتين نوعا ولا صنفا ، فيجوز للمفترض الاقتداء بالمتنفل ، لا مطلقا بل في صورة النص ، وهو ما إذا قدم فرضه. ويجوز العكس مطلقا ، لأن معاذا كان يصلي مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العشاء ، ثم يرجع فيصليها بقومه (١) ، هي له تطوع ولهم مكتوبة. ولأن الرضا عليه‌السلام أمر محمد بن إسماعيل بن بزيع بذلك.

وكذا يجوز لمن صلى الظهر أن يصلي العصر خلف من يصلي الظهر وبالعكس ، سواء اتفق العدد أو اختلف ، كالصبح قضاء مع الظهر.

وكذا يجوز للقاضي أن يصلي خلف المؤدي وبالعكس ، لأن الصادق عليه‌السلام سئل عن إمام صلى العصر وهي لهم ظهر؟ قال : أجزأت عنه وأجزأت عنهم (٢). ولأنهما صلاتان متفقتان في الأفعال الظاهرة ، فيصحان جماعة‌

__________________

(١) سنن أبي داود ١ ـ ١٦٣.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٥٣ ح ١.

١٢٩

وفرادى ، فجاز أن يكون المأموم في إحداهما والإمام في الأخرى ، كالمتنفل خلف المفترض.

وهل يصح أن يصلي الجمعة خلف المتنفل بها؟ كالمعذور إذا قدم ظهره ، أو خلف مفترض بغيرها؟ كقاضي الصبح ، الأحوط المنع ، والأقرب جواز صلاة المتنفل بمثله في مواضع مخصوصة ، كالاستسقاء والعيدين المندوبين ، دون غيرهما.

وإذا كانت صلاة المأموم ناقصة العدد ، لم يجز له المتابعة ، بل يتخير بين التسليم عند الفراغ ، وبين الصبر إلى أن يفرغ إمامه.

ولو انعكس الحال ، تخير عند قعود الإمام للتشهد بين المفارقة فيتم قبل سلامه ، وبين الصبر إلى أن يسلم ، فيقوم ويأتي بما بقي عليه.

ولو قام الإمام إلى الخامسة سهوا ، لم يكن للمسبوق الايتمام فيها.

ويستحب للمنفرد إعادة صلاته مع الجماعة ، إماما كان أو مأموما. وهل يجوز فيهما؟ الأقرب ذلك في صورة واحدة ، وهي ما إذا صلى إمام متنفل بصلاته بقوم مفترضين ، وجاء من صلى فرضه فدخل معهم متنفلا ، أما لو خلت الصلاة عن مفترض ، فإشكال.

ويستحب إعادة الصلاة للمنفرد في جميع الصلوات اليومية في أي وقت كان ، للعموم وقول الصادق عليه‌السلام في الرجل يصلي الفريضة ثم يجد قوما يصلون جماعة ، أيجوز أن يعيد صلاته معهم؟ قال : نعم وهو أفضل (١) ، ولا كراهة في الفجر والعصر ، لأنها ذات سبب.

البحث الثامن

( إدراك الركوع )

من أدرك الإمام في الركوع فقد أدرك تلك الركعة ، لقوله عليه‌السلام :

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٥٦ ح ٩.

١٣٠

من أدرك الركوع من الركعة الأخيرة يوم الجمعة ، فليضف إليها أخرى ، ومن لم يدرك الركوع من الركعة الأخيرة ، فليصل الظهر أربعا (١). ولأنه أدرك معظم أركان الركعة ، لأن القراءة ليست ركنا.

ولا يشترط إدراك تكبيرة الركوع ، خلافا للشيخ ، وقد سبق في الجمعة.

وإذا أدركه راكعا ، كبر للافتتاح واجبا ، وكبر ثانيا للركوع مستحبا ، لأنه ركوع معتد به ، ومن انتقل إلى ركوع معتد به فمن سننه التكبير ، كالإمام والمنفرد.

ولو خاف رفع الإمام ، كبّر للافتتاح خاصة ونوى الوجوب. وليس له أن ينوي الافتتاح والركوع لتضاد الوجهين.

ولو كبّر ولم ينو أحدهما ، احتمل البطلان ، لعدم نية الافتتاح وصلاحية الفعل لهما ، والصحة ، لأن قرينة الافتتاح تصرفها إليه ، ويعارض بأن قرينة الهوى تصرفها إليه.

ولو رفع الإمام رأسه مع ركوع المأموم ، فإن اجتمعا في قدر الإجزاء من الركوع أجزأه ، وإلا فلا.

ولو رفع الإمام رأسه من الركوع ، ثم ذكر أنه نسي التسبيح ، لم يكن له الرجوع إلى الركوع ، فإن رجع جاهلا بالحكم فدخل مأموم معه ، لم يكن مدركا للركعة ، لأنه ركوع باطل.

ولو شك هل رفع رأسه قبل ركوعه ، فالأقوى عدم إدراك الركعة ، لأن الأصل عدم إدراك الركوع ، ولأن الحكم بإدراك ما قبل الركوع بإدراك الركوع على خلاف الحقيقة ، لا يصار إليه إلا عند يقين الركوع. ويحتمل الرجوع إلى أصالة بقاء الإمام في الركوع في زمان الشك.

وإن أدركه بعد الركوع والأذكار ، لم يكن مدركا للركعة ، وعليه أن يتابعه في الركن الذي أدركه فيه وإن لم يكن محسوبا له.

__________________

(١) سنن ابن ماجة ١ ـ ٣٥٦ ، جامع الأصول ٦ ـ ٤٢٧.

١٣١

وإن أدركه بعد رفعه من الركوع ، استحب له أن يكبّر للهوي إلى السجود ، ويسجد معه السجدتين ، ولا يعتد بهما ، بل إذا قام الإمام إلى اللاحقة ، قام ونوى وكبر للافتتاح ، وإن شاء انتظره حتى يقوم فيستفتح معه.

وإنما لم يعتد بالسجدتين ، لأن زيادتهما زيادة ركن فتبطل الصلاة بهما. وقال الصادق عليه‌السلام : إذا استقبل الإمام بركعة فأدركت وقد رفع رأسه فاسجد معه ولا تعتد بهما (١). ولو كان السجود للركعة الأخيرة فعل ما قلناه ، فإذا سلم الإمام ، قام فاستقبل صلاته بنية منفردة وتكبير متجدد.

ولو أدركه بعد رفع رأسه من السجدة الأخيرة ، كبر للافتتاح خاصة وجلس معه في تشهده ذاكرا ، وإن شاء سكت إلى أن يفرغ الإمام ويسلم ، فيقوم إلى صلاته. ولا يكبّر للهوي ، لأن الجلوس في القيام لم يشرع في الصلاة ، فلا يكبّر له. ولا يحتاج إلى استيناف تكبير آخر للافتتاح ، لأنه لم يزد ركنا تبطل الزيادة به سهوا ، بخلاف القيام بعد السجدتين ، لأنهما ركن مبطل ، والجلوس هنا ليس مبطلا ، لأنه من أفعال الصلاة تحصيل للجماعة.

وإذا لحقه بعد رفعه من سجود الثانية ، تخير بين أن يكون للافتتاح خاصة ، ويجلس متابعة لإمامه ، فإذا قام إلى الثالثة قام معه ، ولا يتابعه في التكبير ، لأنه قيام أول بالنسبة إليه ، فاذا صلى ركعتين مع الإمام ثم سلم الإمام ، قام إلى ثالثته مكبرا ، إن قلنا باستحبابه في قيام الثالثة ، لا يقوم إلى ابتداء ركعة. وإن شاء صبر بعد التكبير إلى أن يقوم الإمام إلى الثالثة ، وإذا كبّر وجلس معه لم يتشهد متابعة له ، لأن المتابعة تجب في الأفعال دون الأذكار ، وهذا ليس موضع التشهد.

وإذا قام مع الإمام إلى أولاه وهي ثالثة الإمام ، لا يقرأ دعاء الاستفتاح.

ولو كبّر المأموم وقصد أن يقعد ، فقام الإمام قبل أن يقعد المأموم ، دعا‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٤٩ ح ٢.

١٣٢

للاستفتاح. والفرق أنه وجد منه في الأول الاشتغال بعد الافتتاح بفعل وجب عليه الإتيان به ، فلم يبق حكم الاستفتاح. وهنا لم يشتغل بفعل ، فيؤمر بدعائه.

وهل تحصل فضيلة الجماعة لو أدركه بعد الرفع من الركوع الأخير؟ إشكال ، ينشأ من فوات الجماعة. ومن رواية مرسلة عن محمد بن مسلم قلت له : متى يكون مدركا للصلاة مع الإمام؟ قال : إذا أدرك الإمام وهو في سجدته الأخيرة من صلاته. فهو مدرك لفضل الصلاة مع الإمام (١).

وإذا كبّر الإمام ثم أحس بداخل في المسجد ، لم يستحب له الزيادة في التلاوة لغرض الالتحاق ، لأنه يحصل من إدراك الركوع. ولو زاد في القراءة ، لم تكره. ولو ظن أنه يفوته الركوع ، فالأقرب استحباب زيادة القراءة ، تحصيلا لفضيلة الجماعة للداخل.

وكذا لو أحس به وهو في الركوع ، استحب له تطويله ليلحق به ، لأنه فعل يقصد به التقرب إلى الله تعالى بتحصيل ثواب لمسلم. قال الباقر عليه‌السلام : انتظره مثلي ركوعك (٢).

ولو دخل المأموم المسجد فركع الإمام ، فخاف فوت الركوع ، جاز أن يكبّر ويركع ويمشي راكعا حتى يلتحق بالصف قبل رفع رأس الإمام ، أو يأتي آخر فيقف معه ، ولا تبطل بالمشي في الركوع ، لأنه من أفعال الصلاة لإدراك الصف ، وتحصيلا لسنّة الموقف ، وفعل ذلك جماعة من الصحابة ، ولقول أحدهما عليهما‌السلام : يركع قبل أن يبلغ القوم ويمشي وهو راكع حتى يبلغهم (٣).

ويجوز أن يركع ويسجد في مكانه ، ثم يقوم إلى الثانية ويمشي في قيامه.

ولو كان بعيدا من الصف ، فإن لم يخرج عن حد البعد المبيح للايتمام ،

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٤٨ ح ١.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٥٠ ح ١.

(٣) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٤٣ ح ١.

١٣٣

فالوجه أنه يقف وحده ، لئلا يفعل فعلا كثيرا. فإن مشى ، احتمل الجواز لأنه من أفعال الصلاة ، والمنع لكثرته.

وإذا كان لا يصح أن يأتم به لبعده ، فالوجه أنه ليس له أن يركع ، بل يصبر حتى يلتحق بالإمام في الثانية. وإن كان لا يصح للحائل ، لم يجز له أن يشرع حتى يخرج عن الحائل.

ولو ركع دون الصف ومشى ، فسجد الإمام قبل التحاقه ، سجد على حاله وقام والتحق بالصف ، فإن ركع الإمام ثانيا ، ركع ومشى في ركوعه وصحت صلاته ، لقول الصادق عليه‌السلام : إذا خفت أن يركع قبل أن تصل إليه فكبر واركع ، فإن رفع رأسه فاسجد مكانك ، فإذا قام فالحق بالصف ، وإن جلس فاجلس مكانك ، فإذا قام فالحق بالصف (١).

ولو رفع رأسه من الركوع ثم دخل الصف قبل إتمام الركعة ، صحت صلاته. لأن أبا بكرة دخل ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم راكع فركع دون الصف ثم مشى إلى الصف ، فلما فرغ عليه‌السلام قال : أيكم الذي ركع دون الصف ثم مشى إلى الصف؟ فقال أبو بكرة : أنا فقال عليه‌السلام : زادك الله حرصا. ولم يأمره بالإعادة.

وما يدركه المسبوق مع الإمام ، يكون أول صلاته وإن كانت آخر صلاة الإمام عند علمائنا ، لقول علي عليه‌السلام : يجعل ما أدرك مع الإمام من الصلاة أولها (٢).

وقال الباقر عليه‌السلام : إذا أدرك الرجل بعض الصلاة جعل أول ما أدرك أول صلاته. إذا أدرك من الظهر أو العصر ركعتين يقرأ فيما أدرك مع الإمام مع نفسه أم الكتاب وسورة ، فإن لم يدرك السورة تامة أجزأته أم الكتاب ، فإذا سلم الإمام قام فصلى ركعتين لا يقرأ فيهما ، لأن الصلاة إنما تقرأ‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٤٣ ح ٣.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٤٦ ح ٦.

١٣٤

فيهما في الأولتين (١). ولأنها ركعة مفتتحة بالإمام فكانت أول صلاته كالمنفرد ، وللإجماع على أنه إذا أدرك ركعة في المغرب صلى أخرى وجلس للتشهد ، ويجهر في الثانية ويسر في الثالثة.

ولو أدرك الأخيرتين من الرباعية ، استحب القراءة لا وجوبا ، لسقوطها عن المأموم ، ويقرأ في الأخيرتين الحمد وحدها مسرا فيها. ولو لم يقرأ مع الإمام ، أو قرأ مستحبا في الأولتين ، لم يسقط التخيير بعد مفارقة الإمام ، وإن كان الإمام قد سبّح في أخيرتيه ، لأنهما آخرتان (١) فلا يسقط حكم التخيير فيهما. وقيل : يجب القراءة ، لئلا تخلو صلاته عن القراءة.

البحث التاسع

( في المتابعة )

يجب على المأموم أن يتابع الإمام ، ولا يتقدم عليه في الأفعال ، لقوله عليه‌السلام : لا تبادروا الإمام ، فإذا كبّر فكبّروا ، وإذا ركع فاركعوا ، وإذا سجد فاسجدوا (٢). والمراد من المتابعة أن يجري على أثر الإمام ، بحيث يكون ابتداؤه بكل واحد منهما متأخرا أو مصاحبا أو متقدما على فراغه.

وهل يجب التأخير في التكبير؟ إشكال ، ينشأ من قوله عليه‌السلام : فإذا كبّر فكبّروا (٣) ، ومن أصالة العدم.

أما الركوع والسجود وسائر الأركان ، فإنه يجوز المساوقة ، لأن الإمام حينئذ في الصلاة ، فينتظم الاقتداء به.

ولو رفع المأموم رأسه من الركوع أو السجود قبل إمامه. أو أهوى إليهما ، فإن كان ناسيا عاد إلى المتابعة ، لأن النسيان يسقط معه اعتبار الزيادة. وسئل‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٤٥ ح ٤.

(٢) في « ق » آخريتان.

(٣) جامع الأصول ٦ ـ ٤٠١.

(٤) نفس المصدر.

١٣٥

الكاظم عليه‌السلام عن رجل ركع مع الإمام يقتدي به ، ثم رفع رأسه قبل الإمام؟ قال : يعيد ركوعه (١) وسئل الصادق عليه‌السلام عن الرجل يرفع رأسه من السجود قبل أن يرفع الإمام رأسه من السجود؟ قال : فليسجد (٢). ولا تعد هذه زيادة في الحقيقة ، لأن فعل المأموم تابع لفعل الإمام وهو واحد فكذا متابعه. وهل العود واجب؟ الأقرب المنع.

وإن كان عامدا صبر ، ولم يجز له الرجوع ، لأنه يكون قد زاد ركنا من غير عذر ، ولأنه برفعه عمدا قبل إمامه يجري مجرى عدول نية الاقتداء فيما سبقه فيه. وسئل الصادق عليه‌السلام عن الرجل يرفع رأسه من الركوع قبل الإمام أيعود فيركع إذا أبطأ الإمام؟ قال : لا (٣). وكذا لو كان الإمام ممن لا يقتدى به ، لأنه منفرد ، فيقع سجوده وركوعه في محله ، فلا يسوغ له العود في العمد والنسيان.

تذنيب :

أطلق علماؤنا الاستمرار مع العمد ، والوجه عندي التفصيل ، فإن المأموم إن سبق إلى ركوع بعد فراغ الإمام من القراءة استمر. وإن كان قبل فراغه ولم يقرأ المأموم ، أو قرأ ومنعناه منها ، أو قلنا أن المندوب لا يجزي عن الواجب ، بطلت صلاته ، وإلا فلا.

وإن كان إلى رفع أو سجود أو قيام عن تشهد ، فإن كان بعد فعل ما يجب من الذكر ، استمر وإن لم يفرغ إمامه منه. وإن كان قبله ، بطلت وإن كان قد فرغ إمامه.

ولو فرغ المأموم من القراءة قبل الإمام ، استحب له أن يسبّح ، تحصيلا لفضيلة الذكر ، ولئلا يقف صامتا. وسئل الصادق عليه‌السلام أكون مع الإمام‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٤٧ ح ٢. و ٣.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٤٧ ح ١.

(٣) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٤٨ ح ٦.

١٣٦

فأفرغ من القراءة قبله؟ قال : أمسك آية ومجد الله وأثن عليه ، فاذا فرغ فاقرأ الآية واركع (١).

ويستحب أن يبقي آية من السورة للرواية (٢) ، ثم يتم القراءة إذا ركع إمامه ليركع عن قراءة. والظاهر أن هذا فيما لا يجهر فيه الإمام بالقراءة ، أو أن يكون الإمام ممن لا يقتدى به ، لأن الإنصات إلى قراءة الإمام أفضل.

ولو ركع الإمام ولم يركع المأموم حتى رفع الإمام رأسه ، لم تبطل صلاته وإن تأخر عنه بركن كامل.

ولو تأخر عنه بركنين لغير عذر ، ففي الإبطال إشكال ، ينشأ من عدم المتابعة. ومن أصالة الصحة ، ولو كان لعذر ، جاز قطعا.

ولو كان الإمام سريع القراءة والمأموم بطيئها ولم يسمع ولا همهمة في الجهرية ، وكان إخفاتا ، فركع الإمام قبل الإتمام تابعه ، لعدم وجوب القراءة ووجوب المتابعة. ولو أمن الرفع قبل الإكمال ، جاز له الإكمال ثم يلتحق به.

ولو حضر المأموم والإمام في أثناء القراءة فكبّر ، وركع الإمام قبل إتمام قراءة المأموم ، تابعه في الركوع وسقط عنه باقي القراءة ، لعدم وجوبها.

وإذا ترك الإمام شيئا من أفعال الصلاة ، فإن كان فرضا لم يتابعه المأموم على تركه ، كما لو قام في موضع قعوده وبالعكس ولم يرجع بعد ما سبّح به المأموم ، لأنه إما عامد فتبطل صلاته ، أو ساه فلا يترك العامد.

وإن ترك مندوبا ، فإن كان في الاشتغال بها تخلف فاحش ، لم يأت به المأموم ، لأن المتابعة أولى من فعل المندوب. ولو أمن التخلف ، جاز الإتيان بها ، كجلسة الاستراحة والقنوت إذا لحقه على القرب.

وإذا صلى منفردا ثم وجد جماعة ، استحب له تلك الصلاة على ما تقدم ، ويتابع الإمام في العدد. فلو كانت المغرب صلاها ثلاثا لا غير.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٣٢ ح ١.

(٢) نفس المصدر.

١٣٧

ولو صلى الفريضة في جماعة ، ففي استحباب إعادتها في جماعة أخرى إشكال ، ينشأ من العموم ، ومن حصول فضيلة الجماعة ، فلا وجه للإعادة. ويحتمل الإعادة وإن كان إماما. ويحتمل الإعادة أيضا إذا حصل في الجماعة الثانية زيادة فضيلة ، بأن يكون الإمام أعلم ، أو أورع ، أو كون الجمع أكثر ، أو كون المكان أفضل.

وإذا أعيدت الصلاة نوى نيتها ، فلو أعاد الظهر نوى الظهر وكذا البواقي. وهل ينوي الفرض؟ إشكال ، ينشأ من عدم الوجوب ، ومن كونها إعادة فيأتي بالمثل ، والأول أقوى. فإن قلنا بالثاني فالفرض الأصلي هو الأول. ويحتمل أن ينوي الظهر ولا يتعرض للفرض ، ويكون ظهره نفلا كصلاة الصبي.

المطلب الثالث

( في صفات الإمام )

يشترط في إمام الصلاة شروط ، ينظمها قسمان : عامة وخاصة.

البحث الأول

( في الشرائط العامة )

وهي البلوغ ، والعقل ، والإسلام ، وطهارة المولد ، والختان.

الأول : البلوغ ، فلا تصح إمامة غير المميز ، وأما المميز فقولان : المنع في الفرض وهو الأقوى ، لقول علي عليه‌السلام : لا بأس أن يؤذن الغلام قبل أن يحتلم ، ولا يؤم حتى يحتلم ، فإن أمّ جازت صلاته وفسدت صلاة من خلفه (١).

ولأن الإمامة من المناصب الجليلة ، وهي تناسب حالة الكمال ، والصبي‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٣٩٨ ح ٧.

١٣٨

ينحط درجته عنها ، ولأنه عارف بعدم المؤاخذة ، فلا يؤمن أن يترك شرطا ، لعدم الزاجر في حقه ، ولأنها فريضة فلا تصح إمامته فيها كالجمعة.

والجواز ، لقول علي عليه‌السلام : لا بأس أن يؤذن الغلام الذي لم يحتلم وأن يؤم (١). وفي الطريق ضعف (١).

وهل تصح إمامته في النفل؟ إن قلنا إن فعله شرعي جاز ، لأنه يترخص فيها ما لا يترخص في الفرض ، وإلا فلا. ولا خلاف في أن البالغ أولى منه.

الثاني : العقل ، فلا تصح إمامة المجنون إجماعا ، لعدم تحصيله والاعتداد بفعله ، وكما لا تصح إمامة المطبق ، فكذا من يعتوره حالة جنونه. ويجوز حالة إفاقته على كراهة ، لإمكان أن يكون قد احتلم حال جنونه ولا يعلم ، ولئلا يعرض له الجنون في الأثناء.

الثالث : الإسلام شرط في الإمام إجماعا ، فلا تصح إمامة الكافر ، وإن كان أمينا في مذهبه أو مستترا به ، لقوله تعالى ( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) (٢) ولأن الأئمة ضمناء والكافر ليس أهلا لضمان الصلاة.

ولا تصح خلف من يشك في إسلامه ، لأن الشك في الشرط شك في المشروط.

وإذا صلى الكافر ، لم يحكم بإسلامه بذلك ، سواء صلى في دار الحرب أو دار الإسلام. ولو سمعت منه الشهادتان ، فالأقرب الحكم بإسلامه ، وكذا في الأذان.

الرابع : الإيمان شرط في الإمام ، فلا تصح إمامة من ليس بمؤمن من أهل البدع ، والأهواء ، سواء أظهر البدعة أو لا ، لاندراجه في قوله تعالى ( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) (٣) وقال جابر : سمعت رسول الله صلى الله‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٣٩٨ ح ٨.

(٢) لطلحة بن زيد ، وهو عامي المذهب.

(٣) سورة هود : ١١٣.

(٤) سورة هود : ١١٣.

١٣٩

عليه وآله على منبره يقول : لا يؤمن امرأة رجلا ولا فارج مؤمنا إلا أن يقهره سلطان ، أو يخاف سوطه أو سيفه (١). وقال الباقر والصادق عليهما‌السلام : عدو الله فاسق لا ينبغي لنا أن نقتدي به (٢).

ولا فرق في بطلان إمامته بين أن يكون إماما لمحق أو مثله ، ولا بين أن يستند في مذهبه إلى شبهة أو تقليد ، ولا بين أن يكون عدلا في مذهبه أو فاسقا.

الخامس : العدالة شرط في الإمام ، فلا تصح خلف الفاسق وإن اعتقد الحق ، عند جميع علمائنا ، لقوله تعالى ( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) (٣) والفاسق ظالم ، وقوله عليه‌السلام : ولا فاجر مؤمنا (٤). وقول الصادق عليه‌السلام : ولا تصل خلف الفاسق وإن كان يقول بقولك ، والمجهول ، والمتجاهر بالفسق وإن كان معتقدا (٥). وقول الباقر عليه‌السلام : لا تصل إلا خلف من تثق بدينه وأمانته (٦). وسئل الرضا عليه‌السلام رجل يقارف الذنوب وهو عارف بهذا الأمر ، أصلي خلفه؟ قال : لا (٧) ، ولعدم يقين البراءة.

ولو كان فسقه خفيا وهو عدل في الظاهر ، فالأقرب أنه لا يجوز للعارف بحاله الايتمام به ، لأنه ظالم عنده ، ولا فرق في ذلك بين الفرائض اليومية والجمع والأعياد.

أما المخالف في الفروع الاجتهادية باجتهاد ، فيصح أن يكون إماما ، لانتفاء فسقه.

ولو علم أنه ترك واجبا أو شرطا يعتقده المأموم دون الإمام ، فالوجه عدم‌

__________________

(١) سنن البيهقي ٣ ـ ٩٠.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ٣٩٢ ما يدل على ذلك.

(٣) سورة هود : ١١٣.

(٤) سنن البيهقي ٣ ـ ٩٠.

(٥) وسائل الشيعة ٥ ـ ٣٩٢ ح ٤.

(٦) وسائل الشيعة ٥ ـ ٣٩٣ ح ٨.

(٧) وسائل الشيعة ٥ ـ ٣٩٣ ح ١٠.

١٤٠