نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٨
الجزء ١ الجزء ٢

ولعياله على الاقتصاد من غير إسراف ولا تقتير ، فمتى ملك ذلك حرم عليه أخذ الصدقة ، لقول الصادق عليه‌السلام : لا تصلح لغني (١). ولأن من ليس له كفاية محتاج. والحاجة ترادف الفقر ، لقوله تعالى ( أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ ) (٢) أي المحتاجون ، فيصدق عليه اسم الفقر.

والقادر على تكسب ما يمون به نفسه وعياله ، لا يحل له أخذ الزكاة وإن لم يملك نصابا ، لأنه كالغني في عدم الاحتياج.

وقد روي أن رجلين أتيا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يقسم الصدقة ، فسألاه شيئا منها ، فصعد بصره فيهما وصوبه وقال لهما : إن شئتما أعطيتكما. ولا حظ فيها للغني ولا لقوي مكتسب (٣).

وكذا ذو الصنعة إذا كانت صنعته تفي بمئونته ومئونة عياله على الدوام.

ولو ذكر الصحيح الجلد أنه لا كسب له ، أعطي منها وقبل قوله بغير يمين إذا لم يعلم كذبه ، لأنه عليه‌السلام أعطى الرجلين ولم يحلفهما ، ولأن الأصل في المسلم العدالة والصدق ، ولأن الفقر من الأمور الخفية وإنما يظهر بقول صاحبه ، والإخبار لا يفيد اليقين بل الظن ، وهو حاصل من قوله.

ولو ادعى أن له عائلة لا يكفيهم كسبه ، قبل قوله أيضا من غير يمين ، وإن أمكنه إقامة البينة عليه.

وكذا لو كان له مال وادعى تلفه ، إما بسبب خفي أو ظاهر ، وإن كان الأصل بقاؤه ، لأصالة صدق المسلم.

ويجوز إعطاء صاحب دار السكنى وفرس الركوب وعبد الخدمة وثياب التجمل ، لاحتياجه إلى ذلك واضطراره إلى ذلك فأشبه الثوب ، ولقول الصادق عليه‌السلام : تحل الزكاة لصاحب الدار والخادم (٤). ولأنها لا تباع في الدين‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ ـ ١٥٩ ح ٣.

(٢) سورة فاطر ١٥.

(٣) جامع الأصول ٥ ـ ٣٦٧.

(٤) وسائل الشيعة ٦ ـ ١٦٢ ح ٤.

٣٨١

فلم يكن غنيا بها ، فجاز له أخذ الزكاة. وقال الباقر عليه‌السلام : أعط السائل ولو كان على ظهر فرس (١).

ولو كانت له دار غلة فإن كانت غلتها تكفيه له ولعياله ، أو ضيعة يستغلها وتكفيه غلتها كذلك ، أو بضاعة يتجر بها وتكفيه فائدتها ولعياله ، لم يجز له أخذ شي‌ء من الزكاة.

وإن كان لا تكفيه جاز له تناول الزكاة ، لأنه محتاج ، ولقول الصادق عليه‌السلام وقد سأله سماعة هل تصلح الزكاة لصاحب الدار والخادم؟ فقال : نعم ، إلا أن تكون داره دار غلة فيخرج من غلتها دراهم تكفيه وعياله ، فإن لم تكن الغلة تكفيه لنفسه وعياله في طعامهم وكسوتهم وحاجتهم من غير إسراف ، فقد حلت له الزكاة ، وإن كانت غلتها تكفيهم فلا (٢).

ولو كان له نصاب زكوي أو أكثر لا يكفيه لمئونته ومئونة عياله حولا ، جاز له أخذ الزكاة على الأقوى لأنه مع ملكه لهذه الأشياء محتاج. وكذا لو كان يملك ما قيمته نصاب.

وقد روي عن الصادق عليه‌السلام جواز إعطاء صاحب ثلاثمائة درهم بضاعة إذا لم يكفه ربحها له ولعياله. وفي رواية أخرى صاحب سبعمائة ومنع صاحب خمسين درهما إذا كان سعيه بها تكفيه وعياله حولا (٣). ولا يمنع إيجاب الزكاة عليه من أخذها.

وقوله عليه‌السلام : أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم (٤). غير مناف لما قلناه.

ولو كان له مال يعد للإنفاق ولم يكن ذا كسب ولا صناعة ، اعتبرت الكفاية حولا له ولعياله ، لأنه حينئذ لا يسمى فقيرا. ولو قصر عن كفاية الحول‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ ـ ٢٩٠ ح ١.

(٢) وسائل الشيعة ٦ ـ ١٦١.

(٣) وسائل الشيعة ٦ ـ ١٦٠ ح ٦.

(٤) جامع الأصول ٥ ـ ٢٩٥.

٣٨٢

له ولعياله ، جاز له أخذ الزكاة ، ولا ينتظر بإعطائه إخراج ما معه من النفقة ، لدلالة جواز إعطاء صاحب ثلاثمائة أو سبعمائة ، لقصورها عن التكسب عليه.

ولا يشترط الزمانة في استحقاق الفقراء ، ولا التعفف عن السؤال ، لاندراجه تحت العموم.

ولو كان ما معه ينقص عن مئونته ومئونة عياله حولا ، جاز له أخذ الزكاة ، ولا يتقدر بقدر ، بل يجوز أن يأخذ زائدا عن تتمة المئونة حولا دفعة ، لعموم قوله عليه‌السلام : خير الصدقة ما أبقت غنى (١).

ويجوز للقادر على التكسب التفقه في الدين وأخذ الزكاة ، لأنه مأمور بالتعلم في الدين.

والزوجة الفقيرة إذا كان زوجها موسرا وكان ينفق عليها ، لم يجز دفع الصدقة إليها إجماعا ، لأنها غنية به. ولو لم ينفق عليها ، جاز لها أخذ الزكاة من غيره لفقرها.

والولد المكتفي بنفقة أبيه أو بالعكس ، لا يجوز له أخذ الزكاة ، لأنه غني به. نعم لو احتاج إلى اتساع في النفقة وهي زائدة عن الواجب ، فالأقرب جواز دفع الصدقة إليه ، لقول الكاظم عليه‌السلام وقد سئل عن الرجل يكون أبوه أو عمه أو أخوه يكفيه مؤنته أيأخذ من الزكاة فيوسع له إن كانوا لا يوسعون عليه في كلما يحتاج إليه؟ فقال : لا بأس (٢).

ولو كان عليه دين ، لم يمنع القدر الذي يؤدي به الدين من الاستحقاق ، وإن وجب فيه الزكاة. ولا يشترط صرفه إلى الدين في تسويغ الأخذ.

ولو كان له مال غائب لا يقدر على الإنفاق منه ، جاز له تناول الزكاة. ولو تمكن هذا من الاقتراض والدفع من الغائب بعد وقت ، فالأولى المنع من‌

__________________

(١) جامع الأصول ٧ ـ ٣٠٢.

(٢) وسائل الشيعة ٦ ـ ١٦٣ ح ١.

٣٨٣

الأخذ. ولا فرق بين أن يكون الغائب على مسافة القصر أو لا. ولو كان له دين مؤجل ، فالحكم فيه كالغائب.

ولا يشترط العجز عن كل كسب ، بل ما يليق بحاله ومروته ، دون ما لا يليق بحاله.

ولو قدر على الكسب إلا أنه مشغول بتحصيل العلوم الشرعية ، ولو تكسب انقطع عن التحصيل ، حلت له الزكاة. أما لو لم يكن مشتغلا بالعلم ، أو كان لا يتأتى له التحصيل لبلادته ، لم تحل له الزكاة مع القدرة على الكسب.

ولو اشتغل بنوافل العبادات وكان الكسب يمنعه عنها ، أو عن استغراق الوقت بها ، لم تحل له الصدقة ، لأن التكسب وقطع الطمع عما في أيدي الناس أولى من الاشتغال بالنوافل مع الطمع. ولو لم يجد الكسوب من يستعمله ، حلت له الزكاة.

ويجوز إعطاء من تجب نفقته من سهم الغارمين والعاملين والمكاتبين والغزاة إن كان بهذه الصفات ، وكذا من سهم المؤلفة. ولو كان فقيرا ، فالأقرب المنع ، لأنه حينئذ تسقط النفقة عن نفسه. ويجوز أن يعطيه من سهم ابن السبيل قدر مئونة السفر ما يحتاج إليه سفرا وحضرا ، فإن هذا القدر هو المستحق عليه.

ولو كانت الزوجة ناشزة ، جاز أن يعطيها من سهم الفقراء ، لأنه لا نفقة لها حينئذ. ويحتمل المنع لقدرتها على العود إلى الطاعة وترك النشوز ، فأشبهت القادر على التكسب. ويجوز أن يعطيها وإن كانت مطيعة من سهم المكاتبين والغارمين دون المؤلفة ، لأنها ليست من أهل الجهاد.

ولو كانت الزوجة مسافرة بانفرادها ، جاز أن تعطى من سهم الفقراء ، ثم إن سافرت بإذنه فالنفقة واجبة عليه ، فلا تعطى أصل النفقة من سهم ابن السبيل ، ويجوز أن تعطى منه مئونة السفر.

وإن خرجت من غير إذنه لم تعط منه ، بل من سهم الفقراء والمساكين ، بخلاف الناشزة حيث قلنا باحتمال منعها لقدرتها على العود إلى بدو طاعته ،

٣٨٤

والمسافرة قادرة ، فإن تركت سفرها وعزمت على العود إليه ، أعطيت من سهم ابن السبيل.

ولا يشترط في المسكين السؤال ، للأصل.

ولو كان القوي من أهل البيوتات الذين لم تجر عادتهم بالتكسب بالبدن ، له أن يأخذ الزكاة ، لأنا قد بينا أن المعتبر التكسب بحرفة تليق بحاله ، فكما لا تعتد بالحرفة التي لا تليق بحاله ، لا يعتد بأصل حرفة في حق من لا تليق به مطلق الحرفة.

الصنف الثالث

( العاملون )

وهم جباة الصدقات ، كالساعي ، والكاتب ، والقاسم ، والحاسب ، والعريف وهو كالنقيب للقبيلة ، والحاشر وهو الذي يجمع أرباب الأموال ، وحافظ المال ، وكل من يحتاج إليه فيها إلا الكيال والوزان والعداد.

فإنه يحتمل إسهامهم (١) من سهم العاملين لأنهم منهم ، ولأنا لو ألزمنا أجرتهم المالك زاد في قدر الواجب. والمنع ، لأن على المالك توفية الواجب وإنما يتم بذلك ، فكان العوض عليه كالبيع.

ويجب على الإمام أن يبعث الساعين في كل عام إلى أرباب الأموال لجباية الصدقات ، اقتداء بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام وإيصالا للحق إلى مستحقه ، فإن من أرباب الأموال من لا يعرف الواجب ولا قدره ولا مصرفه ، ومنهم من يدافع ويماطل ، فيؤدي إلى تضييع المال.

ولو احتاج إلى بعث أزيد من واحد ، فعل بحسب الحاجة.

ويتخير الإمام بين أن يستأجره إجارة صحيحة معلومة ، إما مدة معلومة أو عمل معلوم ، وبين أن يجعل جعالة معلومة على عمله ، فإذا عمله استحق‌

__________________

(١) في « ر » إسهامه.

٣٨٥

المشروط. وإن شاء بعثه من غير تسمية ثم أعطاه.

وإن تلفت الصدقة في يده من غير تفريط ، فلا ضمان عليه ، ويستحق أجرة من بيت المال ، وإن لم يتلف أعطاه أجرة منها ، وإن كان أكثر من الثمن أو أقل ثم قسم الباقي على أربابه ، لأن ذلك من مئونتها.

ولو رأى الإمام أن يعطيه أجرة من بيت المال ، أو يرزقه منها رزقا ، ولا يعطيه من الزكاة شيئا فعل ، لأنه الناظر في المصالح. وليس للإمام ولا لوالي الإقليم من قبله ، ولا القاضي إذا تولوا أخذها وقسمتها شي‌ء فيها ، لعموم ولايتهم ، فهم يأخذون من بيت المال.

ويجوز للإمام تولية الساعي جبايتها وقسمتها. ويجوز أن يوليه تحصيلها لا غير ، وإذا أولاه القسمة ، فرقها على أربابها بحسب اجتهاده بمقتضى المصلحة ، وإن لم يكن أذن في ذلك ، لم يجز تفريقها بنفسه ، فإن فعل ضمن.

الصنف الرابع

( المؤلفة قلوبهم )

وهم عند علمائنا الكفار خاصة الذين يستمالون إلى الإسلام بشي‌ء من الصدقات ، أو يتآلفون ليستعان بهم على قبال أهل الشرك. ولا يعرف علماؤنا مؤلفة أهل الإسلام.

وسهم المؤلفة كان ثابتا في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم ينسح حكمه ، لقوله تعالى ( وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ) (١) وهذه في سورة براءة ، وهي من أواخر ما نزل من القرآن على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد أعطى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المؤلفة ، وكل إمام قام مقامه.

ويجوز أن يتألفهم بمثل ذلك ويعطيهم السهم الذي سماه الله تعالى مع الحاجة. ولا يجوز لغير الإمام القائم مقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك ، لأنها ولاية مختصة به.

__________________

(١) سورة التوبة : ٦٠.

٣٨٦

ونقل الشيخ في المبسوط عن الشافعي أن المؤلفة ضربان : أحدهما قوم لهم شرف وطاعة في الناس وحسن نية في الإسلام يعطون استمالة لقلوبهم وترغيبا لهم في الإسلام ، كصفوان بن أمية وغيره.

والثاني قوم من المشركين لهم قوة وشوكة وطاعة إذا أعطاهم الإمام كفوا شرهم عن المسلمين ، وإذا لم يعطوا بغوا (١) عليه وقاتلوه فهؤلاء كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعطيهم استكفاء لشرهم ، ومن أين يعطيهم من سهم المصالح أو من سهم الصدقات قولان.

وأما مؤلفة الإسلام فأربعة أقسام :

الأول : قوم لهم شرف وسداد ، علم صدقهم في الإسلام وحسن نيتهم به ، إلا أن لهم نظراء من المشركين ، إذا أعطوا رغب نظراؤهم في الإسلام ، فهؤلاء يعطون ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعطى عدي بن حاتم والزبرقان بن بدر مع حسن نيتهم.

الثاني : أشراف مطاعون في قومهم نياتهم ضعيفة في الإسلام إذا أعطوا يرجى حسن نياتهم فإنهم يعطون ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعطى عتيبة بن الحصين والأقرع بن حابس وأبا سفيان بن حرب وصفوان كل واحد مائة من الإبل ، وأعطى العباس بن مرداس أقل من مائة فقال : أتجعل بسهمي .. ، الأبيات ، فأكمل له المائة.

الثالث : قوم من المسلمين أعراب أو عجم في طرف من أطراف المسلمين لهم قوة وطاقة بمن يليهم من المشركين ، وإذا احتاج الإمام إلى غزوهم لزمته مئونة ثقيلة ، وإذا أعطي هؤلاء الأعراب أو العجم دفعوا المشركين عنه ، فهؤلاء يعطون للانتفاع بهم في الجهاد.

الرابع : مسلمون من الأعراب أو غيرهم في طرف من أطراف الإسلام ، ويأت إليهم قوم من أهل الصدقات إن أعطاهم الإمام جبوا الصدقات وحملوها‌

__________________

(١) في المصدر : تألبوا.

٣٨٧

إلى الإمام ، وإن منعهم لم يجبوا واحتاج الإمام في إنفاذ من يجمعها إلى مئونة كثيرة ، فيجوز أن يعطيهم تحصيلا لهذه المصلحة.

ومن أين يعطي هذين الفريقين أربعة أقوال :

الأول : من سهم المصالح.

الثاني : من سهم المؤلفة من الصدقات.

الثالث : من سهم سبيل الله ، لأنها في معنى الجهاد.

الرابع : من سهم المؤلفة وسهم الجهاد.

ثم قال الشيخ : وهذا التفصيل لم يذكره أصحابنا ، غير أنه لا يمتنع أن نقول : للإمام (١) أن يتألف هؤلاء القوم ويعطيهم إن شاء من سهم المؤلفة ، وإن شاء من سهم المصالح. لأن هذا من فرائض الإمام ، وفعله حجة ، وليس يتعلق علينا في ذلك حكم اليوم ، ففرضنا تجويز ذلك والشك فيه وأن لا نقطع على أحد الأمرين (١).

وقول الشيخ جيد ، لكن لو فرضنا الحاجة إلى المؤلفة ، بأن ينزل بالمسلمين نازلة واحتاجوا إلى الاستعانة بالكفار ، فالأولى عندي جواز صرف السهم إليهم حينئذ.

الصنف الخامس

( في الرقاب )

وهم ثلاثة : المكاتبون ، والعبيد تحت الشدة ، والعبيد يشترى للعتق مع عدم المستحق وإن لم يكن في شدة. وروي رابع وهو من وجبت عليه كفارة (٢) ولم يجد ، فإنه يعتق عنه.

__________________

(١) في المصدر : إن للإمام.

(٢) المبسوط ١ ـ ٢٤٩ ـ ٢٥٠.

(٣) وسائل الشيعة ٦ ـ ١٤٥ ح ٧.

٣٨٨

ويشترط في المكاتب أن لا يكون في يده ما يفي بنجومه ، فإن كان لم يعط ، لأنه لا حاجة به إليه ، وليس له أن يصرف زكاته إلى مكاتب نفسه ، لئلا تعود الفائدة إليه. ويحتمل الجواز ، للعموم فيدفع الزكاة إلى المكاتب ، ثم يدفعها المكاتب إليه.

ويشترط صحة الكتابة ، فإن الفاسدة لا اعتبار بها ، فلا يستحق بها زكاة.

ويجوز أن يعطى قبل حلول النجم وبعده ، عملا بالعموم ، ولأن التعجيل متيسر في الحال وعند المحل قد يتعذر الأداء.

ويجوز الصرف إلى المكاتب ، سواء أذن له السيد أو منعه ، وإلى السيد بإذن المكاتب لا بدون إذنه لأنه المستحق ، لكن تسقط عن المكاتب بقدر المصروف من النجوم ، لأن من قضى دين غيره بغير إذنه برئت ذمته.

ولو صرف المكاتب المدفوع إليه في غير مال الكتابة ، ارتجع ، لأنه تعالى لم يضف السهم إليه إضافة التمليك ، كما أضاف إلى (١) الفقراء ، بل أضافه إضافة الظرفية. وإذا لم يصرف فيها ارتجع ، ولأن المقصود حصول العتق بالمال المدفوع إليه ولم يحصل.

ويحتمل عدمه وهو الأقوى عند الشيخ ، كما لو استغنى الفقير المدفوع إليه ، وكذا لو استغنى المكاتب عما أعطي أو أعتق بتبرع السيد بإعتاقه ، أو بإبرائه عن النجوم ، أو بأن يتبرع غيره بأداء النجوم عنه ، أو بأن أدى النجوم من مال آخر ومال الزكاة باق في يده.

فإن قلنا بالارتجاع فتلف المال في يده ، فإن قبل العتق لم يغرم وكذا لو أتلفه ، وإن كان بعد العتق غرم. وإن عجز المكاتب فإن كان المال باقيا في يده استرجع منه ، لأن العتق لم يحصل ولم يصرف المأخوذ إلى ما أمر به ، والعبد والسيد لا يستحقان المأخوذ ، إذ لا تحل لهما الزكاة.

__________________

(١) خ ل : في.

٣٨٩

وإن كان تالفا. فإن كان بغير تفريط فلا ضمان ، وإلا ضمن أن أوجبنا الرجوع فيما إذا لم يصرف الغارم ما أخذه في الغرم ، وإلا فلا ، ومع وجوب الغرم يتعلق بذمته لا برقبته ، لأن المال حصل عنده برضى صاحبه.

وإن كان قد دفعه إلى السيد وعجز عن بقية النجوم ، فالأقرب عدم الرجوع ، لأنه مأمور بالصرف إلى الجهة المعينة وقد امتثل ، والسيد ملكه بالدفع إليه. ويحتمل الرجوع كالغارم.

ولو أخرجه السيد عن ملكه ، فعلى عدم الغرم لا تجب فيه ، وعليه يغرم المثل أو القيمة.

تذنيبات :

الأول : للمكاتب أن يتجر بما أخذه طلبا للزيادة وإيفاء تمام النجوم ، وكذا الغارم. ولو اتجر بالمال ثم استرد ، لم يسترجع منه النماء ، وإن كان قد اشتراه بالعين.

الثاني : الغارم كالمكاتب في أن له الاكتساب بالمأخوذ في عدم الرجوع بالنماء لو رجع عليه بالعين.

الثالث : الأقرب أن للمكاتب الخيار في إخراج ما أخذه على نفقته وأداء النجوم من كسبه ، وكذا الغارم.

الرابع : يعطى مدعي الكتابة من غير يمين إذا لم يكذبه السيد (١) ، سواء صدقه أو تجردت دعواه عنهما ، لأصالة عدالة المسلم وصدقه في إخباره ، وكذا البحث في الغارم والفقير.

الخامس : الأقرب جواز الإعتاق من الزكاة ، إما باعتبار أنه في الرقاب أو في سبيل الله ، إن عممنا السبيل ، وكذا شراء الأب منهما.

__________________

(١) في « ر » المولى.

٣٩٠

السادس : المكاتب إذا لم يكن له مال ، لكنه كسوب ، فالأقرب (١) جواز إسهامه من الزكاة عملا بالعموم.

الصنف السادس

( الغارمون )

وهم ثلاثة :

الأول : المديون لمصلحة نفسه ، فيقضي من الزكاة بشرطين :

أحدهما : أن يكون به حاجة إلى قضاء الدين ، فإن وجد ما يقتضيه به من نقد أو عرض لم يقض لاندفاع حاجته ، نعم لو خرج بالصرف في الدين إلى حد الفقر والمسكنة ، فالأقرب عندي جواز القضاء ، لانتفاء الفائدة في أن يدفع ماله ، ثم يأخذ الزكاة باعتبار الفقر.

ولو كان معه ما يقضي به بعض الدين ، أعطي ما يقضي به الباقي.

ولو لم يملك شيئا إلا أنه كسوب يتمكن من قضاء دينه من كسبه ، احتمل أن يعطى ، بخلاف الفقير والمسكين ، لأن حاجتهما يتحقق يوما فيوما ، والكسوب يحصل في كل يوم ما يكفيه ، وحاجة الغارم حاصلة في الحال ، لثبوت الدين في ذمته ، وإنما يقدر على اكتساب ما يقضي به الدين بالتدريج.

ويحتمل المنع ، تنزيلا للقدرة على الكسب منزلة القدرة على المال ، كما في الفقير.

ويقضي دين الغارم وإن كان له مسكن وملبوس وفراش وآنية وخادم وفرس ركوب وحمار طحن إذا احتاج إلى ذلك كله وكان من أهله.

ولو ملك قدر كفايته ولو قضى دينه لنقص ماله عما يكفيه ، قضى من دينه قدر ما ينقص عن الكفاية.

ثانيهما : أن يكون استدان وأنفق في طاعة أو مباح كحج أو جهاد ، أو‌

__________________

(١) في « ر » فالوجه.

٣٩١

إنفاق على نفسه أو عياله ، أو خسران ما يلحقه في معاملة.

ولو كان قد أنفقه في معصية كثمن الخمر والإسراف في الإنفاق ، لم يقض من سهم الغارمين ، سواء أصر على المعصية أو تاب ، لعدم الأمن من العود ، واتخاذ التوبة ذريعة ووصلة إلى أخذ السهم.

ولو جهل فيما ذا أنفقه أعطي على الأقوى ، حملا لتصرف المسلم على الصحة.

ويجوز أن يعطى المنفق في المعصية من سهم الفقراء ويقضي هو.

ولا يشترط الحلول ، فلو كان منجما جاز أن يعطى ما يقضي في الحال أو عند الحلول وله أن يتعيش به الآن ويدفعه عند أجله ، كالنجم في المكاتب ، لأنه واجب في الحال لكن لا مطالبة ، وسواء كان الدين يحل في تلك السنة أو بعدها ، فإنه يعطى من صدقة هذه السنة.

الثاني : المديون لإصلاح ذات البين ، بأن يخاف شرا وفتنة بين شخصين أو قبيلتين ، إما بسبب تشاجر بينهما في دم قتيل لم يظهر قاتله ، فيستدين لتسكين الفتنة وإطفاء النائرة ، الدية لأهله ، فيقضي دينه من سهم الغارمين ، غنيا كان على إشكال أو فقيرا ، لئلا يمتنع الناس من هذه المكرمة. أو بسبب إتلاف مال ، فيحمل قيمة المتلف ، فيقضي الدين (١) مع الغنى والفقر ، تحصيلا لهذه المصلحة الكلية.

الثالث : الملتزم مالا بالضمان عن غيره ، فلو كان الضامن والمضمون عنه معسرين أعطي الضامن ما يقضي به الدين ، ويجوز صرفه إلى المضمون عنه إن ضمن عنه بإذنه ، لأن الضامن من فرعه.

فإن دفع إلى الضامن فقضى به الدين ، لم يكن له الرجوع على المضمون عنه ، لأنه إنما يرجع إذا غرم من عنده لا إذا أعطيناه.

وإن كانا موسرين ، لم يعط ، لأنه إذا غرم رجع إلى المضمون عنه ، فلا‌

__________________

(١) في « ق » أيضا.

٣٩٢

حاجة إلى أن يعطيه من عندنا.

ولو ضمن بغير إذنه ، فكذلك ، وإن كان الضامن خاصة معسرا ، فإن ضمن بإذنه لم يعط ، لأن له الرجوع. وإن ضمن بغير إذنه أعطي ، إذ لا ملجأ له سوى ما نعطيه.

ولو كان المعسر المضمون عنه خاصة ، جاز أن يعطى المضمون عنه. وفي الضامن إشكال ، ينشأ : من أنه دين من تحمل لإصلاح ذات البين ، فيقضي مع اليسار ، ومن أن المصلحة هنا جزية ، فلا يلتفت إليها ، بخلاف المصلحة الكلية. والغارم إنما يعطى مع بقاء الدين ، فإذا أداه من ماله لم يقض ، لأنه خرج عن كونه غارما.

وكذا لو بذل في الابتداء ماله فيه ، لم يعط ، بخلاف ما لو استدان لعمارة المسجد أو قرى الضيف أعطي مع الفقر.

ويجوز صرف السهم إلى الغارم بغير إذن صاحب الدين ، وإلى صاحب الدين بإذن المديون ، وبدون الإذن إشكال. ولو منعناه سقط من الدين قدر المصروف.

ويجوز القضاء عن الميت الغارم والمقاصة ، وإن كان واجب النفقة ، جاز القضاء عنه والمقاصة للعموم. ولو صرف السهم في غير القضاء ، ارتجع.

ولو ادعى الغرم ، صدق قوله بغير يمين ، لأصالة صدق المسلم ، ما لم يكذبه الغريم.

الصنف السابع

( سبيل الله )

قيل : إنه مختص بالغزاة المجاهدين في سبيل الله ، وهم قسمان :

الأول : المطوعة ، وهم المشتغلون بحرفهم وصنائعهم يغزون إذا نشطوا ، ولا يأخذون من الفي‌ء.

٣٩٣

الثاني : المرتزقة الذين رتبوا أنفسهم للجهاد وتجردوا له ، وهم المرابطون الذين يأخذون من الفي‌ء.

والسهم للأول خاصة ، والثاني لا يأخذون كما لا يأخذ المطوعة من الفي‌ء. قال الشيخ : ولو حمل على الكل لعموم الآية لكان قويا (١). وهو جيد.

وعلى الأول إن لم يكن مع الإمام شي‌ء من المرتزقة واحتاج المسلمون إلى من يكفيهم شر الكفار ، فالأقرب أنه تعطى المرتزقة من سهم سبيل الله ، لأنهم غزاة. ويعطى الغازي غنيا كان أو فقيرا ، لأنه كالأجير.

وقيل : سبيل الله أعم ، والمراد به كل ما فيه قربة ، كمعونة الحاج والزائر وقضاء الدين عن الحي والميت ، سواء كان الميت إذا لم يخلف شيئا ممن يجب عليه نفقته أو لا. وعمارة المساجد ، والمشاهد ، وإصلاح القناطر ، والسقايات ، والطرقات ، وسد الثقوب ، وتكفين الموتى ، والتوسعة على الأصناف ، وجميع سبيل الخير والمصالح.

ويعطى الغازي قدر كفايته لذهابه وعوده على حسب حاله من كونه فارسا أو راجلا ومنفردا وذا رفيق وطول المسافة وقصرها ، فإن خرج وغزا ، وقعت الصدقة موقعها ، وإن بدا له فلم يخرج أو رجع من الطريق استرجع منه ، لأنه في الآية جعل ظرفا للصدقة لا مالكا.

الصنف الثامن

( ابن السبيل )

وهو الغريب المجتاز المنقطع به ، وإن كان ذا يسار في بلده. وروي أن الضيف داخل فيه (٢). وهل يعطى المنشئ للسفر ما يستعين به على سفره مع حاجته إليه؟ إشكال ، ينشأ : من قولهم عليهم‌السلام في تفسيره أنه‌

__________________

(١) المبسوط ١ ـ ٢٥٢.

(٢) وسائل الشيعة ٦ ـ ١٤٦ ح ٩.

٣٩٤

المنقطع (١). وإن كان ذا يسار في بلده ، ومن أنه مريد للسفر محتاج إلى إنشائه. والأقوى الأول. ويعطى ابن السبيل بشرطين :

الأول : أن لا يكون معه ما يحتاج إليه في سفره ، ويدخل فيه من لا مال له البتة ، ومن له غير حاضر عنده بل في بلده الذي انتقل عنه.

الثاني : أن لا يكون سفره معصية ، بل إما أن يكون واجبا كالحج والجهاد ، أو مندوبا كزيارة المشاهد ، أو مباحا كسفر التجارة وطلب الآبق ، لأن السفر المباح والطاعة يتساويان في الترخص ، فيتساويان في الأخذ.

وكذا يعطى في سفر الترفه لأنه مباح. أما سفر المعصية فإنه لا يعطى ، لأن فيه إعانة على المعصية.

ولا يزاد ابن السبيل على قدر كفايته لاندفاع حاجته ، فخرج عن كونه منقطعا ، فخرج عن صدق (١) الاستحقاق. ولو دفع إليه شي‌ء ففضل عن حاجته أعاده.

المطلب الثاني

( في الأوصاف )

يشترط في أصناف المستحقين للزكاة عدا ( الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ) أمور.

الأول : الإيمان ، فلا يجوز إعطاء الكافر من الزكاة ، إلا أن يكون مؤلفا ، سواء كان كافرا أصليا أو مرتدا ، وسواء انتمي إلى الإسلام ـ كالخوارج والغلاة ـ أو لا ، وسواء كان ذميا أو لا ، لقولهم عليهم‌السلام : أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم (٢). والإضافة مخصصة.

ولا يجوز إعطاء المخالف للحق وإن كان مسلما ، لقول الباقر والصادق‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ ـ ١٤٦ ح ٧.

(٢) في « ر » صفة.

(٣) وسائل الشيعة ٦ ـ ٥ ج ٩ ما يشبه ذلك ، جامع الأصول ٥ ـ ٢٩٥.

٣٩٥

عليهما‌السلام : الزكاة لأهل الولاية (١). ولأنه خالف في أصول الدين وجحد ما هو ركن فيه ، فأشبه الكافر في المنع.

ولا فرق بين زكاة المال أو الفطرة في عدم إعطاء الكافر والمخالف للعموم ، ولقول الرضا عليه‌السلام وقد سأله إسماعيل بن سعد الأشعري عن الزكاة هل توضع فيمن لا يعرف؟ قال : لا ولا زكاة الفطرة (٢). ولأنها إحدى الزكاتين ، فمنع منها من يمنع من الأخرى كالأخرى.

الثاني : العدالة ، وقد اختلف علماؤنا في اشتراطها ، فأثبته قوم ونفاه آخرون ، وشرط آخرون مجانبته الكبائر.

والأقرب عدم الاشتراط ، عملا بعموم اللفظ الشامل لصورة النزاع ، وبأصالة عدم الاشتراط السالم عن معارضة ما يدل عليه ، ولأنه مستحق للثواب الدائم بإيمانه فجاز أن يعطى كالعدل.

نعم هي شرط في العاملين إجماعا ، لعموم ( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) (٣) فيشترط فيهم التكليف لتوقيفهما (١) عليه ، ومعرفة ما يحتاج إليه من الفقه ، لئلا يمنع المستحق حقه أو بعضه أو يعطيه أكثر أو يعطى غير المستحق.

وفي اشتراط الحرية إشكال ، ينشأ : من صلاحية العبد للنيابة في غيرها ، فكذا فيها. ومن أنها نوع ولاية تصرف في مال الغير.

الثالث : أن لا يكون ممن تجب نفقته على المالك ، كالأبوين وإن علوا والأولاد وإن نزلوا ، والزوجة والمملوك ، لقول الصادق عليه‌السلام : خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا الأب والأم والولد والمملوك والمرأة ، وذلك أنهم عياله‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ ـ ١٥٤ ح ٩.

(٢) وسائل الشيعة ٦ ـ ١٥٢ ح ١.

(٣) سورة هود : ١١٣.

(٤) في « ر » لتوقفها.

٣٩٦

لازمون له (١). وقال عليه‌السلام : ولا يعطى الجد ولا الجدة من الزكاة (٢).

ولأنهم أغنياء به ، ولعود نفع الزكاة المدفوعة عليه ، إذ بذلك يسقط عنه الإنفاق عليهم ، لصيرورته أغنياء بها ، فيكون في الحقيقة قد دفع إلى نفسه.

ويجوز الدفع إلى من يعوله تبرعا كيتيم أجنبي ، ولأن مئونته ليست واجبة عليه ، فلا يعود النفع بالدفع إلى المنفق.

فيجوز للزوجة أن يدفع زكاتها إلى زوجها ، لوجود المقتضي وهو الفقر السالم عن معارضة وجوب الإنفاق. ولا يؤثر جواز مطالبته بنفقة الغني حينئذ ، كما لا يؤثر صيرورة المديون غنيا بالدفع إليه.

الرابع : أن لا يكون هاشميا ، لإجماع علماء الأمصار على تحريم الصدقة المفروضة على الهاشمي من غيره. قال عليه‌السلام : إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد ، إنما هي أوساخ الناس (٣). وقال عليه‌السلام : الصدقة محرمة على بني هاشم (٤). وأخذ الحسن عليه‌السلام تمرة من تمر الصدقة وهو صغير فوضعها في فمه فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كخ كخ ليطرحها ، وقال : أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة (٥).

ولا تحرم صدقة بعضهم على بعض ، لسلامة العموم عن معارضة كونها أوساخ الناس ، لأن الأوساخ كله ذم لمن تضاف إليه ، فلا يندرج فيها بنو هاشم. وسأل زرارة الصادق عليه‌السلام عن صدقات بني هاشم بعضهم على بعض تحل لهم الزكاة؟ قال : نعم صدقة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحل لجميع الناس بني هاشم وغيرهم ، وصدقات بعضهم على بعض تحل لهم ، ولا تحل لهم صدقات إنسان غريب (٦).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ ـ ١٦٥ ح ١.

(٢) وسائل الشيعة ٦ ـ ١٦٦ ح ٣.

(٣) جامع الأصول ٥ ـ ٣٦٣.

(٤) وسائل الشيعة ٦ ـ ١٨٧.

(٥) جامع الأصول ٥ ـ ٣٦٤.

(٦) وسائل الشيعة ٦ ـ ١٩٠ ح ٦.

٣٩٧

ولا فرق بين أن يكون المدفوع إليه أرفع نسبا من الدافع ، كالعلوي يأخذ من العباسي والحسيني من الحسني أو لا ، لعموم الدليل.

والذين تحرم الصدقة عليهم كل ولد هاشم ، وهم الآن أربعة : أولاد أبي طالب والعباس والحارث وأبي لهب.

ولا تحرم على غيرهم من المطلبين على الأقوى ، عملا بالعموم السالم عن معارضة قوله عليه‌السلام : إنما هذه الصدقات أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد وآل محمد عليهم‌السلام (١). وبأن بني المطلب وبني نوفل وعبد شمس متحدون في القرابة والقعود ، فإذا لم يستحق بنو نوفل وعبد شمس ، فكذا بنو المطلب.

وإنما تحرم على من أبوه من بني هاشم دون من أمه خاصة منهم ، تبعا للعرف في قول الشاعر :

بنونا بنو أبنائنا وبناتنا

بنوهن أبناء الرجال الأباعد

ويشترط إلحاقه شرعا ، سواء كان بعقد صحيح أو شبهة ، لاتحادهما في ثبوت النسب. وكذا لو ثبت بالقرعة من المتداعيين.

والأقرب اشتراط الحرية في التحريم ، فلو كان الهاشمي مملوكا ، جاز صرف سهم الرقاب إليه ، لأنه ليس أقل درجة من الاسترقاق ، مع احتمال المنع ، لعموم قوله عليه‌السلام : إنا أهل بيت لا تحل لنا الصدقة (٢).

ولا تحرم الواجبة على مواليهم ، ونعني بالمولى من أعتقه هاشمي ، ولقول الصادق عليه‌السلام : تحل لمواليهم (٣). ولأن منع الزكاة في مقابلة استحقاق الخمس ، ومواليهم لا يستحقون الخمس.

وإنما يحرم على الهاشمي المفروضة من غيرهم ، أما المندوبة فلا ، لعموم‌

__________________

(١) جامع الأصول ٥ ـ ٣٦٥.

(٢) جامع الأصول ٥ ـ ٣٦٤.

(٣) وسائل الشيعة ٦ ـ ١٩٢ ح ٤.

٣٩٨

« وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى » (١) ولأن الباقر عليه‌السلام كان يشرب سقايات بين مكة والمدينة ، فقال له ابنه عليه‌السلام : تشرب من الصدقة ، قال : إنما حرمت علينا الصدقة المفروضة رواه الجمهور (٢).

وروى الخاصة عن الصادق عليه‌السلام أنه سأله زيد الشحام عن الصدقة التي حرمت عليهم؟ فقال : الصدقة المفروضة (٣). ووقف علي عليه‌السلام وفاطمة عليهما‌السلام وقفا على بني هاشم. والوقف صدقة. ولأن المفروضة مطهرة للمال ، فينتفي الوسخ عن المندوبة.

وفي تحريم المندوبة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إشكال ، ينشأ : من عموم قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنا لا نأكل الصدقة (٤). ومن أنه كان يقترض ويقبل الهدية وذلك صدقة ، لقوله عليه‌السلام : كل معروف صدقة (٥).

ويمكن الفرق بأن الصدقة المحرمة من المال ما يدفع إلى المحاويج على سبيل سد الخلّة وإعانة الضعيف طلبا للأجر ، لا ما جرت العادة بفعله على سبيل التودد من قبول الهدايا. ولا يقال لمن قبل الهدية أنه تصدق.

وإنما تحرم المفروضة على الهاشمي مع حصول ما يكفيه من الخمس ، فإن منع أو لم يبلغ الواصل من الخمس قدر كفايته ، جاز له أن يقبل الزكاة ، لأن الصدقة إنما حرمت عليهم في مقابلة ما جعل لهم من الخمس ، فإذا لم يحصل لهم حلت له الصدقة. ولهذا قال عليه‌السلام للعباس : أليس في الخمس ما يكفيكم عن أوساخ الناس (٦).

والأقرب تقدير المدفوع بما يرفع الحاجة ، فلا يجوز لهم تناول الزائد عن قدر الحاجة ، لأنه من مفهوم النهي.

__________________

(١) سورة المائدة : ٢.

(٢) وسائل الشيعة ٦ ـ ١٨٨ و ١٩١.

(٣) وسائل الشيعة ٦ ـ ١٩٠ ح ٤.

(٤) جامع الأصول ٥ ـ ٣٦٤.

(٥) وسائل الشيعة ٦ ـ ٣٢١ ح ١ و ٢.

(٦) لم أعثر على مصدر الحديث نعم يدل على ذلك ما في وسائل الشيعة ٦ ـ ١٩١ ب ٣٣.

٣٩٩

ولا يحرم على زوجات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، للعموم السالم عن معارضة النهي عن إعطاء الهاشمي.

خاتمة :

تشتمل على مسائل :

الأول : لا يجوز أن يكون الهاشمي عاملا في الصدقات مع تمكنه من الأخماس وغيرها ، لقول الصادق عليه‌السلام : إن أناسا من بني هاشم أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي ، وقالوا : يكون لنا هذا السهم الذي جعله الله عز وجل للعاملين عليها فنحن أولى به ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يا بني عبد المطلب إن الصدقة لا تحل لي ولا لكم ، ولكن قد وعدت الشفاعة ، فما ظنكم يا بني عبد المطلب إذا أخذت بحلقة الجنة أتروني مؤثرا عليكم غيركم (٢). وقال الصادق عليه‌السلام : لا تحل الصدقة لولد العباس ولا لنظرائهم من بني هاشم (٣). وهو على العموم.

الثاني : المخالف إذا دفع زكاته إلى مثله ، وجب عليه بعد الاستبصار الإعادة ، لأنه لم يدفع الحق إلى مستحقه ، فيبقى في عهدة التكليف.

ولقول الباقر والصادق عليهما‌السلام في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء الحرورية والمرجئة والعثمانية والقدرية ، ثم يتوب ويعرف هذا الأمر ويحسن رأيه ، أيعيد كل صلاة صلاها أو صوم أو زكاة أو حج أو ليس عليه إعادة شي‌ء من ذلك؟ قال : ليس عليه إعادة شي‌ء من ذلك غير الزكاة لا بد أن يؤديها ، لأنه وضع الزكاة في غير موضعها وإنما موضعها أهل الولاية (٤).

__________________

(١) خ ل : حاجتهم.

(١) وسائل الشيعة ٦ ـ ١٨٦ ح ١.

(٢) وسائل الشيعة ٦ ـ ١٨٦ ح ٣.

(٣) وسائل الشيعة ٦ ـ ١٤٩ ح ٢.

٤٠٠