نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٨
الجزء ١ الجزء ٢

السماء حول المدينة كأنه الليل (١).

وقال الباقر عليه‌السلام صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الاستسقاء ركعتين (١) ، وصلى أمير المؤمنين صلاة الاستسقاء وخطب طويلا ثم بكى وقال : سيدي ساخت جبالنا ، وأغبرت أرضنا ، وهامت دوابنا ، وقنط ناس منا ، وتاهت البهائم وتحيرت في مراتعها ، وعجت عجيج الثكلى على أولادها ، وملت الدوران في مراتعها حيث حبست عنها قطر السماء ، فدق بذلك عظمها ورق لحمها وذاب شحمها وانقطع درها ، اللهم ارحم أنين الأنة ، وحنين الحانة ، وارحم تحيرها في مراتعها وأنينها في مرابضها (٢).

ويستحب فيه الصلاة عند قلة الأمطار وغور الأنهار والآبار والجدب ، عند علمائنا أجمع لما تقدم ، وقول الصادق عليه‌السلام في الاستسقاء يصلي ركعتين (٣) ، وهذه الصلاة ليست واجبة إجماعا.

وهي ركعتان يقرأ في كل ركعة الحمد وسورة ، ويكبر فيهما تكبير العيد ، لأن الباقر عليه‌السلام قال : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلى صلاة الاستسقاء وكبر فيها سبعا وخمسا (٤). وقال ابن عباس : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متذللا متواضعا ، فصلى ركعتين كما يصلي في العيد (٥).

ويقرأ فيهما أي سورة شاء. ويحتمل كما في العيد ، لأن الصادق عليه‌السلام سئل عن كيفية صلاة الاستسقاء؟ فقال : مثل صلاة العيد (٦).

ويقنت عقيب كل تكبيرة زائدة ، كما في العيد ، إلا أنه يدعو هنا بالاستعطاف وسؤال الرحمة وإنزال الغيث وتوفير الماء ، وأفضل ما يقال ما نقل‌

__________________

(١) جامع الأصول ٧ ـ ١٣٥ ، وفيه وإنها لفي مثل إلا كليل.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ١٦٣ ح ٦.

(٣) من لا يحضره الفقيه ١ ـ ٣٣٨.

(٤) وسائل الشيعة ٥ ـ ١٦٣ ح ٦.

(٥) وسائل الشيعة ٥ ـ ١٦٣ ح ٣.

(٦) جامع الأصول ٧ ـ ١٢٩.

(٧) وسائل الشيعة ٥ ـ ١٦٢ ح ١.

١٠١

عن أهل البيت عليهم‌السلام.

ويستحب أن يصوم الناس لهذه الصلاة ثلاثة أيام ، يخطب الإمام يوم الجمعة ويشعر الناس بذلك ، ويأمرهم بصوم السبت والأحد والاثنين ، أو الأربعاء والخميس والجمعة ، ويخرج بهم اليوم الثالث ، لاستجابة دعاء الصائم ، قال عليه‌السلام : دعوة الصائم لا ترد (١).

ويستحب الإصحار بها ، لأنه عليه‌السلام خرج بالناس إلى المصلى يستسقى وقال عليه‌السلام : مضت السنّة أنه لا يستسقى إلا بالبراري حيث ينظر الناس إلى السماء (٢). ولا يستسقى في المساجد إلا بمكة لشرف البقعة ، فإنه يصلى في مسجدها الحرام ، لأنهم في الصحراء ينظرون ما ينشأ من السحاب أو ينزل من الغيث.

والاستحباب إخراج الصبيان والنساء والبهائم ، ولا يحمل ذلك إلى المصلى.

وهل يخرج المنبر؟ قال المرتضى : نعم ، لقول الصادق عليه‌السلام لمحمد بن خالد : يخرج المنبر ، ثم يخرج كما يخرج يوم العيدين ، وبين يديه المؤذنون في أيديهم عنزهم ، حتى إذا انتهى الإمام إلى المصلى صلى بالناس ركعتين بغير أذان ولا إقامة (٣). وقيل : لا يخرج ، بل يعمل شبه المنبر من طين.

ويستحب أن يخرج الناس حفاة على سكينة ووقار ، لأنه أبلغ في الخضوع والاستكانة ، ولقول الصادق عليه‌السلام : يخرج كما يخرج في العيدين (٤).

وأن يتنظف الخارج بالماء وما يقطع الرائحة من سواك وغيره ، ولا يتطيب ، لأن التطيب للزينة وليس يوم زينة.

__________________

(١) سنن ابن ماجة ١ ـ ٥٥٧.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ١٦٦ ح ١.

(٣) تهذيب الأحكام ٣ ـ ١٤٩ ح ٥.

(٤) نفس المصدر.

١٠٢

ويخرج في ثياب بذلته وتواضعه ، ولا يجدد لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج متبذلا متواضعا متضرعا (١) ، ويكون مشيه وجلوسه وكلامه في تواضع واستكانة.

وأن يخرج الناس كافة ، لأن اجتماع القلوب على الدعاء مظنة الإجابة. ويخرج الإمام من كان ذا دين وصلاح وستر وعفاف وعلم وزهد ، لقرب دعائهم من الإجابة.

ويخرج الشيوخ والعجائز والأطفال ، لأنهم أقرب إلى الرحمة وأسرع للإجابة ، قال عليه‌السلام : لو لا أطفال رضع وشيوخ ركع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صبا (٢). ولا يخرج الشواب من النساء ، ليؤمن الافتتان بهم.

ويمنع الكفار من الخروج معه وإن كانوا أهل ذمة ، لأنه مغضوب عليهم ، ولئلا يصيبهم عذاب فيعم من حضرهم ، فإن قوم عاد استسقوا ، فأرسل الله تعالى عليهم ريحا صرصرا فأهلكتهم.

ويكره إخراج المتظاهر بالفسق والخلاعة (١) والنكر من أهل الإسلام.

ويخرج بالبهائم ، لأنهم في مظنة الرحمة وطلب الرزق مع انتفاء الذنب ، وقد جعلها عليه‌السلام سببا في دفع العذاب بقوله « وبهائم رتع » ولأن سليمان عليه‌السلام خرج يستسقي فرأى نملة قد استلقت على ظهرها وهي تقول : اللهمّ أنا خلق من خلقك وليس بنا غنى عن رزقك ، فقال سليمان عليه‌السلام : ارجعوا فقد شفعتم بغيركم.

وينبغي أن يأمر الإمام بالخروج من المظالم والاستغفار بالمعاصي ، وترك التشاجر ، والصدقة. ويفرق بين الأطفال وأمهاتهم ، ليكثر البكاء والخشوع بين يدي الله تعالى ، فربما أدركهم بلطفه.

__________________

(١) جامع الأصول ٧ ـ ١٢٨.

(٢) سنن البيهقي ٣ ـ ٣٤٥.

(٣) خلع خلاعة : انقاد لهواه وتهتك ، استخف.

١٠٣

ويخرج هو والقوم يقدمونه ذاكرين مستغفرين إلى أن ينتهوا إلى المصلى ، ولا أذان ولا إقامة إجماعا ، بل يقول المؤذن « الصلاة » ثلاثا. وفي أي وقت خرج جاز وصلاها ، إذ لا وقت لها إجماعا.

ويجوز فعلها في الأوقات المكروهة ، لأنه ذات سبب. وتصلى جماعة وفرادى ، لأنه عليه‌السلام صلاها في جماعة ، ولأن المراد بركتهم.

وتصح من المسافر والحاضر وأهل البوادي وغيرهم ، لعموم الحاجة. وإذا صليت جماعة لم يشترط إذن الإمام ، لأن علة تسويغها حاصل ، فلا يشترط إذن الإمام كغيرها من النوافل.

ويستحب إذا فرغ من الصلاة أن يخطب ، اقتداء بفعله عليه‌السلام ، فإذا صعد المنبر جلس بعد التسليم ، كما في باقي الخطب ، ويخطب بالخطبة المروية عن علي عليه‌السلام (١). والأقرب أنه يخطب خطبتين ، للنص على مساواة العيد.

ويستحب أن يستقبل الإمام القبلة بعد فراغه من الصلاة قبل الخطبة ، ويكبر الله تعالى مائة مرة ، ثم يلتفت عن يمينه ويسبح الله تعالى مائة مرة ، ثم يلتفت عن يساره ويهلل الله مائة مرة ، ثم يستدبر القبلة ويستقبل الناس ويحمد الله تعالى مائة مرة ، يرفع بذلك صوته ، والناس يتابعونه في الأذكار دون الالتفات إلى الجهات ، لما فيه من إيتاء الجهات حق الأذكار ، إذ لا يعلم جهة الرحمة وللرواية (٢). واختلف علماؤنا في تقديم الأذكار على الخطبة وتأخيرها.

ويستحب للإمام بعد الفراغ من الخطبة تحويل الرداء ، فيجعل الذي على يمينه على يساره ، والذي على يساره على يمينه قبل الأذكار ، لقول الصادق عليه‌السلام : ثم يصعد المنبر فيقلب رداءه فيجعل الذي على يمينه على يساره ، والذي على يساره على يمينه ، ثم يستقبل القبلة ، فيكبر الله مائة (٣). وفي‌

__________________

(١) راجع من لا يحضره الفقيه ١ ـ ٣٣٨.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ١٦٣ ح ٢.

(٣) نفس المصدر.

١٠٤

رواية : إذا أسلم الإمام قلب ثوبه بقلب الرداء ، ليقلب الله تعالى ما بهم من الجدب إلى الخصب (١). ولا فرق بين أن يكون الرداء مربعا أو مقورا (١) لأنه عليه‌السلام حول رداءه وجعل عطافه الأيمن على عاتقه الأيسر ، وعطافه الأيسر على عاتقه الأيمن (٢).

ويستحب الإكثار من الاستغفار ، والتضرع إلى الله تعالى ، والاعتراف بالذنب ، وطلب المغفرة والرحمة ، والصدقة ، لأن المعاصي سبب انقطاع الغيث ، والاستغفار يمحو المعاصي المانعة من الغيث ، فيأتي الله تعالى به.

فإن تأخرت الإجابة ، استحب الخروج ثانيا وثالثا وهكذا إلى أن يجابوا ، لقوله عليه‌السلام : إن الله يحب الملحين في الدعاء ، ولحصول السبب والخروج ثانيا كالخروج أولا.

ولو تأهبوا للخروج فسقوا قبل خروجهم لم يخرجوا ، وكذا لو سقوا قبل الصلاة لم يصلوا ، لانتفاء المقتضي. نعم تستحب صلاة الشكر ، وسؤال الزيادة ، وعموم الخلق بالغيث. وكذا لو سقوا عقيب الصلاة ، فإذا كثر الغيث وخافوا ضرره دعوا الله تعالى أن يخففه وأن يصرف مضرته عنهم ، تأسيا به عليه‌السلام.

ويجوز أن يستسقي الإمام بغير صلاة ، بأن يستسقي في خطبة الجمعة والعيدين ، وهو دون الأول في الفضل.

ويستحب لأهل الخصب أن يدعو لأهل الجدب ، لأنه تعالى أثنى على قوم دعوا لإخوانهم في قوله تعالى ( يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا ) (٣).

ولو نذر الإمام أن يستسقي انعقد نذره ، لأنه طاعة ، فإن سقي الناس ، ففي وجوب الخروج لإيفاء النذر إشكال ، ينشأ من حصول الغرض فلا فائدة‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ١٦٥.

(٢) في « س » مدورا.

(٣) جامع الأصول ٧ ـ ١٢٩.

(٤) سورة الحشر : ١٠.

١٠٥

في الصلاة ، وفي انعقاد النذر لأنه صلاة ، فلا يخرج عن العهدة بدونه ، وحصول الغاية لا تسقط الواجب. وليس له إخراج غيره ولا إلزامه بالخروج. ولو لم يسقوا ، وجب عليه الخروج بنفسه ، وليس له إلزام غيره بذلك ، بل يأمرهم أمر ترغيب.

ولو نذر أن يخرج بالناس ، انعقد نذره في حقه خاصة ، ووجب عليه إشعار غيره وترغيبه في الخروج ، فإن فعل وإلا لم يجز جبره عليه. وحكم غير الإمام لو نذر كالإمام.

ويستحب أن يخرج فيمن يطيعه من أهله وأصحابه ، فإن أطلق النذر لم تجب الخطبة ، ولو نذرها خطب. ولو نذر أن يخطب على المنبر انعقد نذره ، ولم يجز أن يخطب على حائط وشبهه.

ولو نذر الاستسقاء ، لم تجب الصلاة ولا الصوم. ولو نذر أن يستسقي بصلاة ، جاز أن يصلي أين شاء ، ويجزيه في منزله. ولو قيد صلاته في المسجد وجب ، فإن صلاها في الصحراء حينئذ قال الشيخ : لا تجزيه (١) ، وفيه إشكال ، ينشأ من أولوية إيقاعها في الصحراء.

المطلب الخامس

( في الأحكام )

التطوع قائما أفضل ، لأنه أشق فيزيد الثواب بزيادة المشقة ، وقال عليه‌السلام : من صلى قائما فهو أفضل ، ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم (٢).

ويجوز الجلوس إجماعا ، ولهذا الحديث ، وقول الباقر عليه‌السلام : ما أصلي النوافل إلا قاعدا مذ حملت هذا اللحم (٣) ، ولأنه قد يشق على كثير ، فلو‌

__________________

(١) المبسوط ١ ـ ١٣٥.

(٢) جامع الأصول ٦ ـ ٢١٤.

(٣) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٩٦ ح ١.

١٠٦

لم يشرع الجلوس لزم الحرج ، أو ترك النوافل.

وإذا صلى جالسا احتسب كل ركعتين من جلوس بركعة من قيام ، لأن أجره أجر نصف القائم ، فاستدرك أجر القائم بتضعيف العدد ، وقال الصادق عليه‌السلام : يضعف ركعتين بركعة (١). ولو احتسب بركعتين جاز للرواية والوجه (٢) عندي في الجمع بين الروايتين التضعيف مع عدم العذر ، وعدمه مع ثبوته.

وإذا صلى جالسا استحب أن يتربع حال قراءته ويثني رجليه راكعا وساجدا. ولو قام للركوع بعد فراغ القراءة كان أفضل ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصلي بالليل قائما ، فلما أسن كان يقرأ قاعدا حتى إذا أراد أن يركع قام فقرأ نحوا من ثلاثين آية أو أربعين ثم ركع (٣).

والنوافل التي لا سبب لها هي ما يتطوع به الإنسان ابتداء ، وهي أفضل من نفل العبادات ، لأن فرض الصلاة أفضل من جميع الفرائض ، والتنفل بالليل أفضل ، لقوله تعالى ( وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ ) (٤) ولأنه وقت غفلة الناس فكانت العبادة فيه أشد خلاصا من الرياء. ولا يستحب استيعاب الليل بالصلاة ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى بعض أصحابه عن فعل ذلك.

والأفضل في النوافل كلها أن يصلي ركعتين كالرواتب ، إلا الوتر وصلاة الأعرابي ، سواء نوافل الليل والنهار ، لقوله عليه‌السلام : مفتاح الصلاة الطهور ، وبين كل ركعتين تسليمة (٥). ومنع الشيخ من الزيادة على الركعتين ، لأنها عبادة شرعية فتقف على مورد النص. وروى عنه عليه‌السلام : صلاة‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٩٧ ح ٣.

(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٩٧ ح ١.

(٣) جامع الأصول ٦ ـ ٢١٥.

(٤) سورة الإسراء : ٧٩.

(٥) سنن ابن ماجة ١ ـ ١٠١ و ٤١٩.

١٠٧

الليل والنهار مثنى مثنى (١). وثبت أن تطوعاته عليه‌السلام كذلك.

وقال في الخلاف : لا يجوز الاقتصار على الواحدة إلا في الوتر ، لأنه عليه‌السلام نهى عن البتيراء. يعني الركعة الواحدة.

وإذا نوى النفل مطلقا صلى ركعتين ، لأنه الكيفية المشروعة ، ولو نوى أربعا سلم عن ركعتين ، ولو شرع بنية ركعتين ، ثم قام إلى الثالثة سهوا عاد ، وإن تعمد بطل.

والنوافل الموقتة تقضى لو فاتت ، لعموم من نام عن صلاة أو نسيها فليقضها إذا ذكرها (٢) والأقرب جواز قضائها في الأوقات الخمسة ، لأنها ذات سبب هو الذكر ، ويقضي سواء فاتت منفردة أو منضمة إلى الفرائض التابعة لها.

__________________

(١) سنن ابن ماجة ١ ـ ٤١٩.

(٢) جامع الأصول ٦ ـ ١٣٤.

١٠٨

المقصد الرابع

في النوافل‌

وفيه فصول :

١٠٩
١١٠

الفصل الأول

( في الجماعة )

وفيه مطالب :

المطلب الأول

( في فضيلة الجماعة )

أركان الصلاة وشروطها لا تختلف بين أن يؤدي على سبيل الانفراد أو بالجماعة ، لكن الأداء بالجماعة أفضل ، والإجماع والأحاديث دلا على فضلها قال عليه‌السلام : صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة (١). قال الصادق عليه‌السلام : الصلاة في جماعة تفضل على صلاة الفذ بأربع وعشرين درجة تكون خمسة وعشرين صلاة (٢).

والصلاة : إما واجبة ، أو مندوبة ، فالمندوبة لا جماعة فيها ، إلا ما تقدم من صلاة الاستسقاء والعيدين المستحبين ، وأما الواجبة ، فمنها ما تجب الجماعة فيها ، كالجمعة والعيدين الواجبين ، ومنها ما تستحب كالفرائض الخمس اليومية والآيات.

وليست الجماعة في الفرائض اليومية فرض عين ، لقوله عليه‌السلام :

__________________

(١) سنن ابن ماجة ١ ـ ٢٥٩.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ٣٧١ ح ١.

١١١

صلاة الرجل مع الواحد أفضل من صلاته وحده (١).

ولا يحسن أن يقال : الإتيان بالواجب أفضل من تركه. وليست أيضا فرض كفاية ، لأنها خصلة مشروعة في الصلاة لا تبطل الصلاة بتركها ، فلا تكون مفروضة ، كسائر السنن المشروعة في الصلاة ، ولأصالة البراءة ، فلو امتنع أهل بلدة من إقامتها ، لم يقاتلوا عليه ، لكن يستحب حثهم عليها وترغيبهم فيها ، ويحتمل قتالهم عليها كالأذان ، لأنها من شعائر الإسلام وأعلامه.

وكما تستحب للرجال كذا تستحب للنساء ، لكن في حق الرجال آكد ، وليست مكروهة لهن ، لأنه عليه‌السلام أمر أم ورقة أن تؤم أهل دارها (٢) ، وإذا صلين جماعة وقفت الإمامة وسطهن ، وجماعتهن في البيوت أفضل.

ويجوز للعجائز حضور المساجد لأمن الافتتان ، لأنه عليه‌السلام نهى النساء عن الخروج إلى المساجد في جماعة الرجال إلا عجوزا في منقلها والمنقل الخف. وإمامة الرجال لهن أولى من إمامة النساء.

ولو صلى الرجل في بيته برفيقه أو زوجته أو ولده ، أدرك فضيلة الجماعة ، لكنها في المساجد أفضل ، لقوله عليه‌السلام : صلاة الرجل في بيته أفضل إلا المكتوبة (٣).

وكلما كثرت الجماعة فيه من المساجد ، كان الفضل فيه أكثر ، فلو كان بالقرب منه مسجد قليل الجمع وبالبعد كثير الجمع ، فالأفضل قصد الأبعد ، إلا أن تتعطل الجماعة في القريب بعدوله عنه ، إما لكونه إماما ، أو لأن الناس يحضرون بحضوره ، فيكون في القريب أفضل ، أو أن يكون إمام البعيد لا يرتضى به.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٣٧٤ ح ١٤.

(٢) سنن أبي داود ١ ـ ١٦١.

(٣) صحيح مسلم ١ ـ ٥٤٠ الرقم ٧٨١.

١١٢

وإذا رأى رجلا يصلي وحده ، استحب أن يصلي معه ، لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى رجلا يصلي وحده فقال : ألا رجل يتصدق على هذا يصلي معه (١) ، فجعل الصلاة معه بمنزلة الصدقة عليه.

ويستحب أن يمشي على عادته إلى الجماعة ، ولا يسرع إلا أن يخاف فوتها ، فيستحب محافظة على إدراك فضيلة الجماعة.

ويكره ترك الجماعة ، إلا لعذر إما عام ، كالمطر ليلا ونهارا ، لقوله عليه‌السلام : إذا ابتلت النعال فالصلاة في الرحال (٢) ، أو الريح العاصفة ليلا ونهارا ، لأنه عليه‌السلام كان يأمر مناديه في الليلة المطيرة والليلة ذات الريح ألا صلوا في رحالكم (٣).

وإما خاص كالمرض ، قيل : يا رسول الله ما العذر؟ حيث قال عليه‌السلام : من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر ، فقال : خوف أو مرض.

ولا يشترط أن يبلغ مبلغا يجوز العقود في الفريضة معه ، لكن المعتبر أن يلحقه مشقة كمشقة الماشي في المطر ، وكالمتمرض وكالخوف على نفسه ، أو ماله ، أو على من يلزمه الذب عنه من سلطان يظلمه ، أو يخاف من غريم يلازمه أو يحبسه إن رآه وهو معسر لا يجد وفاء.

ولا عبرة بالخوف ممن يطالبه بحق هو ظالم في منعه ، بل عليه الحضور وتوفية ذلك الحق.

أو أن يكون عليه قصاص ولو ظفر به المستحق قتله ، وكان يرجو العفو مجانا أو على مال ، وكذا حد القذف.

أو أن يدافعه الأخبثين أو الريح ، فإن الصلاة مكروهة حينئذ ،

__________________

(١) سنن أبي داود ١ ـ ١٥٧.

(٢) سنن ابن ماجة ١ ـ ٣٠٢.

(٣) نفس المصدر ، جامع الأصول ٦ ـ ٣٧٢.

١١٣

والمستحب أن يفرغ نفسه ثم يصلي وإن فاتته الجماعة ، قال عليه‌السلام : لا يصلين أحدكم وهو يدافع الأخبثين (١). ولو خاف خروج الوقت بدأ بالصلاة ، ولا يجوز قضاء حاجته مع التمكن.

أو يكون به جوع شديد وقد حضر الطعام والشراب ونفسه تتوق إليه ، فيبدأ بالأكل والشرب. قال عليه‌السلام : إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة ابدءوا بالعشاء (٢). ولو خاف فوت الوقت لو اشتغل بالأكل ، قدم الفريضة.

أو يكون عاريا لا لباس له ، فيعذر في التخلف ، سواء وجد ما يستر به العورة أو لم يجد ، وفي حكمه من لا يجد ثياب التجمل وهو من أهله.

وشدة الحر والبرد عذران عامان ، وإرادة السفر وخوف فوت الرفقة ، ومنشد الضالة أعذار خاصة ، وكذا غلبة النوم وأكل شي‌ء من المؤذيات كالثوم والبصل.

قال الشيخ : يكره تكرر الجماعة في المسجد الواحد ، فإذا صلى إمام الحي في مسجد وحضر قوم آخرون صلوا فرادى (٣) ، لما فيه من اختلاف القلوب والتهاون بالصلاة مع إمامه.

والأقوى عندي استحباب الجماعة لكن لا يؤذنون ما دامت الصفوف الأولى لم يتفرقوا ، لأن الذي رواه أبو علي الجبائي عن الصادق عليه‌السلام كراهة أن تؤذن الجماعة الثانية إذا تخلف أحد من الأولى ودخل رجلان المسجد وقد صلى عليه‌السلام بالناس فقال لهما : إن شئتما فليؤم أحدكما صاحبه ولا يؤذن ولا يقيم (٤) ، ولأن العذر قد يحصل فلو منعوا من الجماعة فاتهم أجرها وللعموم ، ولقوله عليه‌السلام : ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه (٥).

__________________

(١) صحيح مسلم ١ ـ ٣٩٣ الرقم ٥٦٠.

(٢) صحيح مسلم ١ ـ ٣٩٢ الرقم ٥٥٧.

(٣) المبسوط ١ ـ ١٥٢.

(٤) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٦٦ ح ٣.

(٥) سنن أبي داود ١ ـ ١٥٧.

١١٤

ومحل الجماعة الفرض دون النفل كما قلناه ، لأنه عليه‌السلام أمرهم بالتنفل في بيوتهم (١).

المطلب الثاني

( في الشرائط )

وهي ثمانية (١) : الأول العدد. الثاني عدم تقدم المأموم على إمامه في الموقف. الثالث الاجتماع في الموقف. الرابع عدم الحيلولة المانعة من المشاهدة. الخامس عدم علو الإمام على المأموم بالمعتد به. السادس نية الاقتداء. السابع توافق نظم الصلاتين. الثامن إدراك الإمام قارئا أو راكعا. التاسع المتابعة ، فهنا مباحث :

البحث الأول

( العدد )

وأقله اثنان إمام ومأموم. فلو نوى الواحد الإمامة أو الايتمام ، لم يصح نيته ، وفي بطلان الصلاة إشكال ينشأ من بطلان النية لبطلان ما نواه وتعذره ، ومن بطلان الوصف فيقع لاغيا وبقي الباقي على حكمه.

ولا يشترط زيادة على الاثنين إجماعا ، ولقوله عليه‌السلام : الاثنان فما فوقهما جماعة (٢) ، ولأن المعنى المشتق منه موجود فيهما. ولا يشترط اتحادهما نوعا ، فيجوز للرجل والمرأة أو الصبي أو الخنثى عقد الإمامة.

وكذا يجوز للنساء أن يصلين جماعة في الفرض والنفل كالرجال ، لأنه عليه‌السلام أمر أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث بن نوفل وكان يزورها ويسميها‌

__________________

(١) صحيح مسلم ١ ـ ٥٤٠.

(٢) كذا في النسخ الثلاثة ، وهي تسعة.

(٣) وسائل الشيعة ٥ ـ ٣٨٠ ح ٦.

١١٥

الشهيدة بأن تؤم أهل دارها وجعل لها مؤذنا (١). وسئل الصادق عليه‌السلام هل تؤم المرأة النساء؟ فقال : لا بأس (٢) ، ولأنهن من أهل الفرض ، فسنت لهن الجماعة كالرجال ، وهو مستحب لا مكروه ، وتقف في وسطهن للرواية (٣) ، ولأن ذلك أستر كالعراة ، فإن تقدمت صحت الصلاة ، كالرجل لو صلى وسط الرجال.

والحرة بالإمامة أولى من الأمة ، كالحر مع العبد ، لأنها أكمل ، ولأنها تستتر في الصلاة. ولو تقدمت الأمة ، جاز وإن صلت مكشوفة الرأس لصحتها ولأنه فرضها. فإن أعتقت في الأثناء ، أو قبل الصلاة ولم تعلم وعلمت الحر ، جاز لها الايتمام بها ، لأنها صلاة مشروعة. وكذا العالم بنجاسة ثوب إمامه الجاهل بها ، إن لم توجب الإعادة في الوقت لو علم.

ويصح أن يؤم الرجل النساء الأجانب ، لأنه عليه‌السلام صلى بأنس وبأمه أو خالته. وكذا يصلي بالصبي في الفرض والنفل الذي يسوغ الجماعة فيه ، لأنه عليه‌السلام أم ابن عباس وهو صبي.

وللخنثى أن تؤم المرأة ، لأن أدون أحوالها المساواة ، ولا يجوز أن يؤم مثلها ولا رجلا ولا أن تأتم بالمرأة لجواز أن تكون امرأة والمأموم رجلا.

البحث الثاني

( في عدم التقدم في الموقف )

لا يجوز أن يتقدم المأموم إمامه في الموقف ، فإن فعل بطلت صلاته ، سواء تقدم عند التحريم أو في الأثناء ، لأنه عليه‌السلام تقدم وكذا الصحابة والتابعون ، ولأنه أخطأ موقفه إلى موقف ليس بموقف لأحد من المأمومين‌

__________________

(١) سنن أبي داود ١ ـ ١٦١ ، جامع الأصول ٦ ـ ٣٧٩.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٠٨ ح ١١.

(٣) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٠٦.

١١٦

بحال ، فلم تصح صلاته ، كما لو صلى في بيته بصلاة الإمام في المسجد.

ولأنه يحتاج في الابتداء والمتابعة إلى الالتفات إلى ورائه ، والاعتبار في التقدم والمساواة في العقب ، فلو تقدم عقب المأموم بطلت ، وإن ساواه صحت.

ولو كان المأموم أطول يخرج عن حد الإمام في ركوعه وسجوده ، فالأولى الصحة ، ولو كانت رجل الإمام أكبر ، فوقف المأموم بحيث يحاذي أطراف أصابعه أصابع الإمام ولكن يقدم عقبه على عقب إمامه ، فالوجه البطلان. ويحتمل الصحة ، لأنه حاذى الإمام ببعض بدنه واعتبارا بالأصابع.

ولو كانت رجل المأموم أطول ، فوقف بحيث يكون عقبه محاذيا لعقب الإمام ، وتقدمت أطراف أصابعه فالوجهان ، والأقرب اعتبار العقب والأصابع معا ، والأفضل تأخر المأموم عن الإمام.

ولو جمعوا في المسجد الحرام ، فالمستحب أن يقف الإمام خلف المقام ، ويصف الناس خلفه. ولو استداروا بالكعبة فإشكال ، ينشأ من أنه تقدم أم لا ، فإن جوزناه وكان بعضهم أقرب إلى البيت ، فإن كان متوجها إلى الجهة التي توجه إليها الإمام ، بطلت صلاته لتقدمه ، وإن كان متوجها إلى غيرها ، احتمل ذلك لئلا يكون متقدما حكما ، والجواز لأنه لم يظهر منكره ، ولعدم ضبط القرب من البيت من جميع الجهات للمشقة.

ولو صلوا داخل الكعبة فالأقرب وجوب اتحاد الجهة ، ويحتمل جواز الاختلاف. فإن كان أحدهم أقرب من الإمام إلى الجدار ، فإن اتحدت الجهة بطلت صلاته ، وإلا فالوجهان. وهل يجوز تقابل الإمام والمأموم إشكال.

ولو وقف الإمام في الكعبة والمأموم خارجا ، ففي جواز المخالفة في الاستقبال إشكال. ولو انعكس الفرض جاز ، لكن لو توجه إلى الجهة التي توجه إليها الإمام فإشكال ، ينشأ من أنه يكون سابقا على الإمام.

١١٧

ثم المأموم إن كان واحدا ذكرا ، وقف على يمين الإمام استحبابا لا وجوبا للأصل ، فإن خالف بأن وقف خلفه أو على يساره ، لم تبطل صلاته. قال ابن عباس : بت عند خالتي ميمونة فقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلي فقمت عن يساره ، فأخذني بيمينه فحولني عن يمينه (١). وقال أحدهما عليهما‌السلام : الرجلان يؤم أحدهما الآخر يقوم عن يمينه (٢).

ولا فرق بين البالغ والصبي في ذلك ، فإن جاء مأموم آخر ، وقف على يساره وأحرم ، ثم إن أمكن تقدم الإمام وتأخر المأمومين لسعة المكان من الجانبين تقدم أو تأخر ، والأولى تقدم الإمام ، لأنه يبصر قدامه فيعرف كيف يتقدم.

ويحتمل أولوية تأخرهما ، لقول جابر : صليت مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقمت عن يمينه ثم جاء آخر فقام عن يساره ، فدفعنا جميعا حتى أقامنا من خلفه (٣). ولو لم يمكن إلا التقدم أو التأخر لضيق المكان من أحد الجانبين ، حافظوا على الممكن.

هذا إذا لحق في القيام ، وإن لحق الثاني في التشهد أو السجود ، فلا تقدم ولا تأخر حتى يقوموا.

ولو حضر معه في الابتداء رجلان أو رجل وصبي ، قاما خلفه صفا واحدا. ولو لم يحضر معه إلا الإناث ، وقفن خلفه صفا ، سواء كانت واحدة أو اثنتين أو ثلاثا.

ولو حضر رجل وامرأة قام الرجل عن يمينه والمرأة خلف الرجل.

ولو حضرت امرأة مع رجلين أو رجال ، أو رجل وصبي ، قام الرجلان ، أو الرجل والصبي خلف الإمام صفا ، وقامت المرأة خلفهما.

__________________

(١) جامع الأصول ٦ ـ ٣٨٩.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ٣٧٩.

(٣) سنن ابن ماجة ١ ـ ٣١٢.

١١٨

ولو كان معه رجل وامرأة وخنثى ، وقف الرجل عن يمينه والخنثى خلفهما ، لاحتمال أن تكون امرأة ، والمرأة خلف الخنثى لاحتمال أنه رجل.

ولو حضر رجال وصبيان ، وقف الرجال خلف الإمام في صف أو صفوف ، والصبيان خلفهم ، ولو قصد تعليم الصبيان وتمرينهم لم يكن بأس ، بأن يكون بين كل رجلين صبي.

ولو حضر معهم نساء آخر ، صف النساء عن صف الصبيان ، كل هذا استحباب لا تبطل الصلاة بمخالفته إلا في موضعين :

الأول : تقدم المأموم على الإمام مبطل إجماعا منا.

الثاني : تقدم المرأة على الرجل ، أو اتفاقهما في صف واحد على الخلاف ، سواء كانت مقتدية به ، أو بإمامه أو منفردة ، ولو كانوا عراة ، وقفوا صفا واحدا.

ولو دخل رجل والقوم في الصلاة ، كره أن يقف منفردا خلف الصف ، بل إن وجد فرجة أو سعة في الصف دخل ، وله أن يخرق الصف الآخر إن لم يجد فرجة فيه ووجدها في صف قبله ، لأنهم قصروا حيث لم يتموه. ولو لم يجد فرجة وقف منفردا ، ولا يجذب إليه أحدا ، لئلا يفوت عليه الصف الأول ، ولو جر إليه غيره ، استحب للمجرور أن يساعده ، ليحصل له فضيلة الموقف.

ويستحب أن يلي الإمام أهل النهى والفضل ، لأنهم أشرف ، ليردوا الإمام لو غلط. وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ليليني منكم أولو الأحلام ، ثم الذين يلونهم ثم الصبيان (١). وقال الباقر عليه‌السلام : ليكن الذين يلون الإمام أولو الأحلام (٢).

والعراة كغيرهم في استحباب الجماعة ، ويجلس وسطهم ويصلون‌

__________________

(١) جامع الأصول ٦ ـ ٣٨٨.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ٣٨٦ ح ٢.

١١٩

جلوسا ، ويتقدمهم بركبتيه للرواية (١). ويومون للركوع والسجود. ويكون السجود أخفض.

ولو تقدمت سفينة المأموم ، فإن استصحب نية الايتمام ، بطلت صلاته ، لفوات الشرط ، وهو عدم التقدم ، خلافا للشيخ. ولو عدل إلى نية الانفراد ، صحت.

البحث الثالث

( في الاجتماع في الموقف )

يجب العلم بالأفعال الظاهرة للإمام ، ليتمكن من متابعته ، وإنما يكون بالمشاهدة للإمام ، أو لبعض الصفوف ، أو بسماع صوت الإمام ، أو صوت المترجم في حق الأعمى والبصير الذي لا يشاهد لظلمة وغيرها ، أو بهداية غيره إن كان أصم (٢) أو في ظلمة.

فإن كان الإمام والمأموم في مسجد واحد ، صح الاقتداء ، إن لم يتباعد المأموم عن الإمام بما يعد تباعدا فاحشا في العرف ، إلا مع إيصال الصفوف ، فإنه يصح الاقتداء وإن بعد جدا ، لقول الباقر عليه‌السلام : إذا صلى قوم وبينهم وبين الإمام ما لا يتخطى ، فليس ذلك لهم بإمام ، وأي صف كان أهله يصلون وبينهم وبين الصف الذي يتقدمهم قدر ما لا يتخطى فليس تلك لهم بصلاة (١).

ولا فرق في المنع من التباعد بين أن بجمعهما مسجد أو لا للعموم والقرب والبعد الحوالة فيهما على العرف لعدم التنصيص. نعم يستحب أن‌

__________________

(١) صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن قوم صلوا جماعة وهم عراة؟ قال : يتقدمهم الإمام بركبتيه ويصلي بهم جلوسا وهو جالس. وسائل الشيعة ٥ ـ ٣٢٨ ح ١.

(٢) خ ل : أعمى.

(٣) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٦٢ ح ٢.

١٢٠